الثلاثاء، 17 يونيو 2008

كتاب تقدم علمى تأخر فكرى

كتاب تقدم علمى تأخر فكرى
سامح سعيد عبود
البداية

إن نقطة الانطلاق الأساسية لهذا الكتيب ،هو قيامه على أساس مفهوم فلسفى صحيح ،هو أن الحرية هى فهم الضرورة ،فالحرية هى هدف مستمر للإنسان فى مواجهه الطبيعة والحياة والواقع من حوله بكل ما يمثله من قيود على تحقيق إرادته ،والتغيير سواء أكان فجائيا ثوريا أو تدريجيا إصلاحيا هو ناتج انتصار الإنسان فى معركته مع الطبيعة والواقع من أجل السيطرة على ما يحكمهما من ضرورات ،والأيديولوجية هى منظومة من الأفكار تعبر عن مجموعات من البشر فى لحظة تاريخية معينة توحدهم ظروف واقعية معينة مما يدفعهم لتبنى تلك المنظومة الفكرية تعبيرا عن هدفهم ورؤيتهم المشتركة فى مواجهة تلك الظروف..هذا بشكل عام أما ما يخصنا فى هذا الموضوع ،فهو أن الحرية معنى بها تحرير الإنسان من شتى أشكال القهر والاغتراب والاستغلال ،وأن الثورة معنى بها ثورة كل المقهورين والمغتربين والمستغلين من أجل تحررهم من كافة أشكال العبودية ..أما عن الأيديولوجية فأن بينها وبين العلم تناقضا سنأتى على ذكره بعد قليل .‏‏
‎‎أن منطق المفهوم سالف الذكر هو أن البشر أى بشر لن يصيبوا من النجاح إلا بمقدار فهمهم للضرورة التى تحكم الواقع التى يرصدها العلم باعتباره فهمنا لهذا الواقع ،وبمعنى أدق كلما اقترب البشر من معرفة الواقع أى من الحقيقة الموضوعية كلما كانوا أقدر على تحقيق أهدافهم ،وإشباع مصالحهم وممارسة وسائلهم .‏‏
‎‎أن هناك رابطة قوية بين الحرية والثورة والأيديولوجية وبين العلم أو فهم الضرورة .إلا أن هناك تناقضا بين العلم والأيديولوجية ،فلأن الأيديولوجية مرتبطة بالمصالح الذاتية لمن يتبنوها ،فأنها تشوه العلم لكونها تفقده موضوعيته فيما يتعارض من حقائقه مع هذه المصالح ،إلا أنه فى نفس الوقت ،فأن متبنى الأيديولوجية يكونون فى أمس الحاجة لفهم الواقع أى العلم كى يستطيعوا تجسيدها من مجرد أفكار إلى واقع موضوعى ،ومن هنا يبدأ تطويعها للعلم ،مما يعنى فى النهاية تشويهه،والعلم فى نفس الوقت يتعارض مع الأيديولوجية ،إذا كانت هذه الأيديولوجية فى تناقض مع الضرورة التى تحكم الواقع رغم إرادتنا .وقد لا يتعارض إذا كانت تتوافق مع هذه الضرورة ،إلا أن الرضوخ السلبى للواقع ،يعيق قدرة الإنسان على تحقيق مصالحه ،إذ يغفل هذا الموقف السلبى فى هذه الحالة حقيقة الدور الخلاق للإرادة البشرية الواعية والتى تتجسد فى الفعل الواعى للبشر فى التأثير على الواقع باعتبار من يمارسوه هم جزء من هذا الواقع.‏‏
‎‎ولتبسيط هذا المفهوم نستطيع القول إنك مثلا فى أمس الحاجة لمعرفة قوانين الماء ،وكيفية التعامل معه حتى تستطيع السباحة،إلا أنك لن تسبح ما لم تتوافر لديك إرادة السباحة ،وضرورة فهمك لقواعدها ،إلا أنك فى نفس الوقت لن تستطيع السباحة على اليابسة التى لا يمكن السباحة عليها ،حتى ولو توافرت لديك الإرادة التى تتناقض مع قوانين اليابسة وطبيعتها .فالأولى إرادة فى توافق مع الضرورة وفهمها أى العلم ..أما الثانية فلا تتوافق معها ..فاستطعت أن تنجح فى الأولى ،و أصابك الفشل فى الثانية..ففهم الإنسان لقوانين الإزاحة جعلته يحول المعادن التى تغوص بحكم كثافتها فى الماء إلى سفن مجوفة ،تتغلب بفعل تجوفها على أثر كثافتها ،مما يجعلها تطفو وتسبح فوق الماء ...فبدون العلم أو فهم الضرورة ما كنا استطعنا ذلك ،كما كنا لن نستطيع أن نحققه دون الإرادة الواعية .أننا فى حاجة لفهم العرض العلمى لتاريخ المادة بشقيها (الطبيعة والمجتمع )باعتباره كل الواقع المستقل عن وعينا به ،والذى ينعكس فى عقولنا فى صورة وعى ومعرفة من خلال حواسنا وامتدادها من أجهزة علمية ،وذلك فى الخطوط العريضة باعتبار أن لهذا الواقع تاريخ ،وأننا لا يمكن أن نفهمه إلا من خلال هذا التاريخ ،ومن هنا فقط ،نستطيع اكتشاف ما يحكم تطوره من ضرورات وقوى, دائما ما يوجد فى المجتمع البشرى جماعات من البشر سواء أكانوا طبقات أو شرائح تتطابق مصالحها مع العلم أو فهم الضرورة ،والتى من خلال فعلها المادى المنظم المعبر عن إرادتها الواعية وحدها يمكن التوصل للهدف البشرى فى الحصول على درجة أعلى من الحرية أو بمعنى آخر التحكم فى الواقع ،أن مثل هذه الطبقات ليست فى حاجة لأيديولوجية متناقضة مع العلم أيا ما كانت لتبرير مصالحها بل أن هذه المصالح تتعارض مع أى أيديولوجية من هذا النوع ..أن ما تحتاجه هذه الطبقات هو فهم الواقع .تلك العملية المقرونة بكل التاريخ البشرى .ولن تنتهى تلك المحاولة طالما استمروا فى الوجود ،وذلك لأسباب هى لا نهائية الواقع ومظاهره المتناقضة مع محدودية العالم البشرى رغم اتساعه وتعقده ،ولانهائية التغيرات التى تحدث به ،ومن ثم فلابد من الاعتراف بالقدرة البشرية المحدودة للإلمام بكل تفاصيل هذا الواقع ، فتطورات العلم لن تنتهى عند حد ،إلا أن ما سيظل صحيحا على الدوام هو ضرورة تبنى المنهج العلمى فى التفكير ،والذى سيظل محتفظا بقيمته مهما تطورت حقائق العلم وتغيرت ،وبالتالى فأن ما يمكن التأكيد عليه هو ضرورة تخليص العلم من المؤثرات الأيديولوجية الضارة .‏‏

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية