لماذا تحولت إلى اللاسلطوية؟
لماذا تحولت إلى اللاسلطوية؟
سامح سعيد عبود
كانت النقطة التى ساعدت فى تحولى من الماركسية اللينينية إلى اللاسلطوية بالإضافة لتجربتى فى الحركة الشيوعية المصرية بالطبع ، هو اكتشافى الجذر المشترك بين كل الحركات السياسية يسارية كانت أو يمينية ، مع رفضى الكامل لهذا الجذر باعتباره أساس كل شر اجتماعى ، الجذر المشترك الذى يخفيه الجميع بحرص بالغ خلف شتى الادعاءات عن أنفسهم و عن الآخرين ، أو بتوضيح التمايزات فيما بينهم ، الصحيحة منها أو الزائفة ، هو أن الجميع يعبدون السلطة و ينحنون لها ، ويسجدون خشوعا لدولتهم هم ، فى حين يرفضون فحسب دول الآخرين و يدينوها ، والجميع يسعون بشتى السبل لاحتكار السلطة من أجل تحقيق أهدافهم رغما عن أنف المعارضين ، و بموافقة من يستطيعون تضلليهم من الجماهير ، وهم حريصون رغم أى إدعاءات وشعارات تبشر بالحرية والمساواة و الأخاء ، على استمرار انقسام البشر لسادة و عبيد ، لقاهرين ومقهورين ، لمعلمين وتلاميذ ، لقادة و اتباع ، لجنرالات و جنود ، لنخب وجماهير ، لأوصياء و قاصرين ، مرة باسم الدين أى دين ، ومرة باسم القومية والوطن و الأمة ، ومرة باسم الطبقة العاملة وسائر طبقات الكادحيين .
والحقيقة التى يجب أن يعلمها الجميع أنه لا حرية ولا عدالة و لا مساواة و لا أخاء ، إلا بانهاء هذا الانقسام بالفعل لا بالقول ، بالقضاء على أسسه المادية التى يستند عليها ، لا بمجرد إقرار إنهائه فى القوانين والمواثيق والدساتير ، وتدبيج هذا الإقرار فى الشعارات والخطب ، بل بتحقيقه فى الممارسة العملية والواقع الملموس لا فى النظريات والكتب . وهذا الانقسام لن ينتهى إلا بالقضاء على استئثار البعض بالسلطة دون البعض الآخر . الناتج عن سيطرة البعض دون الآخرين على وسائل الثروة و العنف والمعرفة .
يقسم الإسلاميون البشر إلى مؤمنين و كفار ، و وفقا لهذا فلابد أن يسود المؤمنون على الكفار ، كما يسود الأكثر إيمانا على الأقل إيمانا ، و الأكثر علما بالإسلام على الأقل علما به ، ليستمر القهر و الاستغلال باسم الإسلام و تحت رايته ، مثلما يقسم اليهود البشر إلى اليهود " شعب اللة المختار " والأغيار المطرودين للأبد من رحمة اللة وعنايته . فاللة و الغيبيات عموما هى مطلقات مجردة ، فلا بد إذن و أن يمثلها شخص ما من البشر ملموس ونسبى ، الخليفة أو البابا ..الخ ، و مؤسسة واقعية تتحدث وتستبد بالاخرين وتقهرهم باسم تلك المطلقات المجردة كالخلافة أو الكنيسة ..الخ .
كما يقسم الماركسيون اللينينيون البشر إلى حزبيين يمثلون الطبقة العاملة ، وغير حزبيين ، سواء أكانوا أتباع مخلصين للحزب أم من أعداءه ، ومن ثم يستمر الانقسام الاجتماعى بين القادة والأتباع باسم الطبقة العاملة التى يحق للحزبيين وحدهم تمثيلها بلا منازع كما يدعون ، وباسم الحقيقة العلمية الماركسية التى يدعى الحزبيون معرفتها وحدهم بلا منافس ، وعلى الآخريين إما اتباعهم بلا مناقشة أو الوقوف فى الناحية الأخرى من المتاريس .
كما يستند القوميون بجناحيهما الليبرالى والفاشى ، على تمثيلهم لهوية جماعية مجردة و مطلقة أيضا هى الأمة والوطن والقومية ، ومن خلال هذا التمثيل المتعسف والادعاء المتهافت ، يستبدون بكل من يخالفهم الرأى ، سواء أكانوا من الجماهير التى يدعون تمثيلها أو من من لا ينتمون للهوية الجماعية التى يدعون تمثيلها .
الجذر المشترك بين كل القوى السياسية السلطوية من أقصى اليسار السلطوى إلى أقصى اليمين السلطوى ، و ما بينهما ، هو الجذر المشترك لكل ما شهدته البشرية من شرور عبر تاريخها المكتوب ،وهو انقسام البشر بين من يحتكرون السلطة لاحتكارهم مصادرها المادية وبين المحرومون من السلطة لحرمانهم من مصادرها المادية ، فالسلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة فساد مطلق ، مهما تسترت السلطة بأروع الشعارات ، واعلنت أفضل النوايا ، فالسلطة غواية لا يمكن أن يهرب من اغواءها أقدس القديسين طالما اقتربوا منها ، فدفء مقاعدها له القدح المعلى فى تحويل الملائكة لشياطيين ، وفى افساد الذمم وتشويه الضمائر .
و من ثم كان لابد من البحث عن طريق آخر لتحرير حقيقى للبشر بعيدا عن النزعات السلطوية ، ومن هنا كان تحولى إلى اللاسلطوية أو الفوضوية التى هى ترجمة رديئة ومغرضة فى الحقيقة لكلمة " Anarchism" ، والتى لا تعنى رفض التنظيم الاجتماعى القائم على أسس طوعية وتعاونية ، بل هى تسعى بالفعل لأن يكون هذا هو الشكل الوحيد لأى تنظيم اجتماعى ، فاللاسلطوية تعنى إذن رفض السلطة المنفصلة عن البشر والمتعالية عليهم ، ترفض استمرار الانقسام الاجتماعى بين من يحوزون على السلطة ، و بين من تمارس عليهم السلطة .
فاللاسلطويون لا يدعون أنهم يمثلون أحد إلا أنفسهم ، ولا يزعمون أنهم يملكون من الحقائق ما يعطيهم الحق فى اخضاع الآخريين وتمثيلهم والوصاية عليهم بحكم هذا الامتلاك والتمثيل ، و لا يسعون للسلطة لتحقيق أهدافهم وعلى أى نحو و تحت أى مسمى ، هم يحملون فحسب أفكارا يرون أنها وحدها الكفيلة بتحقيق الحرية و المساواة لكل البشر ، و يسعون جاهدين لنشرها فى أوساط المقهورين والمحرومين من السلطة و مصادرها المادية باعتبارهم اصحاب المصلحة فى التحرر والمساواة ، وعلى هؤلاء أن يحرروا أنفسهم ذاتيا بلا وصاية من أحد و دون انتظار لمن يحررهم أو يقودهم لهذا التحرر و تلك المساواة . و لن يتأتى هذا إلا إذا تبنوا الفكر اللاسلطوى ، وانتظموا فيما بينهم على نحو تعاونى و لاسلطوى يكفل لهم الانتصار النهائى على من يقهرونهم و يستغلونهم .
وبناء على ذلك يتمسك اللاسلطويون بالتميز والانفصال وعلى نحو صارم عن كل القوى السلطوية فى المجتمع ، مهما اتفقت معهم فى بعض المبادىْ والأفكار والشعارات مادامت هذه القوى تتمسك بعبادة السلطة والدولة والانقسام بين البشر . فليكن واضحا أن اللاسلطوية لا علاقة لها بالشيوعية التسلطية كما يسعى لها الماركسيون اللينينيون بفرقهم المختلفة ، كما لا علاقة لها بالتحررية الرأسمالية سواء بسواء .
والحقيقة التى يجب أن يعلمها الجميع أنه لا حرية ولا عدالة و لا مساواة و لا أخاء ، إلا بانهاء هذا الانقسام بالفعل لا بالقول ، بالقضاء على أسسه المادية التى يستند عليها ، لا بمجرد إقرار إنهائه فى القوانين والمواثيق والدساتير ، وتدبيج هذا الإقرار فى الشعارات والخطب ، بل بتحقيقه فى الممارسة العملية والواقع الملموس لا فى النظريات والكتب . وهذا الانقسام لن ينتهى إلا بالقضاء على استئثار البعض بالسلطة دون البعض الآخر . الناتج عن سيطرة البعض دون الآخرين على وسائل الثروة و العنف والمعرفة .
يقسم الإسلاميون البشر إلى مؤمنين و كفار ، و وفقا لهذا فلابد أن يسود المؤمنون على الكفار ، كما يسود الأكثر إيمانا على الأقل إيمانا ، و الأكثر علما بالإسلام على الأقل علما به ، ليستمر القهر و الاستغلال باسم الإسلام و تحت رايته ، مثلما يقسم اليهود البشر إلى اليهود " شعب اللة المختار " والأغيار المطرودين للأبد من رحمة اللة وعنايته . فاللة و الغيبيات عموما هى مطلقات مجردة ، فلا بد إذن و أن يمثلها شخص ما من البشر ملموس ونسبى ، الخليفة أو البابا ..الخ ، و مؤسسة واقعية تتحدث وتستبد بالاخرين وتقهرهم باسم تلك المطلقات المجردة كالخلافة أو الكنيسة ..الخ .
كما يقسم الماركسيون اللينينيون البشر إلى حزبيين يمثلون الطبقة العاملة ، وغير حزبيين ، سواء أكانوا أتباع مخلصين للحزب أم من أعداءه ، ومن ثم يستمر الانقسام الاجتماعى بين القادة والأتباع باسم الطبقة العاملة التى يحق للحزبيين وحدهم تمثيلها بلا منازع كما يدعون ، وباسم الحقيقة العلمية الماركسية التى يدعى الحزبيون معرفتها وحدهم بلا منافس ، وعلى الآخريين إما اتباعهم بلا مناقشة أو الوقوف فى الناحية الأخرى من المتاريس .
كما يستند القوميون بجناحيهما الليبرالى والفاشى ، على تمثيلهم لهوية جماعية مجردة و مطلقة أيضا هى الأمة والوطن والقومية ، ومن خلال هذا التمثيل المتعسف والادعاء المتهافت ، يستبدون بكل من يخالفهم الرأى ، سواء أكانوا من الجماهير التى يدعون تمثيلها أو من من لا ينتمون للهوية الجماعية التى يدعون تمثيلها .
الجذر المشترك بين كل القوى السياسية السلطوية من أقصى اليسار السلطوى إلى أقصى اليمين السلطوى ، و ما بينهما ، هو الجذر المشترك لكل ما شهدته البشرية من شرور عبر تاريخها المكتوب ،وهو انقسام البشر بين من يحتكرون السلطة لاحتكارهم مصادرها المادية وبين المحرومون من السلطة لحرمانهم من مصادرها المادية ، فالسلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة فساد مطلق ، مهما تسترت السلطة بأروع الشعارات ، واعلنت أفضل النوايا ، فالسلطة غواية لا يمكن أن يهرب من اغواءها أقدس القديسين طالما اقتربوا منها ، فدفء مقاعدها له القدح المعلى فى تحويل الملائكة لشياطيين ، وفى افساد الذمم وتشويه الضمائر .
و من ثم كان لابد من البحث عن طريق آخر لتحرير حقيقى للبشر بعيدا عن النزعات السلطوية ، ومن هنا كان تحولى إلى اللاسلطوية أو الفوضوية التى هى ترجمة رديئة ومغرضة فى الحقيقة لكلمة " Anarchism" ، والتى لا تعنى رفض التنظيم الاجتماعى القائم على أسس طوعية وتعاونية ، بل هى تسعى بالفعل لأن يكون هذا هو الشكل الوحيد لأى تنظيم اجتماعى ، فاللاسلطوية تعنى إذن رفض السلطة المنفصلة عن البشر والمتعالية عليهم ، ترفض استمرار الانقسام الاجتماعى بين من يحوزون على السلطة ، و بين من تمارس عليهم السلطة .
فاللاسلطويون لا يدعون أنهم يمثلون أحد إلا أنفسهم ، ولا يزعمون أنهم يملكون من الحقائق ما يعطيهم الحق فى اخضاع الآخريين وتمثيلهم والوصاية عليهم بحكم هذا الامتلاك والتمثيل ، و لا يسعون للسلطة لتحقيق أهدافهم وعلى أى نحو و تحت أى مسمى ، هم يحملون فحسب أفكارا يرون أنها وحدها الكفيلة بتحقيق الحرية و المساواة لكل البشر ، و يسعون جاهدين لنشرها فى أوساط المقهورين والمحرومين من السلطة و مصادرها المادية باعتبارهم اصحاب المصلحة فى التحرر والمساواة ، وعلى هؤلاء أن يحرروا أنفسهم ذاتيا بلا وصاية من أحد و دون انتظار لمن يحررهم أو يقودهم لهذا التحرر و تلك المساواة . و لن يتأتى هذا إلا إذا تبنوا الفكر اللاسلطوى ، وانتظموا فيما بينهم على نحو تعاونى و لاسلطوى يكفل لهم الانتصار النهائى على من يقهرونهم و يستغلونهم .
وبناء على ذلك يتمسك اللاسلطويون بالتميز والانفصال وعلى نحو صارم عن كل القوى السلطوية فى المجتمع ، مهما اتفقت معهم فى بعض المبادىْ والأفكار والشعارات مادامت هذه القوى تتمسك بعبادة السلطة والدولة والانقسام بين البشر . فليكن واضحا أن اللاسلطوية لا علاقة لها بالشيوعية التسلطية كما يسعى لها الماركسيون اللينينيون بفرقهم المختلفة ، كما لا علاقة لها بالتحررية الرأسمالية سواء بسواء .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية