(2) يحرمون القمار و يحللون المضاربة
(2) يحرمون القمار و يحللون المضاربة
سامح سعيد عبود
اكتشفت عبر عملية بيع لميراثى فى منزل العائلة، وشراء شقة أخرى، قطاعا واسعا من المجتمع المصرى يتكسب من المضاربة العقارية، وهو قطاع يحتوى مضاربين كبار و صغار، محترفين وهواه، يشترون فى تشكيلات مافياوية أحيانا وفرادى أحيانا أخرى، أراضى وشقق المدن الجديدة المعروضة من قبل الدولة أو التعاونيات، بشروط شراء تيسيرية و بأثمان رخيصة، ثم يبدأون فى بيعها وفق قواعد السوق الحرة محققين مكاسب خيالية، ولاشك أن معظم من تعاملت معهم من هؤلاء، كانوا متدينين لا يتصورون أنفسهم على موائد القمار والميسر الذى هو رجس من عمل الشيطان على المؤمن اجتنابه، و هم فى نفس الوقت لا يدركون أن ما يمارسونه من نشاط اقتصادى هو جزء لا يتجزء من اقتصاد المضاربة السائد الآن عالميا، و الذى حول الكرة الأرضية لكازينو قمار عملاق، يبلغ حجم النقود المضارب و المراهن بها على موائده ثلاث أضعاف النقود المستثمرة فى الاقتصاد الحقيقى فى الصناعة والزراعة والخدمات، ويبلغ من يشاركون بألعابه عشرات الملايين من المضاربين والمراهنين، من كل الجنسيات والديانات والثقافات. و لا شك أن البعض منهم يندفعون لهذا النوع من النشاط بهدف التدين نفسه الذى يحرم عليهم فوائد كل من البنوك ودفاتر التوفير باعتبارها تحمل شبه الربا. فبعض المضاربين على العقارات والقطع الفنية واللقيات الأثرية والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة، يعتبرون تلك المضاربة نوعا من الإدخار المأمون. كما يعتبرها بعضهم استثمارا حلالا لنقودهم. ذلك لأنهم عاجزين عن التمييز بأنفسهم بين السلوكيات البشرية، و ما فيها من خير و شر، إلا بمقتضى نص استرشادى يؤمنون بقدسيته، ذلك أنهم غير مدربين على التفكير المستقل بعيدا عن سلطة النص المقدس، الذى حتى فى حالة وجوده فهم قادرين على تأويله و لى رقبته بما يتفق ومصالحهم الأنانية.
بجولاتى فى القاهرة الكبرى والمدن الجديدة حولها لاحظت أعدادا مهولة من العقارات غير المأهولة بالسكان، و قد قرأت احصائيات فى الثمانينات أنها تبلغ فى مصر ثلاث ملايين وحدة سكنية مغلقة، و بالطبع فإنها زادت مع زيادة الاستثمار العقارى، فحركة البناء تجرى على قدم وساق، و عرفت بجولة مع السماسرة أن بعض هذه العقارات معروضة فى سوق العقارات غير أن معظمها غير معروض للبيع الآن، و أدركت من حالة السوق أن المعروض الفعلى للبيع منها أكبر من الطلب الفعال عليها، على أساس أن الطلب بوجه عام متوفر ، تؤكده أزمة السكن التى تحرم الملايين من الزواج، ولكنه طلب غير فعال أى غير مسلح بالقدرة الشرائية، ومن المفروض وفقا لقوانين العرض والطلب أن تنخفض أسعار تلك العقارات فى السوق، ولكن العامل الذى لا يخفض من أسعارها بل يرفعها فوق قيمتها، هو أن هؤلاء المضاربون الأتقياء بما فيهم من هواة ومحترفون، فرادى ومنظمون، يشترون تلك العقارات، و يتركوها بلا استخدام، و لا حتى بعرضها للبيع، حتى تأتيهم الفرصة المناسبة بعد سنوات فيبيعونها بأسعار أعلى بكثير من ثمنها الأصلى، و هم فى هذه الحالة يحققون أرباحا تبلغ أضعاف تلك التى كان من الممكن أن يحققوها من فوائد البنوك ودفاتر التوفير الربوية، و التى أصبحت فى مصر الآن لا تعوض حتى انخفاض العملة بسبب التضخم، ولا شك أنهم بشراءهم لتلك العقارات التى ليسوا فى حاجة إليها زادوا بمضاربتهم من الطلب الفعال علي العقارات فرفعوا من أسعارها، حارمين آخرين، فى مسيس الحاجة لتلك العقارات للسكن، ولكنهم لا يستطيعون دفع ثمنها فى نفس الوقت، أى أنهم يشكلون طلبا غير فعال لا تأثير له فى السوق.
المضاربة على العقارات تشبه تماما المخاطرة بالأموال والمراهنة بها، على فرس فى سباق للخيل، أو على رقم معين فى لعبة الروليت، أو على أسهم فى البورصة، حيث إمكانية المكسب بلا تعب، و فى كل الأحوال لا ضمان بعدم الخسارة ، و لكن هناك إغراء المكسب السهل الذى يدفع للمغامرة ، هذا فى المرة الواحدة لكن مع التكرار، و وفقا لقوانين الاحتمالات فإن الاحتمالات تزداد بتحقق قدر من المكاسب تفوق النقود التى تمت المراهنة أو المضاربة بها أو خساراتها.
المراهنات الموصومة من قبل هؤلاء المتدينين بالقمار ليست مختلفة عن تلك المضاربة العقارية، فلا ضمان للارتفاع الدائم فى أسعار العقارات، إذ يمكن أن تنخفض هذه الأسعار كما ترتفع بجنون، طالما أنها سلعة كغيرها من السلع تسرى عليها قواعد العرض والطلب، فأن هناك عقارات فى مناطق معينة فى القاهرة الكبرى قد انخفض ثمنها بأقل من قيمتها التبادلية بسبب الازدحام والعشوائية، برغم قربها من مركز المدينة، فى حين تضاعفت أسعار عقارات أخرى فى مناطق أخرى برغم بعدها عن مركز المدينة لأفضليتها للسكن، و فى كل الأحوال فإن المضاربة العقارية كالقمار يخضعان لتفاعل العديد من الظروف العشوائية، قد تتم الخسارة بسببها أو يتم الكسب، فبسبب لجوء العراقيين الفارين من ظروف الحرب أخذت ترتفع أسعار العقارات بالمدن الجديدة بالقاهرة الكبرى برغم بعدها عن مركز المدينة بأعلى من قيمتها ، وبمجرد هدوء الأوضاع فى العراق، و بدء رجوع العراقيين، أخذت الأسعار فى الهبوط أو التوقف عن الارتفاع.
الخلاصة أنه فى الحالتين هناك مجرد مراهن فى صالة القمار و مضارب على عقار، لم يبذل أى منهما جهدا فى حالة المكسب، وما كان يمكن لأى منهما أن يتفادى الخسارة بأى جهد.
يستند المدافعون عن الرأسمالية بصدد انتقادهم لنظرية العمل فى القيمة، إلى أن ثمن السلعة يتوقف على التوازن بين العرض والطلب، لا العمل المبذول فيها. فيقولون أن التوازن بين العرض والطلب له أثر كبير على المبلغ الذى يتعين علينا أن ندفعه مقابل سلعة ما. فإذا قل المعروض من السلعة فى السوق زاد ثمنها، وإذا زاد المعروض قل ثمنها. وهذا وإن كان يبدو صحيحا ظاهريا، إلا أن هذا لا علاقة له بقيمة السلعة، إذ أن هذا القانون لايجيب عن لماذا لا يمكن أبدا للسيارة أن تكون أرخص من الدراجة ، أو أن يجيب على لماذا لا يمكن للثوب أن يكون أرخص من كمية القطن المصنوع منه؟ ذلك لأن الإجابة لا يمكن أن تكون هى توازن العرض مع الطلب، ولكن الإجابة هى أن كميات مختلفة من العمل بذلت فى إنتاج هذه الأشياء التى تجرى بينها المقارنة، فالعمل المبذول فى السيارة يظل أكثر من العمل المبذول فى صناعة الدراجة. ومن هنا فسوف يظل ثمن السيارة أعلى من ثمن الدراجة، حتى ولو زاد المعروض من السيارات على الطلب الفعال عليها، وحتى ولو قل المعروض من الدراجات على الطلب الفعال عليها.
من طبيعة المضاربة على السلع أن ترفع أسعار السلع أو تخفضها إراديا لخلق أرباح للمضارب فى المستقبل إلا أن هذا لا علاقة له بالقيمة الفعلية للسلعة، ومن هنا فمن الخطأ أن نظن أن قيمة أى سلعة يحددها فى نهاية الأمر، مجرد التوازن بين العرض والطلب. ذلك أن العرض والطلب لا ينظمان غير التقلبات المؤقتة فى السوق، فى أحوال ركوده أو انتعاشه. ففى وسع العرض والطلب ايضاح السبب فى أن أسعار السلعة فى السوق تزيد عن قيمتها أو تنخفض عن قيمتها، إلا أنهما لا يستطيعان البتة تفسير هذه القيمة ذاتها.
فلنفترض أن العرض و الطلب متوازنان أحدهما مع الآخر أو كما يقول الاقتصاديون يغطى أحدهما الآخر. حين تكون هاتان القوتان المتنازعتان متعادلتى القدرة، فإن أحداهما تشل الأخرى، وتكفان عن العمل فى اتجاه أو فى اتجاه آخر، وحين يتوازن العرض مع الطلب ويكفان بالتالى عن العمل، فإن اسعار السوق للسلعة، تكون مطابقة لقيمتها الحقيقية، مطابقة للسعر الطبيعى الذى تتأرجح حوله أسعارها فى السوق. ولذلك ليس لنا عند بحث طبيعة هذه القيمة، أن نهتم أى اهتمام بما للعرض وللطلب من تأثيرات مؤقتة على أسعار السوق.وهذا يتعلق بالأجور. كما يتعلق بأسعار جميع السلع الأخرى.
أننا نلاحظ ارتفاع حاد فى أسعار شتى السلع والخدمات فى نفس الوقت، مع حالة الركود وتفسير تلك الظاهرة المتناقضة، يكمن فيما تناولناه سابقا ، من ارتفاع نصيب الرأسمال المضارب والمالى والتجارى من القيمة المضافة فى نفس الوقت الذى يتقلص فيه نصيب الرأسمال الإنتاجى من القيمة المضافة.
فهناك فيض من السلع والخدمات لا تجد من يشتريها، إلا أن ارتفاع أسعارها هو نتيجة زيادة معدلات المضاربة على السلع والأسهم والنقود التى ترفع أو تخفض أسعار السلع والأسهم والنقود بأعلى كثيرا أو أقل كثيرا من قيمتها التبادلية، فالذى يفعله المضاربون بما كسبوه من نقود لا تعبر عن إنتاج قيمة مضافة حقيقية تم إنتاجها، أنهم يربحون نقودا من الهواء لينفقوها مجددا على شراء ما ينتجه الاقتصاد الحقيقى، فيرفعون أسعار ما ينتجه هذا الاقتصاد من سلع وخدمات، فالمضاربة تزيد من حجم النقود المتداولة إذن فى أيدي هؤلاء المضاربين ، وهو ما يدفعهم لإنفاقها فى السوق لطلب المزيد من الأسهم والسندات والنقود والسلع المختلفة، أو يدفعهم لإنفاقها على الاستهلاك الترفى والكمالى، أو يدفعونها لأيدى أخرى تحقق لهم بعض الخدمات، فيوسعوا بذلك من حجم الطلب، مما يرفع من أسعار السلع والخدمات و هو ما يعرف بالتضخم.و المضاربة كما يشارك فيها كبار حائزي النقود، يشارك فيها أيضا صغار ومتوسطي الحائزين، سواء عبر البيع والشراء مباشرة للأسهم والنقود والسلع والعقارات، أو بشكل غير مباشر بمدخراتهم فى البنوك وصناديق التأمينات والادخار، وبجانب الأفراد المضاربون بتفاوت أحجامهم ، فإن المضاربة عملية تنخرط فيها المؤسسات الرأسمالية الإنتاجية نفسها، وصناديق التقاعد والتأمينات ، والحكومات نفسها.
للحديث بقية
اكتشفت عبر عملية بيع لميراثى فى منزل العائلة، وشراء شقة أخرى، قطاعا واسعا من المجتمع المصرى يتكسب من المضاربة العقارية، وهو قطاع يحتوى مضاربين كبار و صغار، محترفين وهواه، يشترون فى تشكيلات مافياوية أحيانا وفرادى أحيانا أخرى، أراضى وشقق المدن الجديدة المعروضة من قبل الدولة أو التعاونيات، بشروط شراء تيسيرية و بأثمان رخيصة، ثم يبدأون فى بيعها وفق قواعد السوق الحرة محققين مكاسب خيالية، ولاشك أن معظم من تعاملت معهم من هؤلاء، كانوا متدينين لا يتصورون أنفسهم على موائد القمار والميسر الذى هو رجس من عمل الشيطان على المؤمن اجتنابه، و هم فى نفس الوقت لا يدركون أن ما يمارسونه من نشاط اقتصادى هو جزء لا يتجزء من اقتصاد المضاربة السائد الآن عالميا، و الذى حول الكرة الأرضية لكازينو قمار عملاق، يبلغ حجم النقود المضارب و المراهن بها على موائده ثلاث أضعاف النقود المستثمرة فى الاقتصاد الحقيقى فى الصناعة والزراعة والخدمات، ويبلغ من يشاركون بألعابه عشرات الملايين من المضاربين والمراهنين، من كل الجنسيات والديانات والثقافات. و لا شك أن البعض منهم يندفعون لهذا النوع من النشاط بهدف التدين نفسه الذى يحرم عليهم فوائد كل من البنوك ودفاتر التوفير باعتبارها تحمل شبه الربا. فبعض المضاربين على العقارات والقطع الفنية واللقيات الأثرية والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة، يعتبرون تلك المضاربة نوعا من الإدخار المأمون. كما يعتبرها بعضهم استثمارا حلالا لنقودهم. ذلك لأنهم عاجزين عن التمييز بأنفسهم بين السلوكيات البشرية، و ما فيها من خير و شر، إلا بمقتضى نص استرشادى يؤمنون بقدسيته، ذلك أنهم غير مدربين على التفكير المستقل بعيدا عن سلطة النص المقدس، الذى حتى فى حالة وجوده فهم قادرين على تأويله و لى رقبته بما يتفق ومصالحهم الأنانية.
بجولاتى فى القاهرة الكبرى والمدن الجديدة حولها لاحظت أعدادا مهولة من العقارات غير المأهولة بالسكان، و قد قرأت احصائيات فى الثمانينات أنها تبلغ فى مصر ثلاث ملايين وحدة سكنية مغلقة، و بالطبع فإنها زادت مع زيادة الاستثمار العقارى، فحركة البناء تجرى على قدم وساق، و عرفت بجولة مع السماسرة أن بعض هذه العقارات معروضة فى سوق العقارات غير أن معظمها غير معروض للبيع الآن، و أدركت من حالة السوق أن المعروض الفعلى للبيع منها أكبر من الطلب الفعال عليها، على أساس أن الطلب بوجه عام متوفر ، تؤكده أزمة السكن التى تحرم الملايين من الزواج، ولكنه طلب غير فعال أى غير مسلح بالقدرة الشرائية، ومن المفروض وفقا لقوانين العرض والطلب أن تنخفض أسعار تلك العقارات فى السوق، ولكن العامل الذى لا يخفض من أسعارها بل يرفعها فوق قيمتها، هو أن هؤلاء المضاربون الأتقياء بما فيهم من هواة ومحترفون، فرادى ومنظمون، يشترون تلك العقارات، و يتركوها بلا استخدام، و لا حتى بعرضها للبيع، حتى تأتيهم الفرصة المناسبة بعد سنوات فيبيعونها بأسعار أعلى بكثير من ثمنها الأصلى، و هم فى هذه الحالة يحققون أرباحا تبلغ أضعاف تلك التى كان من الممكن أن يحققوها من فوائد البنوك ودفاتر التوفير الربوية، و التى أصبحت فى مصر الآن لا تعوض حتى انخفاض العملة بسبب التضخم، ولا شك أنهم بشراءهم لتلك العقارات التى ليسوا فى حاجة إليها زادوا بمضاربتهم من الطلب الفعال علي العقارات فرفعوا من أسعارها، حارمين آخرين، فى مسيس الحاجة لتلك العقارات للسكن، ولكنهم لا يستطيعون دفع ثمنها فى نفس الوقت، أى أنهم يشكلون طلبا غير فعال لا تأثير له فى السوق.
المضاربة على العقارات تشبه تماما المخاطرة بالأموال والمراهنة بها، على فرس فى سباق للخيل، أو على رقم معين فى لعبة الروليت، أو على أسهم فى البورصة، حيث إمكانية المكسب بلا تعب، و فى كل الأحوال لا ضمان بعدم الخسارة ، و لكن هناك إغراء المكسب السهل الذى يدفع للمغامرة ، هذا فى المرة الواحدة لكن مع التكرار، و وفقا لقوانين الاحتمالات فإن الاحتمالات تزداد بتحقق قدر من المكاسب تفوق النقود التى تمت المراهنة أو المضاربة بها أو خساراتها.
المراهنات الموصومة من قبل هؤلاء المتدينين بالقمار ليست مختلفة عن تلك المضاربة العقارية، فلا ضمان للارتفاع الدائم فى أسعار العقارات، إذ يمكن أن تنخفض هذه الأسعار كما ترتفع بجنون، طالما أنها سلعة كغيرها من السلع تسرى عليها قواعد العرض والطلب، فأن هناك عقارات فى مناطق معينة فى القاهرة الكبرى قد انخفض ثمنها بأقل من قيمتها التبادلية بسبب الازدحام والعشوائية، برغم قربها من مركز المدينة، فى حين تضاعفت أسعار عقارات أخرى فى مناطق أخرى برغم بعدها عن مركز المدينة لأفضليتها للسكن، و فى كل الأحوال فإن المضاربة العقارية كالقمار يخضعان لتفاعل العديد من الظروف العشوائية، قد تتم الخسارة بسببها أو يتم الكسب، فبسبب لجوء العراقيين الفارين من ظروف الحرب أخذت ترتفع أسعار العقارات بالمدن الجديدة بالقاهرة الكبرى برغم بعدها عن مركز المدينة بأعلى من قيمتها ، وبمجرد هدوء الأوضاع فى العراق، و بدء رجوع العراقيين، أخذت الأسعار فى الهبوط أو التوقف عن الارتفاع.
الخلاصة أنه فى الحالتين هناك مجرد مراهن فى صالة القمار و مضارب على عقار، لم يبذل أى منهما جهدا فى حالة المكسب، وما كان يمكن لأى منهما أن يتفادى الخسارة بأى جهد.
يستند المدافعون عن الرأسمالية بصدد انتقادهم لنظرية العمل فى القيمة، إلى أن ثمن السلعة يتوقف على التوازن بين العرض والطلب، لا العمل المبذول فيها. فيقولون أن التوازن بين العرض والطلب له أثر كبير على المبلغ الذى يتعين علينا أن ندفعه مقابل سلعة ما. فإذا قل المعروض من السلعة فى السوق زاد ثمنها، وإذا زاد المعروض قل ثمنها. وهذا وإن كان يبدو صحيحا ظاهريا، إلا أن هذا لا علاقة له بقيمة السلعة، إذ أن هذا القانون لايجيب عن لماذا لا يمكن أبدا للسيارة أن تكون أرخص من الدراجة ، أو أن يجيب على لماذا لا يمكن للثوب أن يكون أرخص من كمية القطن المصنوع منه؟ ذلك لأن الإجابة لا يمكن أن تكون هى توازن العرض مع الطلب، ولكن الإجابة هى أن كميات مختلفة من العمل بذلت فى إنتاج هذه الأشياء التى تجرى بينها المقارنة، فالعمل المبذول فى السيارة يظل أكثر من العمل المبذول فى صناعة الدراجة. ومن هنا فسوف يظل ثمن السيارة أعلى من ثمن الدراجة، حتى ولو زاد المعروض من السيارات على الطلب الفعال عليها، وحتى ولو قل المعروض من الدراجات على الطلب الفعال عليها.
من طبيعة المضاربة على السلع أن ترفع أسعار السلع أو تخفضها إراديا لخلق أرباح للمضارب فى المستقبل إلا أن هذا لا علاقة له بالقيمة الفعلية للسلعة، ومن هنا فمن الخطأ أن نظن أن قيمة أى سلعة يحددها فى نهاية الأمر، مجرد التوازن بين العرض والطلب. ذلك أن العرض والطلب لا ينظمان غير التقلبات المؤقتة فى السوق، فى أحوال ركوده أو انتعاشه. ففى وسع العرض والطلب ايضاح السبب فى أن أسعار السلعة فى السوق تزيد عن قيمتها أو تنخفض عن قيمتها، إلا أنهما لا يستطيعان البتة تفسير هذه القيمة ذاتها.
فلنفترض أن العرض و الطلب متوازنان أحدهما مع الآخر أو كما يقول الاقتصاديون يغطى أحدهما الآخر. حين تكون هاتان القوتان المتنازعتان متعادلتى القدرة، فإن أحداهما تشل الأخرى، وتكفان عن العمل فى اتجاه أو فى اتجاه آخر، وحين يتوازن العرض مع الطلب ويكفان بالتالى عن العمل، فإن اسعار السوق للسلعة، تكون مطابقة لقيمتها الحقيقية، مطابقة للسعر الطبيعى الذى تتأرجح حوله أسعارها فى السوق. ولذلك ليس لنا عند بحث طبيعة هذه القيمة، أن نهتم أى اهتمام بما للعرض وللطلب من تأثيرات مؤقتة على أسعار السوق.وهذا يتعلق بالأجور. كما يتعلق بأسعار جميع السلع الأخرى.
أننا نلاحظ ارتفاع حاد فى أسعار شتى السلع والخدمات فى نفس الوقت، مع حالة الركود وتفسير تلك الظاهرة المتناقضة، يكمن فيما تناولناه سابقا ، من ارتفاع نصيب الرأسمال المضارب والمالى والتجارى من القيمة المضافة فى نفس الوقت الذى يتقلص فيه نصيب الرأسمال الإنتاجى من القيمة المضافة.
فهناك فيض من السلع والخدمات لا تجد من يشتريها، إلا أن ارتفاع أسعارها هو نتيجة زيادة معدلات المضاربة على السلع والأسهم والنقود التى ترفع أو تخفض أسعار السلع والأسهم والنقود بأعلى كثيرا أو أقل كثيرا من قيمتها التبادلية، فالذى يفعله المضاربون بما كسبوه من نقود لا تعبر عن إنتاج قيمة مضافة حقيقية تم إنتاجها، أنهم يربحون نقودا من الهواء لينفقوها مجددا على شراء ما ينتجه الاقتصاد الحقيقى، فيرفعون أسعار ما ينتجه هذا الاقتصاد من سلع وخدمات، فالمضاربة تزيد من حجم النقود المتداولة إذن فى أيدي هؤلاء المضاربين ، وهو ما يدفعهم لإنفاقها فى السوق لطلب المزيد من الأسهم والسندات والنقود والسلع المختلفة، أو يدفعهم لإنفاقها على الاستهلاك الترفى والكمالى، أو يدفعونها لأيدى أخرى تحقق لهم بعض الخدمات، فيوسعوا بذلك من حجم الطلب، مما يرفع من أسعار السلع والخدمات و هو ما يعرف بالتضخم.و المضاربة كما يشارك فيها كبار حائزي النقود، يشارك فيها أيضا صغار ومتوسطي الحائزين، سواء عبر البيع والشراء مباشرة للأسهم والنقود والسلع والعقارات، أو بشكل غير مباشر بمدخراتهم فى البنوك وصناديق التأمينات والادخار، وبجانب الأفراد المضاربون بتفاوت أحجامهم ، فإن المضاربة عملية تنخرط فيها المؤسسات الرأسمالية الإنتاجية نفسها، وصناديق التقاعد والتأمينات ، والحكومات نفسها.
للحديث بقية
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية