الاثنين، 21 أغسطس 2017

القسم الثالث:مدارس الأناركية الفكرية3

القسم الثالث:مدارس الأناركية الفكرية3
سامح سعيد عبود
الأناركية الجمعية:
الأناركية الجمعية، هيَ اتجاه من أتجاهات الأناركية الاجتماعية الثورية، المرتبطة عادة بالمفكر الثوري الروسي ميخائيل باكونين،والمنتمين لقسم مناهضة السلطوية في الأممية الأولى. ويعارض الأناركيون الجمعيون على عكس الفرديين والتبادليين كل أشكال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وبدلا من ذلك يدعون إلى الملكية الجمعية التعاونية. الأمر الذي سوف يتحقق من وجهة نظرهم من خلال ثورة اجتماعية فورية، وليس تدريجيا كما يرى الفرديون والتبادليون، وكانوا يرون أنَّ الثورة تبدأ من مجموعة متماسكة صغيرة تمارس أعمال العنف ضد مؤسسات السلطة، أو ما يسمى بالدعاية عن طريق الفعل، التي كانوا يرون أنَّ من شأنها أنْ تلهم العمال ككل إلى الثورة على كل المؤسسات السلطوية وعلى رأسها الدولة ورأس المال، وبعد القضاء عليها يباشرون التجميع الجبرى لوسائل الإنتاج في شكل تعاونيات مملوكة جماعيا لأعضاءها.
ويتفق الأناركيون الجمعيون مع التبادليين في أنهم يرون أنَّه سوف يدفع للعمال وفقا لوقت العمل الذي قضوه في الإنتاج، بدلا من أنْ يتلقوا السلع والخدمات التي يجري توزيعها “وفقا لحاجتهم لها” كما هو الحال في الأناركية الشيوعية. وقد انتقد موقفهم الأناركيون الشيوعيون باعتباره “تمسكا باستمرار نفس نظام الأجور في صورة أخرى وبشكل جديد ومستتر”. كما يعتقد بيتر كروبوتكين أنَّ الأجر من شأنه أنْ يؤدي إلى خلق العملة، وأن هذا سوف يحتاج إلى الدولة لإصدارها وفرضها كوسيلة للتبادل.
وجدير بالذكر أنَّ الأناركيين سواء الشيوعيين أو الجمعيين لا يستبعدون بعضهم بعضا؛ فعلى الرغم من أنَّ الأناركيين الجمعيين دعوا إلى التوزيع حسب العمل لا حسب الحاجة، إلَّا أنَّ بعضهم يتمسك بإمكانية الانتقال التدريجي ما بعد الثورة إلى النظام الشيوعي للتوزيع وفقا للحاجة. فقد كتب زميل باكونين  جيمس جوليوم، في مقالته أفكار حول التنظيم الاجتماعي (1876): “حينما يأتي الإنتاج زائدا عن الاستهلاك، فإنَّ كل إنسان سوف يحصل على ما يحتاج إليه من وفرة الاحتياطي الاجتماعي من السلع، دون خوف من نضوبها وحرمان البعض منها، وأن الشعور الأخلاقي الذي سوف يتم تطويره لدرجة أعلى بين العاملين الأحرار والمتساويين سوف يمنع أو يحد بشكل كبير من سوء الاستهلاك والإهدار والنفايات”.
نشأت الأناركية الجمعية بالتزامن مع الماركسية لكنها عارضت مفهوم دكتاتورية البروليتاريا الذي تتبناه الماركسية، على الرغم من أنَّ الهدف الماركسي النهائي المعلن نظريا هو مجتمع شيوعي بلا دولة، ولكن بعد فترة انتقالية قصيرة من تلك الديكتاتورية التي يبرهنون على ضرورتها كمرحلة انتقالية، إلَّا أنَّ الأناركيين يرفضون تلك المرحلة، ويبرهنون على خطورتها على التطور الاجتماعي، ولذلك يرون ضرورة الانتقال الفوري من الثورة إلى الهدف النهائي المشترك بينهما.
الأناركيون الجمعيون لا يعارضون استخدام العملة لتقدير قيمة العمل والسلع، ولا يعارضون الدفع النقدي للعمال على أساس مقدار الوقت الذي ساهموا به في الإنتاج. واستخدام العمال تلك العملة لشراء السلع من السوق الجماعي. وهذا يتناقض مع الأناركية الشيوعية التي ترى ضرورة الإلغاء الفوري لنظام العمل المأجور والنقود، حيث يرون أنَّ الأفراد يجب أنْ يحصلوا على احتياجتهم مجانا، وبحرية من مخزن البضائع العام وفق مبدأ “ لكل حسب حاجته”.
ومع ذلك يتمسك كثير من الأناركيين الجمعيين في العصر الحديث بأن أناركيتهم الجمعية سوف تكون مجتمعا دائما، بدلا من اعتبارها مجرد مرحلة انتقالية إلى الأناركية الشيوعية التي تدعم اقتصاد التوزيع المجاني. كما يتبنى ذلك بعض الأناركيين الجمعيين مثل أنصار اقتصاد المشاركة، الذين يرون ضرورة استمرار نظام الأجور، وشكل من أشكال الائتمان، ولكنهم لا يعتقدون في استمرار كل من النقود أو الأسواق.
فالأناركية الجمعية تدعو إلى إلغاء كل من ملكية الدولة والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وبدلا من ذلك، تدعم  ملكية المنتجين أنفسهم لوسائل الإنتاج والخدمات بشكل جماعي حيث يسيطرون عليها ويديرونها لصالحهم وبأنفسهم، كجماعات تعاونية تتكون وتتحد وتنفصل طوعيا، حيث يتوقعون أنَّ العمال سوف يثورون من أجل جماعية ملكية وسائل الإنتاج وتعونة وسائل الإنتاج قسرا. في حين يرفض الشيوعيون الأناركيون مفهوم الملكية نفسه، ويطالبون بإلغائه اجتماعيا، واستبداله حصرا بمفهوم حق الاستخدام والانتفاع للأفراد، والجماعات التعاونية دون حقوق الملكية الأخرى مثل التصرف والاستغلال.
يرى الأناركيون الجمعيون أنَّه عندما تأخذ الجمعية مكانها، فسوف يتم تحديد رواتب العمال في منظماتهم الديمقراطية على أساس مقدار الوقت أو العمل الذي ساهموا به في الإنتاج. وسوف يستخدمون هذه المرتبات لشراء السلع من السوق الكوميوني. وهكذا، وبرغم أنَّ باكونين “أناركي جمعي”، إلَّا أنَّه يُنظر إليه من قبل الأناركيين الشيوعيين على أنَّه مزيج من الشيوعية وتبادل المنافع والمصالح.
يقارن كتاب الأناركية أسئلة وأجوبة مكررة تناقض الأناركية الجمعية مع الأناركية الشيوعية على هذا النحو:
الفرق الرئيسي بين الجمعيين والشيوعيين هو علي مسألة “النقود” بعد الثورة. ترى الأناركية الشيوعية ضرورة الإلغاء الفوري للنقود كاجراء أساسي للتحول الاجتماعي، في حين يرى الجمعيون الأناركيون نهاية الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لتكون المفتاح لهذا التحول. وكما لاحظ كروبوتكين، “الأناركية الجمعية تعبر عن حالة من التنظيم الاجتماعى، حيث كل الضروريات للإنتاج تكون ملكا مشتركا من قبل مجموعات العمل في الكوميونات الحرة، في حين أنَّ وسائل التعويض [أيْ التوزيع] عن العمل، شيوعية أو خلاف ذلك، سيتم تسويتها من قبل كل مجموعة لنفسها”.. وهكذا، في حين أنَّ الشيوعية والجمعية على حد سواء تنظم إنتاج مشترك عبر جمعيات المنتجين التعاونية، فإنها تختلف في الكيفية التي سيتم بها توزيع السلع المنتجة. وتستند الشيوعية على استهلاك مجاني في كل الأحوال، في حين أنَّ توزيع البضائع  في الجمعية قائما وفقا للأسهام الفردي في العمل الجماعي. ومع ذلك، فإنَّ معظم الأناركيين الجمعيين يعتقدون أنَّه مع مرور الوقت، عندما تزيد  الإنتاجية والإحساس بالانتماء للمجتمع يصبح أقوى من الاحساس الفردي، فإنَّ المال سوف يختفي.
استخدم الأناركيون الجمعيون من البداية مصطلح “الجمعية” لتمييز أنفسهم عن تيار تبادل المنافع والمصالح من أتباع برودون، واشتراكيِّي الدولة المرتبطين بكارل ماركس. حيث كتب باكونين، “نحن يجب أنْ نحتج دائما ضد أيِّ شيء يمكن بأيِّ شكل من الأشكال أنْ يشبهنا بشيوعية أو اشتراكية الدولة”، والتي يعتبرها باكونين سلطوية في الأساس.
النزاع بين ميخائيل باكونين وكارل ماركس سلط الضوء على الخلافات بين الأناركية والماركسية. حيث ناقش باكونين بعض أفكار الماركسيين، وافترض بأنه ليس كل الثورات تحتاج إلى أنْ تكون عنيفة. كما رفض بشدة مفهوم ماركس عن “دكتاتورية البروليتاريا”، ومفهوم الطليعة الاشتراكية  الذي  يتبناه الماركسيون اللينينيون، الذين استخدموه لتبرير حكم الحزب الواحد من أعلى، والذي يدعي تمثيل مصالح “البروليتاريا” وأحيانا الممثل الوحيد لها. وأصر  باكونين على أنَّ الثورات يجب أنْ تكون من عمل الشعب مباشرة في حين أنَّ أيَّ“نخبة مستنيرة” يجب فقط أنْ تمارس نفوذها الفكري بشرط أنْ“تكون غير مرئية...أيْ كملاحين غير مرئيين لسفينة الثورة أثناء العاصفة الثورية، ثم أثناء بناء النظام الجديد على أنْ يذوبوا في الجماهير بعد إتمام البناء...على أنْ تحرم تلك النخبة الثورية من كل الحقوق الرسمية والامتيازات التي تتمتع بها الأحزاب الحاكمة وأعضاءها”. ورأى أنَّ الدولة يجب أنْ تلغى على الفور حيث أنَّ جميع أشكال الحكومة سوف تؤدي في النهاية إلى القمع. وأطلق  باكونين علي الطليعة الثورية التي تحل في السلطة بدلا من الطبقة الحاكمة القديمة “الطبقة الحاكمة الجديدة”، وهذا يعني أنَّ“طبقة” من المثقفين والبيروقراطيين سوف تدير  الدولة باسم الشعب أو البروليتاريا، ولكن في واقع الأمر يديرونها لمصالحهم الخاصة وحدها. وقال باكونين إنَّ“الدولة كانت دائما أداة طبقة مميزة: طبقة الكهنوتية، أو طبقة الأرستقراطية، وأخيرا الطبقة البرجوازية، وعندما تكون جميع تلك الطبقات القديمة قد استنفدت نفسها، فالدولة عندها سوف تصبح أداة الطبقة البيروقراطية  التي إما أنْ تسقط أو-إذا صح التعبير-ترتفع إلى موضع الإله”. منكرا إمكانية وجود دولة عمالية من الأساس.
كما كان لباكونين وجهة نظر مختلفة بالمقارنة مع ماركس حول الإمكانيات الثورية للبروليتاريا الرثة والبروليتاريا الصناعية. فقد “اتفق الطرفان على أنَّ البروليتاريا الصناعية سوف تلعب دورا رئيسيا في الثورة، ولكن بالنسبة لماركس كانت البروليتاريا(الطبقة العاملة الصناعية) حصريا، هيَ المكلفة تاريخيا بصنع الثورة، في حين رأى باكونين إمكانية أنْ يرتفع الفلاحون لمستوى القدرة على أداء هذا الدور، وحتى البروليتاريا الرثة (عمال التجارة والخدمات، والعاطلين عن العمل، وذوي الأعمال التافهة والمهمشين وحتى المجرمين العاديين..إلخ) لأداء تلك المهمة.
واعتبر باكونين “أنَّ تكامل العمال مع الرأسماليين، وتوحد العمال بالنظام البرجوازي، وتماهيهم مع سادتهم، هو نتيجة قبول مبدأ الإصلاحات لتحسين شروط عبودية العمل لا القضاء عليها من الجذور، وهو عين ما يفعله العمل النقابي والنضال الاقتصادي، الذي لا يهدد أسس النظام بل يقويه، كما أنَّ المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية يدمر المزيد من القوى الثورية المحتملة للبروليتاريا الناتجة عن اغترابها، حيث تعطيهم إحساسا وهميا بالمشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات، وهو أمر في النهاية لا يعني سوى الاعتراف بشرعية النظام البرجوازي لا هدمه.
وقد صدقت توقعات باكونين، كما صدقت توقعاته الخاصة بديكتاتورية البروليتاريا، والدولة العمالية الانتقالية، والحزب الطليعي، برغم كل سخريات الماركسيين التافهة منه، ومن الذين تبنوا أفكاره،واتهامهم بالسذاجة والخيالية، فمنذ البدايات الأولى للحركة العمالية العالمية، حاول الدولتيون والسلطويون في الحركة العمالية والحركة الاشتراكية بكل السبل، ونجحوا نجاحا مبهرا للأسف في إدماج العمال في النظام الرأسمالي بكل قيمه ومعاييره ومؤسساته،بالنضالات النقابية والإصلاحية والمطلبية من أجل تحسين شروط العمل والحياة في ظل استمرار نفس النظام، وبشرط عدم المساس بجوهره، فطالبوا بأجر عادل، وعدد ساعات عمل أقل، وأسعار أرخص...إلخ لا التحرر من العمل المأجور في حد ذاته.
طالبوا بحق الاقتراع العام ليدخل من يدعون تمثيل مصالح الطبقة العاملة لعبة الديمقراطية التمثيلية الزائفة التي لم تسفر يوما عن التعبير عن مصالحها الحقيقية في التحرر من عبودية الأجر، وأن كانت ساعدت على تسمين العبيد أحيانا، لا تحريرهم، فدخل الساسة الاشتراكيون البرلمانات البرجوازية، وأصبح لهم وزراء يدعون التحدث باسم مصالح الطبقة العاملة في الحكومات البرجوازية، وقبلوا بشرعية النظام البرجوازي السلطوي، واحتكموا إليه في صراعهم مع الدولة والرأسماليين..تلك الشرعية التي تعبر عن مصالح أعدائهم الطبقيين، لا مصالح من يدعون تمثيلهم.
وفي كثير من الأحوال تم طمس الصراع الطبقي الأممي بطبيعته، بصراعات غير طبقية لا تخدم سوى مصالح البرجوازية، كالصراعات الوطنية والقومية والطائفية والدينية والعرقية، فقبل الحرب العالمية الأولى خان الاشتراكيون الديمقراطيون في الدول الاستعمارية الأممية العمالية، فأيدوا حكوماتهم البرجوازية في حروبها التنافسية على المستعمرات، أما في المستعمرات فقد ساقوا الطبقة العاملة وراء البرجوازيات المحلية باسم التحرر الوطني ضاربين عرض الحائط بالصراع الطبقي العالمي.
ولكن يبقى للأناركيين الشرف في أنهم حذروا من عملية الإدماج التي قادها السلطويون والدولتيون بنجاح، وحذروا من نتائجها في تدجين الطبقة العاملة، وافقادها لثوريتها، ودورها التاريخي عبر عملية تسمينها الإصلاحية وتوسيع اعتماديتها على الدولة بدلا من الاستقلال عنها.
ثبت أنَّ الإصلاحات والنضال من أجل تحسين شروط الحياة والعمل كانت نتيجتها الكارثية هيَ انحطاط وعيِ الطبقة العاملة، وإطالة عمر الرأسمالية، وإعطائها وجها براقا مضللا للعمال، فعمال القرن التاسع عشر الذين كانوا لا يأكلون سوى البطاطس، ولا يرتدون سوى الأسمال البالية، ولا يسكنون سوى في أكواخ الصفيح القذرة والضيقة، ويعملون معظم ساعات اليوم، والمحرومون من كل حقوق الإضراب، والنضال ضد أصحاب العمل الذي كان يصل بقادتهم للإعدام، ولا يتمتعون بأيِّ حقوق سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية بما فيها حقوق الضمان الاجتماعي، كانوا على أتم الاستعداد أنْ يموتوا على المتاريس من أجل قضيتهم، وأن يقدموا الشهداء من أجل تحررهم النهائي، فليس لديهم ما يخسروه، أما الآن وقد تحسنت شروط حياتهم وعملهم، ونالوا الكثير من الحقوق والرفاهية، بل ويمكنهم أيضا التقاعد عند العجز والشيخوخة، ويتمتعون بضمان البطالة والعلاج، فما الذي يمكن أنْ يدفعهم للموت والنضال من أجل تجاوز الرأسمالية والدولة التي استطاعت أنْ تروضهم تماما، وبناء على ذلك فإنَّ النضال ضد الرأسمالية لابد وأن يتجاوز النضال الاقتصادي وتحسين شروط الحياة والعمل إلى النضال من أجل إلغاء العمل المأجور نفسه جوهر الرأسمالية، لا من أجل الفتات الذي ترميه لعبيدها.
ومن ثم فالنضال المجدي ليس من أجل حد أدنى للأجر أو رفعه لتأكله زيادات الأسعار، ولا من أجل فرض تسعيرة جبرية على الأسعار سوف تخلق سوق سوداء وأوضاعا احتكارية وشحا في البضائع، وزيادة فرص الفساد الإداري، وتوغل الدولة على الحريات، الحل في القضاء على سلسة التجار والوسطاء ما بين المنتج والمستهلك عبر التعاون الاستهلاكي، وتحرير العمل المأجور لدى الغير بالتعاون الإنتاجي.
بالنسبة لباكونين، فقد عثر على النموذج الأصلي الثوري في محيط الفلاحين (والذين طرحهم على أنْ لهم تقاليد متمردة منذ فترة طويلة، فضلا عن النموذج الأصلي الشيوعي في شكل تياره الاجتماعي؛ كوميونات الفلاحين) والشباب والمتعلمين العاطلين عن العمل، وذوي الأعمال الحرفية والمهنية قليلة الربح، والخارجين عن القانون، والجماهير الفقيرة، تلك الموجودة على هامش المجتمع الذين هربوا، أو استبعدوا منه، أو لم يروضوا بعد في انضباط العمل الصناعي الناشئ...وباختصار، كل أولئك الذين سعى ماركس أنْ يدرجوا في فئة “البروليتاريا الرثة”التي لم ير فيها قوى ثورية على الإطلاق، ووصمها باحتياطي الثورة المضادة.
فمن وجهة نظر باكونين أنَّ [الماركسيين] يتمسكون بأنه ليس هناك سوى دكتاتورياتهم التي يمكن أنْ تحقق إرادة الشعب، والدكتاتورية بطبيعة الحال لا يمكن أنْ يكون لها أيُّ هدف سوى استمرار وجودها. فمن هذا الذي يتنازل عن استبداده طوعا، في حين أنَّ لدينا الجواب على هذا هو أنَّه لا يمكن أنْ تنشأ العبودية إلَّا في الذين يتقبلونها. ولا يمكن أنْ تنشأ الحرية إلَّا من خلال رغبتهم في الحرية، وهذا ما يمكن أنْ يكون من قبل التمرد العالمي من الشعب، والتنظيم الحر للجماهير الكادحة من أسفل إلى أعلى.
على الرغم من أنَّ باكونين قبل عناصر تحليل ماركس للطبقات، والنظريات الماركسية المتعلقة بتحليل ونقد الرأسمالية، معترفا بـ”عبقرية ماركس”،في هذا الخصوص، والذي وصل لأعلى تطور لنظرية القيمة في العمل في الاقتصاد الكلاسيكي، التي يرفضها الأناركيون الشيوعيون، إلَّا أنَّه اعتقد أنَّ تحليل ماركس من جانب واحد، وأن أساليب ماركس الدولتية سوف تقضي على الثورة الاجتماعية. الأهم من ذلك، انتقد باكونين “الاشتراكية السلطوية” (التي ترتبط مع الماركسية) ومفهوم ديكتاتورية البروليتاريا، ولذلك رفضها بشدة. وقال إنَّه إذا تولى أشد الثوريين المتحمسين، السلطة المطلقة، ففي غضون عام واحد سوف سيكون أسوأ من القيصر نفسه.
من ثمانينات القرن 19، اعتمد معظم الأناركيين الأوروبيين الموقف الشيوعي الأناركي، ودعوا إلى إلغاء العمل المأجور والملكية الخاصة والنقود، وتبنوا التوزيع وفقا للحاجة. ومن المفارقات، أنَّ تسمية “الجمعية” أصبحت ترتبط أكثر باشتراكيِّي الدولة الماركسيين الذين دعوا إلى الإبقاء على نوع من نظام الأجور خلال مرحلة الانتقال إلى الشيوعية الكاملة. وقد هاجم الشيوعي الأناركي، بيتر كروبوتكين، هذا الموقف في مقاله:“نظام الأجور الجمعية”، الذي أعيد طبعه في كتابه: الاستيلاء على الخبز، في عام 1892.

تسعى “الأناركية الجمعية”، إلى تأكيد المساواة السياسية من خلال المساواة الاقتصادية، وليس إلى إزالة الفروق الفردية الطبيعية، ولكن تسعى للمساواة في الحقوق الاجتماعية لكل فرد منذ الولادة؛  فلكل طفل، صبي أو فتاة، حتى النضج، الحق في التمتع بشكلٍ متساوٍ، بوسائل لكسب العيش، والدعم، والتعليم، والموارد والمرافق حتى يكون مستعدا في مرحلة البلوغ لخلق رفاهيته من خلال جهده”. 

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية