الاثنين، 12 مايو 2008

إفساد التعليم وإصلاحه

إفساد التعليم وإصلاحه
سامح سعيد عبود
كان من المفترض أن يكون التعليم الحديث الذى تم تأسيسه على يد محمد على باشا ،الطريق الذى نعبر منه للاستنارة والحداثة والتقدم بعد صدمة الحملة الفرنسية على مصر ،إلا أن هذا التعليم أصبح الآن وبعد حوالى مئتى عام من بدايته المفرخة الأساسية للجهل و التخلف و الظلامية فى بلادنا جنبا إلى جنب مع وسائل الإعلام والثقافة ، ففيما عدا قلة ضئيلة من المتعلمين عبر كل هذا التاريخ استطاعت التخلص من آثار مناهجه العقيمة ، فإن غالبية أجيال الأفندية الذين تخرجوا من مدارس ومعاهد وجامعات مؤسسات التعليم الحديث كانوا هم أنفسهم قادة ومفكرى وجنود الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية التى أورثتنا سواء كانت فى الحكم أو فى المعارضة حالة التخلف المزمنة التى تعيد إنتاج نفسها على كافة الأصعدة و التى نعانيها الآن ،وبالطبع فإن الوضع لم يكن ثابتا عبر هذا التاريخ ، ففى الحقيقة أن هذا التعليم الحديث فى بدايته كان أفضل مما هو عليه الحال الآن وكان دافعا لدرجة من التقدم والاستنارة فى العديد من الأصعدة حينما كان يتميز بدرجة عالية من التحرر والعلمنة ،على الأقل باعتبار أنه كان فى بدايته متقارب مع أفضل نظم التعليم فى العالم فى ذلك الوقت ، إلى أن العالم تطور من حولنا وظللنا نحن فى طريق التدهور المستمر . فعلى الأقل كان خريجى التعليم الالزامى على قلتهم قديما يجيدون القراءة والكتابة وليسوا أشباه أميين كما هو عليه الحال الآن . والمشكلة ليست كما يفسر البعض لها أدنى علاقة بمجانية التعليم الشكلية فى بلادنا ، ففى الاتحاد السوفيتى السابق ، أنتجت المجانية القصوى و الفعلية والشاملة للتعليم مستويات عالية جدا من المتعلمين شكل أفضلهم ثلث الجماعة العلمية فى العالم من حيث العدد ، والأقدر من حيث الكيف على التنافس من موقع الندية مع الجماعة العلمية فى الولايات المتحدة حتى ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتى .
و لأن موضوع التعليم أكبر بكثير من أن يحاط به فى مقال صغير كهذا المقال فسأركز على بعض النقاط الهامة التى أفسدت التعليم حقا وشكلت معضلة يصعب الخروج منها .
لا شك أن أسوء ما فى مناهج التعليم هو إضفاء الطابع الأيديولوجي الدعائى بل والتضليلى أحيانا ليس عبر مواد التربيتين القومية والدينية فقط بل عبر دراسة كل العلوم الاجتماعية والإنسانية سواء فى التعليم العام أو الجامعى وحتى فى الدراسات العليا ، فقد رسخت هذه الطريقة اللاعلمية كما هائلا من الأساطير والخرافات فى وجدان المتعلمين فى بلادنا لا يمكن انتزاعها بسهولة حيث اختلطت بالحقيقة العلمية وشوهتها فى ذهن الطالب ، و قد كانت تلك الأدلجة خصوصا الدينية والقومية وراء عدم قدرة معظم هؤلاء المتعلمين على التوصل للإجابة الصحيحة عن ما هى الأسباب الفعلية لتخلف مجتمعاتنا ومن عجزهم على مواجهة هذا التخلف وتجاوزه ، فعلى سبيل المثال أنتج التصوير المثالى و الأحادى الجانب وغير النقدى للحضارة الإسلامية بل و مجمل حضارات المنطقة ما قبل الرأسمالية ، مع إغفال دراسة الحضارات الأخرى ، أجيال تفكر وتسلك فى أمور الحياة العامة مثلما يفكر ويسلك سليل عائلة مالكة فقدت عرشها ونفوذها وثروتها بسبب من فسادها وعجزها على التطور ، فأخذ يتسول الناس فى الشوارع سابا ومحقرا إياهم و مذكرا إياهم بأنه الأعلى منهم مهما تفوقوا عليه بل ومهما تصدقوا عليه ، متمنيا أن يعود إليه العرش والنفوذ والثروة عبر ترديده للأمجاد الزائفة أو المبالغ فيها لعائلته.
فالطالب لدينا لا يتعلم أن أى حضارة ما قبل الحضارة الرأسمالية العالمية أصبحت لا تساوى سوى كونها مجرد تاريخ فى العصر الحديث ، و لا تدنو منجزاتها مهما عظمت مما وصلت إليه البشرية المتقدمة خلال الخمسمئة عاما الماضية بأى حال من الأحوال، فالمتعلمون لدينا يترسخ فى أذهانهم عبر نظام تعليم أقرب للغوغائية ، أنهم الأفضل طالما كان أجدادهم الأفضل برغم وضعهم المزرى فى الوقت الراهن ، ومن ثم كيف ندفع مثل هؤلاء الناس العائشين بعقولهم فى الماضى للتقدم و الاستنارة و معايشة العصر طالما أخذنا نملئهم غرورا وزهوا بمجد أجدادهم الغابر و دون أن نطلعهم على السبب الحقيقى وراء وضعهم الحالى ، و الكامن فى حقيقته فى عيوب الذات وليس فى تآمر الآخر ، و دون أن يتعلموا إن الاستعمار نتيجة وليس سببا للتخلف بأى حال كما تروج المدارس القومية / الدينية .و أن بنية النظام السياسى الاجتماعى الاقتصادى الثقافى فى مجتمعات البلاد المتخلفة التى تم استعمارها كانت عاجزة عن التطور بسبب من طبيعتها نفسها على عكس البنية السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية فى الدول المتقدمة التى استعمرتها .
تعتمد طريقة التدريس عندنا على المنهج الكتاتيبى فى تدريس كل العلوم حتى العلوم الطبيعية، حيث يتم تلقين المعلومات كما تلقن العقائد والنصوص الدينية ، دون أدنى اهتمام بتكوين العقلية العلمية لدى الطالب ، و من ثم يكون مقياس التفوق فى مثل هذا النظام هو حفظ هذه المعلومات والقدرة على استرجاعها فى يوم الامتحان دون أدنى استيعاب لها ، ومن ثم أصبحت الكليات العلمية هى معاقل الجماعات الإسلامية فى مصر ، فهؤلاء المتفوقون دراسيا يحفظون قوانين الفيزياء ومعادلات الكيمياء مثلما يصمون نصوص القرءان والسنة دون امتلاكهم القدرة على التفرقة بين طبيعة كل من النص الدينى و القانون العلمى ، واختلاف المنهج القائم وراء إنتاج كل منهما ، فأتى لنا مثل هذا النظام بأمثال الطبيب "أيمن الظواهرى" والمهندس الزراعى "شكرى مصطفى" والمهندس "عبد السلام فرج" ، و قد تدهور الوضع بعد جيل د. على مصطفى مشرفة و د.طه حسين و د. لويس عوض و أمثالهم ليصبح أهم ما يشغل الكثير من أفراد الجماعة العلمية لدينا هو الإثبات المتهافت للإعجاز العلمى للقرءان والسنة ، و إثبات تفوق النظم الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على ما سواها من نظم ، مثلما انخرطت غالبيتهم فى الستينات فى إثبات تفوق الاشتراكية العربية على ما سواها من نظم . فالنظام التعليمى لم يفرق من بدايته بين طبيعة العقيدة الدينية وطبيعة نصوصها المقدسة ،وطبيعة الحقائق العلمية ومناهج اكتشافها وتطبيقها ،والفرق بين طبيعة الأيديولوجيا وطبيعة العلم ، وخلط بين كل هذه المجالات فانتهى لتشويها جميعا.
كان مما أفسد التعليم بدأ من الخمسينات ، أن أصبح معيار انتقال طالب من مرحلة تعليمية لمرحلة أخرى ،هو مقدار ما حصل عليه من درجات فى امتحان شهادة نهاية تلك المرحلة المعتمد على اختبار ما تم شحن الطالب به من معلومات مطلسمة بلا فهم ، و كيفيه افراغه لما حفظ منها فى ورقة الأسئلة ، ثم تتجلى سخافة هذا الطريقة فى الثانوية العامة حيث يتحدد مصير الطالب المهنى وفق ما حصل عليه من درجات فى هذا الامتحان فربع درجة قد تجعل مصيرك إما مهندسا أو طبيبا ، مما أدى لظاهرة الدروس الخصوصية والتى كانت فى بدايتها محدودة فى بعض المواد و فى الشهادات العامة ، حتى تفاقمت فى السنوات الأخيرة لتشمل كل المواد وكل السنوات الدراسية ، واستنزفت السيولة النقدية فى السوق المصرى ، وقضت على أى معنى للمجانية الزائفة ، وشكلت وعيا سائدا غريبا يقدر الكلية بمقدار ما تستلزمه من درجات دون اعتبار للميول والقدرات الفردية للطالب ورغباته ،وما يحتاجه سوق العمل من مهارات ، فالمهم هو الحصول على الشهادة التى يتم تقييمها بمجموع ما دفع فيها من درجات ، ومن ثم فقد تطورت الدروس الخصوصية من مجرد الشرح الإضافى للمنهج للطالب إلى مجرد تعليمه كيفية الإجابة النموذجية للأسئلة المتوقعة فى الامتحان ، وكيفية حصد أعلى الدرجات الممكنة فى الامتحان بأدنى درجة من استيعاب للمنهج .
وكان من أسباب بداية ظاهرة الدروس الخصوصية فضلا عن ما سبق ذكره ، هو انخفاض مرتبات المدرسين التى لا تكفيهم الحد الأدنى من الحياة ، فلجئوا للدروس الخصوصية فى البداية لسد الفرق بين المرتب وتلبية الاحتياجات حتى تطور الوضع حاليا لتصبح مهنة التدريس هى الأكثر جلبا للدخل وتكوين الثروات من مهن الطب والهندسة والمحاماة.
أما عن الحل الذى يمكنا طرحه لهذه المعضلات فهو كالتالى :
الاستقلال الكامل لكل مؤسسات التعليم عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والإدارية ومن ثم تحويلها للنظام التعاونى لصالح العاملين فيها على أساس قواعد حق الانتفاع الجماعى غير القابل للتوريث.
ضمان حق كل فرد فى التعليم دون أى معوقات سوى الكفاءة الشخصية والاستعداد العقلى للفرد مما يعنى إزالة كل المعوقات الأخرى التى تحول بين الفرد وتمتعه بهذا الحق.
ضمان إلزامية التعليم ما قبل الجامعى لجميع من هم فى سن التعليم و ضمان مجانيته لغير القادرين ، وتحديد تكلفته لكل طالب على حدة بما يتناسب و دخل ولى أمره القانونى ، مع ضمان المساواة الكاملة بين الطلاب فى نفس مستوى التعليم الذى يتلقوه بصرف النظر عن القدرات المالية لذويهم من خلال نظام التأمين التعليمى
ضمان نفس الحق للمتعثرين فى استكمال تعليمهم حتى سن 16 عاما و لذوى الظروف الخاصة التى تعوقهم ظروفهم الجسدية والعقلية عن الاستمرار فى المدارس العامة بتلقى القدر من التعليم الذى يتناسب و تلك الظروف أو ذاك التعثر و يساعدهم على الاعتماد على أنفسهم فى المستقبل .
مقاومة التسرب من التعليم بتغليظ العقوبة لتكون رادعة على كل ولى أمر يتسبب فى ترك المشمول بوصايته للتعليم سواء أكان ذكرا أم أنثى قبل بلوغ سن 16 سنة ، و تشديد العقوبات وتغليظها فى حالة العود والاعتياد.
ضمان جعل التعليم العالى ميسورا للجميع على أساس الكفاءة وحدها بكل الوسائل المناسبة ، وضمان مجانيته للأكفاء فقط من خلال نظام المنح التعليمية لدعم الطلاب والطالبات الأكفاء من خلال نظام التأمين التعليمى و بالتالى ضمان المساواة الكاملة بين الطلاب والطالبات فى نفس مستوى التعليم الذى يتلقوه بصرف النظر عن القدرات المالية لذويهم .
التشجيع بكل السبل لتحصيل التعليم العام من خلال تكثيفه بقدر الإمكان بالنسبة للأشخاص الذين لم يحصلوا عليه كاملا أو حصلوا عليه ناقصا من خلال برنامج فعال تشارك فيه كل مؤسسات المجتمع ومن خلال فتح مؤسسات التعليم العام مجانا لهم فى غير أوقات الدراسة .
إلغاء كل من التعليم الدينى و التعليم العسكرى و التعليم الفنى و التعليم النوعى ما قبل الجامعى ، و ذلك بهدف توحيد التعليم لكل الطلاب والطالبات فى سنوات التعليم العام ما قبل الجامعى
ضمان توفر دراسات مهنية وفنية و نوعية متخصصة لكل الطلاب والطالبات حسب استعدادهم وقدراتهم ورغباتهم
قصر التعليم العسكرى على الكليات والمعاهد العسكرية التى تعد المتخصصين فى هذه المجالات
قصر التعليم الدينى على المعاهد التعليمية الدينية التابعة للجماعات الدينية والعقائدية .
قصر تعليم المواد القومية اللغة القومية والأدب القومي والثقافة القومية والتاريخ القومي على المعاهد التعليمية القومية التابعة للجماعات القومية والثقافية .
الهدف من العملية التعليمية يجب أن يكون التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية وللإحساس بكرامتها وخلق العقلية الإنسانية التى تحترم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والقدرة على الاشتراك بفاعلية فى مجتمع حر وتعزيز قيم التفاهم والتسامح والسلام والحرية والمساواة والإخاء بين كافة البشر و تقدير قيم العلم و العمل و الإبداع وسائر المثل الإنسانية العليا ، فضلا عن التمتع بالعقلية العلمية والأخلاق الغيرية والسلوكيات العملية .
تشمل مناهج التعليم العام على كل من المنهج العلمى فى التفكير و أساسيات المعرفة الإنسانية فى العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية و تاريخ الحضارة الإنسانية و التاريخ السياسى والاجتماعى والاقتصادى الإنسانى و تاريخ وتذوق الفنون والآداب الإنسانية و الأخلاق وحقوق الإنسان وتاريخ الأديان و الثقافات .
إزالة كل ما يرسخ أى أفكار عنصرية أو متعصبة ضد المختلفين و الآخرين فى المناهج ذات الصلة.
إحداث تغيرات جذرية فى مناهج الدراسة و طرق التدريس و طرق قياس الكفاءة و المهارة للطلاب والإعداد المناسب لمؤسسات التعليم و القائمين بالعملية التعليمية وبما يتناسب مع ظروف محدودية الموارد و الثورة التكنولوجية و العلمية المطردة بما تقدمه من فرص هائلة للتعلم وعلى نحو رخيص فى نفس الوقت .
إنهاء أسلوب الكتاب المقرر و الامتحانات التى تعتمد على قياس القدرة على الحفظ والتلقين ،واعتماد أسلوب البحث العلمى عن المعرفة لا أسلوب تلقين المعرفة باستخدام المكتبات العامة و الكومبيوتر و الانترنيت و وسائل الإيضاح و المعامل والورش واعتماد أسلوب المناقشات النقدية والحرة والمساجلات الفكرية و القيام بالأبحاث و التجارب العملية و غيرها كوسائل أساسية للتعلم
قياس قدرات طالب العلم على التحليل والتركيب والربط والابتكار والإبداع ونقد و فحص الأفكار ومدى الالتزام بالمنهج العلمى فى التفكير و القدرة على البحث واكتشاف حلول المشكلات العملية كمعايير أساسية للكفاءة .
اعتماد اليوم الدراسى الكامل و إنهاء أسلوب الامتحانات التقليدية فى مقابل تقدير مستوى الطالب بناء على أداءه خلال العام الدراسى بأكمله وبما أنجزه من نشاط و ما قام به من أبحاث وتجارب و ما شارك فيه من مناقشات .
الاستفادة من المنشئات التعليمية فى غير أوقات الدراسة و بعد اليوم الدراسى كأندية رياضية و ثقافية للربط بين المؤسسات التعليمية و المجتمع متمثلا فى جماهير الأحياء القريبة مقابل أثمان مناسبة لزيادة دخل تلك المؤسسات من أجل تطوير إمكانياتها التعليمية ، ومن أجل عمليتى التعليم المستمر و تعليم الكبار .
الربط بين مؤسسات التعليم المختلفة و مؤسسات الإنتاج و الخدمات المختلفة فى إطار برامج مشتركة للتدريب والبحوث والتعاون المشترك فيما يفيد الطرفان من أجل تحسين الأداء سواء للعملية التعليمية أو لتطوير الإنتاج و الخدمات .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية