الأحد، 23 مارس 2008

لماذا تحولت إلى اللاسلطوية؟

لماذا تحولت إلى اللاسلطوية؟

سامح سعيد عبود

كانت النقطة التى ساعدت فى تحولى من الماركسية اللينينية إلى اللاسلطوية بالإضافة لتجربتى فى الحركة الشيوعية المصرية بالطبع ، هو اكتشافى الجذر المشترك بين كل الحركات السياسية يسارية كانت أو يمينية ، مع رفضى الكامل لهذا الجذر باعتباره أساس كل شر اجتماعى ، الجذر المشترك الذى يخفيه الجميع بحرص بالغ خلف شتى الادعاءات عن أنفسهم و عن الآخرين ، أو بتوضيح التمايزات فيما بينهم ، الصحيحة منها أو الزائفة ، هو أن الجميع يعبدون السلطة و ينحنون لها ، ويسجدون خشوعا لدولتهم هم ، فى حين يرفضون فحسب دول الآخرين و يدينوها ، والجميع يسعون بشتى السبل لاحتكار السلطة من أجل تحقيق أهدافهم رغما عن أنف المعارضين ، و بموافقة من يستطيعون تضلليهم من الجماهير ، وهم حريصون رغم أى إدعاءات وشعارات تبشر بالحرية والمساواة و الأخاء ، على استمرار انقسام البشر لسادة و عبيد ، لقاهرين ومقهورين ، لمعلمين وتلاميذ ، لقادة و اتباع ، لجنرالات و جنود ، لنخب وجماهير ، لأوصياء و قاصرين ، مرة باسم الدين أى دين ، ومرة باسم القومية والوطن و الأمة ، ومرة باسم الطبقة العاملة وسائر طبقات الكادحيين .
والحقيقة التى يجب أن يعلمها الجميع أنه لا حرية ولا عدالة و لا مساواة و لا أخاء ، إلا بانهاء هذا الانقسام بالفعل لا بالقول ، بالقضاء على أسسه المادية التى يستند عليها ، لا بمجرد إقرار إنهائه فى القوانين والمواثيق والدساتير ، وتدبيج هذا الإقرار فى الشعارات والخطب ، بل بتحقيقه فى الممارسة العملية والواقع الملموس لا فى النظريات والكتب . وهذا الانقسام لن ينتهى إلا بالقضاء على استئثار البعض بالسلطة دون البعض الآخر . الناتج عن سيطرة البعض دون الآخرين على وسائل الثروة و العنف والمعرفة .
يقسم الإسلاميون البشر إلى مؤمنين و كفار ، و وفقا لهذا فلابد أن يسود المؤمنون على الكفار ، كما يسود الأكثر إيمانا على الأقل إيمانا ، و الأكثر علما بالإسلام على الأقل علما به ، ليستمر القهر و الاستغلال باسم الإسلام و تحت رايته ، مثلما يقسم اليهود البشر إلى اليهود " شعب اللة المختار " والأغيار المطرودين للأبد من رحمة اللة وعنايته . فاللة و الغيبيات عموما هى مطلقات مجردة ، فلا بد إذن و أن يمثلها شخص ما من البشر ملموس ونسبى ، الخليفة أو البابا ..الخ ، و مؤسسة واقعية تتحدث وتستبد بالاخرين وتقهرهم باسم تلك المطلقات المجردة كالخلافة أو الكنيسة ..الخ .
كما يقسم الماركسيون اللينينيون البشر إلى حزبيين يمثلون الطبقة العاملة ، وغير حزبيين ، سواء أكانوا أتباع مخلصين للحزب أم من أعداءه ، ومن ثم يستمر الانقسام الاجتماعى بين القادة والأتباع باسم الطبقة العاملة التى يحق للحزبيين وحدهم تمثيلها بلا منازع كما يدعون ، وباسم الحقيقة العلمية الماركسية التى يدعى الحزبيون معرفتها وحدهم بلا منافس ، وعلى الآخريين إما اتباعهم بلا مناقشة أو الوقوف فى الناحية الأخرى من المتاريس .
كما يستند القوميون بجناحيهما الليبرالى والفاشى ، على تمثيلهم لهوية جماعية مجردة و مطلقة أيضا هى الأمة والوطن والقومية ، ومن خلال هذا التمثيل المتعسف والادعاء المتهافت ، يستبدون بكل من يخالفهم الرأى ، سواء أكانوا من الجماهير التى يدعون تمثيلها أو من من لا ينتمون للهوية الجماعية التى يدعون تمثيلها .
الجذر المشترك بين كل القوى السياسية السلطوية من أقصى اليسار السلطوى إلى أقصى اليمين السلطوى ، و ما بينهما ، هو الجذر المشترك لكل ما شهدته البشرية من شرور عبر تاريخها المكتوب ،وهو انقسام البشر بين من يحتكرون السلطة لاحتكارهم مصادرها المادية وبين المحرومون من السلطة لحرمانهم من مصادرها المادية ، فالسلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة فساد مطلق ، مهما تسترت السلطة بأروع الشعارات ، واعلنت أفضل النوايا ، فالسلطة غواية لا يمكن أن يهرب من اغواءها أقدس القديسين طالما اقتربوا منها ، فدفء مقاعدها له القدح المعلى فى تحويل الملائكة لشياطيين ، وفى افساد الذمم وتشويه الضمائر .
و من ثم كان لابد من البحث عن طريق آخر لتحرير حقيقى للبشر بعيدا عن النزعات السلطوية ، ومن هنا كان تحولى إلى اللاسلطوية أو الفوضوية التى هى ترجمة رديئة ومغرضة فى الحقيقة لكلمة " Anarchism" ، والتى لا تعنى رفض التنظيم الاجتماعى القائم على أسس طوعية وتعاونية ، بل هى تسعى بالفعل لأن يكون هذا هو الشكل الوحيد لأى تنظيم اجتماعى ، فاللاسلطوية تعنى إذن رفض السلطة المنفصلة عن البشر والمتعالية عليهم ، ترفض استمرار الانقسام الاجتماعى بين من يحوزون على السلطة ، و بين من تمارس عليهم السلطة .
فاللاسلطويون لا يدعون أنهم يمثلون أحد إلا أنفسهم ، ولا يزعمون أنهم يملكون من الحقائق ما يعطيهم الحق فى اخضاع الآخريين وتمثيلهم والوصاية عليهم بحكم هذا الامتلاك والتمثيل ، و لا يسعون للسلطة لتحقيق أهدافهم وعلى أى نحو و تحت أى مسمى ، هم يحملون فحسب أفكارا يرون أنها وحدها الكفيلة بتحقيق الحرية و المساواة لكل البشر ، و يسعون جاهدين لنشرها فى أوساط المقهورين والمحرومين من السلطة و مصادرها المادية باعتبارهم اصحاب المصلحة فى التحرر والمساواة ، وعلى هؤلاء أن يحرروا أنفسهم ذاتيا بلا وصاية من أحد و دون انتظار لمن يحررهم أو يقودهم لهذا التحرر و تلك المساواة . و لن يتأتى هذا إلا إذا تبنوا الفكر اللاسلطوى ، وانتظموا فيما بينهم على نحو تعاونى و لاسلطوى يكفل لهم الانتصار النهائى على من يقهرونهم و يستغلونهم .
وبناء على ذلك يتمسك اللاسلطويون بالتميز والانفصال وعلى نحو صارم عن كل القوى السلطوية فى المجتمع ، مهما اتفقت معهم فى بعض المبادىْ والأفكار والشعارات مادامت هذه القوى تتمسك بعبادة السلطة والدولة والانقسام بين البشر . فليكن واضحا أن اللاسلطوية لا علاقة لها بالشيوعية التسلطية كما يسعى لها الماركسيون اللينينيون بفرقهم المختلفة ، كما لا علاقة لها بالتحررية الرأسمالية سواء بسواء .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية