موجز تاريخ المادة والوعى (2) كيف تتحرك الأشياء وتتطور من حولنا؟
موجز تاريخ المادة والوعى (2) كيف تتحرك الأشياء وتتطور من حولنا؟
سامح سعيد عبود
لو سألنا العلم الحديث حول سر حركة كل الأشياء من حولنا، لكانت الإجابة باختصار شديد، هى تبادل الأشياء كمات الطاقة، فالجسم أو الجسيم (أ) ينبعث منه كم من الطاقة يجعله يتحرك وعندما يمتص الجسم أو الجسيم (ب) هذا الكم فأنه يتحرك هو أيضا، والسبب فى ذلك هو أن الجسم الفاقد لكم الطاقة يقل مستوى طاقته، ولكى يحافظ على مستوى طاقته فأنه يتحرك بسرعة وفى اتجاه يتناسب مع ما افتقده من طاقة، ويحدث هذا أيضا عند كسب الجسم أو الجسيم لكم من الطاقة.. إلا أن هذا التجريد الشديد للإجابة، تجده لانهائى فى تنوعه فى الواقع، إنه أشبه بأن تقول أن الشجرة هى نبات ذو جذر وساق وأغصان وأوراق، وهى إجابة مجردة صحيحة تماما، إلا إنها لا تكفى على الإطلاق لفهمك الفروق بين الأشجار المختلفة الدائمة الخضرة و موسمية الخضرة، بين المعمرة و غير المعمرة، بين أشجار الفواكة وأشجار الأخشاب وهكذا، فأنك فى هذه الحالة لابد وأن تعرف تفصيلات أخرى، تلك التى تميز الأنواع عن بعضها البعض، وكذلك هى الإجابة المبتسرة، وإن كانت الصحيحة فى نفس الوقت عن سر الحركة فى الكون.. إلا إنك تحتاج لمعرفة تفصيلات مختلفة حتى تعرف الفروق بين أشكال الحركة المختلفة ، الحركة الطبيعية للجسيمات الأولية داخل وخارج الذرات ، والحركة الكيمائية بين الذرات و الجزيئات، والحركة الميكانيكية بين الأجسام، والحركة الحيوية بين المكونات المختلفة للكائن الحى من جزيئات كيمائية وخلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة.. ثم بين الكائن الحى وغيره من الكائنات المادية الأخرى وهكذا، والتى تتلخص بوضوح فى تبادل الطاقة بين سائر الكائنات المادية، وهو الأمر الذى سنعرفه تفصيلاً فيما بعد.. إلا إننا الآن سنهتم بأهم اتجاهات الحركة و هو التطور من خلال معرفة موجز تاريخى لجزء من رحلة تطور المادة.من الجسيمات الأولية إلى الذراتيتكون جزء هام من الواقع، الوجود، المادة، الطبيعة، المعروف لدينا حتى الآن من ذرات، بالإضافة إلى الكثير من الجسيمات الأولية التى يمتلىء بها الكون، والتى ربما تترابط فيما بينها فى أشكال أعقد أو أبسط لم نعرفها بعد، فالذرات كائنات مادية أعقد و أرقى من الجسيمات الأولية الأبسط والأدنى التى تترابط فيما بينها لتكونها وهى ولاشك مرحلة أرقى وأعقد من مراحل تطور المادة، سبقتها مراحل، وتلتها مراحل أخرى، فهى أذن كما لو كانت قد نفت الجسيمات الأولية، أو بالتعبير الفلسفى نفى لها، ولكن لأنها تحتوى على البعض منها فهى ليست نفيا مطلقا لهذه الجسيمات بل نفيا جزئيا لها، حيث يحافظ هذا النفى النسبى غير المطلق على أكثر عناصرها ثباتا وانتشارا داخل الكائن الأرقى والأعقد فى تركيبه وحركته، والذى هو فى النهاية شأنه شان كل الكائنات المادية، مجرد عملية بين مكونات أدنى وأبسط فى سلم التطور.و الذرة لايمكن أن تتكون من الجسيمات الأولية إلا عند مستوى معين من الطاقة يسمح بتبادل الجسيمات التى تكونها كمات الطاقة، و عند مستويات أخرى من الطاقة فإن الذرات تتفكك لأبسط مكوناتها. و الذرة هى أصغر جزء من العنصر الكيميائى مثل الحديد والنحاس ، يحمل خواصه الكيميائية المختلفة، والعنصر هو مجموعة من الذرات التى تتساوى فى عدد البروتونات الموجودة داخل أنوية ذراتها، والتى تحمل شحنات كهربية موجبة، كما يتواجد فى نفس النواة اللامتناهية فى الصغر، عدد من النيوترونات المتعادلة كهربيا، والتى لا تقل فى عددها عن البروتونات، وإن كان من الممكن أن تزيد عنها، وتتركز كتلة الذرة فى نواتها التى تدور فى الفراغ الشاسع حولها الإلكترونات السالبة الشحنة، والتى تتساوى عدديا مع البروتونات فى النواة، لتصبح الذرة متعادلة كهربيا، وإذا كانت كل الذرات التى تكون العنصر تتساوى فى عدد كل من البروتونات والإلكترونات، إلا إنها تختلف أحيانا فى عدد النيوترونات، وفى هذه الحالة تكون ما يسمى بنظائر العنصر، إلا أن العنصر ونظائره لا يختلفون فى هذه الحالة فى الخواص الكيمائية، وإن كانوا يختلفون فى الخواص الطبيعية من كثافة وإشعاعية..الخ.الذرات يمكن أن توجد فى حالة حرة أو متحدة مع بعضها البعض، أو مع ذرات عناصر أخرى مكونة الجزيئات، وذلك فى الظروف المناسبة من حرارة و ضغط، و الذرات لا تكف عن الحركة الحرارية بسرعات كبيرة حيث يجرى بينها وبين غيرها من الذرات تبادل لا ينتهى للفوتونات، وهو الأمر الذى لا يمكن إيقافه. إن الفيزياء الحديثة يمكنها أن تخبرنا الشيء الكثير فى هذا المجال و الفيزياء تنبؤنا بأن الحركة غير المرئية للأجزاء الصغيرة التى تتركب منها الأجسام لن تقف أبداً تحت أى ظروف.من الذرات إلى الجزيئاتعندما توافرت شروط طبيعية معينة، وخصوصا درجه الحرارة المناسبة، أخذت الذرات تتبادل الفعل بدورها، و تتشابك إلكتروناتها الخارجية لتكون الجزيئات، والجزيء هو أصغر جزء من مادة معينة كملح الطعام والصودا الكاوية، يمكن تقسيمها إليه دون تغيير خواصها الكيميائية والطبيعية الأساسية، والجزيئات تهتز باستمرار وبلا توقف، شأنها فى ذلك شأن الجسيمات و الذرات، وتتوقف الحالة أو الشكل الذى تظهر به المادة على سرعة الجزيئات وعلى المسافات بينها، فكل جزيء فى الغاز يوجد باستمرار فى حاله الحركة البروانية، وهى حركة شبيهه بحركة دقائق الغبار التى تلحظها فى ضوء الشمس المتسلل عبر الغرفة المغلقة النوافذ،أو حركة الشوائب فى كوب ماء عكر، أما جزيئات السائل فتوجد دائما متقاربة، وفى حاله حركة حرارية غير منتظمة كما الحركة البراونية. يمكنك أن تفهم هذا بملاحظتك لسائل عكر به بعض الشوائب حيث تجد هذه الشوائب تتحرك بشكل عشوائى نتيجة حركة جزيئات السائل غير المنتظمة، وتتأثر الحركة الحرارية بشدة بقوى التأثير المتبادل بين الجزيئات فى الأجسام الصلبة، ففى الأجسام الصلبة توجد الجزيئات عمليا طول الوقت فى نفس المكان. والحركة الحرارية تبدو فقط فى ذبذبة الجزيء المستمرة حول وضع اتزان الجزيء. فعدم وجود الانتقال الحر والعشوائى للجزيئات فى الجسم الصلب هو ما يسبب صلابته . والواقع إذ لم تغير الجزيئات جيرانها يظل كل منها بلا شك فى ترابط ثابت مع بقيه أجزاء الجسمويختلف الحجم من جزيء لآخر.. فقد يترواح من ذرتين كما فى جزىء الهيدروجين إلى مئات الألوف من الذرات كما فى جزيئات البروتينات والأحماض النووية، وتتكون الجزيئات من ذرات من نوع واحد أو من نوعين أو أكثر، وإذا كانت الذرات و أنويتها والجسيمات الأولية تتحلل و تتكون باستمرار فى أرجاء الكون اللانهائى، سواء بفعل الطبيعة أو بتأثير الإنسان، فكذلك الجزيئات لا تتوقف عن التحلل إلى مكوناتها والتكون فيما لا نهاية له من أشكال من مكونات أبسط، وذلك فيما لا نهاية له من عمليات التفاعل الكيميائى، وعند تكونها من أنواع تتشابه وتتمايز فيما بينها، فالجزيء كائن مادى أرقى وأعقد من الذرات التى يتكون منها، والتى تترابط فيما بينها بمساعدة القوى الكهرومغناطيسية، وإذا كانت الجزيئات شديدة التنوع، فإن صفاتها تتحدد بعوامل كثيرة سيتم تناولها فيما بعد.لا يمكن الشك كذلك فى أن الجزيئات تتجاذب. فلو أن الجزيئات كفت عن التجاذب لبعضها للحظة، لتناثرت كل الأجسام السائلة و الصلبة و استحالت إلى جزيئات من الغاز . و لا يمكن الشك فى أن الجزيئات تتنافر مع بعضها أيضا. إذ لولا ذلك، لأصبح كل من ضغط وكثافة الأجسام السائلة و الصلبة هائلة جداً. و تؤثر بين الجزيئات قوى كهرومغناطيسية تعمل على تنافر الشحنات المتشابهة، وتجاذب الشحنات الغير متشابهة، تشبه كثيراً القوى التى تؤثر بين الذرات والتى تحدثنا عنها سابقا.و الجزىء لا يمكن أن يتكون من الذرات إلا عند مستوى معين من الطاقة يسمح بتبادل الذرات التى تكونها كمات الطاقة، و عند مستويات أخرى من الطاقة فإن الجزيئات تتفكك لأبسط مكوناتها.جزيئات الحياةح.ن.د أو DNA هذا ليس اختصارا لجهاز من أجهزة المخابرات مثل السى آى إيه ،وليس اختصارا لأسم دولة مثل اليو إس إيه .إنه اختصار لاسم مجرد جزيء مثله مثل أى جزيء يتكون من ذرات سواء أكان ذرات قليلة كجزيء الماء أو ذرات كثيرة مثل البروتينات .إلا أن هذا الجزيء أهم و أخطر و أكثر تسلطا من أى جهاز مخابرات، أو أى دولة مهما بلغت فى استبدادها وتسلطها. و ح.ن.د أو DNA تعنى أنه حمض نووى ديبوزى، وحمض تعنى أنه قريب لعائلة الأحماض كالخل و لا يمت بصلة لعائلات القلويات كالصودا، و لا يمت بصلة لعائلات الأملاح كملح الطعام، وهو نووى لأنه يتواجد فى نواة كل خلية حية نباتية أو حيوانية، وهو بمفرده يشكل عائلة من الكائنات شبه الحية أسمها الفيروئيدات، ولو وجد هذا الجزىء مغموسا فى جزيئات البروتينات فهو يكون معها عائلة أخرى أكثر رقيا وتعقدا من الكائنات شبه الحية أيضا هى الفيروسات مثل فيروسات الأنفلونزا والإيدز. أما ديبوزى فهى صفة من صفات جزيئات السكر التى تشترك فى تكوينه، حيث يتكون هذا الجزيء من سلسلة طويلة من جزيئات أصغر وأبسط هى جزيئات السكر االديبوزى، يفصل بين كل جزيء من جزيئات السكر الديبوزى و الجزيء الذى يليه، جزيء للفوسفات وهكذا، وعلى جانبى السلسلة تتراص جزيئات أخرى تترابط بجزيئات السكر والفوسفات.و قد حدث منذ سنوات عديدة، وفى معهد أبحاث كريبس فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وعند تصنيع هذا الجزيء الذى يعد بمثابة مايسترو الحياة، أن تم وضعه فى محلول به مواد عضوية كالبروتينات و الكربوهيدرات وغيرها، فلوحظ أنه سرعان ما أخذ يحكم سيطرته على كل ما فى المحلول من جزيئات أخرى، مثلما يسيطر المايسترو على أداء الفرقة الموسيقية دون أن يسمح لأحد بالنشاز أو الخروج عن النص..وما إن مرت لحظات أخرى حتى أخذ يتفاعل معها، ويصنع من نفسه الكثير من النسخ المتشابهة، وأخذت النسخ تصنع نسخا أخرى، ثم أخذت النسخ فى التطور.ففى هذا الجزيء المكون من عشرة آلاف ذرة يوجد الحد الفاصل بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية، وليس ذلك فحسب، بل إنه يتحكم فى عمليات الحياة كلها من نمو وتكاثر وحركة وتغذية وإخراج. وبمعنى آخر كل ما تتضمنه الحياة من قدرة الكائن الحى على امتصاص المواد العضوية المحيطة به، والنمو بناء على هذا الامتصاص، و إعادة إنتاج نفسه بالنسخ الذى هو جوهر عملية التكاثر.و لكن هذه النتيجة دفعت إلى السطح بإشكالية جديدة، فمن المعروف أن الخلايا الحية تتركب بشكل أساسى من البروتينات والحمضين النوويين الريبوزى و الديبوزى، وهذان الحمضان يتحكمان فى عمل البروتينات بما يحملاه من برامج تحكم، ولكنهما لا يستطيعان إعادة إنتاج أنفسهم دون إمداد كافى من البروتينات. والسؤال الآن.. كيف تستطيع الأحماض النووية أن تبدأ دون بروتينات، والعكس صحيح..الدجاجة أولا أم البيضة؟غير أن الباحثين توصلوا أيضا من خلال تجاربهم إلى أن جزيء الحمض النووى الريبوزى و ليس شبيهه الحمض النووى الديبوزى(DNA ) و هو المسئول عن نقل الصفات الو راثية، هو العنصر رقم واحد و الأول فى عملية الحياة، وهو جوهرها، ومن هنا تأتى أهميته الفائقة.فأول أشكال الحياة كانت تسبح فى عالم من (ح.ن.ر) أو (RNA ) ،ولما كانت الحياة المتكاملة تتواجد فى شكل خلايا، و فى كل خلية نواة هى بمثابة العاصمة ومركز التحكم فى كل أعمال الخلية التى تشكل دولة صغيرة، فإننا نستطيع أن نلتقى بالجزيء الساحر العجيب،لو تخيلنا أنفسنا نتسلل إلى عمق الخلية وندخل فى النواة، فسنجد أنفسنا كما لو كنا فى غابة من الشرائط الحلزونية المزدوجة ، و التى هى نفسها الحمضين النوويين الريبوزى و الديبوزى ،وهى مزدوجة، لأنها تتكون من سلسلتين متماثلتين وحلزونيتين لأنهما تلتفان حول بعضيهما كالحلزون.وفى هذه الغابة من الشرائط توجد كل الأوامر التى تتحكم فى نشاط الخلية، والتى تتشكل أبجديتها من أربع حروف فقط تكون ملايين الكلمات والجمل، وهذه الحروف هى أربع جزيئات عضوية، تتراص حول سلسلة السكر والفوسفات السابق الإشارة إليها، وبهذه الحروف تتكون كلمات وجمل مثل أمتص، اخرج، أنسخ، تحرك، قف، انقسم و غيرها من ألوف الأوامر.ولا يمكن فى هذه الدولة المسماة بالخلية أن توجد معارضة للسلطات التى يملكها الحمض النووى الديبوزى، سرية أو علنية، فالأوامر تصدر لتطيعها كل الجزيئات العضوية الأخرى فى الخلية، اللهم إلا إذا غزا الخلية فيروس ما، واحتلها ليحل الحمض النووى الريبوزى للفيروس محل الحمض النووى الريبوزى الأصلى فى الخلية فى حكم الخلية و أخذ يمد سيطرته فى الخلية، لتطيعه الجزيئات العضوية فى الخلية والتى لا تملك سوى الطاعة، والعمل لصالح الفيروس و نموه وتكاثره . فيختل التوازن فى الخلية التى تقع فى فوضى تنازع السلطات، وتصبح خلية مريضة، وقد ينتهى أمرها بالموت والتحلل لمكوناتها الأولية.ما هو الذى يجب أن نفهمه من هذه القصة؟.إننا لا يمكن أن نفهم الذرة إلا من خلال معرفة تكونها من الجسيمات الأولية، وكيفية ترابطها مع غيرها من الذرات لتكون لنا الجزيء، وكذلك الجزيء و كيف يترابط مع غيره مكونا لنا الأجسام الحية وغير الحية، وكيف تنحل الروابط بين كل هؤلاء فينحل كل من الجسم و الجزيء والذرة والجسيم الأولى المعقد إلى مكوناتهم الأولية، فالذرة ليست تراكم كمى ميكانيكى لعدد من الجسيمات الأولية، ولا الجزيء مجرد تراكم آلى لعدد من الذرات، بل أنهما بناءان معقدان من أنواع محددة من المكونات الأولية، والتى تترتب فيما بينها، وفق نظم معينة، تفرضها ضرورات كامنة فى طبيعة هذه المكونات المادية، وما تكونه من كائنات أعقد.فالذى حدث عندما تكونت الجزيئات ليس مجرد تغيرات بسيطة حدثت للذرات، والأمر كذلك عندما تكونت الذرات من الجسيمات الأولية، بل إن ما حدث هو عمليه بناء معقدة أدت لوجود أنماط جديدة لم تكن موجودة من قبل، فعبر هذا التراكم المعقد تكونت أو تحولت كيفيا أو نوعيا الجسيمات إلى ذرات والتى كونت بدورها الجزيئات، و هو ليس مجرد تراكم كمى لأعداد من المكونات الأولية بل إن نوعيه الشيء الجديد تتحدد بطريقة ترتيب مكوناته فيما بينها. فأبسط الجسيمات الأولية المكتشفة حتى عام 1970 هى الكواركات و مفردها كوارك.. و ثمة ستة أنواع منها معروفة حتى الآن، أما البروتونات فهى جسيمات أعقد يتكون كل منها من ثلاث كواركات من أنواع معينة، وتترتب فيما بينها فى أوضاع معينة، تعطى الجسيم الأولى المعقد صفاته التى تميزه.. وقد أمكن العلماء أن يكونوا جسيمات أخرى مصنوعة من كواركات أخرى، إلا أنها تنحل بسرعة إلى نيوترونات وبروتونات ومن هنا نستنتج إمكانية وجود جسيمات أخرى مكونه من كواركات أخرى مختلفة فى الطبيعة.. فما نلاحظه هنا هو إمكانية موضوعية حيث ترتبط الجسيمات ببعضها لتكون جسيمات أعقد تختلف فى خواصها عن الجسيمات التى تكونت منها.و ليس هذا فحسب بل إن هذه العملية تعرف ظاهرتان هما :ـالأولى :ـ أن تغيير ترتيب نفس الجسيمات الأبسط من حيث النوع والعدد يؤدى لتكوين جسيمات أخرى أعقد، يكون لها بدورها صفات أخرى.الثانية :ـ أن وجود جسيمات من نفس النوع تتشابه فى سائر صفات النوع إلا أنها مكونة من جسيمات مختلفة أكثر بساطة، وتبرز هذه الصفة من خلال تحلل جسيمات نفس النوع إلى جسيمات مختلفة من جسيم لأخر.وبمعنى آخر إن العمليات المحددة فيما بين المكونات الأبسط هى التى تحدد خواص الجديد المختلفة تماما عن خواص القديم، وما حدث أيضا هو نتيجة لسبب كامن فى طبيعة الأشياء قديمها و جديدها، أبسطها وأعقدها، أدناها وأرقاها، فاختلاف شحنات البروتونات والالكترونات عند توافر مستوى معين من الطاقة.. يعنى ضرورة وجود عملية جديدة.. هى ضرورة تبادلهم الفعل الكهرومغناطيسى، وذلك بتبادلهم للفوتونات، وهو ما يؤدى لتكوين كائن مادى جديد هو الذرة. كما أن اختلاف كهربية القشرات الخارجية للذرات من موجبة وسالبة عند توافر مستوى معين من الطاقة، يعنى ضرورة عملية جديدة..هى ضرورة تجاذبهم أو تنافرهم من خلال تبادلهم للفوتونات، وذلك لأحداث التوازن الكهرومغناطيسى من خلال انتقال إلكترونات هذه القشرات فيما بين ذرات الجزيء مسببة توحدها فى كائن مادى جديد، وهو الجزيء، ولنفس السبب تتكون الأجسام من تنافر وتجاذب الجزيئات، بواسطة تبادل الفوتونات فيما بينها عند توافر مستوى معين من الطاقة.. وتتجاذب الأجسام بواسطة تبادل الجرافيتونات وفى حالة الأجسام المشحونة كهربيا.. يحدث التجاذب والتنافر الكهرومغناطيسى أيضا بواسطة تبادل الفوتونات فيما بينها أيضا مثلما تتجاذب أو تتنافر أقطاب المغناطيس.نستطيع أن نستنتج مما سبق أن الحركة هى سمة شاملة لوجود المادة، حيث قد تم إثبات عدم إمكانية الفصل بين الطاقة والكتلة و ما يسببه ذلك من حركية الكتلة، واستحالة وجود عالم من جسيمات الكتل دون كمات الطاقة، واستحالة وجود عالم من كمات الطاقة دون جسيمات الكتل، وثبوت تحول الطاقة لكتل والعكس تحول الكتل لطاقة، فإذا كان قانون حفظ وبقاء المادة ينص على أن المادة لا تفنى ولا تستحدث و لاتخلق من عدم فإن نفس هذا القانون الشامل تجلى فى إثبات قوانين الحفظ والبقاء لكل من الكتلة والطاقة والحركة باعتبارها خواص مترابطة ومتلازمة للمادة . حيث أن أى منهم يمثل كمية ثابتة لا تفنى و لاتستحدث و لا تخلق من عدم.ونستطيع أيضا أن نستنتج أن التطور هو أحد اتجاهات الحركة، و أكثرها أهمية فى الكون المرصود لنا بالنسبة لاتجاهات الحركة الأخرى، فالمادة بتوافر مستويات معينة للطاقة، ولضرورات كامنة فيها تنزع إلى التطور من الأبسط إلى الأعقد ومن الأدنى إلى الأرقى، وعند مستويات أخرى للطاقة تنزع إلى الارتداد إلى الأبسط والأدنى، أو العودة من حيث بدأت، أما الذى يميز التطور كسمة فهو نفى النفى كصيغة شاملة تعبر عن عملية تطور كائن مادى من كائن مادى آخر، إذ تتخذ طريق النفى الجزئى للكائن القديم باحتواء أهم ما فيه، فالنفى بذلك لا يكون مطلقا إذ يحوى فى داخله على أهم جوانب الكائن القديم، فالذرة نفى للجسيمات الأولية، إلا إنها تتركب من أكثر هذه الجسيمات انتشارا واستقرارا، وفى نفس الوقت فأن البروتونات والنيوترونات) هى نفى لأكثر أنواع الكواركات انتشارا واستقرارا.أما الذى يدفع المادة للتطور ، فهو أن كل الأجسام تميل إلى أن تكون فى وضع طاقة أقل ما يمكن ، أو بمعنى آخر هو الميل للاقتصاد فى الطاقة ، وهذا ما يجعلها تأخذ دائما الشكل الذى يوفر لها هذا الاقتصاد ، بحيث توجد فى وضع أقل طاقة ممكنة.والعلاقة بين الكتلة والمادة والطاقة يمكن أن تتضح لنا من ملاحظة قطعة معدنية صلبة مكونة من جزيئات متقاربة ومتلاصقة، فى شكل بلورات، وبتسخينها أى بمنحها طاقة حرارية نلاحظ تحولها لسائل حيث تحولت جزيئاتها لحالة حركة حرارية حرة بعد أن تباعدت عن بعضها، و تفككت البلورات التى كانت تتركب منها، و بزيادة التسخين فإن الجزيئات تزداد تباعدا وتحررا من روابطها، وبمزيد من الحرارة يمكن أن نصل لتفكك الجزيئات لذراتها الأولية واختفاء المادة الصلبة للعناصر التى كونتها،وبمزيد من الطاقة يتم التغلب على روابط الإلكترونات مع البروتونات فتتفكك الذرات وتختفى العناصر التى كانت تكون القطعة المعدنية،ويمكن أن نستمر فى التسخين إلى أن تتفكك البروتونات والنيوترونات..ويمكن أن نستمر فى التسخين إلى أن تتفكك البروتونات والنيوترونات إلى كواركات وهكذا، ويمكن أن نستعيد القطعة المعدنية بصلابتها، بالتبريد أى سحب ما منحناه لها من طاقة حرارية تدريجيا.إذن فالعالم ليس ماديا فحسب بل إنه يوجد دائما فى حالة حركة، سواء فى مجموعه ككل أو بالنسبة لمكوناته من أشياء، وهى ليست حركه عبثية كما قد يعتقد البعض، كما هى ليست حركة هادفة كما يعتقد البعض الآخر سواء بسواء، كما إنها ليست مجرد حركة ميكانيكية أى الحركة من مكان لمكان، بشكل حتمى كما لو كان آلة ضخمة، ولكنها حركة تسير وفق ضرورات معينة تعبر عنها قوانين محددة، تعرف بجانب الحتمية الاحتمال، وبجانب الضرورة الصدفة.ولأن للعالم تاريخ، ولكل كائناته المادية التى تكونه تاريخ، فأننا لا يمكن أن نفهمه أو نفهم الكائنات التى تكونه، ولا أن نفهم العمليات التى تكونه أو تكون كائناته، والتى تشكل جوهره وجوهر تلك الكائنات، ولا ظواهره أو ظواهر تلك الكائنات التى تبدو لنا، ولا تفسيره أو تفسير تلك الكائنات، إلا إذا درسناها من خلال النشوء والتطور والاضمحلال، من خلال تاريخها، ومن خلال ارتباطها بالكائنات الأخرى، والظواهر الأخرى، والتى تدخل معها فى شتى العلاقات.الحديث عن التطور وحسب مجرداً عن الواقع، هو حديث من سطح الأشياء لا من عمقها، فالتطور عملية معقدة للغاية، فهى لا تسير مطلقا فى خط مستقيم و بلانهاية و بشكل آلى، و لكنه خط شديد التعرج، تجد فيه الصعود إلى مراحل أعلى ثم الردة إلى مراحل أدنى، وتجد فيها الدوران فى حركة حلزونية لا تغلق فيها دوائر الدوران، تجد فيه القفزات المفاجئة السريعة من نوعية لأخرى، والتغيرات الهادئة البطيئة فى إطار نفس النوعية، تجد فيه التدرج و انقطاع التدرج.و لما يحمله التطور من مفاجئات، وما تعرفه اتجاهات الحركة من احتمالات، فنحن لا يمكننا التنبؤ الدقيق باحتمالات التطور للعالم و كائناته المادية، وهذا التطور من حيث هو عملية، لا يعنى مجرد التراكمات الكمية التدريجية التى تحدث للكائن المادى، ولا تغير من جوهره أى طابع العمليات التى تميزه.. فالتطور ليس مجرد تغيرات بسيطة تحدث للأشياء، وإنما هو عملية تتحول فيها الأشياء كيفيا، أى تتحول إلى أشياء أخرى تختلف جذريا فى جوهرها و خصائصها، وهذا هو ما يؤدى لنشوء الجديد من القديم و فناء أشكال معينة لتتكون أشكال أخرى، أما ما يؤدى إلى هذه العملية المعقدة فهو التناقضات الداخلية الكامنة فى طبيعة الأشياء التى تتحول من نوع لآخر، فحل هذه التناقضات هو الدافع لعملية التطور، فلولا اختلاف شحنات كلاً من البروتونات والإلكترونات ما تكونت الذرات، ولولا اختلاف كهربية الأغلفة الخارجية للذرات ما تكونت الجزيئات، و لنفس السبب ما تكونت الأجسام.هذا الفهم الصحيح للتطور هو البداية الصحيحة للمعرفة، والقدرة على السيطرة على الطبيعة وتغيرها، كما هو بالنسبة للمجتمع البشرى تماما، إذا أردنا تغييره فعلينا أولاً أن نعرف قوانين تطوره.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية