كيف نقاوم ارتفاع الأسعار؟
كيف نقاوم ارتفاع الأسعار؟
سامح سعيد عبود
تواصل أسعار السلع الأساسية ارتفاعها بينما تظل الأجور على حالها من الجمود أو النمو ببطء، وهذا يعنى العجز المتزايد عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، واقتراب أكثرنا فقرا من حافة المجاعة، وربما الموت جوعا، وهو ما قد نشهده فى القريب العاجل، و الموجة الأخيرة من ارتفاع الأسعار لها بعد عالمى، حيث اتجهت شركات الطاقة لتحويل الحبوب مثل القمح والذرة إلى الإيثانول لتسيير السيارات والمصانع بعد ارتفاع أسعار البترول والغاز الطبيعى، مما رفع من أسعار الحبوب، ومن ثم أسعار الخبز والمعجنات و الزيوت النباتية، وربما قريبا سوف يتجهون لقصب السكر مما سوف يرفع من أسعار السكر، والقطن والكتان مما سوف يرفع من أسعار الملابس والمفروشات والزيوت النباتية. وسوف يكون لذلك كله أثره فى ارتفاع أسعار الألبان واللحوم والبيض ، أى كل ما يمكن أن نأكله و نرتديه تقريبا
أما عن الأبعاد المحلية الخاصة بمصر، فإن السياسات المتوالية للنظام أهدرت مساحات شاسعة من الأرض الزراعية وحولتها لأراضى بناء برغم أننا من أفقر بلاد العالم فيما يتعلق بالمساحات المزروعة بالنسبة لعدد السكان المتفجر بلا رابط و لا ظابط، وأدت نفس تلك السياسات لتحويل المساحات المحدودة لدينا لزراعة محاصيل تجارية للتصدير للخارج ، ومن ثم أصبحنا معتمدين تماما على السوق العالمى لتلبية معظم احتياجتنا من الغذاء، فنحن بفضل نظامنا الرشيد أصبح لنا كلمة مسموعة فى سوق الحبوب العالمى لا باعتبارنا من كبار المنتجين لا سمح اللة، بل باعتبارنا من أكبر ثلاث بلاد مستوردة للقمح والذرة فى السو ق العالمى.
من منتصف الخمسينات إلى منتصف السبعينات، كانت الدولة المصرية، تفرض على المزراعين أسعار جبرية لمنتجاتهم من حبوب و قصب سكر وقطن وكتان، وتبيعها للمستهلكين سواء فى شكلها الخام أو بعد تصنيعها كأغذية و ملابس، فى ظل سياسة تسعير جبرى لمعظم السلع الأساسية بما فيها حتى تلك التى كانت تباع فى السوق الحر كالفواكة والخضروات والبقول، مما عمق الوعى لدى الناس أن الحكومة هى المسئول الأول والأخير عن أرتفاع وانخفاض الأسعار باعتبارها أكبر تاجرة يشترون منها احتياجاتهم، فضلا عن مسئوليتها عن ارتفاع وانخفاض الأجور باعتبارها أكبر صاحبة عمل توظف معظم العاملين بأجر ، وهذا الوضع وإن كان صحيحا فيما مضى، إلا أنه قد تغير بدءا من الثمانينات بعد أن تخلت الحكومة عن دورها كصاحبة عمل و كتاجرة، لصالح قوى السوق، وهو أسم التدليل الذى يطلقه الإعلام على الرأسماليين، الذين أصبح بامكانهم وحدهم تحديد أسعار معظم السلع وأجور معظم العاملين بأجر بعيدا عن أى تحكم أو رقابة .
فإذ كانت الدولة مازالت توظف ربع قوة العمل المأجور إلا أن الباقين منهم يعملون فى القطاع الخاص، سواء فى القطاع الرسمى منه أو غير الرسمى. و إذا كانت الدولة مازلت تحدد أسعار بعض السلع كمنتجات البترول والغاز الطبيعى، فإن معظم السلع خرجت من سيطرتها،إلا أنها فى نفس الوقت يمكنها اتخاذ سياسات مالية معينة تكبح ارتفاع الأسعار أو بالعكس تطلق لها العنان، إلا أنها إمكانية ليست مطلقة،لأن لها علاقة بتوازنات قوى اقتصادية وسياسية واجتماعية.
ومن هنا فنحن أمام واقع مختلف عما أعتاد عليه الناس قديما، ومازال راسخا فى وعيهم الجماعى، ففى ظل الوضع القديم كان العاملين بأجر يسعون لتحسين مستوى دخولهم فى الغالب بأحد طرق الحل الفردى، مثل ممارسة بعضهم العمل الآخر بجانب العمل الأصلى، و ممارسة بعضهم للفساد الإدارى، و ممارسة بعضهم الأعمال الحرة كالتجارة ، ولجوء بعضهم للهجرة للخليج، وأما عن الحرفيين والمهنيين والمنتجين الصغار فيمكنهم غالبا رفع أسعار سلعهم وخدماتهم ، وأحيانا ما كان يمارس العاملين بأجر النضال الجماعى بالاحتجاج والاعتصام والإضراب الذى كان موجها غالبا ضد الدولة باعتبارها صاحبة العمل الأولى والتاجرة الكبرى ، وذلك إما لرفع الأجور وتحسين دخولهم وشروط عملهم أو خفض أسعار السلع والخدمات ، وكان هذا يمارس أما على نطاق جزئى فى أحد مصانع القطاع العام ، أو على نطاق جماهيرى واسع كما حدث فى انتفاضة 18و19 يناير 1977 . وبرغم طبيعة هذا النضال الاقتصادي إلا أنه كان يقترن بمسحة من نضال سياسى باعتباره موجها ضد الدولة .
فى ظل الوضع الحالى مازال يمكن لبعض العاملين بأجر لدى الدولة والقطاع العام ممارسة النضال الاقتصادى فى مواجهتها لرفع أجورهم وتحسين شروط عملهم ،إلا إن العاملين بأجر فى القطاع الخاص لا يملكون ترف ممارسة هذا النضال إلا باستثناء قطاع محدود منهم لا يتجاوز المليون ، وهم العاملين فى منشئات كبيرة كثيفة العمالة، ليبقى معظم العاملين بأجر وخصوصا فى القطاع غير الرسمى عاجزين عن أى نضال اقتصادى، نظرا لأوضاعهم الوظيفية غير المستقرة، والجدير بالذكر أنه فى ظل الارتفاع المضطرد فى البطالة والركود الاقتصادى، يصعب على العاملين بأجر الضغط على أصحاب العمل لتحقيق مطالبهم بشكل عام، سواء أكان صاحب العمل الدولة أو القطاع الخاص، وسواء فى القطاع الرسمى أو غير الرسمى.
إذا كان هذا هو الوضع على جبهة رفع الأجور وتحسين شروط العمل، وهو ما لا يمكن أن تمارسه سوى قطاعات من العاملين بأجر بشروط محددة، فإن هناك جبهة أخرى هى جبهة خفض الأسعار، وهو ما يمكن أن يناضل من أجله المستهلكون الذين يشكل العاملون بأجر غالبيتهم العظمى. وهناك شكلين من أشكال النضال فى تلك الجبهة
الأول هو تنظيم حملات مقاطعة للتجار، لإجبارهم على خفض الأسعار، وهذا يستلزم درجة عالية من الوعى والإرادة الجماعية والتصميم لدى غالبية المستهلكين، ودرجة عالية من التنظيم و القيادة الجماهيرية واسعة النفوذ وسط الغالبية الساحقة من الجماهير وهو ما لا تملكه أى قوى سياسية أو اجتماعية فى مجتمعنا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأسعار يمكن أن تعاود ارتفاعها بعد انتهاء المقاطعة.
الثانى هو تنظيم حركة تعاون استهلاكى، توفر احتياجات المستهلكين من السلع و الخدمات المختلفة بأسعار تزيد قليلا عن التى يبيع بها المنتجون سلعهم وخدماتهم، وهو ما سوف يخفض من أسعار السلع والخدمات،لأن ما يحصل عليه سواء المستوردون أو تجار الجملة والتجزئة يرفع من أسعار السلع والخدمات أضعافا مضاعفة عن أسعار المنتجين، وخصوصا مع زيادة حلقات الوساطة فى مجتمع يفضل رأسماليوه الاستثمار فى التجارة والمضاربة عن الاستثمار فى الإنتاج.
و الجدير بالذكر أن هناك عقبات أمام هذا النوع من النضال إلا أنه من الممكن التغلب عليها، بنضال سياسى يحرر التعاون من سيطرة الدولة وقوانينها، وممارسة أشكال من التعاون الاستهلاكى واقعيا خارج الإطار القانونى و الرسمى ، كما أنه من الممكن ممارسته فى البداية على نطاق محدود لا يلبث أن ينتشر.
كان من الممكن أن أنهى المقال بشعارات سياسية من قبيل الحد الأدنى للأجور وربط الأجر بالأسعار، وبصرف النظر عن قبول أو رفض هذه الشعارات، فإن رفعها فى ظل عدم وجود قوى سياسية أو اجتماعية قادرة على الوصول للسلطة أو حتى التأثير في السلطة بوسائل الضغط الجماهيرى لتحقيق هذه الشعارات هو أقرب للغو الحديث الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.
تواصل أسعار السلع الأساسية ارتفاعها بينما تظل الأجور على حالها من الجمود أو النمو ببطء، وهذا يعنى العجز المتزايد عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، واقتراب أكثرنا فقرا من حافة المجاعة، وربما الموت جوعا، وهو ما قد نشهده فى القريب العاجل، و الموجة الأخيرة من ارتفاع الأسعار لها بعد عالمى، حيث اتجهت شركات الطاقة لتحويل الحبوب مثل القمح والذرة إلى الإيثانول لتسيير السيارات والمصانع بعد ارتفاع أسعار البترول والغاز الطبيعى، مما رفع من أسعار الحبوب، ومن ثم أسعار الخبز والمعجنات و الزيوت النباتية، وربما قريبا سوف يتجهون لقصب السكر مما سوف يرفع من أسعار السكر، والقطن والكتان مما سوف يرفع من أسعار الملابس والمفروشات والزيوت النباتية. وسوف يكون لذلك كله أثره فى ارتفاع أسعار الألبان واللحوم والبيض ، أى كل ما يمكن أن نأكله و نرتديه تقريبا
أما عن الأبعاد المحلية الخاصة بمصر، فإن السياسات المتوالية للنظام أهدرت مساحات شاسعة من الأرض الزراعية وحولتها لأراضى بناء برغم أننا من أفقر بلاد العالم فيما يتعلق بالمساحات المزروعة بالنسبة لعدد السكان المتفجر بلا رابط و لا ظابط، وأدت نفس تلك السياسات لتحويل المساحات المحدودة لدينا لزراعة محاصيل تجارية للتصدير للخارج ، ومن ثم أصبحنا معتمدين تماما على السوق العالمى لتلبية معظم احتياجتنا من الغذاء، فنحن بفضل نظامنا الرشيد أصبح لنا كلمة مسموعة فى سوق الحبوب العالمى لا باعتبارنا من كبار المنتجين لا سمح اللة، بل باعتبارنا من أكبر ثلاث بلاد مستوردة للقمح والذرة فى السو ق العالمى.
من منتصف الخمسينات إلى منتصف السبعينات، كانت الدولة المصرية، تفرض على المزراعين أسعار جبرية لمنتجاتهم من حبوب و قصب سكر وقطن وكتان، وتبيعها للمستهلكين سواء فى شكلها الخام أو بعد تصنيعها كأغذية و ملابس، فى ظل سياسة تسعير جبرى لمعظم السلع الأساسية بما فيها حتى تلك التى كانت تباع فى السوق الحر كالفواكة والخضروات والبقول، مما عمق الوعى لدى الناس أن الحكومة هى المسئول الأول والأخير عن أرتفاع وانخفاض الأسعار باعتبارها أكبر تاجرة يشترون منها احتياجاتهم، فضلا عن مسئوليتها عن ارتفاع وانخفاض الأجور باعتبارها أكبر صاحبة عمل توظف معظم العاملين بأجر ، وهذا الوضع وإن كان صحيحا فيما مضى، إلا أنه قد تغير بدءا من الثمانينات بعد أن تخلت الحكومة عن دورها كصاحبة عمل و كتاجرة، لصالح قوى السوق، وهو أسم التدليل الذى يطلقه الإعلام على الرأسماليين، الذين أصبح بامكانهم وحدهم تحديد أسعار معظم السلع وأجور معظم العاملين بأجر بعيدا عن أى تحكم أو رقابة .
فإذ كانت الدولة مازالت توظف ربع قوة العمل المأجور إلا أن الباقين منهم يعملون فى القطاع الخاص، سواء فى القطاع الرسمى منه أو غير الرسمى. و إذا كانت الدولة مازلت تحدد أسعار بعض السلع كمنتجات البترول والغاز الطبيعى، فإن معظم السلع خرجت من سيطرتها،إلا أنها فى نفس الوقت يمكنها اتخاذ سياسات مالية معينة تكبح ارتفاع الأسعار أو بالعكس تطلق لها العنان، إلا أنها إمكانية ليست مطلقة،لأن لها علاقة بتوازنات قوى اقتصادية وسياسية واجتماعية.
ومن هنا فنحن أمام واقع مختلف عما أعتاد عليه الناس قديما، ومازال راسخا فى وعيهم الجماعى، ففى ظل الوضع القديم كان العاملين بأجر يسعون لتحسين مستوى دخولهم فى الغالب بأحد طرق الحل الفردى، مثل ممارسة بعضهم العمل الآخر بجانب العمل الأصلى، و ممارسة بعضهم للفساد الإدارى، و ممارسة بعضهم الأعمال الحرة كالتجارة ، ولجوء بعضهم للهجرة للخليج، وأما عن الحرفيين والمهنيين والمنتجين الصغار فيمكنهم غالبا رفع أسعار سلعهم وخدماتهم ، وأحيانا ما كان يمارس العاملين بأجر النضال الجماعى بالاحتجاج والاعتصام والإضراب الذى كان موجها غالبا ضد الدولة باعتبارها صاحبة العمل الأولى والتاجرة الكبرى ، وذلك إما لرفع الأجور وتحسين دخولهم وشروط عملهم أو خفض أسعار السلع والخدمات ، وكان هذا يمارس أما على نطاق جزئى فى أحد مصانع القطاع العام ، أو على نطاق جماهيرى واسع كما حدث فى انتفاضة 18و19 يناير 1977 . وبرغم طبيعة هذا النضال الاقتصادي إلا أنه كان يقترن بمسحة من نضال سياسى باعتباره موجها ضد الدولة .
فى ظل الوضع الحالى مازال يمكن لبعض العاملين بأجر لدى الدولة والقطاع العام ممارسة النضال الاقتصادى فى مواجهتها لرفع أجورهم وتحسين شروط عملهم ،إلا إن العاملين بأجر فى القطاع الخاص لا يملكون ترف ممارسة هذا النضال إلا باستثناء قطاع محدود منهم لا يتجاوز المليون ، وهم العاملين فى منشئات كبيرة كثيفة العمالة، ليبقى معظم العاملين بأجر وخصوصا فى القطاع غير الرسمى عاجزين عن أى نضال اقتصادى، نظرا لأوضاعهم الوظيفية غير المستقرة، والجدير بالذكر أنه فى ظل الارتفاع المضطرد فى البطالة والركود الاقتصادى، يصعب على العاملين بأجر الضغط على أصحاب العمل لتحقيق مطالبهم بشكل عام، سواء أكان صاحب العمل الدولة أو القطاع الخاص، وسواء فى القطاع الرسمى أو غير الرسمى.
إذا كان هذا هو الوضع على جبهة رفع الأجور وتحسين شروط العمل، وهو ما لا يمكن أن تمارسه سوى قطاعات من العاملين بأجر بشروط محددة، فإن هناك جبهة أخرى هى جبهة خفض الأسعار، وهو ما يمكن أن يناضل من أجله المستهلكون الذين يشكل العاملون بأجر غالبيتهم العظمى. وهناك شكلين من أشكال النضال فى تلك الجبهة
الأول هو تنظيم حملات مقاطعة للتجار، لإجبارهم على خفض الأسعار، وهذا يستلزم درجة عالية من الوعى والإرادة الجماعية والتصميم لدى غالبية المستهلكين، ودرجة عالية من التنظيم و القيادة الجماهيرية واسعة النفوذ وسط الغالبية الساحقة من الجماهير وهو ما لا تملكه أى قوى سياسية أو اجتماعية فى مجتمعنا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأسعار يمكن أن تعاود ارتفاعها بعد انتهاء المقاطعة.
الثانى هو تنظيم حركة تعاون استهلاكى، توفر احتياجات المستهلكين من السلع و الخدمات المختلفة بأسعار تزيد قليلا عن التى يبيع بها المنتجون سلعهم وخدماتهم، وهو ما سوف يخفض من أسعار السلع والخدمات،لأن ما يحصل عليه سواء المستوردون أو تجار الجملة والتجزئة يرفع من أسعار السلع والخدمات أضعافا مضاعفة عن أسعار المنتجين، وخصوصا مع زيادة حلقات الوساطة فى مجتمع يفضل رأسماليوه الاستثمار فى التجارة والمضاربة عن الاستثمار فى الإنتاج.
و الجدير بالذكر أن هناك عقبات أمام هذا النوع من النضال إلا أنه من الممكن التغلب عليها، بنضال سياسى يحرر التعاون من سيطرة الدولة وقوانينها، وممارسة أشكال من التعاون الاستهلاكى واقعيا خارج الإطار القانونى و الرسمى ، كما أنه من الممكن ممارسته فى البداية على نطاق محدود لا يلبث أن ينتشر.
كان من الممكن أن أنهى المقال بشعارات سياسية من قبيل الحد الأدنى للأجور وربط الأجر بالأسعار، وبصرف النظر عن قبول أو رفض هذه الشعارات، فإن رفعها فى ظل عدم وجود قوى سياسية أو اجتماعية قادرة على الوصول للسلطة أو حتى التأثير في السلطة بوسائل الضغط الجماهيرى لتحقيق هذه الشعارات هو أقرب للغو الحديث الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية