موجز تاريخ المادة والوعى(10) تطور الكائنات الحية
موجز تاريخ المادة والوعى(10) تطور الكائنات الحية
سامح سعيد عبود
أخذت الكائنات الحية فى التطور من كائن حى إلى كائن آخر خلال ملايين من السنين، بحيث يفنى الكائن الحى العاجز عن البقاء ، و يبقى القادر على التكيف مع ظروف البيئة ، و أخذت تنقل التغيرات الطفيفة التى تحدث فى الجيل الأكثر تكيفا مع البيئة للأجيال الأخرى من خلال العوامل الوارثية ، وهكذا حدث التطور نتيجة عاملين هما التكيف مع ظروف البيئة المحيطة ، والثانى هو الطفرات الوراثية التى تحدث فى أحد الأفراد ليتم نقلها لأجيال جديدة، كل ذلك عبر فترة طويلة جدا،ً وببطء شديد جداً، أخذ ما يقرب من 3.5 مليار سنة على الأقل. كان تطور الأنواع يجري باتجاه محدد و بسبب محدد هو التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، ومن ثم كان البقاء دائما لمن يتكيف مع ظروف البيئة المتغيرة أفضل من غيره، والانقراض كان نصيب من لم يستطع هذا التكيف، ولا يحدث التطور لدى نوع من الأنواع طالما اختفى الدافع له، فتطوُّر الحصان من أسلاف الحصان الحالى و المفضي إلى تكون أصبع وحيد بدلا من خمسة، لا يستطيع أن يقطع شوطًا أبعد في هذا الاتجاه طالما ظل الحصان متكيفا مع بيئته، و لايوجد ما يهدد بقاءه. تواجد على الأرض و عبر تاريخها كثيرا من الكائنات من نفس النوع لا تقوى على الاستمرار و من ثم لم يبقى إلا الأصلح للبقاء. و بمرور الوقت حدث اندثار للكائنات التى لا تستطيع أن تتوافق مع متغيرات البيئة مثلما حدث للزواحف الضخمة كالديناصورات والثدييات الضخمة كالماموث .مما يؤكد أن البقاء ليس للأقوى، ولكن البقاء للأصلح و الأكثر توائما مع ظروف البيئة. ومما يدلنا على وجود هذه الكائنات التى انقرضت ما تركته هذه الكائنات من آثار أو بقايا فى الصخور وهو ما يسمى بالحفريات. فالتطور ليست عملية حتمية ميكانيكية تحدث من مرحلة لمرحلة لكل الكائنات الحية، كما يظن البعض من رافضى نظرية التطور، فنتوقع وفق رؤيتهم الساذجة أن كل بكتيريا لابد و أن تتحول يوما لإنسان، أو أن نتصور القرود وقد تطورت كلها لبشر مثلا، فمازالت المملكتين الحيوانية والنباتية تزخر بمئات الأنواع التى لم يجر عليها أى تطور منذ ملايين السنين كونها متكيفة تماما مع بيئتها، و لا يوجد أى تغير فى البيئة يدفعها للتطور، وتنقرض مئات الأنواع من الكائنات الحية أمام أعيننا لأنها أصبحت تواجه صعوبات للتكيف مع البيئة المتغيرة ، وتظهر أنواع جديدة من الكائنات الحية أكثر توائما مع البيئة. و قد يحدث التطور بتراكم التغيرات من جيل إلى آخر على نحو غير ملحوظ إلى أن يتحول هذا التغير الكمى غير الملحوظ، لتغير كيفى من كائن حى لكائن آخر، فبظل يخف وجود الشعر من على الجلد تدريجيا من جيل الأباء إلى جيل الأبناء، حتى يظهر جيل يخلوا تماما من الشعر على جلده. وقد يحدث التطور بأن تظهر طفرات وراثية فى أحد الأفراد فجأة يكون أكثر تكيفا مع البيئة ، فأسلاف الزراف الحالى و كانوا قصيرى الرقبة تواجدوا فى بيئة أصبح الوصول فيها للطعام أصعب كلما اقتربوا من الأرض ، فظهرت لدى بعضهم رقاب أطول نتيجة الطفرة الوراثية أعطتهم القدرة على الوصول لأوراق الشجر بدرجة أكفأ من قصيرى الرقبة الذين لم يتمكنوا من الوصول للطعام بنفس كفاءة طويلى الرقبة، وهؤلاء كانت فرصهم فى البقاء أعلى، وفرصهم فى توريث صفاتهم الوراثية أكثر فانقرض أسلاف الزراف قصيرى الرقبة، وبقى الزراف الحالى طويل الرقبة، ومن ثم يكون الأكثر قدرة على البقاء فى ظل ظروف البيئة الجديدة، يكون الأقدر على توريث هذه الصفة للأجيال اللاحقة، فى حين ينقرض من لا يحمل هذه الصفة الوراثية الجديدة، لأنه أقل تكيفا مع ظروف البيئة، ومن ثم لن تنتقل صفاته القديمة للأجيال اللاحقة.ربما نرى فى أنفسنا أفضل الحيوانات وأرقاها،و هذا صحيح فيما يتعلق بما نتميز به فعلا وهو الذكاء ومهارة اليد و اكتمال الرؤية وغيرها،إلا أننا نفتقد الكثير من القدرات الأخرى أو لا نملك منها بأكر مما هم أدنى فى التطور، فنحن لسنا فى سرعة الفهود ولا قوة نظرنا كالصقور و لانستطيع الشم كالكلاب .. ذلك لأن التطور لا يسير نحو النموذج الإنسانى العاقل باعتباره الأرقى، و لكنه يسير نحو امتلاك وسائل للبقاء أكثر توائما مع البيئة، فتطورت لدى أسلاف الفهد إمكانيات جسدية منحتهم تلك السرعة الخارقة للوصول للفرائس والانقضاض عليها، كما تطورت لدى أسلاف الصقور حدة النظر ليروا فرائسهم من فوق السحاب، و تطورت لدى أسلاف الكلاب حدة الشم ليتعرفوا على فرائسهم من عدة أميال،أما أسلافنا من الذين لم يملكوا تلك الإمكانيات فقد تطوروا من أجل التكيف مع البيئة،ولكنهم بدلا من القوة البدنية والسرعة و حدة الحواس و غيرها،أخذوا يملكون مهارات ذكاء أعلى مكنتهم من السيطرة على من هم أقوى منهم حتى استأنسوا بعضهم كالثيران والكلاب، وكان هذا هو الطريق الذى سار فيه أسلاف البشر حتى وصلوا للإنسان العاقل.كان من نتيجة التطور أن وصلت الحياة إلى هذا القدر العالى من التنوع ، من نباتات وحيوانات وحيدة الخلية ومتعددة الخلية .. ونباتات متعددة الخلية زهرية و لا زهرية ، وحيوانات متعددة الخلية فقارية و حيوانات لا فقارية، و تنوع كل هذه الكائنات الموجودة على الأرض حاليا وصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون من أنواع الحيوانات و أكثر من مليون من أنواع النباتات ، إلا أن هناك ملايين الأنواع الأخرى قد انقرضت مع الزمن لكن بعضها النادر كون حفريات تدل على أنها كانت موجودة فى أزمنة سابقة، و يقف على قمة المملكة الحيوانية الجنس البشرى باعتباره نوع من الرئيسيات المكونة من القردة والقردة العليا والبشر ، وأخيراً فان الانسان العاقل المعاصر هو أرقى أنواع الجنس البشرى .يعتقد العلماء أن أول خلية حية ظهرت على الأرض ترجع إلى حوالى 3.5-4 مليار سنة وهى خلية البكتيريا الأولية، و لا يحتوى هذا النوع من الخلايا على نواة، وبالتالى فهى لا تنقسم كالخلايا ذات الأنوية الحقيقية. ويرجع تاريخ أول خلية حقيقية النواة و تنقسم إلى حوالى مليار سنة ثم تطورت الحياة الى كائنات متعددة الخلايا من 700 مليون سنة تقريبا و أمثلتها الديدان والمفصليات والحشرات والعناكب، ويرجع ظهور الكائنات ذات العمود الفقرى الفقاريات إلى حوالى 450 مليون سنـة وكان أول ما ظهر منها الأسماك، ثم ظهرت البرمائيات ومن أمثلتها الضفادع من 400 مليون سنة تقريبا، وظهرت الزواحف من 350 مليـون سنة ومن أمثلتها التماسيح والسلاحف، ثم ظهرت الطيور متطورة عن الزواحف، ثم الثدييـات ذات المشيمة ( التي تلد ) متطورة عن الزواحف أيضا من 240 مليون سنة . ثم الثدييات الراقية مثل القردة بكافة أنواعها فقد ظهرت من 100 مليون سنة ثم ظهرت أشباه الإنسان من 6 مليون سنة تقريباً . هذا ملخص موجز للغاية للتفسيرات العلمية لكيفية نشوء الحياة وارتقاءها، ، أما الأهم فهو ان وصول الحياة إلى هذا القدر من التعقد والانتظام الدقيق لم ينشأ فجأة و بمعجزة ما ، أو كيفما اتفق ، وإنما عبر عمليات طبيعية تماما ، وعبر الملائمة والتكيف مع الظروف المتغيرة للبيئة ، والانتخاب الطبيعى و الطفرات التى تحدث فى العوامل الوراثية التى تنقل الصفات الوراثية. وتراكم التغيرات الطفيفة عبر الزمن من جيل لآخر و التى تنتقل عبر الوراثة من جيل لجيل.و بشكل عام يؤدي التطور لظهور ميزات جديدة و متجددة من جيل لأخر ، تؤدي في النهاية إلى تغيير و تحسين كافة مواصفات النوع قيد التطور مما يؤدي إلى نشوء نوع جديد من الكائنات الحية . ان التطور يحدث وفق ظهور ميزة قابلة للتوريث تؤدي إلى زيادة فرصة بعض الأفراد الحاملين لهذه الميزة بالتكاثر أكثر من الأفراد الذين لا يحملونها. ضمن مجموعة من الكائنات الحية على امتداد أجيال متعاقبة ، كما يحدث التطور نتيجة التغيرات في المورثات أو الجينات و مفردها الجين و هي الوحدات الأساسية للوراثة في الكائنات الحية .فضمن هذه المورثات أو الجينات يتم تشفير المعلومات المهمة للوظائف العضوية للكائن الحى. فإن هذه المورثات أو الجينات هي من تحدد تطور و سلوكيات هذه الكائن الحى. كلون الشعر والبشرة والعيون و الاستعداد لبعض الأمراض الوراثية، بل و حتى الميول النفسية والقدرات العقلية و الغرائز، فمعظم الفوارق بين الأفراد الشكلية والسلوكية والعقلية في صفات الجنس الواحد يعزى للفوارق في المورثات أو الجينات التي يحملها هؤلاء الأفراد . وإن كان هذا لا ينفى دور البيئة والظروف الاجتماعية على قدرات وسلوكيات الأفراد، فالبيئة قد تعمل على تعزيز تأثير جين معين أو اضعاف تأثيره، فتأثير جين الذكاء مثلا لدى إنسان لم تتح له فرصة التعليم سيكون أقل كثيرا فى تأثيره بالمقارنة مع تأثير نفس الجين لدى إنسان اتيحت له فرص التعلم، بل أن الشفرة الوراثية نفسها تتغير عبر الأجيال عند بعض الأفراد ، وهؤلاء من يكونوا أكثر تكيفا مع البيئة، وهؤلاء هم الأكثر قدرة على البقاء من غير المتكيفين مع البيئة، وهؤلاء المتكيفون مع البيئة هم الأكثر قدرة على توريث صفاتهم الوراثية الجديدة للأجيال اللاحقة.والظاهرة الجديرة بالذكر هنا،هى أنه لا يوجد تطابق مطلق بنسبة مئة بالمئة فى كل صفات أفراد نفس الجيل حتى ولو كانوا تؤائم متطابقة، إذ أن كل فرد يختلف عن الأخر ولو فى بعض الصفات الثانوية، و هو الذى يؤدى فى النهاية للتنوع بين الكائنات الحية بمرور الوقت.فالمورثة أو الجين و هى فى النهاية جزىء كيميائى يمثل قطعة من احدى سلسلتي الحمض النووى الديبوزى و هى تحتل موضعا معينا على هذه السلسلة، و تحدد المورثة أو الجين بعدد الذرات والجزيئات الداخلة في تركيبها و نوعها و ترتيبه ، و المورثة أو الجين يمكن أن نعتبرها جملة أو كلمة تتشكل من تراتب معين للحروف الأربعة لأبجدية لغة الوراثة، وهي قابلة للتغير نتيجة الطفرات الوراثية كما وسبق وأشرنا، فأى تغيير ولو طفيف للغاية فى عدد الذرات و الجزيئات وترتيبها و أنواعها وفق لقانون البنائية يمكن أن يغير خواصها بأدنى التغيرات الفراغية،مما يؤدى لتغيير حروف وكلمات وجمل الشفرة الوراثية، وهذا أمر وارد حتى فى التوائم المتطابقة، وغير المتطابقة ، وفى أخوة الجيل الواحد وبالطبع عبر الأجيال.تنتقل المادة الوراثية من جيل لآخر ، خلال عملية التكاثر بحيث يكتسب كل فرد جديد نصف مورثاته من أحد والديه و النصف الآخر من الوالد الآخر فى الكائنات التى تعتمد على التكاثر الجنسى بين ذكر وأنثى، إلا أنه فى أحوال التكاثر اللاجنسى تنتقل المادة الوراثية بالانقسام البسيط للخلايا كما فى الكائنات الحية وحيدة الخلية، و في بعض الحالات يمكن للمادة الوراثية أن تنقل بين أفراد غير أقرباء بعمليات للهندسة الوراثية أو عن طريق الفيروسات .بشكل أساسي ، تحوي المورثات المعلومات الأساسية لبناء البروتينات و الإنزيمات و المواد الحيوية اللازمة للكائن الحى و وظائفه و مع الوقت ، يمكن ان تنتج هذه العملية ما نسميه تنوعا، أي تطور نوع جديد من الأحياء بدءا من نوع موجود أساسا . بالنسبة لهذه النظرية فإن جميع الكائنات الحية الموجودة ترتبط ببعضها البعض من خلال سلف مشترك كنتيجة لتراكمات التغيرات التطورية عبر مليارات السنين . فالتطور أيضا مصدر للتنوع الحيوي على كوكب الأرض ، بما فيها الأنواع المنقرضة المسجلة ضمن سجل الحفرياتالانتخاب الطبيعي هو عملية او آلية تقوم بتأثيرها على التنوع الجيني المتشكل عن طريق الطفرات الوراثية ، و إعادة تركيب الجينات و توريث الجينات ، لذا يعتبر الانتخاب الطبيعي عملية يتم بها بقاء و نجاة الأفراد ذوي الميزات الأفضل للحياة و بالتالي التكاثر . إذا كانت هذه الميزات قابلة للتوريث فإنها ستنتقل إلى الأجيال اللاحقة ، مما ينتج ان الميزات الأكثر نفعا و صلاحية للبقاء تصبح أكثر شيوعا في الأجيال اللاحقة . فبإعطاء وقت كاف ، يمكن أن تنتج هذه العملية العفوية تلاؤمات متنوعة مع تغيرات الظروف البيئية.الفهم الحديث للكائنات الحية يعتمد على نظرية الانتخاب الطبيعي ، و تشكل كل من نظرية الانتخاب الطبيعي و نظرية الوراثة ما يدعى بالعلم التطوري الحديث ، و يصف التطور كتغير في تكرار و توافر المورثات ضمن مجموعة حيوية من جيل إلى الجيل الذي يليه . هذه النظرية سرعان ما أصبحت المبدأ المركزي المنظم للعلوم الحيوية الحديثة النظرية كالحيوان والنبات والعملية كالطب، بسبب قدرتها على تفسير كافة ظواهر الحياة و قدرتها التنبؤية العالية بما يمكن أن يحدث ، كما أنها تستخدم عمليا فيما يسمى الانتخاب الصناعى،فى النباتات والحيوانات.ويمكن للعلماء مراقبة التطور وعمليات الانتخاب الطبيعى بمراقبة الكائنات الحية المتميزة بقصر العمر مما يمكن العلماء من ملاحظة التغيرات التى تحدث لها مع تغير ظروف البيئة ،وكيفية تلائمها مع ظروف البيئة المتغيرة، وتستخدم فرضيات التطور والوراثة فى دراسة أصل مقاومة المضادات الحيوية في الجراثيم ، ومقاومة الحشرات للمبيدات ، و التنوع في النظام البيئي للأرض . و مع أن هناك إجماع علمي بشكل كبير لدعم صلاحية و صحة نظرية التطور ، لتطبيقاتها العملية الكثيرة و قدرتها التفسيرية و التنبؤية العالية لأصول الأجناس و الأنواع الحية ، فإن هذه النظرية تبقى في قلب جدالات دينية و اجتماعية حول مفاهيمها و مدى صحتها بسبب صدامها مع بعض الرؤى حول نظرية الخلق في بعض الديانات . و إحدى المحاولات لتقديم رؤية بديلة تحاول تقديمها نظرية التصميم الذكي ..و هو المفهوم الذي يشير إلى أن "بعض الميزات في الكون والكائنات الحية لا يمكن تفسيرها إلا بمسبب ذكي، وليس بمسبب غير موجه كالانتخاب الطبيعي .يقول مؤيدو النظرية والذين يتبعون معهد ديسكفري إن التصميم الذكي هو نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة تنظر الأغلبية الساحقة من المجتمع العلمي إلى نظرية التصميم الذكي كنظرية غير علمية، و هى علم زائف أو علم تافه . فالأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم صرّحت بأن التصميم الذكي والادعاءات التي تخص الإنشاء الخارق للطبيعة في أصل الحياة ليست علماً بسبب عدم إمكانية اختبارها بالتجربة؛ ولأنها لا تعطي أية توقعات، ولا تقترح أية فرضيات خاصة بها . وفى حين تفتقد نظريات الخلق الخاص والتصميم الذكى للبراهين العلمية نظريا وعمليا، تمتلىء جعبة أنصار التطور بالبراهين النظرية والعملية التى تدعمها الممارسة العملية كما سبقت الإشارة .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية