الأربعاء، 28 مايو 2008

موجز تاريخ المادة و الوعى(5) من يحكم الواقع؟

موجز تاريخ المادة و الوعى(5) من يحكم الواقع؟
سامح سعيد عبود
إذا كانت قوانين حفظ وبقاء كل من المادة والكتلة والطاقة قد ثبتت صحتها بما لا يدع مجالاً للشك، فإن الجسيمات الأولية قد ثبت بشأنها أيضا العديد من قوانين الحفظ والبقاء للعديد من خواص هذه الجسيمات بل وأيضا أنواع هذه الجسيمات، وهذه القوانين فى حقيقتها هى تفريعات للقانون الأساسى لحفظ و بقاء المادة، والذى يعنى ثبات كميتها وأزليتها وأبديتها، ونستطيع أن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر.قانون حفظ وبقاء الشحنةالذى ينص على أن الجسيمات تتكون وتتلاشى كأزواج، ودون اى إستثناء بحيث يكون لكل منها شحنة مختلفة، ولاشك أن هذا أسهل ما يمكن أن أورده من الأمثلة الدالة على حفظ وبقاء الخواص التى تتصف بها الجسيمات الأولية، فنحن على الأقل نعلم ما هى الشحنات الكهربية، وما العلاقات التى تربط بينها و بين الأجسام المشحونه بها، وهو ما لا يحتاج لشرح بعكس الكثير من الخواص التى تحتاج لشرح مفصل، وهى أيضا خواص تشملها قوانين الحفظ و البقاء.أما عن حفظ و بقاء الجسيمات، و التى تنقسم لجسيمات خفيفة أو بسيطة، و جسيمات ثقيلة أو معقدة، الجسيمات الخفيفة مثل الإلكترونات، و الجسيمات الخفيفة المضادة مثل البوزيترونات وهى الجسيمات المعادلة للإلكترونات فى المادة الضد وشحنتها موجبة على عكس الإلكترون الجسيمات الثقيلة مثل البروتونات و الجسيمات الثقيلة المضادة مثل البروتونات الضد وهى الجسيمات المعادلة للبروتونات فى المادة الضد وشحنتها سالبة على عكس البروتون.فإن قانون حفظهما ينص على "أن المجموع الجبرى لكل من هذه الجسيمات و أضداد هذه الجسيمات لابد و أن يكون عدد ثابت لا يتغير أبداً، فالعدد الكلى للجسيمات الأولية الخفيفة مطروحا منها العدد الكلى للجسيمات الأولية الخفيفة مطروحا منها العدد الكلى للجسيمات الاولية الخفيفة المضادة يعتبر رقم بقاء لا يتغير أبداً ، كذلك العدد الكلى للجسيمات الثقيلة مطروحا منها العدد الكلى للجسيمات الثقيلة المضادة يعتبر رقم بقاء لا يتغير الحقيقة والتى لابد وأن نعرفها هى إنه مهما تناهى جسيم فى الصغر فأنه لا يتلاشى من دون أثر، و لا يمكن أن ينشأ من لاشىء أو عدم، فهو فى الحقيقة يتحول من شكل لآخر، دون فقد فى أى من خصائصه الأساسية، فأى تلاشى لأى جسيم، لابد و أن يؤدى لظهور جسيم مادى آخر، أو عدد من الجسيمات تساوى كتلتها وطاقتها، و مقادير خواصها المختلفة مجموع كتل وطاقات وخواص الجسيم المتلاشى دون زيادة أو نقصان، وفى جميع عمليات التحول يبقى مجموع صفات الجسيم و خواصه ما قبل التحول مساوية لمجموع الجسيمات ما بعد التحول وخواصها من شحنات و كتل و طاقات .. الخ.وهناك أيضا أحد الخواص الأساسية و التى تتمتع بدورها بالحفظ والبقاء، وهذه الخاصية هى اللف، وهى خاصية مرتبطة بحركة ذاتية للجسيم الأولى حول نفسه يصعب شرحها، إلا أنها تشبه حركة المغزل، الا أن المدهش إن هذه الحركة الذاتية للجسيم الأولى حول نفسه التى يوجد عليها تحدد نوعه فيما إذا كان هذا الجسيم من جسيمات الكتلة أم من كمات الطاقة، وهنا نصادف فى الطبيعة أن الحركة ليست فقط سمة من سمات المادة،بل أن شكل الحركة نفسه هو من يحدد طبيعة المادة .. فالجسيمات ذات اللف نصف هى جسيمات الكتلة مثل البروتونات والإلكترونات والنيوترونات وغيرها التى تصنع الوجود كله من حولنا، أما الجسيمات من اللفوف الأخرى فهى جسيمات حمل القوى أو كمات الطاقة أو المجال، مثل الجلونات والفوتونات والجرافيتونات والبوزونات، و هى التى ينشأ عن تبادلها بين جسيمات و أجسام الكتلة الفعل أو الحركة .. فالحركة الذاتية للجسيم حول نفسه أذن هى التى تعطيه خواصه و وظائفه وهى التى تجعله جسيم من جسيمات الكتلة أم كم من كمات الطاقة ..كما تفصل سرعة الضوء أيضا بين جسيمات الكتلة و كمات الطاقة كما سبق وأشرنا.و تخضع جسيمات المادة لمبدأ هام هو مبدأ الاستبعاد.و الذى ينص على إن أى جسيمين من جسيمات الكتلة لا يمكن أن يوجدا فى نفس الحالة أى إنها لا يمكن أن يكون لهما معا نفس الموضع و لا نفس السرعه فى حين لا تخضع كمات الطاقة لنفس المبدأ مما يعنى توفرها بكثرة فى الطبيعة.ولو كان العالم مخلوقا دون مبدأ الاستبعاد ، فإن الكواركات لم تكن لتشكل بروتونات ونيوترونات منفصلة جيدة التحدد، ولما كانت البروتونات والنيوترونات هى و الإلكترونات لتشكل ذرات منفصلة جيدة التحدد، و إنما كانت كلها ستتقلص لتشكل ما هو بالتقريب حساءاً كثيفا متسقا.هل تدور الإلكترونات فى مدارات معينة حول النواة كما تدور الكواكب حول النجوم ؟فى الحقيقة لا تدور الإلكترونات فى مدارات معينة حول النواة كما تدور الكواكب حول النجوم فما هو البديل عن المدارات التى كنا نظن الإلكترونات تدور فيها حول التواة إذن ؟ تتواجد فى الإلكترونات فى سحابات حول النواة و ليست هذه السحابات إلا توزيعات إحتمالات تواجد الإلكترون فى الذرة.نحن نعرف بأن الطاقه الكاملة للإلكترون فى الذرة تتحدد بمقدار بعده عن النواة، و إن مجموع الطاقات المسموح بها لتواجد الإلكترونات حول النواة يناظر مجموع المسافات المسموح بها من النواة، وبالتالى فعلينا تصور وجود الإلكترون فى سحابة إحتمال، وتكون السحابة أكثر كثافة فى الأماكن التى يكون فيها إحتمال تواجد الإلكترون أكبر إحتمالاً، وتكون السحابة أكثر شفافية فى الأماكن الأقل إحتمالاً . هذه السحابات المفترضة منا ، تشكل فى الحقيقة طبقات معينة على مسافات محددة من النواة، بحيث تتقارب مع بعضها البعض كلما بعدنا عن النواة، حيث الطبقات الأقرب للخارج، و التى تزداد إتساعا كلما بعدنا عن النواة، بحيث لا تسمح إلا بتواجد عدد معين من الإلكترونات يتعين بمقدار ضعف مربع رقم الطبقة الرئيسبة حول النواة، حيث ن رقم الطبقة الرئيسية حول النواة مبتدئين من النواة، بحيث لا تسمح الطبقة الأولى إلا بتواجد إلكترونين حيث ن= 1، و الثانية 8 إلكترونات حيث ن2 = و الثالثة 18 إالكترونا حيث ن= 3وهكذا، إلا أن الأمر لا يسير على هذا المنوال البسيط، حيث أن ضرورات الواقع تتحكم لاحداث تشكيلات أعقد، تعبر عنها قوانين أخرى مكملة، فما هى هذه الضرورات؟حيث أن الإلكترون ذو طابع مزدوج (جسيم/موجة) فلابد أن يكون حجم هذه الطبقات، يتناسب مع الأطوال الموجية الكاملة للإلكترونات التى تسمح بتواجدها فيها بلا زيادة أو نقصان ، فلو عرفنا طول الموجة المادية للإلكترون، وعرفنا مساحة مسطح الطبقة ، لعرفنا ضرورة عدم إتساعها إلا لعدد معين من الإلكترونات لا يمكن أن تسمح بأكثر منه .وفى الذرات الأكثر تعقداً من الهيدروجين حيث يظهر أكثر من إلكترون فى الذرة، فإن الإلكترونات تتبادل الفعل مع النواة، حيث يتبادلا التجاذب، إلا أن حركة الإلكترون حولها تدفع به بعيداً عن النواة، كما تتنافر فيما بينها، و تندفع بعيداً عن بعضها البعض.و حسب مبدأ الاستبعاد السابق الذكر، فإن كل طبقة لن تتسع إلا إلى إلكترونين فقط يختلفان فى إتجاه اللف .. وبالتالى فأن ما تحدثنا عنه من طبقات رئيسية منذ قليل ينقسم إلى طبقات فرعية يتسع كل منها إلى إلكترونين فقط ، حيث تكون كل طبقة رئيسية منقسمة لطبقات فرعية تتقاطع مع الطبقة الرئيسية التى تنقسم إليها.والمبدأ الآخر الذى يتحكم فى ترتيب الإلكترونات حول النواة، هو إنه يتم توزيع الإلكترونات على الطبقات المختلفة فى الحالة المستقرة للذرة المتعددة الإلكترونات، بحيث تكون طاقة الذرة عندئذ أصغر ما يمكن، وعليه تمتلىء المدارات الذرية حسب إزدياد طاقتها، على أن لا يتعارض هذا مع مبدأ باولى الذى ينص على تكون الذرة أكثر ثباتا من غيرها، إذ كان فيها أقل قدر ممكن من طاقة الوضع.وهذا المبدأ هو الذى يفسر لماذا لا تمتلئ الطبقات الخارجية للذرات المعقدة بالكامل رغم إتساعها لذلك، و كما تترتب الجسيمات الأولية وفق أوضاع محددة، وعلى مسافات معينة، تحددها الأطوال الموجية لجسيمات الكتلة و كمات الطاقة التى تحملها جسيمات حمل القوى، التى تربط الجسيمات الأولية، و كل هذا بترتيب واضح، نستطيع تفسيره وبضرورات محددة، هى الارتباط الشامل الذى لا فكاك منه بين مظاهر الجسيم المختلفة من طاقة وحركة وكتلة وموجة السابق إيضاحه فيما سبق، كما نجد أيضا أن الذرات حين ترتبط ببعضها تتواجد فى أوضاع محددة داخل الجزىء، وعلى مسافات معينة من بعضها البعض، وتنتظم وفق ضرورات محددة، وتتبادل الفعل بينها بواسطة القوى الكهرومغناطيسية التى تربط بينها، وتجعل إلكتروناتها تتشابك فيما بينها عند اكتسابها أو افتقادها لكمات الطاقة التى تحمل تلك القوى.و لا تتحدد خواص الجزئيات بعدد ذرات النوع الذى تدخل فى تركيبه فقط .. بل بترتيب الذرات والشكل الذى يربط بينها أيضا .. و ليست الجزئيات أكواما من الطوب، بل هندسة معقدة التركيب حيث لكل طوبة مكانها الخاص، و جيرانها الخاصين بها .. و البناء الذرى الذى يكون الجزىء، يمكن ان يكون على درجة كبيرة أو قليلة من الصلابة .. وفى جميع الحالات، تتذبذب كل ذرة حول وضع إتزانها .. و فى بعض الحالات يمكن أن تدور بعض أقسام الجزىء بالنسبة للأقسام الأخرى ، وبذلك يعطى الجزىء الحر أثناء حركته الحرارية اشكالاً مختلفة و غريبة جداً.و تعطينا نظرية المدارات الجزيئية فكرة عن توزيع الكثافة الإلكترونية حول النواة، وحول الذرات فى الجزيئات، وهى تفسر بعض خواص الجزيئات مثل صعوبة أو سهولة التحلل أو الذوبان .. الخ، ففى كلا من الجزىء و الذرة، توجد مدارات جزيئية تتحرك فيها الإلكترونات حركة مناسبة مع المجال الناشىء عنها، وعن جميع نوى ذرات الجزىء .. فالإلكترونات فى الجزىء كما فى الذرة تتوزع على مستويات الطاقة المتوافقة معها .. و لكل مستوى مجموعة خاصة من الخواص الكمية من طاقة حركة وطاقة وضع .. الخ، و هى تعكس ما يحمله الإلكترون من خواص فى حالة الطاقة المعينة .وبما أن مستويات الطاقة فى الجزيئات متعددة المركز، و ذلك لتعدد نوى ذرات الجزىء، بعكس مستويات طاقة الذرة وحيدة المركز، فالجزىء يحتوى على مدارات مشتركة لنواتى ذرتين أو أكثر، وهذه المدارات تتكون من اتحاد مدارات الذرات، أثناء اقترابها من بعضها البعض.إن ما يحدث خلال التفاعلات الكيميائية من تركيب و تحليل يخضع لضرورات تعبر عنها القوانين التى يكتشفها البشر من خلال ممارستهم العملية، فقانون ثبات الكتلة مثلاً، و الذى ينص على أن الكتلة الكلية للمواد الداخلة فى تفاعل كيميائى تساوى الكتلة الكاملة للمواد الناتجة من هذا التفاعل ، وهو أحد القوانين الأساسية فى الكيمياء .. هو تعبير عن ضرورة .. كما إنه حالة من حالات القانون العام السابق شرحه، و هو أن المادة لا تفنى ولا تستحدث و لا تخلق من عدم، حيث يكون حلقة فى سلسلة قوانين الحفظ والبقاء التى سنلقاها عبر تاريخ المادة بأسره .وإذا كان هذا القانون يتمتع بعمومية، فأننا سنلاحظ أن قانون ثبات التركيب، و الذى ينص على "يتألف أى مركب كيميائى نقى من عناصره، مهما كانت طريقة الحصول عليه، و تكون النسبة بين كتل هذه العناصر ثابتة . وهذا لا يسرى على مجموعة كبيرة من المركبات ذات التركيب المتغير "، وهو بالتالى ليس قانونا عاما، حيث يتميز بخصوصية انطباقه على حالات دون غيرها. والآن بعد أن عرفنا بعض المعلومات الأساسية حول الذرات والجزيئات، وتطلعنا إلى عدد من القوانين التى تعبر عن العلاقات بين مكوناتهما من جسيمات أوليه و ذرات، و التى تكتسب معناها كقوانين من كونها تعبير عن عملية حتمية ومتواترة الحدوث، أى أنها تحدث كلما توافرت شروط حدوثها، وأنها تحدث بصرف النظر عن مراقبها، نشير إلى قانون لا فوازيه - لابلاس الذى ينص على "عند تفكك مادة معقدة إلى مواد بسيطة تمتص أو تنتشر كمية من الحرارة تعادل الكمية التى انتشرت أو امتصت عند تشكل المادة المعقدة من مواد بسيطة " و هو قانون يعبر عن ضرورة انتشار أو امتصاص حرارة أثناء التفاعلات الكيمائية، حيث تشكل الحرارة السبب الكامن وراء ترابط الذرات لتكوين الجزيئات، و قد صيغ القانون كتعبير عن ملاحظة محايدة و متواترة و موضوعية، هى تساوى كمية الحرارة المنتشرة أو الممتصة أثناء التفكك مع كمية الحرارة المنتشرة أو الممتصة أثناء التركيب.أذن فالقانون يعبر عن علاقة جوهرية بين الطاقة و الجسيمات والذرات التى تربط بينها تلك الطاقة، وهذا ما يؤكده قانون هيس الذى ينص على أن كمية الحرارة المنطلقة أثناء أى عملية كيميائية، تبقى دوما واحدة سواء تمت هذه العملية رأسا، أى فى مرحلة واحدة أو على عدة مراحل.القانون أذن ينتج عن طبيعة الأشياء و العمليات الداخلية التى تكونها أى جوهرها ، ولسنا نحن أو غيرنا هو من يضعه كما نضع نحن القوانين التى تحكم علاقتنا الاجتماعية، ونحن نكتشفه فقط ونعبر عنه بلغتنا التى ربما تكون قاصرة أحيانا عن دقة الوصف، وهذه الصياغة القانونية لما يحكم الطبيعة يتم من خلال ملاحظة الظواهر التى تنتج عن هذه العمليات التى تشكل جوهر الأشياء، والتى من خلالها نتعرف على الأشياء، وهو بالتالى ليس فرضا تعسفيا كافتراض أن النجوم لها علاقة بحظوظ البشر، فليس القانون أسطورة أو مجرد حكاية من صنع البشر تعكس عواطفهم وخيالاتهم ورغباتهم ومصالحهم وأوهامهم كخرافات قراءة الكف والفنجان.وإنما ينتج القانون من ملاحظة موضوعية علمية محايدة متواترة معزولة عن كل هذا، فقد لوحظت بشكل دقيق وتم اكتشافها واختبارها بالممارسة العملية، فنحن فى كل مرة فى المعامل والمصانع نلاحظ العلاقة بين التفاعلات الكيميائية و الحرارة، و نؤثر و نفسر بالحرارة التفاعلات الكيميائية المختلفة، ولأن العلاقة بين التفاعل الكيميائى و الحرارة ليست عبثية، ولا تتعلق برغبة أو وعى ما، فلذلك نستطيع حسابها وفقا للقوانين، وهذا كله بعكس الأساطير والخرافات التى لا يمكن اختبارها بالممارسة العملية، و لا يمكن إخضاعها للاختبار العلمى، ولا تمكنا من التنبؤء بالحوادث فى المستقبل، ويستحيل ملاحظتها بشكل متواتر فى ظل نفس الظروف بالنسبة لكل البشر، كما هى ظواهر الطبيعة.فالقانون ناتج عن علاقة الترابط المتبادلة بين الأشياء والظواهر المختلفة، وعلى رأسها السببية، و التى بدون أخذها فى الاعتبار لما أمكن الحديث عن القوانين. فمجموعة القوانين سالفة الذكر لم يضعها مكتشفوها عبثا، ولم يفرضها أحدهم تعسفا، ولم تخضع لمزاجيتهم، فقانون فعل الكتل يعنى أن سرعة التفاعل تتوقف على تركيز المواد المتفاعلة، فهو قانون يوضح العلاقة المتبادلة بين كتل المواد المتفاعلة أثناء التفاعلات الكيميائية، ونحن نطبق هذا القانون عند الحسابات المختلفة للعمليات الكيمائية ، ومن خلال الممارسة العلمية تسمح لنا هذه الحسابات بتعيين اتجاه السير التلقائى للتفاعلات الكيميائية عند نسبة معينة من تراكيز المواد المتفاعلة .. كما يساعدنا على تحديد الناتج المطلوب لكل تفاعل.ولو عدنا لإلكترونات الذرة فسنجدها تلتزم بالترتيب حول النواة بنظام معين تعبر عنه أو تفسره قوانين محددة سبق ذكر بعضها، فعدد الإلكترونات فى كل طبقة، يتحدد بحيث تتسع كل طبقة لعدد كامل من موجات دى برويل، و هى الموجات المادية الناتجة عن حركه الإلكترونات، و التى تحدد بدورها المسافات بين الإلكترونات و النواة ، حيث يجب أن تساوى الأطوال الموجية الكاملة للإلكترونات، التى يعتمد طولها على ما تحمله من طاقة، كما يتحدد عددها وفقا لمبدأ الاستبعاد ومبدأ اقتصاد الطاقة، فتواجد الإلكترون على مسافات لا تساوى الطول الموجى، يعنى التداخل الهدام أو البناء مع الإلكترونات الأخرى ،مما يعنى تلاشيها أو تضاعفها ، كما أن العدد الزائد من الإلكترونات فى كل طبقه يعنى تعرض الإلكترونات الزائدة لنفس العملية ، أما عن مسألة اقتراب الطبقات من بعضها البعض كلما ابتعدنا عن النواة، فهو مرتبط بضرورة أن تكون الذرة فى أقل طاقه وضع ممكنة حتى تكتسب الاستقرار المطلوب ، ومن هنا نستنتج أن المسألة ليست مرتبطة بغاية معينة مسبقة أو بأى إرادة واعية من أى نوع ، و لم يفرضها أى إنسان بالطبع، وإن كانت من اكتشافاته، فلو كانت المسألة لا تحكمها الضرورة ، لما كانت هناك أى قدرة على اكتشاف هذه القوانين، إذا لو لم تكن هناك ضرورة ما تعبر عنها هذه القوانين، و بالتالى كان يمكن للإلكترونات أن تسلك فى كل مرة بشكل مختلف، ومن هنا ما كان لنا أن نلاحظ تواتر انتظامها بنفس الطريقة ، إلا إنه لسوء حظ الذين لا يأخذون بمفهوم الضرورة و قانونية الواقع ، فأن هذا النظام هو الوحيد الممكن لاتفاقه مع الضرورة ، و بالتالى فأن أى نظم أخرى مستحيلة، لأنها لا تتوافق مع طبيعة العلاقات بين الإلكترونات وطاقتها وحركتها وأطوالها الموجية وشحناتها هى و النواة و ما يملكوه من خواص أخرى كاللف والتماثل.. الخ.القانون هو تعبير عن ما هو ضرورى ومحدد بين الأشياء والظواهر والعمليات الموجودة فى الواقع، وهو ناتج عن الطبيعة الجوهرية الكامنة داخل كل هذه الأشياء والظواهر الكامنة داخل كل هذه الأشياء والظواهر والعمليات، وفى نفس الوقت فليس كل ما يربط بين الأشياء من علاقات يعبر عنه القانون، فالقانون يعبر فقط عن ما هو جوهرى و داخلى بين الظواهر المختلفة، فالقانون الذى يحكم ظاهرة ما ، هو فى الحقيقة يشكل جوهر هذه الظاهرة، فقانون باولى "مبدأ الاستبعاد" مثلاً يكشف لنا على العلاقة بين لف الجسيم، و كونه يخضع للاستبعاد أو لا يخضع للاستبعاد ، ومنه نفهم ما إذا كان الجسيم جسيم كتله أم كم للطاقة، فجوهر أى شئ هو العلاقات الداخلية الثابتة بين مكونات هذا الشيء ، فجوهر الذرة هو العلاقات بين الإلكترونات سالبة الشحنة و البروتونات موجبة الشحنة وهى العمليات الداخلية التى تكونها وتميزها عن الأشياء الأخرى، وذلك فى مقابل الظواهر الخارجية التى من خلالها نتعرف على الشيء، وهى ذات طابع غير ثابت بل ودائم التغير، فالذرة قد تكون خاملة أو نشطة، مشعة أو غير مشعة ..الخ.أما ما يجعلنا نطلق على علاقة ما إنها علاقة قانونية هى إنها تحدث فى كل مرة تتوافر فيها شروط حدوثها ، وذلك بشكل متواتر ففى كل مرة تمتلئ القشرات حول النواة بنفس الطريقة بقوة الضرورة، وبشكل متواتر حيث أن الأمر لا ينطبق مرة و ينطبق مرة أخرى، وذلك مع توافر الشروط الضرورية لحدوثه، وهى الشروط التى لا علاقة لها بالإرادة أو الوعى أو الغاية إلا أن هذه القوانين لا يمكن أن تعمل دون شروطها الموضوعية، فمثلا لا يتجاذب الإلكترون والبروتون لتكوين ذرة إلا بتوافر درجة حرارة تسمح بذلك.تحدثت فيما سبق عن السببية كعلاقة شاملة بين الأشياء والظواهر والعمليات فى غاية الأهمية ، ولا شك أن القوانين فى جزء منها هى تعبير عن هذه العلاقة، إلا أن السببية لا تعبر عن كل العلاقات بين كل الأشياء فى الواقع، و بالتالى فهى ليست أساس كل العلاقات القانونية التى تربط بين كل الأشياء، ولعل من أهم خصائص القانون هو إنه لا يخص ظواهر فردية أو عارضة، بل يخص مجموعة كاملة من الظواهر العامة من نفس النوع ، فتمدد الماء عندما تصل درجة حرارته إلى الصفر، وهى درجة تجمده بعكس المواد الأخرى التى تنكمش بالبرودة، هى ظاهره فردية شاذة ، مضادة للظاهرة العامة التى يرصدها قانون تمدد جميع المواد بزيادة درجة حرارتها، وانكماشها بنقصان هذه الحرارة، والسر فى كل من الظاهرة العامة التى يرصدها القانون، و الظاهرة الشاذة كامن فى الطريقة التى تترابط بها جزئيات الأجسام المختلفة بما فيها جزئيات الماء التى تأخذ شكلا مختلفا عن غيرها من الجزيئات مما يمنحها هذا الشذوذ عن العام.فالقوانين تجريد عن العام و المشترك و الشامل بين الظواهر ، ففى كل مرة، وعند توافر الشروط تنشأ الظاهرة، و تحدث النتيجة بالضرورة الحتمية سواء فى الظاهرة العامة أو الفردية، فقانون النسب المضاعفة و الذى ينص على إنه إذا اتحدت كمية معينة من عنصر ما مع عنصر آخر ، فأن كميات العنصرين الأول و الثانى تشكلان فيما بينها نسبة عددية بسيطة، فمثلاً تشكل كميتا الكربون المتحدتان مع جزء واحد من الهيدروجين فى الميثان و الأثيلين نسبه 2:1، يعبر عن ضرورة حتمية و إلزامية تناسب كميات العناصر الداخلة فى أى تفاعل كيميائي.إلا أن هناك قوانين تشمل مجموعات واسعة جداً من الظواهر، كقوانين الحفظ والبقاء، و قوانين تشمل مجموعات أقل كالقوانين التى تحكم التفاعلات بين الجزيئات العضوية، وبالتالى فهناك قوانين عامه وقوانين خاصة، هناك قوانين تحكم فحسب الطبيعة غير الحية، وقوانين تحكم الطبيعة الحية، وقوانين تحكم كل الظواهر الطبيعية، وبعضها يحكم المجتمع فحسب، هناك من القوانين ما يحكم كل من الطبيعة والمجتمع و الوعى، و هى القوانين التى تبحثها الفلسفة.بعض القوانين ذات طابع احتمالي أو إحصائي كقوانين حركه الجسيمات الأولية وحركه جزئيات الغاز فى حالة الجسيم أو الجزىء الفردية، إلا أن حركة الجسيمات والجزيئات الجماعية تخضع لقوانين ذات طابع حتمى.بعض القوانين تنطبق على كل الحالات كقانون تجاذب الشحنات الكهربية المختلفة، وتنافر الشحنات الكهربية المتشابهة، وبعض القوانين لا ينطبق على كل الحالات كقوانين حركه جزيئات الغاز، فالقانون لا يوجد بشكل مجرد أو مستقل عن الواقع أو هو سابق لهذا الواقع بل يوجد داخل العمليات والأشياء والظواهر ، إلا إنه فى نفس الوقت ينعكس فى عقولنا فى صورة مفهوم يعبر عن الضرورات والحقائق الكامنة فى الواقع.لا يوجد أى قانون ذو طابع شامل ومطلق وثابت لا نهائى ينطبق على كل الأشياء فى كل زمان و مكان، إلا قوانين الطبيعة المتحركة للمادة و الترابط المتبادل بين سائر الأشياء و التى تميزها، هذا يتلاءم تماما مع طبيعة سائر الأشياء والظواهر والعمليات سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشرى، حيث لا يوجد ما هو ثابت و نهائى وشامل ومطلق، فالقوانين تعمل وفق شروط محددة وهى لا تظهر إلا بتوافر هذه الشروط، راجع مثال صدأ الحديد، فلو لم يوجد حديد و أكسجين و ماء لما أمكن الحديث عن قانون صدأ الحديد، إلا إننا نستطيع دائما الحديث عن الحركة و السببية و التطور و الضرورة.. الخ.تنقسم القوانين إلى قوانين ديناميكية تجعلنا معرفتها نستطيع التنبؤ بدقه بنتيجة سلوك شئ أو ظاهرة أو عملية، و ما يمكن أن يحدث بها من تغيرات، كقانون الجاذبية المعبر عن ضرورة سقوط الأجسام على الأرض، ففى كل مرة يسقط جسم على الأرض ما لم يوجد حائل بينه وبين سطحها.وهناك قوانين إحصائية لا تتيح لنا التنبؤ الدقيق بنتيجة سلوك الظاهرة أو الشيء أو العملية من نوع ما ، مادامت فى حالتها المنفردة، وأن كان يمكنا التنبؤ بسلوكها مادمت مشتركة مع غيرها من الظواهر والأشياء والعمليات المشابهة فى حركة جماعية.مثال ذلك سلوك الجسيمات الأولية فبالرغم من مبدأ عدم اليقين الذى يحكم معرفتنا بحركتها وما يؤدى إليه ذلك من احتمالية التنبؤ بسلوك كل جسيم على حدة، إلا إننا نتنبأ بسهولة بحركتها الجماعية، فنحن نعرف اتجاهات التيار الكهربائى والضوء المسبقة، و نتحكم فيهما على هذا الأساس، وهذا مشابه تماما لحركه جزيئات الغبار أو الغاز أو البخار، التى تتشكل سحبهم من حركات عشوائية لهذه الجزيئات ، والتى مادمت فى حالتها الفردية فنحن لا نستطيع التنبؤ بسلوكها كل على حده بشكل دقيق ، وإن كان يمكن لنا تحديد عده احتمالات مؤكدة، وفى نفس الوقت فنحن نستطيع التنبؤ بسلوكها الجماعى هذه القوانين هامة جداً لفهم طبيعة سلوك الأفراد فى المجتمع باعتبارهم أجزاء من تركيبات هذا المجتمع، فالأفراد كجزيئات البخار العشوائية الحركة، أما المجتمع فهو كسحابة البخار حتمية الحركة، إننا يمكننا معرفة اتجاه الضوء حين نضئ مصباح الكشاف ، واتجاه سحب البخار حين تنطلق من إناء يغلى ، فإذا كانت الفوتونات أو جزيئات البخار لابد وأن تتجه فى اتجاهات عشوائية متفرقة إلا أن محصلة اتجاهاتها الجماعية النهائية تتجه فى اتجاه واحد حتمى يمكن التنبؤ به.فالقوانين الإحصائية شأنها شأن أى قانون تعبر عن ضرورة ما ، وبكونها تعبير عن تواتر موضوعى شامل مستقل عن أى وعى ، وهو وإن كان يطبق على حركة جزيئات الغاز فى حالتها الفردية مثلاً، إلا إنه لا يطبق على حركة سحب الغاز ككل حيث تحكمها القوانين من النوع الأول ، كما يطبق على حركة الإلكترونات المنفردة، لا حركة التيار الكهربائى الذى يتكون من تلك الإلكترونات، وهو فى كل هذه الحالات يعبر عن علاقة جوهرية بين شدة المجال و مقاومة الموصل.و أخير فأننا نكتشف القوانين الإحصائية من دراسة العديد من المصادفات ، إذ توجد علاقة قانونية بين الضرورة والصدفة يعبر عنها قانون الأعداد الكبرى ، و الذى ينص على "أن المفعول الكلى لعدد كبير من العوامل التصادفية أو العرضية، يؤدى إلى نتيجة لا تتعلق لكل حادثة على انفراد " فحركة الإلكترونات المنفردة ذات الطابع الإحصائى أو الاحتمالى، تشكل فى مجموعها تيار كهربى موحد يخضع لقانونية حتمية غير إحصائية ولا احتمالية، وهذا لا يعنى أن الظواهر الفردية لا تخضع للقانونية، فحركة الجسيمات الأولية المنفردة تخضع للعديد من القوانين التى سبق ذكرها ، وهى ذات بنية سببية لا شك فى ذلك ، وإن كانت سببية تؤدى لعدة نتائج محتملة يمكن رصدها، ولكنا لا يمكن أن نتنبأ بنتيجة محددة منها بشكل مسبق.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية