الاثنين، 19 مايو 2008

2 ـ ماضينا المشاعى والعشائرى

العمال والدولة ورأسالمال
2ـ ماضينا المشاعى والعشائرى
سامح سعيد عبود
منذ نحو ثمانية ألف عام، كانت كل المجتمعات البشرية، تقوم على أساس علاقة إنتاج هى المشاعية العشائرية والتى يطلق عليها الشيوعية البدائية، وقد استمرت هذه العلاقة لمئات الألوف من السنين، وفي هذه المجتمعات تكون كل وسائل الإنتاج مملوكة للمجتمع ككل و تستخدم من قبل جميع أفراده، وكان ناتج العمل يتم استهلاكه من كل أفراد العشيرة حسب احتياج كل منهم، وأما الملكية الفردية فمحصورة فى ما يصنعه الأفراد من أدوات لاستخدامهم الشخصى، وقد عرفت هذه المجتمعات العديد من أشكال ممارسة العلاقات الجنسية والأسرية والعديد من قواعد القرابة والنسب، و حيث أن الإنتاجية كانت ضعيفة فلم تكن تسمح بوجود فائض إنتاج يستولى عليه بعض الأفراد دون غيرهم من أفراد العشيرة، وكان جميع أعضاء العشيرة يخضعون للأعراف والتقاليد السائدة بينهم، والتى تكونت بالاتفاق العام عبر أجيالهم المتتالية، والتى لم يكن أحد يجرؤ على انتهاكها، و إلا تعرض لعقاب العشيرة الذى قد يصل للطرد منها، فلم تكن هناك سلطة منفصلة عن أفراد المجتمع، تشرع القوانين و تجبرهم على إطاعة الأوامر بسبب احتكارها لوسائل العنف، ومن ثم فلم توجد فى هذه المجتمعات القوانين والمحاكم التى تعرفها غيرها من المجتمعات، أما الخبرات والمعرفة والحكمة فقد كان يتم تداولها بين أفراد العشيرة شفاهه عبر الأجيال، حيث كان الأقل خبرة ومعرفة وحكمة يتبع الأكثر خبرة ومعرفة وحكمة، وكان تقسيم العمل فيما بين أعضاء العشيرة يقوم على أساس القدرة على إنجازه إذا احتاج العمل لتخصص وخبرة معينة، والقيادة فى العمل الجماعى للعشيرة كانت لامركزية حيث تكون للأكثر خبرة ومعرفة وقدرة وتجربة و الأكفأ، فالمجتمعات المشاعية العشائرية تحدد قراراتها وفق قواعد الديمقراطية المباشرة، ولكن فى نفس الوقت لا تسودها المساواة المطلقة بين أفرادها، حيث تعطى الفرصة للتمايزات بين الأفراد أن تبرز لخدمة العشيرة، و لما كانت المجتمعات المشاعية العشائرية تخلو من تلك السلطة المنفصلة عن إرادة البشر وحريتهم، فأنها كانت تخلو أيضا من استغلال الإنسان للإنسان، و المجتمعات المشاعية العشائرية ظلت تتميز بكونها مجتمعات محافظة، إذ تتغير ببطء نظرا لحالة التوازن والتجانس الداخلى والتكامل بين أفرادها، وهى مجتمعات مقامة على أساس من علاقات القرابة الطبيعية، وليست مقامة على أى أساس سياسى مما شدد من الترابط الاجتماعى والإنسانى بين أفراد هذا المجتمع، ولم تؤسس على أى سلطة سياسية أو دينية، و أما الفرد العادى من أفراد المجتمع المشاعى العشائري فقد كان يشارك بقدر أكبر بكثير فى نظام مجتمعه مما يشارك فيه أعضاء المجتمعات الطبقية الأخرى.[1]
***
عندما زادت الإنتاجية، وتكون لدى العشيرة فائض من الإنتاج، اخذ يستولى عليه شيوخ العشائر و المحاربون و الكهنة، وهكذا عرف البشر الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وعرفوا بالتالى الانقسام لطبقات، عبيد وملاك عبيد، أقنان و سادة ، عمال و رأسماليون، ليبدأ الصراع الطبقى بين البشر، بدلا من الصراع العشائرى القديم فيما بين العشائر المختلفة، ومنذ هذه اللحظة عرف البشر القوانين التى تشرع بعيدا عن إرادتهم، بدلا من الأعراف والعادات والتقاليد، وعرفوا السلطة المنفصلة عن غالبية البشر من الخاضعين لها، والتى تجبرهم على إطاعة هذه القوانين التى تعبر عن مصالح الطبقات المتسلطة، و التى أخذت تشرع تلك القوانين لتقنين استيلاءها على الفائض من الإنتاج، وتحافظ فى نفس الوقت على وضعها المهيمن اجتماعيا.
***
المشاعية العشائرية لم تختف تماما من الأرض، إذ يلاحظ أنه مازالت هناك العديد من الجماعات المشاعية البدائية تتواجد فى العديد من البلاد، وإذا كان لهذه العلاقات جانبان مشاعى وعشائرى فإن جانبها المشاعي يتجلى فى قلب المجتمعات المتقدمة حيث تتواجد جماعات تنتظم على أساس علاقات الإنتاج المشاعية خاصة فى أوروبا وأمريكا الشمالية حيث تسمح الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بذلك، ولكن تلك الجماعات ليست قائمة على أسس العشائرية، و علاقاتها بالمجتمع خارجها فى الحد الأدنى الممكن لتحافظ على استقلاليتها، إلا أنها فى النهاية مجرد جماعات هامشية أنشأها إراديا المتمردين على كل من الرأسمالية والدولة، وهناك إمكانية أن تتوسع تلك الجماعات فى المستقبل لتصبح سائدة اجتماعيا لو توفرت لها الظروف المساعدة. ومازالت المشاعية حلم و برنامج عمل لملايين البشر الذين يناضلون من أجل تحقيقه برغم كل ما لاقوه من الهزائم والفشل والإحباط، وما يواجهونه من مصاعب وتحديات.
***
فى جانبها العشائري فمازالت أثار العشائرية تتجلى فى العديد من العلاقات الاجتماعية غير الإنتاجية، فبجانب أن الكثير من المجتمعات تتكون من عشائر وقبائل، و إن كانت غير مشاعية فى الغالب، فكثير من الحركات السياسية والاجتماعية تقوم على أساس عشائرى فكريا وتنظيميا، وما زالت مظاهر الحياة السياسية المختلفة مثل الانتخابات البرلمانية وغيرها فى العديد من المجتمعات تجرى على أساس عشائرى، كما يتجلى الوعى العشائرى فى الكثير من الأفكار والقيم والممارسات لدى غالبية السكان فى المجتمعات المتخلفة، و يمكنا أن نحكم على كل حركة سياسية أو اجتماعية قائمة على أساس غير طبقى مثل الجنس و القومية و العرق و الدين والطائفة والمذهب والجنسية و الوطن و اللون والعشيرة والقبيلة و الإقليمية و الجهة، بأنها حركات تستند على قيم عشائرية، و هى قيم متخلفة عن الواقع الاجتماعى الحديث القائم على أساس الانقسام حول المصالح الطبقية والاجتماعية وثيقة الصلة بعلاقات الإنتاج الطبقية القائمة.
***
الصراع العشائرى على موارد الغذاء كان يجد مبرره فى كون العشائر والقبائل المشاعية كانت وحدات اجتماعية متجانسة، توحد أفرادها مصلحتهم المشتركة، و لكن مع انقسام المجتمعات البشرية إلى طبقات متناقضة المصالح فقدت المجتمعات البشرية تجانسها الطبيعى، ومن ثم فقد الصراع العشائرى مبرره وفقا لذلك، لكن الطبقات المهيمنة على تلك المجتمعات ظلت تستغل النعرات العشائرية لدى من تهيمن عليهم، لطمس الصراع الطبقى فيما بينها وبينهم، ولتخلق بالقمع والتضليل تجانسا مصطنعا و قسريا للمجتمعات البشرية التى تحكمها، مؤسسة هذا التجانس المصطنع على أوهام الهوية الجماعية الواحدة تلك التى كانت تميز قديما العشائرية البدائية، و استمرارا لهذه الطريقة تستغل الطبقات المهيمنة ميول الانتماء العشائرية والقبلية، والنزعات العنصرية، و كراهية الغرباء والأجانب والمختلفين ، والتى تؤثر سلبيا على تفكيرهم و تصرفاتهم ومشاعرهم، و التى تجعلهم يتعصبون للجماعات المختلفة التى ينتمون إليها،الجنسية و القومية و العرقية و الدينية والطائفية والمذهبية و الوطنية و اللونية و العشائرية و القبلية و الإقليمية و الجهوية، و تجعلهم بالتربية والثقافة والتعليم والإعلام يوجهون طاقتهم العدائية و كراهيتهم للآخرين الذين ينتمون للجماعات الأخرى، بدلا من توجيهها ضد الطبقات المهيمنة عليهم باعتبارها الطبقات التى تقهرهم وتستغلهم وتضللهم، ومن هنا ، فأنها ترسخ القهر والاستغلال الطبقيين، و لا يمكن لمثل هذه الانتماءات الاجتماعية القسرية أن تكون أساس لتحرر حقيقى للبشر من القهر والاستغلال، فالعشيرة البدائية كانت توحدها مصالح أفرادها المشتركة الأمر الذى لا يتوفر فى المجتمعات الطبقية التى لا توحد أفرادها أى مصالح مشتركة حقيقية، بقدر ما توحدها مؤسسات السلطة المختلفة بقهر الجيش والشرطة و تضليل الإعلام والتعليم والثقافة، التى تستغل بجانب القهر والتضليل حب البشر لمن يتشابهون ويتفقون معهم و وكراهيتهم لمن لا يتشابهون و لا يتفقون معهم.
***
لتبسيط الشرح سنأخذ المجتمعات الرأسمالية كمثال ينطبق على كل الجماعات البشرية المختلفة كالعشائر والقبائل والقوميات والأجناس والأعراق والأديان والطوائف الدينية والمذهبية فى المجتمعات الطبقية، فالمجتمعات الرأسمالية تنقسم بالضرورة فى نفس الوقت لطبقة رأسمالية مهيمنة وطبقة عاملة مهيمن عليها، وكلتا الطبقتين فى كل جماعة بشرية من تلك الجماعات السابق الإشارة إليها، وفى كل مجتمع على حدة، وعلى نطاق الكوكب بأسره، واقعتان فى تناقض جوهرى فى المصالح الأولية والنهائية فيما بينهما، إلا أننا لا نجد مثل هذا التناقض الجوهرى بين الجماعات السابق الإشارة إليها التى يتعصبون لها أو يعادونها على السواء، سوى أن الجماعات السابق الإشارة إليها تقع فى تناقضات ثانوية فيما بينها أحيانا، نتيجة تنافس الطبقات الرأسمالية المحلية فيما بينها على الثروة والأسواق والأرباح، وبسبب ذلك التنافس، تجر الرأسماليات المحلية الطبقات العاملة المحلية معها فى هذا التنافس، سواء بالقهر أو بالتضليل أو بكليهما معا، تجر الرأسماليات المحلية الطبقات العاملة المحلية فى صراعاتها و حروبها ضد الطبقات الرأسمالية فى الجماعات الأخرى، وهى صراعات لا ناقة فيها و لا جمل للطبقات العاملة المحلية فى كلتا الجماعتين، إلا أن الطبقات العاملة المحلية هى الضحية التى يربح من دمائها الآخرين. ففى كل حرب غير طبقية، يكسب العسكريون و الساسة المجد، و يحلب الرأسماليون مزيدا من الأرباح، و تخسر الطبقات العاملة المحلية المزيد من حريتها، ويشتد معدل استغلالها، ويكون منها القتلى والجرحى بلا ثمن.
***
تحت شتى دعاوى الانتماء الاجتماعى على أسس غير طبقية، تستطيع الرأسمالية المحلية طمس و تشويه و قمع الصراع الوحيد الجدير أن تخوضه الطبقات العاملة المحلية ضدها، وهو الصراع الطبقى دفاعا عن مصالحها. باعتبار أن العلاقة التناحرية بين الرأسماليين و العمال هى العلاقة الأكثر جوهرية، وتأثيرا فى حياة العمال والذين يتم استغلالهم و قهرهم وتضليلهم بشتى الطرق، هؤلاء الذين لا يملكون فى مواجهة قاهريهم و ظالميهم ومستغليهم من الرأسماليين سوى وحدتهم الإنسانية كبشر، و من هنا فإن أى تحطيم لهذه الوحدة تحت أى مبرر هو نزع السلاح الوحيد الذى يملكه العمال من بين أيديهم.
[1] ـ تحرير أشلى مونتاغيو ترجمة د.محمد عصفور البدائية، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 53 الكويت، 1982

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية