موجز تاريخ المادة والوعى(8) ظاهرة الحياة
موجز تاريخ المادة والوعى(8) ظاهرة الحياة
سامح سعيد عبود
الحياة لم تظهر على نحو مفاجىء، وبالمصادفة من تراكم عشوائى لعدد من العناصر الطبيعية على الأرض كما يتصور البعض ذلك ، كما لم تظهر الحياة بمعجزة خارقة للطبيعة حدثت فى زمن مضى، لأن الحياة ببساطة هى مجموعة من السمات أكتسبتها تجمعات من أنواع من الجزيئات المادية المعقدة المكونة من جزيئات الكربون، وعلى رأسها البروتينات والأحماض النووية، التى تكونت عبر عملية طويلة من جزيئات مادية أكثر بساطة من مركبات الكربون أيضا وعلى رأسها الأحماض الأمينية التى كونت البروتينات، والفوسفات والسكر و قواعد نتروجينية التى كونت الأحماض النووية ، و التى تكونت بدورها عبر عملية طويلة من جزيئات مادية أكثر بساطة من مركبات الكربون.إضافة إلى ذلك فتكون و تلاشى الكائنات الحية، ومكوناتها البسيطة والمعقدة، عملية مستمرة تحدث بما لا يمكن حصره من مليارات المرات فى كل ثانية تمر علينا، فى كل تلك الكتلة من الكائنات الحية التى تعيش على الأرض، منذ أن بدأت الحياة على الأرض و إلى الآن، و الحياة فى نفس الوقت عملية مزدوجة ذات وجهين متضادين لا انفصال بينهما، تحدث فى كل كائن حى على حده من الجرثومة إلى الإنسان من جهة ، و من جهة ثانية بين كل الكائنات الحية من أبسطها إلى أعقدها ، و من جهة ثالثة بين تلك الكائنات الحية والكائنات غير الحية التى تشكل البيئة من حولها.الحياة إذن مظاهر ناتجة عن عملية تجرى بين كائنات مادية ، أحد وجهيها هو بناء مركبات الحياة المعقدة من عناصر ومركبات الطبيعة المختلفة العضوية وغير العضوية ، أما الوجه الثانى لها فهو الهدم لتلك العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية، ليعقب كل بناء هدم، ويعقب كل هدم بناء ، وهى عملية لا تنقطع و لا تتوقف على الأرض، فالحياة هى تحول لا ينقطع لعناصر ومركبات الطبيعة عضوية كانت أو غير عضوية بين شتى كائنات الطبيعة الحية وغير الحية، وهى عملية حدثت عندما توافرت شروطها الطبيعية، وستنتهى عند اختفاء هذه الشروط، و الكائن الحى لا يتوقف عن امتصاص مواد الطبيعة المختلفة، وهدمها عبر عملية الهضم، وإعادة تركيب أخرى من مكوناتها الأساسية فى عملية بناءه ونموه وتجديد مكوناته، طالما ظل على قيد الحياة .فالحيوانات تستغنى عن بعض تلك العناصر ممثلة فى ثانى أكسيد الكربون عبر الزفير الذى تمتصه النباتات، مكونه به النشويات والسكريات كما تتنفس تلك الحيوانات الأكسجين الناتج عن تلك العملية التى أجرتها النباتات عبر الشهيق، كما تخرج بعض الحيوانات العرق بما يحمله من ماء وأملاح تذهب إلى الهواء والتربة، وتمتص النباتات بعض ما تخرجه الحيوانات من براز وبول لتبنى خلاياها وأنسجتها التى تأكلها الحيوانات مجددا فيما يطلق عليه عملية التحول الغذائى التى تأخذ شكلين.أولهما امتصاص مواد الطبيعة غير العضوية لتكوين مركبات عضوية و هو ما تمارسه النباتات الخضرية التى تحول ثانى أكسيد الكربون الموجود فى الغلاف الجوى للأرض والماء الموجود بالتربة و كلاهما مركبين بسيطين غير عضويين، و بفعل طاقة الضوء الذى هو طاقة كهرومغناطيسية مصدرها الشمس، لمواد سكرية ونشوية و هى مواد عضوية مركبة عبر عملية التمثيل الضوئى، التى تقودها مادة الكلوروفيل الخضراء وهى مادة عضوية معقدة، و الموجودة فى كل من خلايا أوراق النبات متعدد الخلايا، وفى الكائنات النباتية وحيدة الخلية كالطحالب، وتطلق الأكسجين فى الجو كناتج لهذا التفاعل، كما تكون النباتات و بعض الحيوانات الأولية من المركبات غير العضوية لكل من النتروجين والفوسفور التى تمتصها من التربة البروتينات والدهون و هى مواد عضوية مركبة.ثانيهما امتصاص المواد العضوية المعقدة من بروتينات ونشويات ودهون وهو ما تقوم به الحيوانات التى تلتهم النباتات، وكما تلتهم بعض النباتات بعض الحيوانات، فضلا عن التهام الحيوانات غيرها من الحيوانات لتحصل على ما فيها من تلك المواد العضوية المركبة، مكونة بروتينات و دهون ونشويات وسكريات خلاياها. فالكائن الحى مصيره المحتوم إما آكل أو مأكول، فى دورات لا تنتهى، فعند موت الكائنات الحية نباتية أو حيوانية، تتفكك أعضاء وأنسجة وأجهزة وخلايا و جزيئات كل من الحيوانات والنباتات متحللة لعناصرها الأولى اللاعضوية والعضوية التى تمتصها مجددا النباتات والحيوانات من التربة، لتعيد الحيوانات والنباتات التغذى منها مرة أخرى، وهكذا فى دورات لعناصر الحياة لا تنتهى.توفير الطاقة اللازمة للحياةتحتاج الكائنات الحية الهوائية للأكسجين والذى تمتصه عبر عملية التنفس القائمة على إدخال الأكسجين للبيئة الداخلية للكائن الحى، ليؤكسد هذا الأكسجين ما يلتهمه الكائن الحى من غذاء عبر عملية التغذية، و التى هى إدخال عناصر ومركبات من البيئة الخارجية للكائن الحى إلى بيئته الداخلية، مولدا ما يحتاجه هذا الكائن من الطاقة التى تربط مكونات هذا النظام المغلق .أما الكائنات الحية اللاهوائية، فتولد ما تحتاجه من طاقة عبر عمليات التخمر، وهى تفاعلات كيميائية يقوم بها الكائن الحى اللاهوائى مع مواد بالبيئة الخارجية تنتهى بامداد الكائن الحى بالطاقة التى يحتاجها. عند توقف عمليتى التنفس و التغذية لفترات متفاوتة من كائن حى لآخر، يتعرض الكائن الحى لتفكك نظامه الداخلى و تحوله لكائن غير حى، متفككا لأبسط مكوناته غير الحية، بفقده مصادر الطاقة التى كانت تربط بين مكوناته الأبسط غير الحية ، فالترابط بين تلك المكونات هو ما كان يعطيه سمات الكائن الحى.دورات عناصر الحياة فى الطبيعةمركبات الحياة تتكون من عناصر أساسية، مثل الكربون والنتروجين والفوسفور فضلا عن الأكسجين والهيدروجين منفردين أو مركبين للماء الذى يشكل 70% من المادة الحية، ولهذه العناصر دورات فى الطبيعة، تدور بها تلك العناصر بين شتى المركبات العضوية وغير العضوية.الكربون باعتباره العنصر الأساسى فى الحياة على الأرض يسلك في الطبيعة دورة تسمى دورة الكربون. فمثلا تسحب النباتات الكربون من الهواء في صورة ثانى أكسيد الكربون وتستخدمه لبناء نفسها. وبعض هذه النباتات تؤكل عن طريق الحيوانات, التى يتنفس بعضها الأكسجين ويطلق ثانى أكسيد الكربون. ودورة الكربون معقدة وليست بسيطة كما قد يبدو في هذا المثال البسيط, فمثلا يذوب بعض ثانى أكسيد الكربون في المحيطات, كما ان النباتات والحيوانات الميتة يمكن أن تتحول إلى أحجار رسوبية ، و قد تشكل كل من الفحم والبترول والغاز الطبيعى على سبيل المثال فى عصور تاريخية معينة نتيجة درجات عالية من الحرارة والضغط تعرضت لها هذه الكائنات وهكذا.يتم تثبيت النتروجين كغاز فى الجو ، و هو عنصر جوهرى فى بناء البروتينات بحيث يقوم النبات بامتصاص المركبات النتروجينية مثل النترات والأمونيا والنتريت، و كذلك المركبات النتروجينية العضوية من التربة، وتحولها الى أحماض أمينية وبروتينات حيث تشكل الهيكل الرئيسى فى بناء أنسجته الحية، و يقوم الحيوان بالتغذية على النبات، وعند موت النبات والحيوان تقوم البكتريا بتحليل البروتينات و الأحماض الأمينية الى نشادر ويتحول النشادر الى نيتريت ثم الى نترات. يحدث ايضا تحول النترات الى اكسيد النيتروز وغاز النيتروجين من خلال وساطة كائنات التربة الدقيقة فى عملية عكس النترتة والتى تنتهى بخروج غاز النيتروجين الى الغلاف الجوى لتكتمل الدورة المعقدة للنتروجين فى الطبيعة , كما أن كمية صغيرة من النيتروجين تدخل التربة من خلال الأمطار الرعدية . ولا تختلف دورة الفسفور فى الطبيعة عن هذا حيث يشكل الفوسفور عنصر هام فى تكوين الأحماض النووية والدهون ومكونات هامة أخرى فى الخلية الحية، فتقوم النباتات بامتصاص مركبات الفوسفات وكذلك المركبات الفوسفورية العضوية، و يقوم الحيوان بالتغذية على النبات، وعند موت النبات والحيوان تقوم البكتريا بتحليل مركبات الفسفور لتمتصها النباتات مجددا.وفى الحقيقة أن أى كائن حى وعلى مدى حياته طالت لما يزيد عن المئة عام أو قصرت لعدة ساعات، يجدد من العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية التى تكونه دوريا، فالإنسان يجدد البروتينات التى تكون جسمه مرة كل 180 يوم على سبيل المثال، فمن يستيقظ صباحا ليس هو تماما من حيث المكونات الكيميائية من نام مساءا ، فقد امتص عناصر من بيئته الخارجية عندما تناول العشاء، وأخرج البعض الآخر قبل أن ينام وبعد أن استيقظ ، بل وخلال النوم، بعض هذه العناصر أمدته بالطاقة وبعضها اشتركت فى بناء خلايا جديدة له عوض بها خلاياه الميتة، أو ساعدته فى نمو جسده بانقسام هذه الخلايا التى امتصت تلك المواد، و بعض هذه العناصر والمركبات خزنها فى صورة دهون ونشويات وسكريات.و رغم عملية التجدد المستمر لتلك العناصر والمركبات عضوية أو غير عضوية لدى الكائن الحى، فإن ما يمنحه الاستمرار ككائن متميز عن غيره من الكائنات هو استمرار نفس الطريقة التى تترتب بها جزيئات شفرته الوراثية التى تميزه ككائن حى فى نواة الخلية هذا إن كان وحيد الخلية، أو فى أنوية الخلايا الحية التى تكونه هذا إن كان متعدد الخلايا دون تغيير، أى استمرار نفس البرنامج الوراثى الذى يحدد صفاته، برغم تغير الحبر الذى كتبت به الحروف و الكلمات أو بمعنى آخر الجزيئات الكيميائية التى كتب بها هذا البرنامج.والهوية المتميزة للكائن الحى متعدد الخلية ذو الجهاز العصبى بدائيا كان أو متطورا ، تستمر طالما ظل حيا باستمرار نفس الطريقة التى تتركب بها الشفرة الوراثية فى أنوية خلاياه. فضلا عن استمرار ما يختزنه فى جهازه العصبى من ذكريات ومعارف و غرائز و مشاعر ، و المكتوبة بدورها بلغة الجزيئات الكيميائية، و ينطبق عليها ما ينطبق على الشفرة الوراثية إذ تستمر الطريقة التى كتبت بها تلك الذكريات والمعارف والوعى والغرائز والمشاعر رغم تغير وتبدل الجزيئات الكيميائية التى كتبت بها.و لا يقتصر ما يتناوله الكائن الحى من مواد على بناء جسده، بل تحدد تلك المواد لحد كبير ردود أفعاله وسلوكه ومشاعره وحالته الصحية والنفسية والعقلية، فالكائن الحى ليس خاضعا فقط للبرمجة العصبية والوراثية، وإنما خاضع للهرمونات سواء التى يفرزها جسمه أو يتناولها من الخارج، فضلا عن العقاقير و الأدوية التى يتناولها،وتؤثر فى حياته وسلوكه..الخ.فالحياة بكل مظاهرها من نمو وتكاثر وحركة و إحساس ، تعتمد على توازن دقيق لتفاعلات كيميائية معقدة بين الجزيئات الحيوية التى تكون الكائن الحى من جهة، و من جهة أخرى بين الكائن الحى و البيئة المحيطة بهما ، أما فقدان الكائن الحى لصفة الحياة فهو نتيجة خلل حاد فى التوازن بين هذه الجزيئات الكيميائية التى تكونه وبين الكائن الحى وبين البيئة المحيطة ، يؤدى إلى فقد الجسم الحى القدرة على إستمرار التفاعلات التى تكونه ، فيفقد الجسم الحى متعدد الخلايا كل مظاهر الحياة بجسمه ، إلا إن خلاياه التى تكونه تفقدها تدريجيا، بل قد يظل بعضها ينمو وينقسم لفترة قصيرة بعد موت الكائن الذى تكونه .. وفى الحقيقة أن الكائن الحى متعدد الخلايا، و خلال حياته كلها تتفكك وتتلاشى بعض خلاياه كل يوم، وتنقسم بعض خلاياه كل يوم، وتنشأ وتتكون له خلايا جديدة كل يوم.... و ما المرض أى مرض يصيب الجسم الحى إلا نوع من أنواع هذا الخلل بهذا التوازن الدقيق للتفاعلات الكيميائية التى تكون مظاهر الحياة ، مما يؤدى إلى عرقلة أحد مظاهر الحياة بالكائن الحى ، كالحركة أو النمو أو الاحساس .. الخ الخ ، وإذ كان قد لا ينهى الحياة ذاتها للكائن الحى، والعلاج غالبا ما هو إلا إضافة مواد كيميائية للجسم الحى المريض لكى تساعده على إعاده التوازن الحيوى لوضعه الصحيح فى الكائن الحى المريض، أو مساعدة الجسم الحى على إنتاج المواد الناقصة لديه كالأنزيمات و مواد المناعة .. الخ الخ.ما هو الممكن ؟ ما هو الواقع ؟هل يمكن أن توجد حياة على كواكب أخرى فى الكون غير كوكبنا ؟ هل يمكن إعادة الحياة بعد انتهائها فى الكائن الحى ؟ هل يمكن للكائن الحى الخلود للأبد؟ ما هو الواقع ؟ وما هو الممكن فى إجابات تلك الأسئلة؟ بدون الدخول فى تفصيلات إجابه العلم على كل هذه الأسئلة ؟ حيث إنه لا توجد إجابات قاطعة أو جازمة بهذا الشأن ، اللهم إنه يمكن إعادة الحياة للكائن الحى فى ظل ظروف معينة بعد فترة قصيرة جداً من ما يسمى بالموت الأكلينيكى الذى يعنى توقف القلب والرئة عن العمل للكائن الحى المتعدد الخلايا.. الا إنه بعد الوفاة التى تعنى توقف المخ عن العمل فان الأمر متروك للمستقبل حيث لا يمكن حاليا إعادة الحياة للكائن الحى بعد وفاته.. و أن كان يمكن بأخذ أحد خلايا الكائن الحى المعنى و إكثارها معمليا عمل نسخة مشابهة له تماما من الناحية الشكلية، إلا أنها ليست هو بالطبع لأنها مجرد نسخة متشابه تتفق مع الأصل فى الشفرة الوراثية فقط ، لكنها لن تتضمن ما كان يحمله هذا الكائن المستنسخ من مشاعر ومعارف وذكريات و وعى وهو ما كان يميز هذا الكائن فى الحقيقة عن غيره من الكائنات الحية حتى و لو كانت تشبهه وراثيا.فما يميز شخصية الكائن الحى ككائن ليس فقط تكوينه الوراثى أو شفرته الوراثية الذى يمكن استنساخه بها و يماثله فيها تؤأمه المتطابق معه، بل ما يميزه فعلا هو وعيه ومعارفه وخبراته وذكرياته ومشاعره وتاريخه.وكما أشرنا سابقا فأن هذه المشاعر والمعارف والذكريات والخبرات والوعى تظل مخزونة فى الجهاز العصبى للكائن الحى متعدد الخلايا فى صورة لغة مكتوبة من الجزيئات العضوية التى تترتب على نحو خاص مثلما تترتب الحروف والكلمات والجمل ، و هى تسجل المعلومات و المشاعر والمعارف والذكريات والوعى، مثلما يتم تسجيلها رقميا على شكل اشارات كهرومغناطيسية تكون لغة تتكون أبجديتها من حرفين هما صفر و واحد ، تتكون منهما كلمات وجمل مكتوبة على الهارد ديسك أو الأسطوانة المضغوطة، و هذه الجزيئات الحيوية تتحلل و تتفكك الروابط بينها بمجرد وفاة هذا الكائن الحى تماما، كما يمكن أن تضيع فى بعض الحالات المرضية كالجلطات و الأورام وغيرها أو عند تعرض المخ والجهاز العصبى لبعض الحوادث والأمراض كالزهايمر، فضلا عن أن معظم ما يتم تخزينه من ذكريات و وعى وخبرات عبر حياة الكائن الحى يتعرض بعضه للمحو أحيانا أو يصعب على الكائن الحى تذكره والاستفادة منه واسترجاعه، فيضيع ما تم تسجيله بواسطة تلك الجزيئات العضوية من المشاعر والمعارف والذكريات والوعى، كما تضيع المعلومات والبرامج من القرص الصلب للكومبيوتر أو الأسطوانات المضغوطة عند تلف أى منها، لأى سبب مثل الحرارة أو الكسر أو الفيروسات الإلكترونية وغيرها، و لا يمكن استعادتها من داخل القرص الصلب للكومبيوتر أو الأسطوانة المضغوطة، وإذا كان الحل الوحيد للحفاظ على هذه المعلومات والبرامج وتفادى ضياعها للأبد هو صنع نسخ احتياطية لإعادة تحميلها على أقراص صلبة للكومبيوتر أو اسطوانات مضغوطة جديدة...فإن هذا الحل غير متاح تطبيقه على البشر حتى الآن، وإن كان من الممكن حدوثه فى المستقبل.أما الخلود فأنه مستحيل لأى كائن مادى، و لأى نظام مغلق حى أو غير حى، وفق القوانين الرئيسية للفيزياء .. فكل كائن مادى حى أو غير حى، لابد و ان يتحول لكائن آخر ، وان طال عمره أو قصر .. وقد عرفنا أن المجرات والنجوم والكواكب لا تعرف الخلود رغم أعمارها التى قد تتجاوز البلايين من السنين .. فالميلاد و الوجود والتفكك للمكونات الأبسط و الاشتراك فى تركيب كائنات أعقد و التحول من كائن لكائن آخر هى سمات أى كائن مادى سواء أكان حيا أم غير حى .. من أصغرها كالكواركات إلى أكبرها كالمجرات.وأجسادنا عندما تفقد صفاتها الحية، تتحول من كائنات مادية حية إلى كائنات مادية غير حية، و لا أكثر من ذلك، و ما لم يتم تحنيط أجسادنا أو ما لم يتم الحفاظ عليها هى أو بعضها فى الطبيعة كحفرية متحجرة، فهى تتلاشى فى كائنات الطبيعة المختلفة، فخلايا أجسادنا و ما تتكون منها من جزيئات حيوية، تتفكك وتتوزع بين شتى الكائنات المادية الحية وغير الحية، من تراب الأرض إلى أجساد الدود إلى خلايا النباتات التى تتغذى عليها من التربة، ويظل مصير تلك الذرات و الجزيئات التى كانت تكون أجسادنا الحية بعد موتنا، هو التحول الأبدى لذرات حرة و لجزيئات حرة أو كذرات وجزيئات تشترك فى تكوين كائنات وجزيئات أخرى، و تظل تتبعثر هذه الذرات و الحزيئات فى هذا التجول المستمر الذى لا نهاية له بين كائنات مادية أخرى، بعضها قد يكون حيا وبعضها قد لا يكون حيا.دائما نحدد لأنفسنا أهدافا لنحققها فى المستقبل ، وأن نتنبا بحدوث أحداث ، أو نكتشف إمكانيات فى الأشياء لم نكن نعرفها من قبل .. إلا أن ما يتحقق من أهداف أملنا فيها ، وأحداث تنبئنا بها ، وأمكانيات توقعناها ، قليل وهو يدخل فى علاقه ما بين كل هذه الامكانيات والواقع .. فالامكانية هى قدرة المادة على أخذ أنماط مختلفة ، وذلك فى أثناء عملية التطور ، و ذلك أن كل كائن مادى يستطيع التحول إلى كائن آخر ، و ذلك عند توافر شروط هذا التحول و هذه العملية ليست قاصرة على هذا الكائن أو ذاك ، وإنما هى عملية شاملة لكل الأشياء والظواهر والعمليات. والتى بسبب كل هذا يحتوى كل شىء فى حد ذاته على إمكانيات عديدة لمصيره المستقبلى .. ويبقى بعد ذلك اتجاه التطور الذى يتوقف على شروط معينة ، وحين يتحقق فأنه يصبح واقعا ... فالجزيئات العضوية تطورت و أصبح لها من الخصائص الجديدة، مما أتاح لها الترابط سويا ، والتفاعل فيما بينها لتكون الأجسام الحية ، بفضل توافر شروط بيئية معينة ، فامكانية هذا التطور كانت كامنة فى هذه الجزيئات ، ولم تكن لفترة طويلة تشكل واقع ما ، الا إنها تحولت إلى واقع فى ظل ظروف مادية أتاحت لها أن تصبح واقعا ، أو بمعنى آخر تحققت الامكانية فاصبحت واقعا.الامكانية الواحدة من الممكن أن تتحقق فى أشكال متباينة وفقا للظروف ، فالجزيئات العضوية قادرة على نقل و إستقبال الاشارات ، وذلك عبر الجهاز العصبى ، وكذلك تستطيع الدوائر الكهربية والإلكترونية من خلال الأسلاك والمقاومات والمكثفات ، وإن كانت الحياة قد ظهرت على الأرض على أساس مركبات الكربون ، فما الذى يمنع من وجودها على أساس مركبات أخرى فى ظل ظروف أخرى ، ذلك ان أشكال تحقق الامكانية تتوقف على الظروف المحيطة بالشىء المتحول ، والامكانية لا ترتبط فحسب بالضرورة ، وإنما ترتبط كذلك بالظروف العارضة ، التى قد تحول إمكانية ما إلى واقع ، أو تعيق هذا التحول أو تحبطه .. وبالتالى فأن كلا من الضرورة والصدفة تحددان الامكانية من حيث تحولها إلى واقع أو عدم تحولها.إن ما سبق ذكره لا يعنى إمكانية تحول كل مستحيل إلى إمكانية ، وفى نفس الوقت فالمستحيل الأن قد يصبح ممكنا لو تبدلت الظروف ، فهناك مستحيلات كانت منذ 50 عاما ومنها صعود الانسان إلى الفضاء ، الا أن هذا تحقق مع إكتشاف المحرك النفاث ، وهل كان تعقل إمكانية صنع كومبيوتر حى منذ بضع سنين ، الا أن هذا أصبح واقعا الآن ، حيث تم إبتكار كومبيوتر يستخدم البروتين فى نقل وتخزين المعلومات شأنه فى ذلك شأن المخ البشرى .. الا إنه توجد مستحيلات لا يمكن تحقيقها لعدم توافقها مع الضرورة المادية التى تحكم الكون .. مثل ذلك إستحالة تحقيق خلود أبدى لأى كائن مادى .. وإستحالة تحرك جسم له كتلة بسرعه الضوء والا تحول هو نفسه لضوء. وبالرغم من تحول الامكانية إلى واقع .. الا إننا لا يجب أن نعتبر كل ما هو ممكن واقعا ، فلو كان هذا صحيحا لما كان هناك تطور فى الوجود ، وأيضا فنحن لا نستطيع اعتبار كل شىء ممكنا سواء فى ممارستنا العملية ، أو تحديد أهدافنا حيث إن كثير من الامكانيات إما هى مستحيلة لأنها لا تتفق والضروره ، أو إنها إمكانية شكلية مجردة لأن الظروف الموضوعية فى اللحظة التى نعيشها ، لا تمكنها من أن تصبح واقعا ، فعلينا أذن الأعتماد فى ممارستنا العملية على معرفة الامكانية الحقيقية التى تتفق والضرورة ، والتى من الممكن حسب الظروف الواقعية تحويلها إلى واقع.فصفات الجزيئات الحيوية تتحدد بشكلها و مكوناتها كما و نوعا ، وهو ما يعطيها خواصها ، و يوجد قانون عام يحكم هذه الجزئيات ، وهو أنه كلما تعقدت تركيباتها من حيث عدد الذرات الداخلة فى هذا التركيب ، وأنواع هذه الذرات ، وطريقة انتظامها وترتيبها داخل الجزىء ، يؤدى ذلك إلى تعقد الجزىء ، واكتسابه صفات نوعية جديدة أكثر تعقداً وتنوعا من الجزئيات الأبسط ، فلو لم يحدث تفاعل كيميائى بين ذرات أبسط لتكون جزيئات أبسط ، وبين هذه الجزيئات و الذرات الأبسط ما تكونت الجزيئات الأعقد بصفاتها المختلفة نوعيا عن الجزيئات الأبسط ، وذلك فى ظل توافر شروط معينة للتفاعل من درجة حرارة و رطوبة و اشعاع و غلاف غازى ... و قد علمنا إن تكون الجزيئات بسيطها و معقدها تعتمد على ضرورة احداث توازن كهربى بين أيونات الذرات المختلفة الشحنة ، ولا يمكن للجزيئات أن تتكون وفق ضرورة أخرى ، وبالتالى لا يمكن أن يكون لها هذه الصفات ، وإن كان هناك كثير من الجزيئات المتنوعة فى الكون بأسره ، والتى تكون كل أجسام الكون ، الا إنها لا تملك هذه الصفات كونها لا تتركب من هذه المواد و بنفس العدد و الترتيب مما يؤكد على أهميه كل هذا لاكتساب هذه الصفات ، وبالطبع فاذا كانت أشكال الحياة المعروفة لدينا عمرها أكثر من 3.5 مليار سنة ، الا أن هذه الأشكال الأرقى من الحياة أستطاعت أن تترك أثاراً عليها، فى صور حفريات، فانه لابد و أن عملية نشوء الحياة، و وصولها إلى مستوى الخلايا البدائية ، تم عبر مرحلة طويلة من المراحل الانتقالية والوسيطة ، الا أنها لم تترك لنا أثراً يذكر عليها، فى مراحل أقدم من الثلاث بلايين ونصف من السنين.الكائنات الحية هى نمط أرقى من الكائنات المادية ، وهى أكثر تعقيداً فى التركيب والحركة ، تلك الحركه المسماة بالحيوية ، والمرتبطة بهذا النمط ، والتى تعتمد بدورها على تبادل الفعل الكيميائى بين الجزيئات الكيميائية، الذى يعتمد على تبادل القوى الكهرومغناطيسية ، والذى يربط بين العديد من أنواع الجزيئات العضوية شديدة التنوع فى وظائفها ، شديدة التنوع فى تركيبها ، و تعقد أشكالها ، مكونة كائنات مادية إنتقالية ما بين المادة غير الحية والمادة الحية ، كالفيروئيدات والفيروسات و الأولى عبارة عن ح ن د والثانية عبارة عن ح ن د مغموسة فى جزيئات البروتين .. والتى تتصف بالكثير من صفات المادة الحية بالاضافة إلى الكثير من صفات المادة غير الحية .. و قد تمكن العلماء من التوصل معمليا إلى تصنيع هذه الكائنات المادية فضلاً عن تصنيع كل الجزئيات العضوية ، والتى تكون بترابطها الكائن الحى ، والتى نعلم إنها تكونت فى مراحل متعددة ، وفى ظل ظروف معينة ، ومن خلال ارتباطات معقدة ، خلال الملايين من السنين كونت الخلايا الحية نتيجة عمليات التطور من البسيط إلى المعقد ، ومن الأدنى إلى الأرقى .. نتيجة تفاعل هذه المواد و البيئه الخارجية ، وهذا ما سنتناوله فيما بعد .وقد توصل العلماء لمعرفة تركيب هذه الخلايا ، وكيف أن تفاعل هذه المكونات تشكل كافة العمليات الحيوية فى الجسم الحى من نمو و تكاثر و حركة و احساس، سواء فى الخلية أو الكائن الحى المتعدد الخلايا ، وكيف أن تأدية هذه الوظائف تشكل كافة العمليات الحيوية فى الجسم الحى ، وقد حدثت طفرة علمية هائلة فى هذا القرن ، بالتوصل لتصنيعها معمليا وصناعيا ، وإستخدامها فى الغذاء والدواء والصناعة والزراعة ، وفى نفس الوقت تم التوصل إلى معرفة تركيب الانواع المختلفة من الخلايا الحية والتوصل لتصنيعها معمليا، وما يتركب من هذه الخلايا من أنسجة مختلفة ، تتناسب مع وظائفها ، وأعضاء الكائنات الحية ، وكيف تؤدى دورها فى العمليات الحيوية ، والتى هى تجسيد الحركه الحيوية أرقى أشكال الحركة والتى تميز الكائن الحى ، الا ان العلم مازال أمامه الطريق طويل لمعرفة المزيد من أسرار هذه الحركة المجهولة لدينا حتى الآن .لا شك إن أحدث علوم هذا القرن المعروف بالسيبرنتيكا ، والذى يربط بين دراسه علم الاتصالات العصبية الحية و علم الاتصالات اللاسلكية ، و دراسة عمليات الاتصال فى كل من الكائنات الحية وغير الحية ، و وسائل التحكم من بعد و من قرب ، و بشكل مباشر وغير مباشر ، فى كل من الحيوان والآلآت .. والاستفادة من قوانين العمليات الحيوية فى الجسم الحى ، وتطبيقها فى الهندسة والتكنولوجيا ، والتأثير فى العمليات الحيوية بعد معرفه أسرارها يؤكد إلى حد اليقين وحدة العالم و ماديته بما فيه المادة الحية ، ومادية ما بها من عمليات و أجهزة تقوم بنفس الوظائف والعمليات .. حتى و لو كنا مازلنا عاجزين عن معرفه بعض الأسرار الجزئية عن المادة الحية الا أن خطوطها كلها أصبحت فى أيدينا ، وهى تؤكد لنا طابعها المادى .. فكل ما فى الكائن الحى من عمليات .. تقوم بها أجهزة مادية من صنع الإنسان من إحساس و تفكير و رد فعل ذاتى ، وذاكرة، وتحليل و ربط ، و تحكم واتصال مثال ذلك أجهزة الكومبيوتر ، والبشر الآليين ، و أجهزة التحكم عن بعد و عن قرب ، والاتصالات والتصنت والتصوير .. الخ الخ.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية