الخميس، 18 يونيو 2015

التعاون فى ظل التدخل الحكومى

التعاون فى ظل التدخل الحكومى
سامح سعيد عبود

يتوقف وجود التعاونيات أو عدمها، نجاحها أو فشلها، احتفاظها بمبادئها وأهدافها وقيمها، أو الانحراف عنها، على الموقف الحكومى من التعاونيات، هل تعاديها أو تنحاز لها، هل تحاول احتوائها فى إطار سياستها، أم تترك لها حرية الحركة وتحافظ على استقلالها. صحيح أن التعاونيات تملك أحد مصادر السلطة المادية أى الثروة، وهو ما يمكن أن يمنحها نفوذا اجتماعيا يتوقف على درجة ما تملكه ومقدار تأثيره اقتصاديا، وحجم المصالح الاجتماعية التى ترتبط بها، على عكس الجمعيات الأهلية وغيرها من منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، لكن ماذا يفعل ملاك الثروة، أمام من يحتكرون العنف المسلح أى رجال الدولة، ومن ثم فما لم ينحاز هؤلاء المسلحون إلي وجود التعاونيات ونجاحها واحتفاظها بجوهرها، فإنها تصبح فى مهب الريح لا حول لها ولا قوة، وكما سبق وقد ذكرنا فقد استطاع الشيوعيون انهاء وجود أكثر الحركات التعاونية نجاحا فى العالم فى أوائل القرن العشرين فى روسيا القيصرية، حيث لم تكن تستطيع أن تفعل شيئا أمام الجيش الأحمر إلا الاستسلام لمصيرها.
ومن الملاحظ عموما، إن أكثر التعاونيات نجاحا هى الموجودة فى أكثر البلاد التزاما بحقوق وحريات الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والأكثر التزاما بالديمقراطية وبحرية المبادرة الاقتصادية والشعبية الحرة والطوعية والمستقلة عن الدولة، وأكثر البلاد تشجيعا لها بسياستها الضريبية والجمركية والمالية..الخ، والتى قد تدعمها بالتمويل والسياسات المالية، ولكنها لا تدس أنفها فى كل تفاصيل نشاطها كما هو حادث فى مصر والبلاد الشبيهة.
إن ارتباط نشاط التعاونیات المصرية بالدولة قیدها بدرجة كبیرة، حيث تواجه التعاونیات عوائق عدة للحصول على الترخیص بالعمل بدلا من ان یكون تأسیسھا بمجرد الإخطار. ولقد أدى تحویل التعاونیات إلى إحدى أدوات جھاز الدولة إلى جعلھا تعتمد إعتمادا كلیا على دعم الدولة، وذلك بأعتبار أن التعاونیات، وعلى الأخص التعاونیات الزراعیة الاستھلاكیة، كانت مسئولة عن تنفیذ خطة الدولة، وخضعت خضوعا كاملا للإشراف الإدارى، أضف إلى ذلك وجود العدید من الجھات الإداریة المشرفة على الحركة التعاونیة بحسب اختصاص كل مؤسسة تعاونیة، كوزارات الزراعة والتجارة، والإسكان والتعلیم، والتنمیة المحلي، بل إن الاتحاد العام للتعاونیات فى مصر یتبع إداریا رئیس مجلس الوزراء، الأمر الذى أدى إلى البیروقراطیة داخل التعاونیات.
كثير من الدول مثل مصر فى العالم، وعبر القرنين الماضيين قاومت وتقاوم الحركة التعاونية وتحاول السيطرة عليها واحتوائها، وإفسادها وتشويهها، وبالطبع تتفاوت درجات السيطرة والاحتواء والتشويه والإفساد من بلد لآخر حسب ما يتمتع به المواطنين فى هذا البلد أو ذاك، من حريات فردية وجماعية، وما يقيدوا به من قيود من قبل الدولة. 
فالدولة وبيروقراطيتها بطبيعتها تعادى التعاونية كحركة مستقلة ذاتيا عنها، وهى تحاول دائما احتوائها فى جهازها البيروقراطى، فهى لا تقبل بوجود حركة شعبية ديمقراطية طوعية تحل محل خدماتها وتدخليتها فى الإنتاج والخدمات والاقتصاد عموما،  التى هى الأساس المادى لاستبدادها السياسى، والحالة المصرية ليست استثناءا من ذلك، فقد بدأت الحركة التعاونية فى مصر كحركة طوعية عفوية شعبية مستقلة مستندة على القانون المدنى القائم على أن العقد شريعة المتعاقدين، وبعد تأسيس عدد من التعاونيات الزراعية والاستهلاكية بريادة عمر لطفى، أخذت الدولة تتدخل تشريعيا بقوانين تفرض إشراف الدولة ورقابتها على التعاونيات بدأ من 1914، إلا أن التدخل تحول لاحتواء وابتلاع كامل للحركة التعاونية من قبل الحكومة المصرية مع العهد الناصرى.
 وفى النهاية فإن من ينشىء تعاونيات فى مصر وفق قوانين التعاون، يسلمها ببساطة للاتحادات التعاونية العامة والنوعية والإقليمية، التى وإن كانت ورقيا ورسميا مستقلة عن الدولة وجهازها البيروقراطى، إلا إنها واقعيا جزء لا يتجزأ من الجهاز الحكومى بكل ما يمثله من فساد واستبداد، والتى تنهبه المافيات المسيطرة عليه، وبحكم قوانين التعاون، وبلاحسيب ولا قريب، ودون أن يستفيد منها سوى المسيطرين على الاتحادات من محاسيب الحكومة، والحل فى رأى عدم انتظار تغيير القوانين، لأنه ليس من المأمول فى ظل الظروف الراهنة، أنها سوف تكون أفضل حالا من الحالية، الحل هو فى إنشاء تعاونيات واقع لا تهدف للربح، ولا تحقق ربح، يستوجب التدخل القانونى والحكومى، وذلك بالمزج بين التعاون الإنتاجى والخدمى والاستهلاكى والائتمانى والتأمينى فى قلب التعاونية الواحدة، وبتفعيل مبدأ التعاون بين التعاونيات بين شبكة أو اتحاد من التعاونيات المثيلة.
ومن الجدير بالذكر أن مبدأ الحياد السياسى والدينى للتعاونيات ليس معناه عدم ممارسة التعاونيات للتأثير السياسى فى المجتمع، وذلك بتأييدها ودعمها لسياسات معينة، أو مطالبتها بسياسات محددة، أو كفاحها من أجل تغيرات وتعديلات تشريعية تتعلق بعملها ومصالحها، أو من ناحية أخرى رفضها أو النضال ضد سياسات تضر بعملها ومصالحها، ولكنه يعنى فقط أن باب عضويتها مفتوح للأفراد بصرف النظر عن الانتماء الدينى أو السياسى لطالب العضوية، وانها لا تحمل أى طابع دينى أو طائفى أو قومى أو سياسى، ولكن هذا لا يتناقض مع ضرورة وجود تعبير سياسى عن الحركة التعاونية يدافع عن مصالحها ومطالبها واستقلاليتها، مثل الحزب التعاونى فى بريطانيا، ويمكن بالطبع أن تدعمه التعاونيات طالما يعبر ويدافع عن تلك المصالح والمطالب.
وإذا كنا اطلعنا على التأثير السلبى للتدخل الحكومى على التعاونيات فيمكن أن نتعرف على التجربة الفنزويلية تحت حكم هوجو شافيز، وكيف أحدثت تأثير ايجابيا قويا من أجل نجاح التعاونيات هناك فيما يشبة الثورة التعاونية.
عندما تولى شافيز الحكم في 1998 كان هناك 762 تعاونية مسجلة رسميا في البلاد تضم عشرين ألف عامل. في 2003، أصبح هناك 3000 تعاونية، وبمنتصف العام الماضي نما الرقم إلى 108 ألف تعاونية تضم مليون ونصف شخص. وتعمل التعاونيات في جميع القطاعات تقريبا. واحد وثلاثون في المائة منها في التجارة والمطاعم والفنادق، وتسعة وعشرون في المائة في النقل والتخزين والاتصالات، وثمانية عشر في المائة في الزراعة، بينما تتراجع نسبة الصناعة إلى ثمانية وثلاثة من عشرة في المائة. لكن العمال صاروا يعملون ويديرون على أسس المشاركة التعاونية في جميع الأنشطة الاقتصادية تقريبا من إدارة الطرق السريعة للحديد والصلب والنسيج إلى المصائد السمكية والمزارع، وبنجاح غير قليل. وتتوقع المصادر الحكومية أن تنمو نسبة من يوظفهم قطاع التعاونيات من قوة العمل إلى ثلاثين في المائة في خلال السنوات القليلة القادمة.
وتحت الضغط الجماهيري لإنشاء التعاونيات ودعمها كمؤسسات تشاركية يديرها المنتجون، صارت الدولة تدعمها بطرق مختلفة أبرزها إعفاؤها من الضرائب. وبالطبع اعترض رجال الأعمال الذين رأوا في الظاهرة تشويها للمنافسة الاقتصادية محذرين من أن هذا الدعم سيؤدي لانهيار اقتصادي كامل. ونسي هؤلاء أن واحدة من أبرز سياسات البنك والصندوق، كما رأيناها في مصر، هي فتح الأبواب وإعطاء التسهيلات الجمركية والضريبية للمستثمرين محليين وأجانب لتشجيعهم على ضخ استثماراتهم. بالطبع لم يعتبر أي من أباطرة الدفاع عن السوق الحرة هذا أبدا تشويها للسوق أو إهدارا للمنافسة الحرة الشريفة[1].
وقد زاد عدد التعاونيات فى فنزويلا بشدة مما جعل منها  ثانى أكبر دولة فى العالم من حيث عدد التعاونيات بعد الصين. بأقل من ألف تعاونية قبل 1998، والآن يوجد بها ما بين 30000 و60000 تعاونية تعمل،  وهذا بالطبع مرتبط بالسياسات العامة الجديدة فى الدولة .
لكن أعتماد هذه المؤسسات بشكل أساسى على مؤسسات الدولة للحصول على رأس مال والحصول على تعاقدات عمل تضع أستمراريتها موضع السؤال، ولهذا على التعاونيات الفنزويلية تنسيق أنشطتها فيما بينها ومع روابط الأحياء لتحويلها إلى مؤسسات إجتماعية تلبى أحتياجات المجتمع بالشكل الناجح والمستديم[2] لتضمن استقلاليتها عن الحكومة وتغيرات سياستها مستقبلا.
وبرغم ما قدمته حكومة شافيز من تسهيلات للتعاونيات الفنزويلية في الحصول على تمويل بفوائد منخفضة عن طريق مؤسسات تمويل عامة وعلي الرغم من ذلك توجد مشاكل كثيرة في تطبيق السياسات العامة لحكومة هوجو تشافيز التي تقلل من كفاءتها، ويقال أن من أسباب فشل الكثير من التعاونيات الممولة حكومياً الارتجال أو الاستخدام المالي الخاطئ الذي كلف الحكومة الكثير. ويقول نقاد التمويل الحكومى للتعاونيات ان التعاونيات التقليدية القديمة هى مثال للتمويل الذاتى لكن فى الحقيقة غالبية التعاونيات التى تم دراستها حصلت على رأس مال أساسى (الموقع والمعدات) من قبل هبات من سفارات ومنظمات دولية للمساعدات الإنسانية، ومؤخرا حصلت التعاونيات الجديدة على دعم من المنظمات التى ترعاها لتدخل سوق العمل (او الاتحادات التعاونية)[3].








[1] دينا سمك ووائل جمال    فنزويلا.. بديل يختمر اقتصاد خارج المألوف  الناشر الاشتراكي  الأربعاء 23 مايو 2007     
[2] كاميلا بينيرو هارنيكر التحديات الأساسية أمام التعاونيات فى فنزويلا-مايو 2008 ترجمة: محمد الخطيب 2013 الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 13:14 
[3] المصدر نفسه

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية