السبت، 3 مارس 2012

تعريف بالاشتراكية التحررية

تعريف بالاشتراكية التحررية

مقدمة

الموجة الثورية التى تجتاح العالم الآن، والتى بدأت شرارة اشتعالها فى تونس ومرت بمصر وليبيا واليمن وسوريا لتصل إلى أسبانيا وإيطاليا، واليونان، تذكرنا بموجتى الثورتين العالميتين فى 1848 و 1968، و يبدوا أنه من المحتمل أن تصل الموجة الثورية لبلدان أخرى، فى ضوء الأزمة الرأسمالية المتصاعدة، والتى أدت لتلك الثورات.

كان من أسوء نتائج انهيار نموذجى اشتراكية الدولة بجناحيها الثورى فى شرق أوروبا، و الإصلاحى فى غرب أوروبا، أن الوحش الرأسمالى تحرر من قيوده التى كبلته بها الحركتين الشيوعية و الاشتراكية الديمقراطية، كاشفا عن وجهه القبيح بعد أن زالت عنه مساحيق دولة الرفاهية كما تجسدت فى غرب أوروبا، وبريق اشتركية الدولة كما تجسد فى شرق أوروبا، و سرعان ما أفرز اجتياح الرأسمالية منفلتة العيار للعالم عن، تدهور البيئة، وتفشى تجارة كل من المخدرات والجنس و البشر والسلاح، وعودة العمل الجبرى والسخرة على نطاق واسع، وانتشار كافة أشكال الجريمة المنظمة و العنف، و تصاعد الصراعات الثقافية والدينية والعرقية، واستفحال التفكك الاجتماعى، وتدنى مستويات المعيشة ونوعية الحياة، وتوالت الأزمات الاقتصادية على العالم قاذفة بالملايين للإفلاس و البطالة والفقر والبؤس والتهميش، بعد أن تحول الاقتصاد العالمى فى معظمه لاقتصاد المضاربات الرأسمالى، الذى حول العالم لصالة قمار كبرى، محولا أعدادا متزايدة من البشر إلى مضاربين، كما شهد العالم الإفلاس الواضح للنموذج الديمقراطى الرأسمالى السائد فى التعبير عن مصالح الطبقات العاملة فى حدها الأدنى بانحسار القوة التنظيمية لتلك الطبقات من أحزاب ونقابات وتعاونيات.

و حتى تكتمل الصورة فأننا نقر أنه من المحتمل أيضا أن تنكسر تلك الموجة الثورية، طالما لم يتمكن الثوريين من تطويرها لتكنس الرأسمالية ودولها التى اندلعت الثورة بسبب أزماتها، لتصعد كافة أشكال الديكتاتورية الرأسمالية التى سوف تشعل العالم بالحروب الأهلية و الإقليمية والعالمية وغيرها، وذلك من أجل الدفاع المستميت عن مصالح عصابات اللصوص والسفاحين والبلطجية الذين يحكمون العالم، ويمتصون عرق ودماء غالبية السكان، ويستعبدونهم من أجل مصالحهم الأنانية.

ولأننا ندرك أنه طالما انحسرت الثورة فى النطاق المحلى للبلاد العربية حتى الآن، فإن أفقها الأفضل احتمالا لن يتجاوز إقامة أنظمة ديمقراطية رأسمالية أقل فسادا وأكثر مراعاة لحقوق الإنسان، إلا أن هذا لا ينفى احتمالات أخرى أسوءها هو صعود الديكتاتوريات المختلفة لسدة الحكم، ما لم تندلع الثورة فى العالم متجاوزة هذا الأفق المحدود من أجل تجاوز الرأسمالية نفسها، وهو ما يمكن أن يرفع من حدود الثورات العربية بتأثير الثورة الاجتماعية فى العالم، لينفتح الطريق لدينا هنا للتحرر الاجتماعى من الرأسمالية والدولة، ونحن فى ظل كل تلك الاحتمالات، لا يمكنا إلا النضال من أجل ما نؤمن به لتحقيق الحد الأقصى المتاح والممكن منه، جنبا إلى جنب الإعلان عنه وتبشيرنا المستمر به، إلا أننا فى كل لحظة من النضال نطرح ما هو ممكن ومتاح فى ضوء رؤيتنا للواقع مقتربين من تحقيق أهدافنا النهائية لا مبتعدين عنها.

جذور الاستغلال والقهر

السلطة القمعية التى يمارسها البشر فى مواجهة بشر آخرين لها أسباب واقعية، و ما القهر و الاستغلال سوى نتائج مرة لهذه الأسباب، وأنت لا يمكن أن تقضى على النتائج مع استمرار وجود الأسباب، وهى أسباب لا علاقة لها بإرادة و وعى كلا من المتسلطين والمتسلط عليهم، القاهرين والمقهورين.

السلطة القمعية ليست سلوك يمكن وصفه بالحسن أو القبيح، ترجع لأخلاق من يمارسها، ربما تتدخل الأخلاق فحسب فى مدى سوء أو حسن استخدام السلطة القمعية، فيمكن أن يكون هناك حاكم جيد أو صاحب عمل لطيف أو مدير طيب، إلا أن هذا لا يعنى أن أى منهم لا يمارس القهر والاستغلال على من يخضعون له، مثلهم مثل الحاكم السىء، وصاحب العمل الشرس، والمدير الشرير .

ترجع السلطة القمعية بصرف النظر عن حسن ممارستها من الطيب واللطيف والجيد أو سوء ممارستها من الشرير والشرس والسىء، لسيطرته على وسائل الإنتاج والعنف والمعرفة، و هى مصادر السلطة المادية، واحتكارها لنفسه، وحرمان الخاضع لها من السيطرة على تلك المصادر، والمسألة ليست معقدة، و إنما يمكن أن يفهمها ويلاحظها كل إنسان.

فمن يملك وسائل الإنتاج يتحكم فى المحروم منها، برغم المساواة القانونية بين المالك الحاكم، والمحروم المحكوم، فمن يملك الطعام قادر على إجبار الجائع على تنفيذ ما يريده هو لا ما يريد الجائع، و الذى لابد وأن يقبل شروط مالك الطعام حتى يعطيه ما يملأ معدته، ويستطيع الجائع أن يخدع نفسه بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، و هذا صحيح، ولكن بشرط توافر الخبز أولا، فحتى يستطيع الإنسان ممارسة أى نشاط آخر غير الأكل، عليه أولا أن يملأ معدته بالطعام، و إلا لن يكون باستطاعته الحياة ليمارس أى نشاط.

من يملك وسائل العنف سواء كانت تلك الوسائل قوة عضلية أو سلاح قادر على إجبار الأضعف عضليا أو الأضعف تسليحا أو الأعزل من السلاح على تنفيذ ما يريده، وليس على الضعيف أو الأعزل إلا أن يستجيب لإرادة الأقوى لو أراد لنفسه الحياة والسلامة، وينطبق هذا على من يملك سلطة اتخاذ القرار بحكم منصبه كالرئيس والحاكم والظابط والمدير، القادر على اجبار المحكومين و المرؤوسين والجنود والعمال على تنفيذ ما يريده هو بصرف النظر عن إرادتهم و رغباتهم .

من يملك وسائل المعرفة على نحو أكبر أو يحتكرها لنفسه دون الآخرين، قادر على السيطرة على من لا يملك منها إلا القليل أو من لا يملكها على الإطلاق، فشخص يعرف الطريق لابد و أن يقود من لا يعرفه للسير فيه، وما دمت لا تعرف إلى أين تتجه فما عليك سوى الاستجابة لنصيحة من يعرف.

هذه هى الأسباب الواقعية للاستبداد والاستغلال، و لا يمكن أن تقام أى علاقات اجتماعية سواء أكانت علاقات عمل أم علاقات أسرية أم علاقة صداقة تخلو من الاستبداد والاستغلال، إلا إذا تساوى الداخلين فى تلك العلاقة فى سيطرتهم على كل مصادر السلطة المادية الثلاثة على نحو متساو، فطالما سيطر أحد أطراف العلاقة منفردا على أى من هذه المصادر فأنه لا مفر من استبداده بالآخرين واستغلالهم، من الذين لا يسيطرون عليها مثله، وهى عملية منفصلة عن نية وأخلاق من يمارسها، ورغم أن هذه بديهيات لا تحتاج للبرهنة عليها، إلا أننا مضطرين لتوضيحها دائما، لأن القوى السياسية التسلطية المختلفة، تدعى دائما، بامكانية تحقيق الحرية الفردية والأخاء والمساواة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية دون القضاء على انقسام المجتمع بين من يسيطرون على مصادر السلطة المادية، وبين من لا يسيطرون عليها.

نشأ كل من الاستغلال والقهر عبر التاريخ البشرى إذن من انفصال السلطة القمعية عن إرادة البشر الخاضعين لها، و التى يمارسها الإنسان المتسلط على الإنسان المتسلط عليه، تلك السلطة الناتجة عن سيطرة المتسلطين على مصادر السلطة المادية دون المتسلط عليهم، ذلك لأن كل سلطة هى مفسدة، و كل سلطة مطلقة هى فساد مطلق، فالسلطة الفاسدة بطبيعتها، و فى حد ذاتها، تمنح الفرصة للإنسان المتسلط لأن يمارس استغلاله للإنسان المتسلط عليه وقهره أيضا.

ومن هنا فالقضاء على الاستغلال والقهر، لا يمكن أن يتحقق إلا فى إلغاء أسبابه الواقعية، و هو السلطة القمعية المنفصلة عن إرادة البشر وحريتهم، وذلك لا يتأتى إلا بالسيطرة الجماعية الكاملة على مصادرها المادية الثلاثة أى وسائل كل من الإنتاج والعنف والمعرفة، فلن يتم إنهاء العلاقات الاستغلالية والقمعية بين البشر، بالوعظ أو بالقمع، و لا بأوهام المستبد العادل، و انتظار تحلى البشر بالحكمة وحسن الخلق، والحكمة تقتضى أن عليك أن تقضى على الجرثومة المسببة للمرض بدلا من مجرد تخفيف الأعراض الناتجة عنها، و الجرثومة هى سيطرة الرأسماليين والبيروقراطيين على وسائل الإنتاج والعنف والمعرفة، سواء عبر ملكية الأفراد الخاصة أو ملكية الدولة العامة، والجرثومة هى فى استمرار الناس فى الإنقسام بين من يملكون ومن لا يملكون، من يأمرون وبين من عليهم إطاعة الأوامر.

الصراع الاجتماعى

إذا كنت من الذين لا يملكون إلا قوة عملهم اليدوية أو الذهنية، و من المضطرين لبيعها مقابل أجر لإنتاج السلع والخدمات ، وفى نفس الوقت لا تملك سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بعملك، ذلك لأنك محروم من السيطرة على أى مصدر من مصادر السلطة المادية، وهى وسائل كل من الإنتاج والعنف و المعرفة، و إنك بسبب ذلك الحرمان، مضطر لإطاعة أوامر من يسيطرون على تلك الوسائل، فأنت إذن بروليتارى من البروليتاريين الذين يشكلون جماعة واحدة فى العالم هى البروليتاريا العالمية، و هم عبيد الاضطرار للعمل المأجور سواء لدى رأسالمال أو الدولة، بالاضطرار للخضوع لهما، و الذين توحدهم مصالح و أهداف و ظروف مشتركة بصرف النظر عن اختلافاتهم القومية والدينية والمذهبية والعرقية واللغوية والثقافية و الجنسية، و بصرف النظر عن مستوى تعليمهم ومعيشتهم، وطبيعة عملهم و محل إقامتهم و أوطانهم، وأصولهم الاجتماعية.

البروليتاريون يشكلون الغالبية العظمى من السكان فى المجتمعات الرأسمالية، و فى كل العالم المعاصر، و الطريق الوحيد لانتزاع حقوقهم، و حرياتهم، وتحقيق مصالحهم، و أهدافهم المشتركة، هو وحدتهم الصلبة، و نضالهم المشترك فى كل مكان، بدءا من محل عملهم، وحتى العالم بأسره، وعدم سماحهم بتفتيت هذه الوحدة لأى سبب وتحت أى دعوة فى مواجهة كل هؤلاء الذين يسيطرون على مصادر السلطة المادية سواء الرأسماليين أو البيروقراطيين أو المثقفين المعبرين عن مصالح هؤلاء، و الذين يستغلون البروليتاريين ويضطهدونهم و يقهرونهم و يضللونهم، ويفرقوا بينهم بشتى السبل ليتسلطوا عليهم، ويشكلون بدورهم طبقة أخرى هى البرجوازية العالمية.

المصالح الأولية للبروليتاريا فى ظل المجتمع الرأسمالى، تتلخص فى كفالة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وزيادة ما يمكن أن يحصلوا عليه من إجمالى الناتج المحلى من خلال زيادة حصة عائد العمل "الأجور" بالنسبة لعوائد التملك "الربح والريع والفائدة" ، وهذا مشروط بتوافر درجة عالية من الديمقراطية السياسية والحقوق و الحريات الإنسانية وخاصة النقابية منها التى تتيح للبروليتاريا أدوات المساومة الجماعية مع الدولة و رأسالمال، بما يعنى الإمكانية المستمرة لتحسين ظروف حياتهم وعملهم.

أما المصالح النهائية للبروليتاريا فتعنى تحررها من عبودية العمل المأجور سواء للرأسمال أو للدولة، وخضوعها لأى منهم، وذلك لا يمكن أن يتم إلا بسيطرتها الجماعية على كافة وسائل الإنتاج و والعنف والمعرفة، وإدارتها لشتى شئون المجتمع لصالحها، بواسطة المجالس العمالية والنقابات العمالية والتعاونيات العمالية فى مواقع العمل والمناطق السكنية، و اتحادات تلك المجالس والنقابات والتعاونيات طوعيا من أسفل لأعلى. فإذ كنت بروليتارى وفق التعريف السابق فهذا البيان يتوجه إليك، و إلى كل زملاءك البروليتاريين، ونحن نطمح أن يكون هذا البيان أداة من أدوات كثيرة مطلوبة لتوحيد كل البروليتاريين الناطقين بالعربية، كعملية جزئية من عملية أشمل هى توحيد البروليتاريا العالمية باعتباره الطريق الوحيد لتحررها.

نحن نعرف بالطبع أن هذا الطريق وخصوصا فى منطقتنا بالغ الصعوبة، وأنه يحتاج لخطوات كثيرة لعل أولها أن يتحد البروليتاريون فى منظمات عمالية ديمقراطية ومستقلة عن كل من الدولة ورأسالمال، و ذلك لتنظم نضالهم من أجل مصالحهم وأهدافهم المشتركة، سواء الأولية منها أو النهائية، بداية فى كل وحدة إنتاج وخدمات ثم فى كل حى و مدينة وقرية و إقليم ودولة، وهكذا وصولا للوحدة العالمية للبروليتاريا العالمية، و لأن هذه المنظمات غائبة فى معظم بلدان المنطقة، و من ثم فالمطلوب عملية شاقة تحتاج لنضال دؤوب ومركز وطويل على كل بروليتارى واعى بوضعه الطبقى أن يشارك فيها ما وسعه الجهد.

إننا ننطلق فى رؤيتنا وممارستنا من أن الصراع الاجتماعى الجوهرى الذى لا يجوز أن يسبقه أو أن يحل محله أى صراع اجتماعى أو سياسى آخر هو الصراع بين الطبقتين الاجتماعيتين الرئيسيتين فىى العصر الحديث (البروليتاريا والبرجوازية).

البروليتاريون، هم المحرومين من السيطرة على وسائل الإنتاج والثروة والعنف المسلح وغير المسلح وانتاج المعرفة، والذين لا يملكون سوى قوة عملهم، والمضطرون لبيعها مقابل أجر، و لا يملكون فى نفس الوقت سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بظروف حياتهم وعملهم.

البرجوازيون، على النقيض من البروليتاريا، يسيطرون على وسائل الإنتاج والثروة والعنف المسلح وغير المسلح وإنتاج المعرفة، ويملكون سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بظروف عملهم وحياتهم، وينقسمون إلى الرأسماليين وهم ملاك وسائل الإنتاج والثروة الذين يشترون قوة العمل المأجور و البيروقراطيين وهو كبار الإداريين والموظفين والساسة والمثقفين المعبرين عن مصالح هؤلاء وأفكارهم، الذين يملكون فى نفس الوقت سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بظروف حياة البروليتاريا وعملها .

سبب الصراع بين الطبقتين هو أن البروليتاريون هم عبيد العصور الحديثة، والبرجوازيون هم سادتها، وأن من مصلحة البروليتاريا أن تتحرر من تلك العبودية للبرجوازيين، ومن ثم فسوف يبقى الصراع بين الطبقتين طالما بقيت تلك العبودية.

تتواجد بين الطبقتين طبقة وسطى من المهنيين والحرفيين والمزارعين والفنيين المستقلين الأحرار الذين لا يعملون لدى أحد، ولا يستأجرون عمل الآخرين، ويطلق عليهم البرجوازيون الصغار الذين يمكنهم التحالف مع البروليتاريا أو البرجوازية حسبما تقتضى مصالحهم، ومن مصلحة البروليتاريا فى إطار صراعها مع البرجوازية أن تدفعهم للتحالف معها، فهم أيضا شركاءها فى الخضوع للبرجوازية التى تستغلهم.

البروليتارى فى تعبير آخر هو المحروم من السلطة نظرا لحرمانه من السيطرة على مصادرها المادية، أى وسائل الإنتاج والعنف المادى أو المعنوى والمعرفة، و البروليتاريون ومعهم البرجوازيون الصغار من المهنيين والحرفيين والمزارعين والفنيين المستقلين الأحرار هم خالقوا كل القيم المادية والمعنوية، وكل الثروات، وهم المحرومون منها فى نفس الوقت، فهم يخلقون بأنفسهم القيود التى تكبلهم بها البرجوازية، لأنهم لا يسيطرون علي الثروات التى يصنعوها بأنفسهم، ومن البديهى أن البروليتاريون لن يتحرروا من عبوديتهم للبرجوازيون سوى بسيطرتهم الجماعية على مصادر السلطة المادية.

الرأسمالية تقوم على استعمال العمل المأجور لإنتاج السلع وتقديم الخدمات، وتستولى لنفسها على الجزء الأعظم من الثروات التى تنتجها قوة العمل البشرى، وأى تجاوز للرأسمالية يعنى إلغاء و تجريم نظام العمل المأجور، كما سبق وألغت وجرمت البشرية العمل الجبرى والمجانى والعبودى بالقضاء على العبودية والإقطاع، وأى مشروع للتغيير الاجتماعى يحافظ على نظام العمل المأجور هو مشروع رأسمالى، وأى يسار لا يهدف إلى إلغاء نظام العمل المأجور و لايدينه هو يسار برجوازى و زائف، وعمليا لا يمكن إلغاء نظام العمل المأجور إلا فى النظام الاشتراكى التحررى.

النظام الاشتراكى التحررى

النظام الاشتراكى التحررى الذى يكفل التحرر الحقيقى للبشر والمساواة فيما بينهم، يتأسس على الملكية الاجتماعية لكل من وسائل الإنتاج والعنف والمعرفة، باعتبارها مصادر السلطة المادية، لا ملكية الدولة العامة كما فى رأسمالية الدولة، ولا الملكية الخاصة كما فى رأسمالية الأفراد، و يقوم من ناحية أخرى على احترام حقيقة تفرد الإنسان كفرد له سماته وشخصيته الفريدة، والذى تتعدد أبعاد شخصيته، بسبب صفاته الجسدية والعقلية و مكتسباته الاجتماعية، وخبراته التاريخية، وقدراته الخاصة.

أن هذا الإنسان الفريد متعدد الأبعاد والأنشطة والرغبات والاهتمامات والانتماءات، يأتى إلى العالم مكبلا بالعديد من القيود الذى لا دخل له فيها و لا اختيار، سواء الصفات الوراثية أو الأوضاع الاجتماعية، مجبرا على اكتساب مورثاته وجنسه و لغته وثقافته وعقيدته وعاداته وتقاليده ومجمل وعيه، ومن ثم فيجب لتحريره أن يكون له الحرية فى أن ينضم طوعا طالما قارب سن الشباب، إلى تعاونية معينة تقوم بنشاط محدد، ليتعاون مع أفرادها فى تلبية احتياجاتهم المشتركة عبر هذا النشاط، ومن ثم تتعدد التعاونيات التى يمكن أن ينضم لها الفرد بتعدد أنشطته واهتماماته وأبعاده ورغباته وانتماءاته، ولهذا فلابد أن يكون باب العضوية مفتوح لكل من يطلب عضوية تلك التعاونيات بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو آراءه السياسية أو دينه أو قوميته أو وضعه الاجتماعي .

يبدأ بناء المجتمع الاشتراكى التحررى إذن بتحرر إرادة الفرد العاقل والبالغ بالطبع، فى أن يحدد ما يود ممارسته من نشاط، وما يود أن ينضم إليه من التعاونيات ، وما يدخل فيه من علاقات اجتماعية مختلفة، وبالطبع تتنوع التعاونيات من إنتاجية ومهنية واستهلاكية وسكانية وإئتمانية وتأمينية و خدمية وتعليمية وثقافية واجتماعية،كما يمكن للتعاونية الواحدة أن تجمع بين العديد من الأنشطة المتكاملة، لتشمل كل أوجه النشاط البشرى المختلفة، ومن هنا تتعدد انتماءات الفرد و أنشطته، وعلاقاته الاجتماعية المختلفة، و تتحدد جميعها وفق إرادته الحرة.

يقوم المجتمع الاشتراكى التحررى على شبكة تحتية من تلك التعاونيات الأولية المتباينة الأنشطة بتباين النشاط البشرى، والتى تنشأ لتلبى الاحتياجات البشرية المختلفة ذلك لأن البشر ليسوا مجرد حيوانات منتجة فحسب أو مجرد مقيمين بمكان ما فقط، ومن ثم لا يمكن بناء المجتمع البشرى على جانب واحد من نشاطهم، بل يجب أن يبنى مراعيا تعدد جوانب شخصيتهم و أبعادها، ومن ثم تتعدد التعاونيات بتعدد جوانب الشخصية الإنسانية واحتياجاتها.

لأنه لن يمكن للبروليتاريا عمليا كى تتحرر إلا أن تصادر ثروات مضطهديها ومستغليها من البرجوازيين، وإدارتها ذاتيا لصالح البروليتاريا وفق قواعد التعاون عبر التعاونيات ، فإن البرجوازيين الصغار سوف يستمرون فى الوجود بملكياتهم الصغيرة والقزمية بشرط منعهم من استخدام العمل المأجور، ولهم أن ينضموا للتعاونيات أو يعملوا على نحو مستقل، و فى حالة انضمامهم للتعاونيات فسوف تندمج ملكيتهم فى ملكية التعاونية، وسوف يكون مبدأ التوزيع كل حسب احتياجه مقابل أن يعمل كل عضو وفق قدراته. فى إطار تقسيم العمل المتفق عليه.

وفيما يتعلق بتنظيم شئون التعاونيات فهو كالتالى :-

لما كان كل نوع من أنواع النشاط البشرى يلزمه أساس مادى لممارسة النشاط من مصادر السلطة المادية المختلفة حسب الحالة، فيكون للتعاونية حق الانتفاع بكل مصادر السلطة المادية التى تمكنها من ممارسة نشاطها، من عقارات وآلات وأموال وغير ذلك، والتى لا يجوز تجزئتها على أى نحو، أو تفتتها لملكيات خاصة للأفراد، أما أعضاءها فيملكون حق الانتفاع بها على نحو متساو، ويبقى للأعضاء دائما حق تملك مقتنيات خاصة لاستعمالهم الشخصي.

تلتزم التعاونيات بعدم استخدام أى عمل مأجور أو أى عمل جبرى فى أى نشاط من أنشطة التعاونية، و تساعد التعاونية كل من يرغب فى التعامل معها كمنتج أو كمستهلك على الانضمام إليها. على أن يكون لكل عضو فى التعاونية صوت واحد. و لكل عضو أن ينسحب من التعاونية.

التعاونية لا تهدف بنشاطها للربح، و إنما تهدف أساسا لاستيفاء الحاجات الاستعمالية لأعضاءها، بانتاجها وتوفيرها أو بتبادل فوائض السلع والخدمات التى تنتجها أو توفرها مع فوائض السلع والخدمات التى تنتجها أو توفرها التعاونيات الأخرى.

تتأسس إدارة التعاونية على الديمقراطية المباشرة والتوافقية، التى تعنى أن كل ما يتعلق بنشاط التعاونية و أفرادها فيما يتعلق منه بنشاط التعاونية ، يحق لكل أعضاء التعاونية مناقشته، و اتخاذ قرارا بشأنه على نحو ديمقراطى. وعلى التعاونية تفويض من تراهم من مختصين فى الأمور التى يحتاج تقريرها إلى مختصين، ويحق لأعضاء التعاونية مراقبة هؤلاء المفوضين ومحاسبتهم وتكلفيهم والتحقيق معهم وسحب التفويض منهم فى أى وقت إذا ما أخلوا بوظائفهم، ومن ثم تنقسم القرارات إلى قرارات سياسية و إدارية يتخذها أعضاء التعاونية ديمقراطيا وتوافقيا، وقرارات فنية وتنفيذية يتخذها المختصون الذين تفوضهم الجماعة فى حدود اختصاصهم، كما أن هؤلاء المفوضين لا يحصلون من التعاونية على أكثر مما يحصل عليه العضو العادى مقابل أداء خدماتهم

تحدد سياسة التعاونية و قراراتها الاجتماعات الدورية والاستثنائية لكافة أعضاء التعاونية،. و تفوض الاجتماعات الدورية والاستثنائية للجمعية العمومية لأعضاء التعاونية من تراه غالبيتهم الأكفأ من بين الأعضاء لأداء المهام الإدارية المختلفة، فى فترات عدم انعقاد اجتماعات الجمعية العمومية الدورية والاستثنائية. و كل أعضاء التعاونية مرشحين للتفويض وناخبين للمفوضين فى نفس الوقت، و يتم تفويض من يحوز منهم على أصوات أكبر عدد من الأعضاء. و على الجمعية العمومية خلال اجتماعاتها الدورية والاستثنائية سحب التفويض من المفوضين بالإدارة أو إعادة تفويضهم، ومحاسبتهم على ما أدوه خلال الفترة ما بين الاجتماعات.

الاشتراكية التحررية لا تعنى عدم احترام المعرفة والعلم، ومن ثم التخصص والموهبة والقدرة الفردية، ولا تعنى عدم احترام النظام و القواعد، وبناء على ذلك فلكل تعاونية أن تحدد القواعد التى تنظم أوجه نشاطها، وأن تعاقب أى عضو من أعضاءها يخرج عن هذه القواعد والنظم التى حددوها بأنفسهم، أو قبلوها مع انضمامهم للتعاونية، وأن تفصل فى كل الخلافات التى قد تحدث بين الأعضاء، وتعاقب على كل المخالفات التى قد يرتكبوها، وتحفظ أمن التعاونية وأعضاءها، وتمثل مصالحهم المشتركة لدى الغير.

من هذه التعاونيات التى تشكل خلايا المجتمع الاشتراكى التحررى، تتشكل اتحادات ، فيما بين التعاونيات، لتلبية احتياجات ومصالح بشرية أكثر اتساعا، تهم قطاعات أوسع من البشر، وتلبى احتياجاتهم المشتركة، الأمر الذى يمكن أن يتم عبر الاتحاد بين التعاونيات، فتنشأ اتحادات تسعى لتحقيق أقصى درجة ممكنة للإكتفاء الذاتى من الاحتياجات المختلفة للأعضاء، حفاظا على حرية أعضاء التعاونيات، واستقلالية التعاونيات التى ينتقص من حريتها واستقلاليتها، مركزية المجتمع، وإدارته المركزية، فضلا عن أن ترتيبه بشكل هرمى، يجعل من سلطات قمته قيدا على حريات قواعده، ولمؤسساته العليا سلطة تقيد مؤسساته الدنيا.

تقوم الاتحادات المختلفة بإدارة المشاريع الكبيرة، و الأنشطة الضخمة، والمرافق العملاقة، وتؤدى المهام التى لا تستطيع القيام بها التعاونيات منفردة، فالاتحادات هى تعاونية أكبر حجما لا تقوم بين أفراد بل بين تعاونيات أصغر حجما، و تقوم على نفس الأسس التى تقوم عليها التعاونيات ، و التى تنضم للاتحاد، لتلبى المطالب المشتركة لتلك التعاونيات وأعضاءها، كما ينضم الأفراد للتعاونيات لتلبية مطالبهم المشتركة.

يقوم الاتحاد بحل التناقضات والمنازعات والخلافات بين التعاونيات المنضمة له لتحقيق المصالح و الاحتياجات المشتركة للتعاونيات المنضمة إليه وأعضاءها، على أساس مبدأ التعاون ، والتبادل التعاونى للسلع والخدمات. وهذا المبدأ يحل مشكلة التفاوتات التى يمكن أن تحدث بين تعاونيات غنية و تعاونيات فقيرة بحكم طبيعة نشاط كل منهما أو حجم أعمالها، ويحل المشاكل التى يمكن أن تحدث بناء على تضارب المصالح بين التعاونيات، ويمنع الإضرار بالمصالح المشتركة للتعاونيات المنضمة للاتحاد.

الاتحادات تقوم على الانضمام الطوعى للتعاونيات، عبر مفوضين منتخبين من تلك التعاونيات، و يحق لأعضاء التعاونيات المنضمة للإتحاد مراقبة هؤلاء المفوضين ومحاسبتهم وتكليفهم والتحقيق معهم وسحب التفويض منهم فى أى وقت إذا ما أخلوا بوظائفهم، ومقتضيات تفويضهم .

مثلما يحدد أعضاء التعاونيات القواعد التى تلزمهم فى ممارسة نشاطهم الجماعى، تحدد التعاونيات المنضمة للاتحادات القواعد الملزمة التى تنظم نشاطها الجماعى، وأن تعاقب الاتحادات المخالفين لتلك القواعد، و أن تفصل فى الخلافات التى قد تحدث بين التعاونيات المختلفة، وتحفظ أمن الاتحاد وأعضاءه، وتمثل مصالحهم المشتركة لدى الغير.

إذا كانت عضوية الأفراد فى التعاونيات وعضوية التعاونيات فى الاتحادات طوعية، فأن حق الانفصال مكفول للأفراد من التعاونيات ، وللتعاوتيات من الاتحادات، وبالطبع فحق الأفراد فى تكوين التعاونيات المختلفة، و التعاونيات للاتحادات حرية مكفولة للجميع.

أن حقوق سلطة التفويض هى حقوق إدارية و تنفيذية وتنظيمية، وليست سياسية، فالمفوضين ملزمين بالإرادة السياسية لمفوضيهم، كما أنه لا امتيازات لهم بسبب أداءهم لوظائفهم .

من الطبيعى أن أى سلوك أو نشاط سواء فردى أو جماعى يعرض أمن الناس وحريتهم وحقوقهم للانتهاك والخطر، لابد و أن يواجه بالردع أو العلاج اللازم عبر القواعد القانونية الملزمة، والمتفق عليها من الأفراد و التعاونيات والاتحادات.

نحن نرى على عكس ما هو شائع، أن التعاونيات والاتحادات التعاونيات يمكنها أن تمارس كل الأنشطة السيادية والإنتاجية والخدمية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تمارسها الدولة، و يمارسها الرأسماليون، على السواء، بدءا من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وحتى المشاريع الكبيرة و العملاقة بما فيها كل المرافق و المؤسسات العامة، و هى فى هذا الشأن لا تقل كفاءة إن لم تزيد بالفعل عن المؤسسات والشركات الرأسمالية والعامة والحكومية، فالفرق بين التعاونيات وبين المنشئات الحكومية و الرأسمالية يكمن فى القواعد التنظيمية التى تدار بها تلك المؤسسات فقط، لا فى حجم الأعمال، ولا فى عدد العاملين بها، و لا فى طبيعة ما تقدمه تلك المنشئات والمؤسسات من سلع وخدمات، فكما توجد شركات ومشاريع رأسمالية أو حكومية صغيرة ومتوسطة وكبيرة، يمكن أيضا أن تتكون التعاونيات واتحادات تحل محلها جميعا.

يمكن للتعاونيات واتحاداتها أن تقوم بإنتاج كل السلع، وتقديم كافة الخدمات، وأداء كافة المهام السيادية للدولة، و ذلك بالتكامل والتعاون والاتحاد فيما بينها فى اتحادات محلية أو وطنية، أو إقليمية أو دولية، من أسفل إلى أعلى، على نفس الأسس والقواعد التى تحكم التعاون التحررى فيما بين أعضاء التعاونيات ، بعيدا عن مؤسسات الدولة و منشئات رأسالمال.

عندما نشأت الرأسمالية من قلب الإقطاع وسادت العالم بعد ذلك، لم تكن نتيجة فكرة فى عقل المفكرين، ولم تنشأ لأن حزبا ما ناضل من أجل تحقيقها،أو أن ثورة ما قامت لتطبيقها، فقد نشأت الرأسمالية عندما تطورت الورش الحرفية إلى مصانع، بسبب التطور التكنولوجى، و استئجار أصحاب الورش العمال على نطاق واسع مما قلب العالم الإقطاعى رأسا على عقب، والاشتراكية التحررية لا تقدم نموذج هندسى سابق التخطيط، وإنما تستند رؤيتها للتغيير الاجتماعى على التعاونيات باعتبارها نموذج قائم فعليا فى الواقع كنظام هامشى، يمكن له النمو ليصبح النظام السائد بعد زوال الرأسمالية والدولة الحديثة المرتبطة بها، وتدخلنا النضالى من أجل تحقيق هذا التطور التقدمى فى تاريخ البشرية، هو إزالة التشوهات الرأسمالية والبيروقراطية منها، والنضال من أجل أن تكون التعاونيات التحررية النظام السائد، ومن ثم لا يمكن وصف رؤيتنا بالخيالية كما يزعم خصومنا، فنحن لسنا هواة هندسة اجتماعية لتناقض الهندسة الاجتماعية أساسا مع احترامنا للحرية الفردية والكرامة الإنسانية.

الاشتراكية التحررية مشروع أممى، ومعادي لكل الحركات والمشاريع السياسية القائمة على أساس قومى أو دينى أو عنصرى، فالاشتراكية التحررية مشروع يهدف لتحرير كل البشر على ظهر الأرض، و لا يعترف بشرعية أى حدود جغرافية أو انفصالية بين البشر بسبب اختلاف قومياتهم أو أديانهم أو ثقافاتهم أو أجناسهم أو أعراقهم أو لغاتهم، ويعتبر أن هذا التحرر غير ممكن إلا على مستوى الكوكب بأسره، و يرى أن الحل لمعظم مشكلات البشرية الآن، ولكى تتخلص من حماقتها وشرورها، هو بناء مجتمع اشتراكى تحررى يضم كل البشر وبصفتهم بشر فحسب على تلك الأرض وطنهم الوحيد، وملكيتهم الجماعية المشتركة، وقاربهم الذى يسبحون به فى الكون اللانهائى، بعيدا عن كل ما يفرقهم على أساس تمييزى بغيض .

من هنا فأننا نناضل بكافة السبل من أجل تحول القطاعين العام و الحكومى المملوكين للدولة والقطاع الخاص الرأسمالى إلى بديل التعاونيات واتحاداتها، بطريقتين هما المبادرة الجماهيرية لتأسيس التعاونيات و النضال الجماهيرى الضاغط على الدولة والرأسماليين لتحويل كافة المؤسسات الإنتاجية والخدمية والتأمينية والإئتمانية، سواء الحكومية أو العامة أو الرأسمالية إلى تعاونيات.

تشجيع ومساعدة ودعم العمال المستقلين والمهمشين والمتعطلين عن العمل و الحرفيين والمهنيين والمزارعين المستقلين على تكوين التعاونيات التى تشبع احتياجاتهم المختلفة، باعتبارها وسيلة لتحررهم الذاتى من سيطرة واستغلال كل من الرأسماليين و بيروقراطية الدولة، و إزالة المعوقات التى تحول دون ذلك.

أهداف الاشتراكية التحررية ومبادئها.

أن الهدف النهائى لكل اشتراكى تحررى هو تحقيق مجتمع بلا طبقات، وبلا سلطات قمعية، تختفى فيه الملكية الخاصة للثروات لتحل محلها الملكية الاجتماعية لكل مصادر السلطة المادية، و يزول فيه كل من العمل المأجور والعمل الجبرى، ليحل محله العمل الطوعى و التعاونى، وتنتهى فيه التفاوتات فى مستويات المعرفة بين الناس لتصبح المعرفة والمعلومات مشاعا بين الجميع، و يتحول الإنتاج من أجل الربح ليصبح إنتاجا من أجل اشباع الاحتياجات الاستعمالية للبشر، و يحل التعاون بين البشر محل التنافس، ويحل الأخاء بدلا من الصراع، و تندثر كل الحدود القومية والعرقية والدينية والثقافية التى طالما قسمت الناس، وسببت الحروب فيما بينهم، وتتلاشى فيه الفروق بين المدينة والريف، وبين العمل اليدوى والعمل الذهنى، وهى أهداف نبيلة وإنسانية، إلا أننا واقعيا نرى أنها لن تتحقق فى مثل تلك الظروف التى نعيشها الآن، ومن ثم سوف تظل حلما يستحق أن نناضل من أجله دون أن نتخلى عن الواقعية والعملية، فى ضوء حقيقة تدهور الثقافة و الوعى الاجتماعى السائد، وعدم استعداد معظم الناس للتحرر من عبوديتهم للسلطات القمعية، و من الأوهام والأساطير والمؤسسات السلطوية التى تسيطر عليهم، فضلا عن أن هذه الأهداف النهائية لن تتحقق إلا على نطاق عالمى، إذ لا يمكن أن تتحقق على نطاق محلى فى بلاد متخلفة وفقيرة مثل بلادنا، بلاد عاجزة عن أن تنتج أكثر مما تستهلك، ومن ثم فإننا وانطلاقا من النظرة الواقعية والعملية للأمور نطرح بدائل ممكنة الآن، ومتناسبة مع الظروف الواقعية لمجتمعاتنا، نرى أنه يمكن أن نحشد من أجل تحقيقها جهود أصحاب المصلحة فى تحقيقها..وهو ما يعبر عنه برنامجنا النضالي المرحلي

جذور تاريخية للتيار الاشتراكى التحررى

اللاحكمي هى الترجمة العربية الأدق للتعبير عن تيار سياسى واجتماعى و فلسفى، تعددت أسماءه و رموزه الفكرية، و تجسيداته سواء فى حركات ثورية أو فى ثورات حدثت عبر التاريخ، وتتنوع بداخله المدارس برغم ما يجمعه من إطار عام، عرف فى اللغة العربية بالفوضوي التى هى ترجمة غير دقيقة لكلمة ((Anarchy)) والتى تعنى فى الإنجليزية (لا حكم ) ، وأصلها فى اللغة اليونانية، فى حين أن الفوضوي اشتقاق نسب عربى من فوضى، وترجمتها فى الإنجليزية ((chaos))، ومن ثم فهى ترجمة فضلا عن عدم دقتها فهى خبيثة حيث تهدف لتنفير من يسمعها، وقد عرف هذا التيار فى العربية أيضا أيضا باللاسلطوى، و التحررى، وأحيانا كما تنطق بالإنجليزية دون تعريب الأناركى.

يرجع هذا التيار لجذور فكرية قديمة إلى ما قبل العصور الحديثة، تعلى من قيمة الحرية الإنسانية، وترفض السلطة القمعية وتنقدها، وتعتبر الدولة كمؤسسة فى حد ذاتها مصدر كل شر، ومصدر القهر الواقع على الإنسان، وسبب استغلاله وإفساده وتشويهه، وتبشر بعالم يخلو من هذا القهر، وذاك الاستغلال، وبإمكانية أن يحيا البشر أحرارا دون هذه المؤسسة القمعية المتعالية عليهم، و المتسلطة عليهم، أيا ما كان نظامها، ويرى البعض الآخر أن هذا التيار هو الامتداد الأكثر جذرية لفكر عصر التنوير الذى سبق الثورة الفرنسية، بشعـاراتها الثـلاث ( الحرية، و الإخاء، والمساواة )، كما يرى البعض أن هناك جذورا أناركية فى كل الثقافات عبر التاريخ فى الصين واليونان والعالم الإسلامى.

تنقسم جذور هذا التيار فى العصر الحديث لعدة منابع بدأت فى القرنين الثامن و التاسع عشر، الاناركية الفردية ويمثلها المفكر الإنجليزى جودوين والمفكر الألمانى شترينر، وهى تقوم على الحرية المطلقة للفرد إزاء أى سلطة أو جماعة، ومن هذا المنبع تتواجد تيارات الاناركية الرأسمالية و الاناركية الفردية وهى تيارات هامشية لا تمثل التيار الرئيسى فى الاناركية.. و الاناركية التعاونية أو التبادلية ويمثلها المفكر الفرنسى برودون، و الاناركية الجماعية ويمثلها المفكر الثوري الروسي باكونين، و الاناركية الشيوعية ويمثلها المفكر الثوري الروسي كروبوتكين، و كل من الأناركيات التعاونية والجماعية والشيوعية تنشد مجتمع تتعاظم فيه الحرية الفردية، و تنتفى فيه السلطة القمعية، فى إطار جماعى منظم تعاونيا، باعتبار الإنسان فى النهاية حيوان اجتماعى؛ وتختلف فى تفاصيل حول الملكية الخاصة بنفيها أو تحديدها، وأسلوب تحقيق الاحتياجات البشرية إذا ما كانت حسب الحاجة أم الجهد المبذول فى العمل.. و الاناركية المسيحية ويمثلها الروائى الروسى الشهير تولوستوى الذى استلهم من المسيحية رؤى أناركية. كما ظهر مؤخرا من تأثر بأفكار هذا التيار من المفكريين الإسلاميين والبوذيين على قلتهم النادرة، فظهرت الاناركية الإسلامية و الاناركية البوذية، ويوجد تيار الاناركية البدائية وهو تيار هامشى مثله مثل تيارات هامشية أخرى تقترب من البوهيمية والعدمية والفردية المتطرفة. بدءا من منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت الاناركيات التعاونية والجماعية و الشيوعية و الاشتراكية كتيار قوى فى العديد من البلدان الأوربية و الأمريكية، شاركت فى الأممية الأول(جمعية العمال الدولية)، وتصارعت فكريا وتنظيميا مع الماركسية متهمة اشتراكيتها بالسلطوية، وخرج ممثلوا هذا التيار الاناركى ليشكلوا أممية أخرى، وشارك الأناركيون الجماعيون والاشتراكيون و الشيوعيون فى العديد من الحركات الثورية فى روسيا و أسبانيا وفرنسا وإيطاليا، و حتى منتصف الثلاثينات من القرن العشرين، وخلال ذلك ظهرت فى داخل هذا التيار الاناركية النقابية فى فرنسا، والتى بلغت أوجها فى أوائل القرن العشرين، وظهر اتجاه ماركسي لا سلطوي فى مواجهة التفسير اللينينى السلطوى للماركسية، ويمثله كل من روزا لوكسمبورج و بانيكوك، والمعروف الآن بشيوعية المجالس، وهم الأقرب للماركسية الأصيلة، والأقرب للأناركية الشيوعية، من كل التيارات الماركسية الأخرى، و يشكلان معا تيار الاشتراكية التحررية.

ما أن انتصفت ثلاثينات القرن العشرين حتى انتهت كل هذه التيارات لفترة كمون طويلة، حتى اعتقد البعض أنها انتهت تماما، وأصبحت مجرد جزء من التاريخ، ومجرد تراث من الأفكار .

مع منتصف الخمسينات من القرن العشرين بدأ جهد نظرى لإحياء الأناركية الشيوعية، حيث ظهرت كتابات جديدة لمفكرين جدد تعتمد على نقد الكتابات والممارسات السابقة، وتحاول استشفاف رؤى جديدة تلتزم بالإطار العام الأناركى والتحررى، وفى منتصف الستينات، ومع ظهور اليسار الجديد، خرج هذا التيار من كمونه، واخذ ينتشر مجددا فى العديد من بلدان غرب أوروبا وأمريكا الشمالية، ومع سقوط الدول التى تدعى بالاشتراكية فى أواخر الثمانينات، و سقوط اللينينية أحزابا وأفكارا مثلما سقطت الاشتراكيات الديمقراطية والإصلاحية والقومية، و زاد التشكك فى أهمية دور الدولة،وتأكد خطورة تضخم جهازها البيروقراطى، واستمرار نقد كل من النظرية والممارسة السلطويتين، ونقد الأيديولوجيات التسلطية و الإصلاحية والقومية، أخذ هذا التيار يكسب مواقع متزايدة فى أوروبا واستراليا والأمريكيتين وشرق آسيا، وبعض بلدان الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا، وفى السنوات الأخيرة شارك أعضاء هذا الاتجاه فى الكثير من الأحداث، و بفضل ثورة الاتصالات الأخيرة أخذ ينتظم عالميا، ويزداد تأثيره وضوحا، وعرف مفكرين جدد أشهرهم عالم اللغويات الشهير ناعوم شومسكى، و سام دوجلوف ودانيال جرين وأنطونيو نيجرى وغيرهم ...ويدخل تحت هذا التيار مدارس عديدة تتفق فى الإطار العام، وتختلف فيما بينها فى التفاصيل العملية،لا النظرية، فهناك شيوعية المجالس، و الاستقلالية، والمواقفية، و الاناركية النقابية، والبرنامجية، و التسيير الذاتى، و التعاونية.الخ، وكل هؤلاء يشكلون الجناح اليسارى فى الاناركية ، وهم التيار الرئيسى فيها، مع وجود من يمكن اعتبارهم الجناح اليمينى المتمثل فى الاناركية الرأسمالية و الاناركية الفردية. فالاناركية ليست مذهبا جامدا، ولا تعرف النصوص المقدسة، ورموزها من المفكرين مجرد مجتهدين لا أنبياء، ولا قداسة لهم، ولا لنصوصهم ، ومن ثم يقبل هذا التيار النقد والتطوير داخل إطار مبادئه العامة.

لماذا نحن اشتراكيون تحرريون؟

التحررية دون الاشتراكية تؤدى إلى الاستغلال والقهر، والاشتراكية دون التحررية تؤدى إلى الاستغلال والقهر أيضا، ومن هنا ترى الحركة الاشتراكية التحررية أن الانفصال بين هدف تحرير الأفراد، و بين هدف المساواة فى الحقوق فيما بينهم، يعنى فى النهاية استمرار كل من استعبادهم واستغلالهم بأشكال مختلفة، إلا أنه يحدث مرة باسم الحرية الفردية كما فى الرأسمالية الفردية، ومرة أخرى باسم المساواة كما فى اشتراكية الدولة، ومن ثم نرى أنه من البديهى أننا لو منحنا الحرية للأفراد على إطلاقها مثلما هى للحيوانات فى الغابة، لتحولوا لوحوش وفرائس، يفترس ويستغل ويقهر الأقوياء فيهم الضعفاء، ولو ساوينا بينهم دون اعتبار لإرادتهم الفردية لقمعنا حريتهم.

انقسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية لغرب يدعى التحررية، وشرق يدعى الاشتراكية، والحقيقة أن ما كان فى الغرب لم يكن أبدا إلا حرية الرأسماليين فى استغلال العمال وقهرهم، وأن ما كان فى الشرق لم يكن أبدا اشتراكية بل كان قهر البروليتاريا واستغلالها من قبل الدولة لصالح كبار رجالها و إدارتها الذين يطلق عليهم البيروقراطيين.

فما هى تلك الحرية فى ظل التحررية الرأسمالية؟، سنجد أننا لو أخذنا أحد مبادئها مثلا، وليكن أن جميع المواطنين متساوين أمام القانون، وأن جميع المواطنين لهم الحق على قدم المساواة فى اللجوء للقضاء، فلنرى إذن ماذا يحدث واقعيا لو نشب نزاع بين مواطنين غير متساوين فى قدراتهم الواقعية، مالية كانت أو أدبية، رغم مساواتهم القانونية، بالطبع لهم الحق فى اللجوء للقضاء، إلا أن الطرف الأقوى هو الأقدر على أن يستأجر أكفأ المحامين، وأن يرشو القضاء لو استطاع أن يؤثر عليه بما له من قدرات أو نفوذ، وربما عجز الطرف الأضعف عن الدفاع عن نفسه، وعن تكليف محامى كفء لشرح دعواه، و إقناع القضاء بها، فالقانون دائما كان مجرد سيف يصنعه الأقوياء ليسلطوه على الضعفاء فحسب.

من ناحية أخرى، من هم الذين يشرعون القوانين، ويصدرون القرارات واللوائح، ويتابعون تنفيذها، والحكم بها ؟، أليسوا هم أعضاء البرلمان والوزراء والرؤساء والحكام، وفى هذا الخصوص تعطى التحررية الرأسمالية جميع المواطنين حق الترشيح لتلك المناصب العامة على قدم المساواة لكل المواطنين، ولكن كل من الرأسمالى والبيروقراطى والمرشح المعبر عن مصالح الرأسماليين والبيروقراطيين هو وحده القادر على الاستمتاع بهذا الحق عمليا، فى حين تحرم منه البروليتاريا والمرشحين المعبرين عن مصالحها، فالرأسماليون والبيروقراطيون فقط هم القادرين على تمويل حملاتهم الانتخابية، بما يملكوه من أموال ونفوذ، و هم القادرين على شراء ولاء المرشحين المستعدين للتعبير عن مصالحهم بتمويل حملاتهم الانتخابية، وتسخير الإعلام لتسويقهم بين الناخبين، وهم لكل هذه الأسباب لهم الفرصة الأكبر فى النجاح فى الانتخابات لتلك الوظائف العامة.

وما هى اشتراكية الدولة؟، ألم تكن حكم المواطنين بأجهزة الأمن، وترويضهم بأجهزة الإعلام، التى ساعدت البيروقراطيين فى استغلال البروليتاريا، والاستمتاع بالامتيازات المختلفة على حسابها، ألم تكن تلك الاشتراكية تعنى ألا تنتج البروليتاريا إلا ما يريده البيروقراطيون، وبالكيفية التى يريدونها، بعيدا عن ما يحقق الرفاهية للبروليتاريا، وبعيدا عن سيطرتهم على ظروف عملهم وحياتهم، كما كانت تبشر بذلك الاشتراكية فى أصولها، وما هو الفرق الحقيقى بين بروليتارى يعمل لدى الدولة دون أى حقوق نقابية، وبين بروليتارى يعمل لدى الرأسمالى، فى كلتا الحالتين نراه لسد حاجته للطعام، يتنازل عن حريته ووقته وجهده، مرة للرأسمالى، ومرة لبيروقراطى الدولة، ألم تكن اشتراكية الدولة تلك تعنى إهدار الموارد، فى سباق التسلح و غزو الفضاء فى حين كان منتجى الثروة من البروليتاريين لا تتوفر لهم الكثير من سبل الحياة الكريمة ؟، ألم تكن تلك الاشتراكية تعنى استعباد ملايين البروليتاريين فى معسكرات للعمل؟، فالاشتراكية لا يمكن أن تعنى شيئا مهما للبروليتارى، لو لم تكن هى الحق المطلق للبروليتاريين باعتبارهم منتجى الثروة فى التحكم فى ظروف حياتهم وعملهم، و الاستمتاع بما ينتجوه من ثروات، ولو لم تكن تحريرهم من نظام العمل المأجور، ولكن ما حدث أن اشتراكية الدولة لم تقدم ما وعدت البروليتاريا به، بل قدمت نموذجا كئيبا للحياة، ولم تترك لهم فرصة الإبداع والمبادرة والحرية، فما كان أسهل أن يخسروا ما روضتهم به الدولة من مكتسبات قليلة بالمقارنة بما كان يتمتع به البروليتاريين فى الغرب الرأسمالى.

لم يكن ما حدث هنا أو هناك، أو ما تطورت إليه الأمور فى كلا المعسكرين مفاجأة للاشتراكيين التحرريين بل كان جزء من انتقاداتهم التقليدية لكلا النظامين، وتنبؤاتهم الفكرية بسقوطهما، فالحرية الفردية لأفراد غير متساوين واقعيا تعنى خضوع الأطراف الضعيفة لإرادة الأطراف القوية، ومن ثم إتاحة الفرصة للأقوياء لاستغلال الضعفاء وقهرهم، والمساواة بين أفراد غير أحرار يعنى قدرة من سلبوهم تلك الحرية فى أن يستغلونهم فضلا عن قهرهم، وأن يتمتعوا بامتيازات لا يتمتع بها عبيدهم.

أوهام وأساطير سلطوية نرفضها

أن الاشتراكية التحررية ترتكز على الدحض الكامل لمجموعة من الأساطير السائدة بقوة بين الناس،وهى تعيق تقبلهم للأناركية، ومن البديهى أنها و رغم كونها قناعات الغالبية، إلا أنها ليست بالضرورة قناعات صحيحة، ومن ثم يمكن لنا رفضها ببساطة، والتشبث بما نراه صحيحا، لأنه دائما ما كان التطور الاجتماعى نتيجة أفكار طلائع ورواد كانوا دائما يشكلون قلة اجتماعيا قبل أن تسود رؤيتهم بين الغالبية.

ضرورة الدولة

يدعى السلطويون أن السلطة القمعية التى تعتبر الدولة أهم مؤسساتها، ضرورة اجتماعية مطلقة لضمان سير المجتمع وتماسكه وحمايته من أعدائه الخارجين عن قوانينه، وقواعده، وأعدائه، من الطامعين فى السيطرة عليه وغزوه، وحماية غالبية المواطنين الصالحين والطيبين من القلة الضالة والمنحرفة والخارجة عن السيطرة والقانون، وأن المشكلة ليست فى السلطة القمعية فى حد ذاتها، ولكن فيمن يمارسها، وكيف يمارسها. أما نحن فنرى أن السلطة تفسد من يمارسها، ولو خلصت نيته، وحسنت أخلاقه، و أنه من الخيالية أن نركن لوهم أن تحكمنا الملائكة البشرية التى لم يخبرنا التاريخ أنها حكمتنا من قبل، فحتى لو حكمتنا فسوف تتحول لشياطين بمجرد إحساسها بدفء مقاعد السلطة، فالسلطة تقمع وتشوه من تمارس عليهم مثلما تشوه وتفسد من يمارسوها .

هذا لا يعنى إنكار أن البشر فى أمس الحاجة دائما لتنظيم يضمن تعاونهم، وينظم نشاطهم الجماعى لتلبية احتياجاتهم المشتركة دون أن يقمعهم ودون أن يتعالي عليهم، وهو أمر مختلف تماما عن السلطة القمعية التى تتعالى عليهم، و التى تقهرهم رغما عن إرادتهم، ومن خارجهم، فهناك فرق بين سلطة إدارية تمارس للتنظيم، كسلطة رجل المرور فى الشارع، وسلطة قبطان السفينة فى أعالى البحار، وسلطة الطيار فى طائرته، وبين السلطة السياسية القهرية والمتعالية والمنفصلة عن إرادة وحرية البشر التى ترفضها الحركة الاشتراكية التحررية، وهذا الرفض لا يعنى أن الاشتراكية التحررية ضد تنظيم المجتمع عبر هيئاته التفويضية المنتخبة، و الاشتراكية التحررية بالضرورة مع وجود قوة رادعة، و قامعة للاعتداءات المخلة بأمن الناس وحريتهم وحقوقهم.

الديمقراطية التمثيلية النيابية

يزعم السلطويون الديمقراطيون أن الديمقراطية التمثيلية النيابية هى أقرب شكل ممكن لممارسة السلطة يضمن الحرية للبشر، وما هى فى الحقيقة سوى مجرد إعطاء الأغلبية الحق فى أن تذهب بشكل دورى لتختار من بين السياسيين الرأسماليين والبيروقراطيين الذين يمثلون النخبة الحاكمة من سيمارس عليهم السلطة، وباسمهم، فى تمثيلية لا تنطلى إلا على السذج، فمن يملكون أى من مصادر السلطة، هم وحدهم القادرين واقعيا على الفوز فى الترشيح للمجالس التمثيلية الذى يكتفى المحرومون منها واقعيا بمجرد حقهم القانونى والشكلى فى الترشيح، فليس لهم سوى اختيار أى من هؤلاء المرشحين سيمثلهم لعدة سنوات، معتمدين فى اختيارهم على مدى تأثرهم بالدعاية الانتخابية التى تملك وسائلها النخب الحاكمة والمالكة التى يمثلها هؤلاء المرشحين.

فى حين نؤكد نحن على شكلية ديمقراطية الصندوق الانتخابى، ومن ثم نرفضها، فالممارسة السياسية عبر الصناديق الانتخابية مهزلة سخيفة، وخدعة كبرى تمارس باسم الحرية، ولا يمكن أن تأتى بمن يعبرون عن المصالح النهائية للبروليتاريا، لأن النخب السياسية البرجوازية سواء فى الحكم أو فى المعارضة تحتكر وحدها دون البروليتاريا الناخبة كل وسائل التأثير على عقول تلك البروليتاريا، والمحجوب عنها المعرفة، والمعلومات الضرورية، مما يجعلها عاجزة عن اتخاذ القرار الصحيح، فضلا عن انها خاضعة أساسا لعملية تشكيل العقل و توجيهه إلى ما تريده هذه النخب من أراء، و التى تتنافس فيما بينها فى لعبة كراسى موسيقية، لتبادل مقاعد الحكم و المعارضة، فبطاقة الاقتراع بين أيدى شعب أهمل تثقيفه عمدا، وتنتشر بين أفرادة كافة أنواع الأميات الأبجدية والثقافية والمعلوماتية، وتتسلط عليه أدوات غسل العقل وتعليبه، و صناعة الوعى وتشكيله، ليست سوى حيلة ماكرة لإنتاج وتجديد إنتاج نخب حاكمة ترتدى أقنعة التمثيل الشعبى الكاذب، و مهمتها الجوهرية هى أن تحافظ على مصالح ملاك الثروة و وسائل العنف والمعرفة.

يؤكد ما نذهب إليه ضعف الحركات السياسية والنقابية العمالية، وأن المشاركة الجماهيرية فى النقابات و الأحزاب السياسية خصوصا، والعملية البرلمانية عموما قد تدهورت بمعدلات مذهلة، لتتحكم فى العملية السياسية كلها جماعات الضغط للقضية الواحدة كالبيئةـ و الأقليات من جانب الناخبين، والمال والعصبيات القبلية والطائفية، وأن العملية الانتخابية والممارسة البرلمانية من أولها لآخرها هى مجرد سيرك للثرثرة و التضليل، فنجاح الحملات الانتخابية للمرشحين تعتمد على وسائل الترويج الإعلانى بأكثر مما تعتمد على البرامج الانتخابية، وذلك لجذب أصوات جماعات الضغط، والناخبين عادة لا يجدون فروقا واضحة بين البرامج تستدعى الاهتمام بالاختيار بين المرشحين، ومن ثم يعتمد النجاح فى الانتخابات على الجوانب الشخصية للمرشح، وإمكانيه جذبه لأصوات الناخبين، الذين قد ينجذبون لما له من جاذبية شخصية لا اقتناعا بالبرنامج الانتخابى الذى يقدمه.

ديكتاتورية البروليتاريا

يدعى السلطويون الاشتراكيون أننا يجب أن نمر بمرحلة انتقالية مؤقتة نحو المجتمع الشيوعى، تسمى ديكتاتورية البروليتاريا تقوم فيها الدولة الاشتراكية، باحتكار كل السلطات ومصادرها باسم البروليتاريا التى تقع فى العبودية لمن يملكون السلطة الفعلية من الساسة والبيروقراطيين والعسكريين، والدولة الاشتراكية هنا مؤسسة كلية القدرة والجبروت تسحق كل الخاضعين لسلطانها الشامل بأسوأ مما تفعله الدولة الرأسمالية، وهى تستند على تمثيل البروليتاريا، لتبرر السلطة الواقعية لأفراد ونخب سياسية، يسيطرون فعليا على مصادر السلطة الواقعية دون من تدعى تمثيلهم، ومن ثم تنفرد تلك النخب بممارستها، فمن يحوز على السلطة ومصادرها لا يتنازل عنها، بل لابد وأن يدافع عن ما يحوزه بكل الوسائل الممكنة مهما بلغت شراستها، ومهما كانت أفكاره ونواياه المعلنة، فأنه مضطر لخيانتها لمقتضيات الحفاظ على موقعه فى السلطة، هذا ما أثبتته وقائع التاريخ فى الدول التى كانت تدعى بالاشتراكية، وما يبرهن عليه المنطق، فالبشر الأعلى ليسوا بملائكة حتى يتنازلوا عن امتيازاتهم ونفوذهم بمحض إرادتهم دون أى ضغط عليهم من من هم أسفلهم من البشر .

الاشتراكية الإصلاحية

يعتقد السلطويون الإصلاحيون بواقعية الإصلاح عبر كل من البرلمان والنضال النقابى فى ظل الديمقراطية البرلمانية وهذا لأنه مع ثمانينات القرن التاسع عشر دخلت الرأسمالية مرحلتها الاحتكارية، التى تميزت بتكون هامش ربح إضافى سمى بالربح الاحتكارى الناتج عن الأوضاع الاحتكارية للمؤسسات الرأسمالية، وما تلى ذلك من الارتباط المباشر بين تلك المؤسسات الرأسمالية والدولة، و هذا ساعد مع تصاعد النضال العمالى من أجل تحسين ظروف العمل والحياة، فضلا عن الحصول على الحقوق السياسية للبروليتاريا فى بعض البلدان، على نشأة وتطور الإصلاحية بملامحها المعروفة، فقررت الطبقات الرأسمالية، و بما توفر لديها من فوائض مالية من الربح الاحتكارى، و عن اضطرار، أن تستجيب لبعض المطالب العمالية النقابية والسياسية التى لا تمس الجوهر الرأسمالى، وهو ما قلم أظافر الطبقة العاملة فى النهاية وروضها تدريجيا، الأمر الذى دشنه فكريا مفكروا الإصلاحية والاشتراكية الديمقراطية، فالطريق الإصلاحى الواقعى الذى رسموه لخوض الصراع الطبقى تحول لدي من أتوا بعدهم لتعاون طبقى، ثم تدهور مؤخرا موقف الإصلاحية ليصبح الدفاع عن الرأسمالية باسم الليبرالية ذات البعد الاجتماعى والأخلاقى فيما بعد، ونلاحظ أنهم فى كل تلك الأحوال سعوا للفوز بأغلبية مقاعد البرلمانات، والوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع من أجل الإصلاح التدريجى للرأسمالية، مبشرين بامكانية تحولها إلى الاشتراكية، وتورطوا من أجل ذلك فى الممارسات السياسية اللاأخلاقية، هكذا بدأوا بالفعل، حتى انتهى بهم الحال ليكونوا مجرد أداة لحل أزمات الرأسمالية، وتجميلها، بتسكين آثار الصراع الطبقى وتهدئتها، وكان ما أضاف للإصلاحية قوة دفع كبيرة طوال القرن العشرين، هو زيادة التدخل الحكومى فى الاقتصاد لتنشيط الطلب العام على السلع والخدمات، وذلك بزيادة الانفاق الحكومى العام، بواسطة زيادة الضرائب، وذلك للقضاء على الكساد والبطالة وتوسيع سوق الاستهلاك.

أضيف إلى هذا عامل سياسى آخر هو ظهور الكتلة المسماة بالاشتراكية، وما شكلته من نموذج بديل ألهم بشعاراته البروليتاريا بالثورة طوال القرن العشرين، مما اضطرت معه الرأسمالية المتقدمة لتقديم المزيد من التنازلات للطبقات العاملة و الوسطى فيما عرف بدولة الرعاية الاجتماعية، ساعد فى ذلك قوة نفوذ النقابات والأحزاب الإصلاحية فى البلاد الرأسمالية المتقدمة التى حققت فيه الطبقات العاملة والوسطى مستويات مرتفعة من المعيشة، كما شهد العالم بأسره عهدا من الرواج والتشغيل شبه الكامل للعمالة بعد الحرب العالمية الثانية، وزيادة التدخل الحكومى بدرجات متفاوتة فى الإنتاج لصالح رفع مستوى معيشة الطبقات الشعبية، و قد وصف البعض ذلك العهد بربع القرن المجيد الذى بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية، و انتهى بدخول الرأسمالية مع أوائل السبعينات مرحلة جديدة عرفت بالكوكبية ذات ملامح مختلفة تماما عن المرحلة السابقة، مما أدى لأفول الإصلاحية البرلمانية والنقابية، التى تدهورت لتتحول إلى مجرد ليبرالية رأسمالية ذات حس اجتماعى، يسميها مفكروها بالطريق الثالث الذى هو مسخ لا معنى له بالنسبة للإصلاحية القديمة التى كانت الأكثر نجاحا فى تحقيق أهدافها، والأكثر منطقا فى مبرراتها النظرية.

والعامل الأهم الذى أدى لأفول الإصلاحية هو ما أصطلح عليه بديكتاتورية أسواق المال العالمية، فقد أدى تدويل الإنتاج السلعى إلى ضرورة تخلى الدولة عن تدخلها المباشر فى الإنتاج، الذى ميز المرحلة الاحتكارية، ومع حرية انتقال رؤوس الأموال عبر العالم أصبح على الحكومات أن تسترضى المستثمرين بتحقيق أفضل مناخ ممكن لهم، وذلك بتحرير حركتهم وتدليلهم مقابل تقييد دور الحكومات، وتقليص حقوق العمال واضطهادهم، وذلك بتخفيض الضرائب وزيادة الإعفاءات من التزامات الرأسماليين قبل الحكومات، وبيع القطاع الحكومى فيما عرف بالخصخصة، وضمان عدم التدخل الحكومى فى النشاط الرأسمالى إلا لصالح تشجيع الاستثمار، وتعظيم أرباحه على حساب رفاهية العمال، ومن ثم تقليص الإنفاق العام على عكس ما تفترضه السياسة الإصلاحية، حتى أصبح التنافس بين حكومات العالم الآن ينحصر فى توفير أفضل مناخ للاستثمار لجذب رؤوس الأموال، وذلك بالضغط على الطبقات العمالية و الوسطى . فأكثر الإصلاحيين النقابين و البرلمانيين جذرية الآن لن يستطيع أن يفعل أى شىء للطبقات العاملة إلا تقديم الوعود التى سوف تتحطم على صخرة استرضاء رؤوس الأموال المقيمة بالبلاد لكيلا تهرب للخارج حيث المناخ الاستثمارى أكثر ربحية، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية بإغراءها بالقدوم للداخل، وذلك بتوفير أفضل الفرص لها للاستثمار، فهروب رأسالمال يعنى تفاقم مشكلة البطالة، وضيق سوق العمل والاستهلاك على السواء، ولذلك لا مفر من طاعة الحكومة للرأسماليين وتدليلهم، وقد صعدت ديكتاتورية أسواق المال فى وقت شهدت فيه الرأسمالية ظاهرة الركود التضخمى، وهو ما يعنى أن الحلول الإصلاحية القديمة للأزمات الاقتصادية الدورية لم تعد تصلح، فحل أزمة الركود يعنى زيادة الإنفاق العام مما سيزيد من معدل التضخم، وحل مشكلة التضخم يعنى اتخاذ سياسات تقشقية تزيد من معدل الركود . ما أضعف النقابية والإصلاحية أيضا الارتفاع المطرد فى معدلات البطالة فمع اتساع جيش العمال المتعطلين يصعب على جيش العمال المشتغلين الضغط على أصحاب العمل، بل و قد يضطرون لقبول شروط أسوء للعمل للحفاظ على ما يحوزونه من فرص العمل التى تتضائل باستمرار واضطراد، ويتشوق للحصول عليها المتعطلون بشروط أكثر سوءا.

تدهور الإصلاحية كان نتيجة منطقية أخرى أيضا للسقوط المدوى للاشتراكية التسلطية البيروقراطية، مما أعفى الرأسمالية من الخوف القديم من البديل الملهم بالثورة العمالية، وخصوصا أن هذا السقوط ألحق الضرر على المدى القصير بالحركات السياسية الثورية، فما الذى يضمن للناس أن الثورة لن تسلب منهم كما حدث من قبل، ومن يضمن أنها لن تتدهور لهذا النموذج الكئيب الذى تكشف لهم سواء قبل وبعد السقوط، ومن ثم و إزاء التهميش الواسع للسكان، وفقدان الثقة بالثورة، يغرق المهمشون والخائفون من التهميش على السواء انفسهم فى شتى أنواع المخدرات والأوهام والخيالات. لكل هذه العوامل التى لا علاقة لها بالرومانسية والخيالية نقول أن الإصلاحية باتت أكثر خيالية من الطريق الثورى، برغم كل ما يتراص فى هذا الطريق من صعوبات وعراقيل.

دولة الرعاية الاجتماعية

يفترض السلطويون الرأسماليون أن العدالة الاجتماعية يمكن أن تتحقق عبر رعاية الدولة والرأسماليين للبروليتاريا ، والحقيقة أنه لا تحرير حقيقى للفرد دون أن يضمن أقصى ما يمكن من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية متساويا فى ذلك مع كل المواطنين. و أن كفالة هذه الحقوق شرط جوهرى لتحقيق الحرية الحقيقية، فبدونها تصبح كل الحريات والحقوق السياسية و المدنية مجرد لعبة لا تستمتع بها إلا الطبقات الرأسمالية والبيروقراطية القادرة ماديا وسلطويا.

و نحن نرى لتحقيق تلك الحقوق والحريات واقعيا وعمليا، وحتى لا تظل مجرد شعارات فارغة، نرى أنه لا يمكن أن نستند على تدخل الأجهزة الحكومية لتوفير تلك الحقوق والحريات على نحو ما تذهب إليه اتجاهات سياسية أخرى، و التى تسعى لدعم دور الدولة الأبوى تجاه المواطنين الذين يتحولون لرعايا احسان الدولة، بزيادة الإنفاق العام الحكومى على الاستثمار، ودعم الأسعار، و توفير تلك الحقوق المجانية للمواطنين، فعلى العكس نحن نرى ضرورة لتقليص الجهاز البيروقراطى للدولة لأقصى حد ممكن لا تضخيمه، و ذلك على عكس ما تستدعى كل سياسات تدخل الدولة مباشرة فى المجالات غير السيادية فى الإنتاج والخدمات، و ذلك كشرط جوهرى لتمتع المواطنين بالحرية فى مواجهة جهاز الدولة، و استقلالهم عن السلطات العامة، حيث أن تصفية دولة الرعاية الاجتماعية شرط جوهرى للحرية الحقيقية للناس، وضمان أساسى لمساواتهم الفعلية.

أن تدخل الأجهزة الحكومية المباشر فى المجالات غير السيادية أى الإنتاج والخدمات والتأمين والائتمان، ومن ضمنها كفالة هذه الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، يعنى تضخم الجهاز البيروقراطى للدولة، و ترهله وفساده، و الذى لا ينتج عنه فى النهاية، وكما شهدت التجربة عالميا ومحليا سوى إهدار الموارد على جيوش الموظفين المعرقلين للأداء والتطور، و سوء الخدمة المقدمة للجماهير فى ظل ضعف الموارد العامة، التى تنفق على أجور الموظفين لا احتياجات المواطنين، المجبرين على تلقى خدمة رديئة بحجة مجانيتها، فضلا عن البقرطة المتزايدة لجهاز الدولة، التى تؤدى لتعطيل مصالح المواطنين وإذلالهم من أجل الحصول على الخدمات الرديئة التى تقدمها الدولة، و أخيرا فإن هذه السياسات تعنى تقوية جهاز الدولة و بيروقراطيتها فى مواجهة الجماهير الذين يصبحون فى حالة إذعان دائم لهذا الجهاز الذى تزداد قدراته على التحكم فيهم بزيادة كل ما يمكن أن يمنحه لهم، و بزيادة كل ما يمكن أن يمنعه عنهم، مما يفرخ مناخ الفساد و المحسوبية و الاستبداد، و إهمال مصالح الجماهير.

الدور الاجتماعى للرأسماليين

أننا لا يمكن أن نستند على ما يسمى بالدور الاجتماعى للرأسمال الذى يعنى تصدق الرأسماليين على العمال من أموال سبق وقد نهبوها من العمال، فصانعوا الثروة الفعليين من العمال الفقراء لا يليق بهم، و لايتفق مع كرامتهم انتظار الصدقات والإحسان من الآخرين، و لا يتفق مع حرية الإنسان وكرامته مهما بلغ به الفقر والعجز عموما أن يتم الإنفاق عليه من قبل الناس، أو أن يعيش ويلبى احتياجاته على حساب الآخرين، و لأن من يملك الثروة يتحكم فى من لا يملكها، فإن هذا الدور الاجتماعى الخيرى للرأسماليين لا يعنى سوى تبعية المنفق عليهم من الفقراء فى أعمال الخير لمن أنفقوا عليهم من الأغنياء، وهو تكبيل لحريتهم وشراء لولائهم من قبل المحسنين، واهدار و إهانة لكرامتهم الإنسانية، فضلا عن أن تلك الطريقة تساعد على خلق مجتمع من المتسولين الأذلاء لا من المنتجين المتمتعين بالحرية و الكرامة الإنسانية.

الأناركية الرأسمالية

الأناركية الرأسمالية هى إطلاق الحرية للرأسماليين فى استغلال البروليتاريا ، وقهرها دون حمايتها بالحد الأدنى من الحقوق التى تمنحها الدولة البرجوازية لمواطنيها، وترك الجميع نهبا لقواعد السوق العمياء ، فيتم استعباد الغالبية من البروليتاريا فى مواجهة الحرية المطلقة لسادتهم الرأسماليين فى استغلالهم وقهرهم، ومن ثم فهى تنكر كل سلطة إلا سلطة الرأسماليين علي عمالهم

الأناركية الرأسمالية أيضا تؤمن بمؤسسات الأمن الخاصة في ظل غياب الأمن الحكومي الممول من خلال الضرائب، بمعنى أن الأمن الشخصي يعتمد على شركات أمن خاصة أو مجموعة خاصة مسلحة، شبيهة إلى حد كبير بالمليشيات، وعلى العكس من الأناركية الاشتراكية المبنية على المبادئ الاجتماعية والمفاهيم الأخلاقية، والحقوق والحريات الإنسانية ، فإن الأناركية الرأسمالية معترفة بحق الدفاع عن النفس بالقوة ، أو بقانون الغابة ...ومما لاشك فيه إن الكلمتين أناركية و رأسمالية ،عكس بعضهما، متناقضتان لا تجتمعان فى أى مكان وزمان... ومن هنا فأكبر عدو للأناركيه الاشتراكية هو المؤسسة الرأسمالية المبنية على الاستغلال والمصالح الشخصية، و استعباد البروليتاريا، شأنها فى ذلك شأن البيروقراطية والدولة سواء بسواء.

ممارستنا النضالية

هناك مفهومان للثورة فى إطار هدف القضاء النهائى على القهر و الاستغلال، الثورة السياسية والتى تعنى استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية، بواسطة حزب يدعى تمثيلها، لتمارس قهرها المؤقت على البورجوازية من أجل القضاء على الاستغلال، فينتهى القهر بالتبعية بانتهاء مبرراته، والثورة الاجتماعية، والتى تعنى القضاء على أدوات القهر السياسية و الاجتماعية الممثلة فى الدولة فينتهى الاستغلال بالتبعية حيث تفقد البورجوازية من يحميها فى مواجهة البروليتاريا.

الاستيلاء على السلطة السياسية من قبل البروليتاريا المنظمة من خلال حزب سياسى، يتجاهل إمكانية أن يتحول هذا الحزب لمحتكر للسلطة دون الغالبية مما يؤول لاستمرار القهر و الاستغلال باسم البروليتاريا ، و هو ما حدث فعليا مع تحقق هذا النموذج عمليا فى روسيا 1917.

الثانى يتحدث عن إمكانية زوال الدولة و سقوطها من خلال الثورة العفوية للبروليتاريا، دون أن يوضح لنا ما الذى سيمنع من إعادة خلق الدولة مجددا على نحو أكثر تسلطا، و ذلك بواسطة الجماهير نفسها التى ثارت لتوها علي الدولة حتى حطمتها، وذلك كملاذ لها من حالة الفوضى وغياب الأمن والنظام الذى سيخلقها غيابها المفاجى قبل أن ينتظم المجتمع من جديد على الأسس التحررية كما حدث فعلا فى أسبانيا 1936.

النموذج السلطوى الأول يراهن على الثقة فى الحزب السياسى كمؤسسة و كأفراد، باعتباره ممثلا للبروليتاريا و وكيلا عنها، و وصيا عليها، ومعبرا عنها، و مجسدا لمصالحها، و بحكم إدعائه غير المبرر، و لا المبرهن عليه، سوى أن أعضائه يتبنون و يناضلون فحسب من أجل تحقق هذه الفكرة، فهم يدعون أنهم القطاع الأكثر تقدما فى البروليتاريا بحكم هذه العضوية، ومن ثم فإن لهم الحق المطلق فى التعبير والوكالة والتمثيل والوصاية والسلطة، وهذا افتراض زائف و ساذج لا يدرك مدى تعقد الظواهر الإنسانية والاجتماعية، و تشابك دوافعها و تقلباتها .

النموذج اللاسلطوى الثانى يراهن على لحظة نادرة تاريخيا، وهى لحظة الاحتجاج العفوى و التلقائى للجماهير المقهورة و المحرومة ضد السلطة، مضيقا أكثر من فرص نجاح مراهنته، و ذلك بتوقعه أن تستطيع البروليتاريا فى أحد هذه اللحظات النادرة أصلا أن تحطم تماما كل أدوات القهر لتبدأ فى بناء مجتمعها اللاسلطوى من أسفل لأعلى، وهذا فرض خيالى تماما.

أما ما نطرحه نحن فهو أن هناك دائما إمكانية للتحرر الذاتى لقطاعات يمكن أن تزداد تدريجيا من البروليتاريا من داخل أحشاء و من هامش النظام الرأسمالى القائم، عبر كل من النضال الجماهيرى ضد النظام القائم، من ناحية، وبإقامة نماذج لمجتمع المستقبل من هامش وداخل المجتمع الحالى من ناحية أخرى، مستندين فى ذلك إلى أنه فى كل المجتمعات الرأسمالية، و بدرجات ومستويات متفاوتة بالطبع، و وفق الظروف السائدة فى كل مجتمع، و بمعزل عن كل من الدولة و رأسالمال، و بعيدا عن المخططات الخيالية و النظرية، نلاحظ ممارسة البشر فعلا العديد من أنشطتهم وفق القواعد الاشتراكية التحررية دون حتى معرفتهم بأنها اشتراكية تحررية، و ذلك من خلال العديد من المنظمات الاجتماعية أبرزها التعاونيات، وشتى الأشكال من النشاط الإنسانى الجماعى المنظم بشكل مستقل عن كل من الدولة و رأسالمال، التى تقوم بين أفراد متساويين ومتعاونين على نحو طوعى بهدف التكافل والتعاون والتضامن فيما بينهم، و قد يكون لبعضها الطابع غير المعلن و الرسمى و المقنن كالتعاونيات، و قد يكون بعضها غير رسمى، و لا مقنن كما فى الكثير من الممارسات اليومية التى يشارك فيها الناس دون أن يدركوا أنها ممارسات اشتراكية تحررية تلبى الكثير من احتياجاتهم، إلا أن هذه الممارسات محكومة فى النهاية بالإطار السلطوى للمجتمع، ومن ثم تعوزها العديد من التطورات و التغيرات، لتتحول فى النهاية لتيار اجتماعى قوى، قادر فى النهاية أن يكنس كل من الدولة و رأسالمال من عن كاهله، وهذا هو ما يسعى إليه الاشتراكيون التحرريون، من خلال وسيلتين:

أولهما نشر الأفكار الاشتراكية التحررية، والكشف عن كيف تستغنى البروليتاريا عن كل من الدولة و رأسالمال، و كيف تتخلص من تأثيرات الساسة السلطويين، لتتأهل عمليا لهذا الاستغناء، لكى تكون قادرة على أن تدير أنشطتها المختلفة وفق القواعد الاشتراكية التحررية .

وثانيهما النضال من أجل تطوير مثل هذه الأنشطة والمنظمات التعاونية والتكافلية، وهى عملية تستدعى استقلال هذه الأنشطة والمنظمات و الممارسات فعليا عن كل من الدولة و رأسالمال و الساسة السلطويين، و من أجل أن تتوسع هذه الأنشطة لتشمل كل ما هو ممكن من الأنشطة البشرية، و فق شروط و ظروف كل مجتمع على حدة .

و ثالثهما من أجل تحقيق كل أهدافنا سواء المرحلية أو النهائية، فإننا نمارس النضال الجماهيرى مع الجماهير وليس بمعزل عنها و لا نيابة عنها، وذلك بالمشاركة الفعالة سواء بالتحريض أو الدعاية أو التنظيم فى كافة أشكال النضال الجماهيري من أجل تحقيق أى مطالب اقتصادية أو سياسية أو ثقافية تخص تلك الجماهير من المناضلين بشرط أن تتفق هذه المطالب وأهدافنا ومبادئنا، بدءا من أبسط أشكال هذا النضال كعرائض الاحتجاج البسيطة مرورا ب كافة أشكال الاعتصام والتظاهر والإضراب، ،والاستيلاء على المنشئات و إدارتها ذاتيا، وصولا إلى الإضراب العام، والعصيان المدنى العام، و الانتفاضة الثورية، حسبما تسمح به نوعية المطالب، و حسبما تسمح به الظروف الواقعية المحيطة بالنضال الجماهيرى.

ونحن نرى أنه طالما اقتصرت العملية الديمقراطية على مجرد صناديق الانتخاب، فإن المشاركة فيها أو مقاطعتها لابد وأن تحسب وفق ما قد تحققه من فوائد لقضية تحرر البروليتاريا، وحسب ما تجنبه من خسائر من مقاطعتها، لقضايا النضال الجماهيرى، مع استمرار النضال الجماهيرى إلى أن تتحول ديمقراطية التمثيل النيابى إلى ديمقراطية مشاركة حقيقية،ولأننا نعلم فى النهاية حدود الممارسة البرلمانية، فنحن نفضل أن يكون تغيير القوانين والتشريعات واللوائح، والتأثير فى القرارات الحكومية والإدارية عبر المشاركة الفعالة فى أعمال النضال الجماهيرى المختلفة، لفرض تحقيق برنامجنا الإصلاحى المرحلى لا عبر ديمقراطية البرلمان، و نسعى فى ضوء ذلك لفرض تحقيق برنامجنا الثورى النهائى عبر الانتفاضة الثورية والعصيان المدنى العام، وكافة أشكال الضغط الجماهيرى على السلطة بما فيها إزالتها، ومن أجل ذلك نشارك فى أنشطة المنظمات النقابية، واللجان الشعبية، والجمعيات التعاونية، والروابط الأهلية، من أجل تغيير القوانين والتشريعات واللوائح والقرارات.. وممارسة الرقابة الشعبية على السلطات العامة، والضغط عليها عبر أعمال النضال الجماهيرى المختلفة، وفضحها عبر الإعلام المستقل، و كشف حقيقتها عبر الأعمال الثقافية والفنية وغيرها... وذلك لأننا مقتنعون أن الاستغلال والقهر مثلما يتم بالعنف المسلح، فإنه يتم أيضا عبر الهيمنة الفكرية للبرجوازية التى تسيطر على وسائل الإعلام والثقافة والتعليم، مما يجعلها أكثر قدرة على حكم عبيدها الذين يكونون بتلك الوسائل أكثر امتثالا لوضع الخضوع.

مبادئنا النضالية

أننا فى إطار نضالنا الجماهيرى نرى الإلتزام بعدة مبادىء هى

وجوب تناسب أي طريقة نضال مع الظروف الواقعية، فلا جدوى من استعمال الوسائل الكبيرة لتحقيق مطالب صغيرة، وأنه إذا تبين لنا عدم كفاية وسيلة الضغط المتبعة، فإنه يلزم التدرج في الانتقال من نضالات بسيطة إلى نضالات أكثر جذرية، مع الحرص على الإبقاء دوما على الضغط على الخصم، والانطلاق تصاعديا لأن انطلاقة قوية متبوعة بتراجع تدل على ضعف سيعرف الخصم كيف يستغله.

التزام الحذر من الجذريين المزيفين، والتأكد من معرفة مدى صدق الداعين إلى التجذر فى أشكال النضال ومطالبه، بغض النظر عما إن كانوا على صواب أو على خطأ في تلك اللحظة، فمن يدفعون نحو صراع حاد غير ملائم، فهم إما أنهم يحاولون إبراز الصلابة للالتحام بالمناضلين لنيل ثقتهم، وخنق النضال لاحقا، أو أنهم يدركون ان الفشل مضمون، ويريدون استثمار النضال لمصالحهم الخاصة، وإن كانوا عملاء للخصم الموجه ضده النضال، فإنهم يفجرون صراعا حادا مفضيا إلى فشل سيكون له أثر بالغ عندما يكون هناك هجوم مضاد متوقع من ذلك الخصم.

الالتزام بتحليل موازين القوى بين المناضلين و خصومهم، قبل الانخراط فى أى عملية نضالية، و من ذلك تحليل مستوى استياء الرأي العام أو الوضع المالي والاقتصادي للمؤسسات التي يريد المناضلون التحرك ضدها.

اتقاء القمع دائما بحماية هوية المناضلين ومهامهم واجتماعاتهم، و إجبار الخصم الموجه ضده النضال على توقيع إتفاق عدم قمع بعد إنهاء النزاع. واتخاذ القرارات في آخر لحظة لتفادي وصول معلومات إلى الخصم، واختيار لجنة نضال أوسع من المنظمات الشعبية المعنية بتنظيم النضال. وتسيير لجنة تنظيم النضال من طرف الجمع العام للمشاركين فى النضال.

تطبيق الديمقراطية المباشرة فى اتخاذ القرارات من قبل المشاركين فى النضال لتفادي سيطرة أقلية على المعركة النضالية لغايات غير التي قررها الجمع العام للمشاركين فى النضال.

عدم قبول تفويض أو إرسال مندوبين للتفاوض باسم المشاركين فى النضال حيث يكفى الإعلام بالمطالب الجماهيرية عبر وسائل الإعلام المختلفة، و ترك الخصم ليعلن قبوله أو رفضه للمطالب عبر نفس الوسائل، وأن يتم اتخاذ قرارات توقف أو استمرار النضال أو تصعيده، وفقا لتوازنات القوى بين الطرفين المتصارعين، و وفقا لما تم تحقيقه فعلا من المطالب. فلا جدوى من إرسال ممثلين للتفاوض بالنيابة عن المناضلين، فقد يركز هؤلاء المفاوضين بالنيابة على فتات من المكاسب دون المطالب الأساسية بكثير أو يقتصرون على الدفاع عن أفكارهم هم بدلا من أفكار غالبية المناضلين، كما يمكن شراءهم من قبل الخصم أو قمعهم، بعد أن تم عزلهم عن جموع المناضلين التى تحميهم من اغواءات السلطة وقمعها.

السعي إلى خفض الآثار المالية للنزاع على المناضلين إلى أدناها، فعلى هذا النحو يمكن للمناضلين، أن يشنوا نضالا جديدا اذا حاول الخصم شن هجوما مضادا.

استعمال الشرعية قدر الإمكان، وبالتالي تفادي مشاكل القمع المحتمل، لكن يجب ملاحظة إن الشرعية لا تتلاءم غالبا مع مصالح المناضلين، فقد يضطر المناضلون، لتحقيق أهدافهم، إلى التصرف خارج الشرعية، ومن ثم يجب تحليل المزايا والمضاعفات من جراء الإلتزام بالشرعية أو الخروج عليها.

يمكن ممارسة العنف أو اللاعنف أو أن يكونا معا، فيمكن أن يكون نزاع سلمي مع اندفاعات عنيفة والعكس بالعكس. تارة يكون نزاع غير عنيف وحازم فعلا، وتارة العكس. إن مسيرة جماهيرية جيدة وهادئة قد تكون فعالة، لكن مظاهرة عنيفة قد تكون لها نفس الفعالية. إنها مسألة سياق واختيار من قبل الناس الذين يخوضون النضال. لكن يجب الحذر من العنف، وممن يحثون عليه( هل هم المناضلون أو الخصوم؟)، مصالح البروليتاريين الحقيقية تدفعهم أن يكونوا أنصار عالم بلا عنف وبلا سلاح، لكن فى نفس الوقت إن مقاومة الجماهير الشرسة و النشيطة تكتسب الشرعية أمام عنف الرأسمالية والبيروقراطية، و المتمثل فى الاستغلال، القمع، الفصل من العمل، الحروب، السجون، الخ.

يجب أيضا أن نفكر في نمط التنظيم الملائم للنضال. و أن نتسائل هل تدافع الحركة النقابية الراهنة فعلا عن مصالح البروليتاريا ؟ أو أي مصالح اخرى؟ هل تلائم النضال؟، هل تدافع عنه؟ ألا تعتمد أنماط تشاور و وساطة في خدمة البرجوازية؟ هي يجب تجذيرها؟ ما فعالية الحماية القانونية لمسئولى النقابات؟ هل حماية النقابيين جيدة؟

في الواقع يتعرض المناضلون لأعمال من القمع والاضطهاد سواء شاركوا في أعمال نضالية قانونية، أو غير قانونية، سواء أكانوا منتخبين أو لا، محميين أو لا محميين. وبالتالي فان اشكال الحماية لا تفيد في شيء... و الأسوأ ان محاولة الاحتماء بالوسائل القانونية تفضي بأنصار تلك الممارسات الى احترام القانون المفيد لأرباب العمل والبيروقراطيين، و إلى عدم المشاركة في النضالات التي تتخطى الإطار القانوني، وبالتالي الدفاع عن الشرعية، والتحول من جراء ذلك إلى معادين للثورة.. أما اعتماد الخطاب المزدوج، الشرعي في الواجهة، واللاشرعي في الواقع، فهو غير ممكن غالبا لان المنتخبين النقابيين أو السياسيين، مضطرين، بوعي أو بدونه، إلى الدفاع عن الإطار القانوني، وبالتالي تعزيزه، والسكوت عن انتقاداتهم بغية الحصول على الحمايات القانونية التي تقتضيها وظيفتهم، لا سيما انه يصعب لاحقا رفض الإطار القانوني بفعل ما يمنحه من مزايا للفرد، و البرجوازية ستدوس، اذا استشعرت خطر النضال، كل القوانين إذا ما تعارضت مع مصالحها.

قواعدنا التنظيمية

الاشتراكيون التحرريون يختلفون عن الاشتراكيين السلطويين فى كثير من القضايا، و بشكل خاص فى البناء التنظيمى لمنظماتهم، و هم يرفضون مفاهيمهم، حول كل من الحزب الطليعى، المركزية الديمقراطية، ديكتاتورية البروليتاريا، و الاشتراكيون التحرريون لديهم بدائل لكل هذه المفاهيم، ولكن المشكلة هى أن معظم المنتمين لليسار بما فيهم بعض الاشتراكيون التحرريون يجهلون بشكل كامل البدائل الملموسة لتلك المفاهيم الاشتراكية التسلطية.

البديل الاشتراكي التحررى للحزب الطليعى هو الجماعة الدعائية .

الجماعة الدعائية الاشتراكية التحررية تتكون كاتحاد بين أفراد متقاربين فى عملهم ورؤاهم، و على أساس توافق إرادات و رغبات الأعضاء فى التعاون فيما بينهم، وإلحاح الظروف الاجتماعية التى تفرض عليهم النضال سويا.

الاتحاد بين جماعات الدعاية الاشتراكية التحررية يقام بواسطة ممثلين عن الجماعات الدعائية، فضلا عن أن الجماعة الدعائية نفسها عند نموها لحد كبير يعوق ممارسة أعضاءها الديمقراطية المباشرة، تنقسم إلى جماعات دعائية فرعية.

الالتزام بمبدأ ضمان الحقوق و الامتيازات والمسئوليات التصويتية الكاملة لكل عضو .

الجماعات الدعائية واتحاداتها تضع كل من السياسات، و خطط الأعمال المستقبلية، و تؤدى وظائفها وفق المبادىء الاشتراكية التحررية.

تنتظم الجماعات الدعائية فى التجمعات البشرية المختلفة أو فى أماكن العمل، و هى فى النهاية جماعات واتحادات ديمقراطية تخلو من أى رموز للسلطة القمعية مثل الزعماء والقادة و وخلافه، وممثلى الجماعات الدعائية فى الاتحادات الاشتراكية التحررية، يقومون فقط بأعمال تنسيقية، ومن ثم لابد وأن يرجعوا دائما للتشاور مع جماعاتهم التى أوفدتهم لتمثيلهم فى الاتحاد.

العمليات التنسيقية بين هذه الجماعات واتحاداتها ضرورة ملحة، و تشكيلها لا يمكن أن يكون فى طريق غير متطابق مع مبادىء الاشتراكية التحررية، وبالاستفادة من ثورة الاتصالات الحديثة يمكن أن يتم الحوار والتنسيق واتخاذ القرار بين أعداد كبيرة من ممثلى جماعات الدعاية من جانب، وبين جماعاتهم من جانب آخر دون احتياج للبناء الهرمى للتنظيم.

ما يعارضه الاشتراكيون التحرريون تحديدا هو التراتبية فى التنظيم، أى بناءه على نحو هرمى، وما يرفضونه هو سلطة القيادة البيروقراطية المعرقلة للعمل، و التى تكبح الدافع الخلاق للكتل المنخرطة فى العمل، وتطبق بقرارتها البيروقراطية على رقابهم، حيث يكون الأعضاء العاديين فى مثل هذه الجماعات التراتبية والهرمية مجرد خدم وعبيد وجنود تابعين للقيادة المركزية للحزب الهرمى.

أن الاشتراكيون التحرريون يرفضون القيادة المركزية المتحكمة فى تابعيها، وفى نفس الوقت فهم يقرون أن هناك بعض الناس يكونون أكثر خبرة أو أفصح أو أكثر مهارة ووعيا من آخرين، وهؤلاء الأشخاص لابد وأنهم سوف يلعبون أدوار القيادة فى العمل داخل الجماعات أو على نطاق أوسع فى الاتحادات، لكن هؤلاء الأشخاص ليسوا رموز مقدسة للسلطة، ويمكن ببساطة أن ينحوا عن مسئولياتهم حسب إرادة عضوية الجماعات واتحاداتها، كما يؤكد الاشتراكيون التحرريون على أهمية تداول المسئوليات بين الأعضاء بشكل متواتر لإكساب الآخرين المهارات المختلفة عبر ممارسة المسئوليات، فخبرة هؤلاء الأشخاص الذين يكونون عادة نشطاء محنكين أو مؤهلين على نحو أفضل من الغالبية فى لحظة ما تجعلهم يستطيعون المساعدة على تشكيل وقيادة و تطور الحركة، و المساعدة على بلورة الإمكانية من أجل التغيير الثورى فى الحركة الشعبية . ما لا يستطيع أن يفعله هؤلاء هو تولى السلطة فوق مبادرة هذه الحركات الشعبية نفسها.

الاشتراكيون التحرريون يرفضون الأوضاع التراتبية، و هى تمتع أى شخص بسلطة رسمية أكثر من الآخرين، وهى الأوضاع المشابه للأحزاب الاشتراكية الطليعية.

أن المجموعات الدعائية الاشتراكية التحررية واتحاداتها لن تسمح بإدامة قيادتها من خلال الديكتاتورية بعد الثورة، فبدلا من ذلك فأن الجماعات الدعائية واتحاداتها سوف تحل نفسها فور انتصار الثورة، وعضويتها السابقة عندئذ سوف تكون مهيئة للذوبان فى عمليات اتخاذ القرارات فى تجمعات المجتمع الجديد، ومن ثم سوف يكون هؤلاء المناضلون بعد الثورة بلا قيادات بل مجرد أفراد أكثر وعيا يعملون كمرشدين و كمنظمين لحركة الجماهير فى عملية بناء المجتمع الجديد.

البديل عن المركزية الديمقراطية هى الديمقراطية المباشرة

بينما تصل المجموعات الاشتراكية التحررية لقراراتها عبر مناقشة حرة مستفيضة بين أعضاءها، نجد أن الاشتراكيين السلطويين ينتظمون خلال ما يسمى بالمركزية الديمقراطية، (وهى تعنى خضوع المستوى الأدنى للمستوى الأعلى فى الهرم التنظيمى، و خضوع كل أفراد الحزب وجماعاته وهيئاته لإرادة لجنته المركزية، مع ضمان الحق فى إبداء الرأى لكل الأعضاء التى تكون فى تلك الحالة حرية النباح لا حرية اتخاذ القرار، وفى أفضل أحوال المركزية الديمقراطية يسمح بالحق فى التكتل للجماعات المختلفة داخل التنظيم، وفى أسوءها يمنع الحق فى التكتل مما يصيب تلك التنظيمات بداء الانشقاق المزمن، ومن ثم التشظى، الذى لازم تاريخ تلك المنظمات عبر تاريخها(

المركزية الديمقراطية تقدم كشكل من ديمقراطية الحزب الداخلية، لكنها فى الحقيقة محض تراتبية استبدادية، حيث كل عضو فى الحزب وأخيرا فى المجتمع بعد نجاح الحزب فى الوصول للسلطة يكون خاضعا للعضو الأعلى حتى نصل للجنة المركزية للحزب كلية القدرة والجبروت، ثم رئيسها صاحب الحق الوحيد فى التفكير وإصدار الأوامر، و هذا إجراء غير ديمقراطى بشكل كامل، وهو يضع القيادة فوق مستوى النقد حتى لو لم تكن فوق مستوى اللوم، أنها طريقة تفسد و تفلس العمليات الداخلية للمنظمة السياسية، أنك لا تملك صوتا فى الحزب، ويجب أن تخاف من قول أى تعليقات ناقدة للقيادة أو حول القادة حتى لا تتناولك الشكوك والاتهامات.

أما فى التنظيم الاشتراكى التحررى فالقرارات تتخذ من قبل كل الأعضاء ،والذين لا يملك أحد منهم سلطات فوق ما يملكه عضو آخر .

الأقلية المخالفة تحترم، و مساهمة كل فرد فى العمل تكون طوعية فلا أحد يجبر على ما لا يريد.

كل عضو له الحق فى الموافقة أو عدم الموافقة على أى سياسة أو فعل، وأفكار كل عضو تعطى نفس الوزن والاعتبار، و لا قرار يمكن أن يتخذ حتى يكون لكل عضو فرد أو مجموعة منضمة يمكن أن تتأثر بهذا القرار، الفرصة ليعبر عن رأيه فى الموضوع محل القرار .

الأعضاء الأفراد فى مجموعات الدعاية والجماعات الدعائية المنضمة للاتحاد تحتفظ بحقها فى رفض دعم أنشطة جماعية أو اتحادية معينة .

القرارات التى تخص الاتحاد ككل يجب أن تتخذ بواسطة أغلبية أعضاءه لا بواسطة أغلبية ممثلى الجماعات الدعائية المنضمة للاتحاد.

فى معظم القضايا لا يكون هناك احتياج حقيقى لاجتماعات رسمية بين ممثلي الجماعات الدعائية لاتخاذ القرارت التى تخص الاتحاد، لأن ما نحتاج إليه هو تنسيق أعمال المجموعة الدعائية أو الاتحاد، ولكن لأن هناك أوقات يجب أن يتخذ فيها قرار عاجل، وأحيانا بسرعة جدا. وهذا يكون أمر نادر لكن أحيانا لا يمكن تفاديه، فإن القرار المتخذ فى هذه الحالة يمكن أن يتخذ بواسطة حلقة أصغر تقوم بأعمال السكرتارية من العضوية العامة المكونة من مئات أو آلاف من الأعضاء فى الجماعات الدعائية والاتحادات المكونة منها.

عند عودة الأحوال لطبيعتها العادية يتم تبادل المعلومات والحقائق بين الأعضاء و الجماعات من أجل اتخاذ قرار يعيد تناول القرار الأصلى الذى تم اتخاذه فى ظرف الطوارىء، وخلال هذا النقاش يتم بذل جهد لتوضيح أي اختلافات أساسية بين الأعضاء حول القرار المتخذ، و اكتشاف الطرق البديلة للفعل الذى تم اتخاذ القرار بشأنه.

لابد للوصول عبر النقاش لتوافق متبادل على القرارات بين وجهات النظر المتعارضة، بينما لو كان هناك مأزق أو عدم وجود إمكانية للوصول للتوافق المتبادل مع القرار، فيأخذ القرار طريقه للعرض على التصويت، وحينئذ يقبل أو يرفض أو يلغى بأغلبية الثلثين. و هذا على العكس كليا من ممارسة الأحزاب الاشتراكية السلطوية حيث اللجنة المركزية من جانب واحد تعد السياسات والقرارات لكل المنظمة على نحو تحكمى وتسلطى.

كل المجموعات الدعائية هى اتحادات حرة مشكلة وفق احتياج عام، و أعضاءها ليسوا ثوريين مروضين بالخوف من السلطة وطاعة القيادة وعبادتها، بينما يتسع نطاق مجموعات العمل، و عندما تصبح منظمات ضخمة يصعب معها ممارسة الديمقراطية المباشرة ، فأنه يمكنها حينئذ أن تنقسم لمجموعتين أو أكثر تتمتع بالاستقلال الذاتي بلا قيادة مركزية مع استمرارها متحدة فى اتحاد واحد واسع، و هذا يجعلها قادرة على الاتساع بلا حدود بينما تحتفظ بشكلها التحررى المتميز بكل من الإدارة الذاتية و اللامركزية.

المجموعات الاشتراكية التحررية لا تنتظم بشكل ضرورى على نحو محكم، فنظرية التنظيم التحررية مرنة، والبنية التنظيمية يمكن أن لا توجد عمليا فى ظرف ما أو توجد على نحو محكم جدا فى ظرف آخر، وهذا يعتمد على نمط المنظمة المطلوب فى ظل الظروف الاجتماعية التى تواجهها الحركة الاشتراكية التحررية، على سبيل المثال المنظمة يمكن أن تكون محكمة وسرية خلال العمليات العسكرية أو خلال القمع السياسى المشدد، ولكنها تعمل بشكل علنى وغير محكم فى المجتمعات التى تتمتع بدرجة واسعة من الحريات، وفى ظروف أخرى فقد تفضل علنية النشاط وسرية التنظيم.

التعاونيات واتحاداتها بديل عن ديكتاتورية البروليتاريا

الاشتراكيون التحرريون يرفضون مفهوم دولة ديكتاتورية البروليتاريا، كونها قهر غير مقيد، ويرفضون ما يسمى ب"الدولة العمالية" مفضلين بناء التعاونيات واتحاداتها، والقادرة على الدفاع عن نفسها ذاتيا فى مواجهة أعداء الثورة كونها مسلحة ذاتيا دون احتياج لمركزية الدولة وشموليتها للدفاع عنها، وهذا يصعب مهمة قوى الثورة المضادة حيث تتكاثر أمامها التعاونيات واتحاداتها المطلوب محاربتها، فى حين أنها فى حالة الدولة المركزية يسهل عليها أن تحارب كيان له مركز تنبع منه كل القرارات، و بهزيمته تنهزم كل التعاونيات واتحاداتها بالضرورة، وهى نفس الفكرة التى تكسب القوة للتنظيم الاشتراكى التحررى اللاهرمى ، بالمقارنة بالتنظيم التسلطى المركزى الهرمى.

الاشتراكيون التحرريون لا يشبهون أعضاء الأحزاب الاشتراكية التسلطية، والذين يعيشون يوميا على نحو مشابه بوجه عام لنمط الحياة البرجوازى، ومن هنا فالاشتراكيون التحرريون يحاولون العيش وفق أنماط الحياة والبنية التنظيمية التى تحاول أن تجسد المجتمع الاشتراكى التحررى للمستقبل، و ذلك من خلال الترتيبات الحياتية التعاونية للأعضاء، وتكوينهم فيما بينهم الجماعات المتقاربة المتعايشة سويا، و مجموعات الألفة، و إقامة التعاونيات التحررية، وغيرها.

ولأن الاشتراكيون التسلطيون لا يبنوا تنظيمات من هذا النوع أى ( أنوية المجتمع الجديد) مفضلين الانغماس فى عالم البورجوازية بالكامل، فأنهم لا يستطيعوا رؤية العالم إلا عبر المصطلحات السياسية البورجوازية فقط. وإذا كان الاشتراكيون التسلطيون لا يجدوا أى غضاضة فى العمل كرأسماليين أو بيروقراطيين أحيانا، وبالتالى لا يستنكروا الازدواجية بين اشتراكيتهم المزعومة، وبين استخدام واستغلال العمل المأجور، فإن هذا ما يستنكفه ويدينه بشدة الاشتراكيون التحرريون الذين يحاولون التحرر الذاتى لأنفسهم وللآخرين من نمط الحياة البرجوازية من داخل وهامش المجتمع البرجوازى الحالى.

الاشتراكيون التسلطيون يريدون الاستحواز على سلطة الدولة، لكى يحلوا ديكتاتورياتهم فوق الشعب والعمال بدلا من إزالة سلطة الدولة واستبدالها بالمجتمع التعاونى الحر. ولكى يحلوا هم محل الطبقة الحاكمة، أما الاشتراكيون التحرريون فيرفضون فكرة الاستيلاء على السلطة بأى وسيلة،ولا يهدفون الوصول لها بأى طريقة، ويرفضون كل أشكال اشتراكية الدولة كأسوأ انحراف وطغيان حدث باسم التحرر مما أضر بقضية التحرر نفسها، و يجزمون أنهم يستطيعون صناعة ما هو أفضل من اشتراكية الدولة وهو التعاونيات واتحاداتها.

عن تأسيس الحركة الاشتراكية التحررية فى مصر

تأسست الحركة الاشتراكية التحررية فى مصر فى ظل فعاليات ثورة 25 يناير 2011، ويطمح المؤسسون أن ينضم إليهم كل المعادون للرأسمالية سواء أكانت رأسمالية أفراد أم رأسمالية دولة، وكل المعادون للبيروقراطية والمركزية وقمع حريات الأفراد والانتقاص من حقوقهم الإنسانية، وتطمح الحركة أن ينضم إليها كل أنصار الإدارة الذاتية لمنشئات العمل، ومواقع السكن، وكل أنصار تعميم الاقتصاد التعاونى التحررى، والللامركزية الإدارية، وتوسيع سلطات واختصاصات المحليات، وأنصار الديمقراطية المباشرة.

الحركة تستند فى نشاطها على العمل التطوعى والمبادرات الفردية والجماعية، و ينتظم أعضائها فى مجموعات عمل يختارون سكرتارية تنسق فيما بينهم، وتتحد تلك المجموعات وتنسق فيما بينها بواسطة اتحادات مختلفة تتشكل من مندوبين منتخبين عن تلك المجموعات يختارون سكرتارية تنسق فيما بينهم، عبر استخدام وسائل الاتصال الحديثة،لتجاوز البناء الهرمى فى التنظيم.

الحركة تفتقد إلى أى مصادر لتمويل نشاطها من أى نوع غير تبرعات أعضاءها، وعملهم التطوعى،و إمكانياتهم الفردية والمشتركة، ولأنهم لا يملكون سوى أجورهم المحدودة، وليس من بينهم أى رأسماليين أو بيروقرطيون، و حيث أنهم لا يرغبون فى تلقى أى تمويل من أى جهة خارج الحركة يحد من حريتهم فى العمل، واتخاذ القرار، لذلك فالحركة تمارس معظم نشاطها الدعائى فى ظل هذه الظروف عبر الأنترنت باعتباره أرخص الوسائل المتاحة، بشكل أساسى، ويمكن لبعض أفرادها أو جماعاتها أن تصدر بعض المطبوعات الورقية كلما تيسر لها ذلك، كما يمكن أن يتطوع أعضائها بطباعة النصوص المنشورة على الأنترنت وتوزيعها، و الحركة لنفس تلك الأسباب تفتقد القدرة الآن على امتلاك أو تأجير مقر لها، ولذلك يقتصر عملها على نشاط أعضاءها داخل التنظيمات الشعبية المختلفة كالنقابات العمالية والمهنية واللجان الشعبية والتعاونيات، والجمعيات الأهلية والأندية، وسوف ينخرط أعضاءها فى كل الحركات والفعاليات الاحتجاجية الشعبية، والتنسيق والتواصل فيما بين أفرادها ومجموعاتها عبر الأنترنت.

الحركة تقاطع كل المؤسسات الحكومية والرأسمالية والسلطوية،ويسعى أفرادها وجماعاتها للعيش وفق قواعد الاشتراكية التحررية كلما أمكنهم ذلك ويرفضون التناقض بين مبادئهم وأساليب حياتهم.

فلنسعى من أجل تشكيل جماعات دعاية، ومنها تشكيل اتحادات عبر ممثلين عن تلك الجماعات وفق الأسس السابق ذكرها.

أن أعضاء الحركة هم كل من يتبنون الاشتراكية التحررية، ويدعمون الحركة ماليا، ويشاركون فى أنشطتها.