العمال تحت نيران القمع
العمال تحت نيران القمع
سامح سعيد عبود
ما حدث بالمحلة يوم 6 إبريل، من إجبار عمال الوردية الأولى فى مصنع الغزل والنسيج على العمل تحت تهديد السلاح، ومنع مظاهرتهم السلمية بالقوة عصر هذا اليوم، واستخدام البلطجية والمسجلين خطر وعملاء الأمن فى إحداث عمليات للتخريب والعنف ضد الأفراد والمنشئات، والاعتقال العشوائى للأبرياء الذين لا علاقة لهم بالأحداث، و الضرب العشوائى بالرصاص الحى مما أدى لمقتل صبى كان يتطلع لما يحدث بالشارع من شرفة منزله، وتقييد الجرحى من المعتقلين فى أسرة المستشفيات التى يعالجون فيها، لم يكن كل هذا بالحدث الفريد من نوعه،ولم ينشأ عن سوء تصرف قوات الأمن أو الغباء الحكومى، بل أن هناك من المؤشرات ما يؤكد أنه جريمة عمدية أرتكبتها الحكومة فى حق المواطنين.
تكررت كثيرا مثل هذه السيناريوهات عبر تاريخ الصراع بين الطبقة العاملة، وبين الرأسماليين والحكومات التى تعبر عنهم، فسيناريو المحلة 2008 قريب جدا لما حدث فى شيكاغو 1881،من تخريب عمدى لعملاء الأمن فى مواجهة إضراب عمالى، وإعدام قادة العمال الذين ثبتت براءتهم، و نحتفل بذكرى مذبحتهم فى أول مايو من كل عام كعيد عالمى للعمال، وهو قريب إلى حد كبير لما حدث فى سان بطرسبرج فى روسيا يوم 9 يناير 1905،حيث توجه العمال إلى حيث يقيم القيصر، وهم يرتدون ملابس العيد ويحملون الصلبان والأيقونات ملتمسين من القيصر انقاذهم من المجاعة، ففتحت عليهم قوات القيصر النيران، وهو ما أدى لانفجار ثورة 1905 ضد القيصرية، والتحول النوعى فى وعى الطبقة العاملة الروسية الذى انتهى إلى ثورتى 1917 .
فى مصر عرف العمال القمع المفرط أيضا، سواء على يد حكومة الوفد بقيادة سعد زغلول، أو إعدام قادة العمال بعد اتهامهم بالتخريب، على يد حركة الجيش فى كفر الدوار أغسطس 1952 ، وهو نقل حرفى لنفس سيناريو شيكاغو، والاقتحام المسلح لمصانع الشوربجى للنسيج فى الخمسينات، والاقتحام الدموى لمصنع الحديد والصلب عام 1991 فى مواجهة اعتصام سلمى، إلا أن أشكال القمع تلك لم تصل بالعمال المصريين لما وصل إليه العمال الروس من كفر بالقيصر الذي كانوا يؤمنون أنه ظل اللة على الأرض، حيث ظل معظم العمال المصريين موالين لحكومات وحزب الوفد قبل 52، وموالين بحماس للدولة الناصرية بعد 52.
القمع الدموى فى كل هذه الحالات عالميا ومحليا، ليس مجرد نتيجة انحرافات فردية لساسة وعسكريين و رجال أمن دمويين، بل هو تصرف طبيعى لبشر يعرفون جيدا أنهم فى صراع مصيرى مع من يهدد وجودهم ومصالحهم، ربما ليس بنفس مستوى ادراك من هم على الطرف الآخر من الصراع أى العمال، و لانقصد طبعا الجنود البسطاء الذين ينفذون الأوامر بل من يوظفون القادة الذين يصدرون الأوامر.
هذا القمع هو الوسيلة الأولى فى ترويض العمال، إلا أن ممارسته بالشكل الدموى قد تتوقف أحيانا فى ظل ظروف معينة طالما تكون تكلفة قبول بعض المطالب العمالية أقل من تكلفة قمعهم الدموى، إلا أنه عند ظهور أى بادرة تهديد للنظام الرأسمالى من العمال، فإن أكثر النظم إلتزاما بحقوق الإنسان لن تتردد فى ممارسة القمع الدموى ضد العمال، طالما تجاوزت مطالب العمال ما يمكن للرأسماليين وحكوماتهم القبول به، وبناء على تلك المعادلات شهدت سنوات القرن العشرين قبولا من الرأسماليين وحكوماتهم بأشكال النضال الاقتصادى للعمال حتى تم الاعتراف بالإضراب وتكوين النقابات باعتبارها حقوقا إنسانية، بعد أن كانت أعمال مؤثمة قانونيا حتى نهايات القرن التاسع عشر، وتحقيق الطبقة العاملة خصوصا فى العالم المتقدم الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية طوال ما يعرف بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية.
التطورات التى حدثت فى العالم بدءا من سبعينات القرن العشرين، أشعلت حنين الرأسماليين للرأسمالية فى عهدها الأول، حيث حرية مطلقة فى الاستثمار والتجارة، و استغلال مفرط لعمال بلا نقابات ولا حقوق إنسانية، بل ودفع هؤلاء العمال حتى لقبول العمل الجبرى،و الإذعان التام لشروط الرأسماليين فى العمل، ولما كان يصعب تحقيق أحلام هؤلاء الرأسماليين تماما فى عالم الشمال الصناعى المتقدم، فإنهم يحلمون بتحقيقها فى عالم الجنوب المتخلف المتعطش إلى استثماراتهم، وهذا ما تساعد عليه الحكومات، و يقع ضحاياه عمال ليسوا كزملائهم عمال الشمال الأكثر تنظيما ووعيا وحقوقا.
لا شك أن هذا أحد أسرار العنف المفرط فى أحداث المحلة التى بادر عمال أكبر مصانعها بتطوير نضالهم الاقتصادى المحدود فى نطاق المصنع، إلى درجة أعلى بطلبهم إضرابا تضامنيا، ومن هنا كان ينبغى لحكومة لا تعبر إلا عن الرأسماليين قمعهم على هذا النحو. ليكونوا عبرة للعمال الآخرين.
أهمية ممارسة هذا القمع الدموى بالنسبة للسلطة الحاكمة إزدادت فى ظل تزايد الاحتجاجات المطلبية لفئات متنوعة من العاملين بأجر شملت أساتذة الجامعات ومعلمى المدارس والأطباء وعمال الصناعة بل وحتى موظفى الجهات السيادية فى الدولة كموظفى الضرائب، وقد أتى هذا التزايد فى ظل موجة أرتفاع حادة فى أسعار الغذاء، بل وعدم توفر الخبز نفسه، ومن هنا كان رد الفعل الحكومى يشكل إجهاضا مبكرا لما يمكن أن تتطور إليه تلك الاحتجاجات الاقتصادية والفئوية لدرجة أعلى من الاحتجاجات العامة و السياسية، يهدد مصالح الرأسماليين وحكومتهم.
تكررت كثيرا مثل هذه السيناريوهات عبر تاريخ الصراع بين الطبقة العاملة، وبين الرأسماليين والحكومات التى تعبر عنهم، فسيناريو المحلة 2008 قريب جدا لما حدث فى شيكاغو 1881،من تخريب عمدى لعملاء الأمن فى مواجهة إضراب عمالى، وإعدام قادة العمال الذين ثبتت براءتهم، و نحتفل بذكرى مذبحتهم فى أول مايو من كل عام كعيد عالمى للعمال، وهو قريب إلى حد كبير لما حدث فى سان بطرسبرج فى روسيا يوم 9 يناير 1905،حيث توجه العمال إلى حيث يقيم القيصر، وهم يرتدون ملابس العيد ويحملون الصلبان والأيقونات ملتمسين من القيصر انقاذهم من المجاعة، ففتحت عليهم قوات القيصر النيران، وهو ما أدى لانفجار ثورة 1905 ضد القيصرية، والتحول النوعى فى وعى الطبقة العاملة الروسية الذى انتهى إلى ثورتى 1917 .
فى مصر عرف العمال القمع المفرط أيضا، سواء على يد حكومة الوفد بقيادة سعد زغلول، أو إعدام قادة العمال بعد اتهامهم بالتخريب، على يد حركة الجيش فى كفر الدوار أغسطس 1952 ، وهو نقل حرفى لنفس سيناريو شيكاغو، والاقتحام المسلح لمصانع الشوربجى للنسيج فى الخمسينات، والاقتحام الدموى لمصنع الحديد والصلب عام 1991 فى مواجهة اعتصام سلمى، إلا أن أشكال القمع تلك لم تصل بالعمال المصريين لما وصل إليه العمال الروس من كفر بالقيصر الذي كانوا يؤمنون أنه ظل اللة على الأرض، حيث ظل معظم العمال المصريين موالين لحكومات وحزب الوفد قبل 52، وموالين بحماس للدولة الناصرية بعد 52.
القمع الدموى فى كل هذه الحالات عالميا ومحليا، ليس مجرد نتيجة انحرافات فردية لساسة وعسكريين و رجال أمن دمويين، بل هو تصرف طبيعى لبشر يعرفون جيدا أنهم فى صراع مصيرى مع من يهدد وجودهم ومصالحهم، ربما ليس بنفس مستوى ادراك من هم على الطرف الآخر من الصراع أى العمال، و لانقصد طبعا الجنود البسطاء الذين ينفذون الأوامر بل من يوظفون القادة الذين يصدرون الأوامر.
هذا القمع هو الوسيلة الأولى فى ترويض العمال، إلا أن ممارسته بالشكل الدموى قد تتوقف أحيانا فى ظل ظروف معينة طالما تكون تكلفة قبول بعض المطالب العمالية أقل من تكلفة قمعهم الدموى، إلا أنه عند ظهور أى بادرة تهديد للنظام الرأسمالى من العمال، فإن أكثر النظم إلتزاما بحقوق الإنسان لن تتردد فى ممارسة القمع الدموى ضد العمال، طالما تجاوزت مطالب العمال ما يمكن للرأسماليين وحكوماتهم القبول به، وبناء على تلك المعادلات شهدت سنوات القرن العشرين قبولا من الرأسماليين وحكوماتهم بأشكال النضال الاقتصادى للعمال حتى تم الاعتراف بالإضراب وتكوين النقابات باعتبارها حقوقا إنسانية، بعد أن كانت أعمال مؤثمة قانونيا حتى نهايات القرن التاسع عشر، وتحقيق الطبقة العاملة خصوصا فى العالم المتقدم الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية طوال ما يعرف بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية.
التطورات التى حدثت فى العالم بدءا من سبعينات القرن العشرين، أشعلت حنين الرأسماليين للرأسمالية فى عهدها الأول، حيث حرية مطلقة فى الاستثمار والتجارة، و استغلال مفرط لعمال بلا نقابات ولا حقوق إنسانية، بل ودفع هؤلاء العمال حتى لقبول العمل الجبرى،و الإذعان التام لشروط الرأسماليين فى العمل، ولما كان يصعب تحقيق أحلام هؤلاء الرأسماليين تماما فى عالم الشمال الصناعى المتقدم، فإنهم يحلمون بتحقيقها فى عالم الجنوب المتخلف المتعطش إلى استثماراتهم، وهذا ما تساعد عليه الحكومات، و يقع ضحاياه عمال ليسوا كزملائهم عمال الشمال الأكثر تنظيما ووعيا وحقوقا.
لا شك أن هذا أحد أسرار العنف المفرط فى أحداث المحلة التى بادر عمال أكبر مصانعها بتطوير نضالهم الاقتصادى المحدود فى نطاق المصنع، إلى درجة أعلى بطلبهم إضرابا تضامنيا، ومن هنا كان ينبغى لحكومة لا تعبر إلا عن الرأسماليين قمعهم على هذا النحو. ليكونوا عبرة للعمال الآخرين.
أهمية ممارسة هذا القمع الدموى بالنسبة للسلطة الحاكمة إزدادت فى ظل تزايد الاحتجاجات المطلبية لفئات متنوعة من العاملين بأجر شملت أساتذة الجامعات ومعلمى المدارس والأطباء وعمال الصناعة بل وحتى موظفى الجهات السيادية فى الدولة كموظفى الضرائب، وقد أتى هذا التزايد فى ظل موجة أرتفاع حادة فى أسعار الغذاء، بل وعدم توفر الخبز نفسه، ومن هنا كان رد الفعل الحكومى يشكل إجهاضا مبكرا لما يمكن أن تتطور إليه تلك الاحتجاجات الاقتصادية والفئوية لدرجة أعلى من الاحتجاجات العامة و السياسية، يهدد مصالح الرأسماليين وحكومتهم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية