الثلاثاء، 17 يونيو 2008

غسيل العقول (1)

كتاب تقدم علمى تأخر فكرى
سامح سعيد عبود
غسيل العقول(1)
إن ما يدلل على دور أجهزة الإعلام والثقافة والاتصال فى تضليل البشر والتلاعب بعقولهم وغسيلها هو ما يمكن إيراده من أمثلة تم اختيارها من الواقع العربى القريب من القارئ وتم مراعاة تنوعها لتشمل الصحافة والتليفزيون والكتب و مجالات البحث العلمى .‏‏
‎‎أ-ساعد أنيس منصور وهو أحد كبار الصحفيين والكتاب المصريين على انتشار ثقافة الخرافات من أمثال الذين هبطوا من السماء، والذين صعدوا إليها حتى عرف بأنه كاتب الجن والعفاريت ،وهو المعيد السابق بقسم الفلسفة بالجامعة ،وقد روج لكم هائل من الخرافات من خلال كتاباته الفاقدة لأى قيمة ،فى أشهر الصحف وأوسعها انتشارا ومنها قصة جيللر ذلك الدجال الإسرائيلي الذى كان يدعى أنه بقوة نظره السحرية يستطيع لى الأشياء المعدنية الصلبة !.وإليكم بهذا الصدد ما قد قرأته مصادفة فى جريدة الحياة اللندنية اليومية،وذلك فى تحقيق يعتبر فى اتجاه معاكس تماما عما تعودناه فى الآونة الأخيرة فى الصحافة وأجهزة الإعلام المختلفة ،وربما يكون هذا إثباتا للقاعدة فلكل قاعدة شواذ تثبتها، فقد كان التحقيق يتناول ظاهرة انتشار الإيمان بالخرافات والظواهر غير الطبيعية وغير المفهومة، وقد ذكر فى التحقيق أن اللجنة العلمية العالمية المكلفة بدراسة الظواهر غير الطبيعية ،قد أثبتت فى معرض بحثها حالة هذا الدجال أن المسألة تعتمد على سرعة حركة الدجال وخداع البصر الذى يوهم مشاهديه ،ذلك الخداع الذى أشار إليه عالم سوفيتى باعتباره السبب فى ظواهر مشاهدة رؤية زوار الفضاء الغامضين ،والأطباق الطائرة ،والتى أرجعها إلى الرؤية الخادعة بسبب ظواهر طبيعية غير مفهومة تضخم فيها العقلية غير العلمية القابلة للإيحاء وسوء النية .وقد أشار التحقيق إلى أن أزمة الفيزياء المعاصرة ،هى السبب فى انتشار الأوهام ،ويقر مايكل هتشنسن أحد كبار أعضاء اللجنة المنوه عنها فى نفس التحقيق إلى "إنه قضى 30 عاما فى التحقيق فى ادعاءات الخوارق ،ولم يكتشف خلالها صدق أى إدعاء فى الاتصال بكائنات فضائية ،وامتلاك أى قوة خارقة فى تنويم الناس مغناطيسيا ،أو ثنى المعادن أو غير ذلك"7. كما يمكن للقارئ الرجوع لكتاب الإنسان التائه بين الخرافة والعلم ل د.عبد المحسن صالح من سلسلة كتاب عالم المعرفة حيث يرى تفنيدا قويا لكل تلك الخرافات العصرية التى يروج لها كل من أنيس منصور وعبد الرازق نوفل ورؤوف عبيد ومصطفى محمود وكل من هم على شاكلتهم.‏‏
‎‎ب-مثال آخر لصحفى وكاتب مشهور هو مصطفى محمود والذى واكب ارتداده من اليسار إلى أقصى اليمين فى السياسة ارتداده من العلمية إلى أقصى درجات اللاعقلانية فى الفكر،وقد بلغت شهرته الآفاق بسبب الردتين وكتاباته قمة الانتشار والتأثير الجماهيرى الواسع حتى أنه مما ساعدوا بقوة فى حفر الاتجاه السائد الآن فى منطقتنا فى انتشار الإيمان بالخرافات والرجعية السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية ،وقد أصبح بذلك رائدا فى مدرسة هى الأكثر انتشارا الآن يشاركه فيها العديد من أشهر الكتاب وأنصاف العلماء والمفكرين الرسميين والإعلاميين فى نفس الوقت،وقد ساعدت هذه المدرسة على ترسيخ التخلف والجهالة واحتقار العلم والعمل والمنهج العلمى فى التفكير وأسمى وأنبل ما قد وصلت إليه البشرية عبر تاريخها من مثل وقيم حول العدالة والحرية والتقدم.‏‏
‎‎ولعل أشهر ما يفعله هذا الكاتب هو تقديمه لبرنامج تليفزيونى مشهور له من الشعبية الكثير ،وتخصص له أفضل ساعات الإرسال ،وفى هذا البرنامج يعتمد على عرض أفلام علمية ثم التعليق المتعسف عليها دون طرح التفسير العلمى الصحيح لما يشاهده المشاهد من ظواهر فيوحى للمشاهد الساذج والمحروم من وسائل المعرفة الحقيقية ،والمتعصب بحكم طريقة تربيته وتعليمه صحة استنتاجاته المتعسفة واللاعقلانية وغير المرتبطة بالفيلم المعروض ،وذلك لتأكيد أفكاره المسبقة والمعروفة لدى المشاهد ،دون
أدنى قدر من الموضوعية والأمانة العلمية والتى تقتضى استخلاص
الأفكار من الواقع الذى تعرضه المادة العلمية ،لا فرض الأفكار المسبقة لتفسير المادة المعروضة .وقد شاهدت له حلقات حول التنويم المغناطيسى ومعجزات الشكل الهرمى ،وهى أيضا الخرافات التى يروج لها كاتب الجن والعفاريت السابق ذكره ،ولا يجرؤ أحد من الأساتذة والعلماء فى الكليات العملية على الرد على مثل هذا التهريج باسم العلم ،فهم إما مشاركين فى الهوجة لأسباب عديدة ،أو مرعوبين من الاتهام بالكفر فى مجتمع استبدادى،أو ممنوعين من الكلام أصلا ..وما حدث لنصر حامد أبو زيد عبرة لمن لم يعتبر.وحتى لو ردوا بشكل ما مثلما فعل عبد المحسن صالح فغالبا لن يلتفت إليهم أحد فى أجهزة الإعلام الأكثر انتشارا وتأثيرا فى الجماهير مثل الإذاعة والتليفزيون.‏‏
‎‎يطالعنا هذا الكاتب فى برنامجه المشهور على أفلام علمية تتناول الظواهر المختلفة فى الطبيعة الحية ،وليكن على سبيل المثال فيلما عن جيش من النمل يسير بانتظام حديدى .ثم يعلق على ما نشاهده بتعليقاته المعروفة سلفا ،واستنتاجاته المتعسفة ،وإجاباته الجاهزة حول من علم النمل السير فى انتظام ،ويجيب وكأنها بديهة ،أنه لابد وأن هناك عقلا ما وراء سيره هذا..والتى تجد استجابة مقبولة وتأويل خاص يرضى الجمهور المتعصب من أنصاف المتعلمين لما برمجوا به من معتقدات.‏‏
‎‎وهو فى كل هذا لا يذكر بالطبع السبب العلمى الذى يفسر تلك الظاهرة الكامنة فى طبيعتها المادية ،وإلا تعارض هذا مع استنتاجاته المتعسفة،وبالتالى فإن هدفه الدعائى لن يتحقق ،أما عن حقيقة الظاهرة المذكورة فى هذا المثال فهى أن النمل يتتبع مواد الأثر التى تفرزها غدد خاصة تتصل بإبر اللدغ الموجودة بمؤخرة النمل ،ولو مسحنا بإصبعنا على طريق النمل فأن أول نملة ستصل للمكان الممسوح ستضطرب خطواتها وتعود القهقرى كأنما اصطدمت بجدار ،فالذى حدث هو أننا مسحنا مادة الأثر التى كان يسير على هديها النمل .. لاشك أن هذا المثل المذكور على تكريس الخرافة عبر الرطانة العلمية هو ما أصبح يشكل مادة خصبة للتجارة التى تشجع على ترويجها أجهزة الإعلام..أما ما نحن متأكدين منه هو أن كل عمليات الحياة تعتمد على تفاعلات كيميائية بين جزيئات كيميائية عضوية ،وهو ما يؤدى لكل عمليات الحياة من حركة وتكاثر وإحساس وفكر ونمو وتغذية وإخراج ..و ما مواد الأثر والإنذار وجاذبات الجنس والروائح التى تطلقها العديد من الحشرات والنباتات سوى مفردات لغة خاصة بها ،تعلن بها عن رغباتها الخاصة فى تلبية إحدى احتياجاتها الحيوية ،وما هى إلا مركبات كيميائية استطاع البشر تركيبها واستخدامها فى نفس الأغراض المخصصة لها مثلما استطعنا صنع مكسبات الطعم واللون والرائحة ..وهو أمر لا يمكن أن يثبت أو ينفى على أى نحو من هو سيد هذا الوجود وصاحبه؟ وما هى ماهيته؟.‏‏
‎‎ج-البحث العلمى لم يصبح عملا فرديا بوسائل بسيطة ،بل عملا جماعيا بوسائل مكلفة للغاية لا تقدر علي تمويلها إلا المؤسسات الرأسمالية أو الدولة ،والتى ترفع العلماء والباحثين وخصوصا الإعلاميين منهم لمستوى معيشة مرتفع لا يشعرهم بمدى عبوديتهم لها أو تجعلهمراضين بها بل وراغبين فيها بعد أن أعدتهم على شاكلتها ومثالها ،ولذلك فأن الكثيرين منهم حفاظا على مصالحهم الشخصية وتلبية لطموحاتهم الذاتية يلبون رغبة سادتهم البورجوازيين فى إشاعة الجهل والخرافة من خلال نفوذهم الأدبى البالغ ،أو حتى بسبب عقليتهم التى تفصل بين علمهم المتخصص ونظرتهم الشاملة للعالم من حولهم ، فقد قرأت فى أحد الجرائد القومية اليومية فى حديث لأستاذ جيولوجيا فى جامعة عبد العزيز آل سعود إنكاره صحة قوانين حفظ وبقاء المادة رغم الصحة المؤكدة لهذه القوانين الذى لابد وأنه تعلمها منذ أن كان طالبا بالمرحلة الثانوية ،ثم إنكاره صحة نظرية النشوء والارتقاء للكائنات الحية والتى لا يصح وصفها بكونها مجرد نظرية حيث أصبحت فى خطوطها العريضة من حقائق العلم المؤكدة بصرف النظر عن تفصيلاتها المعرضة للتعديل والتطوير،وعندما يقرر عدم صحتها أحد أساتذة الجيولوجيا الجامعيين دون أى دليل علمى ينقض أساسها الغير مقدس بأى حال .وهو متأكد من خلال تخصصه بمدى ما وصلت إليه تلك النظرية من مكانة مركزية فى تاريخ العلم الحديث وبمدى صحتها بشكل حاسم فى خطوطها العريضة .لابد وأن نتساءل حول سر مثل هذا الحديث .هل لأن النظرية ممنوع تدريسها بكافة مدارس ومعاهد وجامعات المملكة العربية السعودية ؟فإذا كان هذا هو حال علماءنا فى مراكز البحث العلمى فكيف برجل الشارع العادى؟ .فقد أصبحت صورة العالم المتفانى فى سبيل اكتشاف الحقيقة المجردة والمنزه عن الأغراض الذاتية نجدها بصعوبة الآن ،وخصوصا فى الجزء المتخلف من العالم حيث الديكتاتورية والإرهاب والتعصب والجهل وسيادة المنهج الخرافى حتى فى عقر دار العلم والعلماء ،وتلوث مراكز البحث والتعليم بالأغراض الذاتية لمن يمولوها ومن ثم البعد عن المنهجية العلمية فى البحث فى كثير من فروع العلم وفى العالم كله من خلال احتكار البورجوازية المأزومة لكافة وسائل الإعلام والثقافة والنشر والتوزيع والبحث العلمى ،ودفعها الأمور على هذا النحو حفاظا على مصالحها ،فقد تحول العلم لسلعة من سلع السوق يخضع لما تخضع له السلع من بيع وشراء ،وتحدد قيمته حسب قوانين العرض والطلب. ‏‏
‎‎د-الثقوب السوداء هى نجوم تقلصت إلى حد كبير ،وأصبحت مرتفعة الحرارة لدرجات هائلة و ذات كثافة عالية جدا ومن ثم مجال جاذبية غاية فى الشدة ،وأذكر أن أول مرة سمعت فيها عن هذه الثقوب كان من خلال المجلة الأسبوعية التى كانت المسرح الأول لظهور مصطفى محمود وقد أوحى إلى التحقيق أن هذه الثقوب هى ثقوب حقيقية فى حدود ما بيننا وبين عوالم أخرى .وهو الأمر الذى يخالف حقيقتها فلا هى ثقوب و لا توجد أى حدود بالكون المرصود لنا حتى الآن مما يؤكد وحدته ،وأن هذه الثقوب يمتلئ بها الكون بكل مجراته..وأعتقد أن الخطورة الحقيقية هى تلقف كتاب الصحف والكتب الشعبية،بعض استنتاجات العلماء المشوهة ،أو بعض أقوالهم المبتورة والمجزئة ،أو تعبيراتهم الاصطلاحية التى لا يفهمها سواهم واستخدام كل هذا لتقديم صورة خيالية مثيرة للعالم تجد شرعيتها فى كونها تتحدث باسم العلم كى يرتفع التوزيع كلما كانت هذه الاستنتاجات أكثر غرابة ،والأقوال أكثر إثارة والتعبيرات أكثر غموضا وغرابة ،وبالتالى تساعد على انتشار الأوهام بأساليبها المثيرة المغلفة بالرطانة العلمية.‏‏
‎‎ه-ذكر د.عبد العظيم أنيس رئيس قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة عين شمس فى مقال له معنون ب هل يمكن أسلمة العلوم كنت أود لو استطعت اقتباسه كاملا لما فيه من تأكيد لما أود توضيحه وهو بمثابة شهادة صادرة من عالم متخصص أمين لعلمه .وسأكتفى باقتباس بعض الفقرات الهامة منه.‏‏
"‎‎حكيت قصة مدرس الجامعة الإقليمية الذى وضع بحثا أسماه (علم الإحصاء الإسلامى ) ،وأرسله إلى أكاديمية البحث العلمى بأمل نشر ه،وقد أرسلته الأكاديمية لإبداء الرأى ،فلما تصفحته وجدت أن المادة الإحصائية به هى مما يدرس لتلاميذ المدارس الثانوية ،باختلاف وحيد هو أن كل مفهوم يقدم فى الكتاب يضاف إليه كلمة إسلامى فى آخره ،فالباحث يتحدث عن الوسط الحسابى الإسلامى ،والانحراف المعيارى الإسلامى ،وتوزيع جاوس الإسلامى ،وهكذا أما ما يميز الإسلامى عن المعاصر فى تلك المفاهيم فأمر بسيط ،فإذا كان المتغير محل الدراسة هو عدد الحجاج أو عدد المصلين ،فأن الإحصاء يصبح إسلاميا ،وإذا كان المتغير طلابا مثلا،أو مرضى يصبح معاصرا !،وعندما يأس هذا الباحث من قيام الأكاديمية بنشر بحثه ،لم يتورع عن أن يقدم هذا البحث إلى لجنة جائزة الدولة التشجيعية على هيئة كتاب مطبوع أملا فى الحصول على الجائزة!!"8.‏‏
‎‎وقد عرفت الحضارة الإسلامية المئات من العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية ،ودفعوا البشرية نحو المزيد من التقدم ،إلا أن ما قدموا ما كان ليتم لولا ما قد سبقه من حركة ترجمة واسعة لتراث الحضارات السابقة من يونانية وفارسية ومصرية وهندية،إلا أن ابن سينا لم يسم طبه بالطب الإسلامى ،ولم يسم الخوارزمى ما أبتدعه من جبر بالجبر الإسلامى ،ولم يدع جابر بن حيان أن كيميائه إسلامية.فما يصح وصفه بالعلوم الإسلامية هى العلوم المرتبطة بالدين الإسلامى من فقه وحديث وتفسير وهى علوم تفسيرية وتأويليه لنص مقدس لا تهم سوى المؤمنين بقدسية هذا النص، أما العلوم الطبيعية والاجتماعية فهى علوم إنسانية عامة تخص كل البشر إبداعا واستفادة لكونها علوم تفسر الواقع العام الذى يخص كل البشر أيما كانت عقائدهم .والمأساة الكامنة وراء هذا المنهج الخطير إنه بدلا من أن يحاول المسلمين الاستفادة من العلوم الحديثة وإضافة إبداعات جديدة لها ،يجترون الماضى بشتى السبل ويعيشون على تركته،فهل حاول هذا الباحث الذى ما يصح إطلاق هذه الصفة عليه أن يفيد أمته بما تعلمه من علم الإحصاء لعله يدرك ما هو وضع المسلمين الآن وليس أمس فى سلم التقدم والحضارة.وهل ما وصل إليه المسلمون من وضع مذرى فى العصر الحديث إلا لأن السائد بينهم من المثقفين هم من أمثال مثل هذا الباحث..ولعلك ترى الفرق بين وضع المسلمين وقت ازدهار الحضارة الإسلامية ووضعهم الآن من خلال المقارنة بين ابن سينا والخوارزمى وابن حيان وبين هذا المدرس الجامعى فهؤلاء صنعوا حضارة وهذ1 ممن يساعدون على تكريس التخلف لمصلحة المستفيدين منه.‏‏
‎‎ولا تقتصر المسألة على محاولة التوفيق بين الدين الإسلامى والعلوم العصرية المختلفة إلا أن الأمر تجاوز هذا الحد لمحاولة تأويل وتفسير النصوص القرآنية بثرائها اللغوى البالغ ،والتى تحتمل مفرداتها أكثر من معنى لتتماشى مع الحقائق والنظريات العلمية وقد تفرغ لهذا عدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعة والكتاب ،فكلمة دحاها مثلا تعنى دكها حتى جعلها كالبساط ،مما استدعى من الشيخ عبد الله بن باز مفتى المملكة العربية السعودية الإفتاء بأن القائل بكروية الأرض مرتد تستوجب استتابته لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .إلا أن البعض لدينا من نالوا من العلم الحديث قدرا ما، يفسرون دحاها على أنها تعنى شكلها كالبيضة لكى تتفق والحقيقة العلمية لبيضوية شكل الأرض ،إلا أن الدحية كما يذكر المعجم الوسيط تعنى مكان بيض النعامة وليست البيضة نفسها.يذكرنى هذا بواقعة استدعاء عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد لمحاسبته على قتل أسرى المرتدين حيث قال لحراسهم فى ليلة باردة "أدفئوا أسراكم" فقتلهم الحراس لأن أدفئوا معناها اقتلوا فى لهجة قبيلة كنانة التى كان ينتمى إليها الحراس ،ومن ثم فقد نجى خالد بن الوليد من المحاسبة .‏‏
‎‎يذكر عبد العظيم أنيس أيضا فى نفس المقال المنوه عنه:فى عام 1972 نشر العالم الكبير جاك مونود ،والحاصل على جائزة نوبل فى البيولوجيا (كتاب بعنوان الضرورة والصدفة )عبر فيه عن قناعته بأن أبحاث البيولوجيا قد أوضحت بشكل حاسم أنه لا يوجد مخطط أساسى لعمليات التطور البيولوجى ،وأنه بناء على ذلك لا يرى قوة كونية توجه هذه العمليات ،وأن مفهوم الصدفة هو مفهوم أساسى فى العلم الحديث ،لا فى عمليات التطور البيولوجى وحدها .و إنما فى عمليات التحول الفيزيقى والكيميائى وعلى المستوى الذرى أيضا .ومفهوم الصدفة موجود أيضا فى العمليات الاجتماعية فضلا على أنه المفهوم الرئيسى لعلم رياضى هو علم الاحتمالات وعلم الإحصاء .وتولى الرد على جاك مونود عالم بريطانى آخر -بورتيليمو-وهو أستاذ إحصاء بجامعة لندن بكتاب (إله الصدفة ) صدر عام 1984،وهو محاولة نصف علمية ونصف دينية ،لدراسة مفهوم الصدفة ،ولإعادة تأويل بعض نصوص العهدين القديم والجديد بما يتفق مع هذا المفهوم .أى أن بورتليمو لم يحاول ضرب عرض الحائط بأحد المفاهيم الأساسية للعلم الحديث _وما كان له أن يفعل ذلك وهو أستاذ الإحصاء بالجامعة .وإنما اجتهد بإعادة تأويل بعض نصوص الإنجيل فى مواجهة مفاهيم وحقائق العلم."9.‏‏
‎‎وهو بذلك أكثر التزاما بالأمانة العلمية من أستاذ الفلك بجامعة القاهرة الذى فسر الآية القرآنية الكريمة "السماء ذات الرجع " بأنها إشارة إلى انعكاس الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الأرض بواسطة طبقات الغلاف الجوى العليا المحيطة بكوكب الأرض ..ومما لاشك فيه أن هذه الطبقات التى لا تبعد سوى مئات الكيلو مترات من على سطح الأرض الكروى يتلوها الفضاء الذى يفصل بينها وبين باقى أجرام الكون اللامتناهى ،ومن ثم فهى ليست السماء المذكورة فى القرآن الكريم حيث السماء لغويا هى ما يعلو الرأس أو السطح أو الأرض .وهى تفصل وفق العقيدة الإسلامية بين عالم الغيب وعالم الشهادة، أما الأرض ككرة معلقة تدور فى الفضاء حول نفسها وحول الشمس ويدور الاثنان حول مركز المجرة فلا يوجد لها سقف يعلوها لأن مفاهيم الأسفل والأعلى لا تنطبق عليها ولايوجد بالكون كله ما هو أعلى وما هو أسفل إلا إذا نسبناه للمراقب .واليهود وفقا لنص التوراة يعتقدون أن السماء غطاء من الجلد يفصل بين
الأرض ،وبين السحاب الذى يعيش فيه إلههم "يهوه " الذى يحب أن يحتجب فى الغمام ولذلك سمى بالله بمعنى المحتجب.‏‏
‎‎ومن ثم كانت من الصدف الطريفة أن أكتشف أن هذه المحاولات للربط بين النصوص المقدسة للأديان المختلفة والعلوم الطبيعية تشمل أيضا اليهود فالحاخام مناحم مندل شنيورسون الأدمور السابق لحركة "حبد" الدينية المتطرفة "كان يولى بحكم ثقافته وعلومه أهمية قصوى للتطورات العلمية والتكنولوجية وخاصة علوم الفضاء والفلك .وهو يسعى دائما إلى التوفيق بين التوراة والعلم ،ويؤكد غياب أى تناقض بينهما "لأن الله قد خلق العالم حسب التوراة ". وإن ظهر مثل هذا التناقض فهو على استعداد لتأويل النصوص كى تتوافق مع العلوم .وقد رأى أن اختراع الراديو جاء لنشر اليهودية ،وأن اكتشاف الأمواج الكهرومغناطيسية ،إنما هو تأكيد مادى محسوس ،على قرب قدوم "المسيح المخلص"،لأن الأرض تمتلئ باسم الله "10. وأنا شخصيا لا أعرف كيف يتأتى للبعض مثل تلك الصفاقة ، بأن يربطوا بين نص ما وبين حقائق العلم رغم التناقض الواضح بينهما بهذه البساطة دون ما أدنى خجل مصداقا للقول المأثور "إذا لم تستح فأفعل ما شئت"، وكيف يصدق آخرون مثل هذا الدجل دون أن يكتشفوا التناقض فيما تلقوه .والغريب أنه وفقا للمصدر فأن هذا الحاخام كان يتميز فى شبابه بتفوق دراسى متميز فى العلوم الطبيعية ، وهو يعلم أن الله قد أنتهى من خلق العالم وفقا للتوراة يوم السبت 29 أكتوبر 4696قبل الميلاد فى حين يعلم بحكم تعليمه الحديث أن الأرض وحدها عمرها أكثر من 4 بلايين عام.‏‏
‎‎و- يحاول الكثير من الكتاب والفلاسفة إثبات مركزية الإنسان فى الكون ،أى أن هذا الكون خلق لغاية معينة،هى وجود الإنسان فى قمة تطوره ،وبالتالى فأن لهذا الإنسان مكانة خاصة فى الكون وكذلك ما يعيش عليه من كوكب.إلا أن كوكبنا "الأرض"هو مجرد كوكب متوسط الحجم كروى الشكل منبعج عند القطبين يدور حول نفسه ،ويدور حول نجم متوسط الحجم هو الشمس،مع مجموعة من الكواكب تشكل المجموعة الشمسية ،التى تدور حول مركز مجرة الطريق اللبنى ، التى تتكون من حوالى مائة مليار نجم بخلاف الكواكب والأقمار والمذنبات والكويكبات ،وهى تشترك مع عدة مجرات قريبة منها فى مجموعة محلية من المجرات ،ويبلغ عدد المجرات التى تتباعد عن بعضها كما لو كانت فى حالة انفجار فى الكون المرصود لدينا حتى الآن حوالى مائة مليار مجرة يبلغ قطر الحيز الذى تشغله 16 مليار سنة ضوئية .فإذا كانت الثانية الضوئية 300000كيلومتر،فلك أن تحسب مدى اتساع هذا الحيز ،الذى سيتجاوز ألفى بليون بليون بليون كيلومتر ،وأنه للأسف لم تستطع أجهزة الرصد أن تصل لما هو أبعد من ذلك حتى الآن ،وبالطبع فأن إمكانية وجود مجرات أخرى أكثر بعدا يعد أمر وارد،وإن كانت أجهزة الرصد لم تستطع رصدها حتى الآن ..فى حين أن الغلاف الجوى للأرض هو خليط من بعض الغازات تقل كثافتها تدريجيا كلما ارتفعنا من على سطح الأرض ،لنصل للفضاء الخارجى الذى يفصل بين أجرام الكون ،وهذا الغلاف لا يتجاوز بعده عن سطح الأرض بضع مئات من الكيلومترات .‏‏
‎‎الحقيقة أن اكتشافات الإنسان الواسعة للكون أو ضحت مدى ضآلة كوكب الأرض عمرا وحجما ومكانة ،حيث هو مجرد كوكب متوسط الحجم من ضمن عدد غاية فى الضخامة من الكواكب ،وأبانت مدى ضآلة مكانتنا نحن البشر فيه من حيث المكان والزمان ..ومن هنا فأن أى أساطير تحاول التأكيد على أن هذا الكون موجود من أجلنا ،وأن كرتنا الأرضية ذات مركز ما فى هذا الكون ،أو أن لهذا الكون أى مركز أو حدود تحيط به ،هى أوهام من صنع البشر نتيجة جهلهم وتخلفهم .وهذه الحقيقة على بساطتها هى محل عداء الكثيرين الذين يصرون على مركزيتهم فى الكون.ليست مركزية البشر ككل فحسب، وإنما ما هو أكثر من ذلك مركزيتهم هم فى الكون ،فحركة أفلاك الكون وأجرامه تحدد صفاتهم وما يحدث لهم من حوادث ،، وترتيب تلك الأجرام فيما بينها لحظة ميلاد الشخص تحدد مستقبله وصفاته، وكأنما ما وجد الكون وما تحرك إلا لميلاده .‏‏
‎‎هذا الكون الضخم قد بدأ وفقا لنظرية الانفجار الكبير بانفجار تم لكتلة شديدة الكثافة والصغر والحرارة من المادة ،وهى عملية مازلت مستمرة حتى الآن فالكون يبدو كما لو كان فى حالة انفجار مستمر وذلك منذ 15مليارعام ،ومن الغبار الكونى تكونت المجرات ومنها تكونت النجوم ومن هذه النجوم الكواكب ومنها الأرض فيأتى أستاذ جامعى فى الفلك ليفسر الآية القرآنية الكريمة"كانتا رتقا ففتقناها" التى تتحدث عن السماء والأرض بأنهما كانتا رتقا أى ملتصقتين ففتقهما الله سبحانه وتعالى أى فصلهما عن بعضهما البعض .وذلك إما بناء على نظرية الانفجار الكبير،أو حقيقة انفصال الكتلة التى كونت كوكب الأرض عن الشمس التى لا يمكن أن تكون السماء المقصودة فى القرآن الكريم.‏‏

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية