الخميس، 24 أبريل 2008

الموقف من العمليات الاستشهادية

الموقف من العمليات الاستشهادية
سامح سعيد عبود
لا شك أن العمليات الاستشهادية قضية فى غاية الأهمية والخطورة ، ومن ثم يجب أن نحدد موقفنا من تلك العمليات العنيفة ضد المدنيين التى يصر البعض أن ينسبونها للأعمال التحررية تحت اسم الاستشهادية، والتى أصر على أن أسميها الإرهابية .
وهى قضية مفصلية فى تقديرى واعتبارى ، عندها لا بد و أن تتفرق بنا السبل ، بسبب اختلاف الغايات فيما بيننا ، فإذا كانت رؤيتنا هى أنه لا حل للصراع القائم فى فلسطين المحتلة ، إلا بتأسيس مجتمع علمانى ديمقراطى بمعنى أنه لا قومى و لا دينى فى نفس الوقت على كامل فلسطين التاريخية. فلا بد و أن تجرنا هذه الرؤية لإدانه كل عنف غير جماهيرى موجه إلى غير المسلحين ، وكل عنف يمارس على أساس الهوية العرقية أو الدينية أو القومية، أما إذا انطلقنا من رؤى قومية ودينية وعنصرية لحل الصراع ، وهى رؤية يشترك فيها الصهاينة مع الإسلاميين والقوميين العرب على السواء ، و تتيح لمن يتبناها تبرير الجرائم ضد الإنسانية التى يمارسها كل طرف من طرفى الصراع.
ومن أجل أن تتبلور وجهات النظر وتتميز المعسكرات السياسية بوضوح ،و حتى لاتختلط الأوراق ،وحتى نعرف من هو العدو ومن هو الحليف. لا بد وأن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة المصيرية ،هل نبنى مواقفنا السياسية فى الصراعات الاجتماعية القائمة بالفعل ، على أساس من الانحياز للقوى الاجتماعية المعرضة للاضطهاد والاستغلال والقهر ؟،أم أننا نستند إلى تمثيل كيانات مجردة كالوطن والجماهير والشعب والقبيلة والعشيرة والطائفة؟. والتى لا معنى لها إلا لضرورتها الاجتماعية لتكريس السلطات القمعية .
هل نحن مع حرية الإنسان العادى المحروم من السلطة فى مواجهة السلطة المتعالية عليه ، والتى تضلله وتقمعه وتستغله وتستغفله ، وتجره وراءها فى معاركها التى لاناقة له فيها و لاجمل قهرا وتضليلا ، أم مع حرية تلك السلطة التى تتقنع بأى من المطلقات السابق ذكرها فى مواجهة هذا الإنسان العادى بطموحاته البسيطة غير المؤدلجة فى الرفاهية والأمن و السعادة.
هل نحن مع حرية كل البشر من حيث هم بشر لاغير ؟وهل نحن مع المساواة الكاملة بين كل البشر و من حيث هم بشر فحسب؟ ،أم أننا نحدد مدى حريتهم ومساواتهم بالآخرين من عدمها على أساس هوية أخرى نختارها لتفرق بين هؤلاء البشر فى مقدار ما يتمتعون به من حرية ومساواة فيما بينهم ؟
الإجابة على هذه الأسئلة تفصل بوضوح بين الرؤى العنصرية قومية كانت أو دينية مهما تقنعت بأقنعة براقة مثل أسطورة التحرر الوطنى ، وبين الرؤى الإنسانية والتحررية والتقدمية ، و لا مجال للمماحكة والسفسطة بهذا الخصوص.
لاشك أن هذا المقال ينطلق من رؤية ترفض الصهيونية برمتها ، بيسارها ويمينها، بمعتدليها ومتطرفيها ، ويشترك فى تلك الرؤية الكثير من اليهود سواء داخل وخارج فلسطين المحتلة ومنهم اللاسلطويين إليان شاليف المقيم بتل أبيب وناعوم شومسكى المقيم بالولايات المتحدة ، و اليساريين الإسرائيليين يهوديت هاريل و يورى أفنيرى ، واليهودى العراقى المغلوب على أمره، الذى طردت أسرته من العراق إلى إسرائيل العصابات القومية العنصرية العربية ، والذى كتب مؤخرا عبر الأنترنيت أنه مازال يشعر أن بلده الحقيقى هو العراق الذى تركه طفلا صغيرا وليس إسرائيل ، وبعض رافضى الخدمة فى جيش الدفاع الإسرائيلى المسجونين فى السجون الإسرائيلية منذ سنوات ،وحتى ولو احتج مماحك بأنهم مجرد قلة نادرة فأنهم قابلين للتحول للأغلبية لو نزعنا عن عقول المضللين من اليهود غشاوة الصهيونية ، كما يشاركنى فى تلك الرؤية الملايين من البشر عبر العالم ، و منهم الذين ذهبوا لرام اللة دفاعا عن عرفات وليشاركوه الحصار الذى فرضته عليه الآلة العسكرية الصهيونية ، وشهيدة غزة الأمريكية راشيل كوريل ورفيقها الإنجليزى الذى لحق بها بعد أيام من رحيلها ، و سائر المنخرطين فى حركات التضامن مع الفلسطينين والتظاهر من أجلهم عبر العالم أذكر منهم الرفاق أندرو الأيرلندى ، ونيكولا وتوما الفرنسيين ، وزكزاك ولورا البولنديين ، وجنارو الإيطالى وغيرهم مما لا أعرفهم أو لا أذكرهم الآن ، و كل الذين يرون مثلى ضرورة تصفية الصهيونية كأيديولوجيا ،ومن ثم ضرورة تصفية تجسيدها المادى الممثل فى دولة إسرائيل .
ومن ثم اعتبر أن مجرد الاعتراف بإسرائيل والتفاوض مع حكوماتها على الأساس القومى والدينى هو تسليم بمنطقها العنصرى ، و أن رؤية الدولتين القوميتين على تراب فلسطين هى رؤية صهيونية بالأساس قبلها بعض الساسة العرب باسم الواقعية المزعومة ، إلا أن هذه الرؤية لا تعنى على الإطلاق أى عداء عنصرى لليهود باعتبارهم يهود ، بل تعنى بالضرورة الاعتراف بحقوقهم الإنسانية شأنهم شأن كل البشر مهما اختلفت هوياتهم الجماعية ، ومن ثم فهذه الرؤية لا تتفق مع الرؤى القومية والإسلامية التى ترى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر من الوجود اليهودى الذى أصبح أمرا واقعا علينا التعامل معه بإزالة طابعه الصهيونى لا بنفي هذا الوجود .
أن الحل الوحيد المقبول والعملى والواقعى الذى يتم إهماله عمدا من قبل النخب السياسية على طرفى الصراع حين يطرحون حل الدولتين ،يتلخص فى حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينين لكل فلسطين التاريخية ، و من ثم اسقاط الطابع الصهيونى للدولة الإسرائيلية ، وهذا يتطلب نوعا مختلفا من الكفاح غير العنصرى ، لا علاقة له بالعمليات الاستشهادية و استهداف المدنيين ، حل طالب بمثله الزنوج والملونين فى جنوب إفريقيا استلزم منهم كفاح ارسوا قواعده ومارسوه حتى حققوا هذا الهدف، و هو حل لم يرتكن على أى رؤية أو ممارسة عنصرية مضادة لما كان يمارس عليهم من عنصرية ، ولطبيعة ذلك الحل الديمقراطى والعلمانى والإنسانى كسبوا العالم فى صفهم بأكثر مما كسب الفلسطينين ، أما القوى السياسية الفلسطينية السائدة والمتنفذة وللأسف فأنها تصر وعبر تاريخها كله على طرح الشعارات الخاطئة ، والتورط فى المواقف الخطأ ، وممارسة الأساليب الكفاحية المدمرة للذات قبل العدو ، و التى لا ولم و لن تكسب الفلسطينين سوى المزيد من الخسارة فى حين أن الصهاينة مستمرون فى الكسب منذ بدء جريمتهم الممتدة وحتى الآن من أخطاء ضحاياهم بأكثر مما كسبوا بقدراتهم الخاصة ، عدالة القضية لا تكفى أبدا للإنتصار ،فالعالم لا تحركه أى غايات أخلاقية من أى نوع .
من وجهة نظر إنسانية وأممية وعلمانية ومعادية للعنصرية والفاشية والاستخدام السياسى للقومية أوالدين.
ندعو كل الفلسطينيين سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود فى كل أرض فلسطين التاريخية أن يناضلوا بكل وسائل الصراع المدنية من أجل مجتمع علمانى و تحررى فى كل أرض فلسطين التاريخية.و أن يرفضوا مبدأ تقسيم فلسطين لدولتين على أى أساس عنصرى سواء أكان قوميا أو دينيا. و أن يسقطوا قانون العودة الإسرائيلى وغيره من القوانيين العنصرية الصهيونية، فضلا عن ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم مع تعويضهم عن مافقدوه وتكبدوه طوال سنوات النفى القسرى عن وطنهم السليب
من يتبنى خطوة البداية، من ينظم خطوة البداية للحرية والعدالة والسلام،أنهم بالطبع ليسوا الساسة الفاسدين والقوميين على جانبى الصراع ،أنها الشعوب نفسها.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية