ملاحظات أولية على الاستقلال الوطنى
ملاحظات أولية على الاستقلال الوطنى
سامح سعيد عبود
بداية أحب أن أضع أمام القارئ الحقائق الآتية:-
*أن دور الدولة القومية المباشر فى عملية الإنتاج استنفد قدراته فى كل من تطوير قوى الإنتاج ، وحل أزمات ومشكلات النمو الرأسمالى ، بل و أصبح معوقا أمام تطوير تلك القوى ، بعد ما كان الوسيلة المثلى لكل البورجوازيات المأزومة والعاجزة والضعيفة لحل مشكلاتها مع هذا النمو ، فى الفترة من أوائل القرن التاسع عشر إلى بدايات السبعينات من القرن العشرين ، وذلك فى اشتراكيات الدولة ثم الاشتراكيات الديمقراطية ، وأنظمة التحرر الوطنى عبر العالم بأسره . والسبب فى أن دور الدولة القومية استنفذ قدراته ، حيث أن الرأسمالية تحولت لطور جديد من أطوار تطورها العديدة . يتميز من ضمن ما يتميز بذبول وضعف دور الدولة القومية المباشر . والكوكبية المتزايدة لكل عمليات الإنتاج . بعد ما كانت الرأسمالية الاحتكارية القديمة تتميز بازدهار وقوة دور الدولة القومية المباشر فى نفس العملية ..ولذلك شهدت المرحلة الاحتكارية ازدهار الحركات السياسية المرتبطة بمفهوم الدولة القومية خلال مما يزيد عن المائة عام السابقة على الثمانينات من القرن العشرين ، ولاشك أن تفسير هذا الازدهار تجده فى الاحتياج الموضوعى لدور الدولة القومية المباشر فى حل أزمات النمو الرأسمالى المختلفة ، كما نجد تفسير أزمة هذه الحركات وتلاشى بعضها منذ الثمانينات بالاحتياج الموضوعى أيضا لتدمير دور الدولة القومية المباشر فى عملية الإنتاج. وكان السبب فى ذبول هذا الدور هو الحرية التى منحتها دول العالم لتنقل رؤوس الأموال عبر العالم مما خلق نوعا من ديكتاتورية سوق المال التى تعلو على سلطات كل الدول التى ترغب فى بقاء أو جذب رؤوس الأموال داخل حدودها القومية. و أصبحت السياسات الاقتصادية لشتى الحكومات تتحد بالقدرة على جذب الاستثمارات والرضوخ لإرادة من يملكها بالإعفاءات الضريبة والجمركية وغيرها . مهما كانت النوايا الطيبة للحكومات فى الدفاع عن مصالح الطبقات العاملة والفئات الضعيفة فى المجتمع الذى لا يعنى سوى زيادة الإنفاق العام الممول من خلال زيادة الضرائب الأمر الذى سينفر رأسالمال الحر الذى تجذبه الجنات الضريبية حيث لا ضرائب أو مخفضة للغاية على عائدات التملك .
* التدويل الكامل للقسم الأعظم والأكثر أهمية من عملية الإنتاج والتوزيع والتبادل من خلال الشركات متعدية الجنسية العملاقة ، والتى تسيطر على 76%من الإنتاج العالمى ، وهى التى تعمل وتمارس نشاطها بنفس الآلية الذى يعمل بها القطاع الخاص المحلى أو أى منشأة رأسمالية أخرى . من حيث السعى إلى المشروعات القصيرة الأجل ذات دورة رأس المال القصيرة ، حيث يجمع الجميع هدف واحد هو تحقيق أعلى معدلات للربح بأقل تكلفة ممكنة ، دون العناية لا بالتنمية ولا بالإنتاج فى حد ذاتهما . وهو ما أعطى المضاربة على العملات والأوراق المالية الأولوية فى الاستثمار مما أضر بالرأسمال الحقيقى على مستوى العالم ، وكبح التطور الإنتاجى .
* الحقيقة أن البورجوازية المنتجة أى ملاك المصانع والمزارع الرأسمالية يستفيدون أكثر من أوضاع الترابط مع الرأسمالية العالمية ، وإن حرمانهم من إمكانيات السوق العالمى تعنى حرمانهم من وسائل الإنتاج الأكثر تطورا ، ومن ثم من الربحية الأعلى الناتجة عن الإنتاجية الأعلى ، التى يحققونها كشركاء للرأسمال العالمى، حتى القطاعات التى تتضرر من هذه العملية مؤقتا بسبب أوضاعها الاحتكارية وشبه الاحتكارية فى سوقها القومى ، سرعان ما ستحول معارضتها هربا من الإفلاس إلى التكيف مع الأوضاع الجديدة بالاندماج فى الرأسمال العالمى.
*أنه لا يمكن لأى سلعة الآن أن تنتج ويتم تبادلها إلا على مستوى العالم حتى تحقق أكبر كفاءة ممكنة ..حتى السلع التى تنتجها البورجوازية الصغيرة كالمحاصيل الزراعية والمنتجات الحرفية ، فأن تحقيق كفاءة أعلى وإنتاجية أفضل . يستوجب العالمية لإنتاجها للاستفادة من التقنيات العالمية والسوق العالمية وليس المحلية.
*لا تناقض بين كل من الصراع بين الدول الرأسمالية المتقدمة ، وبين حقيقة هيمنة رأس المال الكوكبى الذى يتجسد فى حقيقة مجلس إدارة العالم المسمى بقمة السبعة الصناعية ، وهيمنة صندوق النقد الدولى والمؤسسات المالية الدولية على سياسات كل حكومات العالم . فهناك وحدة وصراع داخل نفس الظاهرة المسماة بالكوكبية . فكما تتنافس المؤسسات الرأسمالية . ومن ثم الأحزاب البورجوازية داخل كل بلد على حدة ، إلا أننا لا نستطيع القول إلا بوحدة ملاك هذه المؤسسات كطبقة رغم تنافس أفرادها ومجموعاتها فيما بينهم.
*أن البيروقراطية والفساد والاستبداد السياسى وضعف الكفاءة الاقتصادية كانت أبرز سمات كل التجارب الاشتراكية والعلمية فى الشمال والجنوب ، وفى الشرق والغرب ، فضلا عن الضرورة الموضوعية التى أسقطت كل هذه النظم ، بسبب التناقض بين الإنتاج عبر الدولة القومية والسوق القومى وبين كفاءة إنتاج السلع وتسويقها عبر العالم ، وهو ما أجبر البيروقراطية السوفيتية على التخلى عن سلطتها وامتيازاتها ، رغم أن هذا الاقتصاد كان الأعظم من كل اقتصاديات العالم فى التمتع بالاستقلال عن السوق الرأسمالى العالمى ورغم أن الدولة السوفيتية كانت أقوى وأشمل دولة عرفتها البشرية من حيث هى جهاز سياسى لإدارة المجتمع ، فقد خنق هذا الاقتصاد المستقل بحصار القوى المعادية له خارجيا ، رغم تمتعه بالاستقلال عنها ، وانهار على اتساع سوقه القومى .
* إننا إذا وضعنا فى الاعتبار إن الاندماج فى الاقتصاد العالمى ، يعنى اقتصاد أكثر كفاءة ويعنى إنتاجية أفضل وتطوير أسرع لقوى الإنتاج وأن فك الارتباط بهذا الاقتصاد يعنى قوى إنتاج أقل تطورا ، وإنتاجية أسوء ، واقتصاد أقل كفاءة ، فأن فك الارتباط كاملا كان أم نسبيا مع السوق العالمى يصبح اتجاه رجعى وليس تقدمى بأى حال ، مع ملاحظة أن التبعية ناتجة عن علاقة متبادلة بين طرف متخلف ومن ثم تابع وبين طرف متقدم ومن ثم متبوع ، ومن ثم لا قضاء على التبعية إلا بفك الارتباط بين كل الطرفين ، فالتحرر الفعلى من التبعية لا يمكن أن يتم إلا بفك الارتباط بالسوق العالمى أو بتطوير الطرف الضعيف فى العلاقة ليصبح ندا للطرف القوى فى العلاقة ، أما بالنسبة للطريق الأول فأنه يتضمن التخلى عن مفاهيم اللحاق بالشمال المتقدم ، أنه يعنى الاكتفاء بمستوى متدن من قوى الإنتاج ، وبالتالى من الإنتاجية ، حيث يجب الاستغناء عن التكنولوجيا التى يحتكرها الشمال ، وهذا لا يعنى إلا شىء واحد ألا وهو الانخفاض الحاد فى مستويات المعيشة الناتج عن انخفاض الإنتاجية ، المرتبطة بالتكنولوجيا الأقل تطورا ، أما بالنسبة للطريق الثانى فلن يتأتى إلا بتطوير الاندماج على مستوى العالم إلى ذروته ليختفى الصراع القومى مفسحا الطريق للصراع الوحيد الممكن ألا وهو الصراع الطبقى .فى ضوء الميل الواضح للشركات المتعدية الجنسية والرأسمال العالمى لتصنيع العديد من بلدان العالم الثالث سعيا وراء الربحية الأعلى بتخفيض تكاليف العمل فى إطار إعادة فك وتركيب المجتمع البشرى التى تجريه تلك الشركات ، وهو ما يدمر النظرية القديمة حول تقسيم العمل الدولى بين دول المركز الصناعى ، ودول المحيط الزراعى والتعدينى .
* تعتمد نظرية التبعية على فرضية أساسية هى أنه مع ثمانينات القرن التاسع عشر أى مع المرحلة الرأسمالية الاحتكارية ، تفاوتت تعويضات العمل على نفس الإنتاجية بين المركز المتقدم والمتبوع الذى كانت فيه تعويضات العمل أعلى من مثيلتها عن نفس الإنتاجية فى دول المحيط المتخلف والتابع ، مما أدى لنزح فائض القيمة من الثانية إلى الأولى وهى ظاهرة مستمرة حتى الآن فشلت سياسات التنمية المستقلة فى القضاء عليها ، وكان من أهم أسباب سقوطها المهين ، وقد أدى هذا التحول فى تفاوتات عائد العمل على نفس الإنتاجية إلى نتائج هامة على مستوى الصراع الطبقى على مستوى العالم فى المركز الرأسمالى المتقدم حيث ازدهرت الحركات الإصلاحية التى استأنست بها الرأسمالية الطبقة العاملة تماما ، وفى المحيط المتخلف حيث ازدهرت الحركات الثورية التى لم تنجح فى تحقيق أهدافها.. فالمسألة ليست فى التبادل السلعى فى حد ذاته بين المراكز و الأطراف، وهو السائد منذ أن بدأت الرأسمالية فى الحياة الأمر الذى أكسبها العالمية . وإنما فى قواعد هذا التبادل غير العادلة ، والتى انقلبت لميزة نسبية فى بعض بلدان العالم الثالث حيث تسعى الرأسمالية العالمية إلى حيث الأيدى العاملة الرخيصة والأقل قدرة على ممارسة الصراع ضد رأس المال لتصدر الصناعات كثيفة العمالة إلى دول المحيط . ومن ثم فأن جوهر التحرر من التبعية فى الحقيقة وهو ما لا يقترب منه أحد هو تحقيق تبادل عادل للسلع ، يعنى تعويضات متماثلة لقوة العمل مقابل نفس الإنتاجية فى بلدان المركز والمحيط . وهو لا يعنى سوى تحرير قوة العمل كسلعة مثل غيرها من السلع ومثلها مثل الرأسمال وإعطاءها حرية الانتقال عبر العالم شأنها فى ذلك مثل غيرها من السلع وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تساوى عائد العمل على نفس الإنتاجية فى شتى بقاع العالم . وتوقف نزح العائد من الأطراف إلى المركز ، وهو الشعار الذى لم ترفعه أى حركة ثورية رغم وضوحه وبساطته وتحقيقه للعدالة فى نفس الوقت .
* أن بلوغ الاندماج ذروته بهذه الطريقة ،يعنى أنه إذا كانت عملية الإنتاج يتم تدويلها تماما فيما يتعلق بحركة رأسا لمال والسلع دون حرية انتقال العمالة ، وهو الأمر الذى تقاومه بعض قطاعات الرأسمالية بشدة لأنه يفقدها قدرتها على تحقيق أعلى معدل للربح ، فأن الاندماج المنشود والذى يعنى التحرر من التبعية يشمل حرية انتقال العمالة ومن ثم تنظيمها عبر العالم . ويعنى التعويضات المتساوية لقوة العمل عن نفس الإنتاجية .
* أن فكرة الهوية الجماعية ومن ثم الخصوصية ،هى الأساس الفكرى لكل الحركات السياسية الاستبدادية والتى باسم خصوصية الهوية الجماعية تقمع بعض شرائح وطبقات المجتمع . أنها أيديولوجيا لا علاقة لها بالعلم ..أما ما يحتاجه العالم فعلا فهو حركة تقوم على أساس من العلم بهدف التحسين المستمر لشروط حياة البشر لكونهم بشر . حركة تقوم على أساس من ضمان أوسع الحقوق الإنسانية لكل البشر بالمعنى الشامل لهذه الحقوق ..وليست حركة تنتقص من هذه الحقوق باسم المطلق أيما كان الدولة أو الهوية أو الخصوصية .
* قضية الخصوصية الجماعية فضلا عن ذلك قضية زائفة لأنها تتحدث عن جوهر ثابت ونهائى ومطلق لجماعة من الأفراد تتعرض هوياتهم ومن ثم خصوصيتهم الحقيقية للتغير والنسبية .وأن ما قد يجمعهم من صفات مشتركة لا يعنى أنهم مشتركون فى كافة الصفات ،وأن جزءا من هذه الصفات مفروض عليهم وعلى الرغم من زيفها إلا أنها ضرورية لتأسيس أى سلطة ، وبمعنى أكثر وضوحا . الحجة التى يرفعها ممارسو السلطة ليبرروا قهرهم على باقى أفراد الجماعة الخاضعين لحكمهم .
بناء على الحقائق السابق ذكرها فأن طرح فكرة الاستقلال الوطنى اليوم ينبغى أن تأخذ فى الحسبان التغيرات التى ذكرناها أعلاه . وأن تأخذ فى الحسبان أن فكرة الاستقلال الوطنى اليوم تناقش _ ليس فى عالم ذو قطبين متضادين متناقضين قد نستفيد من صراعهما وتنافسهما على اكتساب النفوذ لدينا _ بل فى عالم تهيمن عليه الرأسمالية العالمية والسوق الرأسمالى العالمى و الذى نحن مدمجون فيه من موقع تابع _ سواء بإرادتنا أو رغم عنا _ وأخيرا الابتعاد عن طرح أية أيديولوجيات تستند لفكرة الهوية أو الخصوصية الجماعية ( دينية أو ثقافية أو قومية أو حضارية ) حيث لا مكان لهذه الأيديولوجيات فى حركة سياسية تسعى لتغيير تقدمى للمجتمع ، خاصة لو أن هذه الحركة مازالت تضع نفسها فى خندق اليسار الذى هو بالمفهوم الأكثر دقة المعسكر السياسى الذى يسعى نحو مجتمع أكثر تقدما وتحررا وعدالة .
*أن دور الدولة القومية المباشر فى عملية الإنتاج استنفد قدراته فى كل من تطوير قوى الإنتاج ، وحل أزمات ومشكلات النمو الرأسمالى ، بل و أصبح معوقا أمام تطوير تلك القوى ، بعد ما كان الوسيلة المثلى لكل البورجوازيات المأزومة والعاجزة والضعيفة لحل مشكلاتها مع هذا النمو ، فى الفترة من أوائل القرن التاسع عشر إلى بدايات السبعينات من القرن العشرين ، وذلك فى اشتراكيات الدولة ثم الاشتراكيات الديمقراطية ، وأنظمة التحرر الوطنى عبر العالم بأسره . والسبب فى أن دور الدولة القومية استنفذ قدراته ، حيث أن الرأسمالية تحولت لطور جديد من أطوار تطورها العديدة . يتميز من ضمن ما يتميز بذبول وضعف دور الدولة القومية المباشر . والكوكبية المتزايدة لكل عمليات الإنتاج . بعد ما كانت الرأسمالية الاحتكارية القديمة تتميز بازدهار وقوة دور الدولة القومية المباشر فى نفس العملية ..ولذلك شهدت المرحلة الاحتكارية ازدهار الحركات السياسية المرتبطة بمفهوم الدولة القومية خلال مما يزيد عن المائة عام السابقة على الثمانينات من القرن العشرين ، ولاشك أن تفسير هذا الازدهار تجده فى الاحتياج الموضوعى لدور الدولة القومية المباشر فى حل أزمات النمو الرأسمالى المختلفة ، كما نجد تفسير أزمة هذه الحركات وتلاشى بعضها منذ الثمانينات بالاحتياج الموضوعى أيضا لتدمير دور الدولة القومية المباشر فى عملية الإنتاج. وكان السبب فى ذبول هذا الدور هو الحرية التى منحتها دول العالم لتنقل رؤوس الأموال عبر العالم مما خلق نوعا من ديكتاتورية سوق المال التى تعلو على سلطات كل الدول التى ترغب فى بقاء أو جذب رؤوس الأموال داخل حدودها القومية. و أصبحت السياسات الاقتصادية لشتى الحكومات تتحد بالقدرة على جذب الاستثمارات والرضوخ لإرادة من يملكها بالإعفاءات الضريبة والجمركية وغيرها . مهما كانت النوايا الطيبة للحكومات فى الدفاع عن مصالح الطبقات العاملة والفئات الضعيفة فى المجتمع الذى لا يعنى سوى زيادة الإنفاق العام الممول من خلال زيادة الضرائب الأمر الذى سينفر رأسالمال الحر الذى تجذبه الجنات الضريبية حيث لا ضرائب أو مخفضة للغاية على عائدات التملك .
* التدويل الكامل للقسم الأعظم والأكثر أهمية من عملية الإنتاج والتوزيع والتبادل من خلال الشركات متعدية الجنسية العملاقة ، والتى تسيطر على 76%من الإنتاج العالمى ، وهى التى تعمل وتمارس نشاطها بنفس الآلية الذى يعمل بها القطاع الخاص المحلى أو أى منشأة رأسمالية أخرى . من حيث السعى إلى المشروعات القصيرة الأجل ذات دورة رأس المال القصيرة ، حيث يجمع الجميع هدف واحد هو تحقيق أعلى معدلات للربح بأقل تكلفة ممكنة ، دون العناية لا بالتنمية ولا بالإنتاج فى حد ذاتهما . وهو ما أعطى المضاربة على العملات والأوراق المالية الأولوية فى الاستثمار مما أضر بالرأسمال الحقيقى على مستوى العالم ، وكبح التطور الإنتاجى .
* الحقيقة أن البورجوازية المنتجة أى ملاك المصانع والمزارع الرأسمالية يستفيدون أكثر من أوضاع الترابط مع الرأسمالية العالمية ، وإن حرمانهم من إمكانيات السوق العالمى تعنى حرمانهم من وسائل الإنتاج الأكثر تطورا ، ومن ثم من الربحية الأعلى الناتجة عن الإنتاجية الأعلى ، التى يحققونها كشركاء للرأسمال العالمى، حتى القطاعات التى تتضرر من هذه العملية مؤقتا بسبب أوضاعها الاحتكارية وشبه الاحتكارية فى سوقها القومى ، سرعان ما ستحول معارضتها هربا من الإفلاس إلى التكيف مع الأوضاع الجديدة بالاندماج فى الرأسمال العالمى.
*أنه لا يمكن لأى سلعة الآن أن تنتج ويتم تبادلها إلا على مستوى العالم حتى تحقق أكبر كفاءة ممكنة ..حتى السلع التى تنتجها البورجوازية الصغيرة كالمحاصيل الزراعية والمنتجات الحرفية ، فأن تحقيق كفاءة أعلى وإنتاجية أفضل . يستوجب العالمية لإنتاجها للاستفادة من التقنيات العالمية والسوق العالمية وليس المحلية.
*لا تناقض بين كل من الصراع بين الدول الرأسمالية المتقدمة ، وبين حقيقة هيمنة رأس المال الكوكبى الذى يتجسد فى حقيقة مجلس إدارة العالم المسمى بقمة السبعة الصناعية ، وهيمنة صندوق النقد الدولى والمؤسسات المالية الدولية على سياسات كل حكومات العالم . فهناك وحدة وصراع داخل نفس الظاهرة المسماة بالكوكبية . فكما تتنافس المؤسسات الرأسمالية . ومن ثم الأحزاب البورجوازية داخل كل بلد على حدة ، إلا أننا لا نستطيع القول إلا بوحدة ملاك هذه المؤسسات كطبقة رغم تنافس أفرادها ومجموعاتها فيما بينهم.
*أن البيروقراطية والفساد والاستبداد السياسى وضعف الكفاءة الاقتصادية كانت أبرز سمات كل التجارب الاشتراكية والعلمية فى الشمال والجنوب ، وفى الشرق والغرب ، فضلا عن الضرورة الموضوعية التى أسقطت كل هذه النظم ، بسبب التناقض بين الإنتاج عبر الدولة القومية والسوق القومى وبين كفاءة إنتاج السلع وتسويقها عبر العالم ، وهو ما أجبر البيروقراطية السوفيتية على التخلى عن سلطتها وامتيازاتها ، رغم أن هذا الاقتصاد كان الأعظم من كل اقتصاديات العالم فى التمتع بالاستقلال عن السوق الرأسمالى العالمى ورغم أن الدولة السوفيتية كانت أقوى وأشمل دولة عرفتها البشرية من حيث هى جهاز سياسى لإدارة المجتمع ، فقد خنق هذا الاقتصاد المستقل بحصار القوى المعادية له خارجيا ، رغم تمتعه بالاستقلال عنها ، وانهار على اتساع سوقه القومى .
* إننا إذا وضعنا فى الاعتبار إن الاندماج فى الاقتصاد العالمى ، يعنى اقتصاد أكثر كفاءة ويعنى إنتاجية أفضل وتطوير أسرع لقوى الإنتاج وأن فك الارتباط بهذا الاقتصاد يعنى قوى إنتاج أقل تطورا ، وإنتاجية أسوء ، واقتصاد أقل كفاءة ، فأن فك الارتباط كاملا كان أم نسبيا مع السوق العالمى يصبح اتجاه رجعى وليس تقدمى بأى حال ، مع ملاحظة أن التبعية ناتجة عن علاقة متبادلة بين طرف متخلف ومن ثم تابع وبين طرف متقدم ومن ثم متبوع ، ومن ثم لا قضاء على التبعية إلا بفك الارتباط بين كل الطرفين ، فالتحرر الفعلى من التبعية لا يمكن أن يتم إلا بفك الارتباط بالسوق العالمى أو بتطوير الطرف الضعيف فى العلاقة ليصبح ندا للطرف القوى فى العلاقة ، أما بالنسبة للطريق الأول فأنه يتضمن التخلى عن مفاهيم اللحاق بالشمال المتقدم ، أنه يعنى الاكتفاء بمستوى متدن من قوى الإنتاج ، وبالتالى من الإنتاجية ، حيث يجب الاستغناء عن التكنولوجيا التى يحتكرها الشمال ، وهذا لا يعنى إلا شىء واحد ألا وهو الانخفاض الحاد فى مستويات المعيشة الناتج عن انخفاض الإنتاجية ، المرتبطة بالتكنولوجيا الأقل تطورا ، أما بالنسبة للطريق الثانى فلن يتأتى إلا بتطوير الاندماج على مستوى العالم إلى ذروته ليختفى الصراع القومى مفسحا الطريق للصراع الوحيد الممكن ألا وهو الصراع الطبقى .فى ضوء الميل الواضح للشركات المتعدية الجنسية والرأسمال العالمى لتصنيع العديد من بلدان العالم الثالث سعيا وراء الربحية الأعلى بتخفيض تكاليف العمل فى إطار إعادة فك وتركيب المجتمع البشرى التى تجريه تلك الشركات ، وهو ما يدمر النظرية القديمة حول تقسيم العمل الدولى بين دول المركز الصناعى ، ودول المحيط الزراعى والتعدينى .
* تعتمد نظرية التبعية على فرضية أساسية هى أنه مع ثمانينات القرن التاسع عشر أى مع المرحلة الرأسمالية الاحتكارية ، تفاوتت تعويضات العمل على نفس الإنتاجية بين المركز المتقدم والمتبوع الذى كانت فيه تعويضات العمل أعلى من مثيلتها عن نفس الإنتاجية فى دول المحيط المتخلف والتابع ، مما أدى لنزح فائض القيمة من الثانية إلى الأولى وهى ظاهرة مستمرة حتى الآن فشلت سياسات التنمية المستقلة فى القضاء عليها ، وكان من أهم أسباب سقوطها المهين ، وقد أدى هذا التحول فى تفاوتات عائد العمل على نفس الإنتاجية إلى نتائج هامة على مستوى الصراع الطبقى على مستوى العالم فى المركز الرأسمالى المتقدم حيث ازدهرت الحركات الإصلاحية التى استأنست بها الرأسمالية الطبقة العاملة تماما ، وفى المحيط المتخلف حيث ازدهرت الحركات الثورية التى لم تنجح فى تحقيق أهدافها.. فالمسألة ليست فى التبادل السلعى فى حد ذاته بين المراكز و الأطراف، وهو السائد منذ أن بدأت الرأسمالية فى الحياة الأمر الذى أكسبها العالمية . وإنما فى قواعد هذا التبادل غير العادلة ، والتى انقلبت لميزة نسبية فى بعض بلدان العالم الثالث حيث تسعى الرأسمالية العالمية إلى حيث الأيدى العاملة الرخيصة والأقل قدرة على ممارسة الصراع ضد رأس المال لتصدر الصناعات كثيفة العمالة إلى دول المحيط . ومن ثم فأن جوهر التحرر من التبعية فى الحقيقة وهو ما لا يقترب منه أحد هو تحقيق تبادل عادل للسلع ، يعنى تعويضات متماثلة لقوة العمل مقابل نفس الإنتاجية فى بلدان المركز والمحيط . وهو لا يعنى سوى تحرير قوة العمل كسلعة مثل غيرها من السلع ومثلها مثل الرأسمال وإعطاءها حرية الانتقال عبر العالم شأنها فى ذلك مثل غيرها من السلع وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تساوى عائد العمل على نفس الإنتاجية فى شتى بقاع العالم . وتوقف نزح العائد من الأطراف إلى المركز ، وهو الشعار الذى لم ترفعه أى حركة ثورية رغم وضوحه وبساطته وتحقيقه للعدالة فى نفس الوقت .
* أن بلوغ الاندماج ذروته بهذه الطريقة ،يعنى أنه إذا كانت عملية الإنتاج يتم تدويلها تماما فيما يتعلق بحركة رأسا لمال والسلع دون حرية انتقال العمالة ، وهو الأمر الذى تقاومه بعض قطاعات الرأسمالية بشدة لأنه يفقدها قدرتها على تحقيق أعلى معدل للربح ، فأن الاندماج المنشود والذى يعنى التحرر من التبعية يشمل حرية انتقال العمالة ومن ثم تنظيمها عبر العالم . ويعنى التعويضات المتساوية لقوة العمل عن نفس الإنتاجية .
* أن فكرة الهوية الجماعية ومن ثم الخصوصية ،هى الأساس الفكرى لكل الحركات السياسية الاستبدادية والتى باسم خصوصية الهوية الجماعية تقمع بعض شرائح وطبقات المجتمع . أنها أيديولوجيا لا علاقة لها بالعلم ..أما ما يحتاجه العالم فعلا فهو حركة تقوم على أساس من العلم بهدف التحسين المستمر لشروط حياة البشر لكونهم بشر . حركة تقوم على أساس من ضمان أوسع الحقوق الإنسانية لكل البشر بالمعنى الشامل لهذه الحقوق ..وليست حركة تنتقص من هذه الحقوق باسم المطلق أيما كان الدولة أو الهوية أو الخصوصية .
* قضية الخصوصية الجماعية فضلا عن ذلك قضية زائفة لأنها تتحدث عن جوهر ثابت ونهائى ومطلق لجماعة من الأفراد تتعرض هوياتهم ومن ثم خصوصيتهم الحقيقية للتغير والنسبية .وأن ما قد يجمعهم من صفات مشتركة لا يعنى أنهم مشتركون فى كافة الصفات ،وأن جزءا من هذه الصفات مفروض عليهم وعلى الرغم من زيفها إلا أنها ضرورية لتأسيس أى سلطة ، وبمعنى أكثر وضوحا . الحجة التى يرفعها ممارسو السلطة ليبرروا قهرهم على باقى أفراد الجماعة الخاضعين لحكمهم .
بناء على الحقائق السابق ذكرها فأن طرح فكرة الاستقلال الوطنى اليوم ينبغى أن تأخذ فى الحسبان التغيرات التى ذكرناها أعلاه . وأن تأخذ فى الحسبان أن فكرة الاستقلال الوطنى اليوم تناقش _ ليس فى عالم ذو قطبين متضادين متناقضين قد نستفيد من صراعهما وتنافسهما على اكتساب النفوذ لدينا _ بل فى عالم تهيمن عليه الرأسمالية العالمية والسوق الرأسمالى العالمى و الذى نحن مدمجون فيه من موقع تابع _ سواء بإرادتنا أو رغم عنا _ وأخيرا الابتعاد عن طرح أية أيديولوجيات تستند لفكرة الهوية أو الخصوصية الجماعية ( دينية أو ثقافية أو قومية أو حضارية ) حيث لا مكان لهذه الأيديولوجيات فى حركة سياسية تسعى لتغيير تقدمى للمجتمع ، خاصة لو أن هذه الحركة مازالت تضع نفسها فى خندق اليسار الذى هو بالمفهوم الأكثر دقة المعسكر السياسى الذى يسعى نحو مجتمع أكثر تقدما وتحررا وعدالة .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية