الأحد، 10 يونيو 2012

لماذا أعادى الملكية الخاصة ؟


لماذا أعادى  الملكية الخاصة ؟
 سامح سعيد عبود
ولدت قريبا لعائلات برجوازية ممتدة، فى الريف والمدينة، وقبل أن أعى شيئا عن السياسة و لا الفكر كرهت الملكية الخاصة، وتمنيت إلغائها من العالم، فقد أدركت بالتأمل فيما يدور حولى من مواقف، ويحكى لى من حكايات، أنها ابليس الحقيقى الموسوس بالشر بين الناس، ولم يضعف هذا اليقين خمسون عاما من خبرات الحياة بل ازداد قوة، فالصراع حول الملكيات والأموال والمواريث مهما بلغت ضئالتها، يفسد كل العلاقات الإنسانية حتى بين أقرب الأقرباء،ويصنع بينهم حواجز من الكراهية والحقد يسمم حياتهم، ويصيب صحتهم النفسية بالقلق والخوف والحزن والغضب، ويستنزف طاقتهم وأعمارهم بالغة القصر فى معارك  تخفى عنهم روعة الحياة، ويستحلب أموالهم فى هذا الطريق القضاة والمحامون والمحضرون دفاعا عن حقوق الملكية والميراث والديون إن عن حق أو باطل، ويموتون ليورثوا شقوقا فى العلاقات الاجتماعية، وجدرانا من عدم الثقة والجفاء.
ولأنى أرى أن حل مشكلة المرض و زوال أعراضه لا يتم بالمسكنات بل بإزالة أسبابه من الجذور فلم اقتنع بتلك الأسطوانة المشروخة السائدة بين الناس حول ضرورة تحلى الناس بحسن الأخلاق، و الإلتزام بنواهى الدين و أوامره، لتسكين الأعراض المصاحبة لسرطان الملكية الخاصة، فلم أرى برغم كل التدين البالغ فى مجتمعاتنا، مسيحيا يمنح  ثوبان لمن يطلب منه ثوبا كما ورد فى موعظة الجبل، ولم أرى مسلما يتخلى عن فضل زاده لمن لا زاد له كما ورد فى الحديث النبوى، فالناس دائما وكقاعدة عامة تطوع نصوص الدين إرضاءا لمصالحها الأنانية، ومبدأهم الواضح عض قلبى و لا تعض رغيفى، ومن المنطقى لديهم أن يلقوا بالطعام فى القمامة ليبحث عنه الجوعى، ويغلقون عشرات القصور الفاخرة، ويتركون المشردين ينامون فى الشوارع، أما الجنون المطبق لديهم فهو أن يتخلوا عن ما يملكوه برغم أنهم فى الحقيقة لا يحتاجون إليه.
لا شك أن 95% من الجرائم ترتكب للاستيلاء على الملكيات الخاصة والأموال، ومن أجل حماية الحق فى الملكية يتم توظيف رجال الشرطة والقضاء والنيابة وينفق عليهم من حقوق صانعى الثروة الفعليين (العمال والمزارعين والحرفيين والمهنيين)، وعلى حساب احتياجاتهم، ثم تبنى السجون ويودع فيها المدانون بالجرائم، وينفق عليهم أيضا لسنوات من نفس الثروات، وفى داخل السجون يتحول المجرمون بالصدفة والأبرياء إلى محترفى إجرام، ومن زاوية أخرى يصبح لرجال الشرطة والقضاء مصلحة فى استمرار الجرائم لتبرير استمرار وظائفهم، وزيادة امتيازاتهم، ويصبح دورهم ليس مكافحة الجريمة بل الحفاظ على استمرارها، والحفاظ على استمرار احساس المواطنين بالخطر والخوف على ممتلكاتهم ومصالحهم، والحل البسيط لتلك الدائرة المغلقة، هو إلغاء الملكية الخاصة والنقود فتختفى الجرائم التى تتم بسببها، وبذلك نوفر وظائف رجال الشرطة والقضاء ليؤدوا أعمال مفيدة اجتماعيا فى إنتاج الثروات بدلا من العيش كالبلطجية على حساب المنتجين الفعليين للثروة..أما ما قد يتبقى من جرائم ذات دوافع اجتماعية و نفسية وعقلية و وراثية فحلها لدى الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين والأطباء والمستشفيات لا رجال الشرطة والسجون.
الغالبية من من يدافعون عن حقوق الملكية الخاصة سواء أكانوا محرومين منها أو لا يملكون منها سوى الفتات الذى لا يغنيهم عن شىء، يتجاهلون أنه منذ أن عرفت البشرية الملكية الخاصة للثروات فإنها لم تكن سوى امتياز للقلة الثرية فى كل مجتمع فى حين حرمت دائما غالبية البشر الفقراء منها، ففى مصر يحوز اثنين من الألف على 50% من الثروات، و يملك 20% من السكان 30% من الثروات، ليتبقى 20% من الثروة من نصيب ال 80% من المصريين فى شكل مساحات ضئيلة من الأراضى وشقق سكنية ضيقة وأكواخ و عشش للسكن و دكاكين وسيارات متهالكة ومبالغ و أوراق مالية ضئيلة مودعة فى البنوك وصناديق التوفير، وهؤلاء الملاك الصغار يشكلون حاجز صد لحماية مؤسسة الملكية الخاصة المحتكرة فعلا من قبل أقلية ضئيلة من السكان.
الملكية الخاصة هى الأداة التى يتسلط بها المالكون على من لايملكون أو يملكون أقل، فبها استعبد واستغل السادة العبيد،و ملاك العقارات الإقطاعيين المزارعين والحرفيين، و الرأسماليون العمال، وبها اشترى الأثرياء كل الحكومات لتحكم لصالحهم، بل فى الحقيقة أن السبب الأول لظهور الدولة كمؤسسة قمع كان هو حماية الملكية الخاصة، وحماية من يحتكرونها من الملاك، والدفاع عن مصالحهم، وقمع المحرومين من الملكية الخاصة وترويضهم بالقمع والتضليل،حفاظا عن مصالح الملاك. فمن يملك وسائل الإنتاج يتحكم فى المحروم منها، برغم المساواة القانونية بين المالك الحاكم، والمحروم المحكوم، فمن يملك الطعام قادر على إجبار الجائع على تنفيذ ما يريده هو لا ما يريد الجائع، و الذى لابد وأن يقبل شروط مالك الطعام حتى يعطيه ما يملأ معدته، ويستطيع الجائع أن يخدع نفسه بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، و هذا صحيح، ولكن بشرط توافر الخبز أولا، فحتى يستطيع الإنسان ممارسة أى نشاط آخر غير الأكل، عليه أولا أن يملأ معدته بالطعام، و إلا لن يكون باستطاعته الحياة ليمارس أى نشاط.
الحقيقة أن كل الثروات البشرية نتيجة تراكم عمل ألاف الأجيال من البشر وعلى مدى مئات الألوف من السنين، ومن ثم فمن حق كل البشر الأحياء على ظهر الأرض الاستمتاع بكل ثروات الأرض على السواء، ولا يحق لأحد أن يدعى ملكيته لأى منها فهو بذلك يستولى على حق الجميع، أنظر لأبسط الأشياء أمامك فإننا ما كنا نستطيع أن ننتجها لولا تلك المرأة التى اكتشفت استنبات البذور،وتدجين الحيونات وتلك التى اكتشفت عند طحنها الدقيق ثم الخميرة لتصنع الخبز، وكل الذين اكتشفوا العجلة، والفخار والنار وانصهار المعادن وتشكيلها منذ عشر ألاف عام، وصولا إلى الألة البخارية المكتشفة من ثلاث قرون، فبدون كل تلك الجهود المتراكمة ما كنا توصلنا للكومبيوتر  وسفينة الفضاء الآن، وبرغم ذلك يأتى أحدهم ويتبجح ويدعى حقه فى التصرف فى واستغلال ما استولى عليه من حقوق الآخرين.
إلغاء الملكية الخاصة يضمن زوال عبودية وجبرية العمل فى المجتمع البشرى، ليعود العمل حرا قائم على الطوعية لا الجبر، التعاون لا التنافس، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حق البشر فى الحياة والرفاهية لابد أن يكفل لهم طالما عملوا بقدر طاقتهم لصالح المجتمع، فنحن لسنا مسئولين عن ضعفنا أو قوتنا، ذكائنا أو غبائنا، صحتنا أو مرضنا، فطالما نمنح المجتمع ما نستطيعه من جهد فعليه أن يوفر لنا ما نحتاجه، ومن لن يمنح المجتمع جهده وفق تقسيم العمل المتفق عليه فعلى المجتمع أن يحرمه من اشباع احتياجاته، وهذا هو المقصود من عدم ربط قيمة العمل بتوفير الحاجة، و يجب أن لا ننسى أن من يصنعون وصنعوا وسوف يصنعون تقدم المجتمع البشرى وثروته فى كل الأنظمة الطبقية بما فيها النظام الرأسمالى هم الأكثر فقرا وحرمانا دائما، وبرغم ذلك يعملون ويبدعون ويبتكرون ويخترعون فى حين أن الطفيليات المالكة التى لم و لا و لن تقدم أى فوائد للمجتمع، والتى لا تعمل و لا تبدع أو تفكر إلا لتلبية مصالحها الأنانية هم الأكثر ثراءا وإشباعا لا حتياجاتهم،  وبرغم ذلك يقولون أن هذا هو العدل، رابطين بين ثرائهم غير الأخلاقى وذكائهم وجهودهم المزعومة، ولو كان الثراء مرتبط بالجهد والمنفعة والتضحية للمجتمع والذكاء لكان علماء الطبيعة وعمال المصانع والمزارع هم أثرى أثرياء المجتمع، لكن الحقيقة الجلية أن ما من أحد من علماء الطبيعة بما فيهم اينشتين كانوا من الأثرياء.
ر بما يكون العمل الروتينى الشاق دافعه الأساسى النقود فقط فلا يوجد عامل على خط إنتاج أو فى المناجم أو فى المزارع يستمتع بما يعمله، وهو مجبر فى النهاية على ذلك، ولابد من أن يتعرض لضغط الجوع حتى يفعله، لكن التطور التكنولوجى الحالى يقلص بحدة من تلك الأعمال لتحل الألآت محله، ليقتصر عمل البشر تدريجيا على العمل المبدع والمبتكر الذى لا تتحدد دوافعه فى المال والتميز الاجتماعى والمكافأة من خلال الملكية الخاصة والنقود،بل تحقيق الذات.
وختاما وفيما يتعلق بالحاجات البشرية فإن هناك احتياجات بشرية طبيعية من حق كل البشر ، لكن ليس من بينها الاحتياجات الفاجرة للقلة المترفة، فليس تملك طائرة يبلغ ثلاث أرباع وزنها ذهبا كطائرة الوليد بن طلال باحتياج بشرى طبيعى فى حين يموت ملايين الأطفال كل يوم جوعا، ومن الطبيعى أن تحتاج سرير لتنام عليه، لكن ما هى منطقية الاحتياج لتبديل سريرك يوميا،تحتاج لثلاث وجبات صحية مشبعة يوميا، ومن ثم فلا ضرورة مطلقا أن تحتوى على أصناف نادرة من الطعام تكون على حساب تلبية احتياج عشرات الجوعى الذين لا يجدون سوى كسرة خبز فى صنادبق القمامة.









0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية