الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

القسم الرابع:الاشتراكية التحررية1

القسم الرابع:الاشتراكية التحررية1

سامح سعيد عبود
الاشتراكية التحررية التي تسمى أحيانا الأناركية الاجتماعية، أو اليسار التحرري  هي تعبير عن المجموعات و الفلسفات والتيارات السياسية التي تكافح الاتجاهات الاستبدادية  داخل الحركة الاشتراكية، والتي ترفض الاشتراكية باعتبارها ملكية الدولة المركزية لوسائل الإنتاج وسيطرة الدولة على الاقتصاد، مثلما ترفض الدولة نفسها كشكل هرمي من أشكال التنظيم الاجتماعي. وتنتقد علاقات العمل المأجور، وبدلا من ذلك تركز على الإدارة الذاتية للعمال في مكان العمل، والهياكل اللامركزية في التنظيم السياسي، مؤكدة على أنَّ المجتمع القائم على الحرية والمساواة لا يمكن أنْ يتحقق إلَّا من خلال إلغاء المؤسسات السلطوية التي تتحكم في وسائل الإنتاج، وإنهاء إخضاع الغالبية التي لا تملك سوى قوة عملها  لطبقة ملاك  الثروة الرأسماليين، أو النخبة السياسية والاقتصادية البيروقراطية.
تضع الاشتراكية التحررية عموما آمالها في وسائل اللامركزية الإدارية، والديمقراطية المباشرة، واتحادية أو تعاهدية الجمعيات التعاونية، واستقلال البلديات (الكوميونات) الذاتي، والمجالس والنقابات العمالية، ومجالس المنتجين والمستهلكين. كل هذا يتم عادة ضمن دعوة عامة للتحررية، وطوعية العلاقات الإنسانية  من خلال التحديد والنقد والتفكيك العملي للسلطة الهرمية غير شرعية في جميع جوانب حياة الإنسان.
وتشمل الفلسفات والحركات السياسية الشائعة في الماضي والحاضر التي يتم وصفها بأنها اشتراكية تحررية... الأناركية (خصوصا الأناركية الشيوعية، والأناركية الجمعية، والأناركية النقابية، وأناركية تبادل المنافع والمصالح، وكذلك الميول الأخرى مثل الاستقلالية الذاتية، والكوميونالية، والتشاركية، والاشتراكية النقابية، والنقابية الثورية، واتجاهات الماركسية التحررية، مثل شيوعية المجالس واللكسمبرجية؛  وكذلك بعض الإصدارات من “الاشتراكية الطوباوية”.
الاشتراكية التحررية فلسفة لها تفسيرات متنوعة، على الرغم من بعض القواسم المشتركة العامة التي يمكن العثور عليها في العديد من أوجهها. وتدعو إلى نظام توجيه العمال الذاتي للإنتاج والتنظيم في مكان العمل، وتبتعد في بعض الجوانب جذريا عن الاقتصاد الكلاسيكي لصالح التعاونيات الديمقراطية، أو الملكية الاجتماعية  لوسائل الإنتاج (الاشتراكية). و سوف يتحقق هذا النظام الاقتصادي عن طريق محاولات تحقيق أقصى قدر من حرية الأفراد، وتقليل تركيز السلطة أو إقامة السلطة (التحررية).
ينتقد الاشتراكيون التحرريون بشدة المؤسسات القسرية، والتي غالبا ما تؤدي بهم إلى رفض شرعية الدولة لصالح الأناركية. ويقترحون تحقيق ذلك من خلال لا مركزية السلطتين السياسية والاقتصادية، وعادة ما ينخرطون في التشريك الاجتماعي للغالبية واسعة النطاق من الممتلكات والمشاريع الخاصة (مع الاحتفاظ والاحترام للحيازة الشخصية). وتميل الاشتراكية التحررية إلى إنكار شرعية معظم أشكال الملكية الخاصة الهامة اقتصاديا، وتنظر لعلاقات الملكية الرأسمالية كشكل من أشكال الهيمنة المعادية للحرية الفردية.
أول مجلة أناركية استخدمت مصطلح “التحررية” كانت جورنال دو لي ليبراتير، ونشرها في مدينة نيويورك بين عامي  1858 و1861 الأناركي الشيوعي الفرنسي جوزيف دي جاك. وكان التسجيل التالي لاستخدام المصطلح في أوروبا، عندما استخدمت “الشيوعية التحررية” في المؤتمر الأناركي الإقليمي الفرنسي في لوهافر (16-22 نوفمبر 1880). وشهد العام التالي البيان الفرنسي الصادر في يناير:“الشيوعية التحررية أو الأناركية”. وأخيرا، 1895 رأيَ الرواد الأناركيون سيباستيان فور ولويز ميشال وآخرون نشر لا ليبراتير في فرنسا. وأصل الكلمة من كلمة ليبراتير الفرنسية، وكانت تستخدم للتهرب من الحظر الفرنسي على منشورات الأناركية. وفي هذا التقليد، يستخدم مصطلح “التحررية” في “الاشتراكية التحررية” عموما كمرادف للأناركية، التي يقول البعض بأنه المعنى الأصلي للكلمة، وبالتالي “الاشتراكية التحررية” تعادل “الأناركية الاجتماعية” عند هؤلاء العلماء وفي سياق الحركة الاشتراكية الأوروبية، وتقليديا استخدمت التحررية لوصف أولئك الذين عارضوا اشتراكية الدولة، مثل ميخائيل باكونين.
ربط الاشتراكية بالتحررية في الواقع يسبق ربطها بالرأسمالية، والعديد من المعادين للسلطات الاستبدادية ظلوا ينتقدون ما يرونه الجمع الخاطئ للرأسمالية مع التحررية في الولايات المتحدة. وكما قال نعوم تشومسكي ذلك، في التحررية الحقيقية “يجب أنْ تعارض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وعبودية الأجور، وهما مكونان رئيسيان للنظام الرأسمالي، لأنهما لا يتفقان مع المبدأ القائل بأن العمل يجب القيام به بحرية، وأن يكون تحت سيطرة المنتج”.
في فصل سرد تاريخ الاشتراكية التحررية، واصل الخبير الاقتصادي روبن هانل حتى أبعد من تلك  الفترة التي كان فيها للاشتراكية التحررية  أكبر الأثر في نهاية القرن الـ19 خلال العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين.
ففي أوائل القرن العشرين، كانت الاشتراكية التحررية حركة قوية مثلها مثل الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية السلطوية. وقد تأسست الأممية التحررية في مؤتمر سان إمير بعد بضعة أيام من الانقسام بين الماركسيين والتحرريين في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي عقد في لاهاي في 1872- ونافسوا بنجاح ضد الاشتراكيين الديموقراطيين والشيوعيين على حد سواء وكسبوا ولاء نشطاء من الثوار والعمال والنقابات والتيارات السياسية المناهضة للرأسمالية، لأكثر من خمسين عاما. وقد لعبت الاشتراكية التحررية دورا رئيسيا في الثورتين الروسيتين عامى 1905 و1917. كما لعبت الاشتراكية التحررية دورا مهيمنا في الثورة المكسيكية عام 1911. وبعد عشرين عاما من انتهاء الحرب العالمية الأولى، كانت الاشتراكية التحررية لا تزال قوية بما يكفي لقيادة الثورة الاجتماعية التي اجتاحت الجمهورية الإسبانية في عامي 1936 و1937.
من ناحية أخرى نشأ الاتجاه التحرري أيضا ضمن الاتجاهات الماركسية، الذي سادت رؤيته في جميع الأنحاء وفي كل أوساط المعاديين للرأسمالية، أواخر عشريات القرن العشرين كرد فعل ضد صعود البلشفية واللينينية إلى السلطة، وتأسيس الاتحاد السوفييتي.
الاشتراكية التحررية مناهضة للرأسمالية، وبالتالي يمكن تمييزها عن التحررية اليمينية. ففي حين أنَّ مبادئ الرأسمالية التى يتبناها (اليمين التحرري) تركز القوة الاقتصادية في أيدي أولئك الذين يملكون معظم رأس المال، فإنَّ الاشتراكية التحررية تهدف لتوزيع السلطة على قدم المساواة بين أفراد المجتمع. والفرق الرئيسي بين التحررية الاشتراكية والتحررية الرأسمالية هو أنَّ دعاة الأولى عموما يعتقدون أنَّ درجة حرية الشخص تتأثر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للشخص، في حين أنَّ دعاة الأخيرة يركزون على حرية الاختيار في إطار الرأسمالية. ويتميز هذا في بعض الأحيان برغبة في تحقيق أقصى قدر من “الإبداع الحر” في مجتمع الأفضلية فيه لـ”التجارة الحرة”.
ويرى العديد من الاشتراكيين التحرريين أنَّ الإدارة الصناعية، يجب أنْ تتم عبر الجمعيات التعاونية الطوعية على نطاق واسع في حين يحتفظ العاملون بالحق في المنتجات الفردية لعملهم. وعلى هذا النحو، يرون التمييز بين مفهومي “الملكية الخاصة”و”الحيازة الشخصية”. في حين أنَّ“الملكية الخاصة” تمنح عنصر تحكم حصري للفرد على الشيء المملوك سواء كان ذلك في استخدامه أم لا، وبغض النظر عن قدرته الإنتاجية، أما “الحيازة” فلا تمنح أيَّ حقوق على الأشياء التي لا تكون قيد الاستعمال، وفي حدود الاستعمال فقط لا التصرف والاستغلال.
تُستخدم الاشتراكية التحررية كمرادف للأناركية الاجتماعية، حيث يشترك الأناركيون الاجتماعيون في تيار أكبر يسمى بالاشتراكية التحررية، يضمهم مع تيارات الاشتراكية التحررية الأخرى المختلفة عنهم نسبيا، ولكن القريبة من الأناركية في نفس الوقت مثل، التيار الشيوعي اليساري، وشيوعيو المجالس، والاستقلاليون، والمواقفيون، واللوكسمبرجيون....إلخ، أيْ كل المعارضين لاشتراكيات الدولة المختلفة، سواء الثورية مثل المدارس اللينينية المختلفة، الستالينية والماوية والتروتسكية.....إلخ، أو الإصلاحية مثل الاشتراكية الديمقراطية..وغيرهم..ويظل الفرق بين الأناركيين الاجتماعيين ومشاركيهم الآخرين في التيار الاشتراكي التحرري الأكبر أنَّ الأوائل يرفضون كلًا من السلطة والدولة والحزب السياسي حتى ولو في الحد الأدنى، في حين أنَّ الآخرين مع تقليل السلطة للحد الأدنى الضروري، وتقليص دور الدولة لمستوى الدولة الحارسة المحدودة في الوظائف الأمنية والعدالة، وتوزيع السلطات  أفقيا دون تسلسل هرمي، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لاقصى حد ممكن بدلا من مركزتها في الشكل الهرمي، ومقرطتها لأقصى حد ممكن لمستوى الديمقراطية المباشرة، ويقبل بعضهم بمفهوم للحزب السياسي مختلف عن الفهم اللينيني أو الاشتراكي الديموقراطي التقليدي للحزب السياسي ودوره.
تدعم الاشتراكية التحررية نظام الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج والإدارة الديمقراطية لجميع المنظمات الاجتماعية، دون أيِّ سلطة حكومية أو إكراه، وترفض الأناركية الاجتماعية الملكية الخاصة، وترى أنها تعد مصدرا لعدم المساواة الاجتماعية (مع الاحتفاظ باحترام الحيازة الشخصية)، وتؤكد على التعاون والمساعدة المتبادلة.
ويستخدم مصطلح الأناركية الاجتماعية لتحديد فئة واسعة من المستقلين عن الأناركية الفردية. حيث تؤكد الأشكال الأناركية الفردية على الاستقلال الشخصي والطبيعة العقلانية للبشر، في حين ترى الأناركية الاجتماعية:“الحرية الفردية مرتبطة من الناحية النظرية مع المساواة الاجتماعية، وتؤكد على الطبيعة الاجتماعية للبشر، وضرورة المساواة، والمساعدة المتبادلة بينهم”. وتستخدم  الأناركية الاجتماعية لوصف الميول الأناركية التي تركز على الجوانب المجتمعية والتعاونية في النظرية والممارسة الأناركية تحديدا.
الاتجاهات الماركسية التحررية:
تشير الماركسية التحررية إلى نطاق واسع من الفلسفات الاقتصادية والسياسية التي تؤكد على الجوانب المناهضة للسلطوية في الماركسية، وتتخلى عن معالمها السلطوية في نفس الوقت. وهناك تيار ظهر في وقت مبكر من الماركسية التحررية، والمعروف باسم الشيوعية اليسارية، الذي ظهر في المعارضة ضد الماركسية اللينينية ومشتقاتها، مثل الستالينية، والماوية، والتروتسكية. كما أنَّ الماركسية التحررية بالغة الأهمية أيضا في رفضها المواقف الإصلاحية، التي يتمسك بها الاشتراكيون الديموقراطيون. وتستند التيارات الماركسية التحررية غالبا على بعض أعمال ماركس وإنجلز، والتأكيد على الاعتقاد الماركسي في قدرة الطبقة العاملة على صياغة مصيرها دون الحاجة إلى وجود حزب ثوري، أو دولة تحررها، أو مساعدة طليعية لتحريرها، وهيَ تقف في ذلك جنبا إلى جنب مع الأناركية، ولذلك فالماركسية التحررية هي واحدة من التيارات الرئيسية في الاشتراكية التحررية.
وتشمل التيارات الماركسية التحررية، اللكسمبرجية، وشيوعية المجالس، والشيوعية اليسارية، واشتراكية أو بربرية، واتجاه جونسون فورستر، والاشتراكية الأممية، والأممية المواقفية، والاستقلالية الذاتية، واليسار الجديد. وقد كان للماركسية التحررية في كثير من الأحيان تأثير قوي على كل من أناركييِّ ما بعد اليسار والأناركية الاجتماعية. والمنظرين البارزين في الماركسية التحررية يضمون كل من روزا لوكسمبرج، وانطون بانيكوك، ورايا دنايفسكايا، وأنطونيو نيجري، وكورنيليوس كاستورياديس، وموريس برينتون، وجي ديبور، ودانيال جيرين، وارنستو سكربانتي،  وراؤول  فانجيم.
بدأت الماركسية في تطوير فرعها التحرري بعد ظروف معينة. “وجدت التعبيرات الأولى لها في أعمال وليام موريس والحزب الاشتراكي البريطاني (لSPGB)، ثم مرة أخرى حول الأحداث التي وقعت عام 1905، مع تزايد القلق من البيروقراطية واجتثاث الثورية الجذرية من الأممية الثانية الاشتراكية الديمقراطية على يد كاوتسكي وبرنشتين وشركائهم”. وقد أنشأ ليام موريس رابطة الاشتراكيين في ديسمبر عام 1884، والذي كان فريدريك إنجلز فضلا عن  إلينور ماركس متحمسين جدا لها. وشرع وليام موريس في سلسلة لا هوادة فيها من الخطابات والأحاديث على نواصي الشوارع، وفي نوادي الرجال العاملين، وقاعات المحاضرات في جميع أنحاء إنكلترا واسكتلندا. من عام 1887، وبدأ عدد الأناركيين يفوق عدد الاشتراكيين الماركسيين في رابطة الاشتراكيين. ولذلك تميز المؤتمر السنوي الثالث للرابطة، الذي عقد في لندن يوم 29 مايو 1887 بالتغيير في سياسته التقليدية، حيث صوتت أغلبية المندوبين 24 فرعا لصالح  القرار الأناركي الذي تقدم به وليام موريس معلنا أنَّ“هذا المؤتمر يؤيد سياسة الامتناع عن العمل البرلماني، ولا يرى سببا كافيا لتغيير ذلك” وهو ما اتبعته الرابطة حتى الآن. وحاول وليام موريس لعب دور صانع سلام بين الفريقين، ولكنه وقف في النهاية مع مناهضي البرلمانية، الذين فازوا بالسيطرة على الرابطة التي فقدت بالتالي دعم إنجلز، وشهدت رحيل إليانور ماركس وشريكها إدوارد إيفلنج.
ومع ذلك، فإنَّ“التصدعات الأهم في أوساط الماركسيين ترجع إلى التمرد على الإصلاحيين أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. والشعور بخيبة الأمل مع استسلام الاشتراكيين الديموقراطيين، لموقفهم المتحالف مع حكوماتهم الوطنية في الحرب، مما عُدَّ خيانة للأصول الأممية للحركة الاشتراكية، كما انتشر الولع بين اليسار الثوري بالظهور العفوي لمجالس العمال، وببطء ابتعدوا عن اللينينية التي تشابهت معهم في الموقف من الإصلاحيين في بعض القضايا، كما ابتعدوا عن الإصلاحية، وأصبح العديد من الشيوعيين اليساريين يرفضون مطالبات الأحزاب الاشتراكية بالتعاون معهم حيث وضعوا ثقتهم بدلا من ذلك في الجماهير. فقد اعتقدوا أنَّ الحدس لدى الجماهير في العمل يمكن أنْ يكون أكثر عبقرية في ذلك من عمل أعظم عبقرية فردية لدى الاشتراكيين”.
كما أنَّ عمالية وعفوية لوكسمبورغ، ونقدها العميق لكثير من عناصر اللينينية الفكرية والتنظيمية، ولممارسات البلاشفة قبل استيلاءهم على السلطة وبعدها (راجع كتابها الهام حول تاريخ الثورة الروسية)، تعد مثالا تم احتذاؤه في المواقف التي اتخذت في وقت لاحق من اليسار المتطرف في تلك الفترة مثل أنطوني بانيكوك، ورولاند هولست، ورتيير في هولندا، وسيلفيا بانكهيرست في بريطانيا، وغرامشي في إيطاليا، ولوكاش في المجر. في هذه الصيغ على يسار اللينينين، تم اعتبار ديكتاتورية البروليتاريا ديكتاتورية طبقة، “وليست ديكتاتورية حزب أو زمرة تدعي تمثيل الطبقة ومصالحها”، ولكن في هذا الخط من التفكير“، فإنَّ التوتر بين مناهضي الطلائعية من غير اللينينين، وأنصار الطلائعية من اللينينين في كثير من الأحيان حل نفسه بطريقتين على طرفي نقيض: تضمنت الطريقة الأولى الانجراف نحو الحزب، ولكنه حزب جماهيري واسع مختلف عن الحزب اللينيني النخبوي القائم على المركزية الديمقراطية. وتضمنت الطريقة الثانية خطوة نحو فكرة العفوية البروليتارية الكاملة...وتجسدت الطريقة الأولى أكثر وضوحا في أعمال غرامشي ولوكاش وروزا لوكسمبرج...وتجسدت الطريقة الثانية في اتجاه وتطوير اليسار الجذري الهولندي والألماني، والذي يميل نحو القضاء التام على شكل الحزب”.
ظهرت المعارضة اليسارية في الدولة السوفيتية الناشئة ضد البلاشفة، وقادت ودعمت سلسلة من الانتفاضات ضد البلاشفة مثل انتفاضة كرونشتاد. وقد بدأت من عام 1918 واستمرت خلال الحرب الأهلية الروسية، و حتى بعد عام 1922. وردا على محاولات البلاشفة المتزايدة لرفض انضمام هذه المجموعات إلى الحكومة التي قمعت اليسار الشيوعي كما قمعت الأناركيين وغيرهم، وقد كتب لينين في مواجهتهم كتابه الشهير “الشيوعية اليسارية لعب أطفال”الذي كرسه لمهاجمة النقاد المتنوعين للبلاشفة الذين اتخذوا  مواقف على يسارهم.
يطلق البعض من الأناركيين غير المتأثرين بالماركسية على التيارات الأناركية المتأثرة بالماركسية، أنهم أطفال لينين، لأنه سفه أسلافهم التاريخيين، ووصف شيوعيتهم اليسارية بأنها لعب أطفال، ولكن التجربة التاريخية في هذه الحالة، أثبتت أنَّه أحيانا ما يكون لعب الأطفال أكثر حكمة وصوابا وعقلانية من عمل الراشدين.
* في مارس 1921، طالبت المعارضة العمالية بأن يكون الإنتاج والخدمات تحت إدارة النقابات العمالية ومجالس العمال، إلَّا أنَّ لينين نعت الاقتراح في تعبير يليق ببابا الفاتيكان بأنه “انحراف نقابي أناركي واضح وجلي”، وذلك في التقرير الذي قدّمه أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي البلشفي لروسيا، وطرح في مقابل هذا نموذج لدولة تتجاوز مهامها السيادية التقليدية إلى إدارة مجمل شئون المجتمع في الإنتاج والخدمات، مأخوذا ومنبهرا في ذلك بنموذج إدارة جهاز الدولة الألماني لمرفق البريد، وانتهيَ اقتراح لينين البالغ الذي أخذ فرصته في التطبيق إلى أنْ يتحول كبار العاملين في الجهاز البيروقراطي للدولة لطبقة منفصلة عن الطبقة العاملة مثقلة بالامتيازات، ومحصنة من النقد، وأتاحت لها سلطاتها الكلية القدرة، أنْ تفسد دون حسيب، وتخرب دون رقيب، وانتهيَ الأمر بها أنْ تدمر بنفسها دولتها، وأهدت بسهولة معظم ثروات الاتحاد السوفيتي التي بنيت بكم هائل من التضحيات عبر ثمانين عاما إلى حفنة من اللصوص، دون أنْ يبدي العمال أيَّ دفاعٍ عما يملكوه، وما شيدوه بالدم والعرق والحرمان، لأنهم في الحقيقة لم يشعروا يوما أنَّهم مالكين لكل تلك الثروة، فقد كان تخطيط الدولة العقلاني جدا لكل من الإنتاج والاستهلاك، يعني تكديس السلاح وغزو الفضاء، وفي نفس الوقت حرمان الناس من احتياجاتهم الاستهلاكية البسيطة.أما ما اقترحه الأطفال، ولم يجد الفرصة للتطبيق، فكان يعني ببساطة أنْ يتحرر العمال فعليا من عبودية العمل المأجور التي استمرت لدى الدولة كما كانت لدى الرأسماليين، كما استمر انفصالهم عن وسائل الإنتاج، وعن ما ينتجوه كما كانوا في الوضع الذي ثاروا عليه، في حين كان الأخذ بكلام الأطفال، سوف يعني عدم إتاحة الفرصة للفساد، ولتنامي الثروات من الاقتصاد السري، طالما ظل بأيدي العمال أنفسهم إدارة ما يملكوه، وما كان يمكن أنْ يسلب منهم أحد ما بنوه، بمثل هذه البساطة والسهولة التي حدثت، فضلا عن أنهم في النهاية كانوا سوف ينتجون ما يحتاجونه فعلا من احتياجات استعمالية، دون هدر للإمكانيات الموارد وجهودهم الهائلة فيما لا طائل من وراءه، وبالتالي ما كان يمكن أنْ يفقد البشر فرصتهم التاريخية للتحرر من القهر والاستغلال، والتي قد لا تتكرر في المدى المنظور، نتيجة هذا الفشل المروع، برغم ما يمثله الوضع الحالي من تهديدات لاستمرار البشر أنفسهم في الوجود، وبرغم الأزمة التي تعتري الرأسمالية مؤخرا، بسبب عزوف الناس في نفس الوقت عن سماع من يطرحون البديل عن هذا الوضع، والذين يقترحون تجاوز الرأسمالية فورا.
* شرحت “ألكسندرا كولنتاي” مميزات ظاهرة انتشرت عفويا مثلها مثل ظاهرة المجالس العمالية في بدايات الثورة، وهيَ تحول الأعمال المنزلية من طهو وغسل ملابس ورعاية أطفال وخلافه من أعمال تخص كل أسرة على حدة، وتُلقى على عاتق المرأة وحدها، إلى أنشطة جماعية يشترك في إنجازها العديد من الأسر والأفراد المتعاونين، والذين ينتجون ويستهلكون ويعيشون سويا، ومدى انعكاس ذلك على تحرر المرأة من مشاق العمل المنزلي وسلبياته، إلَّا أنَّ فكرة أنْ ينتج ويستهلك ويعيش الناس سويا في جماعات يربط أفرادها نشاط اقتصادي وجيرة، تحمل من الإيجابيات ما هو أكثر من ذلك ما لا يتسع المجال لذكرها، ولكن الظاهرة انتهت بسحق المعارضة العمالية، وقمع عفوية تحرير الناس لأنفسهم، وتنظيم حياتهم بإرادتهم، وتمت العودة مجددا إلى نموذج الأسرة النووية التقليدية، واستمرار التناقض بين الإنتاج الجماعي والاستهلاك الفردي، وهذا أدى لانتعاش الفردية واستمرار الأنانية في الناس، وتنافسهم البغيض على المناصب والمغانم، بدلا من تضامنهم وتعاونهم سويا في مواجهة الحياة، وهذا أدى لفساد بعضهم من الذين أتيحت لهم فرص الفساد..كما أتاح الاستهلاك الفردي، انتعاش ثقافة الاستهلاك بين الأفراد، وكانت النتيجة أنْ وقع الكثير من الأفراد تحت تأثير الإعلانات الاستهلاكية للكوكاكولا والماكدونالدز، وأوهام التطلعات الاستهلاكية في الغرب الرأسمالي، مما ساعد على سهولة الانهيار، الذي ما أنْ تم حتى تورط عشرات الآلاف في مافيا الاتجار في البشر سواء كمجرمين أو ضحايا.
* تم بناء الاتحاد السوفيتي على أنقاض الإمبراطورية الروسية التي كانت تضم أكثر من 160 مجموعة إثنية وقومية، أكبرهم الروس الذين كانوا يشكلون حوالي نصف السكان، وبعض تلك المجموعات كان لا يتجاوز أفرادها بضعة آلاف، وكانت رؤى الأطفال الذين عبرت عنهم روزا لوكسمبرج أنْ تنتظم الأجهزة السياسية والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بشكل منفصل عن انتماءات الأفراد الإثنية والقومية والعرقية مع تمتع هؤلاء كأفراد في نفس الوقت بحقوق إنسانية متساوية، والذين يمكن لهم كجماعات الحفاظ على تراثهم الإثني والقومي من خلال أنشطة ثقافية وتعليمية لا غير..ولكن البالغين بقيادة لينين قرروا أنْ يمنحوا تلك المجموعات كيانات سياسية وإدارية داخل الدولة في شكل جمهوريات اتحادية وجمهوريات وأقاليم ذوات حكم ذاتي داخل الجمهوريات الاتحادية..مكرسين هيمنة الجمهورية الروسية داخل الاتحاد على الجمهوريات الأخرى، ومن ثم استمر وضع الإمبراطورية الروسية مع تغير في الشكل، مما أعطى الفرصة لتنامي النزاعات القومية والانفصالية بين شعوب الاتحاد، وكان نتيجة تبني الفكر القومي والطائفي وعدم اجتزازه أنْ تفكك الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوجوسلافيا لكيانات قزمية بسهولة غير عادية، لا بد وأن تستمر تبعيتها للكيانات الأكبر رغم الاستقلال المزعوم، فكثير من تلك الكيانات لا تتجاوز سكانا ومساحة المدينة التي أسكنها..في حين لو تم تبني أفكار الأطفال ما كان يمكن لهذا الانهيار أنْ يحدث، فثمانين عاما من العيش والعمل معا بين الأفراد دون اعتبار للاختلافات العرقية والثقافية والقومية بينهم، كانت كفيلة بصهر تلك الجماعات القومية والإثنية معا مثلما انصهر المهاجرون الآتون من شتى بقاع العام في دول المهجر في العالم الجديد، برغم كل اختلافاتهم التي لا تعيرها دول المهجر اهتماما كما لا تلتفت إليها المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والبنية السياسية والإدارية هناك، وتظل الظاهرة القومية متجسدة ومحصورة في أنشطة ثقافية واجتماعية تمارسها مؤسسات المجتمع المدني للجماعات القومية والإثنية المختلفة.
وفقا للعديد من الاشتراكيين التحرريين الماركسيين، فإنَّ الإفلاس السياسي للاشتراكية الديمقراطية بجناحيها الثوري  والإصلاحي استلزم قطيعة نظرية معها. أخذت هذه القطيعة معها عددا من الأشكال والتيارات والمواقف. مثل البوردريجيين في إيطاليا والحزب الاشتراكي لبريطانيا العظمى الذين تمسكوا بالتشدد الفائق بالماركسية في المسائل النظرية. وكثيرا ما ترتبط الاشتراكية التحررية بالتطلعات السياسية المناهضة للسلطوية مع هذا التمايز النظري.
كارل كورش هو مفكر ماركسي ألماني عرف بمعارضته للماركسية الأرثوذكسية، حيث عارض طرح كاوتسكي الإصلاحي للماركسية، وعارض أيضا الطرح الثوري اللينيني للماركسية، مما يجعله ماركسيا من نوع مختلف، حيث يرى كورش أنَّ رغبة ماركس في تأسيس حزب سياسي ثوري كانت مختلفة تماما عن الحزب اللينيني، فلينين يرى الثورة فعلا أحاديا يؤدي إلى نتائج محددة، بينما ماركس اعتقد أنَّ الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية هي عملية ثورية ممتدة من داخل المجتمع البرجوازي.
اختلف كورش أيضا علي طبيعة التجارب الاشتراكية القائمة في عهده. فقد أعلن بوضوح أنَّ الاقتصاد المركزي المخطط، وحكم الحزب الواحد سينتج نوعا مختلفا من الرأسمالية، وهي رأسمالية الدولة. وستتحول الاشتراكية إلى حلم يوتوبي مثالي لا يمكن تحقيقه طالما استمرت المركزية المفرطة.
إنَّ كورش يعلن نفسة ماركسيا رغم رؤيتة أنْ بعضا من كتابات ماركس لم تعد صالحة، ورفضه التام لمجمل أفكار إنجلز ولينين، فهيِ السبب الأساسي حسب رأيه في عجز الماركسية عن تجديد نفسها، وفشلها في فهم حركة تطور الرأسمالية ومواكبته. وهو يقول هذا في إطار ما أسماه “نقدا ذاتيا”.
الماركسيون التحرريون يؤيدون الأناركيين في المعارضة للديمقراطية التمثيلية الرأسمالية والأشكال السلطوية للماركسية على حد سواء. كما يشاركونهم في رفض كل من الرأسمالية والدولة على الرغم من أنَّ الأناركيين والماركسيين يتقاسمون الهدف النهائي للمجتمع عديم الدولة، ينتقد الأناركيون الماركسيين السلطويين لمناصرتهم المرحلة الانتقالية والتي بموجبها يتم استخدام الدولة لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فقد تشابكت تاريخيا الميول الماركسية التحررية مثل التسيير الذاتي الماركسية وشيوعية المجالس مع الحركة الأناركية. وتنخرط مع التحركات الأناركية في صراعها مع كل القوى الرأسمالية والماركسية السلطوية، في نفس الوقت، كما كان الحال في الحرب الأهلية الإسبانية، حيث كان الماركسيون في الحرب غالبا ما ينقسمون على أنفسهم في تأييد أو معارضة الأناركية. وقد أدت الاضطهادات السياسية الأخرى في إطار حكم الأحزاب البيروقراطية في العداء التاريخي القوي بين الأناركيين والماركسيين التحرريين من جهة والماركسيين اللينينيين ومشتقاتهم مثل الماويين من جهة أخرى.
ومع ذلك، في التاريخ الحديث، فإنَّ الاشتراكيين التحرريين قد شكلوا مرارا تحالفات مؤقتة مع الجماعات الماركسية اللينينية لأغراض احتجاج ضد المؤسسات التي رفضها كلاهما. وجزء من هذا العداء يمكن أنْ يعزي إلى جمعية العمال الدولية؛الأممية الأولى، بين ميخائيل باكونين، ممثلا الآراء الأناركية، وكارل ماركس، الذي اتهمه الأناركيون بأنه “استبدادي”، الذي خلق صراعا حول مختلف القضايا. كان يقابلها وجهة نظر باكونين على عدم شرعية الدولة كمؤسسة، ودور السياسة الانتخابية المجهض لتحرر البروليتاريا، مناقضا بشكل صارخ لأفكار ماركس في الأممية الأولى. وقد انتهت نزاعات ماركس وباكونين في نهاية المطاف إلى سيطرة ماركس على الدولية الأولى، وطرد باكونين وأتباعه من المنظمة.
وكان سبب بداية النزاع والانقسام منذ فترة طويلة بين الاشتراكيين التحرريين وما يسمونه “الشيوعيين السلطويين”، ليس مجرد “الاستبدادية”. فقد صاغ بعض الماركسيين وجهات النظر التي تشبه النقابية الثورية، وبالتالي عبروا عن ألفة أكثر مع الأفكار الأناركية. ويعتقد العديد من الاشتراكيين التحرريين، ولا سيما نعوم تشومسكي، أنَّ لدى الأناركية الكثير من القواسم المشتركة مع تيارات معينة من الماركسية، مثل الشيوعي المجالسي الماركسي انطون بانيكوك. وفي ملاحظات تشومسكي على الأناركية، قال إنَّه يشير إلى احتمال “أنَّ شكلا من أشكال شيوعية المجالس هو الشكل الطبيعي للاشتراكية الثورية في المجتمع الصناعي. ويعكس هذا الاعتقاد أنَّ الديمقراطية محدودة للغاية عندما يتم التحكم في النظام الصناعي بأيِّ شكل من النخبة الاستبدادية، سواء من الملاك أو المدراء، أو التكنوقراط، أو  حزب “الطليعة”، أو بيروقراطية الدولة”.
في منتصف القرن 20 ظهرت بعض الجماعات الاشتراكية التحررية بعد ظهور خلافاتها مع التروتسكية التي قدمت نفسها بوصفها اللينينية المعادية للستالينية، والتي خرجت من الأممية الرابعة التروتسكية، حيث شكل كورنيليوس كاستورياديس وكلود يفورت واتجاه  شيلو-مونتال في فرنسا الحزب الشيوعي الأممي في عام 1946. و هم من الذين أعلنوا عن “خيبة الأمل النهائية في التروتسكية”، مما أدي بهم إلى الانفصال لتشكيل المجموعة الفرنسية اشتراكية أو بربرية، ونشر المجلة التي بدأت تظهر مارس بنفس الاسم عام 1949، قال كاستورياديس في وقت لاحق من هذه الفترة إنَّه“تم تشكيل الجمهور الرئيسي للمجموعة وللمجلة من جماعات من اليسار الراديكالي القديم: وشيوعيِّي المجالس، وبعض الأناركيين وبعض من ذرية اليسار الشيوعي الألماني من عشرينات القرن 20”. وأيضا في المملكة المتحدة تأسست مجموعة التضامن في عام 1960 من قبل مجموعة صغيرة من أعضاء طردوا من رابطة العمل الاشتراكي التروتسكية. متأثرين بشدة بمجموعة  “اشتراكية أو بربرية” الفرنسية، ولا سيما بزعيمها الفكري كورنيليوس  كاستورياديس، الذي كتب العديد من المقالات في نشرات التضامن. وكان الزعيم الفكري للجماعة كريس باليس (الذي كتب تحت اسم موريس برينتون). في عام 1969  ثم نشر الفرنسي الأناركي الشيوعي البرنامجي دانيال جيران مقال بعنوان “ الماركسية التحررية؟” الذي عالج النقاش بين كارل ماركس وميخائيل باكونين في الأممية الأولى، وبعد ذلك أشار إلى أنَّ“الماركسية التحررية ترفض الحتمية والقدرية، وتعطي مكانا أكبر لإرادة الفرد، والحدس والخيال، وسرعة رد الفعل، والغرائز العميقة للجماهير، التي تكون رؤيتها أعمق كثيرا في ساعات الأزمة من تفكير 'النخبة؛ فالماركسية التحررية تعتقد بآثار المفاجأة والاستفزاز والجرأة، وترفض تشوش وشلل الجهاز “العلمي” الثقيل، الذي لا يراوغ أو يخدع، ويحرس نفسه من المغامرة بقدر خوفه من المجهول”. وفي الولايات المتحدة 1970-1981 كانت هناك نشرة الجذر والفرع  والذي كان عنوانا فرعيا لـ”جريدة الماركسية التحررية”. وفي عام 1974 بدأ نشر مجلة الشيوعية التحررية في المملكة المتحدة من قبل مجموعة داخل الحزب الاشتراكي البريطاني.
وتعتبر تيارات الاستقلالية الماركسية والماركسية الجديدة والنظرية المواقفية أيضا من تيارات مكافحة الاستبدادية الماركسية التي ظهرت بقوة داخل التقاليد الاشتراكية التحررية. خارج وضد عملية تحويل الماركسية إلى عقيدة هيمنة.
 كانت مختلف النزعات الثورية التي لا تزال تعتمد على عمل ماركس، والتي رفضت إصدارات كل من الاشتراكية الديمقراطية والماركسية اللينينية لنظريته. الأكثر إثارة للاهتمام، والتي أصرت على أولوية النشاط الذاتي، والإبداع من الناس في النضال ضد الرأسمالية. ففي إطار هذه الميول تم وضع نقد متماسك لـ“الماركسية الأرثوذكسية”الذي شمل ليس فقط رفضا لمفهوم “الانتقال”، ولكن إعادة صياغة مفهوم عملية تجاوز الرأسمالية الذي لديه تشابه ملحوظ بتفكير كروبوتكين في هذا الموضوع.
 وهكذا فإنَّ واحدة من أقدم التيارات السياسية التي أعلنت هذا النهج بعد الثورة الروسية عام 1917 كان تيار “شيوعية المجالس” الذي رأى “المجالس العمالية العفوية” في ألمانيا (الجمهورية البافارية السوفياتية)، أو السوفييتات في روسيا، باعتبارها الأشكال التنظيمية الجديدة التي شيدت من قبل الشعب. وكما هو الحال مع الأناركيين، رأوا أيضا استيلاء البلشفية على السوفييتات (مثلها في ذلك مثل النقابات)، تخريبا للثورة والبدء في استعادة السيطرة والاستغلال...وعلى مر السنين قد أدى هذا التركيز على استقلالية الطبقة العاملة لإعادة تفسير النظرية الماركسية التي أبرزت الطابع ذو الوجهين من الصراع الطبقي...ونتيجة لذلك كان هناك اعتراف بأن الرأسمالية تسعى لإخضاع حياة كل فرد لها “من عامل المصنع إلى الفلاح والحرفي وربة البيت والطالب، وصراع كل  هؤلاء الناس يشمل كل شكل من مقاومة هذه التبعية، ومحاولة بناء طرق بديلة لحياتهم، لا مجرد الصراع فقط بين العمال والرأسماليين كما تركز الماركسية التقليدية”.
الديليونية:
اتجاه الديليونية، والمعروف أحيانا باسم ماركسية ديليون، هو شكل من أشكال النقابية الماركسية التي صاغها دانيال دي ليون. وكان دي ليون زعيم أول حزب اشتراكي في الولايات المتحدة الأمريكية، حزب العمل الاشتراكي الأمريكي. وجمع دي ليون بين نظريات النقابية الثورية التي صعدت في وقته مع الماركسية التقليدية. وفقا لنظرية دي ليون، الاتحادات الصناعية (خاصة النقابات) هي قاطرة الصراع الطبقي. والنقابات الصناعية التي تخدم مصالح البروليتاريا سوف تحدث التغيير المطلوب لإقامة النظام الاشتراكي.
الطريقة الوحيدة التي يختلف فيها مع بعض التيارات في الأناركية النقابية هي أنَّه، وفقا لتفكير دي ليون، فإنَّ الحزب السياسي الثوري ضروري أيضا للقتال من أجل البروليتاريا في المجال السياسي مثل النقابة الثورية. وتقع الديليونية خارج التقليد اللينيني الشيوعي الخاص المتمسك بالحزب الطليعي، والمركزية الديمقراطية. إلَّا أنَّه سبق اللينينية في وضع القواعد التنظيمية للحزب الثوري حيث وضعت مبادئ الديليونية في أوائل تسعينات القرن التاسع عشر بقيادة دي ليون، وهو ما ينفي افتراض أنَّ حزب العمل الاشتراكي. أخذ اللينينية وفكرة حزب الطليعة بعد نشر كتاب لينين “ما العمل؟” الصادر عام 1902. فضلا عن الطبيعة اللامركزية للغاية والديمقراطية في إدارة الحزب في الديليونية التي هيَ على النقيض من المركزية الديمقراطية اللينينية، و هى ما يعتبرونه سببا في الطبيعة الديكتاتورية للاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية، وغيرها من الدول “الشيوعية”. فنجاح خطة التغيير الثوري في الديليونية يعتمد على تحقيق تأييد أغلبية الشعب على حد سواء في أماكن العمل، وعند صناديق الاقتراع، وعلى النقيض من مفهوم لينين أنَّ حزب طليعي صغير يجب أنْ يقود الطبقة العاملة للقيام بالثورة.
شيوعية المجالس:
 شيوعية المجالس هيَ حركة اليسار الراديكالي التي نشأت في ألمانيا وهولندا في عشرينات القرن العشرين. وشيوعية المجالس اليوم تمثل موقف نظري وناشط في الماركسية، وأيضا داخل الاشتراكية التحررية. والحجة المركزية للشيوعية المجالسية، التي تضعها على النقيض من الديمقراطية الاجتماعية والشيوعية اللينينية، هي أنَّ مجالس العمال الناشئة في المصانع والبلديات هي الشكل الطبيعي والشرعي لتنظيم العمال وسلطة الحكومة. ويعارض هذا الرأي الإصلاحية والاعتماد البلشفي على الأحزاب الطليعية، والبرلمانات، أو الدولة.
المبدأ الأساسي لشيوعية المجالس هو أنَّ الدولة والاقتصاد ينبغي أنْ يدارا من قبل مجالس العمال، التي تتألف من المندوبين المنتخبين في أماكن العمل والذين يمكن استدعائهم في أيِّ لحظة. وعلى هذا النحو، شيوعيو المجالس يعارضون “الاشتراكية البيروقراطية” التي تديرها الدولة. كما أنهم يعارضون فكرة “الحزب الثوري”، حيث يعتقد شيوعيو المجالس أنَّ الثورة التي تقاد من قبل حزب سوف تنتج بالضرورة ديكتاتورية الحزب. ولذلك يدعم شيوعيو المجالس “الديمقراطية، التي تنتج من خلال اتحاد العمال في مجالس العمال.
الكلمة الروسية للمجلس هي “السوفيت”، وخلال السنوات الأولى من الثورة فإنَّ مجالس العمال أو سوفيتات العمال كانت متميزة سياسيا في روسيا. ولذلك كان علي فلاديمير لينين الاستفادة من هالة السلطة التي يملكها السوفيت في مكان العمل فرفع شعار كل السلطة للسوفيتات، حيث أنَّ الكلمة أصبحت تستخدم لتصف مختلف الهيئات السياسية المنتخبة على أساس مواقع العمل. ومن هنا “السوفيت الأعلى”، كان اسم البرلمان في الاتحاد السوفيتي السابق. لكن السوفيتات بعد سيطرة البلاشفة بقيادة لينين عليها أصبحت لا تعبر بأيِّ حال عن اللامركزية ولا عن إرادة الناخبين من العمال، ولا عن الشعب، ولكن تعبر عن إرادة الحزب الخاضع للجنته المركزية الخاضعة في النهاية لإرادة سكرتيرها العام. ولذلك تمسك شيوعيو المجالس بنقد الاتحاد السوفييتي كدولة رأسمالية، معتبرين أنَّ الثورة البلشفية في روسيا أصبحت “ثورة برجوازية” عندما حلت بيروقراطية الحزب محل الأرستقراطية الإقطاعية القديمة. ورغم أنَّ الغالبية ترى  أنَّ الثورة الروسية عمالية الطابع، فإنَّ شيوعيو المجالس اعتقدوا أنَّ العلاقات الرأسمالية لا تزال موجودة (لأن العمال ليس لديهم رأيٌ في إدارة الاقتصاد و لا في اتخاذ القرار السياسي)، مما أدى لأنْ ينتهيَ الاتحاد السوفيتي إلى دولة رأسمالية دولة، مع استبدال الدولة للرأسمالية الفردية. وهكذا فشيوعو المجالس يدعمون الثورات العمالية، ولكنهم يعارضون ديكتاتوريات الحزب الواحد. ويعتقد شيوعيو المجالس أيضا في التقليل من دور الحزب إلى مجرد مؤسسة للتحريض والدعاية، ورفض المشاركة في الانتخابات أو البرلمان، ويجادلون بأن العمال يجب أنْ يغادروا النقابات الرجعية، ويشكلوا اتحادا عماليا واحدا ثوريا كبيرا.
الشيوعية اليسارية:
“الشيوعية اليسارية” هي مجموعة من وجهات النظر الشيوعية التي يتمسك بها اليسار الشيوعي، الذي أخذ ينتقد الأفكار السياسية للبلاشفة في فترات معينة، من منطلق يؤكد على أنهم الأكثر تمسكا بالأصول الماركسية والميول البروليتارية الأكثر أصالة من وجهة نظر اللينينية التي تمسكت بها الأممية الشيوعية اختصارا “الأممية الثالثة” خلال مؤتمرها الثاني وبعده. ويرى الشيوعيون اليساريون أنفسهم على يسار اللينينيين الذين  يراهم اليساريون الشيوعيون كيسار رأسمالي، وليسوا اشتراكيين، والأناركيون من ناحية أخرى يعتبرون الشيوعيين اليساريين اشتراكيين أمميين، ولكنهم ليسوا أناركيين، وكذلك بعض النزعات الاشتراكية الثورية الأخرى (على سبيل المثال الدي ليونيين، الذين يميلون لرؤيتهم على أنهم اشتراكيين أمميين إلَّا في حالات محدودة).
على الرغم من أنها ماتت قبل أنْ تصبح “الشيوعية اليسارية” اتجاها واضحا ومتميزا، فإنَّ روزا لوكسمبورغ مؤثرة بشدة في الشيوعيين الأكثر يسارا، سياسيا ونظريا. وانتقادتها الحادة للينينية والبلاشفة أساسية في تكوين الاتجاه الشيوعي اليساري الذي يعتبر قنطرة أو حالة وسطى بين الماركسية والأناركية، ويتضمن أنصار الشيوعية اليسارية أماديو بورديجاو، وهيرمان جورتر، وأنطون بانيكوك، وأوتو رهل، وكارل كورش، وسيلفيا بانكهيرست وباول ماتيك.
وتشمل أبرز الجماعات الشيوعية اليسارية القائمة لليوم الحالي التيار الشيوعي الأممي، والمكتب الدولي للحزب الثوري. أيضا، الفصائل المختلفة من الحزب الشيوعي الأممي البورديجي القديم  تعتبر منظمات شيوعية يسارية.
اتجاه جونسون فورستر:
اتجاه جونسون فورستر، الذي يسمى أحيانا الجونسونية، ينتمي إلى اتجاه اليسار الجذري في الولايات المتحدة، ويرتبط مع النظري الماركسي C. L. R. جيمس ورايا دونافيسكايا، اللذان استخدما أسماء مستعارة J. R. جونسون وفريدي فورستر على التوالي. وانضمت إليهما جريس لي بوجز، وهي صينية أمريكية تعتبر المؤسس الثالث بعد خروجها من حزب العمال الاشتراكي التروتسكي، وأسس جونسون فورستر منظمتهم، وأسماها المراسلات. وهذه المجموعة غيرت اسمها إلى لجنة نشر المراسلات في العام التالي. ومع ذلك، فالتوترات التي ظهرت بينهم كانت نذير انقسام، وقع نهائيا في عام 1955. ومن خلال عمله النظري والسياسي في أواخر أربعينيات القرن 20، كان جيمس خلص إلى أنَّ حزب الطليعة لم يعد ضروريا، لأن تعاليمه قد تم استيعابها في الجماهير. وفي عام 1956، فإنَّ رؤية جيمس للثورة المجرية عام 1956 كانت تأكيدا على ذلك. وأولئك الذين أيدوا  سياسة جيمس اتخذوا اسم مواجهة الواقع، بعد كتاب 1958 من قبل جيمس، والذي شارك في كتابته غريس لي بوجز وبيار شاليو، وهو اسم مستعار لكورنيليوس كاستورياديس، عن ثورة الطبقة العاملة المجرية لعام 1956.
اشتراكية أو  بربرية:
اشتراكية أو  بربرية مجموعة اشتراكية تحررية راديكالية كان مقرها فرنسا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (الاسم يأتي من العبارة المستخدمة لفريدريك إنجلز، والتي استشهدت بها روزا لوكسمبورغ في مقال عام 1916، “كراسة جونيوس”). وظلت المجموعة موجودة منذ عام 1948 حتى عام 1965. والشخصية الملهمة لها كانت كورنيليوس كاستورياديس، المعروف أيضا باسم بيير شاليو أو بول كاردان. لأنه رفض وانتقد صراحة كلا من الطليعية اللينينية والعفوية المجالسية، ووفقا...لكورنيليوس كاستورياديس تحرر جماهير  الناس مهمة هؤلاء الناس. ومع ذلك، فإنَّ المفكر الاشتراكي لا يمكن ببساطة ليُّ ذراعه. ولذك قال كاستورياديس إنَّ المكانة الخاصة الممنوحة للمثقف يجب أنْ تنتمي إلى كل مواطن مستقل. ومع ذلك، رفض القصدية، وللحفاظ على ذلك، في النضال من أجل مجتمع جديد؛ فالمثقفين يحتاجون إلى“وضع أنفسهم على مسافة من حياة كل يوم ومن الواقع”. وقد أعجب الفيلسوف السياسي كلود يفورت بما كتبه كورنيليوس كاستورياديس عندما التقي به لأول مرة، حيث نشروا كتابات ضد الدفاع عن الاتحاد السوفياتي، ونقدا كل من الاتحاد السوفيتي وأنصاره الستالينيين والتروتسكيين، واقترحوا أنَّ الاتحاد السوفياتي يسيطر عليه طبقة اجتماعية من البيروقراطيين، وأنه يؤلف نوعا من المجتمعات الطبقية القمعية  مثل المجتمعات الرأسمالية الأوروبية الغربية.
الأممية المواقفية:
كانت الأممية المواقفية مجموعة محدودة من الثوريين الأمميين تأسست في عام 1957، و مارست ذروة تأثيرها في الإضرابات العامة غير المسبوقة في مايو 1968 في فرنسا مع أفكارهم المتجذرة في الماركسية والحركة الفنية الأوروبية الطليعية، في القرن الـ20، وتبنوا خبرات الحياة اليومية المستقلة، كونها البديل لتلك التي يعترف بها النظام الرأسمالي، لتحقيق الرغبات البدائية للإنسان، والسعي لنوعية متفوقة عاطفيا من الحياة جماعية وفرديا عن الحياة المعتادة في المجتمع الرأسمالي. ولهذا الغرض اقترحوا وجربوا بناء مواقف عملية واقعية، والإعداد لبيئات مواتية لتلك الحياة، كالكوميونات لتحقيق هذه الرغبات. واستخدام أساليب مستمدة من الفنون، وطوروا  سلسلة من الحقول التجريبية للدراسة لإنشاء مثل هذه المواقف، وفي هذا السياق كان العمل النظري الرئيسي الذي برز من هذه المجموعة راؤول فانجام الثورة في الحياة اليومية.
وحاربوا العقبة الرئيسية للوفاء بهذه المعيشة العاطفية الأعلى، من خلال تحديد هويتهم الرافضة للرأسمالية المتقدمة. وبلغوا ذروة عملهم النظري النقدي في الكتاب ذو التأثير الكبير “مجتمع الفرجة” التي كتبه جي ديبور وترجمه للعربية أحمد حسان. قال ديبور في عام 1967 إنَّ للمظاهر المشهدية التي تقدمها وسائل الإعلام والدعاية لها دورا مركزيا في المجتمع الرأسمالي المتقدم، الذي هو إظهار حقيقة واقعة وهمية من أجل إخفاء التدهور الرأسمالي الحقيقي للحياة البشرية. وللإطاحة بهذا النظام، ولذلك فلابد من تقديم مشاهد بديلة لإظهار هذا التدهور، ودعمت الأممية الموقفية ثورات مايو 68، وطلبت من العمال احتلال المصانع وتشغيلها بالديمقراطية المباشرة، من خلال مجالس العمال المكونة من لجان المندوبين يمكن سحب تفويضهم على الفور. بعد النشر في العدد الأخير من مجلة تحليل للثورات مايو 1968، والاستراتيجيات التي سوف تحتاج الاعتماد عليها الثورات في المستقبل، تم حل الأممية المواقفية في عام 1972.
الاستقلالية الذاتية:
تشير الاستقلالية الذاتية لمجموعة من الحركات والنظريات اليسارية السياسية والاجتماعية وثيقة الصلة بالحركة الاشتراكية التحررية. فقد ظهرت لأول مرة في إيطاليا في ستينيات القرن 20 في  من خلال الترجمات التي وفرها دانيلو مونتالدي وغيره، التي لفتت نظر الاستقلاليين الإيطاليين إلى بحوث الناشط السابق في الولايات المتحدة جونسون فورستر وفي فرنسا من قبل مجموعة اشتراكية أو بربرية وفي وقت لاحق، أصبحت ما بعد الماركسية والاتجاهات الأناركية لها تأثير كبير من المواقفين، وفشل حركات اليسار المتطرف الإيطالية في السبعينيات، وظهور عدد من المنظرين الهامين بما في ذلك أنطونيو نيجري، الذي كان قد ساهم في تأسيس سلطة العمال عام 1969، وكذلك ماريو ترونتي، و باولو  فارنو، وفرانكو بيراردي، بيفو....إلخ.

وخلافا لأشكال أخرى من الماركسية، فالماركسية الاستقلالية تؤكد على قدرة الطبقة العاملة على فرض تغييرات في النظام الرأسمالي مستقلة عن الدولة والنقابات أو الأحزاب السياسية. والاستقلاليون أقل اهتماما بالمنظمة السياسية الحزبية من الماركسيين الآخرين، مع التركيز بدلا من ذلك على عمل المنظمة ذاتيا خارج الهياكل التنظيمية التقليدية. وتتبنى الاستقلالية الماركسية بالتالي نظرية من “أسفل إلى أعلى”،وتلفت الانتباه إلى الأنشطة التي يراها الاستقلاليون في العمل كل يوم لمقاومة الطبقة الرأسمالية، على سبيل المثال التغيب عن العمل، والعمل البطيء. 

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية