التعاونيات كأداة للتحرر الذاتى
التعاونيات كأداة للتحرر الذاتى
سامح سعيد عبود
*عندما درست التعاون فى السنة الأولى فى كلية الحقوق جذبتنى الفكرة وتبنيت فكرة مجتمع يمارس أفراده كل أنشطتهم عبر التعاونيات بحيث لا يبقى للدولة من وظائف تؤديها إلا مهامها السيادية التقليدية فى الأمن الداخلى والدفاع والتمثيل الخارجى والعدل والمالية العامة، و لكن هذا الانجذاب ظل مكبوتا لسنوات طويلة، وذلك لثلاث أسباب هى : الأول سوء الفهم السائد حول فكرة التعاون، و الثانى التطبيق المشوه للتعاون ، والثالث النفوذ الفكرى لاشتراكية الدولة سواء فى جناحها الشيوعى أو فى جناحها الاشتراكى الديمقراطى.
*عدت مجددا لدراسة التعاونيات، بالتخلص من تأثير تلك الأسباب، و أكتشفت أنها الأداة الوحيدة الممكنة لتحقيق حلم الحرية والمساواة والتقدم ، ولكن بشرطين الأول استقلالها عن الدولة والرأسمالية، و الثانى تخلصها من التشوهات البيروقراطية والرأسمالية التى قد تشوب تطبيقاتها أحيانا، وهما شرطان لايتناقضان مطلقا مع المبادىء الرئيسية للتعاون بل يتطابقان مع جوهر تلك المبادىء ،والحقيقة أن الحركة التعاونية تتنازعها ثلاث ميول، ميل سلطوى يميل لتحويل التعاونيات إلى جهاز من أجهزة الدولة فى إطار خططها للتنمية، وميل رأسمالى يعتبر التعاونيات مؤسسات رأسمالية يجب أن تهدف للربح ، و ميل ثالث لاسلطوى و لا رأسمالى يحرص على أن تكون التعاونيات منظمات مدنية وديمقراطية وشعبية مستقلة تماما عن الدولة والرأسمالية.
* تأثرت التعاونيات دائما بتدخل البيروقراطية الحكومية فى شئونها مما أفقدها طابعها الطوعى والديمقراطى والمدنى فى كثير من الأحيان، و قد حول هذا التدخل بعضها فى النهاية إلى مؤسسات بيروقراطية شبه حكومية كما فى مصر وشبيهاتها من الدول، مما ساعد على أن ينخر فيها الفساد و على أن تفقد شعبيتها، ومن هنا ترفض التعاونيات السويدية على سبيل المثال أى تدخل حكومى فى شئونها، فى حين أن التدخل التشريعى لتنظيم التعاونيات فى مصر يساعد على افساد التعاونيات تلقائيا حيث يحدد جزءا لا يتجاوز 10% من العائد لصالح أعضاء مجالس الإدارة ، برغم إن الإدارة فى التعاونيات لابد وأن تكون بلا امتيازات حرصا على عدم فسادها، ومن هنا يفضل أن تدار التعاونيات بالنظام الذى يقترحه مايكل ألبرت المسمى "حزمة الوظائف المتوازنة" الذى يتيح لجميع الأعضاء المشاركة فى الأعمال الإدارية. والجدير بالذكر أن القانون المصرى يسمح بتعين موظفى الحكومة فى التعاونيات لإدارتها وانتدابهم للعمل فيها على غير رغبة أعضاء التعاونيات أصحاب السلطة الوحيدة فى أى تعاونية.
*تتأثر التعاونيات بالعلاقات الرأسمالية السائدة فى المجتمع سواء من حيث استخدام التعاونيات أحيانا للعمل المأجور أو من حيث تأثرها بالسوق الرأسمالى وما يحكمه من قواعد المنافسة، و برغم من أن التعاونيات يجب أن لا تهدف مبدئيا للربح فإن منطق الإنتاج من أجل الربح الرأسمالى السائد جعل من التعاونيات فى بعض الأحيان مؤسسات شبه رأسمالية.
* نقاء التعاونيات من تشوهها بيروقراطيا أو رأسماليا و اعتبارها علاقة إنتاج مستقلة ومتميزة عن العلاقتين البيروقراطية والرأسمالية مرهون بتحررها من كل من سيطرة البيروقراطية والرأسمالية على السواء، وهذا أمر يمكن تصور حدوثه فى المستقبل عندما تتحول هذا العلاقة من وضع الهامشية الحالى لوضع السيادة فى المجتمع.وهى عملية تحتاج لنضال اقتصادى وسياسى واجتماعى وثقافى دؤوب و طويل الأمد.
* جوهر الرأسمالية هو عبودية العمل المأجور وهو ما خلقته الرأسمالية وتبقى عليه، و مما لاشك فيه أن أى حركة تحرر ترغب جديا فى تجاوز الرأسمالية لابد وأن يكون هدفها هو تحرير البشر من عبودية العمل المأجور، وكل أنواع العبودية الأخرى، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا فى نمطين من أنماط الإنتاج هما الإنتاج الفردى لصغار الفلاحيين والمهنيين والحرفيين و الإنتاج التعاونى .
*انغمست الحركة العمالية بجناحيها الثورى والإصلاحى، لقرن من الزمان فى تجربتى اشتراكية الدولة المختلفتين، الشيوعية المهزومة والإشتراكية الديمقراطية المأزومة، وبرغم ما تحقق على أيديهما من مكاسب هائلة لاتنكر للطبقة العاملة وكوارث مروعة لا تنسى وقعت على الطبقة العاملة أيضا، فإنهما برغم ذلك لم يحققا للعمال المأجورين التحرر من عبوديتهم المأجورة، ذلك أن هذين اللونين من الاشتراكية أنحرفا عن جوهر التحرر من العبودية المأجورة، واقتصرا على إشباع احتياجات العمال المأجورين المادية الذى سهل بعد ذلك حرمانهم منها فى السنوات الماضية، كما أنهما سلبا أحيانا تلك الحرية النسبية المتمثلة فى القدرة على التفاوض على شروط العمل والحياة التى وفرتها الرأسمالية لعبيدها ، فتدهوروا من وضع أكثر حرية لأوضاع الأقنان لدى الدولة، وهو وضع أسوء حتى و لو كانوا حققوا بتلك الاشتراكية درجة أكثر من الاشباع المادى.
*يقوم التعاون على عدد من المبادىء التى أقرها الحلف التعاونى الدولى وهى أولا عضوية الجمعية طوعية ومفتوحة، بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الآراء السياسية أو الدين أو الوضع الاجتماعي وثانيا ديمقراطية الإدارة، فلكل عضو صوت واحد مهما بلغت أسهمه ، ثالثا الاستقلالية عن كل من الدولة و رأسالمال باعتبارها منظمات مستقلّة تساعد نفسها بنفسها، ويديرها أعضاؤها بأنفسهم، رابعا مشاركة العضو اقتصادياً بشرط أن تكون الفائدة محدودة على رأسالمال المساهم به، وأن يوزع العائد إما على معدلات الإنتاج فى التعاونيات الإنتاجية، وإما على معدلات الاستهلاك فى التعاونيات الاستهلاكية، خامسا التعاون بين التعاونيات ، سادسا التعليم والتدريب المستمرين للأعضاء وحرية الحصول على المعلومات، سابعا الاهتمام بتنمية المجتمعات المحلية.
*القواعد التعاونية ليست مقدسة بحيث لا يمكن تطويرها أو تغيرها، فقد كانت القواعد السابقة للحلف التعاونى الدولى لا تتضمن مبدأى تعاون التعاونيات والاستقلال عن الدولة ورأسالمال، ولما كان هذا الحلف ليس له مرجعية مقدسة أساسا، فالحركة التعاونية يمكن أن تتحول إلى حركة تحرر ذاتى من عبودية الأجر لا مجرد حركة تنمية اقتصادية أو كحل للأزمات التى تسببها الرأسمالية كما تريد لها الحكومات، بل يمكن تحويلها لحركة مناهضة لكل من الرأسمالية والبيروقراطية تحارب من أجل الانتصار الكامل عليهما تدريجيا كما وسبق للرأسمالية أن انتصرت على الإقطاع تدريجيا، وعبر إثبات التفوق الاقتصادى للتعاونيات على المؤسسات الرأسمالية، وهذا يعنى تطوير هذه المبادىء نفسها ودعمها بمبادىء أخرى تضمن هذا التوجه اللاسلطوى واللارأسمالى للتعاونيات .
*يقال أن التعاون لايصلح إلا فى مجالات الإنتاج والخدمات التى تعتمد على وحدات صغيرة ومحلية، وهذا ليس صحيحا لأن من أهم مبادىء التعاون الجديدة أن تتعاون وتتكامل التعاونيات فيما بينها وتتحد من أسفل لأعلى لكي يمكنها تغطية كل الأنشطة البشرية، ومن هنا فإن بعض المرافق العامة والصناعات الكبيرة فى الكثير من البلاد تدار وفق نظام الريجى التعاونى، وهى منظمات تعاونية بين التعاونيات لا الأفراد . استطاعت أن تشق طريقها فى أعمال البنوك،وفى توريد المياه، و فى النقل، وفى إنتاج الكهرباء وتوريدها، وفى إدارة الموانى و السياحة و تكرير البترول و صناعة السكر..الخ. وقد حققت فى ذلك نجاحا لم تحققه غيرها من المنظمات، فالتاريخ يشهد أن واحدا منها لم يتعثر أو يقع فى هوة الإفلاس وحتى فى أوقات الشدة والأزمات استطاعت أن توازن ميزانيتها وأن تؤدى خدماتها على أكمل وجه.
*يتهم البعض التعاونيات أنها مؤسسات رأسمالية لأنها تحافظ على حقوق الملكية الخاصة المتمثلة فى مبدأ الفائدة المحدودة على رأسالمال، وهو مبدأ لا تأخذ به التعاونيات فى ألمانيا وبلجيكا والسويد على سبيل المثال، فالمساهمة فى هذه الحالة مساهمة تبرعية من طالب العضوية لتأسيس التعاونية ودعمها وكمقابل للعضوية، إلا أن من يأخذون بمبدأ الفائدة المحدودة على رأسالمال ، يدافعون عن رأيهم بأن الرأسمال يؤدى دور خادم لنشاط التعاونية، وليس بهدف الاستثمار فيها، حيث أن العائد فى معظمه يوزع على أساس المعاملات، فضلا عن أنه مبدأ مفيد لتشجيع تجميع المدخرات والملكيات الفردية الصغيرة وتحويلها لملكية تعاونية، و من ثم توسيع رأسمال التعاونية ودعم نشاطها، كما أن جزءا كبيرا آخر من العائد يكون احتياطى الجمعية وهو لا يقل عن 15% وفق القانون المصرى ، و يكون نتيجة تراكمه رأسالمال الاجتماعى للتعاونية و هو غير قابل للتجزئة، فهو ملك للجمعية و لايصح أن يوزع على الأعضاء. فضلا عن أنه عند انسحاب العضو من الجمعية فأنه يحصل على قيمة أسهمه فقط، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار أن الفائدة على رأسالمال فى هذه الحالة نوع من التعويض عن انخفاض سعر العملة بسبب التضخم ، وهذه الفائدة لا تتجاوز 6% من القيمة الأسمية للسهم وفقا للقانون المصرى ، كما لا يجوز أن يتجاوز نصيب فوائد الأسهم 15% من إجمالى العائد وفقا للقانون المصرى، و فى النهاية لايجوز توزيع أى أرباح على الأسهم إلا فى حالة تحقيق أرباح للجمعية، و من ثم يمكن القبول مؤقتا بهذا المبدأ كخيار واقعى فى المراحل الأولى للتعاونيات باعتبارها نمط هامشى يجب دعمه، بحيث يمكن التخلى عنه فى المستقبل عندما تتوفر الشروط الموضوعية المناسبة التى تجعلها نمط سائد.
*يعيب البعض على التعاونيات التى تنتج الخدمة أو السلعة، أنها يمكن أن تحقق أرباحا من تشغيل عمال مأجوريين من غير أعضاء التعاونية فتتحول بذلك لمشروعات رأسمالية، وهو ما يجيزه قانون التعاون المصرى فى سياق تشويهه للفكرة التعاونية وابتذالها،وهذا وضع غير صحيح مبدئيا حيث تتميز الجمعيات التعاونية بأن كل عضو فيها يعتبر عاملا وشريكا فى الوقت نفسه، فإذا فقدت الجمعيات إحدى هاتين الصفتين فلا تعتبر جمعية تعاونية، وهذه الخصيصة مستفادة من الغاية التى تهدف إليها هذه الجمعيات، فهى تهدف إلى تحرير العمال ليكونوا جميعا شركاء يمارسون وظيفة المنظم فى المشروع الرأسمالى، و يمكن مقاومة هذا الميل بترسيخ مبدأ تعاونى جديد هو مبدأ عدم تشغيل العمل المأجور، و بدلا من ذلك تسهيل شراء الأسهم و من ثم العضوية للراغبين فى العمل فى التعاونيات، و هذا يساعد فى توسيع رأسمال التعاونية وتمويلها و دعم نشاطها.
* يعيب البعض على الجمعيات التى تبيع الخدمة أو السلعة أنها تحقق أرباحا أيضا عندما تبيع الخدمة أو السلعة لغير الأعضاء، وهذا العيب يمكن تلافيه بالالتزام بمبدأ تعاونى جديد هو عدم بيع الخدمة أو السلعة لغير الأعضاء فى التعاونيات التى تبيع السلع والخدمات، و الالتزام بهذا المبدأ سوف يشجع كل من يرغب فى الاستفادة من انخفاض أسعار خدمات التعاونيات وسلعها فى أن يكون عضوا بها بالمساهمة فى رأسمالها، و هذا يساعد فى توسيع رأسمال التعاونية وتمويلها و دعم نشاطها، إلا أنه من الجدير بالذكر إن جزءا من عائد التعاونية لا يقل عن 15% وفق القانون المصرى يعود على المستهلكين من غير الأعضاء وفقا للمبدأ التعاونى الخاص بالاهتمام بتنمية المجتمع المحلى الذى يضم غالبا هؤلاء المستهلكين الذين حققوا ربحا للتعاونية بالتعامل معها، و بهذا المبدأ يعاد للمستهلكين جزء من الأرباح التى تسببوا بها.
*التعاونيات مثلها مثل الإنتاج الفردى نمط إنتاج هامشى ضعيف بالطبع فى مواجهة كل من بلطجة بيروقراطية الدولة و استغلال الرأسماليين، وهو يتأثر بهما بشدة، مما يجعل من مسألة استمراره نقيا بلا تشويه بل ونجاحه فى الإلتزام بمبادئه أمر فى غاية الصعوبة، ولكن من قال إن الأمر سهلا، وهل كان سهلا أن يستولى الشيوعيون على السلطة بالقوة، أو أن ينتزع الاشتراكيون الديمقراطيون السلطة عبر البرلمانات فى غرب أوروبا. مقابل ذلك فالميزة فى التعاونيات أنها يمكن أن تحرر فورا قطاعات يمكن أن تتزايد تدريجيا من العمال وصغار المهنيين والفلاحيين والحرفيين دون انتظار لثورة سياسية لا يعرف أحد متى تأتى، و عندما تأتى فقد تحررهم جميعا أو تعجز عن تحريرهم.
*على من يؤمنون بالفكرة التعاونية باعتبارها طريقا للتحرر والمساواة أن يطرحوا مهمة نجاحها واستمرارها كمهمة كفاحية طويلة الأمد على أنفسهم كحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد التى مازال يتبناها البعض، فهى تحتاج مثلها إلى بذل جهودا خارقة وابداعات عبقرية إلا أنها غير دموية، و ذلك لإنجاحها اقتصاديا فى مواجهة الرأسمالية، و نضالا سياسيا من أجل استقلال التعاونيات التام عن الدولة ومواجهة بيروقراطيتها، ونضالا اجتماعيا يربطها بحل مشكلات الواقع المحلى الذى تعمل فيه، ونضالا ثقافيا يطور من وعى البشر ليلائم هذا النمط، حتى يصبح دعم التعاونيات فى مواجهة الرأسمالية موقف رأى عام اجتماعى ، وحتى يستهجن الوعى السائد عبودية الأجر كما يستهجن الآن العبودية الكاملة والقنانة، و حتى يستهجن غالبية البشر الملكية الخاصة كما يستهجنوا الآن أكل لحوم البشر.
*بالرغم من الصعوبات التى لا تنكر أمام نجاح التعاونيات إلا أن نقطة قوتها الأساسية فى مواجهة نقطة ضعف المشروع الرأسمالى، هو أنها يمكن أن تبيع سلعها وخدماتها بأسعار أقل كثيرا مما هو سائد فى السوق الرأسمالى، وذلك بخصم معظم ما يحصل عليه التجار والوسطاء والمقرضون من سعر السلعة أو الخدمة، والاكتفاء فى هذه الحالة بالبيع بأسعار أعلى قليلا من أسعار المنتج المباشر للسلعة أو الخدمة لتحقيق هامش بسيط للعائد يغطى المصروفات الإدارية و تكوين الاحتياطى والخدمة الاجتماعية، وذلك فى حالة التعاونيات التى تبيع السلعة أو الخدمة، ومن ناحية أخرى فى التعاونيات التى تنتج السلعة أو الخدمة، فأنه يتم بيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل مما يبيع به الرأسمالى سلعه أو خدماته، وذلك بخصم صافى ما يحصل عليه الرأسمالى من أرباح من سعر السلعة أو الخدمة بعد تغطية التكاليف والاحتياطى، وجدير بالملاحظة أنه يمكن توفير الكثير من التكاليف غير الضرورية المحملة على سعر السلعة أو الخدمة التى يتطلبها المشروع الرأسمالى فى إطار منافسته مع المنتجين الآخرين كتكاليف الدعاية والإعلان مثلا، و كل هذا يعطى التعاونيات قدرة هائلة فى مواجهة المشروع الرأسمالى.
*يبدأ طرح التعاونية كحل لمشكلات كل من العمال فى التحرر من عبوديتهم المأجورة و من الاستغلال الرأسمالى ، و المتعطلين عن العمل والمهمشين من أجل إيجاد فرص عمل حرة وكريمة بدلا من التسول من الدولة والأغنياء، و صغار المهنيين والحرفيين والفلاحيين فى التحرر من البلطجة الحكومية وغير الحكومية، ومن الاستغلال الرأسمالى على السواء ، و بالطبع يحتاج الأمر نضالا لتجميع هؤلاء وتنظيمهم و إرشادهم، ومساعدتهم من أجل تدبير الرأسمال الكافى لممارسة نشاطهم، وهى عمليات ليست بالهينة بل تحتاج لإبداعات لكنها غير مستحيلة، حيث أن أى مشروع يمكن أن يبدأ صغيرا وينمو كما قد يفشل، و عليهم والحال هكذا أن يعتبروا أن نجاحهم الاقتصادى فى مواجهة متطلبات السوق الرأسمالى والتدخل الحكومى مهمة حياة أو موت بالنسبة لهم، وفى نفس الوقت أن يدعموا السياسات التى تحقق استقلالهم و نجاحهم وتلبى مصالحهم.
*يبدوا أن الحلف التعاونى الدولى تنبه إلى الصعوبات التى تواجه التعاونيات فى ظل ظروف المنافسة الرأسمالية السائدة، فأضاف مبدأ تعاونيا جديدا وهو تعاون التعاونيات، وهو يعنى الحرص على أن لا تنشأ أى منافسة بين التعاونيات، بل و أن تتعاون التعاونيات المختلفة و تتكامل فيما بينها محليا وكوكبيا، حتى يتطور الأمر بعد توسع الحركة التعاونية إلى حد كافى يتيح للتعاونيات أن تقرر ألا تتبادل سلعها وخدماتها إلا فيما بينها، فتحقق أسلوبا للتبادل التعاونى بين المنتجين والمستهلكين التعاونيين مستقلا عن السوق الرأسمالى، وفى هذه الحالة يمكنها فحسب أن تثبت تفوقها على الرأسمالية، من حيث الكفاءة فى اشباع الاحتياجات البشرية، وقد ناقش الحلف التعاونى الدولى مؤخرا بمناسبة مرور مئة وخمسين عاما على إقامة أول تعاونية فى روتشديل بانجلترا عام 1844،إمكانية إقامة اتحادات تعاونية متعدية الجنسية لتحقق هذا التكامل فيما بين التعاونيات كوكبيا، فى مواجهة المؤسسات الرأسمالية متعدية الجنسية التى تستفيد من اتساع السوق الكوكبى.
*عدت مجددا لدراسة التعاونيات، بالتخلص من تأثير تلك الأسباب، و أكتشفت أنها الأداة الوحيدة الممكنة لتحقيق حلم الحرية والمساواة والتقدم ، ولكن بشرطين الأول استقلالها عن الدولة والرأسمالية، و الثانى تخلصها من التشوهات البيروقراطية والرأسمالية التى قد تشوب تطبيقاتها أحيانا، وهما شرطان لايتناقضان مطلقا مع المبادىء الرئيسية للتعاون بل يتطابقان مع جوهر تلك المبادىء ،والحقيقة أن الحركة التعاونية تتنازعها ثلاث ميول، ميل سلطوى يميل لتحويل التعاونيات إلى جهاز من أجهزة الدولة فى إطار خططها للتنمية، وميل رأسمالى يعتبر التعاونيات مؤسسات رأسمالية يجب أن تهدف للربح ، و ميل ثالث لاسلطوى و لا رأسمالى يحرص على أن تكون التعاونيات منظمات مدنية وديمقراطية وشعبية مستقلة تماما عن الدولة والرأسمالية.
* تأثرت التعاونيات دائما بتدخل البيروقراطية الحكومية فى شئونها مما أفقدها طابعها الطوعى والديمقراطى والمدنى فى كثير من الأحيان، و قد حول هذا التدخل بعضها فى النهاية إلى مؤسسات بيروقراطية شبه حكومية كما فى مصر وشبيهاتها من الدول، مما ساعد على أن ينخر فيها الفساد و على أن تفقد شعبيتها، ومن هنا ترفض التعاونيات السويدية على سبيل المثال أى تدخل حكومى فى شئونها، فى حين أن التدخل التشريعى لتنظيم التعاونيات فى مصر يساعد على افساد التعاونيات تلقائيا حيث يحدد جزءا لا يتجاوز 10% من العائد لصالح أعضاء مجالس الإدارة ، برغم إن الإدارة فى التعاونيات لابد وأن تكون بلا امتيازات حرصا على عدم فسادها، ومن هنا يفضل أن تدار التعاونيات بالنظام الذى يقترحه مايكل ألبرت المسمى "حزمة الوظائف المتوازنة" الذى يتيح لجميع الأعضاء المشاركة فى الأعمال الإدارية. والجدير بالذكر أن القانون المصرى يسمح بتعين موظفى الحكومة فى التعاونيات لإدارتها وانتدابهم للعمل فيها على غير رغبة أعضاء التعاونيات أصحاب السلطة الوحيدة فى أى تعاونية.
*تتأثر التعاونيات بالعلاقات الرأسمالية السائدة فى المجتمع سواء من حيث استخدام التعاونيات أحيانا للعمل المأجور أو من حيث تأثرها بالسوق الرأسمالى وما يحكمه من قواعد المنافسة، و برغم من أن التعاونيات يجب أن لا تهدف مبدئيا للربح فإن منطق الإنتاج من أجل الربح الرأسمالى السائد جعل من التعاونيات فى بعض الأحيان مؤسسات شبه رأسمالية.
* نقاء التعاونيات من تشوهها بيروقراطيا أو رأسماليا و اعتبارها علاقة إنتاج مستقلة ومتميزة عن العلاقتين البيروقراطية والرأسمالية مرهون بتحررها من كل من سيطرة البيروقراطية والرأسمالية على السواء، وهذا أمر يمكن تصور حدوثه فى المستقبل عندما تتحول هذا العلاقة من وضع الهامشية الحالى لوضع السيادة فى المجتمع.وهى عملية تحتاج لنضال اقتصادى وسياسى واجتماعى وثقافى دؤوب و طويل الأمد.
* جوهر الرأسمالية هو عبودية العمل المأجور وهو ما خلقته الرأسمالية وتبقى عليه، و مما لاشك فيه أن أى حركة تحرر ترغب جديا فى تجاوز الرأسمالية لابد وأن يكون هدفها هو تحرير البشر من عبودية العمل المأجور، وكل أنواع العبودية الأخرى، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا فى نمطين من أنماط الإنتاج هما الإنتاج الفردى لصغار الفلاحيين والمهنيين والحرفيين و الإنتاج التعاونى .
*انغمست الحركة العمالية بجناحيها الثورى والإصلاحى، لقرن من الزمان فى تجربتى اشتراكية الدولة المختلفتين، الشيوعية المهزومة والإشتراكية الديمقراطية المأزومة، وبرغم ما تحقق على أيديهما من مكاسب هائلة لاتنكر للطبقة العاملة وكوارث مروعة لا تنسى وقعت على الطبقة العاملة أيضا، فإنهما برغم ذلك لم يحققا للعمال المأجورين التحرر من عبوديتهم المأجورة، ذلك أن هذين اللونين من الاشتراكية أنحرفا عن جوهر التحرر من العبودية المأجورة، واقتصرا على إشباع احتياجات العمال المأجورين المادية الذى سهل بعد ذلك حرمانهم منها فى السنوات الماضية، كما أنهما سلبا أحيانا تلك الحرية النسبية المتمثلة فى القدرة على التفاوض على شروط العمل والحياة التى وفرتها الرأسمالية لعبيدها ، فتدهوروا من وضع أكثر حرية لأوضاع الأقنان لدى الدولة، وهو وضع أسوء حتى و لو كانوا حققوا بتلك الاشتراكية درجة أكثر من الاشباع المادى.
*يقوم التعاون على عدد من المبادىء التى أقرها الحلف التعاونى الدولى وهى أولا عضوية الجمعية طوعية ومفتوحة، بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الآراء السياسية أو الدين أو الوضع الاجتماعي وثانيا ديمقراطية الإدارة، فلكل عضو صوت واحد مهما بلغت أسهمه ، ثالثا الاستقلالية عن كل من الدولة و رأسالمال باعتبارها منظمات مستقلّة تساعد نفسها بنفسها، ويديرها أعضاؤها بأنفسهم، رابعا مشاركة العضو اقتصادياً بشرط أن تكون الفائدة محدودة على رأسالمال المساهم به، وأن يوزع العائد إما على معدلات الإنتاج فى التعاونيات الإنتاجية، وإما على معدلات الاستهلاك فى التعاونيات الاستهلاكية، خامسا التعاون بين التعاونيات ، سادسا التعليم والتدريب المستمرين للأعضاء وحرية الحصول على المعلومات، سابعا الاهتمام بتنمية المجتمعات المحلية.
*القواعد التعاونية ليست مقدسة بحيث لا يمكن تطويرها أو تغيرها، فقد كانت القواعد السابقة للحلف التعاونى الدولى لا تتضمن مبدأى تعاون التعاونيات والاستقلال عن الدولة ورأسالمال، ولما كان هذا الحلف ليس له مرجعية مقدسة أساسا، فالحركة التعاونية يمكن أن تتحول إلى حركة تحرر ذاتى من عبودية الأجر لا مجرد حركة تنمية اقتصادية أو كحل للأزمات التى تسببها الرأسمالية كما تريد لها الحكومات، بل يمكن تحويلها لحركة مناهضة لكل من الرأسمالية والبيروقراطية تحارب من أجل الانتصار الكامل عليهما تدريجيا كما وسبق للرأسمالية أن انتصرت على الإقطاع تدريجيا، وعبر إثبات التفوق الاقتصادى للتعاونيات على المؤسسات الرأسمالية، وهذا يعنى تطوير هذه المبادىء نفسها ودعمها بمبادىء أخرى تضمن هذا التوجه اللاسلطوى واللارأسمالى للتعاونيات .
*يقال أن التعاون لايصلح إلا فى مجالات الإنتاج والخدمات التى تعتمد على وحدات صغيرة ومحلية، وهذا ليس صحيحا لأن من أهم مبادىء التعاون الجديدة أن تتعاون وتتكامل التعاونيات فيما بينها وتتحد من أسفل لأعلى لكي يمكنها تغطية كل الأنشطة البشرية، ومن هنا فإن بعض المرافق العامة والصناعات الكبيرة فى الكثير من البلاد تدار وفق نظام الريجى التعاونى، وهى منظمات تعاونية بين التعاونيات لا الأفراد . استطاعت أن تشق طريقها فى أعمال البنوك،وفى توريد المياه، و فى النقل، وفى إنتاج الكهرباء وتوريدها، وفى إدارة الموانى و السياحة و تكرير البترول و صناعة السكر..الخ. وقد حققت فى ذلك نجاحا لم تحققه غيرها من المنظمات، فالتاريخ يشهد أن واحدا منها لم يتعثر أو يقع فى هوة الإفلاس وحتى فى أوقات الشدة والأزمات استطاعت أن توازن ميزانيتها وأن تؤدى خدماتها على أكمل وجه.
*يتهم البعض التعاونيات أنها مؤسسات رأسمالية لأنها تحافظ على حقوق الملكية الخاصة المتمثلة فى مبدأ الفائدة المحدودة على رأسالمال، وهو مبدأ لا تأخذ به التعاونيات فى ألمانيا وبلجيكا والسويد على سبيل المثال، فالمساهمة فى هذه الحالة مساهمة تبرعية من طالب العضوية لتأسيس التعاونية ودعمها وكمقابل للعضوية، إلا أن من يأخذون بمبدأ الفائدة المحدودة على رأسالمال ، يدافعون عن رأيهم بأن الرأسمال يؤدى دور خادم لنشاط التعاونية، وليس بهدف الاستثمار فيها، حيث أن العائد فى معظمه يوزع على أساس المعاملات، فضلا عن أنه مبدأ مفيد لتشجيع تجميع المدخرات والملكيات الفردية الصغيرة وتحويلها لملكية تعاونية، و من ثم توسيع رأسمال التعاونية ودعم نشاطها، كما أن جزءا كبيرا آخر من العائد يكون احتياطى الجمعية وهو لا يقل عن 15% وفق القانون المصرى ، و يكون نتيجة تراكمه رأسالمال الاجتماعى للتعاونية و هو غير قابل للتجزئة، فهو ملك للجمعية و لايصح أن يوزع على الأعضاء. فضلا عن أنه عند انسحاب العضو من الجمعية فأنه يحصل على قيمة أسهمه فقط، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار أن الفائدة على رأسالمال فى هذه الحالة نوع من التعويض عن انخفاض سعر العملة بسبب التضخم ، وهذه الفائدة لا تتجاوز 6% من القيمة الأسمية للسهم وفقا للقانون المصرى ، كما لا يجوز أن يتجاوز نصيب فوائد الأسهم 15% من إجمالى العائد وفقا للقانون المصرى، و فى النهاية لايجوز توزيع أى أرباح على الأسهم إلا فى حالة تحقيق أرباح للجمعية، و من ثم يمكن القبول مؤقتا بهذا المبدأ كخيار واقعى فى المراحل الأولى للتعاونيات باعتبارها نمط هامشى يجب دعمه، بحيث يمكن التخلى عنه فى المستقبل عندما تتوفر الشروط الموضوعية المناسبة التى تجعلها نمط سائد.
*يعيب البعض على التعاونيات التى تنتج الخدمة أو السلعة، أنها يمكن أن تحقق أرباحا من تشغيل عمال مأجوريين من غير أعضاء التعاونية فتتحول بذلك لمشروعات رأسمالية، وهو ما يجيزه قانون التعاون المصرى فى سياق تشويهه للفكرة التعاونية وابتذالها،وهذا وضع غير صحيح مبدئيا حيث تتميز الجمعيات التعاونية بأن كل عضو فيها يعتبر عاملا وشريكا فى الوقت نفسه، فإذا فقدت الجمعيات إحدى هاتين الصفتين فلا تعتبر جمعية تعاونية، وهذه الخصيصة مستفادة من الغاية التى تهدف إليها هذه الجمعيات، فهى تهدف إلى تحرير العمال ليكونوا جميعا شركاء يمارسون وظيفة المنظم فى المشروع الرأسمالى، و يمكن مقاومة هذا الميل بترسيخ مبدأ تعاونى جديد هو مبدأ عدم تشغيل العمل المأجور، و بدلا من ذلك تسهيل شراء الأسهم و من ثم العضوية للراغبين فى العمل فى التعاونيات، و هذا يساعد فى توسيع رأسمال التعاونية وتمويلها و دعم نشاطها.
* يعيب البعض على الجمعيات التى تبيع الخدمة أو السلعة أنها تحقق أرباحا أيضا عندما تبيع الخدمة أو السلعة لغير الأعضاء، وهذا العيب يمكن تلافيه بالالتزام بمبدأ تعاونى جديد هو عدم بيع الخدمة أو السلعة لغير الأعضاء فى التعاونيات التى تبيع السلع والخدمات، و الالتزام بهذا المبدأ سوف يشجع كل من يرغب فى الاستفادة من انخفاض أسعار خدمات التعاونيات وسلعها فى أن يكون عضوا بها بالمساهمة فى رأسمالها، و هذا يساعد فى توسيع رأسمال التعاونية وتمويلها و دعم نشاطها، إلا أنه من الجدير بالذكر إن جزءا من عائد التعاونية لا يقل عن 15% وفق القانون المصرى يعود على المستهلكين من غير الأعضاء وفقا للمبدأ التعاونى الخاص بالاهتمام بتنمية المجتمع المحلى الذى يضم غالبا هؤلاء المستهلكين الذين حققوا ربحا للتعاونية بالتعامل معها، و بهذا المبدأ يعاد للمستهلكين جزء من الأرباح التى تسببوا بها.
*التعاونيات مثلها مثل الإنتاج الفردى نمط إنتاج هامشى ضعيف بالطبع فى مواجهة كل من بلطجة بيروقراطية الدولة و استغلال الرأسماليين، وهو يتأثر بهما بشدة، مما يجعل من مسألة استمراره نقيا بلا تشويه بل ونجاحه فى الإلتزام بمبادئه أمر فى غاية الصعوبة، ولكن من قال إن الأمر سهلا، وهل كان سهلا أن يستولى الشيوعيون على السلطة بالقوة، أو أن ينتزع الاشتراكيون الديمقراطيون السلطة عبر البرلمانات فى غرب أوروبا. مقابل ذلك فالميزة فى التعاونيات أنها يمكن أن تحرر فورا قطاعات يمكن أن تتزايد تدريجيا من العمال وصغار المهنيين والفلاحيين والحرفيين دون انتظار لثورة سياسية لا يعرف أحد متى تأتى، و عندما تأتى فقد تحررهم جميعا أو تعجز عن تحريرهم.
*على من يؤمنون بالفكرة التعاونية باعتبارها طريقا للتحرر والمساواة أن يطرحوا مهمة نجاحها واستمرارها كمهمة كفاحية طويلة الأمد على أنفسهم كحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد التى مازال يتبناها البعض، فهى تحتاج مثلها إلى بذل جهودا خارقة وابداعات عبقرية إلا أنها غير دموية، و ذلك لإنجاحها اقتصاديا فى مواجهة الرأسمالية، و نضالا سياسيا من أجل استقلال التعاونيات التام عن الدولة ومواجهة بيروقراطيتها، ونضالا اجتماعيا يربطها بحل مشكلات الواقع المحلى الذى تعمل فيه، ونضالا ثقافيا يطور من وعى البشر ليلائم هذا النمط، حتى يصبح دعم التعاونيات فى مواجهة الرأسمالية موقف رأى عام اجتماعى ، وحتى يستهجن الوعى السائد عبودية الأجر كما يستهجن الآن العبودية الكاملة والقنانة، و حتى يستهجن غالبية البشر الملكية الخاصة كما يستهجنوا الآن أكل لحوم البشر.
*بالرغم من الصعوبات التى لا تنكر أمام نجاح التعاونيات إلا أن نقطة قوتها الأساسية فى مواجهة نقطة ضعف المشروع الرأسمالى، هو أنها يمكن أن تبيع سلعها وخدماتها بأسعار أقل كثيرا مما هو سائد فى السوق الرأسمالى، وذلك بخصم معظم ما يحصل عليه التجار والوسطاء والمقرضون من سعر السلعة أو الخدمة، والاكتفاء فى هذه الحالة بالبيع بأسعار أعلى قليلا من أسعار المنتج المباشر للسلعة أو الخدمة لتحقيق هامش بسيط للعائد يغطى المصروفات الإدارية و تكوين الاحتياطى والخدمة الاجتماعية، وذلك فى حالة التعاونيات التى تبيع السلعة أو الخدمة، ومن ناحية أخرى فى التعاونيات التى تنتج السلعة أو الخدمة، فأنه يتم بيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل مما يبيع به الرأسمالى سلعه أو خدماته، وذلك بخصم صافى ما يحصل عليه الرأسمالى من أرباح من سعر السلعة أو الخدمة بعد تغطية التكاليف والاحتياطى، وجدير بالملاحظة أنه يمكن توفير الكثير من التكاليف غير الضرورية المحملة على سعر السلعة أو الخدمة التى يتطلبها المشروع الرأسمالى فى إطار منافسته مع المنتجين الآخرين كتكاليف الدعاية والإعلان مثلا، و كل هذا يعطى التعاونيات قدرة هائلة فى مواجهة المشروع الرأسمالى.
*يبدأ طرح التعاونية كحل لمشكلات كل من العمال فى التحرر من عبوديتهم المأجورة و من الاستغلال الرأسمالى ، و المتعطلين عن العمل والمهمشين من أجل إيجاد فرص عمل حرة وكريمة بدلا من التسول من الدولة والأغنياء، و صغار المهنيين والحرفيين والفلاحيين فى التحرر من البلطجة الحكومية وغير الحكومية، ومن الاستغلال الرأسمالى على السواء ، و بالطبع يحتاج الأمر نضالا لتجميع هؤلاء وتنظيمهم و إرشادهم، ومساعدتهم من أجل تدبير الرأسمال الكافى لممارسة نشاطهم، وهى عمليات ليست بالهينة بل تحتاج لإبداعات لكنها غير مستحيلة، حيث أن أى مشروع يمكن أن يبدأ صغيرا وينمو كما قد يفشل، و عليهم والحال هكذا أن يعتبروا أن نجاحهم الاقتصادى فى مواجهة متطلبات السوق الرأسمالى والتدخل الحكومى مهمة حياة أو موت بالنسبة لهم، وفى نفس الوقت أن يدعموا السياسات التى تحقق استقلالهم و نجاحهم وتلبى مصالحهم.
*يبدوا أن الحلف التعاونى الدولى تنبه إلى الصعوبات التى تواجه التعاونيات فى ظل ظروف المنافسة الرأسمالية السائدة، فأضاف مبدأ تعاونيا جديدا وهو تعاون التعاونيات، وهو يعنى الحرص على أن لا تنشأ أى منافسة بين التعاونيات، بل و أن تتعاون التعاونيات المختلفة و تتكامل فيما بينها محليا وكوكبيا، حتى يتطور الأمر بعد توسع الحركة التعاونية إلى حد كافى يتيح للتعاونيات أن تقرر ألا تتبادل سلعها وخدماتها إلا فيما بينها، فتحقق أسلوبا للتبادل التعاونى بين المنتجين والمستهلكين التعاونيين مستقلا عن السوق الرأسمالى، وفى هذه الحالة يمكنها فحسب أن تثبت تفوقها على الرأسمالية، من حيث الكفاءة فى اشباع الاحتياجات البشرية، وقد ناقش الحلف التعاونى الدولى مؤخرا بمناسبة مرور مئة وخمسين عاما على إقامة أول تعاونية فى روتشديل بانجلترا عام 1844،إمكانية إقامة اتحادات تعاونية متعدية الجنسية لتحقق هذا التكامل فيما بين التعاونيات كوكبيا، فى مواجهة المؤسسات الرأسمالية متعدية الجنسية التى تستفيد من اتساع السوق الكوكبى.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية