الجمعة، 6 يونيو 2008

(3) ماركسيون قوميون ضد الطبقة العاملة

(3) ماركسيون قوميون ضد الطبقة العاملة
سامح سعيد عبود
كان الدافع لكتابة هذه السلسلة المعنونة بالقيمة فى العمل، هو ما أثاره الصديق سامر سليمان حول اهمال اليسار لنظرية القيمة فى العمل برغم أنها ركن الزاوية فى الماركسية، و هى الأساس العلمى الذى تستند عليه الطبقة العاملة فى المطالبة بحقوقها التى يسلبها الرأسماليون، و لكن ما لا يعرفه البعض أن هناك من الماركسيين القوميين، وهو قول شبيه بالمسلمين الملحدين، يرفضون نظرية القيمة فى العمل، مستندين على دوافع قومية ووطنية، فالمسألة إذن ليست مجرد إهمال مقصود أو غير مقصود كما قد يظن البعض لقضية الطبقة العاملة الأساسية، ولكن لأن هذه النظرية تحديدا لا تساند رؤيتهم لكل من الاستغلال والقهر، الذى ينخرطون في النضال ضدهما على أسس قومية لا على أسس طبقية، فالشيوعيون على حد تعبير أحد كبار كوادرهم فى مصر هم الأكثر تطرفا فى الوطنية من بين كل الوطنيين، فيالها من خيبة.
سر الإهمال أو التشوية أو العداء لنظرية القيمة فى العمل من قبل هؤلاء القوميين، يرجع إلى أن هذه النظرية تقول ببساطة أن قيمة السلع الخام الزراعية والحيوانية و التعدينية لا بد وأن تكون أقل من قيمة السلع الصناعية، طالما أن العمل المبذول فى الإنتاج الزراعى والتعدينى أقل من العمل المبذول فى الصناعة، وهذا يفسر جزئيا، الفرق فى مستوى المعيشة بين البلاد التى تتخصص فى إنتاج المواد الخام، و بين مستوى المعيشة فى البلاد الصناعية، والراجع أساسا إلى الفرق فى الإنتاجية المرتفعة للعامل الصناعى، ومن ثم دخله المرتفع، وبين الإنتاجية المنخفضة للعامل الزراعى أو عامل التعدين، ومن ثم دخله المنخفض، فالعامل الزراعى قد لا يعمل فى أفضل الأحوال سوى بضعة أسابيع فى العام، فى حين يقف العامل الصناعى على خط الإنتاج معظم أيام العام، و فى حين يستخدم العامل الزراعى أدوات إنتاج بسيطة بذل في إنتاجها عمل أقل و من ثم قيمة أقل، يستخدم العامل الصناعى أدوات إنتاج أكثر تعقيدا بذل فى إنتاجها عمل أكثر ومن ثم قيمة أكثر، ففى حين يبلغ عمال الصناعة فى مصر 19% من قوة العمل، فإنهم يساهمون ب 30% من الدخل القومى فى حين يبلغ عمال الزراعة 30% من قوة العمل فأنهم لا يساهمون بأكثر من 20% من الدخل القومى، مع ملاحظة أن مستوى التصنيع فى مصر متخلف لا ينتج قيم بنفس المستوى المتقدم فى البلاد الصناعية. والجدير بالذكر أن دول البترول الثرية حالة استثنائية من القاعدة. لأسباب لها علاقة بقواعد العرض والطلب، فضلا عن المصادفة الجغرافية الخاصة بقلة عدد السكان فى تلك البلاد بالمقارنة بدخلها من البترول
نظرية القيمة فى العمل، تفسر ببساطة سر فقر بلاد المواد الأولية بالنظر لثراء البلاد الصناعية ، ليس على أساس أنها منهوبة من بلاد الصناعة الإمبريالية، بسبب ما يقال عنه التبادل غير المتكافىء بين السلع الأولية والسلع المصنعة، و هى نظريات يتغذى عليها اليسار القومى، فحتى مع التسليم بصحة وجود درجة من النهب فى ظل الاستعمار المباشر، فكيف نفسر استمرار هذا النهب فى ظل الاستقلال. و إذا كانت المسألة كما تقول مدارس التبعية ، هى أنه يوجد فرق فى العائد على نفس الإنتاجية بين الشمال الصناعى وبين الجنوب الزراعى والتعدينى، وأن هذا الفرق المتحقق يتم نهبه لبلاد الشمال من بلاد الجنوب، فحل المسألة ببساطة يكمن فى توحيد العائد على نفس الإنتاجية فى كل بقاع العالم، وهذا يمكن أن يتم بالتوحيد الكامل للسوق العالمى، ليس فقط على مستوى حرية التجارة كما هو الآن، ولكن بإطلاق حرية هجرة العمالة.
العمل الإنسانى هو المصدر الأوحد لكل ثروة مادية، جنبا إلى جنب مع الطبيعة التى تزود الإنسان بمواد عمله من أراضى ومواد خام وخلافه، و كل ما فى الطبيعة البكر من إمكانيات كامنة لتوليد الثروة الاجتماعية لابد وأنها تحتاج للعمل الإنسانى لتحويل تلك الإمكانية لواقع ملموس من الثروة، فقوة العمل البشرى هى التى تحول الأرض البكر لأرض صالحة إما للبناء أو للزراعة، فتصبح بذلك العمل ثروة اجتماعية، و قوة العمل البشرى هى التى تستخرج ما فى المناجم من معادن، تلك التى تظل بلا قيمة طالما ظلت فى المناجم، و لكنها تصبح بعد استخراجها بقوة العمل البشرى لسطح الأرض مواد لها قيمة معينة، وتكتسب قيمة أعلى عندما يتم توصيلها لأماكن صهرها، وبالصهر والصب والقطع والتشكيل وغيرها من العمليات تتحول تلك المواد الأولية الخام الموجودة فى الطبيعة لأدوات و آلات للعمل ذات قيمة أعلى من قيمة المواد الخام المستخرجة و المنصهرة، و كلما زادت العمليات التى تجرى على نفس الكمية من المعادن المستخرجة من المنجم خلقت منتجات أعلى فى قيمتها، و تستطيع قوة العمل البشرى أن تؤثر بأدوات وآلات العمل على المواد الأولية الخام و غير الخام لإنتاج المزيد من أشكال الثروة الاجتماعية، سواء فى شكل منتجات للاستهلاك أو وسائل للإنتاج، التى تتحدد قيمتها بما بذل فيها من عمل بشرى، وهى القيمة التى لا تكتسبها إلا بفضل هذا العمل، والأشياء التى توجد فى الطبيعة البكر، و التى لم يؤثر فيها عمل ما، هى أشياء لا تباع ولا تشترى، و لا ثمن لها، كالهواء و هو أكثر المواد منفعة لحياة الإنسان، وأكثرها قيمة استعمالية، و الذى برغم من ذلك نتنفسه دون أن يطالبنا أحد بثمنه، إلا إذا بذل فيه عمل ما، سواء بالتنقية و التعبئة مثلا فيصبح بذلك سلعة لها قيمة تبادلية أى ثمن.
فى بدايات الرأسمالية كان الاستغلال والقهر الطبقيين محدودين بالدولة القومية والسوق القومى، وما إن تمددت هذه الرأسمالية لتغزو العالم، ظل الاستغلال والقهر طبقيين فى جوهرهما، و إن تخطا الحدود القومية للعالم، فبترول الخليج ظل لملايين السنين فى باطن الأرض بلا ثمن ولا قيمة، وجاء الرأسماليون المنتمون للدول الصناعية بوسائل إنتاج متقدمة للتنقيب عنه واستخراجه، واشتروا قوة عمل مأجورة من مهندسين وفنيين وعمال مهرة وغير مهرة، ينتمون لجنسيات مختلفة محلية و أجنبية، وبواسطة عمل هؤلاء العاملين بأجر خرج البترول من آباره، ليصبح له قيمة، وهم أصحاب الحق وحدهم فى تلك القيمة، ونقلت هذا البترول الناقلات والأنابيب إلى معامل تكرير البترول، ليتحول بفضل قوة عمل معامل التكرير لمنتجات بترولية مختلفة ذات قيم مختلفة، وكان على شركات البترول أن تدفع للحكومات التى تسيطر على الأرض التى استخرج منها البترول، ريعا مقابل ما يتم استخراجه من بترول خام ، و هذا الريع جزء من فائض العمل المنهوب من العاملين بأجر الذين استخرجوا البترول، و قد تخلى عنه ملاك شركات البترول لحكام تلك البلاد الذين تشاركوا معهم فى نهبهم لعمال تلك الشركات، أيا كانت جنسياتهم، وبمرور الوقت، تراكمت النقود فى يد حكام تلك البلاد، ومنهم إلى بيروقراطيوها ثم التجار ورؤساء العشائر المحليون، وكل هؤلاء تحولو لرأسماليين بدورهم يبحثون عن الاستثمار من أجل الربح فى شتى أرجاء العالم، فغزوا البلاد المصنعة وغير المصنعة، مشاركين الرأسماليين من شتى البلاد استغلالهم للعمل المأجور عبر العالم، وها هو أكثرهم ثراءا الوليد بن طلال يحتل المركز الرابع فى قائمة الأكثر ثراءا فى العالم، ولا شك أنه تكونت مصالح مشتركة بين الرأسماليين الأجانب والمحليين، ومن ناحية أخرى، ولأن المنافسة على الموارد و الأرباح هى روح الإنتاج الرأسمالى، فقد نشأت صراعات بين هؤلاء الرأسماليين من أجل الأسواق والأرباح، كما تنشأ المنافسات بين اللصوص على مناطق النفوذ والغنائم، ولكن ما شأن العمال المنهوبين بالقصة، أن القوميين يقولون لهم أن اللص الرأسمالى الذى ينتمى لقوميتهم أو جنسيتهم أو دينهم، أولى بنهبهم من الرأسمالى اللص الغريب الذى لا ينتمى لقوميتهم أو جنسيتهم أو دينهم، وإن ثمة ما هو مشترك بينهم وبين إبن قوميتهم أو دينهم أو جنسهم أهم وأجدى من المشترك بين العمال المنهوبين من القوميات والجنسيات والأديان الأخرى.
وعلى هذا الأساس القبلى المتخلف فى حقيقته، يستند القوميون علي تلك الصراعات بين الرأسماليين فى نفيهم أو تأجيلهم أو تشويههم للصراع الطبقى، من أجل تفتيت الطبقة العاملة على أسس قومية، تنتهى فى النهاية لصالح الرأسماليين.و على مثل تلك البلاهة ينحاز المستهلكين المسلمين لشركة فودافون لأن أصحابها مسلمين، والمستهلكين المسيحيين لموبينيل لأن أصحابها مسيحيين، وعلى مثل هذا الجهل، ناهض القوميون سلاسل سوبر ماركت سينسبرى لأن أصحابها يهود برغم رخص أسعار بضائعها، ليزيحوها تماما من السوق المصرى، لصالح سلاسل سوبر ماركت مترو و هايبر و كارفور المرتفعة الأسعار، وبعد سنوات يشترى القطريون المسلمون سلاسل سينسبرى ليهدوها إلى الإسلام.
الحقيقة التى تسعى التيارات القومية والدينية إلى طمسها هى أن الرأسمالى لايسعى إلا لتحقيق مصلحته فى الربح على حساب قوة العمل، وهو فى هذا لا دين ولا قومية له، إلا أنه ولتحقيق نفس المصلحة فى الربح يلجأ دائما للأساطير القومية والدينية، ليجر ورائه العاملين بأجر فى صراعاته مع الرأسماليين الآخرين على الأسواق والأرباح.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية