الجمعة، 9 مايو 2008

المهمشون و كيف تساعدهم التعاونيات

المهمشون و كيف تساعدهم التعاونيات
سامح سعيد عبود
المهمشون أكتسبوا اسمهم لأنهم يعملون على هامش الاقتصاد، و يتواجدون على هامش الحياة، و المهمشون هم من لا يعلم لهم دخل محدد، ولا تعترف لهم الدولة بوضع قانوني؛ ومن ثم لا تمنحهم أي تأمين اجتماعي أو صحي. منهم الباعة الجائلين فى الشوارع و الأسواق، و عمال التراحيل، والعمال فى القطاع العائلى، وعمال اليومية والمواسم، والعمالة غير الماهرة، و خدم المنازل ومن فى حكمهم من العمالة المعاونة، والعمال غير الثابتين فى المنشئات الكبيرة، والعمال الأطفال، فضلا عن الذين يحترفون حرفا ومهنا خدمية أو إنتاجية مختلفة، و لكنهم فى نفس الوقت لا يملكون منشئات يمارسون عبرها حرفهم ومهنهم، وقد يملكون بعض أدوات عملهم أو لا يمتلكونها، فهم يعملون بالقطعة أو اليومية أو بالساعة أو بالمهمة، أو فى المواسم ، وقد يعملون فى منازلهم أو فى المنشئات الصغيرة ، يضاف إلى كل هؤلاء المتعطلون عن العمل، وباختصار فأن المهمشون هم ذلك القطاع من الطبقة العاملة غير المنظم ولا المستقر، والذى يعمل غالبا فى القطاع غير الرسمى من الاقتصاد، و قد ينحدر بعضهم لعالم التسول و الاعتماد على إحسانات الخيرين من الناس، أو التشرد، أو ارتكاب بعض الجرائم.
والاحصائيات الرسمية فى مصر تقدرهم ب 7مليون يضاف إليهم 2 مليون متعطل عن العمل، ولكن هذه الأرقام أدنى بكثير من الأرقام الحقيقية، فإذا كان من هم فى سن العمل من 15: 65 يشكلون 64% من عدد السكان البالغ 70 مليون، و من ثم فأنهم يتجاوزون ال44 مليون، و فى نفس الوقت فإن العمالة المنظمة والمستقرة فى الحكومة والقطاعين العام والخاص تبلغ حوالى 11 مليون، وهناك 7 مليون طالب تقريبا فى سن العمل، وإذا كان الحرفيين والمهنيين وتجار التجزئة الذين يملكون منشئات أو مشاريع صغيرة لا يزيدون عن 3 مليون، والفلاحيين الذين يملكون أرضا لا يزيدون جميعا عن ال 3 مليون فضلا عن الرأسماليين بما فيهم الذين يعتمدون على الدخول الريعية لا يزيدون عن المليون، فأننا أمام حقيقة جلية هى أن الغالبية من السكان فى مصر مهمشين، حتى لو حذفنا أيضا المتقاعدين عن العمل وهم فى سن العمل، والنساء غير العاملات بإرادتهن اللواتى يشكلن أقلية بالنسبة للنساء العاملات. و تبقى لنا ملاحظة مهمة، و هى أن قطاعا كبيرا من العاملين المستقرين والمنظمين بالحكومة والقطاعين العام و الخاص، ونظرا لأجورهم المتدنية و أوضاعهم الوظيفية، يشاركون المهمشون أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، وأعمالهم و طرق الحصول على دخولهم كنوع من الازدواج فى الوضع الاجتماعى.
هناك واقع جديد يتحقق أمام أنظارنا، وأسبابه لا تكمن فى سياسة الدولة القومية التى هى تعبير عن الضرورات الحاكمة فى الاقتصاد العالمى، وليست مجرد تعبير عن مصالح النخبة الحاكمة المحلية، كما يحاول أن يوهمنا البعض من الذين يصدروا خطابا غوغائيا لجذب تأييد الجماهير لهم، هؤلاء الذين يدعون بأنهم يملكون الحل الناجع للمشكلة عبر الدولة القومية، لو اتيحت لهم فرصة حكمها، وحل المشكلة فى النهاية لا يكمن فى سلطة الدولة أى دولة،حيث أن جذورها تمتد خارج نطاق الدولة.
تكمن أسباب الظاهرة فى تغيرات حدثت فى الواقع الاجتماعى الاقتصادى العالمى، يتجلى فى خضوع الحكومات لديكتاتورية سوق الأموال العالمية، وهى ديكتاتورية تغل يد الدولة عن مواجهة المشكلة التى تهدد وجودها ذاته، هذا الواقع يؤدى إلى تضخم التهميش فى العالم كله على نحو مضطرد، سواء أكان هذا بارتفاع نسب البطالة، أو ارتفاع نسب العمالة غير المستقرة و لا المنظمة بالنسبة للعمالة المستقرة و المنظمة، إلا أن المهمشون عموما تزداد نسبهم فى الريف عنهم فى المدن، و تزداد نسبهم فى البلاد المتخلفة عنهم فى البلاد المتقدمة.
ولعل من أهم أسباب تضخم التهميش هو الأتمته الصناعية التى أدت إلى الحد الكبير من العمالة المستقرة والمنظمة، فالمصانع التى كانت تحتاج إلى الكثير من العمال أصبحت تعمل تماما وبقدرة وبدقة أعلى بكثير بعدد عمال يعد على الأصابع، ومن ثم تتقلص العمالة فى المنشئات الكبيرة التى تتطلب الانتظام والاستقرار لصالح تضخم العمالة فى المنشئات الصغيرة التى لا تتطلب الانتظام والاستقرار، و لا مجال بالطبع للعودة لتكنولوجيا أقل تطورا وأقل إنتاجية. لكى توفر فرص عمل لتشغيل المزيد من العمال، و لن يقبل الرأسماليون، و لن تتحمل مشاريعهم التى تعانى من الركود أصلا تقليل ساعات العمل للعامل لاتاحة الفرصة لتشغيل المزيد من العمال، بل أن ما يحدث فعليا هو استغلال الرأسماليين لظروف البطالة والتهميش المتصاعدة لتشغيل العمال المستقرين عدد ساعات عمل أكثر مما هو قانونى، و إلا فإن مصيرهم يكون الطرد من العمل لو رفضوا، و الرأسماليون ليسوا فى حاجة لتشغيل المهمشون بل أنهم يضخمون فى حجمهم باستمرار، و ذلك بطرد المزيد من العمال المستقرين والمنظمين لديهم و دفعهم إلى عالم التهميش، و المهمشون فى نفس الوقت لا يستطيعون الضغط على هؤلاء الرأسماليين من تجار ومقاولين الذين قد يرتبطون بالعمل معهم على نحو مؤقت أو موسمى، من أجل تحسين ظروف حياتهم وعملهم لأنهم مجرد أفراد فاقدين للفاعلية، كونهم غير مترابطين أو لا موحدين و بلا أى تنظيم نقابى، ومن ثم فهم القطاع الأكثر بؤسا وضعفا فى الطبقة العاملة.
ومن ناحية أخرى فأن الظروف الاقتصادية الجديدة تحد من قدرة الدولة على تشغيلهم فى تكايا الحكومة و وسايا القطاع العام كبطالة مقنعة، حتى و لو ظلت متدنية الدخل، حيث أن لدي الدولة ما يكفيها منهم، وهو الحل الذى يطرحه أنصار رأسمالية الدولة أو أنصار اشتراكيتها فلا فرق واضح بينهما، هؤلاء الداعيين لتوسيع القطاع العام والدفاع عن وجوده فى مواجهة الخصخصة، هؤلاء المتيمين بفكرة الدولة القوية المتدخلة بقوة لصالح العناصر الضعيفة اجتماعيا، كى تستعبدهم على نحو جماعى فى النهاية، وتشترى ولائهم باعتمادهم عليها،وتفقدهم القدرة على الدفاع عن مصالحهم بأنفسهم، و فى نفس الوقت ولأن المهمشون غالبا ما يمارسون عملهم فى الاقتصاد غير الرسمى فأنهم أضعف من أن يضغطوا على الدولة أو على أصحاب العمل، من أجل فرص عمل وحياة كريمة، حيث لا يمكنهم أن يمارسوا الاضراب والاعتصام وشتى أشكال الضغط الجماعى المنظم، حيث لا توجد لديهم نقابات تدافع عن مصالحهم أو قادرة على تنظيمهم. وهذا يسقطهم فى شباك شراء ولائهم من قبل البرجوازية سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
يشكل المهمشون بوجودهم المتضخم وضعا مفيدا للغاية للطبقتين الرأسمالية والبيروقراطية،وضار جدا بالطبقة العاملة المستقرة والمنظمة، فالمهمشون فضلا عن بؤسهم المدقع أحيانا، تعانى غالبيتهم الساحقة من تدنى مستويات تعليمهم التى تصل للأمية، و تخلف وعيهم الاجتماعى والسياسى، واعتماد بعضهم على احسانات الطبقات الأغنى، وهذا يضعف من احساسهم بالكرامة و الأهمية، فضلا عن تفاهة معظم ما يمارسونه من أنشطة، و ضعف ما يضيفونه من قيمة مضافة إلى الاقتصاد، وهذا يقلل من وعيهم بالقهر و الاستغلال الواقع عليهم، ويعرقل ويشوه وعيهم الطبقى، ومن هنا يسهل على من يملك المال أو السلطة أن يشترى أصواتهم فى أى انتخابات، أو يرغمهم على اعطائه أصواتهم، أو يخدعهم و يجرهم وراءه ويستغلهم لتحقيق مصالحه، فيمكن لأى غوغائى فاشى معارض أو فى الحكم أن يحشدهم ورائه، شرط أن يغازل تحقيق أحلامهم ويجيد مخاطبة غرائزهم.
ومن هنا فالمهمشون يستخدمون فى مواجهة تحركات الطبقة العاملة المنظمة والمستقرة ككاسرى اضرابات أو مخربين فى الاحتجاجات العمالية والسياسية عموما، وأخيرا فإن وضعهم الاجتماعى يضعف أساسا من قدرة الطبقة العاملة المنظمة والمستقرة على المساومة الجماعية مع أصحاب العمل،فأمام التهديد بإحلال المهمشون بدلا منهم يضطر العمال المنظمين للقبول بشروط أسوء للعمل من حيث تخفيض الأجور الحقيقية، و زيادة عدد ساعات العمل وغيرها. ومن هنا لن تستعيد الطبقة العاملة قدرتها على النضال الاقتصادى،و قوتها السياسية،التى تآكلت فى ظل الظروف الجديدة، إلا بتخفيف ضغط المهمشون من على كاهلها.
يمكن للحركة التعاونية أن تحرر المهمشين من وضع تهمشهم المزرى، ومن عوزهم وضعفهم ،حيث يمكن أن تمنحهم القوة فى مواجهة الدولة ورأسالمال، وتحميهم من إهدار كرامتهم وحريتهم، وفى نفس الوقت يمكن أن تخفف من على كاهل الطبقة العاملة المستقرة والمنظمة ضغط تضخم حجم المهمشين على قدرتها النضالية.
و لابد أن تعتنى الحركة التعاونية بهذا الخصوص، برفع المستوى التعليمى والثقافى للمهمشين فتحررهم من الجهل، و تحول العمال غير مهرة منهم لحرفيين ومهنيين وعمال مهرة عبر برامج تعلمهم الحرف والمهن المختلفة، فضلا عن الارتقاء بالمستوى المهنى والحرفى للمهنيين والحرفيين منهم، كل هذا بالتوازى مع إيجاد فرص عمل منتج حقيقى لهم يغرسهم فى الاقتصاد الحقيقى، و ينقلهم من هامش المجتمع إلى مركزه، وذلك عبر تعاونيات متكاملة الأنشطة حيث تقوم بإنتاج السلع و تقديم الخدمات المختلفة بأسعار أقل مما تبيعه المشروعات الرأسمالية لضمان التفوق فى المنافسة معها، فضلا عن أداءها فى نفس الوقت لأنشطة خدمية واستهلاكية وتأمينية وائتمانية وتعليمية واجتماعية وتثقيفية لأعضاءها على النحو المذكور فى مقالاتى السابقة.
إذا كان تمويل تلك التعاونيات هو أكثر المشاكل التى تقابلها عند تشكلها، فأن حل تلك المشكلة يكمن فيما يلى:
أولا طبيعة تكامل أنشطة التعاونية التى تضمن تمويل ذاتى دائم لها عبر صناديق الإدخار و التأمين الخاصة بالتعاونيات كأحد أنشطتها، فضلا عن شرط المساهمة فى رأسالمال للحصول على عضويتها، و تشجيع الناس على الانضمام لتلك التعاونيات بالمساهمة فيها بحصص من رأسالمال كى يمكنهم العمل فيها أو يمكنهم الاستفادة من خدماتها المختلفة.
ثانيا فى ضوء ضعف التمويل الذاتى للتعاونيات فإن البدايات فى الأنشطة الإنتاجية والخدمية يمكن أن تتركز على أنشطة لا تحتاج لرأسمال كبير بقدر ما تحتاج لقوة العمل كبعض الصناعات الحرفية فى مجال المطرزات و المشغولات الفنية، و بعض الخدمات كصيانة الأجهزة المنزلية التى لا تحتاج إلا لبعض المواد الخام و بعض الأدوات والوسائل الإنتاجية البسيطة، أو البدء فى المشروعات مما يسمى بجمعيات اليد العاملة التى لا تحتاج لأى رأسمال بقدر ما تحتاج لتنظيم العمال، و تعاقدهم الجماعى مع أرباب الأعمال خصوصا فى مجالات المقاولات، مع العمل على دفع عجلة التطور والنمو لتحقيق تراكم كاف لرأسالمال من تلك المشاريع لكى تنتقل الحركة التعاونية للمهمشين إلى مجال الصناعات الصغيرة التى لا تحتاج لرأسمال ضخم، و هى تشكل طيف كبير جدا من المشاريع مثل الصناعات الغذائية و الملابس الجاهزة و صناعات البلاستيك و الجلود والتغليف والتعبئة والتجميع وغيرها.
وأخيرا فأننا لا ينبغى أن نهول من مشكلة التمويل فى ضوء مغامرة عشرات الألوف من شباب العاطلين المصريين سنويا ببيع بعض ممتلكاتهم أو ممتلكات ذويهم الصغيرة ليدفعوها لعصابات الهجرة السرية لأوروبا حيث يتعرض هؤلاء الشباب إما إلى الموت فى عرض البحر أو الترحيل من على الشواطىء الأوروبية، فهل يمكنا أن نساعد من يفكر من هؤلاء الشباب بتلك المغامرة بتنظيمهم فى جمعيات تعاونية إنتاجية يستثمرون فيها نقودهم القليلة ومهاراتهم المختلفة ، ويضمنون عمل حر فى بلادهم بدلا من تلك المغامرة غير المأمونة.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية