الأربعاء، 28 مايو 2008

موجز تاريخ المادة و الوعى(3)كيف تترابط الأشياء

موجز تاريخ المادة و الوعى(3)كيف تترابط الأشياء
سامح سعيد عبود
يشكل كل من الهيدروجين والهيليوم الغازان الرئيسيان فى النجوم، ويشكلان 90% من ذرات الوجود المرصود لنا حتى الآن، كما يشكل الهيدروجين ثلاث أرباعه ، وتنطلق طاقة هائلة نتيجة اندماج أنوية نظائر الهيدروجين ، وذلك فى صورة إشعاعات مختلفة الأطوال والشدة ، وهذا التفاعل هو عين ما يحدث فى كل النجوم النشطة مسببا حرارتها الهائلة وضيائها الأخاذ ، كما يحدث هذا فى عمليات الاندماج النووى التى استحدثها الإنسان ، سواء فى القنابل الهيدروجينية ، والتى تم تفجير أولها سنة 1954 ، أو لتوليد الطاقة للأغراض السلمية ، والتى لم تستخدم عمليا حتى الآن ، فالاستخدام الأول شجعته احتكارات السلاح ، والاستخدام الثانى منعته حتى الآن احتكارات البترول ، إلا إنه بدأ الحديث عنه فجأة "بعد أزمة الخليج الثانية، وما سببته من أزمة فى الطاقة ، كما لو كان اكتشاف حديث.تنطلق أشعة الشمس صوب الفضاء ، ليقترب بعضها من كوكب الأرض ، و يجتاز القليل جداً من هذا البعض الغلاف الجوى للأرض و الذى يحمى الحياة من الأشعة الضارة حيث لا يسمح لها بالمرور.. وتسقط بعض هذه الأشعة على المحيط الهندى، فتتبخر مياهه بحرارتها اللافحة، و تتصاعد سحب بخار الماء إلى أعلى الغلاف الجوى، و تتكاثف هناك فى صورة سائلة نظراً لانخفاض درجة الحرارة فى طبقات الجو العليا.وفى نفس الوقت فإن الضغط الجوى يكون مرتفعا على سطح المحيط الهندى، فى حين أن الضغط الجوى يكون منخفضا على جبال الحبشة، والتى تكونت نتيجة صعود لطبقات الأرض فى هذه المنطقة فى عصر جيولوجى ما، ولذلك فإن الهواء يتحرك حاملاً سحب بخار الماء من مناطق الضغط المرتفع لمناطق الضغط المنخفض، فى صورة رياح رطبة، والتى عند اصطدامها بقمم الجبال فأنها تحدث بها تآكل محولة إياها إلى هضبة مستوية هى ما يعرف بهضبة الحبشة الآن، وتسقط الأمطار وتجرف معها جزيئات صخور قمم الجبال مسببة تعريتها، وتحفر سيول المياه المتساقطة إلى أسفل مجار لها فى الأرض الرسوبية الأقل صلابة، وتتسع هذه المجارى بمرور الأيام مكونة قنوات و مجارى أوسع لتصب أخيراً فى المجرى الرئيسى الذى سمى فيما بعد بالنيل و دلتاه، ليصب الماء فى النهاية فى البحر الأبيض المتوسط، وقد أخذت المياه ترسب الطمى على جانبى النهر وفى دلتاه، مكونة واحد من أكبر أنهار العالم، وأكبر الوديان الزراعية و أكثرها خصوبةو تمر سنوات طويلة حتى تغزو منطقة شمال أفريقيا شرق وغرب النهر موجات من الجفاف أدت لموت الغابات والمراعى، و بدء التصحر فى هذه المناطق و تم تحولها لصحراء جرداء قفر، وقد كان هذا منذ حوالى 10000 عام، فأخذ سكان هذه الصحارى فى موجات تتناسب مع موجات الجفاف يرحلون للوادى، و يتركوا هناك حرفتهم الأصلية وهى صيد الحيوانات وجمع الثمار والجذور، ليبدءوا فى التحكم فى النهر وزراعة واديه تدريجيا، وهناك أنشئوا واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية المعروفة، ومازالت الحياة حول هذا الوادى مرتبطة و معتمدة بشكل كامل بكل هذه السلسلة من العمليات المترابطة.لابد و أن نعرف إن هذه السلسلة ما هى إلا جزء ضئيل جداً من شبكة لانهائية من السلاسل المتشابكة و المعقدة، فما الوجود إلا كائنات مادية لانهائية تترابط فى علاقات متبادلة لا نهاية لها، وتعتمد فى وجودها وحركتها وتحولاتها على بعضها البعض، وعلى تأثيرها المتبادل على بعضها البعض، فكل ظواهر المادة ما هى إلا تعبير عن عمليات تجرى بين أشياء مادية، والتى تترابط فيما بينها ترابطا متبادلاً بل وتعتمد على بعضها اعتمادا متبادلاً.والآن فلنلقى نظرة على سلسلة أخرى من العمليات المترابطة.تكونت الذرات فى لحظة تاريخية معينة، أتسم فيها الكون بدرجة حرارة منخفضة نسبيا، سمحت بتبادل البروتونات والالكترونات لكمات الطاقة الكهرومغناطيسية أو الفوتونات، حيث أن درجات الحرارة الأعلى لا تتيح فرصة لهذا التبادل ـ ولما كانت درجات الحرارة مجرد مقياس لمتوسط طاقة أو سرعة الجسيمات، فان تبريد الكون يكون له تأثير جوهرى على ما فيه من مادة، وعند درجات الحرارة العالية جداً، تتحرك الجسيمات فيما حولها بسرعة يبلغ من قدرها أن الجسيمات تستطيع أن تفر من أى تجاذب فيما بينها يرجع إلى القوى النووية أو الكهرومغناطيسية، ولكنها إذ تبرد فأن المرء يتوقع أن هذه الجسيمات يجذب بعضها بعضا لتبدأ فى التجمع ثانيا. وفوق ذلك فأنه حتى نوع الجسيمات التى توجد فى الكون يعتمد على درجة الحرارة.وعلى ما يعتقد فقد تكونت فى البداية أنوية الهيدروجين الثقيل، الذى تحوى نواته على بروتونا و نيوترونا، وذلك بعد أن أصبحت البروتونات والنيوترونات لا تملك الطاقة الكافية لكى تهرب من الطاقة النووية القوية، ثم أخذت الأنوية المتكونة تحتك مع بعضها، و هو ما أدى لتوليد طاقة هائلة، وهذا أدى بدوره لاندماجها مكونة أنوية الليثيوم والبريليوم، وهى عناصر أثقل، ثم أخذت النيوترونات فى أنوية نظائر الهيدروجين تتحلل إشعاعيا لتكون أنوية الهيدروجين العادى، مع بقاء بعض النظائر، و التى تحتوى على النيوترونات فى أنويتها، وما إن تنخفض درجات الحرارة حتى لا يصبح للالكترونات والبروتونات الطاقة الكافية لكى تهرب من التجاذب الكهرومغناطيسي، وتتكون بالتالى ذرات العناصر المختلفة، و الأثقل والأعقد فى بناءها مسببة مزيداً من التنوع فى العناصر، ومع تدخل الإنسان صناعيا فى القرن 20 اكتملت ذرات العناصر المعروفة لدينا، و وصلت إلى 120 عنصر، و يعتقد أنه لا يمكن أن توجد عناصر جديدة، حيث أن النواة التى تحتوى على أكثر من 120 بروتون ستكون ذرات تنحل فور تكونها. حيث أن مثل هذه النواة يزول فيها الحاجز بالنسبة للانشطار كليا تقريبا. ولابد أن تكون هذه الذرة غير مستقره تماما للانشطار. وحتى إنها لا تتشكل أبداً، إذ تتجزأ إلى أجزاء فى اللحظة نفسها، وفى قائمة التصميمات النموذجية التى كوناها لتركيب الذرات نجد أن الرقم الأخير فيها هو 120، وهذا يعنى بان النوى وكذلك الذرات بالطبع لا يمكن أن تحتوى على أكثر من 120 بروتونا مها كانت الظروف.من المعروف أن حالات المادة ثلاث هى الصلابة والسيولة والغازية، إلا إنه توجد حاله رابعة من حالات المادة، هى البلازما، والبلازما غاز مكون من ذرات متأينة جزئيا أو كليا تتساوى فيه تقريبا كثافة الشحنات الموجبة والسالبة، والبلازما تشكل القسم الأعظم من الكون، وتتكون أثناء التفريغ الكهربى، و الانفجارات النووية، وعمليات الاحتراق . لعلك لاحظت الأسباب المتعددة التى تؤدى لتأيين ذرات المادة، وتحولها لحالة البلازما.الأيونهو ذرة غير متوازنة كهربيا، بسبب فقدها لإلكترون أو أكثر من قشرتها الخارجية، مما يجعلها موجبة الشحنة ، أو اكتسابها لإلكترون أو أكثر لقشرتها الخارجية، مما يجعلها سالبة الشحنة ، وفى كلتا الحالتين فإن هذا يجعلها شرهة للتفاعل الكيميائى مع غيرها من الذرات لاستعادة توازنها الكهربائى المفقود.فالتفاعلات الكيميائية فى النهاية عمليات مرتبطة بتغيرات فى طاقة الذرات المتأينة، كما هو الحال فى تكون الذرات و أنويتها، فالذرة متعادلة كهربيا بمعنى تساوى شحناتها الموجبة والسالبة، بسبب تساوى بروتوناتها و إلكتروناتها، أما الأيون فهو ذرة تحمل شحنة سالبة أو موجبة، وهو الأمر الذى يكون نتيجة فقدان أو اكتساب الذرة لإلكترون أو أكثر، ومن هنا فالأيونات تكون نشيطة كيميائيا أو بمعنى آخر نهمة للتفاعل الكيميائى، وذلك النهم يكون بسبب الإخلال بالتوازن الكهربى، والذى يشكل ضرورة كامنة فى طبيعة الأيونات تدفعها للتفاعل فيما بينها لاحداث التوازن الكهربى، وإصلاح الإخلال بالتوازن الكهربى، فتتفاعل الأيونات مع الذرات والجزيئات المتأينة بدورها، حيث تتجاذب الشحنات المختلفة و تتنافر المتشابهة، وإذا كنا قد تحدثنا عن كيفيه تكون الجسيمات الأعقد من الجسيمات الأبسط بواسطة تبادلها لكمات الطاقة، فأننا سنلاحظ أن الأمر لن يختلف بالنسبة للذرة، فما يكونها هو تبادلها أيضا لكمات الطاقة الكهرومغناطيسية التى تسبب انتقال الإلكترونات بين أغلفة الذرات الحارجية مسببة اتحادها وتكوينها للجزيئات .فإذا أردنا فصل الإلكترون من الذرة وتحويلها إلى أيون ذو شحنة موجبة، فعلينا التأثير على تلك الطاقة التى تربط الإلكترون بالذرة بطاقة أكبر منها، تدفع الإلكترون للانفصال عن الذرة، وذلك بأن نكسبه كما من الطاقة يدفعه للحركة مبتعداً عنها، وبالطبع فكلما زادت الطاقة المستخدمة كلما استطعنا فصل عدد أكبر من الإلكترونات، و بالتالى زيادة الشحنة الموجبة للأيون، إلا إننا كلما تعمقنا إلى داخل الذرة مقتربين من النواة احتجنا طاقة أكبر، حيث أن الطاقة بين النواة والإلكترونات الأقرب إليها تكون أكبر من التى بينها وبين الإلكترونات الأبعد عنها.ولعلنا لاحظنا مرة أخرى أن تطور المادة مرتبط بمستوى طاقة الكون، والتى تسمح بترابط أجزاء معينة من المادة بواسطة كمات معينة من الطاقة، يتعاظم مقدارها كلما توغلنا للأجزاء الأبسط .. وإذا كنا قد عرفنا كيف تتأين الذرات كخطوة أساسيه لتفاعلها فيما بينها لتكون الجزيئات، فأنه يبقى لدينا أن نعرف أيضا أن ضم الإلكترون إلى ذرة يحولها إلى أيون سالب، وهى عملية عكس للعملية السابقة.فالذرات تتجاذب أو تتنافر عند مسافات معينة، وتزداد أو تقل قوة التأثير المتبادل عند تباعدها أو تقاربها، وهذه المسافات تسمى مسافة الاتزان ، التى تتذبذب حولها الذرة داخل الجزىء ، وتختلف هذه المسافات باختلاف الذرات ، كما أن الذرات تترابط داخل الجزيء بفضل طاقة الترابط بينها ، وهى تتذبذب داخل الجزيء حول مراكز إتزانها لمسافات محدودة جداً.فالتفاعلات الكيميائية هى عمليات تجرى بين الجزيئات و مكوناتها وبها تتحلل وتتركب الجزيئات، ويتم هذا بتأثير الأشكال المختلفة للطاقة الكهرومغناطيسية سواء أكانت حرارية أم ضوئية أم كهربية.. الخ، و التى يحدث تأثيرها تشابكات لإلكترونات الذرات المتفاعلة، والتفاعلات الكيميائية هى عملية تحول مواد إلى مواد أخرى تختلف فى التركيب والخواص، وفيها تظل الذرات على حالها دون تغيير، وإنما تنتقل فحسب من جزيء إلى جزيء آخر، فكما أن الجسيمات الأولية بكل خواصها الفريدة تتبادل مع بعضها الفعل لتكون كائن مادى آخر متميز بخواصه هو الذرة، فإن الذرات بكل خواصها أيضا تتجاذب أو تتنافر كهربيا لتكون جزيئات تختلف عنها فى الخواص تماما، فملح الطعام الصلب الأبيض البلورى الشكل ذو الطعم الملحى، والمسمى علميا كلوريد الصوديوم، تتكون جزيئاته من ذرة صوديوم وهو عنصر فلزى لامع، وذرة كلور ذلك العنصر اللافلزى الغازى، وقد نتج عن إتحادهم جزيء كلوريد الصوديوم، وقد تم هذا الاتحاد من خلال تفاعل جزيئين مختلفين عنه فى الخواص، هما حمض الهيدروكلوريك السائل ذو الطعم اللاذع و هيدروكسيد الصوديوم ذو الطعم القابض، وقد نشأ عن هذا التفاعل جزىء الملح بالإضافة إلى الماء الذى لا طعم له ولا لون ولا رائحة.حمض الهيدروكلوريك + هيدروكسيد الصوديوم ـــ ماء + كلوريد الصوديوم + طاقه الترابطأين ذهب كلاً من الكلور و الصوديوم بخواصهما فى جزيء الملح الموجود أمامك على المائدة ؟ وهل لاحظت فيه أى خاصية من خواصهما.. بالطبع لا، فما حدث من خلال التفاعل الكيميائى هو إنتاج كائن مادى جديد تماما يختلف عن مكونيه الأصليين، وإن كان يحتويهما فى نفس الوقت، فأننا عند تحليل جزىء كلوريد الصوديوم كيميائيا، فسنجد أمامنا كلاً من الصوديوم و الكلور السابق اختفاءهما فى جزىء الملح، وإننا لو حللنا محلول الملح فى الماء كهربيا، فسنجد أمامنا حمض الهيدروكلوريك و هيدروكسيد الصوديوم القلوى السابق ذكرهما.ما سر هذا التنوع اللانهائى للأشياء من حولنا؟ لأشياء سائلة وصلبة وغازية؟ ما بين باردة وساخنة؟، ما بين ضخمة للغاية و صغيرة للغاية؟ ما بين حية وغير حية؟، ما بين لينة و قاسية ؟، ما بين خفيفة وثقيلة ؟ هل هناك غاية من وراءها ؟، أم أن هذا التنوع ناتج عن الكيفية التى تنبنى بها الأشياء، ونوعية وكمية وترتيب مواد بناءها ؟.الإجابة الصحيحة هى السببية الشرطية، والتى هى علاقة عامة و شاملة تربط بين كل الأشياء والعمليات و الظواهر التى تكون سائر الوجود المستقل عن وعينا به، فدرجة الحرارة شرط ضرورى لتكون الذرات و الجزيئات، و سببا فى وجودهما، فالأشياء تؤثر فى بعضها البعض بشكل متبادل و بحكم ضرورات كامنة فى طبيعتها، فالأشياء من حولنا مشروطة بوجود بعضها البعض.إن التأثير المتبادل بين الظواهر يكون سببا داخليا لحركة ظواهر الواقع وتغيراته، فالواقع هو مجموعة من الظواهر تتبادل التأثير فيما بينها، وهو فى حركته المستمرة، وتطوره اللانهائى لا يحتاج لأسباب من خارجه، فهذا التأثير المتبادل بين شتى ظواهره هو السبب الحقيقى والنهائى لجميع تلك الظواهر، هو السبب الأول لكل الوجود وما يحدث فيه.والظواهر فى تبادلها للتأثير فيما بينها لا تكون فى نفس المستوى من الأهمية فهناك أسباب حاسمة، و أسباب غير حاسمة، أسبابا رئيسية و أسبابا ثانوية، وعلى العلم أن يكشف لنا باستمرار عن ما هو حاسم وأساسى من الأسباب التى تحدث النتائج قيد البحث.فهناك دائما ما يسمى بالشروط، وهى مجموعة الظواهر المحيطة بكل من السبب والنتيجة حيث لا يحدث السبب نتيجته إلا بتوافر هذه الشروط، وهى مجموعة الظواهر المحيطة بكل من السبب والنتيجة، فلا يحدث السبب النتيجة إلا بتوافر هذه الشروط، فتبادل الفعل بين الإلكترونات و البروتونات مشروط بدرجة حرارة معينة، فبعض الشروط تساعد على توليد النتائج، وبعضها يعطل هذه النتائج، فمعرفتنا بالأسباب والشروط تمكنا من التنبؤ بالنتائج، وهو ما يمارسه الإنسان عمليا، فلكل نتيجة إذن عدة أسباب مختلفة تسببها، فانفصال إلكترون عن الذرة قد يتم بسبب ارتفاع درجة الحرارة أو وقوعه بين جهدين كهربيين أو بسبب النشاط الإشعاعى، وذلك وفقا للظروف المختلفة، كما أن سببا واحد قد يؤدى إلى نتائج مختلفة، وتتنوع أشكال السببية بين شتى الظواهر، إلا إنها بالرغم من كل ذلك لا تعبر عن كل العلاقات المتبادلة بين شتى الظواهر فى تزامنها وتلازمها ووجودها.عرفنا مما سبق ما هى القوى التى تعمل بين الجسيمات الأولية، وعرفنا طبيعتها المادية، وكيف إنها لا تسبب الحركة بين الجسيمات الأولية فحسب، بل وحركة كل ما فى الوجود من أشياء، وكيف إننا لا يمكن أن نفصلها عن هذه الأشياء، كما لا يمكن فصل هذه الأشياء عنها، وعرفنا أصلها المادى، وقد حددنا أيضا أنواعها، والجسيمات التى تحملها، ومجالات عملها، وكيف تعمل بين الأشياء لتكون هى السبب الكامن وراء الفعل المتبادل بين الأشياء، فلا يمكن تصور البروتونات والنيوترونات دون تبادل الكواركات للجلونات، ولا نواة الذرة دون تبادل البروتونات والنيوترونات للجلونات، ولا الذرة دون تبادل نواة الذرة و الإلكترونات للفوتونات، و لا تخيل الجزيئات دون تبادل الذرات للفوتونات .. وهكذا.ألم تلاحظ إن عمليات انتقال الإلكترونات بين مدارات الذرات المختلفة المكونة للجزيئات، لابد لها من طاقة تمنح إلى هذه الإلكترونات أو تمتص منها لكى تنتقل من مدارات إلى مدارات أخرى داخل الذرات أو الجزيئات.فما هى هذه الطاقة ؟ أليست هى الفوتونات المادية سالفة الذكر، وأن التفاعلات بين الذرات والجزيئات تتم بواسطتها سواء أكانت فى صورة ضوء أو حرارة أو أى صورة أخرى من الطاقة الكهرومغناطيسية حولنا، ولسنا فى حاجه للتدليل على واقعية هذه الطاقة وماديتها فنحن نحس بالحرارة و نرى الضوء.ألا تحدث هذه التفاعلات فى الطبيعة بشكل منفصل عن إرادتنا و وعينا.. ألا تصدأ قطعة الحديد إذا تركناها فى الهواء؟ فما هو الصدأ ؟ هو مركب كيميائى يسمى أكسيد الحديد الأحمر تتكون جزيئاته من ذرات الحديد والأكسجين، أى أن عملية التفاعل بين الحديد والأكسجين الموجود فى الهواء تتم فى حرارة الجو العادية، و مع وجود بخار الماء كمادة حافزة للتفاعل، ترى هل هذا التفاعل فى حاجه لشخص ما لكى يتم؟، أليس كل ما يحتاجه الأمر هو الحديد و الأكسجين و الماء و الحرارة، وهى كلها أشياء موجودة فى الطبيعة ؟.و يبقى سؤال آخر هل تحدث هذه العملية وفقا لهدف محدد بشكل مسبق أو إرادة ما ؟ أم تحدث وفق ضرورة حتمية كامنة فى طبيعة الأشياء ؟، هل قانون أكسدة الحديد قانون موضوعى يتحدد بالأسباب و بالضرورة ؟ أم بالإرادة والعقل والأهداف والرغبة ؟.الإجابة هى أن جوهر الأشياء و بمعنى أدق علميا، العمليات الداخلية التى تكون الأشياء، وما يؤدى إليه هذا من ظواهر مختلفة نتعرف عليها ونرصدها وندرسها من خلال الممارسة العملية، ونعبر عن ما عرفناه منها بقوانين ما فى عقولنا. هذه القوانين بطبيعتها نسبية و متطورة، ترتبط فى كثير من الأحيان بمستوى التطور الذى وصلت إليه البشرية، ولكن يبقى هذا الجوهر مستقلاً عن إرادة الناس ووعيهم ومصالحهم.و كما أن السببية هى قانون شامل لا يمكن تبسيطه لعلاقة ذات اتجاه واحد بين سبب و نتيجة، حيث تتداخل الأسباب والنتائج، وتتبادل فيما بينها الأدوار فيما لانهاية له من علاقات متشابكة، فكذلك القوانين لا تبدو لنا أبداً بشكل بسيط يناسب عقول الأطفال.. فقد تعرقل مفعول القانون عدد من القوى المعاكسة للضرورات التى تفرضه، فمثلاً قد يتواجد الحديد فى هواء جاف تماما من أى بخار ماء فلا يصدأ، أو بمعنى آخر أدق علميا لا يتأكسد ، فسرعة صدأ الحديد تتوقف على نسبة بخار الماء فى الهواء، فتزدادا بزيادته، و تقل بنقصانه، وأخيراً هل يتم صدأ الحديد بناء على هدف أو غاية ، أم أن هذا ناتج عن ضرورة انتقال إلكترونات القشرة الأخيرة لذرات الحديد التى تحتوى على إلكترونين للقشرات الخارجية لذرات الأكسجين ذات الستة إلكترونات، لتحدث توازن كهربى لقشرات كلاً من ذرات الحديد والأكسجين، وأن دور بخار الماء هو عامل مساعد للحرارة العادية فى احداث هذا التفاعل .العلم سلسلة من المعارف التى يصحح بعضها بعضا، و يدقق بعضها بعضا، و لذلك فان المعلومات اللاحقة فيما يتعلق بالجسيمات الأولية أكدت مرة أخرى، لانهائية الواقع ولانهائية كائناته المادية، ولا نهائية العمليات المادية التى تجرى فيما بينها فقبل مائه عام لم يكن يعرف إلا الذرة، إلا إنه خلال المائة عام التالية فحسب أخذت المعلومات تطرد بسرعة مذهلة عن الجسيمات الأولية التى تكونها، و تتوالى النظريات التى تفسرها، ففى ذلك الحين لم يكن يعرف سوى الإلكترون، و فى أوائل القرن عرف البروتون، و فى الثلاثينيات عرف النيوترون، وفى الخمسينات عرفت أضداد المادة، وفى أوائل السبعينيات عرفت الكواركات، ومنذ بضع سنوات أتضح أن الكواركات تتكون من جسيمات أبسط هى جسيمات دلتا، وفى نفس الفترة تقريبا اكتشفت قوة خامسة يحملها جسيم من كمات الطاقه يسمى الأكسيون، و بالطبع فأننا وفق هذا المعدل قد نفاجىء عند نشر هذا النص باكتشافات أخرى، ولعل هذا لن يصدمنا بعد رحلتنا فى عالم الجسيمات الأولية، وبعد أن عرفنا طبيعتها المعقدة و العجيبة، تلك المعلومات التى تكشف لنا باستمرار أن أى جسيم مهما بلغ من الصغر هو عبارة عن مركب معقد من جسيمات أصغر، أو إنه مهما بلغ من البساطة فأن جوانبه المتعددة شديدة التعقيد، وإن صفاته و خواصه تتوقف على بنيته الداخلية، وعلاقاته بالجسيمات الأخرى، فالجسيم الأولى مهما بلغت بساطته فأنه يمتاز بالعديد من الصفات المركبة و المعقدة تمتزج فيه مفاهيمنا التقليدية حول الكتلة و الطاقة، والمجال و الطاقة، والحركة والموجه والمكان والزمان فى شبكة متداخلة و مترابطة و معتمدة على بعضها البعض فى نشوءها ووجودها واضمحلالها.أما عن أحدث النظريات المفسرة لظواهر الجسيمات الأولية و الأجسام التى تتكون منها فهى نظريه الأوتار فائقة التناظر ، وفيها لا يفترض أن الجسيمات تشغل نقطة واحدة فى المكان، وإنما هى أشياء لها طول كالخيوط وليس لها أى بعد آخر ، وهذه الأوتار شديدة القصر قد تكون مفتوحة أو مغلقة، وهى تندمج مع غيرها من الأوتار أو تنفصل عنها مكونة شبكة رائعة ولا نهائية من الخيوط، تكون كل الوجود أو الواقع أو الطبيعة من حولنا .. مثل هذه النظرية تقضى على الكثير من مظاهر أزمة ميكانيكا الكم كمبدأ عدم اليقين و الطبيعة المزدوجة (الجسيم /الموجه)ففى نظريات الأوتار فائقة التناظر فأن ما كان يظن سابقا إنه جسيمات، يصور الآن كموجات تنتقل عبر الوتر المتذبذب، و انبعاث أو امتصاص جسيم بواسطة جسيم آخر يقابله انقسام أو انضمام الأوتار معا، وما يفرق بين الجسيمات و من ثم الأجسام التى تتكون منها هو، الترددات التى تهتز بها تلك الأوتار.فى الحقيقة إنني لست متخصصا فى العلوم الطبيعية، ولذلك لا أستطيع الجزم بأننا سنستطيع فى يوم ما أن نرى ما بداخل الذرة إذا ما كان جسيمات أو أوتار ، إلا إنني كإنسان يحق لى ان أحلم بإمكانية التوصل إلى تكنيك معين ، لست أدرى كيف؟ ربما يكون باستخدام الموجات شديدة القصر التى تشكل حركة كمات الطاقة النووية القوية، وتحويلها لموجات مرئية فى يوم ما لنستطيع من خلالها تصوير ما بداخل الذرة، كما استطعنا تصوير الذرة نفسها ، و الجزيئات التى تتكون منها، ربما فى هذه الحالة سيكون للعلم أن يسترد ما قد فقده بسبب أزمة الفيزياء الحديثة، ولا شك إن هذا سيكون ضربة قاسية على الأوهام والخرافات .. حيث سنعرف على وجه اليقين وحدات البناء الأكثر بساطة التى بنى منها الكون ، وسنعلم حينئذ كيف بنى الكون من عناصره الأولى ، وتطور إلى ما هو عليه الآن.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية