موجز تاريخ المادة والوعى(11) كيف تنعكس الأشياء؟
موجز تاريخ المادة والوعى(11) كيف تنعكس الأشياء؟
سامح سعيد عبود
علمنا مما سبق أن الحركة هى الشكل العام لوجود المادة و أن الترابط الشامل المتبادل بين الكائنات المادية هو أيضا أحد الخصائص العامة للمادة الا أن هناك خاصة عامة أخرى هى الانعكاس و نستطيع أن نعرفه بانه قدرة الكائن المادى على التأثر بالكائنات المادية الأخرى التى تؤثر فيه بخواصها المختلفة، و فى نفس الوقت فأنه يؤثر بدوره فى الأجسام الأخرى وهكذا ... والكائن المادى المؤثر يكون إيجابيا بالنسبة للجسم المتأثر الذى يكون سببا بالنسبة له، وهناك علاقة وطيدة بين الانعكاس كخاصة عامة للمادة شأنها شأن الحركة، و بين السببية باعتبارها أساس كل الظواهر، و الحقيقة إن المادة تتكون من أعداد لا نهائية من الكائنات المادية التى تتفاعل فيما بينها فى علاقات مترابطة متبادلة، و هى فى هذا تحدث تغيرات فى بعضها البعض تتناسب مع نوع الخاصية المؤثرة من حرارة وبرودة وخشونة ونعومة وسيولة وصلابة و رطوبة و جفاف ... الخ ، و حالات الكائن المادى من خمول ونشاط وكتلة و طاقة و حجم وسرعة .. الخ ، سواء أكان هذا الكائن متأثراً بكائن آخر أو مؤثرا فى كائن آخر وفى الغالب فأننا نجد كافة الكائنات المادية خاضعة لما لا نهاية له من المؤثرات الخارجية الصادرة من كائنات أخرى وهو فى نفس الوقت يؤثر فيما لا نهاية له من الكائنات المادية التى ترتبط معه فى علاقة ما.فتوجيه قذيفة من أشعة ألفا أو بيتا أو جاما إلى نواة الذرة يحدث تخلخلاً فى التوازن داخل النواة بين مكوناتها، و الذى كان يكسبها إستقرارها الا أن هذا القذف يؤدى إلى نشاط اشعاعى يتولد فى النواة مساوى لتأثير قذيفة الاشعاع الموجه إليها أى أنها تتحول من ذرة مستقرة إلى ذرة مشعة إلى أن تصل حالة الاستقرار مرة أخرى عند زوال أثر القذيفة المشعة التى وجهت إليها، فما سبق أن اكتسبته النواة من الجسيمات تفتقده النواة فى شكل اشعاع فعملية الانعكاس ناتجة عن التأثير المتبادل للأشياء فى بعضها البعض، وهذا التبادل يسبب تغير فى خواص و وضع الجسم المتأثر السلبى، والذى بدوره قد يؤثر فى جسم آخر فيصبح إيجابيا.فلو سخنا قطعة من السلك فان كمات الطاقة الحرارية المسلطة على قطعة السلك سوف تمتصها إلكترونات مستوى الطاقة الأخير لذرات قطعة السلك مما يحرك هذه الإلكترونات إلى خارج هذه المستويات تاركة وراءها فوتونات تنطلق فى شكل موجات حرارية لها تتردد و طول موجى يتناسب مع درجة حرارة السلك، و التى نلاحظها على هيئة تغير لون السلك و درجة حرارته .. و لو سخنا قضيب من الحديد فأن طاقة الترابط بين جزئياته تزداد فتجعل هذه الجزئيات تتنافر فيتمدد القضيب وبزيادة درجة الحرارة يتغير لونه، ويتحول إلى سائل عند درجة حرارة معينة ... و لو تركنا قطعة حديد فى الهواء الرطب فأننا نلاحظ بعد فترة تكون طبقة بنية اللون على الجزء المعرض للهواء، والتى هى أكسيد الحديد حيث تأكسدت قطعة الحديد ذلك لأن الحديد فلز نشط فى مستوى طاقة ذراته الأخير إلكترونين، وفى ظل ظروف درجة الحرارة العادية مع وجود الماء كشرط للتفاعل تتحد ذرة حديد مع ذرة أكسجين ذات الستة الكترونات فى مستوى طاقتها الأخير، مكونة ثانى أكسيد الحديد المعروف بصدأ الحديد وتتكرر هذه العملية فى كثير من الفلزات، فالصدأ ظاهرة طبيعية هى ناتج لتفاعل كيميائى، هذا التفاعل الذى يقوم أساسا على إكتساب أو فقد كمات الطاقة الكهرومغناطيسة (الفوتونات) من وإلى إلكترونات المستويات الأخيرة للطاقة فى ذرات العناصر المتفاعلة لتكون مستوى طاقة مشترك أو تستقل كل ذرة بمستواها فى حالة فك الارتباط بينهما أو كما يحدث فى المركبات العضوية والحيوية حيث من الممكن تحويلها لمركبات أخرى أو تحليلها لمركبات أو عناصر أخرى أو اتحادها بعناصر أو مركبات أخرى لتكون مركبات جديدة بمجرد التأثير فى طاقة وضع الذرات داخل جزئيات هذه المركبات وقد يحدث هذا فى درجات حرارة غاية فى التنوع من البرودة الشديدة إلى الحرارة العالية للغاية، و سواء كانت هذه مصادرها الغاية فى التنوع كحرارة النار أو ضوء الشمس أو الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء أو النشاط الاشعاعى لنوى الذرات المشعة أو حتى طاقة الترابط المنطلقة من عمليات التفاعل الكيميائى الأخرى أو حتى الحرارة أو الطاقة المنطلقة من عمليات الهدم والبناء فى الكائنات الحية إنك لو تركت قطعة مغناطيس فى وضع حر فأنها ستتجه على الفور بحيث يكون قطبها الشمالى فى مواجهة القطب الجنوبى للأرض و قطبها الشمالى فى مواجهة قطبها الجنوبى فى وضعه الحر، فلابد وأن يتجه كل قطب له إلى القطب المخالف له فى المجال المغناطيسى للأرض ذلك لأن للأرض مجالا مغناطيسى.ولكى نفهم عمليه الانعكاس فهما صحيحا فأننا لا يجب أن نفهم الكائنات بانها تؤثر تأثيراً واحداً و تتأثر بمؤثر واحد بل هى تتأثر بما لا حصر لها من المؤثرات و التى تشترك مع بعضها البعض فى أحداث التأثير الناتج فلو عدنا لمثل صدأ الحديد سنجد أن الأثر وهو صدأ الحديد لم يحدث فقط بمجرد توافر مؤثر واحد هو الأكسجين لأن هذا الأكسجين ما كان يمكن أن يؤكسد الحديد الا وهو فى حالته الغازية الحرة والا فى ظل وجود كائن مادى آخر هو الماء الموجود فى الهواء الجوى على شكل بخار ماء فضلاً عن كائن مادى آخر هو كمات الطاقة التى تشكل درجة حرارة الجو و بدون كل هذه العوامل ما كان للحديد أن يصدأ وما كان للتفاعل أن يتم.وكما أن هناك تطوراً فى أشكال الحركة يتناسب مع أنماط الكائنات المادية المتطورة من البسيط إلى المعقد، فإن هناك أشكالاً للانعكاس تتناسب مع هذه الأنماط، و قد عرفنا مما سبق أشكال الانعكاس الميكانيكية والطبيعية والكيميائية والمتناسبة أيضا مع أشكال الحركة، و آن لنا أن نعرف أشكال الانعكاس فى المادة الحية و الذى يتخذ أشكالاً مختلفة تتناسب مع درجة تطور الكائن الحى ففى الكائنات الحية البسيطة وحيدة الخلية فى يتواجد الانعكاس فى شكل القابلية للإثارة و فى الكائنات المتعددة الخلية الأكثر تطوراً يظهر الانعكاس فى شكل الاهتياجية، وفى الحيوانات الفقارية يظهر فى شكل الأنعكاس النفسى، والذى يصل لقمة رقيه فى الإنسان فى صورة وعى .حساسية الأجسام البروتينيه:ـتتمتع الأجسام البروتينية وهى أساس تكوين الكائنات الحية بليونة عظيمة والاستجابة الواسعة للمؤثرات الخارجية، حيث تستجيب لهذه المؤثرات بتغير خواصها الطبيعية والكيميائية عند انخفاض أو ارتفاع درجة الحرارة أو الرطوبة و الضوء وتحدث تأثيرات فى البنية الجزيئية والذرية لهذه الأجسام، فتبطىء أو تسرع التفاعلات الكيميائية والطبيعية حتى تستطيع التكيف مع المؤثرات الخارجية، وهى بذلك تستطيع تغير حجمها وشكلها وهذه القدرة مرتبطة بوجود أجزاء خاصة فى بنية الجسم البروتينى، وهذه الأجزاء هى جزيئات كيميائية ذات وظائف محددة، وهى تؤدى وظائفها من خلال عمليات التفاعل الكيميائى معتمدة على أشكال الفراغات بين الجزيئات.القابلية للإثارة لدى لكائنات الحية:ـالقابلية للإثارة هى رد فعل الحيوان أو النبات البسيط عند التأثير عليه بمؤثرات خارجية والتى هى إما مؤثرات طبيعية أو كيميائية أو مؤثرات كائن حى آخر فيستجيب لها استجابات معينة تتناسب مع نوع المؤثر، فارتفاع درجة حرارة الجو أو انخفاضها يكون لها تأثيرات معينة على الجزيئات البروتينية أو الحيوية التى تكون هذا الكائن مما يحدث فيها تغيرات معينة نتيجة هذا التأثر، والتى هى فى النهاية تفاعلات كيميائية وطبيعية تشكل رد فعل هذا الحيوان على المؤثرات الخارجية، الا أن حساسية الجسم البروتينى بالنسبة للقابلية للتأثر ليست سوى الشكل الكيميائى من أشكال الانعكاس، والذى بتطوره أدى لشكل آخر أكثر تعقداً هو القابلية للإثارة ، وهو يساعد الكائن الحى على التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، فنجد الكائن الحى يغير من مكانه أو ينشط أو يتوقف أو يغير من سرعة النمو و يتكاثر و يتحكم فى تبادل المواد مع البيئة،بتغير مؤثرات البيئة من حوله.. فأننا نجده إما يتقوقع حول نفسه عند تواجده فى بيئة غير مواتية مثلاً أو تنتهى فترة التقوقع عند توافر البيئة المواتية، فتزداد قابليته للتكاثر بالانقسام حول نفسه عند توافر الطعام، و مما يعنيه ذلك من زيادة قدرته على امتصاص مواد البيئة الخارجية من خلال فتحات جدار الخلايا و تحليل هذه المواد إلى عناصر أبسط من خلال عمليات الهدم التى تديرها الإنزيمات و إستخدام هذه العناصر فى عمليات البناء والتى تؤدى إلى تضخم الكائن الوحيد الخلية فينقسم حول نفسه..كما نستطيع أن نلاحظ هذه الاستجابة فى كائنات متعددة الخلايا كنبات عباد الشمس وهو نبات زهرى متطور حيث نجده يدير أوراقه تجاه الشمس ليستفيد بأكبر كمية من ضوء الشمس،أو نبات الست المستحية الذى يطوى أوراقه عند اقتراب اليد منها والتى سرعان ما تنفرد بمجرد ابتعاد اليد.والمسألة هنا مثل مسألة المغناطيس الذى لو علق حراً لتحرك بحيث يشير قطبه الشمالى للقطب الجنوبى للأرض، دونما أن يكون لقطعة المغناطيس عقلاً ما داخلها أو من خارجها، و لكن عقلها يكمن فى اتجاه لفوف إلكترونات ذرات المغناطيس فى اتجاه واحد، و هو الذى يسبب خاصيته المغناطيسية، كما أن قطعة حديد ليست مغناطيسية عند إمرار تيار كهربى فى سلك ملفوف عليها يحولها إلى مغناطيس لأن المجال الكهربى يؤثر على إلكترونيات ذرات قطعة الحديد و يجعل لفوفها إلكتروناتها فى اتجاه واحد، و بمجرد زوال التيار الكهربى تزول مغناطيسية قطعة الحديد .. وهى ظاهرة طبيعية كامنة فى طبيعة عباد الشمس شأنها فى ذلك شأن سقوط الحجر على الأرض بفعل الجاذبية المتبادلة فيما بين الأرض والحجر، الا أن هذا الشكل من الاستجابه يرتبط بخصائص الجزيئات الحيوية المعقدة المكونة للكائن الحى وتفاعلها مع عناصر البيئة الخارجية سواء أكانت مؤثرات طبيعية أو كيميائية أو ميكانيكية.إهتياجية الكائنات الحية الأكثر تطوراً :ـأن تطور الحياة و تعقدها ، أدى لتطور شكل الانعكاس إلى شكل أرقى هو الاهتياجية، وذلك عند الكائنات الحية متعددة الخلية التى تخصصت خلاياها، واصبحت عملية الانعكاس وظيفة عدد معين منها يتناسب تركيبها مع قدرتها على الاستجابة للمؤثرات الخارجية، و هى الخلايا العصبية المكونة للجهاز العصبى المسئول عن إدارة رد فعل الكائن الحى، وهذا الشكل الأرقى من الانعكاس يقوم فيه الجهاز العصبى بادراك المؤثرات الخارجية ونقل الإثارة إلى أجزاء الكائن الحى، والتى تستجيب لهذه الاثارة برد فعل مناسب لها، ونحن نلاحظ هذا النوع من الاهتياجية فى شتى الكائنات الحية متعددة الخلايا و التى توجد بها خلايا عصبية وهذه العملية فى الكائن الحى تعتمد على تفاعلات كيميائية كهربية، وذلك على النحو التالى.يتم تخليق المادة الناقلة للمعلومات المنقولة عبر الجهاز العصبى ، فى الخلية الحية من أقرب المواد شبها بها، و يتم ذلك عادة بواسطة انزيمات خاصة، كما يحدث هذا التخليق على خطوة واحدة أو على خطوات، و يتم نقل جزيئات المادة الناقلة للمعلومات من الجسم إلى نهائيات الأعصاب حيث تختزن هناك داخل حويصلات خاصة عند نقطة الاتصال بين الخلايا و تقوم الحويصلات بحماية جزيئات المادة الناقلة من فعل الانزيمات المختلفة التى تسبح فى سوائل الخلية والتى قد تدمر هذه الجزيئات، و تحتوى كل حويصلة من هذه الحويصلات على نحو 100000 من هذه الجزيئات، وعند وصول نبضة عصبية على هيئة إشارة كهربية إلى نهايات الأعصاب تقوم هذه باطلاق عدد هائل من أيونات الكالسيوم، و تؤدى هذه بدورها إلى إطلاق جزيئات المادة الناقلة فى الفراغ الواقع بين نقط إتصال الخلايا، وتندفع هذه الجزيئات سابحة فى الفضاء الخلوى المملوء بالسوائل والذى يقع بين طرف العصب، وبين غشاء الخلية العصبية التى ستتلقى النبضة أو الاشارة، و تتفاعل جزيئات المادة الناقلة مع بعض مواقع الاستقبال الموجودة بغشاء الخلية المستقبلة للنبضة، و بذلك تصل لارساله من خلية الأخرى .إذا فعملية الاحساس ونقل الرسائل و إختزانها هى عملية إنعكاس للكائنات الحية الأرقى فى مواجهة مؤثرات البيئة الخارجية، و ظواهرها المادية، و تعتمد فى النهاية على تفاعلات مادية داخل الكائن الحى نفسه، و تعتمد فى جوهرها على تفاعلات كيميائية كهربية، و بمزيد من التطور تطورت الخلايا العصبية فى الكائنات الحية الأدنى، إلى نشوء جهاز عصبى غير مركزى على شكل خلايا و عقد عصبية منتشرة فى جميع أنحاء الجسم مثل الأسفنج، و بمزيد من تطور الكائنات الحية أخذت تلتحم هذه الخلايا والعقد والأنسجة تدريجيا حتى كونت عقداً عصبية مرتبطة بالعصب الرئيسى الذى كون ما يسمى بالحبل العصبى مثل الديدان، وفى الحشرات مع الحبل العصبى تكونت تجمعات لخلايا عصبية فى رأس الحشرات فيما يشبة المخ، وهذا هو الجهاز العصبى فى الكائنات متعددة الخلية اللافقارية وغيرها، فبالتحام العقد العصبية تكونت المراكز العصبية والحبل الشوكى ثم فى مراحل أكثر تطوراً تكون الجهاز العصبى المركزى من مخ و نخاع شوكى و أعصاب وهو الجهاز الموجود فى الحيوانات الفقارية، و هى درجه أرقى من الكائنات الحية، و تتكون من خمس مجموعات هى من الأدنى للأرقى الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، وهذه الأخيرة تتكون من عدة مجموعات فرعية على رأسها الرئيسيات، و هى القرود و القردة العليا و البشر و هم أرقاهم أما الانسان المعاصر فهو أرقى أنواع الجنس البشرى، و الذى وصل لديه هذا الجهاز لأرقى تطوره، وفى الحيوانات الفقارية فأن الحبل العصبى الرئيسى المسمى بالنخاع الشوكى تمت حمايته بوجوده فى العمود الفقرى المميز لتلك الحيوانات، كما تتواجد المخ داخل علبة الجمجمة العظمية، ... وبالطبع فان تحكم الجهاز العصبى وتحكمه فى الجهاز الحركى للكائن الحى من عظام وعضلات وغضاريف وأوتار وخلافه من الحقائق الثابته علميا، وان أى خلل فى هذا الجهاز يؤدى إلى عجز فى عمل الجهاز الحركى أو شلل أو فقد العضو وظيفته، وبالتالى يصبح العضو عاجزاً عن الاستجابة لمؤثرات الواقع المحيطة به.الأنعكاس النفسى عند الكائنات الحيه ذات الجهاز العصبى المركزى :مع الجهاز العصبى المركزى الموجود فى الفقاريات، وصلنا إلى أرقى أشكال الانعكاس فى المادة، و هو الانعكاس النفسى، فإذا كانت الكائنات الحية فى المراحل الأدنى من التطور تستجيب فقط للمؤثرات الخارجية المرتبطة بنشاطها وحاجيتها الحيوية، الا أن الانعكاس النفسى هو الاستجابة للمؤثرات الخارجية التى ليس لها أهمية فى حد ذاتها للكائن الحى .. وهذا الشكل الراقى من الانعكاس نشأ نتيجة تعقد الجهاز العصبى واكتسابه قدرات نوعية أكثر رقيا و تعقداً فاصبحت الكائنات الحية ترى ما لا تحتاج لرؤيته حيث اصبح لأعينها القدرة على تلقى المنبهات الضوئية على الشبكية، و نقلها عبر العصب البصرى للمخ.... و يتوقف مدى الرؤية و درجة وضوحها على مدى ما تستطيع العين رؤيته من موجات ضوئية و أصبحت حلمات اللسان قادرة على الاحساس بكافة صنوف الطعام حتى و لو لم تكن فى حاجة إلى الطعام، و خلايا الشم الموجودة على السطح الداخلى للأنف لديها القدرة على التمييز بين شتى الروائح التى هى جزيئات مادية طيارة تلتقى بخلايا الشم فيحدث الانعكاس الذى يتم نقله للمخ و تستطيع طبلة الأذن نقل تضاغطات وتخلخلات الهواء الناتج عن حركة مصدر الصوت المتذبذبة إلى العصب السمعى و منه للمخ، وتستجيب خلايا جلد الكائن الحى لمؤثرات البيئة الخارجية من حرارة و برودة و خلافه و هكذا للتأكيد على ان عمليات الاحساس فى الكائن الحى ما هى الا عمليات بيولوجية و أن الربط بينها هو الذى يولد الانعكاس النفسى الأرقى ناتجة عن تفاعلات كهروكيميائية معقدة أصبحت مسئولية جهاز متخصص من الخلايا والأنسجة العصبية.الكائنات الحية تحدث تحولاً فى الطبيعة الفيزيائية لمؤثرات البيئة الخارجية، فأعضاء جسد المرء تحس بالحرارة الخارجية ليس بوصفها حرارة، و إنما بوصفها تغيراً فى تركيز السكر فى الدم، وعندما يبصر المرء أو يسمع كلبا فإن الفوتون وهو وحدة الكم الضوئية التي تثير عين المرء، و الأصوات التى تثير أذنه تحس بها الأعضاء الداخلية للمرء فى شكل تغير فى تركيز الأدرنالين فى الدم ، وتحسب أن تأثير صورة الكلب نفسه لدى كلب آخر يختلف تماما عنه فى الأنسان، كما تختلف صورة الإنسان فى تأثيرها فى إنسان آخر عن تأثيرها لدى الكلب.برغم أن الأساس المادى واحد، وهو تغيير تأثير الأدرنالين فى الدم.و بينما القابلية للاثارة أو الاهتياجية هى إنعكاسات غير شرطية أى أنها ردود فعل استجابية يقوم بها الكائن الحى تحت تأثير العوامل البيولوجية المباشرة، و التى تنشأ خلال عمليات الارتقاء فى الكائنات الحية فى نوع معين وبعد ذلك يتم تثبيتها كسلوك فطرى للكائن الحى من خلال الوراثة من جيل إلى آخر مثل افراز اللعاب عند الحيوانات عند تناول الغذاء، فإن هناك إنعكاسات شرطية أكثر تعقداً تدعى بالغرائز.كل هذه الانعكاسات سالفة الذكر هى مجرد انعكاسات بيولوجية ناتجة عن العلاقة بين الكائن الحى والبيئة و هى عباره عن تفاعلات طبيعية وكيميائية وميكانيكية استطاع الإنسان تقليدها فى اختراعاته المختلفة مثل التصنت والتصوير ونقل الصوت والصورة و تسجيلهم والتحكم الاوتوماتيكى المباشر وغير المباشر بل وأن الكثير من الأدوية التى تؤثر فى مدى أداء الكائن الحى لهذه العمليات ما هى إلا مواد كيميائية تؤثر فى هذه التفاعلات مما يؤكد طبيعتها المادية لا الروحية .الأنعكاس الشرطىالأفعال الانعكاسية المشروطة هى شكل أكثر تعقيداً لوظائف الجهاز العصبى فهى انعكاسات ذاتية فردية يكتسبها الكائن الحى أثناء تأديته لوظائفه اليومية على أساس من الأفعال الانعكاسيه غير المشروطة .. وتعتبر الأفعال الانعكاسية المشروطة من أهم و أرقى الوسائل التى يستطيع بها الكائن الحى التكيف مع الوسط الذى يعيش فيه ... فالسلوك المعقد للحيوانات الراقية أساسه عبارة عن مجموعة من الأفعال الانعكاسية المشروطة التى تتكون فى أثناء حياتها وتعتبر الغرائز من الصفات المعقدة للحيوانات و هى ضرورية للمحافظة على حياتها الخاصة، و على النوع كله و هى ليست كما قد يخيل لنا من أول وهلة ظاهرة غير مفهومة أو لغز ليس له حل، فالغرائز جميعها من أبسطها حتى أكثرها تعقداً تطورت عن الأفعال الانعكاسية غير المشروطة، التى تثبت بالوراثة أثناء عمليه التطور .و الآن علينا أن نفهم ما هو الانعكاس الشرطى الذى هو أساس الانعكاس النفس وهو أرقى أشكال الانعكاس، وهو الذى يعطى الحيوان المتطور الذى يملك جهاز عصبى مركزى القدرة على التكيف مع البيئة من خلال الحساسية العالية لكل المظاهر الحيوية بالنسبة له أو غير الحيوية.إن الانعكاس الشرطى أساسه أن الوسط المحيط بالكائن الحى ليس مقصوراً فحسب على المؤثرات ذات الأهمية الحيوية له، وانما على الكثير من المؤثرات التى ليس لها أهمية فى حد ذاتها، و تقوم صلات بين المؤثرات ذات الأهمية الحيوية و غيرها تزداد بزيادة درجة تطور الكائن الحى ويحدث الانعكاس الشرطى عند توافق مؤثر له أهمية حيوية، و مؤثر آخر ليس له أهمية حيوية، و إذا تكرر هذا التوافق لعدة مرات كافية، فأنه يصبح كافيا وجود العامل الثانى وحده دون وجود العامل الأول لكى يظهر لدى الحيوان رد الفعل الذى يثيره لديه العامل الاول المتمتع بأهميه حيوية مباشرة بالنسبة إليه ..والتجربة الشهيرة التى أدت لهذا الاكتشاف هى تعمد اطعام كلب معين فى نفس اللحظة التى يرن فيها جرس معين بنغمة محددة و مكررة، و بعد فترة من اعتياد الكلب على تناول الطعام عند سماعه لصوت الجرس يسيل لعاب الكلب لمجرد سماع رنين الجرس بدون حتى إحضار الطعام، وحتى و لو لم يكن الكلب جائعا برغم ان صوت الجرس ليس له أهمية حيوية بالنسبة للكلب، إلا إنه ارتبط بحاجة حيوية هى الطعام فقد تكون ارتباط بين مناطق الاثارة للسمع فى مخ للكلب ، و مناطق الاثارة للجوع فى مخ الكلب أدت لظهور اشارة هى نتيجة هذا الارتباط بين المنطقتين، فما يثير منطقة يثير الأخرى، فيصبح الجوع عند الكلب مؤثر فى حد ذاته فى منطقة السمع عنده، فيتذكر صوت الجرس حتى و لو لم يرن، و هذا هو الأساس المادى للانعكاس النفسى ..كان نمو جهاز الاشارات الأول او الانعكاس النفسى أو ما يسمى بالارتباط الشرطى، و هى كلها متردافات لمعنى واحد أدى إلى ظهور الظواهر النفسية لدى الكائنات الحية، و التى يسببها التغير النوعى للجهاز العصبى نتيجة تعقد تركيبه.فالمنعكس الشرطى مرتبط بالطريقه التى يؤدى بها المخ وظيفته بأعتباره جهاز معقد لاستقبال الاشارات الكهروكيميائية، وإرسال الاشارات الكهروكيميائية، و التى تتحكم فى ردود فعل الكائن الحى من حركية و غير حركية، و هو يشبه فى عمله جهاز كومبيوتر ضخم لاستقبال إشارات معينة بالمعلومات، التى يختزنها فى الذاكرة و تحليل هذه الاشارات و ربطها ببعضها، وارسال اشارات معينة للتحكم، و هو كل ما يفعله الكومبيوتر بالفعل مثله فى ذلك مثل المخ أو الجهاز العصبى المركزى، و نستطيع ان نقول إنه يشبه فى عمله هذا سنترال التليفونات من إرسال و إستقبال، و قد أعطى هذا له القدرة على الربط بين الظواهر المختلفة المحيطة به، و التى من خلالها يستجيب و يطور جهاز الاشارة الأول الذى هو نتيجة للانعكاس النفسى.أخذ الانعكاس النفسى يتطور فى الكائنات الحية الراقية ذات الجهاز العصبى المركزى والتى أصبحت تمتلك جهاز للاشارات لنقل المعلومات فيما بينها، و الذى أخذ يزداد تعقداً كلما صعدنا فى سلم التطور، حتى أصبحت الرئيسيات تمتلك قدرات أعلى للانعكاس النفسى، ومفردات أكبر من الاشارات التى تتيح لها فرصة أعلى للتكيف مع البيئة. إلا أن الانعكاس النفسى نفسه صاحب تاريخ تطورى بتطور الجهاز العصبى المركزى لدى الفقاريات، فهو بدائى فى الأسماك والبرمائيات والزواحف، إلا أنه ارتقى عند الطيور والثدييات لحد كبير، وهو أرقى لدى الرئيسيات.ويمتلك الإنسان باعتباره أرقى الرئيسيات أرقى جهاز للاشارات الأول، وأعقد اأرقى أشكال الانعكاس النفس، وبالطبع فإن تطور المخ، و تعقده كان يتماشى مع هذا التطور ... فبالوصول بالتطور للمخ البشرى وصلنا لأرقى جهاز عصبى مركزى لأرقى حيوان، و الذى هو المادة رفيعة التنظيم الذى أصبحت تؤدى وظيفتها، و هى عكس الواقع فى صورة وعى باعتباره أرقى أشكال الأنعكاس النفسى .فالإنسان بالإضافة إلى امتلاكه قدرات ما قبله من حيوانات، الا انه يملك ما يميزه عنها جميعا و الذى لا يتواجد إلا من خلال جهازه العصبى المتطور هو وحده ألا وهو الوعى، و الذى يتجسد فى الجهاز الثانى للاشارات الذى ينفرد به الانسان من دون كل الكائنات الحية .. هذا الجهاز هو اللغة البشرية، و التى تختلف عن ما يقال لها لغات الحيوانات و النباتات مجازاً، والتى هى مجرد مفردات متنوعة لجهاز الإشارات الأول، والتى تتنوع من مجرد أصوات أو مقاطع صوتية أو روائح عند الكثير من الحيوانات، أو حركات معينة بالوجه أو الأطراف أو سائر أطراف الجسد عند أخرى تعبر بها تلك الحيوانات عن إحتياجتها و مخاوفها ومشاهدتها و غزائزها و رغباتها و مشاعرها النفسية المختلفة، و للتفاهم مع غيرها من الكائنات، و هى ترتبط فحسب بتلبية الغرائز الطبيعية والحاجيات الحيوية للكائن الحى . و تلك اللغات أو الجهاز الأول للإشارات لا علاقه لها بالوعى باعتباره متميزاً عن المادة، و خاصية مميزة للمخ البشرى باعتباره المادة الرفيعة التنظيم، والتى أكتسبت بفضل هذا التنظيم المعقد هذه الخاصية .. أما اللغة البشرية أو الجهاز الثانى للإشارات فقد جسدت الوعى ماديا، وعبرت عنه من خلال رموزها الأكثر غنى وثراء والأكبر بما لايقاس والمتميزة عما يقال لها لغات الحيوانات مجازاً، فاللغة البشرية هى وسيلة لحفظ هذا الوعى، و إنتقاله من إنسان لإنسان آخر، و من جيل إنسانى لجيل إنسانى لجيل آخر، والتعبير عن الأفكار والأحاسيس والمشاعر المرتبطة بالغرائز الحيوية و العواطف و القيم و المعارف و الحاجات الاجتماعية و الإنسانية المختلفة .أما كيف حدث هذا التطور فهو ما يمكن أن نعرفه من خلال حقيقة تطور الإنسان المعاصر فقد بدأ أسلاف الإنسان العاقل من البشر أشباه القرود العليا، يستخدمون عناصر من الطبيعة لتلبية إحتياجتهم البيولوجية كالعصى لاسقاط الثمار من على الأشجار، والأحجار لصيد الحيوانات، و هذه العمليات تمارسها القرود والقردة العليا بشكل عام، و كانت هذه العمليات فى البداية تحدث مصادفة كأن يحدث أن قرداً ما حاول أن يقطف ثمرة من على شجرة موجودة فى مكان لا تطوله يده، و تصادف إمساكه بعصا طالت هذه الثمرة، و أسقطتها وكانت من نتيجة ذلك إشباع حاجة حيوية بالنسبة له، فأرتبط فعل إمساك العصا، وإسقاط الثمرة بهذه الحاجة البيولوجية مما أحدث إنعكاسا نفسيا شرطيا عند القرد فأخذ يستخدم العصا كلما حاول إسقاط الثمار من على الأشجار، وقد أخذ هذا الانعكاس يتطور بمرور الوقت، وتتعقد معه بنية المخ البشرى، وتزداد قدراته و ووظائفه عمقا و تنوعا، ليتلائم مع الخبرات المستجدة وأخذت كل هذه القدرات و الامكانيات تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثه حتى وصلنا إلى المخ البشرى بقدراته المعروفة على خلق الوعى.وأخذ الجسد الإنسانى يأخذ شكله الحالى عندما أخذ أسلافه من البشر أشباه القرود يتطورون من خلال الطفرات الوراثية والتراكمات من التغيرات التى تنتقل عبر الوراثة إلى أن وصلوا إلى شكلهم الحالى ... فقد أخذت إيديهم من خلال ممارسة العمل تزداد مرونة و مهارة و تزداد قدرتها على الامساك بالأشياء، والتحكم فيها والتأثير عليها وتغيرها بشحذ الأحجار و تهذيب العصى والعظام ... الخ، و أخذت الأعين تتركز فى منتصف الجبهة فتزداد قدرتها على الرؤية الجيدة، و التمييز بين الأشياء فى أحجامها وأدواتها ودرجة صقلها وخشونتها و لمعانها، وإن لم تكن فى حدة إبصار بعض الحيوانات التى تفتقد برغم هذا التفوق القدرات المختلفة للعين البشرية، و أخذت الجمجمة تتشكل بحيث تتسع لحجم المخ المتنامى، وذلك بضعف الفك وصغر نموه، بعكس الفك الضخم القوى الذى يعوق نمو المخ لدى القردة العليا، فتضاءل حجم الفكين أدى لاتساع الفراغ الخاص بالمخ بالنسبة للجمجمة فأخذت الجبهة تستقيم لتستوعب كبر حجم المخ ... وأخذت القامة تنتصب، و أخذ يخف الشعر من على الجسد، و تقصر الأذرع بعد ما فقدت وظيفتها فى تسلق الأشجار، والتى تركها البشر أشباه القرود .. وأخذت هذه الطفرات و التغيرات الطفيفة تنتقل عبر الأجيال من خلال الوراثة، و أخذ الإنسان المعاصر و أسلافه الأقربين من البشر أمثال إنسان كل من نايندرتال وبكين وجاوة والإنسان الكرومانيونى خطا مميزاً عن باقى الكائنات الحية وذلك بما حققه من تطور وقدرات أعلى على التكيف مع البيئة والتأثير فيها فاستطاع الانتقال من الغابة الكثيفة إلى مناطق أخرى تختلف مناخا وتضاريس ونباتات وحيوانات وظروف بيئية مختلفة شديدة التنوع حتى أخذت أشكاله الحديثة تتشكل منذ ما يقرب من 25 ألف عام حتى يلائم كل هذه البيئات المتنوعة، و فقد الكثير من المظاهر الخارجية التى كانت لا تميزه عن الكثير من القردة العليا وهى الغوريللا والشمبانزى والجيبون وإنسان الغابة.و كل هذا جعل تأثيره على البيئة من خلال أدوات العمل التى كان ينتقيها مصادفة فى بادىء الأمر تم عمداً تم بدأ فى تشكيلها . بحيث تحقق أغراضها على وجه أفضل حتى أصبحت سلوكا عاما لديه وخبرة تنتقل من خلال الوراثة و إشارات الجهاز الأول .. وكلما زادت الخبرات و الارتباطات الشرطية بين ما يعكسه المخ البشرى من ظواهر الواقع المختلفة و تلبية إحتياجته البشرية و ما أدى إليه هذا من تطوير جهاز الاشارات و الذى ساعد على زيادة تطور المخ و قدرته على القيام بوظائف أعقد حتى أصبح لديه القدرة على صنع أدوات العمل مما يلاقاه فى الطبيعة من خامات معدنية أو خشبية أو حيوانية بدلاً من البحث عن هذه الأدوات فى الطبيعة و ذلك بتحوير ما يجده فى الطبيعة من أحجار وعصى وأعشاب وجلود وعظام وهذا أدى لمزيد من التطور والتعقد أدى فى النهاية لتطوير النشاط الانعكاسى الذى يلبى الحاجات البيولوجيه إلى نشاط واعى يهدف للتأثير على البيئة بواسطة أدوات العمل التى يصنعها الإنسان الشبيه بالقرد أو أسلافنا من البشر والتى أخذت تتطور لأنواع أكثر تطوراً ورقيا تدريجيا حتى وصلت للإنسان المعاصر.الا إن هذه العمليات الجديدة على عالم الحيوان أخذت تفرض الاتصال بين أشباه القرود هؤلاء، وأخذت العلاقات تتطور فيما بينهم حتى تحولت لعلاقات إجتماعية فيما بينهم أى أنهم كونوا مجتمعا بشريا تجسيد لهذه العلاقات والذى أنحدر من قطعان أشباه القرود، وأخذ هذا المجتمع يتطور بشكل مستقل عن إراداتهم و وعيهم حيث يتحكم فى هذه العلاقات، وهذا التطور ضرورة الإنتاج الجماعى للحاجات المادية والنفسية فى هذا المجتمع حيث يستحيل تلبيتها بشكل فردى و إشباعها بشكل فردى، و بذلك تكون لدينا أرقى أشكال الوجود المادى المعروفة لدينا حتى الآن، و تعتبر الحركه الاجتماعية أرقى أشكال الحركة، و أكثرها تعقداً، وأن هذا الشكل المعقد من الوجود المادى، أخذ يعكس بدوره المؤثرات الخارجية فى عقول أفراده فى شكل وعى إجتماعى الا إن هذا كله ما سوف نؤجل الحديث عنه ... وحيث أن العلاقات الاجتماعيه و أهمها علاقات الإنتاج هى التى شكلت المجتمع البشرى الذى ساعد على المزيد من التطور فقد كان هذا المجتمع فى حاجة لوسيلة اتصال بين أفراده تتجاوز الجهاز الإشارى الأول الذى لم يصبح متلائما مع درجة التطور التى وصل إليها الإنسان فقط كان الشرط الضرورى لهذه الوسيلة هى تلبية إحتياجتهم فى التعبير عن وعيهم و بذلك يستطيعون من خلالها أن يؤدى كل فرد دوره فى العلاقات الاجتماعية المختلفة.فالعمل المشترك وما يفرضه من ضرورة التنسيق والتقسيم وتحديد الأهداف و الوسائل و تبادل الأراء لم يعد يكفيه جهاز الاشارات الأول ولذلك كان لابد من تجسيد المرحلة الجديدة من الانعكاس النفسى ألا و هو الوعى فى شكل جهاز الاشارات الثانى .جهاز الاشارات الثانى أو اللغةحين التقى البشر فى العمل المشترك كالصيد الجماعى لوحوش الغابة أو الدفاع عن القطيع البشرى الذى أخذ يتحول لمجتمع أو مواجهة الأخطار الطبيعية المحيطة بهم .. الخ الخ فأنهم أخذوا يرمزون للظواهر المختلفة و الأشياء و العمليات من حولهم بأصوات معينة و مع تطور الجهاز الصوتى من حنجرة وفم و أسنان و جيوب أنفية و لسان و الذى اكتسب بمرور الوقت القدرة على تنغيم الأصوات و تحريكها و نطق أعداد متنوعه منها يستطيع الجهاز الصوتى الحالى للإنسان المعاصر إصدار 200 صوت على الأقل ) والتى أخذ يركبها فى مقاطع صوتية كلما زادت الحاجة إلى مزيد من المفردات بزيادة الظواهر والأشياء والعمليات التى يحسها الإنسان ويرغب فى التعبير عنها وبمزيد من التطور أخذت المقاطع الصوتية لا تكفى للتعبير فقط ولذلك فقد تطور الجهاز إلى الكلمات وهى البنية الأساسية للغة و أخذوا يستخدمون هذا كله للتعبير عن ما هو هام فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية من طعام وشراب ونوم وجنس و لما ليس له أهمية فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية والذى تولد لديهم نتيجة الارتباط الشرطى والذى كون لديهم الانعكاس النفسى ... وقد أخذت هذه الرموز التى تجسد هذا الانعكاس فى شكله الارقى تحل ما تعبر عنه فى عقولهم فذكر الطعام ككلمة يذكرك بحاجتك للطعام وقد تشعر بالجوع عند مجرد سماعك لحديث عن الطعام وهكذا ... وأخذوا يستجيبون للكلمات كما يستجيبون لما تعبر عنه مثل إستجابه الكلب لرنين الجرس فى المثال السابق ومن خلال اللغه وإستعمالها عكس الناس الواقع المادى فى عقولهم فى شكل صور مجردة عن المادة... صور مثالية متميزة عن المادة .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية