الاثنين، 11 يونيو 2012

خرافة-إذا الإيمان ضاع فلا أمان،و لا أمان لمن لم يحى دينا


سامح سعيد عبود
من أكذب ما غنته أم كلثوم هو هذا البيت للشاعر الهندى محمد إقبال من قصيدة حديث الروح "إذا الإيمان ضاع فلا أمان، و لا أمان لمن لم يحى دينا"، وهو أبعد ما يكون عن الحقائق المؤكدة لعلوم الأحياء والنفس والاجتماع، وأبعد ما يكون عن حقائق الحياة والواقع، وخطورته أنه يروج لخرافتين شائعتين تستند عليهما الأصوليات الدينية فى العالم، وهو الربط التعسفى بين الإيمان الدينى وتحقق الأمان الاجتماعى بين البشر، والربط المغالط بين حسن الأخلاق والإيمان الدينى.
أما عن حقائق علم الأحياء، فإن كل من الذكاء كما ونوعا، والعواطف تجاه الآخرين إن حبا أو كرها، والأخلاق إن خيرا أو شرا، تنافسا أو تعاونا، موجودة لدى كل من الطيور والثدييات، وإن بشكل أولى وغامض وبسيط لدى أدناها فى سلم التطور، ثم يزداد كل منهم رقيا وضوحا وتعقدا، كلما أرتفعنا فى سلم التطور، عندما نصل لقمته فى الإنسان العاقل، وكما أن الذكاء ملكات متعددة لفظى وميكانيكى، ذاكرة وتحليل وربط، لا يتساوى البشر بالتمتع بأى منهم، لا من حيث الكم و لا من حيث النوع، فيوجد بجوار العباقرة العاديين والمعاقين ذهنيا، فإن الطيور والثدييات كأفراد أو أنواع تتفاوت أيضا فيما بينها فى فى الذكاء والأخلاق والعواطف، فهناك عباقرة أخلاقيا وعاطفيا، وعاديون ومعاقون أخلاقيا وعاطفيا.
و كالذكاء تماما يتحكم فى العواطف والأخلاق لدى كل من الطيور والثدييات، الموصلات الكهروكيميائية فى المخ، وكيمياء الجسم فضلا عن الجينات الوراثية، وهى أصول مادية للأخلاق والعواطف، و قد نشأت تطوريا من ضرورة الرقود على البيض لدى الطيور حتى فقس البيض، ورعاية الصغار، فضلا عن بناء العش، وضرورة تعاون الزوجين فى كل ذلك، وفى الثدييات ضرورة إرضاع الأطفال ورعايتهم لفترة بعد الميلاد، فضلا عن الضرورات التى أملتها الحياة المشتركة الجماعية فى أسراب الطيور وقطعان الثدييات، التى تسببت فى نشوء عواطف القطيع، وظهور ما يمكن أن نطلق عليه التعاون وتقسيم العمل فيما بينها سواء للبحث عن الطعام أو حماية السرب أو القطيع، وإن كانت رعاية الصغار لدى معظم الثدييات والطيور لا تتجاوز أسابيع أو شهور، فإن احتياجها لمقادير و أنواع من الذكاء والعواطف والأخلاق تكون قصيرة المدى ومحدودة بتلك الحدود، ولما كانت هذه الفترة تطول لدى القردة العليا فتتجاوز ثلاث سنوات، جعلها أكثر تطورا وتعقدا وتنوعا فى هذا الخصوص، وبسبب أن رعاية الصغار لدى البشر تزيد عن عشر سنوات، وقد تدوم العلاقة فى القطيع والعشيرة لعدة أجيال، فأن كل من الذكاء والعواطف و الأخلاق تزداد تطورا وضوحا وتعقدا لتصل لقمتها لدى الإنسان العاقل.
يكتسب الحيوان الثديى أو الطائر سلوكياته وصفاته ومهاراته أيضا من الارتباطات الشرطية، فكلما كذبت فقدت ثقة الناس واحترامهم، فتتعلم تحرى الصدق لتكتسب الثقة والاحترام، وهكذا، وهو أساس إمكانية ترويض الحيوانات فى السيرك،وأساس عمليات التعلم والتربية،والإنسان ابن بيئته الاجتماعية، فيمكن أن يكتسب صفات سلوكية، خيرة أو شريرة، تعاونية أو تنافسية، غيرية أو أنانية، من مجمل التجارب التى يتأثر بها فى أسرته ومجتمعه الأكبر، وهو ما ليس له علاقة بعقيدته الدينية.
يؤثر فى تحديد سلوكيات البشر، أنماط العلاقات الاجتماعية السائدة، تعاونية أم تنافسية، سلطوية أم لاسلطوية، طبقية أم لا طبقية، ويتأثر سلوك الإنسان بوجود الملكية الخاصة أو عدمها،بالحرمان أو الاشباع، ويتأثر سلوكه بموقعه الاجتماعى، سيدا كان أو عبدا، حاكما كان أو محكوما، فقيرا كان أو غنى، وهو ما لا علاقه له بعقيدته الدينية.
العقيدة الدينية فى أصولها ظاهرة اجتماعية منفصلة عن الأخلاق ، وهى فى جوهرها الإيمان بقوى غيبية تؤثر فى حياة البشر والطبيعة، وتقوم على أداء طقوس، وعبادات والإلتزام بتقاليد وعادات وسلوكيات استرضاءا لتلك القوى، دفعا للشر وجلبا للخير، للفرد أو الجماعة، وقد تضمن الأديان أوامر ونواهى أخلاقية، ليس من الضرورى أن تكون خيرة بل ان بعضها يكون شريرا أحيانا، والحقيقة أن البشر غالبا ما يقصرون تدينهم على الجانب العبادى والطقوسى أكثر من التزامهم بالجانب الأخلاقى، ولم يثبت تأثر البشر بتلك الأوامر والنواهى الأخلاقية، فما سبق ذكره من مؤثرات فى الفقرة السابقة هو الأقوى تأثيرا فى سلوكيات البشر بصرف النظر عن إيمانهم من عدمه، وبصرف النظر عن عقائدهم الدينية.
هناك مصالح مؤكدة للبشر مرتبطة بغرائزهم الحيوية فى البقاء والأمن، وهى لن تتحقق لهم دون أن يلتزموا بأخلاقيات خيرة وغيرية وتعاونية فى علاقاتهم الاجتماعية، تحافظ على استمرار تلك العلاقات فى تلبية احتياجاتهم المشتركة،فلو كان شىء مباح لكل فرد منهم، ومع اختلاف الرغبات الفردية، فلن تستمر تلك العلاقات و ولن تحقق المصالح الحيوية للبشر فى البقاء والأمن، ومن ثم فعلى البشر بصرف النظر عن عقائدهم، أن يتعلموا أن لرغباتهم حدودا لا ينبغى لهم تخطيها، وإن الإباحة تنتهى عندما تبدأ مصالح الآخرين، وإلا فإنه لا أمان و لا بقاء لكل الأفراد، ومن يقولون أنهم لو فقدوا ايمانهم فسوف يفعلون كل ما يحلوا لهم بلا رادع واهمون، لأنهم سوف يجدون أمامهم روادع أخرى غير إيمانهم الدينى، كالسجون والنبذ الاجتماعى والكراهية، وسوف يخسرون أشياء كثيرة كالاحترام الاجتماعى وراحة الضمير وحب الناس.
أما وقائع الحياة فهى تكذب القول أنه بضياع الإيمان فلا أمان، وأنه لا أمان لمن لم يحى دينا، على مستوى الأفراد والمجتمعات، و تنفى أى علاقة حتمية بين التدين من عدمه وبين حسن السلوك والأخلاق. فليس كل المتدينين ملتزمون بحسن الأخلاق و محلا للثقة رغم تدينهم، وليس كل اللادينين يتصفون بسوء الأخلاق و لا محلا لعدم الثقة رغم عدم تدينهم، فهناك لا دينيين يقتربون من مستوى القداسة، وهناك متدينون أقرب للشيطنة،فالسلوك الإنسانى المعقد للغاية تجد منابعه من مستويات مختلفة، تجعل كل فردا منا فريدا من نوعه، و لا يجوز الحكم عليه من جانب محدود التأثير فى سلوكه، وهو التدين من عدمه. 

1 تعليقات:

في 2 سبتمبر 2012 في 12:12 ص , Anonymous Entrümpelung يقول...

Thank you for your wonderful topics :)

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية