الأربعاء، 18 مايو 2011

اقتصاديات الحرب الرأسمالية

اقتصاديات الحرب الرأسمالية

سامح سعيد عبود

برغم ما تقدمه الحرب من خدمات جلية للرأسمالية هى فى أمس الحاجة إليها الآن، وباستثناء الإطاحة بنظام الحكم البعثى فى العراق، ونظام طالبان فى أفغانستان، فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فقد وثق تقرير الأمن البشري لعام 2005 انخفاضا كبيرا في عدد وشدة الصراعات المسلحة منذ نهاية الحرب الباردة في أوائل التسعينيات. ومع ذلك، فإن الأدلة التي اختبرت في طبعة عام 2008 من تقرير مركز التنمية الدولية وإدارة النزاعات في "السلام والصراع" أشارت إلى أن الانخفاض العام في الصراعات قد توقف .
الحرب هى بمثابة الأكسير الذى يعيد الشباب للرأسمالية بعد كهولتها، فالحرب تعنى ببساطة تشغيل مصانع السلاح، و معدات القتال، و إمدادات الجيوش و إهلاكها، و تجنيد و تشغيل المتعطلين عن العمل سواء فى الصناعات الحربية أو الدفاع المدنى أو إهلاكهم فى الحرب، وبذلك يتم التخلص من الفائض السكانى والسلع الراكدة على السواء، مما يعنى إعطاء الرأسمالية فرصة جديدة للانتعاش مجددا سواء أثناء الإعداد للحرب، وأثناء الحرب و بعدها، كما تتسبب الحروب أيضا فى إهلاك وسائل وطرق الإنتاج المتخلفة، و تدمير المدن والمرافق القديمة، لتأتى فترة السلام بعد الحرب ليعاد بناء المدن و المرافق العامة، و إحلال وسائل وطرق إنتاج جديدة أكثر تقدما وإنتاجية، فتحل فترات مؤقتة من الرواج، والتشغيل الكامل للعمالة و زيادة الإنتاجية، و من ثم يرتفع معدل الأرباح، كما حدث هذا فى فترة ربع القرن المجيد ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها سرعان ما واجهت مجددا ميل معدل الربح للانخفاض، ومشكلة حالة الركود التضخمى التى بدأت مع السبعينات حتى الآن .
الحرب تؤدي غالبا إلي خلق وظائف جديدة، عندما يكون معدل البطالة مرتفع، وتزيد من عمليات الشراء التى تنخفض فى ظل أزمات الكساد مما يساعد على زيادة الإنتاج الكلي المتدهور، ففى حالة التحضير للحرب، يزداد الطلب الحكومى على السلع والخدمات لتزويد الجيش بالأسلحة والذخائر والمعدات، فتعمل مصانع السلاح والمعدات والسيارات، وتتوالى الطلبات على مصانع أخرى لتوريد الملابس والأغذية لمتطلبات الجنود المعيشية ولتوفير كل تلك الطلبات توظف الشركات عمالة اضافية من أجل تلبية هذه الزيادة الطارئة في الإنتاج، و إذا كانت الاستعدادات للحرب كبيرة بما يكفي، فإن أعدادا كبيرة من العمال سوف يتم توظيفها مما يخفض معدل البطالة، وسوف تنخفض البطالة أكثر حين تذهب أعداد من المشتغلين فعليا إلى التجنيد الإجبارى، فيحل محلهم عمال متعطلين، و مع انخفاض معدل البطالة يزيد إنفاق المستهلكين، فالأشخاص الذين لديهم وظائف من قبل سوف يكونون اقل قلقا من فقدان وظائفهم في المستقبل، لذلك سوف ينفقون أكثر مما فعلوا سابقا، و هذا الانفاق الاضافي سوف يساعد في انتعاش الإنتاج والأسواق، مما سوف يؤدى إلى تعيين موظفين اضافيين مما يسبب انخفاض نسبة البطالة إلى أكثر من ذلك.
عندما تضع الحرب أوزارها، فإن الدول المهزومة أحيانا يطلب منها دفع تعويضات الحرب للدول المنتصرة، وفي بعض الحالات، يتم التنازل عن الأرض للدول المنتصرة، فالحرب وسيلة لتوسيع هيمنة السلطة وخلق الإمبراطوريات السياسية والاقتصادية، ومن ثم فهى لا تفيد إلا الأباطرة، والجدير بالإنتباه هنا أن حالة الاستعداد للحرب حتى بدون اشتعال الحرب فعليا تؤدى نفس المهمة الإنقاذية من أزمات الركود، والمثل القوى هنا الحرب الباردة التى أشعلت سباق التسلح وغزو الفضاء، فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا أدى بعد انتهاءها للبحث عن مبررات لإستمرار هذه الحالة فيما يسمى الحرب ضد الإرهاب.
إن العديد من الحروب تستند جزئيا أو كليا إلى أسباب اقتصادية، فالحرب تحفز في بعض الحالات اقتصاد البلاد المتحاربة، ولكنها في كثير من الحالات، لا تؤدي إلا إلى تدمير الاقتصاد في البلدان المتحاربة خاصة المهزومة منها. و الحرب العالمية الثانية واحدة من الأمثلة الصارخة على أثر الحرب على الاقتصاد وحل الأزمات الرأسمالية، حيث انتهى الكساد الكبير في الثلاثينات عندما ضاعفت الدول من إنتاجها من المواد الحربية لخدمة المجهود الحربي، كما أن عهد الرواج الكبير أو ربع القرن المجيد التالى للحرب كان بسبب الكم الهائل من استثمارات التعمير التى ضختها الرأسمالية الأمريكية المنتعشة، والتى لم تقترب الحرب من آراضيها بعكس الوضع فى بلاد أوروبا وشرق آسيا، والتى كانت فى مسيس الحاجة لهذه الاستثمارات لإصلاح الكم المهول لما خربته الحرب من مدن ومصانع ومرافق.
يمكن أن ننظر إلى الحرب باعتبارها تعبير عن المنافسة الاقتصادية في ظل نظام دولي تنافسي، تتنافس فيه الرأسماليات القومية على الأسواق والمواد الخام وطرق التجارة الدولية، ويبدو أن هذا الدافع الذى كان قويا لغزو البلاد الأخرى والدخول فى حروب معها فى القرون السابقة قد ضعف الآن، بسبب الحرية المتزايدة لرؤوس الأموال والسلع والعمالة والمعلومات، فى تخطى الحدود القومية، والاندماج المتزايد للاقتصاديات القومية فى اقتصاد عالمى موحد، ولكن تظل الاختلافات والتناقضات الاقتصادية بين الاقتصاديات القومية قائمة، وهى دافع للحروب نسبى وليس مطلق.. والمطروح الآن بين الدول الكبرى هو اشتعال الحروب التجارية والباردة، أما الوارد بقوة فهو اشتعال الحروب العرقية والدينية والطائفية والقبلية فى البلاد المتخلفة للتخلص من فائض سكانها الزائد عن احتياجات الرأسمالية، ولتدميرها أثناء الحرب ليعاد تعميرها بعدها، مثلما حدث فى العراق، فضلا عن استمرار حالات التوتر العسكرى تعطى مبرر لاستمرار صناعات السلاح، وزيادة الانفاق العسكرى، رغم أن الأسلحة لا تستخدم إلا فى الحروب، وغالبا ما تشترى لتكدس فى مخازن الدول المنتجة للسلاح، حتى تأتى الأبحاث بتقنيات أحدث، فيتم تكهين الأسلحة القديمة، أو تصريفها فى أسواق الدول المستوردة للسلاح، أو فى عالم تجارة السلاح السرى.
يكتب كارل ساجان وهو عالم فلك أمريكى "أن نصف العلماء على الأرض يعملون فى مجال الصناعات و الاختراعات العسكرية لجزء من الوقت على الأقل" ، و لا شك أن برامج التمويل الحكومى لأبحاث التسلح، كانت وراء بعض من أهم المنتجات التي نعرفها اليوم. مثل الترانزستور الذى كان له دور هام فى تطوير أجهزة الاتصال والإرسال والاستقبال، ثم الدوائر المتكاملة التى ساعدت فى ابتكار الكومبيوتر الشخصى، و الإنترنت (الذي يسمى أصلا أربانيت) وهو برنامج من تمويل وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأمريكية، حيث كان يعد كوسيلة للاتصال عبر مسافات طويلة في حالة حدوث الدمار النووي، ولكنه أصبح أهم ابتكار تكنولوجى فى العقود الأخيرة، وقد أدت البرامج الممولة للحرب لابتكار التليفون المحمول كوسيلة تمكن الجنود من التواصل بسهولة من داخل دباباتهم لمسافات طويلة، ثم تحول لهوس استهلاكى مدنى فى العقد الأخير، ربما هذا الجانب الجيد فى أبحاث التسلح، ولكن الجانب السىء هو توجه البحوث العلمية والتقنية بداية فى خدمة أغراض الحرب،وليس لأغراض السلم، و مرورها عبر برامج التسلح التى تستنزف أموال طائلة، و فيها تهدر البشرية نصف عقولها النيرة فى بحوث عسكرية هدفها الخراب والدمار من أجل مصالح قلة أنانية من الرأسماليين والقادة العسكريين والسياسيين وتجار السلاح، فى حين أنه من الممكن أن تتوجه تلك العقول وما يمكن أن تبدعه من الابتكارات التقنية و البحوث العلمية منذ البداية من أجل زراعة الصحارى، وحل مشاكل الجوع، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة، والقضاء على مشكلة الاحتباس الحرارى وغير ذلك.
هذا الجشع المجنون من قبل العسكريين وتجار السلاح، هو من دفع البيروقراطية السوفيتية لكى توجه جل جهود علمائها ومهندسيها وفنيها المتميزين لكى يصنعوا أسلحة كان فى إمكانها تدمير العالم وسكانه أكثر من أربعين مرة، دون أن يوقفها تساؤل منطقى بسيط، من كان سوف يبقى من البشر ليستخدم تلك الأسلحة لتدمير العالم للمرة الثانية، بعد تدميرها فى المرة الأولى، فى حين كان المواطنين السوفيت لا يجدون ضروريات الحياة إلا بصعوبة، و يقفون بالطوابير لشراء أبسطها، و لا شك أن هذا مثال واضح الدلالة عن كيف ترهق الحروب ميزانية الدول وتسخر موارد الدولة بأكملها لضخ المزيد في عجلة الحرب الضروس، و بسببها تشح الموارد والمنتجات، وبذلك تبرز السوق السوداء التي توفر البضائع العادية بضعف أثمانها الحقيقية.
الهوامش
هيويت، جوزيف، J. Wilkenfield وT. مع ذلك أن مفهوم الحرب هو أكثر من مجرد كلمة ولكن المغزى إلى معنى الموت. جور السلام والنزاعات 2008 ، بارادايم الناشرين، 2007
كارل ساجان عالم تسكنه الشياطين(الفكر العلمى فى مواجهة الدجل والخرافة) ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم،الهيئة المصرية العامة للكتاب ط 2006 ص 41 الأف كتاب الثانى القاهرة

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية