8 ـ تـــفــكـــيـك الطبقة العاملة
العمال ورأسالمال والدولة
سامح سعيد عبود
8 ـ تـــفــكـــيـك الطبقة العاملة
تستمد الرأسمالية وجودها واستمرار هيمنتها الاجتماعية، من قدرتها العالية على تفكيك الطبقة العاملة بشتى السبل، وتحويلها لمجرد أفراد معزولين عن بعضهم البعض حتى يسهل عليها استغلالهم وقهرهم وتضليلهم، كما تواصل الرأسمالية مقاومتها لأى جهود لتوحيد الطبقة العاملة كطبقة فى مواجهتها كطبقة، كما تقاوم الرأسمالية بشتى السبل وصول الطبقة العاملة للوعى بذاتها كطبقة على تناقض جوهرى مع الرأسمالية كطبقة، سواء على مستوى وحدة العمل أو الدولة أو العالم. ومن ثم فإن تلك اللحظات التى حققت فيها الطبقة العاملة انتصاراتها الجزئية والمؤقتة على الرأسمالية عبر التاريخ، ما كان لها أن تتحقق إلا بفضل توحدها و وعيها بذاتها، سواء أكان هذا على مستوى وحدة العمل أو على مستوى الدولة الرأسمالية، إلا أن التحرر النهائى الطبقة العاملة من خضوعها للرأسمالية، لن يتحقق إلا بتوحد الطبقة العاملة عالميا فى مواجهة الرأسمالية عالميا على حد سواء.
***
الرأسمالية تدرك أن توقف الطبقة العاملة كجماعة بشرية متحدة عن الخضوع لها، يعنى توقف العملية التى تشكل جوهر المجتمع الرأسمالي، و يعنى توقف سيطرتها على إنتاج الاحتياجات المادية ، كما يعنى فى النهاية توقف الرأسمالية عن الاستحواذ على الثروة الاجتماعية، وشل آلة عنفها، وتوقف هيمنتها الفكرية على الطبقة العاملة، ومن هنا فأنها تسعى لنزع الأسلحة التى تملكها الطبقة العاملة، وهى وحدتها ووعيها بذاتها الطبقية، و الخلاصة أن الرأسمالية تكافح باستمرار من أجل تفكيك الطبقة العاملة بوسائل مختلفة كما سيتضح مما يلى.
***
تتعمد الرأسمالية أن تعطى العمال أجورا غير متساوية على نفس الإنتاجية، فالعمال فى بلاد المركز المتقدمة يحصلون على أجور عالية بالنسبة لأجور العمال المنخفضة فى بلاد الأطراف المتخلفة، وذلك فى حالة تساويهما فى نفس الإنتاجية، كما تتعمد الرأسمالية أن تمارس نفس تلك السياسة فى نطاق البلد الواحد و الصناعة الواحدة ، فتتفاوت الأجور على نفس الإنتاجية بين عمال القطاع الحكومي والقطاع الخاص، و بين العاملات والعاملين، وبين العمال البيض والعمال الملونين، وبين العمال المؤقتين و العمال الدائمين، و بين العمال المهاجرين و العمال الأصليين، بين العمال لدى الشركات متعدية الجنسية و العمال لدى الشركات المحلية، مما يضعف من فرص توحد الطبقة العاملة ككل فى مواجهة الرأسمالية ككل، سواء على النطاق العالمى أو حتى على النطاق المحلى أو على نطاق الصناعة الواحدة أو على نطاق وحدة العمل الواحدة.و العمال الأعلى دخلا يجدون أنفسهم فى وضع عمل أفضل من العمال الأقل دخلا، مما لا يدفعهم للتضامن مع العمال الأقل دخلا فى نضالهم من أجل تحسين شروط حياتهم وعملهم، بل أنهم قد يكافحون من أجل الإبقاء على أوضاعهم المتميزة فى مواجهة أصحاب الأجور الأقل، و قد يتقاعسون عن النضال لتحسين شروط عملهم خوفا على وضعهم المتميز من الضياع، و خوفا من أن يلحقهم التدهور لمستوى العمال الأقل دخلا، أما العمال الأقل دخلا فيوجهون غضبهم وسخطهم ضد العمال الأعلى دخلا بدلا من توجيهه ضد أصحاب العمل، و يتبنى العمال الأقل دخلا الحلم الفردى بالانتقال للقطاعات و وحدات العمل و البلاد الأكثر ارتفاعا فى الأجور كلما تيسر لهم ذلك، بدلا من النضال الجماعى من أجل تحسين شروط عملهم و رفع أجورهم لمستوى أعلى، و فى النهاية يعجز كل العمال سواء الأعلى أجرا منهم أو الأقل أجرا على توحيد مواقفهم و نضالهم من أجل تحسين شروط حياتهم وعملهم، ذلك أن هذا التفاوت فى الأجور يضعف قدرتهم معا على المساومة الجماعية. ففى إطار تلك المساومة سيواجهون معضلة تحديد ما هى مطالب زيادة الأجر المشتركة و الممكنة بين عمال يحصلون على أضعاف ما يحصل عليه عمال آخرون على نفس الإنتاجية.
***
تفرق الرأسمالية بين الطبقة العاملة على أساس المؤهل الدراسى، فتعتبر أن كل الحاصلين على مؤهلات دراسية عالية ليسوا عمالا، وتطلق عليهم لفظا لا ينطبق عليهم بالضرورة، و هو المثقفين والذى ينطبق بالتعريف العلمى للمثقفين على بعض غير الحاصلين على مؤهلات دراسية، وتميزهم سواء فى ما يحصلون عليه من أجور و امتيازات نقدية و عينية، و تضفي عليهم وسائل الإعلام والثقافة والتعليم الإحساس بالتميز والتفوق، الأمر الذى يشبع غرورهم الإنسانى، و يضخم من ذواتهم، وهو تميز لا يعبر عن فروق جوهرية بين الفئتين من حيث قيمتهم المعرفية أو قيمتهم الإنتاجية، غير أن ما تفتحه أمامهم الرأسمالية من فرص الصعود إلى الشرائح البيروقراطية فى الإدارة، يعزلهم عن الاندماج فى الطبقة العاملة، والحقيقة أن وضعهم باعتبارهم شريحة طبقية متميزة عن الطبقة العاملة فى التقسيم الاجتماعى غير متسق مع معيار العلاقة بمصادر السلطة المادية كمعيار علمى لهذا التقسيم، فنحن نعتبر كل مالك مصنع رأسمالى سواء أكان أميا أم حاصل على أعلى الشهادات الدراسية، و لا نقسم الرأسماليين وفق شهاداتهم الدراسية حيث توحدهم مصالح مشتركة، فلماذا نفرق بين العمال إذن حسب درجة تأهلهم العلمى رغم أن لهم مصالح مشتركة أيضا، إلا إذا كان هذا بغرض تفتيت الطبقة العاملة.
***
المشكلة التى تواجه أصحاب هذا المنطق فى التمييز بين العمال بناء على المؤهل الدراسى، أن كل هؤلاء المجردين من السيطرة على السلطة المادية، و الذين يمارسون العلم كمهنة، يشاركون بنصيب يتزايد باطراد فى خلق القيمة المضافة، و هم لا يحصلون فى النهاية مهما بلغت أجورهم ومستوى معيشتهم من ارتفاع، إلا على جزء ضئيل من تلك القيمة مثلهم مثل عمال الإنتاج ، وهم يشعرون مثلهم تماما بالاضطرار المستمر لبيع قوة عملهم مقابل أجر، و لإنتاج ما لا يرغبون فى إنتاجه من سلع وخدمات، و فى ظل شروط وظروف عمل لا يتحكمون فيها، مثلما يشعر باقى العمال، سوى أنهم قد يتميزون أحيانا عن العمال العاديين بالإشباع الروحى الذى يضفيه الإبداع على المبدعين فى مجال البحث العلمى، ولاشك أن تصاعد دور العلم فى خلق القيمة المضافة لو استمر بنفس المعدل فأن العمال من غير ذوى المؤهلات الدراسية سيضمحل دورهم فى خلق القيمة المضافة فى المستقبل القريب، فإذا كان هذا هو حال العلماء، فما البال بالملايين من ذوى المؤهلات الدراسية العالية من المعلمين والمهندسين والأطباء والمحاسبين وغيرهم الذين يخضعون لظروف و شروط عمل أدنى بكثير من العلماء والباحثين والمخترعين.
***
إلا أننا يجب أن نميز بين العمال المتعلمين السابق الإشارة إليهم، و بين المثقفين كفئة اجتماعية لا تنطبق عليها معايير الطبقة الاجتماعية، حيث أن أفرادها ينقسمون بين شتى طبقات المجتمع وفقا لمصادر دخلهم و مواقفهم و أفكارهم و ممارساتهم العملية كأفراد، و هى فئة اجتماعية يتحدد دورها الاجتماعى فى إنتاج و إعادة إنتاج و تبادل و توزيع أشكال الوعى الاجتماعى من فنون و آداب وثقافة وأفكار ومعلومات، لتحقيق هيمنة طبقة على طبقة أخرى، وهى فئة اجتماعية تضم كل هؤلاء الذين يشاركون فى تشكيل الوعى الاجتماعى لأفراد المجتمع، سواء أكانوا كتاب أو فنانين أو أدباء أو مفكرين أو إعلاميين أو صحفيين أو رجال دين وغيرهم، و نلاحظ أن معظم هؤلاء أصبحوا يخضعون أيضا لظاهرة التجريد من الملكية والعمل المأجور سالفة الذكر بكل عناصرها التى يخضع لها سائر العلماء و ذوى المؤهلات الدراسية العالية فى مجالات العمل الأخرى، إلا أن مواقف المثقفين الفكرية و الاجتماعية والسياسية تتفاوت، ذلك لأن ما يتبنونه من أفكار مختلفة يتكون وفقا لميولهم الشخصية و دوافعهم النفسية و ثقافتهم لا وفق انتماءهم الطبقى أو أصولهم الاجتماعية.
***
نمط الإنتاج الرأسمالى يفرض قيم السوق على كل العلاقات الاجتماعية فى المجتمع، و تجرى عملية تسليع كل شىء فيه بما فيها قوة العمل يدوية كانت أم ذهنية، فكل ما يحرك المجتمع الرأسمالى هو الإنتاج من أجل الربح، و بناء على هذا الميل الجوهرى للربح فقد نزعت الرأسمالية كل من القداسة والاستقلالية والحرية، من المهن الرفيعة المستوى كالعلم والفن والأدب، فالعلماء والباحثين العلميين سواء أكانوا فى الشركات الرأسمالية أو الدولة لا يبحثون من أجل الحقيقة الموضوعية فقط كما ينبغى أن يكون، ولا يخترعون من أجل تقدم البشرية ورفاهيتها كما نتوقع منهم، ولكنهم يبحثون و يخترعون ما تحتاجه تلك الشركات والدول و بما يحقق مصالحها فى الربح والسيطرة، و يضحون فى سبيل ذلك بكل قيم العلم الذى أخذ يفقد مصداقيته فى كثير من الأحيان بسبب عبودية العلماء المأجورة لرأسالمال، فالشركات تستطيع أن تجبر علمائها وباحثيها على فبركة أبحاث تؤكد على صلاحية منتجاتها للاستهلاك الآدمى رغم عدم صحة ذلك أحيانا، والدليل على ذلك النتائج المتضاربة للأبحاث العلمية التى تخرج لنا كل يوم بأراء متناقضة، و التى تنتشر بفضل تمويل الشركات الرأسمالية المتناقضة المصالح لهذه الأبحاث، حتى أصبحنا لا نعرف ما هو المفيد وما هو الضار فيما نستهلكه، و الخلافات فى قضايا البيئة والغذاء والدواء شواهد على ذلك. والبحث العلمى عموما أصبح مستحيلا دون فرق عمل بحثى تخضع لمؤسسات عامة وخاصة، يمكن لها أن توفر تمويل البحث العلمى غير الممكن حاليا دون هذا التمويل، مما أنهى وجود العالم أو المخترع الفرد الحر المستقل، كما قلل الميل الرأسمالى للحصول على أعلى ربح من وجود المثقف الفرد الحر المستقل أيضا، باستثناء بعض المجالات الفنية والأدبية ذات الطابع الفردى، إلا أن الفنون الجماهيرية و التعبيرية و الجماعية عموما أصبحت تحت سطوة المؤسسات الرأسمالية و البيروقراطية تماما، و الإنتاج الثقافى شأنه شأن أى إنتاج رأسمالى، صناعة يحكمها السعى للحصول على أعلى ربح، والتعبير عن من يملكون رأسالمال أو يديرو أو يهيمنون على السلطة، وهو ما يفسر سوقية غالبية الإنتاج الثقافى فى ظل الرأسمالية والبيروقراطية.
***
عبر تاريخ الرأسمالية حدثت تغيرات هامة فى كثافة العمل أو عدد العاملين فى وحدة الإنتاج الواحدة، و قد ألقت تلك الكثافة بظلالها على مستوى توحد أو تفكك الطبقة العاملة وقوتها فى مواجهة الرأسمالية، ففى بدايات الإنتاج الرأسمالى، كان يغلب على المشاريع الرأسمالية صغر الحجم وقلة عدد العاملين فيها، و أنها ذات تكنولوجيا أقل تطور، وذات إدارة عائلية أو فردية، و مع أزمات الكساد الدورية المتلاحقة، كانت معظم المشاريع الصغيرة تفلس، وتغلق أبوابها، و تحل محلها مشاريع أكبر حجما تشغل عدد أكبر من العمال، و ذلك بعد انتهاء الأزمات الدورية، و كنتيجة للتنافس بين الرأسماليين، وابتلاع أقواهم للأكثر ضعفا، و مع كل دورة من هذا النوع كان رأسالمال يتركز أكثر فأكثر، والعمالة تتزداد كثافة وتعلما ووعيا وانتظاما وتحسنا فى الدخل، و التكنولوجيا المستخدمة تتطور أكثر، وتتحول الإدارة من العائلية والفردية، لأنماط أكثر كفاءة تفصل الملكية عن الإدارة والتنظيم. وقد أدى هذا التطور إلى أن الرأسمالية التنافسية المتميزة بمئات المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتنافسة فيما بينها، أخذت تسودها رأسمالية احتكارية متميزة بالمشاريع الاحتكارية الكبرى و المحدودة التى تقسم الأسواق فيما بينها، أو مشاريع كبرى مملوكة للدولة تحتكر السوق لنفسها، وتحقق وفق هذا الوضع أرباحا احتكارية هائلة، لا يكبحها التنافس فى السوق[1].
***
كانت فترة الذروة لتصاعد كثافة الطبقة العاملة، و التى حققت فيها أعلى درجات قوتها، وحققت فيها انتصاراتها، هى الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر لأواخر القرن العشرين، حتى طرأت عوامل أخرى بعد نهاية الفترة غيرت من هذه الظروف تماما مما انعكس بدوره فى حالة الضعف التى تعانيها الطبقة العاملة الآن، فقد تضاءل عدد العمال فى المشروع الواحد نتيجة استخدام التكنولوجيا الكثيفة التى توفر العمل الحى، وتضاءل حجم الطبقة العاملة الصناعية بالنسبة للحجم الإجمالي من الطبقة العاملة التى تتجه غالبيتها الآن للعمل فى المجالات الأخرى التجارية والخدمية، و المشاريع الرأسمالية أصبحت تتجه الآن لتشغيل العمالة المؤقتة، و العاملين لنصف الوقت، والعاملين الذين يؤدون أعمالهم بالمنزل، والعاملين بالمهمة فى الأعمال المساعدة للإنتاج كالخدمات الإدارية، والتسويقية، والحراسة.و لكل هذه العوامل أصبح من الصعب على الطبقة العاملة أن تنتظم كما كانت تنتظم سابقا فى نضالات نقابية فى مواجهة أصحاب العمل لتنتزع منهم حقوقها الاقتصادية، و أصبح من الصعب أن تصطف فى نضالات سياسية فى مواجهة الدولة البرجوازية، حيث أصبح لا يوجد احتكاك بين كتل ضخمة من العمال يسمح بنقل الخبرات والمعرفة فيما بينهم، و يتيح فرص التضامن فيما بينهم[2].
***
تنقسم الطبقة العاملة فيما يتعلق بدرجة استقرارها فى العمل إلى قسمين، الأول هم المستقرون في أعمالهم، بفضل مؤهلاتهم ومهارتهم وخبراتهم فى العمل، و التي تعطيهم قدرة أعلى على التفاوض مع أصحاب العمل لفرض شروط أفضل للعمل، ويسمح لهم هذا الاستقرار بالتنظيم في نقابات و أحزاب. و الثانى يتكون من غير المستقرين فى العمل الذين يعملون بشكل مؤقت، و ذلك لضعف مؤهلاتهم ومهارتهم وخبراتهم فى العمل، أو لوضعهم كمهاجرين، فضلا عن العاطلين عن العمل، و العاملين في القطاع غير الرسمي و القطاع غير المنظم، وعمال اليومية والعمالة الموسمية.و هؤلاء جميعا قدرتهم على التفاوض مع أصحاب العمل أدنى من عمال القسم الأول، حيث لا تسمح لهم أوضاعهم غير المستقرة بالتنظيم فى نقابات أو الانضمام إلى أحزاب، وإذا كان القسم الأول بما له من ثقل اقتصادى يملك قدرا من النفوذ السياسى والاجتماعى ، فإن القسم الثانى يتضاءل ثقله الاقتصادى ،ويضمحل نفوذه السياسى و الاجتماعى[3].
***
سمحت فترة الرواج الكبير بتثبيت أغلبية العمال فى المصانع و المشاريع الكبرى سواء أكانت تابعة للدولة أو للقطاع الخاص، و تم منحها الكثير من الامتيازات مما أدى لرفع مستواها المعيشى. أما التحول الرئيسي الذي أخذ يسرى فى الأرض منذ الثمانينات فهو تحول هذه الغالبية فى وسط العمال لأقلية تتضاءل باستمرار لصالح تضخم العمالة غير المستقرة التى تحصل على أجور أقل من العمالة المستقرة، وتخضع لشروط عمل أسوء. و هى تحولات تؤدى للمزيد من تفكك الطبقة العاملة و إفقارها، و تدهور مستواها المعيشى، فقد عاد البؤس ليلتصق بالغالبية من العمال التى عرفتها قديما أثناء سيادة الرأسمالية التنافسية، والذى كان قد اختفى إلى حد كبير وسط قطاع العمالة المستقرة طوال القرن العشرين الذى سادته كل من الرأسمالية الاحتكارية فى بلاد الرأسمالية المتقدمة و رأسمالية الدولة فى البلاد الرأسمالية المتخلفة، و عرفت فيه الأرض الأنظمة البيروقراطية فى ثلثها اليابس.
***
تم ترشيح الطبقة العاملة الصناعية لتكون الطبقة التى عليها أن تحرر نفسها و تقود تحرر البشرية من كل أشكال الاستغلال والقهر على عكس كل الطبقات المقهورة السابقة عليها كالأقنان والعبيد، و كانت مسوغات الترشيح التى حصلت عليها الطبقة العاملة الصناعية لتشغل تلك المكانة الهامة فى التاريخ هى أولا أنها تتركز بالمئات والآلاف فى المشروع الواحد، و بعشرات ومئات الألوف في المدن الكبرى، مما يسهل من عملية تنظيم نفسها و نضالها فى مواجهة أصحاب العمل لتحسين شروط العمل والحياة، وهو ما يزيد من قدرتها على انتزاع السلطة السياسية، و ثانيا أن الاحتكاك اليومى بين هؤلاء العمال يسهل نقل المعرفة والخبرات فيما بينهم، وثالثا أن تجاور المصانع فيما بينها يساعد على انتشار التضامن بين عمال سائر المصانع، ورابعا الطبقة العاملة الصناعية تتعامل مع التكنولوجيا الدائمة التطور التى تتطلب تعلما مستمرا، وتلمس بنفسها أوضاع السوق الرأسمالى الكوكبى مما يساعدها على فهمه، وبناء على ذلك فأنها لا بد وأن تكتسب مهارات عقلية تتيح لها اكتساب الوعى بذاتها الطبقية والتحرر على نحو أسهل من باقى شرائح الطبقة العاملة الأخرى من تأثير الطبقة المهيمنة، فالعمال الصناعيين يلمسون بأنفسهم مدى القهر والاستغلال والتضليل الواقع عليهم. و قد استطاعت الطبقة العاملة الصناعية نتيجة هذا الوضع أن تنتزع الكثير جدا من المكاسب من البرجوازية بنضالات شرسة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، وحققت تحسنا هائلا فى شروط عملها وحياتها فى كثير من مناطق العالم المتقدمة مقارنة بأوضاع الطبقة العاملة البائسة فى بداية نمط الإنتاج الرأسمالى، بل واستطاعت فعلا أن تقود سائر شرائح الطبقة العاملة والبرجوازية الصغيرة فى عمليات تحرر لم تتم لعشرات المرات، و فى ظل توافر مسوغات ترشيحها سالفة الذكر، استطاعت أن تستولى على السلطة السياسية ثلاث مرات، فى كوميونة باريس1871، وروسيا 1917،وأسبانيا 1936، إلا أنها لم تستطع أن تحرر نفسها نهائيا من القهر والاستغلال، ولا أن تقود تحرر البشرية كما كان متوقعا منها.
[1] http://forumtiersmonde.net/arabic/Samir_Amin_Writings/Gap_between_riches_and_poors_(SA).htm
[2] http://forumtiersmonde.net/arabic/Plan_work_FTM/New_Labour_Question.htm
[3] http://forumtiersmonde.net/arabic/Plan_work_FTM/New_Labour_Question.htm
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية