الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

لماذا يناهض الأناركيون الدولة؟

لماذا يناهض الأناركيون الدولة؟
سامح سعيد عبود
من غير المجدى البحث عن تعريف شامل مانع جامع للأناركية، إلا أننا يمكن أن نشير إلى ملمح مشترك يجمع بين كل الأناركيين هو العداء للدولة، التي يرى الأناركيون إما وجوب اختزالها إلى الدولة الحارسة أو اختفائها واستبدالها بشكل جديد من التنظيم الاجتماعي، و الدولة ليست المكافئ للحكومة عمومًا، ولذلك فإن بعض الأناركيين يؤكدون أن هدفهم ليس مجتمعًا بلا حكومة، ولكن مجتمع بلا دولة، و الدولة المقصودة هي سلطة أعلى من الفرد تستقل بالإدارة السياسية و تحتكر استخدام القوة التي تبلورت بعد بروز الدولة القومية في أوروبا بعد صلح وستفاليا 1648 في فترة نشوء النهضة الأوروبية، وأسست لنفسها مكانًا كفاعل على الساحتين الداخلية والدولية.
أولى سمات الدولة الحديثة التى يعاديها الأناركيون هي احتكارها للسيادة على المجتمع وأفراده أي أنها تدعي لنفسها كامل السلطة عليهم،  و احتكارها لتعريف وتحديد حقوق وواجبات رعاياها.
ثاني هذه السمات هى أن الدولة كيان إلزامي قسرى بمعنى أن كل فرد ولد في إقليمها الجغرافى مجبر عن غير إرادة منه على الاعتراف بالتزاماته تجاه الدولة التي تحكم هذا الإقليم، وضرورة ازعانه لقوانينها وإلا ناله عقابها.
ثالث هذه السمات هى أن الدولة تحتكر استخدام القوة و العنف في إقليمها ولا تسمح بوجود منافس إلى جانبها.
رابع هذه السمات هى أن الدولة كيان متميز بمعنى أن الأدوار والوظائف السيادية التي تقوم بها من دفاع خارجى وأمن داخلى و تطبيق للقوانين منفصلة عن الأدوار والوظائف الاجتماعية عمومًا .
و لكل هذا يرى الأناركيون عدم أحقية الدولة في الوجود ككيان مسلم به، ففى حين ينظر له البعض على أنه ضمان للسلام الاجتماعي للمواطنين، إلا أنه حمل معه منذ وجوده سلسلة من الشرور الاجتماعية مثل الحروب والفساد والظلم الاجتماعى والانقسام الطبقى.
ويعرض "برودون" باعتباره أحد أبرز منظري الأناركية  أربع اتهامات أساسية للدولة.
 أولها: أنها كيان إكراهي يحد من حرية الناس ويقللها لما هو أدنى بكثير مما يحتاجه التعايش الاجتماعي بينهم، فهي تصدر قوانين مقيدة لهم لا لصالح المجتمع بل لحمايتها هى من المجتمع وأفراده.
ثانيها أن الدولة هي كيان تأديبي أو عقابي، فهي توقع عقوبات شديدة على هؤلاء الذين يخرقون قوانينها، سواء أكانت هذه القوانين عادلة أم لا. والأناركيون ليسوا بالضرورة ضد هذه العقوبات، ولكنهم ضد أشكال وأحجام العقوبات التي تصدر عن الدولة فى مواجهة من يخرجون عليها.
ثالثها: أن الدولة كيان استغلالي، فهي تستخدم قوتها في فرض الضرائب والتنظيم الاقتصادي؛ لتمويل الموارد من مراكز الثروة إلى خزانتها.
رابعها أن الدولة هي تنظيم هدام؛ إذ تجند رعاياها أو مواطنيها في حروب سببها الوحيد حماية الدولة نفسها، وإقليمها وسيادتها، وبدلاً من أن تكون حافظة لحياتهم من حالة الفوضى كما يرى هوبز وأنصار الدولة،  و ينتهي الأمر بموت الفرد في سبيلها‍‍‍‍‍.‍‍
و لا يعد الأناركيون كل الوظائف التي تقوم بها الدولة غير ضرورية، فمن وجهة نظرهم أنه من المستحيل أن تكسب الدولة شرعيتها بين الجماهير دون أن تقدم خدمات أو تقوم بمهام نافعة، وإن لم يتفق الأناركيون على هذه المهام، إلا أنهم يقصرونها عادة في مساحتين: حماية الفرد ضد اعتداء الآخرين عليه، والتنسيق بين أعمال الإنتاج في المجتمع.
أما عن المجتمع المتصور لدى الأناركيين و البديل عن الدولة كما سبق تعريفها فهو ليس بدون تنظيم كليًّا، بمعنى أنه سوف توجد مؤسسات لتحقيق أهداف جماعية، ولكن تلك المؤسسات سوف يكون لها خصائص تختلف عن خصائص الدولة:
أولها: أنها لن تكون دولة جبرية أو سلطوية، متعالية ومنفصلة عن إرادة الخاضعين لها بل تنشأ وتستمر وتزول وفق توافق هؤلاء الخاضعين والمنتمين لها و سوف يحددون هم وظائفها، و لن يسمح لها بتخطي دورها المحدد سلفًا.
ثانيًا: يصر الأناركيون أن يكون الانتماء لهذه المؤسسات اختياريًّا، وليس إجباريًّا بمعنى أن كل فرد تحكمه تلك المؤسسات يجب أن يوافق سلفًا على أن يحكم بها.
 ثالثًا: أعجب بعض الأناركيون بفكرة وجود مؤسسات مختلفة تتعاون في مجال واحد، وفي الوقت نفسه تتنافس لاستمالة العاملين في تلك المجال-أي ما يشبه الشبكات.

رابعا: يرى الأناركيون أن تدار هذه المؤسسات عن طريق الديمقراطية المباشرة أو تداول الإدارة .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية