الأربعاء، 27 أبريل 2016

مبادرة تعلم...تحرر


مبادرة تعلم...تحرر
سامح سعيد عبود
يتبنى عدد من شباب الثورة هذه المبادرة، و بدأوها بالفعل فى عدد من الأحياء الشعبية والقرى، و تعرض أحدهم للقبض عليه لأيام بسبب مشاركته فى المبادرة فى أحدى تلك الأحياء، الامر الذى انعكس سلبيا على التجربة هناك، ولذلك أرجوا من الشباب أن يتوخوا الحذر فى التجارب الأخرى ولا يقعوا فى نفس الأخطاء, بدأت التجربة ثم مبادرة نشرها، عندما لاحظ الشباب إن أولياء الأمور المصريون يدفعون حوالى 17مليار جنية سنويا على الدروس الخصوصية غير المصاريف الدراسية، لكى يحصل أبنائهم على شهادات دراسية تؤهلهم لوظائف لا يجدونها بعد الدراسة، و تؤهلهم لمهن مرموقة لا يتعلمون أصولها و لا يجيدونها. ولأن الطلب الفعلى لدى الأباء و الأبناء هو مجرد الحصول على الشهادة لا التعلم نفسه، لذلك انتشر فى مصر الغش العلنى والجماعى من مرحلة الروضة لمرحلة الدكتوراة، و أصبح هو القاعدة العامة التى يثبتها الاستثناء، وأصبحت الدروس الخصوصية لا تهدف للتعليم بقدر ما تهدف لحفظ الاجابات النموذجية للإجابات المتوقعة، والمطالبة بتسهيل الامتحانات و اختصار المناهج،  ومن ثم لا يتلقى الأبناء  تعليما جيدا رغم التكلفة العالية للتعليم،، كما أن المدرسين أنفسهم يطحنون فى تلك العملية بعد اليوم الدراسى الرسمى الذى يحصلون مقابله على مرتبات متدنية، و برغم ذلك تنتشر الأمية بكافة أشكالها فى أوساط الأطفال والصبية كما تنتشر بين الكبار، سواء المنتظمين فى المدارس، أو الذين تسربوا من التعليم، أو من لم يدخلوا المدارس أصلا، و رأوا شباب المبادرة إن الحل هو تنظيم مدراس تعاونية شعبية يساهم فيها أولياء الأمور و المدرسين ليضمن أولياء الأمور خدمة تعليمية جيدة و رخيصة لأولادهم، ويضمن المدرسين عبرها فرص عمل مجزية ومريحة فى نفس الوقت.
و المبادرة لا تؤسس تعاونيتها وفق قوانين التعاون، ولكنها تؤسس تعاونيات واقع حرة ومستقلة بعقود مدنية، و هى ليست تعاونيات تعليمية فقط بل تقدم الخدمات الثقافية الشعبية الحرة والقائمة أيضا على مشاركة مقدمى الخدمة ومستهلكيها، فالتعليم الحكومي إن وجد لا يحقق جودة تعليمية و حتي لا يقدم أدني تعليم نظرى أو عملى، إلا في أضيق الأطر، و أيضا تتميز هذه الفكرة بقلة اعتمادها علي التمويل الخارجى، و البعد عن برامج التمويل الدولية مما يضمن عدم التدخل الخارجى في مسارها، و ضمان عدم انحرافها، و إنها لا تمثل عبء كبير علي من يقومون بالعمل حيث إنه مع توزيع المهام يقل الوقت و الجهد المبذول بشكل كبير، و أيضا لا يوجد تحمل لأعباء مالية كبيرة في التأسيس، خصوصا فى ظل استخدام الوسائط الإلكترونية و النت، و إنه مع نجاحها، و بدايه تحقيقها لأرباح مالية يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي في الموارد المالية، و مع تدريب كوادر من الأهالي مع الوقت يمكن ان يتم تحميل مسئولية الإدارة بالكامل الأهالي المشاركين من التعاونية .
هذا المشروع التعاوني يجمع بين مقدمى الخدمة أى المدرسين و متلقى الخدمة من أولياء الأمور وأبنائهم و يمكن أن يبدأ  بعدد صغير بشرط ان يفهموا شروط العمل التعاوني، و أن لا ينحرف المشروع للطريق التجارى الاستثماري، و استغلال حاجة الناس بالأساس، و ألا يكون داخله أي نوع من أنواع العمل المأجور، و أن تتوفر فيه مبادىء الهوية التعاونية و أهدافها وقيمها.
و ان يتم السماح لمتلقي الخدمة بالمشاركة في التعاونية، و حضور اجتماعات الجمعية العمومية، و الانتخاب داخل الجمعية العمومية، بشرط ان يدفعوا قيمة مساهمتهم فى التعاونية، و أن يتم بمجرد طلبهم للعضوية وشراءهم للأسهم، و تسليمهم مهام عمل ليتم فيها اختبارهم و تدريبهم و لضمان عدم انحراف التعاونية.
و الخدمات التى يمكن أن تقدمها التعاونية هى  محو الأمية للكبار، و محو الأمية للأطفال و الشباب المتسربين من التعليم مع برامج تثقيفية وتعليمية متنوعة، والاستفادة من الأنترنت من أجل التعليم المستمر والحر، و تقديم خدمات التعليم والتثقيف والتدريب للمنتظمين في التعليم المدرسي كبديل رخيص و أفضل، عن مجموعات التقوية، و الدروس الخصوصية، مع محاولة الالتزام قدر الامكان بالمناهج الدراسية، و تعويض تخلفها  بتنمية قدرات البحث و التفكير و التعليم الذاتي المستمر والحر لهم .و محاولة تنمية القدرات الفنيه و الأدبية والعلمية للمستفيدين من الخدمة، و عقد دوري لندوات ثقافيه أو أدبية أو سياسية أو علمية، والمساعدة على التفدم للحصول على شهادات من الخارج بالمراسلة.
تستلهم هذه المبادرة تجارب عملية ونظريات تربوية عالمية، منها على سبيل المثال
التعليم عند المفكر الأناركى الإنجليزي ويليام جودوين هو "الوسيلة الرئيسية التي يمكن من خلالها تحقيق التغيير الاجتماعى، لتطوير الوعى البشرى تدريجيا بحيث يكون مؤهلا للتغيير المأمول فى التحرر الإنسانى." ويرى  جودوين أن الهدف الرئيسي من التعليم يجب أن يكون تعزيز السعادة و "احترام الحكم الذاتي و الاستقلالية الذاتية للطفل الذي يمنع أي شكل من أشكال الإكراه "،" و على المعلمين أن يحترموا هذا و يسعون إلى البناء على الدوافع الذاتية و المبادرات الخاصة للطفل، فالطفل فى ظل التعليم الحكومى لا يستطيع مقاومة الأيديولوجية والميمات الثقافية والقيم والمفاهيم التى تنتقل إليه عن طريق المدرسة فى هذه السن خصوصا مع تعوده على التلقين وعدم التفكير والمناقشة،". و في كتابه العدالة السياسية ينتقد جودوين التعليم الذي ترعاه الدولة "بسبب تحالفه الواضح مع الحكومة الوطنية التى تمثل مصالح الطبقات المالكة و الحاكمة وترعاها" ضد مصالح المحكومين والمحرومين.
 فى حين قدم الأناركى الأميركي يوشيا وارن الخبرات التعليمية البديلة في المجتمعات التحررية التى أسسها فى القرن التاسع عشر.
أما ماكس شتيرنر فكتب  عام 1842 مقال طويل حول التعليم يسمى المبدأ الزائف فى التعليم لدينا. أسمى شتيرنر مبدأه التعليمي البديل ب"الشخصاني"، موضحا أن فهم الذات تتكون في ساعة التكوين الذاتي. التعليم بالنسبة له هو تكوين "الرجال الأحرار عقلا وجسدا، و الشخصيات المستقلة ذات السيادة على ذواتها" والذي يقصد بها "شخصيات أبدية ... لأنهم يشكلون أنفسهم بأنفسهم فى كل لحظة". و أوضح شتيرنر أن التعليم سواء على طريقة الإنساني الكلاسيكي أو الأسلوب الواقعي العملي، لا يزال يفتقر إلى القيمة الحقيقية. فالتعليم الحقيقى هو القدرة على مساعدة الفرد في أن يصبح فردا مستقلا ذاتيا و حرا.
في عام 1901، أنشأ الأناركى الكتالونى فرانسيسك فيرير أى جوراديا  المدارس "الحديثة" أو التقدمية في برشلونة في تحد للنظام التعليمي الذي تسيطر عليه الكنيسة الكاثوليكية، وكان  الهدف المعلن لتلك المدارس " توعية الطبقة العاملة بمناهج عقلانية، علمانية وغير قسرية ". معادية بشدة للسلطوية من أى نوع، وفيرير كان يعتقد في "حرية التعليم"، أى التعليم المتحرر من سلطة الكنيسة والدولة و رأسالمال والسوق[291] كتب موراي بوكتشن عن ذلك : "كانت هذه الفترة [تسعينات القرن 19] ذروة المدارس التحررية والمشاريع التربوية في جميع المجالات فى البلد التي مارس الأناركيون فيه قدرا هائلا من التأثير، ولعل الجهد الأكثر شهرة في هذا المجال هو مدرسة فرانسيسكو فيرير  المدرسة الحديثة (ايسكويلا مودرنا)، وهو المشروع الذي مارس تأثيرا كبيرا على التعليم الكتالوني وعلى التقنيات التجريبية للتعليم عموما. كانت لا ايسكويلا مودرنا، وأفكار فيرير عموما، قد شكلت مصدر إلهام لمجموعة من المدارس الحديثة في الولايات المتحدة،  وكوبا وأمريكا الجنوبية ولندن. وقد بدأت أولى هذه المدارس في مدينة نيويورك في عام 1911. وملهمة أيضا لصحيفة جامعة بوبولار الإيطالية ، التي تأسست في عام 1901.
تجربة فيرير توسعت لشبكة هائلة من التعاونيات التعليمية الشعبية الحرة ، عبر أسبانيا كلها قبل الثورة الأسبانية، وكانت القاعدة التى تضخم على أساسها نفوذ وتأثير الأناركيين فى أسبانيا، الذين لعبوا دورا رئيسيا فى الثورة والحرب الأهلية التى تلتها، ويلاحظ أن تجربة موندراجون فى إقليم الباسك بأسبانيا بدأت بمشروع تعليم عن التعاونيات و معهد للتكنولوجيا، واستمر ذلك فى الجامعة وشبكة المدارس التعاونية التابعة لموندراجون.
 الأديب الروسي الأناركى المسيحي ليو تولستوي إنشأ مدرسة لأطفال الفلاحين فى ضيعته. و لكن التجارب التعليمية لتولستوي لم تعش طويلا  بسبب المضايقات من قبل الشرطة السرية القيصرية. ووضع  تولستوي الفرق المفاهيمي بين التعليم والثقافة. وقال إنه يعتقد أن "التعليم هو ميل رجل واحد لجعل آخر مثله تماما... أى أن التعليم هو ثقافة تحت ضبط النفس، والثقافة حرة. التعليم هو عندما يكون التلميذ مجبر عليه ، وعندما تكون التعليمات حصرية، عندما يدرسون هذه المواضيع التي يعتبرها المربي ضرورية ".  بالنسبة له" دون إكراه يتم تحويل التعليم إلى ثقافة ".
التقليد التحررى الأكثر رواجا في الآونة الأخيرة عن التعليم هو اللامدرسية والمدرسة الحرة حيث يحل النشاط الذي يقوده الطفل محل النهج التربوي. وأدت التجارب في ألمانيا إلى تأسيس ما أصبح يسمى مدرسة سمرهيل في عام 1921. و سمرهيل كثيرا ما يستشهد بها كمثال على الأناركية في الممارسة العملية. ومع ذلك، على الرغم من أن سمرهيل والمدارس التحررية الأخرى هي تحررية جذريا، فإنها تختلف من حيث المبدأ عن تلك التي كان فيرير يؤسسها على النهج القائم على الصراع الطبقي السياسي بشكل علني. بالإضافة إلى تنظيم المدارس وفقا للمبادئ التحررية، شكك الأناركيون أيضا فى مفهوم التعليم المدرسي في حد ذاته. وقد شاع مصطلح اللامدرسية من قبل إيفان إيليتش، الذي جادل بأن المدرسة كمؤسسة مخلة بتعليم تحديد الذات وتخدم خلق مجتمع استهلاكي بدلا من ذلك.
أما التعليم التعاوني فهو أسلوب منظم للجمع بين الفصول الدراسية مع التعليم القائم على الخبرة العملية المكتسبة من العمل مقابل أجر، فالتعاونية التعليمية توفر فرصة للطلاب للاستفادة من التعليم وتطبيقه على مكان العمل، ثم أخذ المعارف والمهارات التي يكتسبها التلاميذ في الفصول الدراسية إلى العالم الحقيقي. الجمع في هذه التجارب يعطي الطلاب فرصة لاكتساب خبرة عملية والتدريب والمعرفة التي يتلقونها في الفصول الدراسية التي يحتاجونها للعثور على عمل واستكشاف المسارات الوظيفية الممكنة للمستقبل.
ويختلف عن العمل الجماعي، حيث وصف أنه "تنظيم توافق إيجابي".  فينبغي على الطلاب العمل في مجموعات لإنجاز المهام بشكل جماعي لتحقيق الأهداف الأكاديمية. فبخلاف التعلم الفردي، الذي قد يكون تنافسيًا بطبيعته، فقد يؤدي التعلم التعاوني إلى استفادة الطلاب من مصادر ومهارات بعضهم البعض (سؤال بعضهم البعض للحصول على معلومات وتقييم أفكارهم، ورصد عملهم، وما إلى ذلك). فضلاً عن هذا، يتغير دور المعلم من إعطاء المعلومات للطالب إلى محاولة تيسير عملية تعلمه ذاتيا. ومن ثم، ينجح كل فرد في المجموعة عندما تنجح المجموعة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية