الأربعاء، 19 مارس 2008

إشكالية الهوية فى إسرائيل

إشكالية الهوية فى إسرائيل
سامح سعيد عبود
مشكلة الهوية هى من المشاكل التى تسبب ازعاجا لليهود منذ أكثر من قرنين من الزمان. لقد عاش اليهود فى أرجاء الشتات اليهودى ،وخاصة فى كل من غرب وشرق أوروبا ووسطها فى إطار منعزل عن المجتمعات التى يعيشون فيها فى أحياء خاصة بهم عرفت باسم "الشتتل" (المدينة الصغيرة) أو "تحوم هموشاف"(تخوم الاستيطان اليهودى) فى شرق أوروبا و باسم " الجيتو" فى غرب أوروبا و وسطها . وقد عمق هذا النمط من الحياة الاحساس لدى اليهودى بأن هذا الانعزال هو درع الأمان للحفاظ على الطائفة اليهودية وشريعتها .وكانت هذه الاقامة المنعزلة هى الشرنقة التى تحافظ على حياته الروحية ،إلى أن يحين الوقت الذى يشاء فيه الرب إعادته إلى ما يسمى "أرض الميعاد" مع حلول الخلاص المسيحانى.
وقد واجهت إسرائيل إشكالية واضحة بالنسبة لهوية الدولة ، وقد شهدت إسرائيل توترات وصراعات لعبت دورا فى خلق هذه الاشكالية ،بسبب التنوع الثقافى والعرقى لسكان الدولة ،وازدياد المد الدينى بعد حرب 1967 وزيادة حدة الاستقطاب بين الدينيين والعلمانيين ،والتغير المستمر فى الثقافة السياسية المهيمنة ،والتحالفات السياسية ،والانقسام بين القوى السياسية حول مصير الأرض المحتلة بعد عام 1967 ، ووجود أقلية عربية فلسطينية داخل دولة إسرائيل ،والموقف من الشتات اليهودى ،وأخيرا أحداث النازية والصراع العربى -الإسرائيلى.
وقد تنوعت الأطروحات بشأن تحديد الهوية فى إسرائيل بين أربع أطروحات.
أولها الطرح الكنعانى للهوية فى إسرائيل
وتتلخص أفكار هذا الطرح فيما يلى :- الإيمان بأنه قد ولد على أرض فلسطين واقع إسرائيلى جديد لا علاقة له بالواقع اليهودى الشتاتى و لابد من التعبير عن هذا الواقع الإسرائيلى الجديد بأدوات جديدة .و إنطلاقا من هذا المنظور السابق فقد شن أنصار هذا الطرح هجوما نقديا على يهودية الشتات وعلى دين إسرائيل ،ومؤسساته وقيمه ،وعلى نهج التاريخ اليهودى برمته ..ومحاولة إحياء الأسطورة الكنعانية فى المنطقة الممتدة من البحر المتوسط غربا إلى نهر الفرات شرقا ومن حدود تركيا شمالا وحتى الحدود المصرية جنوبا فى المنطقة المعروفة باسم الهلال الخصيب ..ونفى أن للدولة العبرية أى علاقة باليهود فى شتاتهم ،باستثناء أن القادمين من الشتات اليهودى هم الذين سيشكلون نواة الأمة العبرية .ويمكن حصر الركائز السياسية و الأيديولوجية لحركة الكنعانيين أن أساس الدولة هو الأمة و لا تختلف الكنعانية من هذه الناحية عن الصهيونية التى ترى أن إسرائيل هى التعبير السياسى للشعب اليهودى كما ترى الكنعانية أن حجم وقوة الدولة يجب أن يكونا كافيين للقيام بنشاط ذى صفة استقلالية ،وللحفاظ على استقلال المنطقة حقا ، ينبغى أن تكون الخطوات السياسية نابعة من احتياجات المنطقة ذاتها وليس وفقا للاعتبارات التى تفرض من خارج المنطقة.
وفى الحقيقة أن تجاهل أنصار هذا الطرح لحقيقة أن المستوطنيين ليس لديهم نية الضغط من أجل الضم الرسمى للضفة الغربية وقطاع غزة لإسرائيل لأن مثل هذا الضم سيخلق وضعا يكون من الصعب فيه التهرب من منح السكان الفلسطينيين حقوقهم ،ومن ثم أصبح هدفهم الرئيسى هو طرد هؤلاء الفلسطينيين إلى أى مكان آخر.كما أن احتفاظ إسرائيل بالمناطق المحتلة والتوسع الاستيطانى فيها .هو أمر من المعروف أنه ليس ممكنا دون تأييد الولايات المتحدة بضغط من اليهود فيها ،أى أن تنفيذ المشروع الكنعانى يتطلب تأييدا من عنصر من خارج المنطقة ،وهم يهود الشتات فى أمريكا الذين يعاديهم الكنعانيون ،وهو تأييد يمنح فى ظل الأيديولوجية الصهيونية ، وإلا لما تمكنت إسرائيل من الاحتفاظ بفريستها طول هذا الوقت . وقد أسدل الستار على الحركة الكنعانية وعلى الطرح الذى تبنته للهوية فى إسرائيل ،وتشرذم اتباعها أما من تبقى منهم على قيد الحياة ،فمن بين تائب عن أفكار الحركة، و بين مؤيد ومساند لحركة "جوش أيمونيم " (كتلة الإيمان) لعلهم يحققون من خلالها ما فشلوا هم فى تحقيقه ،ولو حتى على حساب مبادئهم التى آمنوا بها من قبل .
ثانيا :ـ الطرح العبرى أو الصبارى :ـ
يبدأ هذا الطرح برفض التاريخ اليهودى كله ،وخاصة تاريخ اليهود فى الشتات،كما كان هناك رفض للشخصية اليهودية الشتاتية التقليدية برمتها ،وارتبطت الدعوة باقامة وطن لليهود فى فلسطين ،وبضرورة خلق نمط يهودى جديد على أرض فلسطين فى واقع إقليمى جديد.ومن هنا ظهرت إلى الوجود شخصية العبرى المتحرر ( التأكيد هنا على كلمة عبرى وليس على كلمة يهودى وذلك للتفرقة بين الحاضر اليهودى الشتاتى المرفوض وبين المستقبل العبرى المأمول الذى يعنى العودة إلى صورة العبرى القديم ، وفق المعيار الخاص بأساطير "التجدد" والتى هى بمنزلة تأكيد لعودته إلى " العصر الذهبى " السابق . والموقف الصبارى يتعارض مع الموقف الصهيونى ، حيث أن الصهيونية سعت لتحقيق الشق الأول وهو الانفصال عن واقع الشتات سعيا نحو بناء واقع عبرى جديد فى فلسطين ،ولكنها فى نفس الوقت حافظت على الروابط مع الشتات اليهودى كوسيلة لدفع مشروعها إلى الأمام ، وتكونت لديها مصلحة خاصة فى تخليد "ضائقة اليهود فى الشتات " والتى ربطت بينها وبين "معـاداة السامية " فى " هوية المصالح الخاصة " . ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن مشروع الهوية الصبارية قد استوعب بعضا من أفكار الهوية الكنعانية ، ولكن مع هذا فإن هناك فارقا جوهريا بين مشروع الهوية الكنعانية ومشروع الهوية الصبارية ،يتجلى فى الغايةالنهائية لكل من الهويتين ، فالأولى كانت تسعى إلى إقامة كيان عبرى جديد يضم يهود فلسطين مع سائر الشعوب العربية التى تعيش فى منطقة الهلال الخصيب ، أما الثانية فقد تحدثت عن قومية قائمة بذاتها خاصة بمواليد فلسطين من اليهود .
وقد كانت الوقائع والحقائق التى حدثت على الأرض فى إسرائيل والتى كانت بمنزلة عوامل فاعلة ساعدت على ضمور الطموح الثقافى والاجتماعى الذى تبنته الهوية الصبارية ويمكن تحديدها فى موجات الهجرة اليهودية الكبيرة من اليهود الناجيين من أحداث النازية ومن البلدان العربية والإسلامية مما أدى لتراجع الثقافة العبرية الحديثة التى ولدت على أرض فلسطين ،وانجاب المهاجرون أجيالا من الصباريم ،و اتضاح أن الصبار الأسطورى شخصية اصطناعية و أن صفاته لم تكن دوما إيجابية ، و أن الآمال التى علقت عليه مع صعوده إلى مواقع القيادة كانت كاذبة. وتمت إزالة مصطلح عبرى الذى كان متعارفا عليه فى فترة الاستيطان الصهيونى قبل الدولة للتفرقة بين اليهودى الذى يعيش فى الشتات واليهودى الجديد إبن البلاد ،كما تبنت الدولة المفاهيم الدينية عقب انتصار 1967، مما كشف عن أن الكثيريين من العلمانيين فى إسرائيل احتفظوا بأنماط تفكير أسطورية ودينية غيبية تحت غلاف رقيق من العقلانية العلمانية ،وأخيرا حدوث تحول حاد وجذرى تجاه الشتات اليهودى.فقد سقطت ركيزة أساسية من ركائز الطرح الصبارى للهوية فى إسرائيل وهى رفض الشتات.و إذا كانت الصبارية قد كادت تتلاشى كأيديولوجية وبالذات كهوية فأن الصفة "الصبار" مازالت قائمة وتطلق فى المجتمع الإسرائيلى على كل من يولد فى إسرائيل تمييزا له عن المهاجرين الجدد.
ثالثا :ـ الطرح الإسرائيلى للهوية فى إسرائيل:ـ
يختلف الطرح الإسرائيلى للهوية على الطرحين السابقين فى طبيعته ،لأنه يرتكز على واقع الحياة فى دولة إسرائيل،وليس على تصورات لخلق صورة عبرية سياسية إقليمية إستنادا للتراث الثقافى السامى ( الطرح الكنعانى ) و لا كذلك على نبوءة خلق شعب جديد من الشعبة العبرية لليهود( الطرح الصبارى ) ولا على الربط بين الشعب والدين ( الطرح الصهيونى).فهذا الطرح يستند إلى ما ورد فى وثيقة الاستقلال وعلى القوانين التى استنها البرلمان الإسرائيلى (الكنيست) بشأن الارتباط والتواصل بين يهود إسرائيل ويهود العالم، و أهم هذه القوانين هو بلا شك " قانون العودة " الذى يمنح حق الهجرة والمواطنة لكل يهودى يريد أن يهاجر إلى دولة إسرائيل ،ومن هنا فأن علمانية الهوية الإسرائيلية هى علمانية معتدلة و محددة على رضا واتفاق ،وتعبر إتفاقية الوضع الراهن السياسية فى مجال الدين وعن التسوية بين الدينيين والعلمانيين ،و التى ترتكز عليها تقريبا الهوية الإسرائيلية.
وهنا نلاحظ التداخل بين أطروحات الهويات فى إسرائيل ووجود نقاط تماس بينها فى العديد من الأسس والمفاهيم والمبادىْ والقيم مما يصعب معه فصل كل طرح منها على حدة ،دون أن تكون هذه النقاط المشتركة أساسا لفهم نقاط الاختلاف . وأن حرب1967 كانت مرحلة فاصلة فى تاريخ دولة إسرائيل ،بقدر ما كانت أيضا نقطة تماس مهمة بين الطرح الإسرائيلى للهوية و بين بداية غروب الطرح الصبارى للهوية .وتبدى الهوية الإسرائيلية تسامحا براجماتيا تجاه الاختلافات الكبيرة التى تظهر فى إسرائيل بسبب الهجرة ،حيث تفترض أنها قادرة على امتصاص أى أختلاف يأتى إليها من الشتات..فالطرح الإسرائيلى للهوية يرى أن دولة إسرائيل تتقبل مسبقا وجود تنوع واسع للغاية من الثقافات الجزئية فى داخلها مع تكوين ولاء للإطار الأعلى المشترك، وإذا كانت هناك ملامح الآن لوجود مثل هذه الثقافات الطائفية المختلفة داخل إسرائيل ، فأن المطلوب هوإدراج المواطنيين العرب داخل إسرائيل من مسلمين ومسيحيين ـ وهم آخذون فى التزايد ـ ضمن هذا الإطار كشركاء كاملين ومتساويين فى الحقوق لهم قوميتهم المستقلة ،بحيث يكون مستقبل الدولة "شرقيا" بالضرورة. وفى الحقيقة أن غالبية حركات السلام فى إسرائيل على الرغم من تأكييدها على حق الفلسطينيين فى إقامة دولة فلسطينية ،ورفضها التفرقة العنصرية بين يهود إسرائيل و عربها ومنادتها باعتبارهم مواطنيين إسرائيليين كاملى المواطنة ،بما يتفق مع توجهات الطرح الإسرائيلى للهوية ،إلا أن هذه الحركات تظل مرتبطة بما أطلق عليه " صهيونية الحد الأدنى " ..كما أن قضايا الأمن الإسرائيلى لديها لها أهمية خاصة لا تختلف كثيرا عن سائر القوى الصهيونية اليمينية ،وخاصة فى مسألة القوة النووية الإسرائيلية وسياسة الردع ،بالإضافة إلى أن معظمها يؤكد على مبدأ " القدس الموحدة " والعاصمة الأبدية لإسرائيل . ومن هنا فإن التعامل مع قوى السلام فى إسرائيل من أى أطراف عربية لابد أن يكون محسوبا حسابا دقيقا، قائما على الفرز والتمييز بين أهداف وأفكار القوى المختلفة الممثلة لحركات السلام فى إسرائيل .
رابعا : ـ الطرح اليهودى للهوية فى إسرائيل: ـ
إذا كنا قد أشرنا لدى تناولنا لكل من الطرح الكنعانى والطرح الصبارى والطرح الإسرائيلى للهوية فى إسرائيل ،إلى وجود بعض نقاط الاختلاف بين كل واحد منها وبين الطرح الصهيونى ، فأننا ينبغى أن نحدد هنا بوضوح أن هذا الاختلاف ليس اختلافا حول المبادىء الأساسية للصهيونية ، ولكنه نوع من التمرد على الصهيونية ، انطلاقا من الرؤية الخاصة بكل هذه الهويات ، بأنه لم يعد هناك مجال لا ستمرار سيطرة الصهيونية على الواقع الجديد فى إسرائيل فى المستقبل . وتنطلق هذه الهويات من أن الصهيونية قد انهت دورها فى تاريخ اليهود المعاصر ، وأنه من الآن فصاعدا يمكن أن تكون إحدى هذه الهويات هى المسئولة عن مستقبل الإسرائيليين ...وتتحدد الخطوط العريضة لمفاهيم و قيم الطرح اليهودى الإسرائيلى العلمانى للهوية فيما يلى:-
ـ التأكيد على وجود أساس مشترك بين اليهود فى دولة إسرائيل ويهود العالم ،وهو طرح تتفق فيه مع الصهيونية ،ولكنها تجعل ركيزة هذا الارتباط التراث والتاريخ والمصير المشترك باعتبارها عوامل تؤثر فى خلق مأثورات روحية فى هذا الشعب.
ـ يرى الطرح اليهودى للهوية ،بمغزاه العلمانى هذا ،أن الانفتاح الزائد للصهيونية تجاه المطالب الثورية فى الجوانب التى تنفرد بها الحياة اليهودية يشكل خطرا.
ـ الارتباط بالماضى الذى يعكس المصير الخاص للشعب اليهودى ،وعلى المأثورات الثقافية التى جمعتها الأجيال.
ـ تجنيب الشعب اليهودى الكوارث التى اجتاحته فى العصر الحديث.
ـ الإسرائيليين هم المنوط بهم بحماية اليهود فى العالم فى هذا الجيل.
ـ للسيادة الإسرائيلية دورا حيويا من أجل التجدد الثقافى اليهودى.
ـ تأكيد الطابع اليهودى للدولة و أنه لا مكان فيها لأى قومية أو ديانة أخرى.
ـ تعتبر أحداث النازية عاملا رئيسيا فى الهوية الإسرائيلية والتى تحولت فى السنوات الأخيرة لتصبح أكثر يهودية و أقل إسرائيلية.
ـ تشكل الحروب التى رافقت التاريخ الإسرائيلى عاملا ذا مغزى كبير بالنسبة لهوية اليهودى الإسرائيلى.
ـ تبنى منهج سلام الردع الذى يرى أن أى تسويات سلمية مع العرب منوطة بقدرة إسرائيل على ردع الطرف الآخر عن خرق هذه التسويات.
ـ حل الصراع العربى ـ الإسرائيلى يكمن فى إقامة دولة يهودية للشعب اليهودى غرب نهر الأردن ،ودولة عربية للشعب العربى شرق الأردن .
ويعتبر الصراع بين المتدينيين والعلمانيين أحد المعالم الرئيسية و الأكثر حساسية بين الصراعات التى تسود المجتمع الإسرائيلى ،بل ويعتبر أقدمها ،حيث كان المتدينون قبل قيام الدولة على خلاف واسع مع العلمانيين داخل الحركة الصهيونية .
و يقوم موقف التيار الدينى إزاء التيار العلمانى على الأسس التالية:-
ـ الثقافة اليهودية ثقافة ذات فرادة خاصة ، تختلف اختلافا جذريا عن ثقافات الشعوب الأخرى،لأن الثقافة اليهودية هى الحقيقة القاطعة ،بينما لا تعتبر ثقافة الشعوب الأخرى ثقافة حقيقية خالصة كما أنها بالطبع ليست أخلاقية مثل ثقافة شعب إسرائيل.
ـ شعب إسرائيل هو الشعب المختار ، تم اختياره من بين سائر الشعوب.
ـ يجب أن تقوم إسرائيل على الشريعة والقانون العبرى حيث أنهما هما اللذان بامكانهما حل جميع المشاكل المعاصرة.
ويقوم موقف التيار العلمانى إزاء التيار الدينى على الأسس التالية:ـ
ـ من المستحيل و لا ينبغى أن نكون مختلفين عن مجتمع الشعوب ،لأن التطور التاريخى يلزم اليهود بالاقتراب من الشعوب المختلفة والنهل من ثقافاتهم.
ـ ليست ثقافة إسرائيل بالأفضل و لا بالأكثر أخلاقية من ثقافات الشعوب،وليس شعب إسرائيل شعبا مختارا ،وليست الثقافة الإسرائيلية بالثقافة النقية بل هى مزيج من ثقافات مختلفة .
ـ لا يمكن لدولة إسرائيل أن تعتمد على الشريعة اليهودية والقانون العبرى ، لأن صلاحيتها كانت مناسبة للماضى ،و لا يمكن الاعتماد عليها فى الحاضر .
هذه هى أطروحات الهوية فى إسرائيل ، والتى مازالت تستند عليها الخريطة السياسية فى إسرائيل ،وتنبنى على أسسها البرامج السياسية المختلفة .دون إجماع عليها من هذا الشعب المصطنع ، والذى جمع من الشتات ليسكن أرض لا يملكها و لاحق له فيها وذلك أستنادا لمحض أساطير لا تلزم أحدا ، وعبر بحار من الدماء وجبال من الجثث والجرحى على جانبى الصراع ، و الثابت أنه لا صلة له بهذه الأرض اللهم إلا مجموعة من الأساطير التى لم يثبتها العلم إن لم يدحضها تماما ، و لا تجمع بين أفراده إلا بطاقات الهوية الدينية بصرف النظر عن إيمانهم الدينى من عدمه .
ففكر الهوية الجماعية عموما يستند إلى أسباب ضعيفة إلا أنها وبرغم تفاهاتها وتهافتها ،فهى جوهر الكثير من الكتابات تافهه المضمون وعميقة المظهر، فكل أفكار الهوية الجماعية هى صناعة حرفية لا علاقة لها بالعلم والحقيقة الموضوعية ، ولا تهدف سوى لتأسيس وتبرير السلطة والدولة ، ولأن الهوية الجماعية فكرة مجردة ليست بنت الواقع ولا الحقيقة بقدر ما هى بنت النظرية والتعسف والتعصب ، فأنه يلزم لها لكى تتجسد فى الواقع الملموس أن تجد من يمثلها فى الواقع من الأفراد الواقعيين ، سواء المفكرين والساسة أوالمؤسسات المكونة من هؤلاء الأفراد مثل الأحزاب وخلافه ، وهؤلاء يجسدون الفكرة واقعيا ، ومن ثم يمارسون السلطة باسمها على نحو استبدادى ينفى كل معارضة حتى من داخل نفس المعسكر ، و يستبعد الآخريين ويضطهدهم باسم الفكرة ، ولعل أهمية عرض الموضوع أنه يثبت مدى تهافت فكرة الهوية الجماعية ، و أننا لكى نفضح هذا التهافت لا يجب أن نقاومه بتهافت بديل ، و انما أن نطرح ما هو صحيح وواقعى و يكشف المصالح الاجتماعية الكامنة وراء ادعاءات الهوية الجماعية المختلفة ، والمصالح الاجتماعية الكامنة ، واء تلك التى وراء رؤى تحررية إنسانية تتجاوز الاستناد للهوية الجماعية أو تلك التى تستند على الهوية الجماعية ، ومن هنا نعرف إلى من ننحاز وفق هذه المصالح لا وفق التهويمات الخيالية .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية