اللاسلطوية ليست عقيدة و لا يوتوبيا
اللاسلطوية ليست عقيدة و لا يوتوبيا
سامح سعيد عبود
اللاسلطوية نظرية إقتصادية إجتماعية وسياسية، لكنها ليست عقيدة.و هذا تمييز مهم للغاية. فالنظرية تعنى أنك تملك أفكارا قابلة للدحض والنقد والتطوير وحتى التغيير؛ أما العقيدة فتعنى أن الأفكار تملكك وتقيدك وتجمدك، فلا تملك إلا أن تصبح عبدا لها، أو أن تتحرر من أسرها. و من هنا فاللاسلطوية نسق من الأفكارِ، لكنه مرن، في حالة ثابتة من التطور والجريان، ومفتوح إلى التعديل في ضوء البيانات الجديدة التى تظهر لنا. فلطالما سيظل المجتمع يتغير ويتطور، فسوف تظل اللاسلطوية تتغير وتتطور. أما العقيدة، فهى على النقيض من ذلك، فهى مجموعة من الأفكار "الثابتةِ" التي تدفع الناس بشكل متصلب ومتعصب ، إلى إهمال حقائق الواقع أَو أن تدفعهم إلى تزييف تلك الحقائق لكى تتلائم مع العقيدة.
هذه الأفكار الثابتة والعقائد الجامدة غير القابلة للنقد والدحض تكون بالضرورة مصدر الإستبداد والتناقض، وهى تؤدى إلى المحاولات الخيالية لجعل كل شخص مهما بلغت مقايسه من طول وقصر، ومن بدانة أو نحافة، متطابق مع قالب العقيدة الوهمى، وكل هذه القولبة والتنميط للواقع والحياة يكون له نفس التأثير: دمار الأفراد الحقيقيينِ بإسم المذهب والعقيدة، التى تَخدم مصلحة بعض النخب الحاكمة عادة ،أو كما يصف باكونين " إلى الآن فإن التاريخ البشرى كان فقط تضحية دائمة ودامية من ملايين البشر الفقراء تكريما لبعض المجردات العديمة الرحمةِ.. الله، الدولة، الشرفِ الوطنى ، الحقوق التاريخية، الحقوق القضائية، الحرية السياسية، الرفاهية العامة." [الله والدولة , p. 59]
العقائد ساكنة و ميتة في صلابتها، و فى أغلب الأحيان هى صناعة شخصية لنبى ميت ، ديني أَو علماني، الذي ينصبه أتباعه معبودا معصوما عن الخطأ والزلل. اللاسلطويون يريدون الحياة ومن ثم يروا ضرورة دفن الموتى لكي يمكن للبشر الأحياء مواصلة الحياة. فالأحياء يجب أن يحكموا الموتى ،وليس العكس بالعكس. العقائد عدوة التفكير و الحرية، فهى تزودنا بكتاب القواعد والأجوبة الجاهزة التي تعفينا من عبء التفكير لأنفسنا.
من هنا فأنه لا مرجعية مقدسة فى الفكر اللاسلطوى لا لنصوص معينة و لا لأشخاص محددين مهما بلغ تقديرنا لهم.
اللاسلطوية ليست مجرد نظرية سياسية واجتماعية واقتصادية فحسب بل هى فلسفة للحياة والممارسة العملية ، فلأنها تعتمد على المبادرة الفردية وتثمنها ، فأنها لا يمكن أن تغفل عن سلوك الفرد وأخلاقياته ، ولا تقيد حريته فى التفكير والفعل ،بمذهبية جامدة ترسم له خطواته من الميلاد وحتى الموت ، وما يمكنا أن نقوله هنا أن اللاسلطوية تيار غير جامد ولا مذهبى ، و ليس له كتب مقدسة من أى نوع ، والمفكرين الذين طرحوا أفكاره الرئيسية ليسوا أنبياء معصومين من الخطأ، فهم بشر يتمتعون بما يتمتع به كل البشر من القدرة على الخطأ وتصحيحه ،ومن ثم فعلينا أن نقرأهم بروح نقدية تفهم أن هؤلاء مثلما فكروا نستطيع نحن أيضا أن نفكر ، ويمكنا أن نختلف معهم فى بعض القضايا ونظل لاسلطويين طالما أتفقنا على هدف التحرر البشرى النهائى من كل أشكال الاستغلال والقهر والاغتراب ، كما يمكن لنا الاستفادة من أفكار غير اللاسلطويين سواء بسواء ، فالجميع ليسوا بأنبياء مقدسين و لا ملهمين . وهذا ما يحتاجه البشر فعلا بعد كل هذه القرون الطويلة من الاتباع الأعمى للحكام والكهنة والمعلمين والزعماء المؤلهين والمعصومين .فنحن نحتاج للتحرر من عبودية التراث والمنقول والمألوف والعادة والتقليد والنص ، ونحتاج للتحرر من تقديس وعبادة الأشخاص أيما كانوا وأيما كانت قدراتهم وملكاتهم ، فلا يحق لأحد أيا ما كان أن يدعى احتكاره للحقيقة ،ومن ثم فأهم ما يتميز به اللاسلطوى هو القدرة الأعلى من غيره على التمرد على والنقد ل والشك فى كل ما حوله من أفكار و واقع ومؤسسات
يعلمنا الأباء وكذلك المدرسون أن الرضوخ والخنوع واليقين والقبول بما هو كائن وبما لقنونا إياه فضيلة ،وأن الخروج عن المنقول والتراث و المألوف رذيلة ، و اللاسلطوي على العكس ، يعلم أن كل ما حققه البشر من تطور ما تحقق لهم سوى بفضائل التمرد والنقد والشك ، وهى الفضائل التى تمتع بها القلة التى قادت البشرية نحو هذا التطور ،واللاسلطوية تسعى لأن تكون تلك الفضائل سمة الجميع .
وبناء على ما سبق
فاللاسلطوية تجمع فيما بينها على العديد من الاتجاهات تنقسم فيما بينها على أساس العديد من الخطوط الخلافية يمكن أن نميز فيما بينها كالتالى
الخط الأول بين من يرون ضرورة الثورة الشيوعية اللاسلطوية للوصول للهدف النهائى، و بين الأقل ثورية الذين يرون أن الوصول إلى الهدف النهائى يعتمد على عملية طويلة الأمد من الثورات والإصلاحات والتحرر الذاتى.
الخط الثانى بين هؤلاء المرتبطين بقوة بتراث ماركس و الماركسية غير اللينينية و بين هؤلاء الذين يقرون ببعض من مساهمات ماركس خصوصا الاقتصاد السياسى الماركسى ، لكن دون أن يقدسوه كما يقدسه البعض .
الخط الثالث بين من يرون ضرورة الاجماع لاتخاذ القرارات بين كافة الأعضاء داخل الجماعات اللاسلطوية ، و بين من يرون الاكتفاء فقط بقواعد الديمقراطية المباشرة لاتخاذ القرارات المختلفة التى تخص الجماعة وفق رأى الغالبية .
الخط الرابع بين من يدعمون وحدة الجماعة فكرا وممارسة فيما يتعلق بتحديد الاستراتيجية والتكتيكات الخاصة بالجماعة اللاسلطوية، و بين هؤلاء الذين مع تعددية الاتجاهات داخل نفس الجماعة فكرا وممارسة فيما يتعلق بتحديد الاستراتيجية والتكتيكات الخاصة بالجماعة اللاسلطوية .
الخط الخامس بين من ينظرون للصراع الطبقى كمجال أولى وأساسى للممارسة الثورية ، وبين هؤلاء الذين يعتبرون أن هناك مجالات أخرى أكثر أهمية كحقوق الأقليات والمرأة وحقوق الإنسان والبيئة .
الخط السادس بين من يقصرون النشاط الدعائى والتنظيمى داخل النقابات العامة ومؤسسات المجتمع المدنى، بين من يقتصرون على بناء منظمات دعاية لاسلطوية فقط .
تتنوع المدراس اللاسلطوية بتنوع أشكال الممارسة العملية التى يتوصل لها اللاسلطويون عبر نضالهم ، فهناك شيوعيوا المجالس الذين يقدرون تجارب المجالس العمالية التى تظهر عفويا فى لحظات الانتفاضات العمالية كما حدث فى الثورة الروسية الكبرى، وهناك التعاونيون الذين يتبنون التعاونيات كحركة عفوية ظهرت فى القرن التاسع عشر واستمرت حتى الآن، وهناك النقابيون الذين يرون فى النقابات ليست منظمات اقتصادية فحسب بل أنها يمكن أن تكون منظمات ثورية تنظم العمال من أجل تحررهم النهائى.. هذا التنوع فى مدارس الممارسة العملية لا يجعل من اللاسلطوية يوتوبيا خيالية كما يصفها البعض، فهى ليست حلما بالجنة التى نتصورها منتظرين أن تحدث ذات يوم جميل،ربما يكون الهدف النهائى بعيد المنال بالنسبة لسائر البشر، ولكننا يمكن عمليا أن نصل لمستويات أعلى من الحرية والمساواة كل يوم أكثر من اليوم الذى سبقه، وربما ننكسر أحيانا فى بعض الأيام، ونتراجع فى بعضها، هنا أو هناك. هذا هو التراكم الكمى غير المحسوس، والذى سوف يؤدى يوما لتغير أكثر كيفية وتنوعا فى ما نتمتع به من حرية ومساواة، وهذه ليست يوتوبيا من أى نوع.
هذه الأفكار الثابتة والعقائد الجامدة غير القابلة للنقد والدحض تكون بالضرورة مصدر الإستبداد والتناقض، وهى تؤدى إلى المحاولات الخيالية لجعل كل شخص مهما بلغت مقايسه من طول وقصر، ومن بدانة أو نحافة، متطابق مع قالب العقيدة الوهمى، وكل هذه القولبة والتنميط للواقع والحياة يكون له نفس التأثير: دمار الأفراد الحقيقيينِ بإسم المذهب والعقيدة، التى تَخدم مصلحة بعض النخب الحاكمة عادة ،أو كما يصف باكونين " إلى الآن فإن التاريخ البشرى كان فقط تضحية دائمة ودامية من ملايين البشر الفقراء تكريما لبعض المجردات العديمة الرحمةِ.. الله، الدولة، الشرفِ الوطنى ، الحقوق التاريخية، الحقوق القضائية، الحرية السياسية، الرفاهية العامة." [الله والدولة , p. 59]
العقائد ساكنة و ميتة في صلابتها، و فى أغلب الأحيان هى صناعة شخصية لنبى ميت ، ديني أَو علماني، الذي ينصبه أتباعه معبودا معصوما عن الخطأ والزلل. اللاسلطويون يريدون الحياة ومن ثم يروا ضرورة دفن الموتى لكي يمكن للبشر الأحياء مواصلة الحياة. فالأحياء يجب أن يحكموا الموتى ،وليس العكس بالعكس. العقائد عدوة التفكير و الحرية، فهى تزودنا بكتاب القواعد والأجوبة الجاهزة التي تعفينا من عبء التفكير لأنفسنا.
من هنا فأنه لا مرجعية مقدسة فى الفكر اللاسلطوى لا لنصوص معينة و لا لأشخاص محددين مهما بلغ تقديرنا لهم.
اللاسلطوية ليست مجرد نظرية سياسية واجتماعية واقتصادية فحسب بل هى فلسفة للحياة والممارسة العملية ، فلأنها تعتمد على المبادرة الفردية وتثمنها ، فأنها لا يمكن أن تغفل عن سلوك الفرد وأخلاقياته ، ولا تقيد حريته فى التفكير والفعل ،بمذهبية جامدة ترسم له خطواته من الميلاد وحتى الموت ، وما يمكنا أن نقوله هنا أن اللاسلطوية تيار غير جامد ولا مذهبى ، و ليس له كتب مقدسة من أى نوع ، والمفكرين الذين طرحوا أفكاره الرئيسية ليسوا أنبياء معصومين من الخطأ، فهم بشر يتمتعون بما يتمتع به كل البشر من القدرة على الخطأ وتصحيحه ،ومن ثم فعلينا أن نقرأهم بروح نقدية تفهم أن هؤلاء مثلما فكروا نستطيع نحن أيضا أن نفكر ، ويمكنا أن نختلف معهم فى بعض القضايا ونظل لاسلطويين طالما أتفقنا على هدف التحرر البشرى النهائى من كل أشكال الاستغلال والقهر والاغتراب ، كما يمكن لنا الاستفادة من أفكار غير اللاسلطويين سواء بسواء ، فالجميع ليسوا بأنبياء مقدسين و لا ملهمين . وهذا ما يحتاجه البشر فعلا بعد كل هذه القرون الطويلة من الاتباع الأعمى للحكام والكهنة والمعلمين والزعماء المؤلهين والمعصومين .فنحن نحتاج للتحرر من عبودية التراث والمنقول والمألوف والعادة والتقليد والنص ، ونحتاج للتحرر من تقديس وعبادة الأشخاص أيما كانوا وأيما كانت قدراتهم وملكاتهم ، فلا يحق لأحد أيا ما كان أن يدعى احتكاره للحقيقة ،ومن ثم فأهم ما يتميز به اللاسلطوى هو القدرة الأعلى من غيره على التمرد على والنقد ل والشك فى كل ما حوله من أفكار و واقع ومؤسسات
يعلمنا الأباء وكذلك المدرسون أن الرضوخ والخنوع واليقين والقبول بما هو كائن وبما لقنونا إياه فضيلة ،وأن الخروج عن المنقول والتراث و المألوف رذيلة ، و اللاسلطوي على العكس ، يعلم أن كل ما حققه البشر من تطور ما تحقق لهم سوى بفضائل التمرد والنقد والشك ، وهى الفضائل التى تمتع بها القلة التى قادت البشرية نحو هذا التطور ،واللاسلطوية تسعى لأن تكون تلك الفضائل سمة الجميع .
وبناء على ما سبق
فاللاسلطوية تجمع فيما بينها على العديد من الاتجاهات تنقسم فيما بينها على أساس العديد من الخطوط الخلافية يمكن أن نميز فيما بينها كالتالى
الخط الأول بين من يرون ضرورة الثورة الشيوعية اللاسلطوية للوصول للهدف النهائى، و بين الأقل ثورية الذين يرون أن الوصول إلى الهدف النهائى يعتمد على عملية طويلة الأمد من الثورات والإصلاحات والتحرر الذاتى.
الخط الثانى بين هؤلاء المرتبطين بقوة بتراث ماركس و الماركسية غير اللينينية و بين هؤلاء الذين يقرون ببعض من مساهمات ماركس خصوصا الاقتصاد السياسى الماركسى ، لكن دون أن يقدسوه كما يقدسه البعض .
الخط الثالث بين من يرون ضرورة الاجماع لاتخاذ القرارات بين كافة الأعضاء داخل الجماعات اللاسلطوية ، و بين من يرون الاكتفاء فقط بقواعد الديمقراطية المباشرة لاتخاذ القرارات المختلفة التى تخص الجماعة وفق رأى الغالبية .
الخط الرابع بين من يدعمون وحدة الجماعة فكرا وممارسة فيما يتعلق بتحديد الاستراتيجية والتكتيكات الخاصة بالجماعة اللاسلطوية، و بين هؤلاء الذين مع تعددية الاتجاهات داخل نفس الجماعة فكرا وممارسة فيما يتعلق بتحديد الاستراتيجية والتكتيكات الخاصة بالجماعة اللاسلطوية .
الخط الخامس بين من ينظرون للصراع الطبقى كمجال أولى وأساسى للممارسة الثورية ، وبين هؤلاء الذين يعتبرون أن هناك مجالات أخرى أكثر أهمية كحقوق الأقليات والمرأة وحقوق الإنسان والبيئة .
الخط السادس بين من يقصرون النشاط الدعائى والتنظيمى داخل النقابات العامة ومؤسسات المجتمع المدنى، بين من يقتصرون على بناء منظمات دعاية لاسلطوية فقط .
تتنوع المدراس اللاسلطوية بتنوع أشكال الممارسة العملية التى يتوصل لها اللاسلطويون عبر نضالهم ، فهناك شيوعيوا المجالس الذين يقدرون تجارب المجالس العمالية التى تظهر عفويا فى لحظات الانتفاضات العمالية كما حدث فى الثورة الروسية الكبرى، وهناك التعاونيون الذين يتبنون التعاونيات كحركة عفوية ظهرت فى القرن التاسع عشر واستمرت حتى الآن، وهناك النقابيون الذين يرون فى النقابات ليست منظمات اقتصادية فحسب بل أنها يمكن أن تكون منظمات ثورية تنظم العمال من أجل تحررهم النهائى.. هذا التنوع فى مدارس الممارسة العملية لا يجعل من اللاسلطوية يوتوبيا خيالية كما يصفها البعض، فهى ليست حلما بالجنة التى نتصورها منتظرين أن تحدث ذات يوم جميل،ربما يكون الهدف النهائى بعيد المنال بالنسبة لسائر البشر، ولكننا يمكن عمليا أن نصل لمستويات أعلى من الحرية والمساواة كل يوم أكثر من اليوم الذى سبقه، وربما ننكسر أحيانا فى بعض الأيام، ونتراجع فى بعضها، هنا أو هناك. هذا هو التراكم الكمى غير المحسوس، والذى سوف يؤدى يوما لتغير أكثر كيفية وتنوعا فى ما نتمتع به من حرية ومساواة، وهذه ليست يوتوبيا من أى نوع.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية