6 ـ الاستغلال الرأسمالى
العمال و رأسالمال والدولة
سامح سعيد عبود
6 ـ الاستغلال الرأسمالى
العمل الإنسانى هو المصدر الأوحد لكل ثروة مادية، جنبا إلى جنب مع الطبيعة التى تزود الإنسان بمواد عمله من أراضى ومواد خام وخلافه، و كل ما فى الطبيعة البكر من إمكانيات كامنة لتوليد الثروة الاجتماعية لابد وأنها تحتاج للعمل الإنسانى لتحويل تلك الإمكانية لواقع ملموس من الثروة[1]، فقوة العمل البشرى هى التى تحول الأرض البكر لأرض صالحة إما للبناء أو للزراعة، فتصبح بذلك العمل ثروة اجتماعية، و قوة العمل البشرى هى التى تستخرج ما فى المناجم من معادن، تلك التى تظل بلا قيمة طالما ظلت فى المناجم، و لكنها تصبح بعد استخراجها بقوة العمل البشرى لسطح الأرض مواد لها قيمة معينة، وتكتسب قيمة أعلى عندما يتم توصيلها لأماكن صهرها، وبالصهر والصب والقطع والتشكيل وغيرها من العمليات تتحول تلك المواد الأولية الخام الموجودة فى الطبيعة لأدوات و آلات للعمل ذات قيمة أعلى من قيمة المواد الخام المستخرجة و المنصهرة، و كلما زادت العمليات التى تجرى على نفس الكمية من المعادن المستخرجة من المنجم خلقت منتجات أعلى فى قيمتها، و تستطيع قوة العمل البشرى أن تؤثر بأدوات وآلات العمل على المواد الأولية الخام و غير الخام لإنتاج المزيد من أشكال الثروة الاجتماعية، سواء فى شكل منتجات للاستهلاك أو وسائل للإنتاج، التى تتحدد قيمتها بما بذل فيها من عمل بشرى، وهى القيمة التى لا تكتسبها إلا بفضل هذا العمل، والأشياء التى توجد فى الطبيعة البكر، و التى لم يؤثر فيها عمل ما، هى أشياء لا تباع ولا تشترى، و لا ثمن لها، كالهواء و هو أكثر المواد منفعة لحياة الإنسان، وأكثرها قيمة استعمالية، و الذى برغم من ذلك نتنفسه دون أن يطالبنا أحد بثمنه، إلا إذا بذل فيه عمل ما، سواء بالتنقية و التعبئة مثلا فيصبح بذلك سلعة لها قيمة تبادلية أى ثمن.
***
فى بعض علاقات الإنتاج لا تأخذ المنتجات البشرية شكل السلع إذ تستهلك من المنتج مباشرة كما فى الإنتاج المشاعى والفردى البسيط، وهو ما يعطى المنتج قيمة استعمالية، ولكن الإنتاج الرأسمالى هو إنتاج سلعى بهدف الربح الذى ينتج عن تبادل السلع المختلفة، ومن هنا فكل سلعة لها قيمتان، قيمة استعمالية، وقيمة تبادلية تتحدد بما يمكن أن نتبادله معها من سلع أخرى، دجاجة مقابل خمسون بيضة مثلا، أما النقود فهى مجرد وسيط هذا التبادل بين السلع ، وقد اخترعها البشر بدلا من أساليب المقايضة التى استخدمت قبل اختراع النقود، وكانت تتم سلعة مقابل سلعة، أما بعد اختراع النقود فقد أصبح التبادل يتم بأن تبيع الدجاجة بخمسة عشرة جنيها لتشترى خمسون بيضة بنفس المبلغ، أى سلعة /نقود /سلعة، إلا أن العامل المشترك بين كل السلع على كل تنوعاتها اللانهائية، والذى يجعل لها قيمة تبادلية فى السوق، هو إنها ناتج عمل بشرى، ومن ثم فهذا العمل هو الأساس الوحيد الممكن الذى يتم بناء على أساسه التبادل فيما بين السلع المختلفة، فما الذى يجمع بين السكاكين والخبز و الأبواب حتى يمكن أن نتبادلها بكميات ونسب محددة، سوى العمل الذى بذل فى إنتاجها، وما الذى يجمع بين عمل الحداد والفران والنجار بكميات ونسب محددة سوى الوقت الذى أنفقوه فى عملهم، أن ما يمكن أن يستخدم كمقياس لشتى أشكال العمل المختلفة هو الزمن الذى استغرقه العمل بالساعات واليوم، لكننا إذا حددنا قيمة السلعة بالوقت الذى أنفق فى إنتاجها، فإن السلعة التى يكون قد انتجها عامل بطىء وغير ماهر تكون أكثر قيمة من سلعة أنتجها عامل أكثر سرعة ومهارة، ومن ثم فلا يصلح الوقت الذى ينفقه ذلك العامل الفرد بحد ذاته أن يكون مقياس العمل ، الذى قد يكون سريعا أم بطيئا، ماهرا أو غير ماهر، دقيقا أم مهملا ، أما مقياس العمل الذى يصلح أن تقاس به القيمة التبادلية للسلع المختلفة فهو وقت العمل الضرورى اجتماعيا لإنتاج سلعة معينة، و هو مقياس لا يخص عاملا بعينه بل هو متوسط لمجموع العمل الاجتماعى الذى تم بذله لإنتاج السلعة،والذى يتوقف على عوامل كثيرة منها التطور التكنولوجى.
***
رأسالمال هو نقود يتم دفعها مقدما لشراء بعض السلع بغرض الحصول على كمية أكبر من النقود، ومن بين كل السلع التى يشتريها الرأسمالى تنفرد سلعة واحدة فقط بكونها القادرة على خلق هذه الزيادة فى النقود التى ينشدها الرأسمالى، و هى قوة العمل المأجورة، فالرأسمالى يشترى وسائل إنتاج بقدر معين من النقود، و لكى يضمن زيادة هذه النقود فأنه يشترى قوة عمل مأجورة قادرة على استخدام تلك الوسائل لإنتاج سلع وخدمات ذات قيمة أعلى مما اشترى به الرأسمالى وسائل إنتاجه[2]، وهذه القيمة التى أضافتها قوة العمل تنقسم لأجور قوة العمل، و فائض قيمة يشكل بتراكمه فى النهاية ربح الرأسمالى، إلا أن هذا الربح يتقاسمه الرأسماليون فيما بينهم بوسائل شتى كفوائد أو كريع أو كأرباح، و تجدر الإشارة إلى أن القيمة المضافة التى ينتجها المجتمع تنتج فقط فى القطاعات الإنتاجية والخدمية من الاقتصاد، فى المصانع و المزراع والمناجم وحقول البترول وفى وسائل النقل والمواصلات و محطات توليد الطاقة وغيرها، إلا أن نفس هذه القيمة المضافة التى ينتجها الاقتصاد الإنتاجى، تستولى على أجزاء منها القطاعات التجارية والائتمانية من الاقتصاد فضلا عن ما يستولى عليه ملاك العقارات من ريع، و ما ينهبه اقتصاد المضاربة.
***
الأرباح التجارية الذى يحققها التاجر هى ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يتخلى عنه الرأسمالى الصناعى أو الزراعى للتاجر مقابل قيام التاجر ببيع السلع التى ينتجها، وفوائد القروض هى ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يدفعه الرأسمالى القائم بالإنتاج الصناعى أو الزراعى إلى الرأسمالى النقدى مقابل استخدام رأسالمال المقترض، أو مقابل استخدام القيمة الاستعمالية للنقود التى اقترضها الرأسمالى الإنتاجى، والريع هو ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يحصل عليه المالك العقارى مقابل سماحه للرأسمالى بالانتفاع بعقاره، ويلاحظ مع التطور الرأسمالى أن الغالبية من الرأسماليين تستثمر فيما يسمى بالاقتصاد التجارى والائتمانى فضلا عن الاقتصاد المضارب الذى جوهره المضاربة على السلع والعقارات والأسهم والنقود، فى حين يتضاءل نصيب ما يمكن أن نسميه الاقتصاد الإنتاجي من الأرباح، وهذا التطور فى اتجاه نمو نصيب الاقتصاد المضارب و الريعى على حساب الرأسمال الإنتاجى له أثاره الاقتصادية والاجتماعية التى سنأتى عليها فيما بعد.
***
لا يمكن للقيمة المضافة ان تنجم عن مجرد تداول السلع بين البائعين والمشترين، لان هذا التداول لا يعرف سوى تبادل اشياء متعادلة, و لا يمكن للقيمة المضافة ان تنجم عن ارتفاع الأسعار لان الخسائر و الأرباح لدى كل من الشارين و البائعين تتوازن فى النهاية, فمن اجل الحصول على القيمة المضافة "يجب ان يتمكن صاحب المال من اكتشاف سلعة في السوق, لها قيمة استعمالية, تتمتع بميزة خاصة هي ان تكون مصدرا للقيمة, اي سلعة تكون عملية استهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة. وبالفعل هذه البضاعة موجودة: انها قوة العمل الانساني. ان استهلاكها هو العمل، و العمل يخلق القيمة. و حين يشتري صاحب المال قوة العمل يصبح من حقه ان يستهلكها اي ان يجعلها تعمل عدد معين من الساعات. و هذه الساعات تنقسم إلي وقت العمل "الضروري" الذى يعطي انتاجا يغطي نفقات اعالة العامل وأسرته، و وقت العمل "المضاف" الذى يعطي انتاجا "إضافيا" لا يدفع الرأسمالي اجرة عنه اي يعطي فائض القيمة[3].
***
ينقسم الرأسمال لقسمين ، القسم الأول هو الرأسمال الثابت الذي ينفق على وسائل الانتاج (آلات, و ادوات عمل, و مواد اولية و مواد نصف مصنعة الخ.) وتنتقل قيمته كما هي (دفعة واحدة او دفعات) الى المنتج التام الصنع, و الرأسمال الثابت هو عمل ميت كما سبق و أوضحنا، و القسم الثانى هو الرأسمال المتغير الذي ينفق فى شكل الأجور المدفوعة مقابل قوة العمل الحى. و قيمة هذا الرأسمال المتغير لا تظل ثابتة بل تنمو في عملية الانتاج, اذ هى التى تخلق القيمة المضافة. وعليه فمن اجل التعبير عن درجة استغلال الرأسمال لقوة العمل يجب مقارنة القيمة المضافة لا بالرأسمال كله بل بالرأسمال المتغير، فلو أن رأسمالا ثابتا قدره مليون جنية، و رأسمالا متغيرا قيمته نصف مليون جنيه حققا ثلاثة ملايين جنيه كقيمة مضافة، فعلينا أن نقارن النسبة بين قيمة الرأسمال المتغير أى النصف مليون جنيه و القيمة المضافة أى ثلاثة مليون جنيه، لنعرف معدل استغلال العمل الحى أو ناتج استثمار الرأسمال المتغير، وبتعبير آخر معدل الاستغلال الرأسمالى للعمل المأجور.
***
الرأسمال يحول قسم من القيمة المضافة التى ينتجها العمل الحى أو الثلاثة مليون جنيه فى المثال السابق الى رأسمال ثابت، فيتم توسيع المشروع الرأسمالى بشراء آلات وخطوط إنتاج جديدة، و استعمالها للانتاج من جديد مما يعنى أن الرأسمال الثابت عبر عملية التوسع الرأسمالى، هو نفسه العمل الميت، الذى هو جزء من القيمة المضافة التى تم نهبها من عمل حى سابق، والرأسمالية منذ أن بدأت وإلى الآن تنهب العمل الحى لتحوله لعمل ميت، فيما يطلق عليه التراكم الرأسمالى.
***
ان ازدياد معدل القيمة المضافة أو بتعبير آخر تشديد معدل الاستغلال يتم بفضل وسيلتين اساسيتين يلجأ لهما الرأسمالى سواء أحداهما أو كليهما ، الأولى إطالة يوم العمل، بتشغيل العمال عدد ساعات أكثر يوميا وهو ما يعطى ("قيمة مضافة مطلقة") و الثانية التقليص في يوم العمل الضروري، و ذلك يتم بتخفيض الأجور الحقيقية التى يحصل عليها العمال ورفع أسعار ما يبيعوه من سلع وخدمات، وهو ما يعطى ("قيمة مضافة نسبية"). و كلا الإجراءين يؤديان إلى تحقيق مصلحة الرأسماليين فى تحقيق فائض قيمة أعلى، و ذلك يتم بأن يفرضوا على العمال عدد ساعات عمل أطول وأجور أقل وأسعار أعلى، فى حين أن من مصلحة العمال من أجل تقليل ما ينتزع منهم من فائض قيمة فرض عدد ساعات عمل أقل وأجور أعلى وأسعار أقل، واختلاف المصالح الواضح فى هذه الحالة بين العمال والرأسماليين والذى يدركه الجميع بمن فيهم من ينكرون الصراع الطبقى، يعبر على أن كلا الطرفين يتنازعان على نصيب أكبر من نفس القيمة المضافة، إذ يحاول كل طرف زيادة نصيبه منها[4].
***
بينما يتخفى الاستغلال الرأسمالى وراء قناع من حرية التعاقد الفردية، و بينما يتخفى الاستغلال البيروقراطى الحديث وراء قناع من المساواة فى الملكية، فإن الاستغلال فى العلاقات الإنتاجية الطبقية ما قبل الرأسمالية لم يكن فى حاجة لأى أقنعة تخفيه.إذ تملك الرأسمالية أو تسيطر على كل مصادر السلطة المادية،و بكل هذه الوسائل تمارس تسلطها على الطبقة العاملة وتقهرها وتضللها، وبها تكتسب وضعها السيادى المميز اجتماعيا، و بها تستغل الطبقة العاملة لتحقيق مصالحها فى تعاظم أرباحها، فتفرض علي الطبقة العاملة كلما استطاعت ذلك القبول بعدد ساعات عمل أكثر، وأجور أقل، وظروف عمل وحياة أسوء، و تقدر أن تبيعها السلع والخدمات التى تنتجها بأثمان أغلى، فتحقق الرأسمالية بذلك أرباح أكثر.أما الطبقة العاملة فهى مجردة من كل وسائل السلطة المادية، و بالتالى مجردة من أى قدرة على فرض هيمنتها على المجتمع بالرغم من أنها صانعة جل ثروة هذا المجتمع المادية والفكرية، إلا أنها محرومة من التمتع بالجانب الأعظم من تلك الثروة فى نفس الوقت، و هى لا تملك فى صراعها مع الرأسمالية المدججة بكل أسلحة السلطة المادية إلا سلاح وحدتها و وعيها بذاتها، اللذان كلما تعمقا وازدادا جذرية كلما كانت الطبقة العاملة أكثر قدرة على فرض شروطها ومطالبها على الرأسمالية، و كلما استطاعت أن تحقق مكاسب أكثر على حساب الرأسمالية، فى إطار الصراع الطبقى القائم بينهما، فتفرض على الرأسمالية عدد ساعات عمل أقل، وأجور أعلى، و من ثم تحقق لنفسها ظروف عمل وحياة أفضل، وتستطيع أن تشترى ما تحتاجه من سلع وخدمات بأثمان أرخص، و بعبارة أخرى كلما كانت أكثر قدرة على تحويل علاقة الإذعان المطلق للرأسمالية القائمة فى حالة تفككها لأفراد معزولين، لعلاقة إذعان نسبى، تلك الممكنة فى حالة وحدتها الجزئية على مستوى وحدة العمل أو الصناعة الواحدة أو الدولة الرأسمالية، فهى فى هذه الحالة فقط يمكنها المساومة الجماعية مع الرأسمالية لتحسين ظروف حياتها وعملها، أو أن تتحرر نهائيا من سيطرة الرأسمالية فى حالة وحدتها العالمية.
***
يدافع مفكرو الرأسمالية عن حق الرأسماليين فيما يحصلون عليه من أرباح، فيقولون أنها حقهم المشروع مقابل مخاطرتهم باستثمار ما يملكونه من رأسالمال، و مقابل تنظيمهم وإدارتهم للاستثمارات التى يملكونها، و أنها نصيبهم العادل كملاك لرأسالمال باعتباره عنصر من عناصر الإنتاج جنبا إلى جنب العمل،[5] و هم فى هذا يرددون حجج الرأسماليين معبرين عن مصالحهم لا غير، فى حين أن مثقفى الطبقة العاملة لهم نظرة أخرى للموضوع.
***
أن غالبية الرأسماليين لا شأن لهم فعليا بالإدارة والتنظيم، و أنهم يحصلون على دخلهم من الثروة التى يملكونها، كفوائد على ما يملكوه من الأسهم و الأوراق المالية و الإيداعات البنكية، أو كريع للعقارات المملوكة لهم، دون بذل أى جهد يذكر فى الإنتاج وتنظيمه وإدارته، أو أنهم يربحون نتيجة المضاربة، وأن مقابل الإدارة والتنظيم هذا إن اتفقنا عليه لا يمكن أن يبرر نصيب الأسد الذى يحصل عليه الرأسماليين من فائض الإنتاج فى مقابل الفتات التى يحصل عليه العمال منها، إلا إذا اعتبرنا أن الإدارة والتنظيم هى أهم عناصر الإنتاج، و أن القرارات الإدارية التى يتخذها المديرون هى المولدة للربح دون أن تجد من ينفذها من العمال الذين يحولوها لإنتاج ملموس.
***
أن كل وسائل الإنتاج من أرض وآلات و أموال وغيرها، هى فى حقيقتها عمل ميت استولى عليه الرأسماليون بشتى الطرق القانونية وغير القانونية، هى وسائل ميتة لا يمكنها أن تخلق القيمة المضافة التى لا يخلقها سوى العمل الحى، و التى تنقسم بين العمل كأجر و رأسالمال كربح، إذ لابد أن تستخدم تلك الوسائل الميتة بواسطة العمل الحى لخلق القيمة المضافة، فالأدوات والآلات لا تعمل من تلقاء نفسها دون بشر فى حين أن البشر هم أنفسهم و لا أحد سواهم من يصنعون الأدوات والآلات التى يعملون بها، ولو تركت الأدوات والآلات التى يملكها الرأسماليين دون استخدام لتعرضت للتآكل والصدأ، و كذلك الأموال التى تتآكل قيمتها الفعلية بارتفاع الأسعار و تقل بالاستهلاك.
***
أن غالبية الرأسماليين يحصلون على أرباحهم من المضاربة على أسعار الأسهم و النقود و السلع المختلفة، و ليس عبر تنظيم الإنتاج و إدارته كما يدعى مفكرو الرأسمالية، والمضاربة لا تختلف فى جوهرها و شروطها و نتائجها عن أى لعبة قمار و مراهنة، و لا فرق بين ما يتعرض له المقامر من خسائر وما يحصل عليه من مكاسب نتيجة مقامرته من جهة، و بين ما يتعرض له كل من المضارب و الرأسمالى من مكاسب وخسائر مقابل نفس المغامرة من جهة أخرى.
***
إن كل هذه الحجج التى يدافع بها مفكرو الرأسمالية عن حق الرأسماليين فى عوائد التملك تتشابه تماما مع حجج أى مرابى يبرر ما يحصل عليه من فوائد على قروضه، بقوله أنها حقه المشروع مقابل المخاطرة بأمواله، و حقه فى الحصول على عائد استثمارها من المدين الذى سبق و اقترضها منه، و عطله بذلك عن استثمارها والاستفادة منها، وأنها تعويضا له عن انخفاض سعر العملة و حرمانه من إنفاق نقوده طوال فترة الاقتراض، إلا أن النظرة الموضوعية ترى أنه لا فرق إطلاقا بين عوائد التملك التى يحصل عليها الرأسماليون، و الفوائد التى يحصل عليها المرابى، وبرغم هذا التطابق الواضح للعيان إلا أن البعض لا يجد غضاضة فى أن لا يدين أرباح الرأسمالى و المضارب ويعتبرها رزقا حلالا، ويدين فى نفس الوقت أرباح الربا و القمار التى يعتبرها مالا حراما.
***
أن تاريخ الرأسمالية على امتداده يقدم الدليل تلو الدليل على مدى الجرائم البشعة والشائنة التى أرتكبها الرأسماليون ضد الإنسانية، و التى لم يكن وراءها إلا الجشع المحموم من أجل تحقيق الربح على حساب البشر، و ما تاريخ الرأسمالية كله سوى السعى الذى لا يقف فى سبيله شىء من جانب رأسالمال، لتوسيع نفوذه وفرض هيمنته وجنيه للأرباح،[6] أما عن تراكم الأموال فى أيدى الرأسماليين لتصبح رأسمالا فى النهاية يستطيعون به شراء قوة العمل المأجورة لمضاعفة أرباحهم، فلم يكن فى الغالب الأعم نتيجة التوفير والكدح والذكاء، كما تروى لنا أساطير الرأسمالية و مثقفوها، فالتراكم الهائل للثروات الرأسمالية، و تركزها فى يد قلة ضئيلة العدد من السكان، وحرمان الغالبية الساحقة منها، ما كان ليتم دون عمليات واسعة من النهب والسلب والخداع والاحتيال وشتى الجرائم التى تعرفها البشرية بلا استثناء، قانونية كانت أو غير قانونية، سواء بين الرأسماليين المتنافسين فى السوق، أو بعصر الأرباح من عمل العمال على السواء، و تاريخ الرأسمالية يفصح على أن الجريمة سواء أكانت بالمعنى القانونى أو بالمعنى الأخلاقى كانت و ما زالت لها اليد الطولى فى تراكم الأموال وتحولها لرأسمال، و بالتالى تركز رأسالمال فى يد القلة من الرأسماليين.
***
يزعم مثقفو الرأسمالية أن تكلفة السلعة تتوقف على التوازن بين العرض والطلب.وهذا ظاهريا يبدوا صحيح، فالتوازن بين العرض والطلب له أثر كبير على المبلغ الذى يتعين علينا أن ندفعه مقابل سلعة ما إلا أن هذا لا علاقة له بقيمتها. فإذا شحت السلعة فى السوق زاد ثمنها، وإذا توفرت قل ثمنها. لكن لماذا لا يمكن أبدا للقطار أن يكون أرخص من الدراجة، أو الجرار أن يكون أرخص من الفأس؟ الإجابة:لأن كميات مختلفة من العمل بذلت فى إنتاج هذه الأشياء التى تجرى بينها المقارنة، كما أن من طبيعة المضاربة أن ترفع الأسعار أو تخفضها إراديا لخلق أرباح فى المستقبل لا علاقة لها بالقيمة الفعلية للسلعة، فمن الخطأ أن نظن أن قيمة العمل أو أى سلعة أخرى يحددها فى نهاية الأمر،العرض والطلب.إن العرض والطلب لا ينظمان غير التقلبات المؤقتة فى السوق.إن فى وسعهما ايضاح السبب فى أن أسعار السلعة فى السوق تزيد عن قيمتها أو تنخفض عن قيمتها، إلا أنهما لا يستطيعان البتة تفسير هذه القيمة ذاتها. فلنتفترض أن العرض و الطلب متوازنان أحدهما مع الآخر أو كما يقول الاقتصاديون يغطى أحدهما الآخر. حين تكون هاتان القوتان المتنازعتان متعادلتى القدرة، فإن أحداهما تشل الأخرى، وتكفان عن العمل فى اتجاه أو فى اتجاه آخر، وحين يتوازن العرض مع الطلب ويكفان بالتالى عن العمل، فإن اسعار السوق للسلعة، تكون مطابقة لقيمتها الحقيقية، مطابقة للسعر الطبيعى الذى تتأرجح حوله أسعارها فى السوق. ولذلك ليس لنا عند بحث طبيعة هذه القيمة، أن نهتم أى اهتمام بما للعرض وللطلب من تأثيرات مؤقتة على أسعار السوق.وهذا يتعلق بالأجور. كما يتعلق بأسعار جميع السلع الأخرى[7].
***
إن جوهر قضية الطبقة العاملة فى ظل علاقة الإنتاج الرأسمالية، ليس هو الفقر لاحتياجات الحياة الضرورية بالمقارنة بترف الرأسماليين وتمتعهم بالكماليات، فهذا الفقر نسبى بطبيعته، بل يمكن اعتباره من كثير من الزوايا قليل الأهمية، وذلك بالطبع عند توفر ضروريات الحياة لدى العامل، ويمكن القول أنه عند توافر ضروريات الحياة لدى العامل، فإن تطلعه لما يتجاوزها من كماليات الحياة فى ظل الرأسمالية، يصبح أداة من أدوات تعميق عبوديته للرأسمالية، و ليس أداة من أدوات تحرره منها، إذ يستلزم التطلع لكماليات الحياة التخلى عن المزيد من حريته ووقته وجهده، و بيع المزيد من قوة عمله للرأسمالية للحصول على دخل أعلى يحقق له تلك الكماليات، مع ملاحظة أن ضروريات الحياة وكماليتها مفاهيم نسبية هى الأخرى، فما هو ضرورى لشخص قد لا يكون ضروريا لآخر، وما قد نعتبره كماليا قد يعتبره آخر ضروريا والعكس صحيح.هذا الفقر النسبى لاحتياجات الحياة الضرورية الذى هو سمة للطبقة العاملة فى المجتمع الرأسمالى، هو مجرد عرض جانبى ملازم لوضع أكثر جوهرية هو عبودية الطبقة العاملة المأجورة للسيادة الرأسمالية، و الذى بسببه تستطيع الرأسمالية أن تفرض على المجتمع بأسره ما يحقق مصالحها فى الربح والسيطرة على حساب حقوق و حريات الطبقة العاملة، فبسبب جوع العمال لضروريات الحياة، وخضوعهم للعنف والخوف منه، و تأثرهم بالتضليل الرأسمالى يضطر العمال للخضوع لمستغليهم ومضطهديهم.
***
بسبب و ضع العبودية المأجورة للطبقة العاملة تنقسم الثروة الاجتماعية التى ينتجها العمل البشرى، بين الطبقات الاجتماعية فى علاقة الإنتاج الرأسمالية ، إلى قسمين.القسم الأكبر حجما و هو ما يطلق عليه عوائد التملك ويكون فى شكل أرباح و فوائد و ريع، و يحصل عليها ملاك وسائل الإنتاج، برغم عدم مشاركة الطبقة الرأسمالية الضئيلة الحجم فى إنتاج هذه الثروة الاجتماعية، و برغم وضعها الطفيلى فى المجتمع أى الممكن الاستغناء عنه فى عملية إنتاج تلك الثروة.أما القسم الأصغر حجما و هو ما يطلق عليه عائد العمل فى شكل أجور فتأخذه الغالبية العمالية، برغم إنتاج تلك الغالبية لمعظم الثروة الاجتماعية، و ووضعها الضرورى الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى عملية إنتاجها.مع ملاحظة أن المنتجين المستقلين الذين يجمعون بين عائدى العمل و التملك معا قد يتسع حجمها أو يقل فى كل مجتمع رأسمالى، إلا أنهم لا يتجاوزون دائما حجم الأقلية الكبيرة.
***
هذه الحقائق البسيطة سالفة الذكر تفسر لماذا يقضى بعض الناس سنوات حياتهم كلها وهم يكدحون حتى تنحنى منهم الظهور ثم يموتون وهم بين براثن الفقر و البؤس، بينما يتمكن آخرون، ليس فقط من أن يعيشوا فى البذخ والترف، وإنما أن يزدادوا ثراء يوما بعد يوم، دون قطرة عرق واحدة نتيجة لأداء أى عمل، و هذا هو ما يفسر لماذا يحصل ثلاث أفراد فقط على ما يحصل عليه مليار من البشر من دخل، و لماذا يحصل خمسمائة وخمسون شخص على ما يحصل عليه نصف سكان الأرض من دخل، ولماذا يحصل 20% من سكان الأرض على 80% من الدخل فى حين يكتفى ال 80% الآخرون ب 20% من الدخل،. ولماذا وبشكل متزايد، يتضخم حجم عوائد التملك ففى مصر أرتفع من 62% عام 1986 إلى 71% عام 1993،وقد يقترب من 80% الآن، و يتضاءل حجم عائد العمل، فى الناتج المحلى فى كل مجتمع رأسمالى، ففى مصر انخفض من 38% إلى 29%خلال نفس الفترة،[8] و قد يصل إلى 20% الآن، ولماذا يتزايد تركز الثروة الاجتماعية و الدخل على نحو مطرد فى يد القلة الرأسمالية المتضائلة حجما باستمرار، فى حين يتزايد على نحو مطرد إفقار الغالبية العمالية من تلك الثروة و يتضاءل نصيبها من الدخل، و هى المتضخمة حجما باستمرار، فى كل المجتمعات الرأسمالية و فى الكوكب بأسره فالمصالح النهائية للطبقة العاملة تعنى تحررها من عبودية العمل المأجور سواء للرأسمال أو للدولة ، وذلك بسيطرتها الجماعية على كافة وسائل الإنتاج والخدمات والعنف والمعرفة، وإدارتها لشتى شئون المجتمع لصالحها، بواسطة المجالس العمالية فى مواقع العمل والمناطق السكنية، و اتحادات تلك المجالس طوعيا من أسفل لأعلى.
***
لن يغير هذا الوضع البائس للعمال الواقعين تحت نير الاستغلال والقهر والتضليل معا، مجرد تحسين مستوى معيشة العمال وظروف عملهم كما يروج لهذا مثقفو الرأسمالية، سواء أكان هذا التحسين عبر أعمال البر والإحسان و الصدقات التى قد تأتيها من بعض الخيرين، أو عبر الإصلاحية التى جوهرها زيادة نصيب العمل من القيمة المضافة، فى ظل استمرار علاقة الإنتاج الرأسمالية، هذه الرأسمالية هى التى تخلق بالضرورة هذا الوضع البائس، لتحافظ على اضطرار العمال لبيع قوة عملهم، إنما يغير هذا الوضع بالفعل تحرر الطبقة العاملة من نظام عبودية العمل المأجور سواء للدولة أو رأسالمال، و إنهاء انقسام المجتمع بين من يأمرون فيطاعوا، و بين من يؤمرون فيطيعوا. الأمر الذى لن يتم إلا بفعل ثورى تقوم به الغالبية الواسعة من الطبقة العاملة، فحتى لو كانت احتياجات الناس الحيوية باعتبارهم حيوانات تضطرهم للاستغناء عن تلك الحرية مقابل الطعام والأمن و الأوهام، فأن احتياجهم للحرية باعتبارهم بشر سيظل يدفعهم للحصول عليها. ولهذا بالتحديد لن ينتهى الصراع الطبقى بين العمال والرأسماليين، إلا بنظام اجتماعى آخر يضمن إنهاء أوضاع العبودية، ومن ثم يقضى على أسباب الصراع الطبقى.
***
إن عملية تراكم الرأسمال،هى عملية تستمر طالما وجدت نقود يتم بواسطتها شراء وسائل إنتاج و قوة عمل مأجور لإنتاج سلع يتم بيعها فى السوق مقابل نقود أكثر مما دفع فى المرة السابقة، لتتكرر نفس الدورة مرات ومرات، و فى كل مرة يتضخم فيها الرأسمال الثابت، وتحل الآلات أكثر محل عمل العمال، و من ثم يزيد حجم رأسالمال الثابت بالنسبة للرأسمال المتغير فى تركيب رأسالمال فى المشروع الرأسمالى، وبتعبير آخر يزيد نصيب العمل الميت بالنسبة للعمل الحى فى تركيب رأسالمال، مما يهدد باستمرار معدل ربح الرأسمالى بالهبوط نظرا لأن العمل المأجور( رأسالمال المتغير، العمل الحى) هو الذى يخلق القيمة المضافة، وهذا يدفع الرأسماليين لزيادة معدلات الاستغلال بزيادة نصيب الملكية من القيمة المضافة أى الربح والفائدة والريع، وتقليل نصيب قوة العمل منها أى الأجور، وهذا يعنى زيادة معدل فائض القيمة المنتزع من العمل المأجور، وبسبب ذلك يتم تركيز الثراء فى قطب الرأسماليين، وتركيز البؤس في قطب العمال.
***
فى إطار عملية التراكم الرأسمالى تسبب الرأسمالية انقسام الطبقة العاملة إلى متعطلين عن العمل ومشتغلين، و يكون المتعطلين عن العمل ما يسمى بجيش العمل الاحتياطى، وهو جيش يتضخم حجما فى ظل أزمات الكساد الدورية التى تطرأ على الإنتاج الرأسمالى، وهى أزمة تتلخص فى وجود فائض من السلع والخدمات أى زيادة العرض من السلع والخدمات التى لا تجد من يشتريها، و من ناحية أخرى نقص الطلب على السلع والخدمات، وهذا يؤدى إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات، و من ثم انخفاض الربح الرأسمالى، وللهروب من أزمات الكساد الدورية، ونتائجها على تخفيض الربح، فإن الرأسماليون يخفضون الإنتاج، ويقللون من تكاليفه، بتخفيض الأجور و إطالة يوم العمل، و طرد أعدادا متزايدة من العمال، كما يخفضون أسعار السلع والخدمات فى محاولة لتصريفها، ولانخفاض الطلب على السلع والخدمات، فإن الميل للاستثمار الرأسمالى يقل، وتاريخيا فقد كادت أزمة الكساد الكبرى فى ثلاثينات القرن العشرين أن تعصف بالرأسمالية كعلاقة إنتاج، لولا السياسات الاقتصادية التى تبنتها الدول الرأسمالية للتدخل لمواجهة آثار الأزمة، بزيادة الإنفاق الحكومى العام على السلع والخدمات،وتشغيل العاطلين فى الحكومة، وتأميم المؤسسات الرأسمالية ضعيفة الربحية، و زيادة نصيب العمال من القيمة المضافة بزيادة أجورهم الحقيقية لتصريف المنتجات الراكدة.
***
الجيش الاحتياطى من العمل يتقلص فى ظل فترات الرواج مما قد يصل بقوة العمل إلى التشغيل شبه الكامل، وهى فترة يزداد فيها الطلب على السلع والخدمات، مما يجعل الرأسماليون يرفعون من معدلات الإنتاج،و يتوسعون فى الاستثمار، و يقومون بتشغيل أعداد متزايدة من العمال لملاحقة الطلبات المتزايدة على سلعهم وخدماتهم، ويسمحون برفع أجور العمال الحقيقية، كما يسمحون بتحسين شروط وظروف العمل نتيجة زيادة قدرة العمال على المساومة الجماعية معهم، و رغبتهم فى توسيع نطاق استهلاك سلعهم وخدماتهم، ونظرا لزيادة الطلب على السلع والخدمات فأنهم يرفعون أسعار السلع والخدمات بأعلى من قيمتها التبادلية، فيما يعرف بالتضخم أى ارتفاع الأسعار المصاحب لزيادة حجم الطلب على حجم العرض.وكانت أطول فترات الرواج وأبعدها أثرا، هى ما اتفق على تسميته بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية وانتهى مع أوائل السبعينات.
[1] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[2] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[3] http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=9753
[4] http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=17422
[5] ـ د.رفعت المحجوب، الاقتصاد السياسى، الجزء الثانى،دار النهضة العربية، القاهرة،1980.
[6] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[7] ـ كارل ماركس،الأجور والأسعار والأرباح،دار التقدم،موسكو.
[8] د. نادر فرجانى مصر فى مطالع القرن الحادى والعشرين، مجتمع فى مفترق طرق"مركز "المشكاة" للبحث، مصر (www.almishkat. org) مايو 2002
العمل الإنسانى هو المصدر الأوحد لكل ثروة مادية، جنبا إلى جنب مع الطبيعة التى تزود الإنسان بمواد عمله من أراضى ومواد خام وخلافه، و كل ما فى الطبيعة البكر من إمكانيات كامنة لتوليد الثروة الاجتماعية لابد وأنها تحتاج للعمل الإنسانى لتحويل تلك الإمكانية لواقع ملموس من الثروة[1]، فقوة العمل البشرى هى التى تحول الأرض البكر لأرض صالحة إما للبناء أو للزراعة، فتصبح بذلك العمل ثروة اجتماعية، و قوة العمل البشرى هى التى تستخرج ما فى المناجم من معادن، تلك التى تظل بلا قيمة طالما ظلت فى المناجم، و لكنها تصبح بعد استخراجها بقوة العمل البشرى لسطح الأرض مواد لها قيمة معينة، وتكتسب قيمة أعلى عندما يتم توصيلها لأماكن صهرها، وبالصهر والصب والقطع والتشكيل وغيرها من العمليات تتحول تلك المواد الأولية الخام الموجودة فى الطبيعة لأدوات و آلات للعمل ذات قيمة أعلى من قيمة المواد الخام المستخرجة و المنصهرة، و كلما زادت العمليات التى تجرى على نفس الكمية من المعادن المستخرجة من المنجم خلقت منتجات أعلى فى قيمتها، و تستطيع قوة العمل البشرى أن تؤثر بأدوات وآلات العمل على المواد الأولية الخام و غير الخام لإنتاج المزيد من أشكال الثروة الاجتماعية، سواء فى شكل منتجات للاستهلاك أو وسائل للإنتاج، التى تتحدد قيمتها بما بذل فيها من عمل بشرى، وهى القيمة التى لا تكتسبها إلا بفضل هذا العمل، والأشياء التى توجد فى الطبيعة البكر، و التى لم يؤثر فيها عمل ما، هى أشياء لا تباع ولا تشترى، و لا ثمن لها، كالهواء و هو أكثر المواد منفعة لحياة الإنسان، وأكثرها قيمة استعمالية، و الذى برغم من ذلك نتنفسه دون أن يطالبنا أحد بثمنه، إلا إذا بذل فيه عمل ما، سواء بالتنقية و التعبئة مثلا فيصبح بذلك سلعة لها قيمة تبادلية أى ثمن.
***
فى بعض علاقات الإنتاج لا تأخذ المنتجات البشرية شكل السلع إذ تستهلك من المنتج مباشرة كما فى الإنتاج المشاعى والفردى البسيط، وهو ما يعطى المنتج قيمة استعمالية، ولكن الإنتاج الرأسمالى هو إنتاج سلعى بهدف الربح الذى ينتج عن تبادل السلع المختلفة، ومن هنا فكل سلعة لها قيمتان، قيمة استعمالية، وقيمة تبادلية تتحدد بما يمكن أن نتبادله معها من سلع أخرى، دجاجة مقابل خمسون بيضة مثلا، أما النقود فهى مجرد وسيط هذا التبادل بين السلع ، وقد اخترعها البشر بدلا من أساليب المقايضة التى استخدمت قبل اختراع النقود، وكانت تتم سلعة مقابل سلعة، أما بعد اختراع النقود فقد أصبح التبادل يتم بأن تبيع الدجاجة بخمسة عشرة جنيها لتشترى خمسون بيضة بنفس المبلغ، أى سلعة /نقود /سلعة، إلا أن العامل المشترك بين كل السلع على كل تنوعاتها اللانهائية، والذى يجعل لها قيمة تبادلية فى السوق، هو إنها ناتج عمل بشرى، ومن ثم فهذا العمل هو الأساس الوحيد الممكن الذى يتم بناء على أساسه التبادل فيما بين السلع المختلفة، فما الذى يجمع بين السكاكين والخبز و الأبواب حتى يمكن أن نتبادلها بكميات ونسب محددة، سوى العمل الذى بذل فى إنتاجها، وما الذى يجمع بين عمل الحداد والفران والنجار بكميات ونسب محددة سوى الوقت الذى أنفقوه فى عملهم، أن ما يمكن أن يستخدم كمقياس لشتى أشكال العمل المختلفة هو الزمن الذى استغرقه العمل بالساعات واليوم، لكننا إذا حددنا قيمة السلعة بالوقت الذى أنفق فى إنتاجها، فإن السلعة التى يكون قد انتجها عامل بطىء وغير ماهر تكون أكثر قيمة من سلعة أنتجها عامل أكثر سرعة ومهارة، ومن ثم فلا يصلح الوقت الذى ينفقه ذلك العامل الفرد بحد ذاته أن يكون مقياس العمل ، الذى قد يكون سريعا أم بطيئا، ماهرا أو غير ماهر، دقيقا أم مهملا ، أما مقياس العمل الذى يصلح أن تقاس به القيمة التبادلية للسلع المختلفة فهو وقت العمل الضرورى اجتماعيا لإنتاج سلعة معينة، و هو مقياس لا يخص عاملا بعينه بل هو متوسط لمجموع العمل الاجتماعى الذى تم بذله لإنتاج السلعة،والذى يتوقف على عوامل كثيرة منها التطور التكنولوجى.
***
رأسالمال هو نقود يتم دفعها مقدما لشراء بعض السلع بغرض الحصول على كمية أكبر من النقود، ومن بين كل السلع التى يشتريها الرأسمالى تنفرد سلعة واحدة فقط بكونها القادرة على خلق هذه الزيادة فى النقود التى ينشدها الرأسمالى، و هى قوة العمل المأجورة، فالرأسمالى يشترى وسائل إنتاج بقدر معين من النقود، و لكى يضمن زيادة هذه النقود فأنه يشترى قوة عمل مأجورة قادرة على استخدام تلك الوسائل لإنتاج سلع وخدمات ذات قيمة أعلى مما اشترى به الرأسمالى وسائل إنتاجه[2]، وهذه القيمة التى أضافتها قوة العمل تنقسم لأجور قوة العمل، و فائض قيمة يشكل بتراكمه فى النهاية ربح الرأسمالى، إلا أن هذا الربح يتقاسمه الرأسماليون فيما بينهم بوسائل شتى كفوائد أو كريع أو كأرباح، و تجدر الإشارة إلى أن القيمة المضافة التى ينتجها المجتمع تنتج فقط فى القطاعات الإنتاجية والخدمية من الاقتصاد، فى المصانع و المزراع والمناجم وحقول البترول وفى وسائل النقل والمواصلات و محطات توليد الطاقة وغيرها، إلا أن نفس هذه القيمة المضافة التى ينتجها الاقتصاد الإنتاجى، تستولى على أجزاء منها القطاعات التجارية والائتمانية من الاقتصاد فضلا عن ما يستولى عليه ملاك العقارات من ريع، و ما ينهبه اقتصاد المضاربة.
***
الأرباح التجارية الذى يحققها التاجر هى ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يتخلى عنه الرأسمالى الصناعى أو الزراعى للتاجر مقابل قيام التاجر ببيع السلع التى ينتجها، وفوائد القروض هى ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يدفعه الرأسمالى القائم بالإنتاج الصناعى أو الزراعى إلى الرأسمالى النقدى مقابل استخدام رأسالمال المقترض، أو مقابل استخدام القيمة الاستعمالية للنقود التى اقترضها الرأسمالى الإنتاجى، والريع هو ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يحصل عليه المالك العقارى مقابل سماحه للرأسمالى بالانتفاع بعقاره، ويلاحظ مع التطور الرأسمالى أن الغالبية من الرأسماليين تستثمر فيما يسمى بالاقتصاد التجارى والائتمانى فضلا عن الاقتصاد المضارب الذى جوهره المضاربة على السلع والعقارات والأسهم والنقود، فى حين يتضاءل نصيب ما يمكن أن نسميه الاقتصاد الإنتاجي من الأرباح، وهذا التطور فى اتجاه نمو نصيب الاقتصاد المضارب و الريعى على حساب الرأسمال الإنتاجى له أثاره الاقتصادية والاجتماعية التى سنأتى عليها فيما بعد.
***
لا يمكن للقيمة المضافة ان تنجم عن مجرد تداول السلع بين البائعين والمشترين، لان هذا التداول لا يعرف سوى تبادل اشياء متعادلة, و لا يمكن للقيمة المضافة ان تنجم عن ارتفاع الأسعار لان الخسائر و الأرباح لدى كل من الشارين و البائعين تتوازن فى النهاية, فمن اجل الحصول على القيمة المضافة "يجب ان يتمكن صاحب المال من اكتشاف سلعة في السوق, لها قيمة استعمالية, تتمتع بميزة خاصة هي ان تكون مصدرا للقيمة, اي سلعة تكون عملية استهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة. وبالفعل هذه البضاعة موجودة: انها قوة العمل الانساني. ان استهلاكها هو العمل، و العمل يخلق القيمة. و حين يشتري صاحب المال قوة العمل يصبح من حقه ان يستهلكها اي ان يجعلها تعمل عدد معين من الساعات. و هذه الساعات تنقسم إلي وقت العمل "الضروري" الذى يعطي انتاجا يغطي نفقات اعالة العامل وأسرته، و وقت العمل "المضاف" الذى يعطي انتاجا "إضافيا" لا يدفع الرأسمالي اجرة عنه اي يعطي فائض القيمة[3].
***
ينقسم الرأسمال لقسمين ، القسم الأول هو الرأسمال الثابت الذي ينفق على وسائل الانتاج (آلات, و ادوات عمل, و مواد اولية و مواد نصف مصنعة الخ.) وتنتقل قيمته كما هي (دفعة واحدة او دفعات) الى المنتج التام الصنع, و الرأسمال الثابت هو عمل ميت كما سبق و أوضحنا، و القسم الثانى هو الرأسمال المتغير الذي ينفق فى شكل الأجور المدفوعة مقابل قوة العمل الحى. و قيمة هذا الرأسمال المتغير لا تظل ثابتة بل تنمو في عملية الانتاج, اذ هى التى تخلق القيمة المضافة. وعليه فمن اجل التعبير عن درجة استغلال الرأسمال لقوة العمل يجب مقارنة القيمة المضافة لا بالرأسمال كله بل بالرأسمال المتغير، فلو أن رأسمالا ثابتا قدره مليون جنية، و رأسمالا متغيرا قيمته نصف مليون جنيه حققا ثلاثة ملايين جنيه كقيمة مضافة، فعلينا أن نقارن النسبة بين قيمة الرأسمال المتغير أى النصف مليون جنيه و القيمة المضافة أى ثلاثة مليون جنيه، لنعرف معدل استغلال العمل الحى أو ناتج استثمار الرأسمال المتغير، وبتعبير آخر معدل الاستغلال الرأسمالى للعمل المأجور.
***
الرأسمال يحول قسم من القيمة المضافة التى ينتجها العمل الحى أو الثلاثة مليون جنيه فى المثال السابق الى رأسمال ثابت، فيتم توسيع المشروع الرأسمالى بشراء آلات وخطوط إنتاج جديدة، و استعمالها للانتاج من جديد مما يعنى أن الرأسمال الثابت عبر عملية التوسع الرأسمالى، هو نفسه العمل الميت، الذى هو جزء من القيمة المضافة التى تم نهبها من عمل حى سابق، والرأسمالية منذ أن بدأت وإلى الآن تنهب العمل الحى لتحوله لعمل ميت، فيما يطلق عليه التراكم الرأسمالى.
***
ان ازدياد معدل القيمة المضافة أو بتعبير آخر تشديد معدل الاستغلال يتم بفضل وسيلتين اساسيتين يلجأ لهما الرأسمالى سواء أحداهما أو كليهما ، الأولى إطالة يوم العمل، بتشغيل العمال عدد ساعات أكثر يوميا وهو ما يعطى ("قيمة مضافة مطلقة") و الثانية التقليص في يوم العمل الضروري، و ذلك يتم بتخفيض الأجور الحقيقية التى يحصل عليها العمال ورفع أسعار ما يبيعوه من سلع وخدمات، وهو ما يعطى ("قيمة مضافة نسبية"). و كلا الإجراءين يؤديان إلى تحقيق مصلحة الرأسماليين فى تحقيق فائض قيمة أعلى، و ذلك يتم بأن يفرضوا على العمال عدد ساعات عمل أطول وأجور أقل وأسعار أعلى، فى حين أن من مصلحة العمال من أجل تقليل ما ينتزع منهم من فائض قيمة فرض عدد ساعات عمل أقل وأجور أعلى وأسعار أقل، واختلاف المصالح الواضح فى هذه الحالة بين العمال والرأسماليين والذى يدركه الجميع بمن فيهم من ينكرون الصراع الطبقى، يعبر على أن كلا الطرفين يتنازعان على نصيب أكبر من نفس القيمة المضافة، إذ يحاول كل طرف زيادة نصيبه منها[4].
***
بينما يتخفى الاستغلال الرأسمالى وراء قناع من حرية التعاقد الفردية، و بينما يتخفى الاستغلال البيروقراطى الحديث وراء قناع من المساواة فى الملكية، فإن الاستغلال فى العلاقات الإنتاجية الطبقية ما قبل الرأسمالية لم يكن فى حاجة لأى أقنعة تخفيه.إذ تملك الرأسمالية أو تسيطر على كل مصادر السلطة المادية،و بكل هذه الوسائل تمارس تسلطها على الطبقة العاملة وتقهرها وتضللها، وبها تكتسب وضعها السيادى المميز اجتماعيا، و بها تستغل الطبقة العاملة لتحقيق مصالحها فى تعاظم أرباحها، فتفرض علي الطبقة العاملة كلما استطاعت ذلك القبول بعدد ساعات عمل أكثر، وأجور أقل، وظروف عمل وحياة أسوء، و تقدر أن تبيعها السلع والخدمات التى تنتجها بأثمان أغلى، فتحقق الرأسمالية بذلك أرباح أكثر.أما الطبقة العاملة فهى مجردة من كل وسائل السلطة المادية، و بالتالى مجردة من أى قدرة على فرض هيمنتها على المجتمع بالرغم من أنها صانعة جل ثروة هذا المجتمع المادية والفكرية، إلا أنها محرومة من التمتع بالجانب الأعظم من تلك الثروة فى نفس الوقت، و هى لا تملك فى صراعها مع الرأسمالية المدججة بكل أسلحة السلطة المادية إلا سلاح وحدتها و وعيها بذاتها، اللذان كلما تعمقا وازدادا جذرية كلما كانت الطبقة العاملة أكثر قدرة على فرض شروطها ومطالبها على الرأسمالية، و كلما استطاعت أن تحقق مكاسب أكثر على حساب الرأسمالية، فى إطار الصراع الطبقى القائم بينهما، فتفرض على الرأسمالية عدد ساعات عمل أقل، وأجور أعلى، و من ثم تحقق لنفسها ظروف عمل وحياة أفضل، وتستطيع أن تشترى ما تحتاجه من سلع وخدمات بأثمان أرخص، و بعبارة أخرى كلما كانت أكثر قدرة على تحويل علاقة الإذعان المطلق للرأسمالية القائمة فى حالة تفككها لأفراد معزولين، لعلاقة إذعان نسبى، تلك الممكنة فى حالة وحدتها الجزئية على مستوى وحدة العمل أو الصناعة الواحدة أو الدولة الرأسمالية، فهى فى هذه الحالة فقط يمكنها المساومة الجماعية مع الرأسمالية لتحسين ظروف حياتها وعملها، أو أن تتحرر نهائيا من سيطرة الرأسمالية فى حالة وحدتها العالمية.
***
يدافع مفكرو الرأسمالية عن حق الرأسماليين فيما يحصلون عليه من أرباح، فيقولون أنها حقهم المشروع مقابل مخاطرتهم باستثمار ما يملكونه من رأسالمال، و مقابل تنظيمهم وإدارتهم للاستثمارات التى يملكونها، و أنها نصيبهم العادل كملاك لرأسالمال باعتباره عنصر من عناصر الإنتاج جنبا إلى جنب العمل،[5] و هم فى هذا يرددون حجج الرأسماليين معبرين عن مصالحهم لا غير، فى حين أن مثقفى الطبقة العاملة لهم نظرة أخرى للموضوع.
***
أن غالبية الرأسماليين لا شأن لهم فعليا بالإدارة والتنظيم، و أنهم يحصلون على دخلهم من الثروة التى يملكونها، كفوائد على ما يملكوه من الأسهم و الأوراق المالية و الإيداعات البنكية، أو كريع للعقارات المملوكة لهم، دون بذل أى جهد يذكر فى الإنتاج وتنظيمه وإدارته، أو أنهم يربحون نتيجة المضاربة، وأن مقابل الإدارة والتنظيم هذا إن اتفقنا عليه لا يمكن أن يبرر نصيب الأسد الذى يحصل عليه الرأسماليين من فائض الإنتاج فى مقابل الفتات التى يحصل عليه العمال منها، إلا إذا اعتبرنا أن الإدارة والتنظيم هى أهم عناصر الإنتاج، و أن القرارات الإدارية التى يتخذها المديرون هى المولدة للربح دون أن تجد من ينفذها من العمال الذين يحولوها لإنتاج ملموس.
***
أن كل وسائل الإنتاج من أرض وآلات و أموال وغيرها، هى فى حقيقتها عمل ميت استولى عليه الرأسماليون بشتى الطرق القانونية وغير القانونية، هى وسائل ميتة لا يمكنها أن تخلق القيمة المضافة التى لا يخلقها سوى العمل الحى، و التى تنقسم بين العمل كأجر و رأسالمال كربح، إذ لابد أن تستخدم تلك الوسائل الميتة بواسطة العمل الحى لخلق القيمة المضافة، فالأدوات والآلات لا تعمل من تلقاء نفسها دون بشر فى حين أن البشر هم أنفسهم و لا أحد سواهم من يصنعون الأدوات والآلات التى يعملون بها، ولو تركت الأدوات والآلات التى يملكها الرأسماليين دون استخدام لتعرضت للتآكل والصدأ، و كذلك الأموال التى تتآكل قيمتها الفعلية بارتفاع الأسعار و تقل بالاستهلاك.
***
أن غالبية الرأسماليين يحصلون على أرباحهم من المضاربة على أسعار الأسهم و النقود و السلع المختلفة، و ليس عبر تنظيم الإنتاج و إدارته كما يدعى مفكرو الرأسمالية، والمضاربة لا تختلف فى جوهرها و شروطها و نتائجها عن أى لعبة قمار و مراهنة، و لا فرق بين ما يتعرض له المقامر من خسائر وما يحصل عليه من مكاسب نتيجة مقامرته من جهة، و بين ما يتعرض له كل من المضارب و الرأسمالى من مكاسب وخسائر مقابل نفس المغامرة من جهة أخرى.
***
إن كل هذه الحجج التى يدافع بها مفكرو الرأسمالية عن حق الرأسماليين فى عوائد التملك تتشابه تماما مع حجج أى مرابى يبرر ما يحصل عليه من فوائد على قروضه، بقوله أنها حقه المشروع مقابل المخاطرة بأمواله، و حقه فى الحصول على عائد استثمارها من المدين الذى سبق و اقترضها منه، و عطله بذلك عن استثمارها والاستفادة منها، وأنها تعويضا له عن انخفاض سعر العملة و حرمانه من إنفاق نقوده طوال فترة الاقتراض، إلا أن النظرة الموضوعية ترى أنه لا فرق إطلاقا بين عوائد التملك التى يحصل عليها الرأسماليون، و الفوائد التى يحصل عليها المرابى، وبرغم هذا التطابق الواضح للعيان إلا أن البعض لا يجد غضاضة فى أن لا يدين أرباح الرأسمالى و المضارب ويعتبرها رزقا حلالا، ويدين فى نفس الوقت أرباح الربا و القمار التى يعتبرها مالا حراما.
***
أن تاريخ الرأسمالية على امتداده يقدم الدليل تلو الدليل على مدى الجرائم البشعة والشائنة التى أرتكبها الرأسماليون ضد الإنسانية، و التى لم يكن وراءها إلا الجشع المحموم من أجل تحقيق الربح على حساب البشر، و ما تاريخ الرأسمالية كله سوى السعى الذى لا يقف فى سبيله شىء من جانب رأسالمال، لتوسيع نفوذه وفرض هيمنته وجنيه للأرباح،[6] أما عن تراكم الأموال فى أيدى الرأسماليين لتصبح رأسمالا فى النهاية يستطيعون به شراء قوة العمل المأجورة لمضاعفة أرباحهم، فلم يكن فى الغالب الأعم نتيجة التوفير والكدح والذكاء، كما تروى لنا أساطير الرأسمالية و مثقفوها، فالتراكم الهائل للثروات الرأسمالية، و تركزها فى يد قلة ضئيلة العدد من السكان، وحرمان الغالبية الساحقة منها، ما كان ليتم دون عمليات واسعة من النهب والسلب والخداع والاحتيال وشتى الجرائم التى تعرفها البشرية بلا استثناء، قانونية كانت أو غير قانونية، سواء بين الرأسماليين المتنافسين فى السوق، أو بعصر الأرباح من عمل العمال على السواء، و تاريخ الرأسمالية يفصح على أن الجريمة سواء أكانت بالمعنى القانونى أو بالمعنى الأخلاقى كانت و ما زالت لها اليد الطولى فى تراكم الأموال وتحولها لرأسمال، و بالتالى تركز رأسالمال فى يد القلة من الرأسماليين.
***
يزعم مثقفو الرأسمالية أن تكلفة السلعة تتوقف على التوازن بين العرض والطلب.وهذا ظاهريا يبدوا صحيح، فالتوازن بين العرض والطلب له أثر كبير على المبلغ الذى يتعين علينا أن ندفعه مقابل سلعة ما إلا أن هذا لا علاقة له بقيمتها. فإذا شحت السلعة فى السوق زاد ثمنها، وإذا توفرت قل ثمنها. لكن لماذا لا يمكن أبدا للقطار أن يكون أرخص من الدراجة، أو الجرار أن يكون أرخص من الفأس؟ الإجابة:لأن كميات مختلفة من العمل بذلت فى إنتاج هذه الأشياء التى تجرى بينها المقارنة، كما أن من طبيعة المضاربة أن ترفع الأسعار أو تخفضها إراديا لخلق أرباح فى المستقبل لا علاقة لها بالقيمة الفعلية للسلعة، فمن الخطأ أن نظن أن قيمة العمل أو أى سلعة أخرى يحددها فى نهاية الأمر،العرض والطلب.إن العرض والطلب لا ينظمان غير التقلبات المؤقتة فى السوق.إن فى وسعهما ايضاح السبب فى أن أسعار السلعة فى السوق تزيد عن قيمتها أو تنخفض عن قيمتها، إلا أنهما لا يستطيعان البتة تفسير هذه القيمة ذاتها. فلنتفترض أن العرض و الطلب متوازنان أحدهما مع الآخر أو كما يقول الاقتصاديون يغطى أحدهما الآخر. حين تكون هاتان القوتان المتنازعتان متعادلتى القدرة، فإن أحداهما تشل الأخرى، وتكفان عن العمل فى اتجاه أو فى اتجاه آخر، وحين يتوازن العرض مع الطلب ويكفان بالتالى عن العمل، فإن اسعار السوق للسلعة، تكون مطابقة لقيمتها الحقيقية، مطابقة للسعر الطبيعى الذى تتأرجح حوله أسعارها فى السوق. ولذلك ليس لنا عند بحث طبيعة هذه القيمة، أن نهتم أى اهتمام بما للعرض وللطلب من تأثيرات مؤقتة على أسعار السوق.وهذا يتعلق بالأجور. كما يتعلق بأسعار جميع السلع الأخرى[7].
***
إن جوهر قضية الطبقة العاملة فى ظل علاقة الإنتاج الرأسمالية، ليس هو الفقر لاحتياجات الحياة الضرورية بالمقارنة بترف الرأسماليين وتمتعهم بالكماليات، فهذا الفقر نسبى بطبيعته، بل يمكن اعتباره من كثير من الزوايا قليل الأهمية، وذلك بالطبع عند توفر ضروريات الحياة لدى العامل، ويمكن القول أنه عند توافر ضروريات الحياة لدى العامل، فإن تطلعه لما يتجاوزها من كماليات الحياة فى ظل الرأسمالية، يصبح أداة من أدوات تعميق عبوديته للرأسمالية، و ليس أداة من أدوات تحرره منها، إذ يستلزم التطلع لكماليات الحياة التخلى عن المزيد من حريته ووقته وجهده، و بيع المزيد من قوة عمله للرأسمالية للحصول على دخل أعلى يحقق له تلك الكماليات، مع ملاحظة أن ضروريات الحياة وكماليتها مفاهيم نسبية هى الأخرى، فما هو ضرورى لشخص قد لا يكون ضروريا لآخر، وما قد نعتبره كماليا قد يعتبره آخر ضروريا والعكس صحيح.هذا الفقر النسبى لاحتياجات الحياة الضرورية الذى هو سمة للطبقة العاملة فى المجتمع الرأسمالى، هو مجرد عرض جانبى ملازم لوضع أكثر جوهرية هو عبودية الطبقة العاملة المأجورة للسيادة الرأسمالية، و الذى بسببه تستطيع الرأسمالية أن تفرض على المجتمع بأسره ما يحقق مصالحها فى الربح والسيطرة على حساب حقوق و حريات الطبقة العاملة، فبسبب جوع العمال لضروريات الحياة، وخضوعهم للعنف والخوف منه، و تأثرهم بالتضليل الرأسمالى يضطر العمال للخضوع لمستغليهم ومضطهديهم.
***
بسبب و ضع العبودية المأجورة للطبقة العاملة تنقسم الثروة الاجتماعية التى ينتجها العمل البشرى، بين الطبقات الاجتماعية فى علاقة الإنتاج الرأسمالية ، إلى قسمين.القسم الأكبر حجما و هو ما يطلق عليه عوائد التملك ويكون فى شكل أرباح و فوائد و ريع، و يحصل عليها ملاك وسائل الإنتاج، برغم عدم مشاركة الطبقة الرأسمالية الضئيلة الحجم فى إنتاج هذه الثروة الاجتماعية، و برغم وضعها الطفيلى فى المجتمع أى الممكن الاستغناء عنه فى عملية إنتاج تلك الثروة.أما القسم الأصغر حجما و هو ما يطلق عليه عائد العمل فى شكل أجور فتأخذه الغالبية العمالية، برغم إنتاج تلك الغالبية لمعظم الثروة الاجتماعية، و ووضعها الضرورى الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى عملية إنتاجها.مع ملاحظة أن المنتجين المستقلين الذين يجمعون بين عائدى العمل و التملك معا قد يتسع حجمها أو يقل فى كل مجتمع رأسمالى، إلا أنهم لا يتجاوزون دائما حجم الأقلية الكبيرة.
***
هذه الحقائق البسيطة سالفة الذكر تفسر لماذا يقضى بعض الناس سنوات حياتهم كلها وهم يكدحون حتى تنحنى منهم الظهور ثم يموتون وهم بين براثن الفقر و البؤس، بينما يتمكن آخرون، ليس فقط من أن يعيشوا فى البذخ والترف، وإنما أن يزدادوا ثراء يوما بعد يوم، دون قطرة عرق واحدة نتيجة لأداء أى عمل، و هذا هو ما يفسر لماذا يحصل ثلاث أفراد فقط على ما يحصل عليه مليار من البشر من دخل، و لماذا يحصل خمسمائة وخمسون شخص على ما يحصل عليه نصف سكان الأرض من دخل، ولماذا يحصل 20% من سكان الأرض على 80% من الدخل فى حين يكتفى ال 80% الآخرون ب 20% من الدخل،. ولماذا وبشكل متزايد، يتضخم حجم عوائد التملك ففى مصر أرتفع من 62% عام 1986 إلى 71% عام 1993،وقد يقترب من 80% الآن، و يتضاءل حجم عائد العمل، فى الناتج المحلى فى كل مجتمع رأسمالى، ففى مصر انخفض من 38% إلى 29%خلال نفس الفترة،[8] و قد يصل إلى 20% الآن، ولماذا يتزايد تركز الثروة الاجتماعية و الدخل على نحو مطرد فى يد القلة الرأسمالية المتضائلة حجما باستمرار، فى حين يتزايد على نحو مطرد إفقار الغالبية العمالية من تلك الثروة و يتضاءل نصيبها من الدخل، و هى المتضخمة حجما باستمرار، فى كل المجتمعات الرأسمالية و فى الكوكب بأسره فالمصالح النهائية للطبقة العاملة تعنى تحررها من عبودية العمل المأجور سواء للرأسمال أو للدولة ، وذلك بسيطرتها الجماعية على كافة وسائل الإنتاج والخدمات والعنف والمعرفة، وإدارتها لشتى شئون المجتمع لصالحها، بواسطة المجالس العمالية فى مواقع العمل والمناطق السكنية، و اتحادات تلك المجالس طوعيا من أسفل لأعلى.
***
لن يغير هذا الوضع البائس للعمال الواقعين تحت نير الاستغلال والقهر والتضليل معا، مجرد تحسين مستوى معيشة العمال وظروف عملهم كما يروج لهذا مثقفو الرأسمالية، سواء أكان هذا التحسين عبر أعمال البر والإحسان و الصدقات التى قد تأتيها من بعض الخيرين، أو عبر الإصلاحية التى جوهرها زيادة نصيب العمل من القيمة المضافة، فى ظل استمرار علاقة الإنتاج الرأسمالية، هذه الرأسمالية هى التى تخلق بالضرورة هذا الوضع البائس، لتحافظ على اضطرار العمال لبيع قوة عملهم، إنما يغير هذا الوضع بالفعل تحرر الطبقة العاملة من نظام عبودية العمل المأجور سواء للدولة أو رأسالمال، و إنهاء انقسام المجتمع بين من يأمرون فيطاعوا، و بين من يؤمرون فيطيعوا. الأمر الذى لن يتم إلا بفعل ثورى تقوم به الغالبية الواسعة من الطبقة العاملة، فحتى لو كانت احتياجات الناس الحيوية باعتبارهم حيوانات تضطرهم للاستغناء عن تلك الحرية مقابل الطعام والأمن و الأوهام، فأن احتياجهم للحرية باعتبارهم بشر سيظل يدفعهم للحصول عليها. ولهذا بالتحديد لن ينتهى الصراع الطبقى بين العمال والرأسماليين، إلا بنظام اجتماعى آخر يضمن إنهاء أوضاع العبودية، ومن ثم يقضى على أسباب الصراع الطبقى.
***
إن عملية تراكم الرأسمال،هى عملية تستمر طالما وجدت نقود يتم بواسطتها شراء وسائل إنتاج و قوة عمل مأجور لإنتاج سلع يتم بيعها فى السوق مقابل نقود أكثر مما دفع فى المرة السابقة، لتتكرر نفس الدورة مرات ومرات، و فى كل مرة يتضخم فيها الرأسمال الثابت، وتحل الآلات أكثر محل عمل العمال، و من ثم يزيد حجم رأسالمال الثابت بالنسبة للرأسمال المتغير فى تركيب رأسالمال فى المشروع الرأسمالى، وبتعبير آخر يزيد نصيب العمل الميت بالنسبة للعمل الحى فى تركيب رأسالمال، مما يهدد باستمرار معدل ربح الرأسمالى بالهبوط نظرا لأن العمل المأجور( رأسالمال المتغير، العمل الحى) هو الذى يخلق القيمة المضافة، وهذا يدفع الرأسماليين لزيادة معدلات الاستغلال بزيادة نصيب الملكية من القيمة المضافة أى الربح والفائدة والريع، وتقليل نصيب قوة العمل منها أى الأجور، وهذا يعنى زيادة معدل فائض القيمة المنتزع من العمل المأجور، وبسبب ذلك يتم تركيز الثراء فى قطب الرأسماليين، وتركيز البؤس في قطب العمال.
***
فى إطار عملية التراكم الرأسمالى تسبب الرأسمالية انقسام الطبقة العاملة إلى متعطلين عن العمل ومشتغلين، و يكون المتعطلين عن العمل ما يسمى بجيش العمل الاحتياطى، وهو جيش يتضخم حجما فى ظل أزمات الكساد الدورية التى تطرأ على الإنتاج الرأسمالى، وهى أزمة تتلخص فى وجود فائض من السلع والخدمات أى زيادة العرض من السلع والخدمات التى لا تجد من يشتريها، و من ناحية أخرى نقص الطلب على السلع والخدمات، وهذا يؤدى إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات، و من ثم انخفاض الربح الرأسمالى، وللهروب من أزمات الكساد الدورية، ونتائجها على تخفيض الربح، فإن الرأسماليون يخفضون الإنتاج، ويقللون من تكاليفه، بتخفيض الأجور و إطالة يوم العمل، و طرد أعدادا متزايدة من العمال، كما يخفضون أسعار السلع والخدمات فى محاولة لتصريفها، ولانخفاض الطلب على السلع والخدمات، فإن الميل للاستثمار الرأسمالى يقل، وتاريخيا فقد كادت أزمة الكساد الكبرى فى ثلاثينات القرن العشرين أن تعصف بالرأسمالية كعلاقة إنتاج، لولا السياسات الاقتصادية التى تبنتها الدول الرأسمالية للتدخل لمواجهة آثار الأزمة، بزيادة الإنفاق الحكومى العام على السلع والخدمات،وتشغيل العاطلين فى الحكومة، وتأميم المؤسسات الرأسمالية ضعيفة الربحية، و زيادة نصيب العمال من القيمة المضافة بزيادة أجورهم الحقيقية لتصريف المنتجات الراكدة.
***
الجيش الاحتياطى من العمل يتقلص فى ظل فترات الرواج مما قد يصل بقوة العمل إلى التشغيل شبه الكامل، وهى فترة يزداد فيها الطلب على السلع والخدمات، مما يجعل الرأسماليون يرفعون من معدلات الإنتاج،و يتوسعون فى الاستثمار، و يقومون بتشغيل أعداد متزايدة من العمال لملاحقة الطلبات المتزايدة على سلعهم وخدماتهم، ويسمحون برفع أجور العمال الحقيقية، كما يسمحون بتحسين شروط وظروف العمل نتيجة زيادة قدرة العمال على المساومة الجماعية معهم، و رغبتهم فى توسيع نطاق استهلاك سلعهم وخدماتهم، ونظرا لزيادة الطلب على السلع والخدمات فأنهم يرفعون أسعار السلع والخدمات بأعلى من قيمتها التبادلية، فيما يعرف بالتضخم أى ارتفاع الأسعار المصاحب لزيادة حجم الطلب على حجم العرض.وكانت أطول فترات الرواج وأبعدها أثرا، هى ما اتفق على تسميته بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية وانتهى مع أوائل السبعينات.
[1] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[2] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[3] http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=9753
[4] http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=17422
[5] ـ د.رفعت المحجوب، الاقتصاد السياسى، الجزء الثانى،دار النهضة العربية، القاهرة،1980.
[6] ـ ل.أبالكينو و آخرون ،ترجمة سعد رحمى، الاقتصاد السياسى،دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1987.
[7] ـ كارل ماركس،الأجور والأسعار والأرباح،دار التقدم،موسكو.
[8] د. نادر فرجانى مصر فى مطالع القرن الحادى والعشرين، مجتمع فى مفترق طرق"مركز "المشكاة" للبحث، مصر (www.almishkat. org) مايو 2002
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية