الأربعاء، 4 يونيو 2008

سر صمود الرأسمالية

سر صمود الرأسمالية
سامح سعيد عبود

سر قوة الرأسمالية، وضعف من يناضل ضدها، أنها تستغل أسوء ما فى البشر من ميول ورغبات وغرائز و طرق تفكير. و أحد أسوء تلك الميول هو الميل للاستهلاك السفيه. و من هذا ما ينفقه البعض على التليفون المحمول ، و هو ما يتجاوز الملايين فى حين لا يجد معظم الناس الخبز.
الحقيقة أن البشرية تملك الآن و بلا أدنى مبالغة من العلم والتكنولوجيا، ما يمكنها من اشباع الحاجات الاستعمالية لكل البشر على الأرض، وبعمل أقل بكثير مما تتطلبه طريقة الإنتاج والتوزيع الرأسمالية، ولك أن تفكر فقط فى مما تتحمله السلعة من تكلفة الإعلان عنها وتغليفها، وهو ما يمكن الاستغناء عنه فى ظل نمط إنتاج آخر، ولكن الإنتاج فى حدود إشباع الاحتياجات الاستعمالية، يعنى توقف آلة الإنتاج الرأسمالى، التى لا بد أن تستمر فى الدوران حتى يربح الرأسماليون، ولو حساب سعادة البشر واهدار مواردهم وتلوث بيئتهم.
ومن هنا تعتنى الرأسمالية بخلق احتياجات غير ضرورية ولا طبيعية عند البشر، وجرهم من نزعتهم المريضة للاستعراض ، إلى استهلاك سلع ليسوا فى حاجة حقيقية إليها لتتوفر لهم السعادة الحقيقية، ومن أجل هذا يتم إهدار الموارد الطبيعية فى سفه غير معقول، كما لو كانت هذه الموارد بلا نهاية، والحقيقة أن الموارد الطبيعية على كوكب الأرض ذات كميات محدودة، ولها سقف أكثر انخفاضا فى حالة استخدامها على نحو اقتصادى، و لاشك أنه مع استمرار استهلاكها ، سوف تنتهى فى يوم من الأيام، فالحديد الذى ترتفع أسعاره يوميا، سوف يصبح فى ندرة الذهب، وسوف يصبح أغلى سعرا منه، طالما آلية الإنتاج الرأسمالى تستنزف الحديد فى صناعة السلاح الذى لا يستخدم إلا للموت أو يترك للصدأ، أو فى بناء عقارات لا تستخدم سوى للمضاربة، برغم أننا يمكن أن نوفر معظم المبانى التى تستخدم للسكن بتكنولوجيا مختلفة دون استخدام للحديد أو الاسمنت.
يمكن أن يوفر البشر لأنفسهم مواصلات عامة مريحة عبر مد شبكة كافية من مواصلات عامة، تعتمد على الكهرباء، كالمترو أو الترام، وأتوبيسات تحمل عدد أكبر من البشر فى مساحة أقل، وتحتل فى نفس الوقت مساحة أقل من الطريق،الا أنه يتم عمدا اهمال هذا الحل، ويتم إغراء المستهلكين بحلم السيارة الخاصة ، فيفاجىء المستهلكون أنها صارت عبأ اقتصادى ومعنوى عليهم بدلا من أن تكون وسيلة للراحة، وبكثرة السيارات تزدحم الطرق ، فالسيارة الخاصة تحمل عدد أقل بالنسبة لمساحتها، وتشغل مساحات أكبر من الطريق من الأتوبيس قياسا لما تحمله من ركاب، فنبنى طرق علوية وكبارى نستنزف بهما الحديد والأسمنت ، ،و نحرق المزيد من البترول دافعين للجو المزيد من الملوثات، ويصل سفه المستهلكين وجشع المنتجين للمنتهى ، عندما تشح موارد الطاقة البترولية، فيحول المنتجون الطعام إلى وقود لتسيير كل تلك السيارات الخاصة.
تحتاج الحذاء ليحمى قدمك أثناء السير، وفى حدود المعرفة والتكنولوجيا المتاحة للبشر، يمكن أن تنتج لك المصانع حذاء يستمر معك عقودا من الزمن ، ولكن معنى هذا ببساطة، أن تتوقف مصانع الأحذية عن العمل بعد اشباع هذا الاحتياج لدى كل البشر، ومن هنا ابتكرت الرأسمالية فكرة الموضة حتى تدفع البشر لتغيير ما يستهلكونه من سلع حتى ولو كانت ماتزال صالحة للاستعمال، والطريقة الثانية هى استخدام مواد رديئة فى الصناعة، برغم إمكانية استخدام مواد أكثر تحملا، وهو ما تدخره الرأسمالية لصناعات لا علاقة لها باحتياجات المستهلك العادى، وهو ما يجعل معظم السلع التى يستهلكها المستهلك العادى ، سريعة التلف مما يدفعه لاستبدالها بسلعة جديدة، ويبدوا أن الجشع الذى لا ينتهى للرأسماليين دفعهم مؤخرا للتطرف فى هذا السلوك، فقد كانت أول ثلاجة دخلت بيتنا فى أوائل الستينات مستعملة، وقد استمرت معنا، ونحن أسرة كبيرة أكثر من ثلاثين عاما، ولما كانت بلغت من العمر أرذله فقد تم تكهينها برغم أنها كانت تعمل بشكل ردىء، و تم شراء ثلاجة جديدة أواخر الثمانينات، أضطررنا لاصلاحها عدة مرات حتى فقدت صلاحيتها بعد عشر سنوات.
أدرك اليسار الراديكالى فى البلاد الصناعية المتقدمة هذا السر منذ الستينات من القرن الماضى، فقدم نقدا حادا لما يسمى بثقافة الاستهلاك، أنعكس على ملابس الشباب المتمرد فى ذلك الوقت، ولكن سرعان ما انتهى التمرد الذى استوعبته الرأسمالية واستثمرته لصالحها، وانحصر النقد فى دوائر قليلة من المثقفين المعزولين عن الغالبية الساحقة من الجماهير التى اصبحت أسيرة تلك الثقافة الضحلة.
الحقيقة أن مقاومة تلك الثقافة صعبة للغاية حتى بالنسبة للمستوعبين لخطورة تلك الثقافة، فأنت تحتاج أن تكون صلبا للغاية حتى تقاوم سيول الإعلانات المغرية، ورغبات أطفالك الذين تود اسعادهم، والذين لن يفهموا لما تحرمهم مما يستمتع به أقرانهم، ودفع اتهامات الناس لك بالبخل والشح لأنك قادر على الاستغناء عن كل ما يرونه من ضروريات الحياة، و نفورهم منك لأنك تحتقر ما يعتبرونه هم سبب جدارة الناس بالاحترام، فالانسان النزية فى الفهم الشعبى ليس هو من ينزه نفسه عن الخطايا الخلقية، ولكنه المتأنق الذى لا يحرم نفسه من شىء ولو على حساب الآخرين. ومن ثم فأنت مضطر فى معظم الأحوال أن تنزلق مثل الآخرين للنهل من تلك الثقافة إن لم يكن على مستوى الممارسة فعلى الأقل على مستوى الكلام حتى لا تفقد تواصلك مع الناس.
برغم صعوبة المقاومة كما سبق وأشرت، إلا إن هذا لا يعنى التخلى عنها،بل على كل المناهضين للرأسمالية أن يشنوا حربهم عليها فى هذا الاتجاه ، لأن الاستمرار فى تجاهل أحد أسرار قوتها سوف يؤدى لاستمرارها، وسوف ينتهى بالأرض والبشرية للكارثة.
http://www.ahewar.org/m.asp?i=12

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية