الاثنين، 21 أبريل 2008

الفردية المنطوية على نفسها

الفردية المنطوية على نفسها
سامح سعيد عبود
يستيقظون فجرا على صوت الآذان كل يوم لأن أحدهم يود الحصول على بعض الحسنات على حساب راحتهم، بصرف النظر عن رغبتهم فى الصلاة من عدمها، وبنفس الطريقة تقتحمهم بلا استئذان صرخات الباعة الجائلين على بضائعهم، وكلاكسات السيارات، و ليلا تغزوهم ميكروفونات الأفراح والعزاء التى لا يعنيها احتياجهم للهدوء، وحريتهم فى الاستماع من عدمه، يخرجون من منازلهم النظيفة والجميلة الذى لامكان فيها للقذارة و لا للقبح، و فى الخارج يصفع عيونهم القبح وتتعثر أقدامهم فى القذارة طوال الطريق بدءا من عتبة الباب وحتى العودة إليه، ترى غالبيتهم نظيفى الثياب و متأنقين إلى حد التطرف، إلا أنهم يحولون ببساطة الشوارع التى يعبروها إلى سلة مهملات عملاقة باتساعه. ذلك لأنهم يعتبرون أن منازلهم هى ما يخصهم، أما الشوارع فهى ملك الحكومة، وكأنهم ليسوا بملاكها، والمنتفعين بها، وعلى الحكومة أن تنظفها وتجملها لو شاءت. فكل ما يعنيهم فى الشوارع هو عبورها، ولكن هل هم حقا يعبرونها فى سلام وقد سدت أرصفة المشاه، امتدادات المحلات و الباعة الجائلين، فلا يجدون سوى نهر الطريق ليلتحم المشاه بالسيارات العابرة فيه.تجدهم فى الشوارع يتسكعون بلا ملل حول واجهات المحلات حتى ولو لم تكن لهم رغبة أو قدرة على الشراء، و فى نفس الوقت لا ينتبهون لمن اتخذوا الشوارع مساكن لهم من المشردين، و يلتفتون لسلال المهملات التى يبحث فيها الجوعى عن الطعام.رحل الكثير منهم لبلاد البترول طوال العقود الماضية، وأصبحوا مجرد زائرين سنويين للأرامل من زوجاتهم، والثكالى من أمهاتهم، والأيتام من أولادهم، وقد تحولوا عند أسرهم لمجرد بابا نويل المحمل بالهدايا وبدفتر الشيكات كل عام، دون أن يسألوا أنفسهم لما تزوجوا وأنجبوا أطفالهم إذن؟ هل ليبرروا عبوديتهم للكفيل، وما هو المقابل أمام الذى دفعوه من حرياتهم، وتفكك أسرهم, وغربتهم عن أهلهم، وافتقادهم لأصدقائهم.هل يساوى ما قد خسروه؟. الكثير منهم عجز عن العمل فى الغربة، فتراهم يعملون بعملين أو أكثر أو يعملون لعدد من الساعات تبتلع نهارهم كله وجزءا من الليل، ليعودوا لمنازلهم منهكين، ويلقوا بأجسادهم على الفراش أو أمام التليفزيون . و لا يروا الخسائر الفادحة التي تعود عليهم من جراء الاكتفاء بدور الممول، و حرمان أنفسهم وأفراد أسرتهم من أدوار الزوج والأب بل والصديق المقرب أيضا لكل من الزوجة والأبناء، ولا يسألوا أنفسهم هل هم حقا يستمتعون بالحياة.وعندما تواجههم بسوء أحوالهم ، تراهم يتساءلون و كأنك لا تعرف، و ماذا نفعل؟ والأجور متدنية والأسعار مرتفعة، والحصول على لقمة العيش صعبة، ذلك لأن فرديتهم العمياء والتى لا حد لها، تجعلهم لا يرون فى العالم سوى أنفسهم، ولا يشغلهم سوى احتياجاتهم الخاصة وكيف يلبوها، ولا يؤرقهم سوى مشاكلهم الفردية وكيف يحلوها، إلا أنهم لو تجاوزوا تلك الفردية سيرون أن غيرهم أيضا يشاركوهم نفس الاحتياجات التى يمكن أن يلبوها سويا، ونفس المشاكل التى يمكن أن يحلوها معا، وأنهم و بتوحدهم ، يمكن أن يفرضوا أجورا أعلى، وأسعارا أقل، مقابل عدد ساعات عمل أقل، لو تضامنوا فيما بينهم فى مواجهة من يعطيهم الأجر، ويبيع لهم السلع، ويفرض عليهم تلك الظروف الشاقة للعمل، إلا أن فرديتهم تعميهم عن أن هذا هو الحل الوحيد لكى يجدوا فرصة للاستمتاع الحقيقى بالحياة مع أسرهم وأصدقائهم وجيرانهم.عشقهم المريض لذواتهم يجعلهم لا يعيشون إلا لها ، و تجعل شعارهم الأثير أنا ومن بعدى الطوفان، وسؤالهم الدائم عن ما قد يجنوه من منافع شخصية وما قد يخسروه من خسائر من جراء هذا الفعل أو ذاك، وهذا وحده كفيل أن يفسد كل علاقاتهم الأسرية، وعلاقاتهم بزملاء العمل، وعلاقاتهم مع الجيران.فرديتهم بلا شك هى السبب فى عزوف غالبيتهم الساحقة عن المشاركة فى أى عمل جماعى،و عدم احترامهم للمال العام، و عدم مراعاتهم مصالح واحتياجات الآخرين.أنهم يتعاملون مع العمل الجماعى من منطلق تلبية مصالحهم الشخصية والأنانية فقط، سواء أكان هذا العمل الجماعى مجرد اشتراكهم مع الأخرين فى نشاط ما أو اشتراكهم فى منظمة ما ، نادى أو حزب أو نقابة أو جمعية، فإذا كانوا مجرد أعضاء فى تلك المنظمات فهم لا يهتمون سوى بما تقدمه لهم تلك المنظمات من خدمات شخصية لهم ولأسرهم، فهم يتعاملون معها كزبائن يستهلكون خدماتها مقابل اشتراكهم فيها، وليس باعتبارهم ملاكا لها يعنيهم منها تلبية المصالح الجماعية لكل أعضاءها، ونجاحها كمنظمة فى تحقيق أهداف أعضاءها المشتركة، و أما إذا كانوا نشطاء بتلك المنظمات فإن جل اهتمامهم ينصب على تحقيق منافع شخصية مقابل تصديهم لإدارة تلك المنظمات،وإعطاءهم وقت لإدارتها، والمنافع الشخصية لا تقتصر على المنافع المادية المباشرة، كما قد يظن البعض، فالمنصب والسلطة والنفوذ منافع ومتع فى حد ذاتها، حتى ولو تجردت ممارستها من الكسب المادى والشخصى، وهى متع غريزية لا حد لها لا تقل فى إلحاحها عند البعض عن الطعام والجنس ، ومن ثم كانت الشراسة حول تولى البعض لتلك المناصب، هو جوهر التصدى لقيادة العمل الجماعى ، وهو سر عدم التخلى عن تلك المناصب، وسر التمسك بها رغم عن أنف الجميع. الناخبون يبحثون دائما عن من يلبى لهم مصالحهم الفردية من بين المرشحين لتلك المناصب، والمرشحين يقتصر دورهم على تلبية تلك المصالح أو الوعد بها، و من ثم فهم لا يهتمون بالناخبين إلا كوسائل للوصول للمقاعد ، وكيف يكسبون أصواتهم بالرشوة والعنف والخداع وغسيل العقول والتآمر وتزييف الإرادة.يقصرون اهتمامهم على كيف يشبعون غرائزهم فى الطعام والملابس والجنس، وكيف يتلهون عن الواقع بالمخدرات والخمور، و كيف يقضون ما يتبقى من وقتهم فى التسلية إما باللعب أو بمشاهدة اللعب، والفرجة على الفن التجارى الرخيص، حتى عبادتهم فهى لمجرد أن يجدوا مكانا أفضل فى الجنة حيث المتع الحسية أفضل وأكثر وأبقى ولكى تهدأ توترات الحياة التى تصيبهم بالمرض. و هذا هو بعينه ما أشار به برجينسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى فى الثمانينات على النخب المهيمنة والحاكمة فى العالم، بأن منح الغالبية الساحقة كثير من وسائل التسلية و قليل من الطعام، كفيلة أن تلهى البؤساء عن الاهتمام بالواقع خارج جلودهم التى تزداد تبلدا مع الزمن. و أن هذه الوصفة سوف تمنعهم من الثورة على تلك النخب الحاكمة حتى ولو إزداد واقعهم سوءا. أما القلة الضئيلة التى لن تنفع معها تلك الوصفة فسوف يملون من الكلام والاهتمام، وسوف ينسحبون بعد أن ينهكم التعب، وتقتلهم العزلة عن الناس الذين لا يلتفتون لهم.فبين حجرى الرحى تتحول حبات القمح الصلبة والصعب مضغها و هضمها إلى دقيق يسهل عجنه وخبزه ومن ثم يسهل أكله وهضمه، و بالفردية المنطوية على نفسها، تتفتت خراف البشر وفق وصفة بريجينسكى لمجرد أفراد لا يرون أبعد من جلودهم، فسهل افتراسهم من قبل ذئاب البشر، فقطعان الذئاب المنظمة لا تقدر إلا على من شرد من الخراف خارج جماعاتها، فما بالكم والخراف قد شردت كلها من جماعاتها. فكانوا أسهل وليمة للذئاب.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية