فصام الاشتراكيين الثوريين
فصام الاشتراكيين الثوريين
سامح سعيد عبود
يتفق من ينتسبون لليسار فيما بينهم حول الحلم الشيوعى بالمجتمع البشرى و قد خلا من القهر والاستغلال و الملكية الخاصة والطبقات والسلطة المتعالية والمنفصلة عن إرادة البشر، و حيث تتزايد فيه حريات الأفراد والمساواة فيما بينهم، و لاشك أن اليسار قد فشل فى تحقيق الحلم الشيوعى أو الاقتراب منه حتى الآن، وربما لن تستطيع الأجيال البشرية الحية الآن أن تصل إليه أو أن تشارك فى صنعه، و برغم اعترافنا بذلك إلا أنه يحق لنا بل يجب علينا التبشير دائما بالحلم الشيوعى، و النقد المستمر للرأسمالية السائدة حاليا فى كوكبنا، إلا أن بعض من يدعون الراديكالية فى أوساط اليسار، يطرحون الحلم الشيوعى وكأنه برنامج اللحظة الراهنة كنوع من المزايدة الرخيصة على الواقعيين فى أوساط اليسار، فى نفس الوقت الذى يتخذون فيه مواقف أكثر يمينية من هؤلاء الذين ينعتوهم بالانتهازيين.
فجماعة الاشتراكيين الثوريين تصف نفسها بأنها الجماعة الأكثر راديكالية وثورية ويسارية فى مصر باعتبارها الأعلى صوتا فى التعبير عن هذا الحلم،إلا أننا نلاحظ أنهم فى المواقف العملية يقفون فى الجانب الآخر مع القوى القومية والدينية والشعبوية فى مواجهة اليسار سواء الراديكالى أو التقليدى الأكثر اتساقا مع مبادئه فى الحرية والمساواة والتقدم.وهذه هى الانتهازية نفسها بألف لام التعريف.
فى الحقيقة أن هذا لم يتضح فقط فى موقفهم الأخير من التحالف مع الأخوان المسلمين الذى فى حقيقته مجرد إلحاقهم بوظائف لدى الأخوان بالمخالفة مع كل اليساريين الآخرين الذين رفضوا هذا التوظف، فقد كان لهم السبق فى تأييد القتل العنصرى للمدنيين على الهوية فى فلسطين والعراق الذى أسموه العمليات الاستشهادية، والتى وصفوها بأعمال المقاومة ضد الإمبريالية والصهيونية، برغم أنهم يعرفون أن من يقومون بهذه الأعمال لن يخرجوا عن القوى القومية والدينية والطائفية التى تقترف جرائم خطف وتفجير المدنيين، ويتلخص مشروعهم السياسى فى الدولة الاستبدادية القومية أو الدينية، و هم يطالبون بالتضامن و التحالف مع القوميين والدينيين والطائفين لمجرد عدائهم لما يسمونه إمبريالية، وبالتضامن مع السفاحين العنصريين لمجرد أنهم يتحدون الاحتلال، فماذا تكون العدمية إن لم تكن تقديس الاحتجاج فى حد ذاته بصرف النظر عن من يمارسه ولماذا، و إن لم تكن الربط بين أى عنف واحتجاج والنضال الثورى بصرف النظر عن الهدف منه.
وعلى ما يبدو أن ما أصبح يحدد مواقف الاشتراكيين الثوريين التحالفية والسياسية هو الموقف من عدو وهمى أسمه الإمبريالية، ومن ثم لم يصبح الصراع الطبقى ضد الرأسمالية محلية كانت أو عالمية هو ما يشغلهم عمليا، مثلما تفترض الماركسية التى ينتسبون إليها، فمثلما استسلم الشيوعيون المصريون فى الستينات لنظرية التطور اللارأسمالى المصنوعة فى موسكو، و فرضيات المجموعة الاشتراكية فى السلطة الناصرية والاشتراكية التى بدون اشتراكيين و التى تحتاج لاشتراكيين، فحلوا منظماتهم المستقلة والتحقوا كموظفين بالدولة الناصرية ،استسلم الاشتراكيون الثوريون لتحليل يعتبر الإسلام السياسى حركة تحرر وطنى معادية للأمبريالية يجب التحالف معها ، لمجرد أنه تحليل وارد حزب هامشى فى انجلترا، دون أن يتعب أحدهم نفسه فى تحليل الظاهرة على نحو أكثر عمقا، فبرغم عداء الإسلام السياسى الواضح لمصالح الطبقة العاملة و مواقفه العنصرية ضد غير المسلمين، ومواقفه ضد الحريات والحقوق الإنسانية عموما، يصبح عداءه الدينى العنصرى للإمبريالية، وموقفه التنافسى على السلطة الديكتاتورية من نظام الحكم القائم، مبررات كافية للتغاضى عن الدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية ومصالح الطبقة العاملة وسائر المضطهدين. وقد وصل الأمر بأحد كبار كوادرهم أن يرفض التوقيع على بيان إدانة اغتيال كل من اليساريين اللبنانيين جورج حاوى وسمير القصير على أساس أن البيان لم يعلن تضامنه مع حزب اللة اللبنانى، وهو من سبق لكوادره اغتيال الشهيدين الشيوعيين مهدى عامل و حسين مروة.
وبرغم نقد جماعة الاشتراكيون الثوريون لرأسمالية الدولة، فأنهم مازالوا يدافعون عن القطاع العام فى مواجهة الخصخصة، برغم أنه بخلق ما يسمى بالقطاع العام، سواء بتأميم القطاع الخاص، أو بالاستثمار الحكومى فى الإنتاج والخدمات، تم تحويل نسبة ضخمة من العمال فى المجتمعات الرأسمالية أو كلها كما فى المجتمعات البيروقراطية التى عرفها الناس باسم الاشتراكية، إلى طبقة أخرى تقع لو أردنا الدقة ما بين العمال و الأقنان، وهذا التحويل هو بمثابة تدهور حقيقى فى وضع العمال الاجتماعى، برغم ما قد يتميز به أشباه الأقنان هؤلاء على العمال الآخرين من استقرار وظيفى، وضمان اجتماعى، و مستوى معيشى أفضل، وأجور أعلى، و خدمات اجتماعية أوفر وأرخص، إلا أن هذا لا يمنع فى نفس الوقت أنهم أقل حرية و إنتاجية و أكثر عبودية من العمال غير الحكوميين. فوضع العامل لدى الدولة فى مواجهة الدولة كصاحب عمل هو وضع الإذعان من القن لشروط سيده، و التى تقوم على القبول بكل شروط وظروف العمل التى تفرضها الدولة عليه، فأين الانحياز لحرية العمال إذن ،إلا إذا كانوا يؤمنون بغير أن يعلنوا بالطبع أن القطاع العام لونا من الاشتراكية التى يبشروا بها.
مما سبق يتضح لنا أن هناك حالة من الفصام الحقيقى تعانيها تلك الجماعة المعزولة التى فشلت بعد خمسة عشر عاما من تكوينها فى أن تحقق أى ارتباط بالطبقة العاملة، وأن تتجاوز حدود الحلقة الضيقة المحصورة فى القاهرة الكبرى، و برغم ذلك تريد أن تفرض نفسها على الساحة السياسية الملتهبة الآن كأحد اللاعبين الرئيسيين، لتفرض شروط توازن القوى الموضوعية عليها أن تكون ذيلا لأحد القوى الكبرى، و قد اختاروا بمحض إرادتهم تذيل أسوء تلك القوى على الإطلاق، و أكثرها تناقضا مع مواقف اليسار على نحو مهين،تاركين الرفاق اليساريين فى معسكر الديمقراطية الحقيقية وحدهم،متناسين أنه لا معنى إطلاقا لتحالف النملة مع الفيل، إلا أن مجموعة من النمل تستطيع أن تصمد فى معسكر الحرية الحقيقية محاولة هزيمة أفيال القهر على الجانب الآخر فى معسكر الاستبداد، بأن تمتلك عناصر القوة أولا لمصارعتها، فعليك دائما قبل أن تنزل للملعب وأن تفرض شروطك فى اللعب أن تمتلك أولا القوى الذاتية للعب، وفى الحالة اليسارية أن ترتبط بالقوى الاجتماعية التى تتدعى التعبير عنها،و أن تبذل فى ذلك جهدا حقيقيا قبل النزول للملعب.
فجماعة الاشتراكيين الثوريين تصف نفسها بأنها الجماعة الأكثر راديكالية وثورية ويسارية فى مصر باعتبارها الأعلى صوتا فى التعبير عن هذا الحلم،إلا أننا نلاحظ أنهم فى المواقف العملية يقفون فى الجانب الآخر مع القوى القومية والدينية والشعبوية فى مواجهة اليسار سواء الراديكالى أو التقليدى الأكثر اتساقا مع مبادئه فى الحرية والمساواة والتقدم.وهذه هى الانتهازية نفسها بألف لام التعريف.
فى الحقيقة أن هذا لم يتضح فقط فى موقفهم الأخير من التحالف مع الأخوان المسلمين الذى فى حقيقته مجرد إلحاقهم بوظائف لدى الأخوان بالمخالفة مع كل اليساريين الآخرين الذين رفضوا هذا التوظف، فقد كان لهم السبق فى تأييد القتل العنصرى للمدنيين على الهوية فى فلسطين والعراق الذى أسموه العمليات الاستشهادية، والتى وصفوها بأعمال المقاومة ضد الإمبريالية والصهيونية، برغم أنهم يعرفون أن من يقومون بهذه الأعمال لن يخرجوا عن القوى القومية والدينية والطائفية التى تقترف جرائم خطف وتفجير المدنيين، ويتلخص مشروعهم السياسى فى الدولة الاستبدادية القومية أو الدينية، و هم يطالبون بالتضامن و التحالف مع القوميين والدينيين والطائفين لمجرد عدائهم لما يسمونه إمبريالية، وبالتضامن مع السفاحين العنصريين لمجرد أنهم يتحدون الاحتلال، فماذا تكون العدمية إن لم تكن تقديس الاحتجاج فى حد ذاته بصرف النظر عن من يمارسه ولماذا، و إن لم تكن الربط بين أى عنف واحتجاج والنضال الثورى بصرف النظر عن الهدف منه.
وعلى ما يبدو أن ما أصبح يحدد مواقف الاشتراكيين الثوريين التحالفية والسياسية هو الموقف من عدو وهمى أسمه الإمبريالية، ومن ثم لم يصبح الصراع الطبقى ضد الرأسمالية محلية كانت أو عالمية هو ما يشغلهم عمليا، مثلما تفترض الماركسية التى ينتسبون إليها، فمثلما استسلم الشيوعيون المصريون فى الستينات لنظرية التطور اللارأسمالى المصنوعة فى موسكو، و فرضيات المجموعة الاشتراكية فى السلطة الناصرية والاشتراكية التى بدون اشتراكيين و التى تحتاج لاشتراكيين، فحلوا منظماتهم المستقلة والتحقوا كموظفين بالدولة الناصرية ،استسلم الاشتراكيون الثوريون لتحليل يعتبر الإسلام السياسى حركة تحرر وطنى معادية للأمبريالية يجب التحالف معها ، لمجرد أنه تحليل وارد حزب هامشى فى انجلترا، دون أن يتعب أحدهم نفسه فى تحليل الظاهرة على نحو أكثر عمقا، فبرغم عداء الإسلام السياسى الواضح لمصالح الطبقة العاملة و مواقفه العنصرية ضد غير المسلمين، ومواقفه ضد الحريات والحقوق الإنسانية عموما، يصبح عداءه الدينى العنصرى للإمبريالية، وموقفه التنافسى على السلطة الديكتاتورية من نظام الحكم القائم، مبررات كافية للتغاضى عن الدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية ومصالح الطبقة العاملة وسائر المضطهدين. وقد وصل الأمر بأحد كبار كوادرهم أن يرفض التوقيع على بيان إدانة اغتيال كل من اليساريين اللبنانيين جورج حاوى وسمير القصير على أساس أن البيان لم يعلن تضامنه مع حزب اللة اللبنانى، وهو من سبق لكوادره اغتيال الشهيدين الشيوعيين مهدى عامل و حسين مروة.
وبرغم نقد جماعة الاشتراكيون الثوريون لرأسمالية الدولة، فأنهم مازالوا يدافعون عن القطاع العام فى مواجهة الخصخصة، برغم أنه بخلق ما يسمى بالقطاع العام، سواء بتأميم القطاع الخاص، أو بالاستثمار الحكومى فى الإنتاج والخدمات، تم تحويل نسبة ضخمة من العمال فى المجتمعات الرأسمالية أو كلها كما فى المجتمعات البيروقراطية التى عرفها الناس باسم الاشتراكية، إلى طبقة أخرى تقع لو أردنا الدقة ما بين العمال و الأقنان، وهذا التحويل هو بمثابة تدهور حقيقى فى وضع العمال الاجتماعى، برغم ما قد يتميز به أشباه الأقنان هؤلاء على العمال الآخرين من استقرار وظيفى، وضمان اجتماعى، و مستوى معيشى أفضل، وأجور أعلى، و خدمات اجتماعية أوفر وأرخص، إلا أن هذا لا يمنع فى نفس الوقت أنهم أقل حرية و إنتاجية و أكثر عبودية من العمال غير الحكوميين. فوضع العامل لدى الدولة فى مواجهة الدولة كصاحب عمل هو وضع الإذعان من القن لشروط سيده، و التى تقوم على القبول بكل شروط وظروف العمل التى تفرضها الدولة عليه، فأين الانحياز لحرية العمال إذن ،إلا إذا كانوا يؤمنون بغير أن يعلنوا بالطبع أن القطاع العام لونا من الاشتراكية التى يبشروا بها.
مما سبق يتضح لنا أن هناك حالة من الفصام الحقيقى تعانيها تلك الجماعة المعزولة التى فشلت بعد خمسة عشر عاما من تكوينها فى أن تحقق أى ارتباط بالطبقة العاملة، وأن تتجاوز حدود الحلقة الضيقة المحصورة فى القاهرة الكبرى، و برغم ذلك تريد أن تفرض نفسها على الساحة السياسية الملتهبة الآن كأحد اللاعبين الرئيسيين، لتفرض شروط توازن القوى الموضوعية عليها أن تكون ذيلا لأحد القوى الكبرى، و قد اختاروا بمحض إرادتهم تذيل أسوء تلك القوى على الإطلاق، و أكثرها تناقضا مع مواقف اليسار على نحو مهين،تاركين الرفاق اليساريين فى معسكر الديمقراطية الحقيقية وحدهم،متناسين أنه لا معنى إطلاقا لتحالف النملة مع الفيل، إلا أن مجموعة من النمل تستطيع أن تصمد فى معسكر الحرية الحقيقية محاولة هزيمة أفيال القهر على الجانب الآخر فى معسكر الاستبداد، بأن تمتلك عناصر القوة أولا لمصارعتها، فعليك دائما قبل أن تنزل للملعب وأن تفرض شروطك فى اللعب أن تمتلك أولا القوى الذاتية للعب، وفى الحالة اليسارية أن ترتبط بالقوى الاجتماعية التى تتدعى التعبير عنها،و أن تبذل فى ذلك جهدا حقيقيا قبل النزول للملعب.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية