الأربعاء، 30 أبريل 2008

النقدية والنقلية

كتاب العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى
سامح سعيد عبود

النقدية والنقلية
يأتى الإنسان إلى العالم مجرد كائن حى ، بلا وعى ، ولا شعور بذاته ككائن متميز عن العالم من حوله ، فضلا عن المعرفة بوجود العالم نفسه ، ومع نموه ينمو معه الوعى والإحساس بكل من الذات ومعرفة العالم ، وفى خلال رحلته من المهد إلى اللحد تتعرف حواسه المختلفة من بصر وسمع وشم وتذوق وحس على الكثير من مظاهر الوجود ، ويستقبل مخه مالا حصر له من معلومات ومفاهيم وعقائد وقيم وتفسيرات مختلفة لما يحسه من مظاهر الوجود... بعضها قد يكون صحيحا، وبعضها قد يكون خاطئا.
والإنسان فى كل هذا ليس مجرد عنصر سلبى يعكس كل ما يتلقاه كما تعكس المرآة صور الأجسام الساقطة عليها ؛ إذ إنه يستخدم طرقا مختلفة فى التفكير : فى فهم واستيعاب كل ما يأتى إليه من العالم الخارجى من مؤثرات، فيقبل أشياء على علاتها ، ويرفض أشياء أخرى ، وهو بالتالى قد يصل إلى تفسير مشوه للواقع فيعتقد – مثلا – أن الأرض مسطحة فى حين أنها فى الواقع كروية الشكل ، وقد يصل إلى تفسير صحيح فيعرف أن سر طفو الخشب على الماء هو أن كثافة الخشب أقل من كثافة الماء.
وبالتالى فإنه إما أن يتخذ مواقف صحيحة تجاه الواقع، أو أن يتخذ مواقف خاطئة .
فى الحالة الأولى حين يعرف أن سبب الكثير من الأمراض ينشأ عن تلوث الطعام والشراب بالجراثيم فإنه يحرص على النظافة ، وفى الحالة الثانية يلجأ إلى السحر والتمائم للشفاء أو الوقاية من المرض .
والحقيقة أن الإٌنسان فى الواقع يجمع بين الخطأ والصواب بنسب مختلفة عبر رحلته فى الحياة ، ولدواع التبسيط فحسب سنميز بين طريقتين متناقضتين فى فهم العالم، يمزج البشر بينهما غالبا بهذه الدرجة أو تلك ، على الرغم مما تؤديان إليه منفردتين من نتائج متناقضة ، وحيث تندمجان فى نفس الوقت فيما يعرف بخليط الوعى البشرى .
الطريقة الأولى هى الطريقة النقلية التى تذعن لما تتلقاه من مؤثرات وأفكار دون نقد حقيقى لجوهر هذه الأفكار، والنفاذ لحقيقة تلك المؤثرات من خلال اختبارها فى الواقع ،فتؤمن بالخرافة والسحر لمجرد أنها تلقت منذ صغرها من المجتمع الذى تعيش فيه أن الخرافة حقيقة لا وهم ، وأن للسحر قدرة على تغيير الواقع ، لا مجرد خفة يد ، وقدرة على الإيحاء لا غير، فهى تحصر نفسها فى مجموعة من النصوص والأفكار المنقولة إليها عن أسلاف ما ، تحمل لهم التقديس والتصديق المطلقين ، وتعتبر ما نقل إليها منهم هو الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهى فى مواجهة كل هذه المنقولات الشفهية والمكتوبة، تجبن عن نقدها ولا تتخيله ، بل تخضع لها ببلاهة ، لاغية ما تملكه من قدرة على الفهم الصحيح عبر النقد العلمى .
أما الطريقة النقدية فهى التى لا تذعن لما تتلقاه من مؤثرات وأفكار ، حيث تمارس نقدا للواقع من حولها ، وللأفكار المنقولة إليها ، محاولة النفاذ لحقيقة الأشياء عبر الاختبار والتجربة ، وهى بالتالى متحررة من سلطة النصوص ، وتقديس الأسلاف مهما بلغ شأنهم ، فهى لا تنشد سوى الحقيقة كما هى فى الواقع ، لا كما هى فى النص والمنقول .
ولكن إلى أى مدى يمكن أن تكون هذه المقارنة صحيحة؟ إنها بلا شك صحيحة فى حدود ما.. عندما نود التمييز المجرد بينهما ، إلا أنه تبقى عدة ملاحظات توضح لنا المسألة أكثر :
1- ليس هناك تطابق بين المعرفة الصحيحة والطريقة النقدية، وبين المعرفة الخاطئة والطريقة النقلية ؛ فثمة معرفة صحيحة نقلية مثل كل ما يرثه الفلاح عن كيفية الزراعة دون معرفة بالأسباب العلمية التى تفسر ضرورة استخدام هذه الطرق بالذات فى الزراعة.. وثمة معرفة نقدية خاطئة ، فقد عرف تاريخ العلم حتى أوائل القرن العشرين ، نظريتين علميتين حول طبيعة الضوء : أحدهما تقول بالطابع الجسمى للضوء، والأخرى تقول بالطابع الموجى له ، وأخذ أنصار كل نظرية يوجهون سهام النقد للنظرية الأخرى ، مثبتين من خلال هذا النقد صحة النظرية التى يتعصبون لها حتى تم اكتشاف الطبيعة المزدوجة للضوء من خلال نقد النظريتين المتنافستين .
2- إن كل معرفة نقدية تصبح نقلية بعد ذلك : فمعرفتنا ببيضوية الأرض بما تتضمنه من نقد لفكرة كونها مسطحة أصبحت معرفة نقلية ، وبالتالى فكل معرفة نقلية كانت أصلا فى مرحلة ما معرفة نقدية ثارت على تصورات أسبق .
3- القدرة على النقد قدرة تاريخية ، وليست مطلقة، فلم يكن من الممكن اكتشاف أسباب سقوط الأمطار إلا عند مرحلة معينة من تطور المعرفة البشرية عموما ، والتى أدت إلى المنهج العلمى الحديث ، ومرحلة معينة من تطور العلم نفسه.. ومازالت توزيعات الضغط الجوى وتغيراتها فى العالم غير مفهومة تماما حتى الآن ، ومن هنا كانت محدودية القدرة على التنبؤ بها ؛ ولذلك فليس غريبا أن يعتقد بعض البشر بأن المطر ما هو إلا مظهرا لكائن غيبى، وليس محض ظاهرة طبيعية ترتبط بالرطوبة وحركة الرياح وتوزيعات الضغط الجوى.
4-مما سبق يتضح أنه:ليس كل نقد هو نتاج طريقة نقدية ،كما أن كل نقل لا يجب أن يكون بالضرورة نتاجا لطريقة نقلية،إنما هما عمليتان تاريخيتان ،لهما دوافعهما الاجتماعية:فالطريقة النقلية لا تتشبث بالنقل حبا فى النقل ذاته، وكذلك الطريقة النقدية لا تتشبث بالنقد عشقا للنقد ذاته . ولكن النتائج الاجتماعية لأى منهما هى التى تدفع إما للنقل أو للنقد ، حسبما يساعد أى منهما فى الصراع الفكرى ، والصراع الطبقى ،والصراع السياسى فى المجتمع المعنى .
5- تمارس الطريقة النقلية النقد أحيانا، عندما تنقد التطورات الحادثة فى المجتمع استنادا لمنقول تم تجاوزه تاريخيا : كالنقد الموجه من الجماعات الإسلامية للتطورات العصرية التى تمر بها المجتمعات الإسلامية ، استنادا لرؤية نقلية للدين.
6- كذلك ليس هناك تطابق بين الطريقة النقلية والطريقة النصية ؛ لأن الأخيرة تتقيد بنص بالذات ، أما الطريقة النقلية فقد تتقيد بعادات أو تقاليد أو ممارسات اجتماعية من أى نوع ، وليس بالضرورة النص.
وإذا كانت قد اتضحت الآن لنا صورة الطريقتين النقلية والنقدية ، فأننا سنرى من خلال بحثنا كيف يمكن لهما ، أن يتناقضا ويتوحدا ويمتزجا وينفصلا ، ويتصارعا ويتحالفا، ويتبادلا المواقع ، وذلك من خلال ما تطرحه سائر القوى السياسية سواء التى تمزج الدين بالسياسة ، أو ما هو أكثر شمولا من القوى الدينية ، تلك القوى السياسية اللادينية أو العلمانية التى تمزج ما بين النقد والنقل فى فهم العالم وتغييره . السلطة المطلقة للسلف :
عندما تسأل إنسانا ، عن رأيه فى سلوك ما ، على سبيل المثال : "الحرية الجنسية ،على ما تمثله من خصوصية شديدة للفرد" ، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو : هل هذا السلوك حرام أم حلال دينيا ؟ ، وهل هو جائز قانونا أم ممنوع ؟ ، وهل هو مقبول اجتماعيا أم غير مقبول ؟ ، فهو سيمتنع عنه ، ويشجبه مادام محرما دينيا ، على الرغم من أنه سيكون فى غاية الابتهاج لو وجد نصا دينيا يؤمن بقدسيته يسمح له بذلك ، طالما كان متدينا ، وسيمارس هذا السلوك إذا أجازه القانون ، وسيمتنع عنه طالما منعه القانون ، وإن كان يضمر فى نفسه الرغبة فى تشريع يسمح له بذلك،هذا إذا كان يخشى كسر القوانين السائدة.وهكذا الحال إذا كان حريصا على عدم مخالفة الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية ،فيمارس سلوكا محافظا فى المجتمعات المحافظة وسلوكا متحررا فى المجتمعات المتحررة ،وهو فى كل هذا يقدم المنقول ، (شفهيا كان أم مكتوبا) أيا كان مصدره (مقدسا كان أم غير مقدس) على مناقشة السلوك المحدد فى ذاته : لماذا يمارسه ؟ ولماذا يمتنع عنه ؟، لماذا يرفضه ؟ ولماذا يقبله ؟.. وفق معايير موضوعية متحررة من سلطة المنقول.. أى انه – باختصار، يلغى عقله، أو يسجنه داخل حدود المنقول..و الذى لا يسمح لنفسه أو للآخرين بنقده أو الخروج عنه . فمؤسسات الموضة هى التى تحدد ما هو جميل من الملابس، و الذى لم يكن جميلا منذ سنوات قليلة مضت ،وهو نفسه الذى قد يتحول لقبيح بعد سنوات أخرى ،وذلك بناء على رغبة تلك المؤسسات فى زيادة الأرباح،وتأثير أجهزة الإعلام التى تعمل بتأثير تلك المؤسسات، والتى يستسلم لتأثيرها الجميع دون مناقشة،ولا نجد من تبرير لذلك سوى الانسياق للقطيع.
حتى مقاييس جمال المرأة تحددها الأنساق الاجتماعية المختلفة، برغم ارتباط الجمال فى هذه الحالة بالغريزة الجنسية، فقديما كانوا يفضلون المرأة البدينة عن النحيفة، أما الآن فقد تغيرت المقاييس لصالح النحيفة ،وهذا مرتبط بتغير دور المرأة الاجتماعى فى العصر الحديث حينما خرجت للعمل والحياة العامة فأصبحت الرشاقة رمزا للتميز الاجتماعى بعدما كانت البدانة هى هذا الرمز….وحتى التذوق الفنى يخضع فيه البشر لروح القطيع والإيحاء فقد "عرض بعض الباحثين أسطوانتين متماثلتين لسيمفونية على مجموعة من المستمعين الذين قيل لهم قبل أن يستمعوا أن مجموعة من نقاد الموسيقى أصدروا حكما بالإجماع على أن إحدى الأسطوانتين أفضل من الأخرى، ومن الغريب أن 96%من جملة العينة ذكروا أنهم يعتقدون أن أحدى الأسطوانتين أفضل من الأخرى .ووافق59%على اختيار الخبراء و أدرك 4% فقط أن الأسطوانتين متماثلتان"(1). هذا لا يعنى بالطبع رفض أى معايير اجتماعية تحكم سلوك الأفراد، حيث تشكل هذه المعايير ضرورة اجتماعية تضمن بقاء الاستقرار فى المجتمع ،إلا أنى أتحدث عن سلطة المنقول الهائلة على السلوك و الوعى الإنسانى ،والتى لا تستطيع أن تتحرر منها الطريقة النقلية ليس فى حدود ما هو ضرورى اجتماعيا للإبقاء على المجتمع لأداء وظائفه فحسب، ولكن فيما ليس ضروريا اجتماعيا على الإطلاق ،وفيما يعرقل التقدم الاجتماعى. وعلى أساس هذه الطريقة السائدة ، المستعبدة فى حقيقتها، واللاأخلاقية فى جوهرها - مهما قيل عن أخلاقياتها - تسود أفكار سائر القوى السياسية القائمة على الخرافية ، إذ إن من لا يعرف حرية الفكر ولا تحكم أفعاله إرادته الحرة لا يسأل عن سلوكه ، ولا يحق لنا الحكم على أفعاله ، وفقا لأبسط قواعد العدالة : فما الفرق بين المعفى من المسئولية القانونية والاجتماعية عن غير إرادته (كالمجنون والصبى) ، وبين من تتحدد إرادته ومعاييره وفقا لسلطة من خارجه يذعن لها دون أدنى تفكير إلا فى اكتساب رضى مصدر تلك السلطة ؟! وهذه الطريقة فى التفكير هى خاصية هامة لكل القوى السياسية الأسطورية دينية كانت أم علمانية. إلا أن هذا لا ينطبق على الأفكار الأصولية فحسب ، بل وحتى فى بعض حركات الإصلاح الدينى ، وعلى سبيل المثال : اعترف مالكوم خان – وهو أحد كبار رجال الإصلاح فى إيران فى أوائل هذا القرن – بـ "أن هدفه الأساسى كان أن يجعل فلسفة السياسة الغربية مقبولة من خلال إلباسها تعابير القرآن والحديث وأقوال أئمة الشيعة"21).
يتحول البشر بذلك إلى مجرد عبيد للنص والسلطة والأسلاف.. إلى مجرد منفذين لإرادات الآخرين ، وتابعين لعقول غير عقولهم ، وقد فقدوا أى قدرة على التفكير المستقل والإرادة الحرة. حين يكتب مالكوم خان :" لقد وجدنا أن الأفكار التى لم تكن مقبولة بأى شكل عندما جاءت عن طريق عملائكم فى أوروبا كانت تصبح مقبولة حالا وبحبور عظيم عندما كان يؤتى بالبرهان على أنها تكمن فى الإسلام"(3). فالقبول أو الرفض لهذه الأفكار فى هذه الحالة ، ليس مرتبطا بالاقتناع الموضوعى.. بصحة هذه الأفكار أو خطئها ، وإنما بالانصياع والإذعان للنص دونما أدنى مناقشة علمية له.
سيادة الطريقة النقلية :
الطريقة النقلية لا تقتصر فحسب على القوى الإسلامية، إذ إنها السمة المميزة لمعظم القوى السياسية فى مصر ، بما فيها أكثر القوى مخالفة لما هو سائد من فكر - وأعنى بها القوى الماركسية اللينينة على الأقل قبل الأحداث الأخيرة فى الاتحاد السوفييتى وأوروبا الشرقية : فالمنهج السياسى السائد يحول المذاهب السياسية إلى أديان ، والأديان إلى مذاهب سياسية ؛ ولذلك فهو فى الحالتين يصبح سلفيا : ابتداء من فكر الجماعات الإسلامية (كحركة سياسية قائمة على أساس دينى) ، وانتهاء بالفكر الماركسى السلفى الذى حول الماركسية من نظرية علمية إلى دين، ومرورا بكافة التيارات السياسية والأيديولوجية الأخرى . ألم يكن الناس بعد ثورة 19 يهتفون "الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلى" فتحول سعد زغلول من مجرد زعيم سياسى إلى إله ، هو الغاية والسلطة والرمز ، وما دونه عدم وهباء ؟! ألم يساوه بالله وهو الذى لا يحمد على مكروه سواه؟!!
ويربط مصطفى النحاس بين ظاهرة الزعامة فى الوفد وبين الوفد كفكرة فيقول "لابد لكل فكرة من زعيم يكون عنوانها الذى تشخص إليه الأبصار وترنوا إليه الأنظار وتتجسم فيه حياة وحركة ، وتتمثل قولا وعملا ، وهو الذى يوضح منهجها ، ويبين مسلكها ومنه تستمد بقاءها ونشاطها ، وهو لسانها الذى يبرز حجتها وينشر دعوتها ويمد على النفوس سلطانها ويبسط فى القلوب جلالها "(4) .
وهكذا فإن الوفد الذى نشأ كوكيل للأمة للتفاوض من أجل تحرير مصر من الاحتلال الانجليزى، لا يعنى بحرية حقيقية للمواطن المصرى ،بقدر ما يسعى لتحويل تبعية المواطن المصرى من السيد المحتل الأجنبى،إلى تبعية السيد الزعيم الوطنى الوفدى.الذى تتجسد فى شخصه الأمة بأسرها. يذكرنا هذا بتسامح الشيوعيين المصريين المعذبين فى سجون النظام الناصرى مع جلادهم لأنه ببساطة كان نظاما وطنيا.وكان شهدى عطية الشافعى يهتف بحياة الزعيم الوطنى جمال عبد الناصر،فى حين كان يتلقى ضربات جلادى النظام الوطنى التى قتلته ليس عن جبن أو استسلام،وهو الذى ظل يكافح عشرون عاما، وقد سبق له رفض تقديم التماس للملك فاروق طالبا العفو عندما كان سجينا قبل يوليو52(5)،وإنما كان الهتاف عن اقتناع تام بوحدة الأهداف، والتماثل بين الجلاد والضحية.فالمهم حرية الوطن أما حرية المواطن فلا تهم أحد. ألا يكفى لكى يغفروا أن جمال عبد الناصر قد أثبت لهم وطنيته بتأميم القناة، وتأسيس حركة عدم الانحياز ،وتمصير الشركات الأجنبية، كما أنه القائل:"إن الميثاق نقطة الالتقاء ودليل العمل الثورى للشعب العربى كله ،سعيا إلى الحرية والكفاية والعدل والوحدة.وانطلاقا على طريق الثورة العربية المجيدة، وأن المغزى التاريخى للميثاق يمتد إلى ما وراء حدود الوطن العربى "(6).ونحن لا ندرى أى حرية تلك التى كانوا يتحدثون عنها.ولم يكن أحد فى عهده يجرؤ على التفكير فى المعارضة . ومن ثم فأن الميثاقيين وهم اتجاه فى الناصرية يرى " أن فى الوثائق الأساسية للثورة زادا كافيا للتصور الناصرى باعتبار أن الناصرية موقف فكرى و برنامج عمل سياسى "(7). وهكذا يتحول الميثاق الذى كتب فى الستينات ليعبر عن متطلبات لحظة تاريخية معينة إلى كتاب مقدس صالح لكل زمان ومكان.
لقد ساد المنهج النقلى بديلا عن المنهج النقدى التجديدى والإبداعى فأغلب الماركسيين - على عكس ما يعلنون الانتماء إليه من تراث هو ذو طابع نقدى وعلمى بالأساس يعتمدون فى تحليلهم للواقع وتحديدهم للمواقف على الاستشهاد بالنصوص، وهم فى هذا لا يختلفون كثيرا عن جماعات الإسلام السياسى، رغم رؤيتهم النقدية لكل من الواقع والفكر السائدين ، إلا أنهم يتعاملون مع الفكر الجديد بنفس المنطق الذى يصف به شريف يونس منهج الإسلام السياسى عندما يقول إنه : " إخضاع الواقع للنص واعتماد القياس الفقهى مقياسا للواقع والتاريخ "(8).
يكتب أحمد طاهر على سبيل المثال " والحقيقة أننى حين بدأت القراءة من أجل البحث_كنت متخوفا حيث ترسبت فى ذهنى مواقف جامدة ومحفوظة مسبقا . وإذ بى مع الولوج فى البحث أفاجأ بما لم يكن فى الحسبان لأتأكد بأنه مادام الباعث لدى الاشتراكيين الأوائل كان شديدا من أجل العدل والحرية فلن نضل الطريق إلى أفكارهم حين نحاول البحث عن ذات الأهداف_مراعين فى الاعتبار الزمان والمكان والظرف التاريخى للمواقف والأفكار"(9).
وماذا لو اتضح له عكس ما أكتشف كأن يكون الاشتراكيين الأوائل ذوى نزعات معادية للديمقراطية ؟ ولماذا يضطر أو نضطر عند تحديد موقفنا أن نستند لنصوص كتبها الاشتراكيون الأوائل ؟.إلا إذا كنا نعتبرهم فوق مستوى البشر.ما أشبه هذا بما حدث فى فترة الثورة الثقافية فى الصين ، وبدرجات أقل حدة فى كل الحركات الشيوعية الخارجة من العباءة اللينينية. كتب الكسى جيلوخوفتسيف فى كتابه الثورة الثقافية من قرب مذكرات شاهد عيان " لقد كان المثل الأعلى الماوى للإنسان الذى أكتشفه تسزين ماى هو الطهارة البدائية التى لم تلوثها الثقافة حتى الأمية الكاملة المتكاملة .عندما يعجز الإنسان عن ذكر الصواب فى أغلب الأحيان ثم تجىْ بعد ذلك دراسة مؤلفات ماو تسى تونج . لكن ليس كل المؤلفات بل مقتطفات منها تناسب عامة الشعب ، التطبيق الحرفى لأفكاره فى الحياة اليومية وبالأصح المقدرة على تصور التصرفات العادية التى يمليها العقل السليم كأنها ملهمة بأفكار ماوتسىتونج ويفهم من دراسة الأفكار هو قبل كل شئ الحفظ والصم الذى يتم على طريقة جماعية لا فردية لأنها على ما يبدو تساعد على تبلد عقل الكثيرين"
(10).وكذلك تحرص جماعات السلفيين وأنصار السنة والتبليغ والدعوة على أن يتمثل المسلمون ما كان عليه النبى فى سلوكه البسيط من طعام وملبس وعادات مختلفة حتى وضع الجسم عند النوم ،والطريقة التى كان يشرب بها الماء ،فلا تترك فرصة للمسلم أن يحدد بنفسه ما يجب أن يفعله من أبسط الأشياء إلى أعقدها.
وبهذه الطريقة تحرر الصينيون من عبادة كونفوشيوش ليقعوا فى عبادة ماو، وتحولت الماركسية من أداة لتحرير للبشر من الأوهام إلى وهم جديد رغم إرادة المؤسسين،وبدلا من أن يسيطر البشر على مصائرهم عبر تحرير العقل من الوهم، يتم قتل قدرات العقل الإبداعية،وتكبيلها عبر الحفظ والتلقين ،ووضع البشر فى قوالب متماثلة. وقد اظهر ستالين هذه الروح الأسطورية فى كتابيه الأشهرين "أسس اللينينية" و"المادية الجدلية والتاريخية" بالإضافة إلى القسم اللينينى الذى ألقاه بعد وفاة لينين "عندما تركنا الرفيق لينين أوصانا أن نمسك عاليا لقب عضوية الحزب العظيم ونحتفظ به نقيا ونحن نعاهدك يا رفيق لينين أننا سنتشرف بتنفيذ وصيتك هذه..عندما تركنا الرفيق لينين ،أوصانا أن نحرس وحدة الحزب بمثل عيننا ،نعاهدك يا رفيق لينين أننا سنتشرف بتنفيذ هذه الوصية أيضا..عندما تركنا الرفيق لينين أوصانا أن نحرس ونقوى ديكتاتورية البروليتاريا..نعاهدك يا رفيق لينين أننا لن نبخل بجهد فى التشرف بتنفيذ هذه الوصية أيضا " (11). ومن المعروف أن ستالين قد نفذ كل هذه الوصايا بكل دقة واجبة حيث أعدم معظم أعضاء اللجنة المركزية لحزب لينين، وعدة عشرات من الألوف من أعضاء نفس الحزب، ومئات من الألوف من البروليتاريا الذى كان يمارس هو ديكتاتوريتها المفترضة بالنيابة عنها،وقد أدى كل هذا وكأنها مهمة مقدسة ،لأنهم ببساطة خالفوه الرأى الأمر الذى أعتبره ستالين كفرا صريحا بالدين الذى تحول هو إلى كاهنه الأعظم مما أستوجب سحق كل مجدف به.
قد كان تروتسكى يخالف ستالين فى المسألة الأساسية مسألة إمكانية بناءالاشتراكية فى بلد واحد بمفرده ومن ثم كان يرى ضرورة أن تمتد الثورة من روسيا المتخلفة إلى غرب أوروبا المتقدم، حتى يمكن بناء الاشتراكية وهو ما كان يتفق أكثر مع الماركسية من زاوية عدم إمكان بناء الاشتراكية على بنية اجتماعية متخلفة كما كان عليه لوضع فى روسيا أولا، بالإضافة للطابع الأممى للثورة العالمية الذى افترضته الماركسية نظرا للطابع العالمى لنمط الإنتاج الرأسمالى ثانيا ،وهو الخلاف التى كانت تعبر عنه دوائر التأريخ السوفيتية ب"وظهر فى الحزب نفر من الاستسلاميين ووقف تروتسكى ضد خطة الحزب "(12).
والحقيقة أن التروتسكيين هم الأكثر تمسكا بالنصوص التراثية للماركسية الأصولية عن الستالينيين والماويين، إلا أن الفرصة لم تواتهم فقط لا للحكم أو الانتشار الجماهيرى مما جعلهم أقل وضوحا فى نقليتهم. أنهم أشبه بالشيعة فى التاريخ الإسلامى ، و كما أصبح مصرع الحسين محوريا فى تاريخ الشيعة ، فأن نفى و اغتيال تروتسكى محوريا فى تاريخ التروتسكية .
وعلى الرغم مما يحاوله الكثيرون من التمييز بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة بين معتدلة ومتطرفة، إلا انه لا توجد فى الحقيقة فروق جوهرية فى رؤى كل هؤلاء ؛ فالاتجاهات المسماة "بالمتطرفة" تنتقل من مجرد الإيمان إلى الفعل المباشر – ولا تقتصر على التبشير بالإيمان كما يفعل المعتدلون – فالمتطرفون لا ينطلقون من مفاهيم ورؤى مغايرة لما ينطلق منها "المعتدلون"، أو لما هو سائد فى الوعى العام، وأجهزة الدولة وأدوات إعلامها.. إلا أنهم يطرحون تلك المفاهيم والرؤى فى صورها الأكثر استقامة ووضوحا، وينقلونها من مجرد الكلام إلى الفعالية والحركة، فهم أعجز من أن يتكيفوا مع واقع يتناقض مع هذه المفاهيم.
وتطول النقلية حركة التنوير المصرية والعربية، فلم تعتمد هذه الحركة على نقد ما هو سائد من أفكار بقدر ما حاولت تأويل وتفسير هذه الأفكار بما يتماشى مع أهدافها التنويرية.. وهكذا راح المفكرون المصريون والعرب يتصورون النهضة ويخططون لها، بل يناضلون من أجلها، بعقول أعجز من أن تتمرد على المنقول والموروث، ولهذا السبب فشلت حركة التنوير، وكان هذا أحد معالم العجز المزمن عن التقدم، وبمعنى آخر : إفراز للحداثة غير المكتملة، والتطور المشوه الذى يميز مجتمعنا المصرى، فبالرغم من انتشار أجهزة الكومبيوتر والمصانع الحديثة والمعامل المتطورة، إلا أن من يشغلونها يفكرون بعقول تجمدت فى حدود القرن الثامن عشر على أحسن تقدير، فالعقلية النقلية مهما تنوعت مصادرها أعاقت عملية التقدم والحداثة، فهى التى دفعت بعض الاشتراكيين إلى البحث عن سلف لهم يبرهنون من خلاله على صحة أفكارهم، فوجدوه فى أبى ذر الغفارى، و قد كان كل ما فعله الرجل هو معارضته لعثمان بن عفان فى سياسته فى توزيع العطاء، وخصوصا تمييز بنى أمية سواء فى العطاء أو المناصب.
والحال أن هذا الذى كان يجرى توزيعه ومحل للخلاف حول طريقه توزيعه ،هو ذاته منزوع قهرا بحق الفتح من شعوب منتجة وأكثر تحضرا مثل "المصريين والعراقيين والشوام"، فاشتراكية أبى ذر لم تنقد فى الواقع سوى مسألة توزيع هذا الفائض المنتزع من الشعوب المفتوحة أراضيها.. فأين الاشتراكية فى المسألة كلها ؟!

النقلية النقية:
لو أردنا أن نناقش الحركات الإسلامية، باعتبارها الشكل السائد الآن من المنهجية النقلية، فإننا لابد أن نعرف التأثير الهائل لفكر ابن تيميه - وهو أحد فقهاء المذهب الحنبلى من مذاهب أهل السنة والجماعة، على الفكرة الإسلامية الحديثة،فابن تيميه كما يصفه محمد أبو زهرة " لا يعرف الحق بأسماء الرجال، بل يعرفه من الرسول وأصحابه مجردا، ولا يتبع سواهم، مهما علت عند الناس أقدارهم وكبرت فى التاريخ منازلهم(13). وهكذا تصبح النصية المتطرفة عند ابن تيميه مصدرا للمدح لا للذم، ويصبح الاتباع هو المطلوب، والابتداع مرفوض مادامت كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
وتصل النقلية لذروتها عند سيد قطب، حيث يصف كل مخالفة صريحة للنصوص بأنها "جاهلية"، بل وهى كذلك كل ما يزيد عن هذه النصوص، فيما لم تتناوله النصوص ضمنيا، فالمطلوب ليس فقط التطبيق الحرفى للنصوص، بل الامتناع عن ابتداع أى أفكار فى أى أمور، تتعلق بالحياة الاجتماعية لم تتناولها النصوص، حيث يكتب"الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض، وعلى أخص الخصائص الألوهية وهى الحاكمية ، إنها تسند الحاكمية إلى البشر.. فى صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله فى الحياة "(14).
وانطلاقا من هذا، فإن علم الاقتصاد السياسى باتجاهيه البرجوازى و الاشتراكى يسميه مفكروا الإسلام السياسى بالاقتصاد الوضعى، بمعنى أنه من وضع البشر، فى حين أن الاقتصاد شأنه شأن أى علم حقيقى لا يوضع وإنما يكتشف، وهو ليس وليد الإيمان المسبق بنصوص ما، وإنما هو وليد العلاقة ما بين البشر والواقع، خلال عملية الفهم النسبية لهذا الواقع، وبالتالى فهو لا يعرف المقدسات ولا المطلقات، وفى مواجهة هذا العلم يوضع ما يسمى بالاقتصاد الإسلامى معتمدا منهجا نقليا نصيا، يضع مسلمات ومقدسات تعيق أى اكتشاف للواقع، مما يفقده صفة العلم. ولعل الأمر يصبح أكثر وضوحا على لسان واحد من ممثلى ما يسمى بـ"الاقتصاد الإسلامى يكتب د. عبد الهادى النجار : "وفى هذا يبدو الفرق واضحا كذلك بين الاقتصاد فى الإسلام والاقتصاد الوضعى، على أساس أن الاقتصاد فى الإسلام، على عكس ما أثير حول الاقتصاد الوضعى ينشغل بدراسة ما هو كائن وما يجب أن يكون وفقا للتعاليم والقيم الدينية فى ممارسة الإنسان لنشاطه" ( 15).
إن مصدر فكر الإسلام السياسى يكمن فى الإدعاء بعجز البشر، وهو ادعاء منتشر للغاية فى الكثير من الكتابات الدينية والأدبية، وربما يكون شعورا شبه عام لدى كثير من الناس، بالرغم من شدة مخالفة هذا الشعور للواقع، حيث استطاع البشر منذ حوالى 8 آلاف سنة الخروج من حالة البربرية إلى الحضارة، حين اكتشفوا الزراعة التقليدية و تدجين الحيوانات، وفى خلال هذه الفترة أنتجوا فى شتى بقاع الأرض مالا حصر له من منتجات مادية تتطور بمعدلات هائلة ومطردة، وخصوصا فى الفترة الأخيرة، وأخذت ترتقى منتجاتهم الفكرية من فلسفات وفنون وآداب وقيم أخلاقية ومفاهيم قانونية وأديان وعلوم ونظم سياسية إلى ما وصلت إليه الآن من مستويات أكثر رقيا، بالرغم مما يظهر لنا أحيانا - هنا وهناك - من مظاهر تبعث على التشاؤم، إلا أن البشر لم ينجزوا كل هذا فى خط مطرد من النمو، بل عرفوا الدمار والعمران، والارتداد والتقدم، والانهيار والبعث، والانكسار والانتصار، طوال تاريخهم، وأخذوا يصححون ما يقعون فيه من أخطاء، ويقومون من عثراتهم أكثر قوة وتطورا وتقدما ورقيا، وهو الأمر الذى ما كان يحدث لولا حقيقة قدرتهم الفعلية على التحكم فى الطبيعة من حولهم، وتحويلها لمنتجات مادية تشبع احتياجاتهم، وتغيير أساليب حياتهم لما هو أكثر تطورا، والارتقاء بوعيهم. أما سيد قطب فإنه يعتبر حكم البشر طاغوتا حتى إن كان أكثر تلبية لاحتياجات البشر الحقيقية، وأكثر استجابة لمتطلبات تقدمهم، وذلك بالتقليل من قدرة البشر على أن يختاروا ويحددوا بأنفسهم أساليب حياتهم، وأن يتحكموا فى شروطها، وذلك بإشاعة عدم الثقة فى قدرتهم على الدفاع عن مصالحهم (انطلاقا من أسطورة العجز البشرى ).
وهنا نصل إلى حقيقة الإسلام السياسي :فبما أن العجزة عقليا هم الذين يحتاجون لأوصياء ،ولما كان العجز البشرى متأصلا فى الإنسان ولا مفر منه ،فسيظل البشر فى حاجة دائمة للأوصياء.
وإذا كان سيد قطب يقدم مفهوم الحاكمية على أنه يعنى القضاء على تحكم البشر واستعباد بعضهم البعض، إلا أن الحاكمية تعنى أيضا تحكم من يزعمون لأنفسهم حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل فى من لا يملكون هذا الحق، ومن لا يؤمنون بمصدر الحكم الذى يستند إليه الأولون، وبالتالى لا يقدسون النص الذى ينتسب إليه الحاكمين ،تابعون فى ذلك لسدنة النص رغما عنهم. وتصبح غالبية البشر بذلك مجردة من الإرادة الحرة، خاضعة للسلطة المطلقة لسدنة النص، ويتحول التحرير المزعوم من خلال الحاكمية، إلى عبودية مطلقة للنص وسدنة النص.. هذا هو المصير الذى يبشرنا به الإسلام السياسى.
الازدواجية فى الطريقة السائدة بين النقل والنقد :
قد يكون من المقبول (عقليا) أن يخدع إنسان لم يحصل على قدر مناسب من التعليم والخبرة، فيقع فى شراك نصب ما، فإذا ما تم الأمر على مستوى المجتمع بأسره فإن الأمر يثير الدهشة.. أما أن يقع متعلمون حصلوا على هذا القدر أو ذاك من الثقافة والمعرفة الاقتصادية فى عملية نصب كبرى - كان من الممكن ان يتفادوا السقوط فيها، لو راجعوا ومن ثم تمسكوا بما نالوه من معارف اقتصادية وقانونية - فأمر يثير العجب. وهكذا رأينا محاسبين ومحامين وأساتذة اقتصاد يدفعون بجل مدخراتهم إلى الريان والسعد والشريف، متناسين أو ناسين كل نظريات الفائدة والربح والريع التى درسوها فى الجامعات، وحصلوا بناء على "حفظها" على شهاداتهم.
وما معنى هذه النظريات بالنسبة لهم ؟ إن سلوكهم ينبئ بأنهم يعتقدون أنها نظريات علمانية غربية تتناسى كما يكتب د. عبد الحميد الغزالى "أن حركة الحياة الاقتصادية الإسلامية تستند أساسا، بجانب الأخذ بالأسباب، على البركة، التى تعود بدورها نتيجة طبيعية لإقامة شرع الله(16). فما شانهم إذن بعلوم الحضارة المادية التى تتغافل عن أن "التقوى" "تجلب" "البركة"، وهى تضاعف الأرباح فى الدنيا فضلا عن جزاءها فى الآخرة.
وهذه الخرافة على سيادتها لا تفسر لماذا يربح أشرار منزوعو الضمير، يحالفهم الحظ والنجاح من الميلاد إلى الموت، ويخسر أخيار أشبه بالملائكة يشاركهم سوء الحظ كل خطواتهم، ويصاحبهم الفشل رحلة حياتهم، والعكس فى الحالتين صحيح. وهل يستطيع هؤلاء أن يضعوا معامل البركة أو التقوى فى أى معادلة اقتصادية تحسب الربح والخسارة أو تحدد معدل الفائدة ؟! الازدواجية إذن - بكل ما تحمله من تناقضات - هى سر من أسرار تلك الكارثة القومية.
وهذه الازدواجية تجد جذورها فى انتهازية ما، حيث يتم التعامل مع كل من العلم والأسطورة بمنطق نفعى، فيتم الحصول على العلم والانتفاع بثماره من صعود اجتماعى ومكاسب مادية وأدبية، والتمسك بالأسطورة، خوفا مما قد يجلبه التمرد عليها من شر، وطمعا فيما يعد التمسك بها من خير. وهكذا يصاب أفراد المجتمع بأسره بنوع من الازدواجية فى الشخصية، يتسبب فيه هذا الخليط غير المتجانس والمشوش الذى يتلقاه الجميع فى أسرهم، وعلى مقاعد الدرس، وعبر أجهزة الإعلام.
نستطيع أن نفهم سر سيادة الطريقة النقلية مما يحكيه الدكتور ميلاد حنا: "جاءنى أحدهم مصطفى إبراهيم منذ ربع قرن تقريبا ، وطلب منى أن أعطيه خطاب توصية ليحصل على بعثة لاستكمال البحث ليحصل على درجة الدكتوراه فى المنشآت الخرسانية فكتبت إلى أحد أصدقائى فى كوبنهاجن بروفيسور أريفن بولزن،وبالفعل التحق بالجامعة العليا ، وكنت أتابع كل أجازه صيفية أقضيها فى الدانمارك اختبار الطالب النجيب والذى كان أول دفعته فى مصر .وفى أحد المرات وفى لحظة صفاء فوجئت بالأستاذ الدنمركي المرموق يقول :أن مصطفى طالب ممتاز ومطيع ودؤوب فى دراسته ،ولكنى لاحظت وكأنه قد درس الهندسة بأسلوب دينى ،وعندما استفسرت لأعرف قال:يبدو أنكم فى مصر تعطونهم قواعد جامدة ينبغى أن يتبعها الطالب دون غيرها ويحسن أن يحفظها على ظهر قلب،وكأنها نص دينى لا يناقش…وبعد سنوات تكررت ذات الواقعة ولكنها مع أحد طلابى من المسيحيين ،وقد ذهب إلى كندا،وبعد سنوات تقابلت مع أستاذه، وإذ به يكرر بشكل أو بآخرذات العبارات الذى قالها الأستاذ الدينماركى بالنسبة للمهندس مصطفى فأيقنت أن القضية ليست بالضرورة مرتبطة بدين معين بقدر ما هى مسألة ثقافية تنشأ من خلال ممارسات التلقين فى الأسرة والتعليم ثم يتشكل الوجدان الثقافى و القيمى فى المجتمع ليرتكز على أساس اتخاذ النص فى تقديم الحجج والمنطلق،ويصب فى النهاية فى طريقة التفكير والمكون الثقافى"(18). وثقافة التلقين والنقل عبر كافة وسائل إنتاجها وتوزيعها وتبادلها ،لا تقود لإبداع حقيقى ،وإنما إلى استهلاك مستمر للمنقول والنص ،وفقد القدرة على التفكير الخلاق.وهى الطريقة المثلى لخلق قطيع من الجنود الذين لا يعرفون إلا الطاعة لمن هم أعلى ،والتسلط على من هم أدنى.
التلفيقة فى فكر التنوير المصرى :
إن أبرز سمات حركة التنوير المصرية هى التوفيقية، بل التلفيقية، الأمر الذى له أكبر الأثر فى ضعف تأثيرها فها هو الدكتور نصر حامد أبو زيد وهو من أبرز- منورى نهايات القرن العشرين، والأكثر إثارة لعداوة الجماعات الإسلامية - يكتب "ليست العلمانية فى جوهرها سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذى يفصل الدين عن المجتمع والحياة"(19). وبالطبع فإن العلمانية موقف سياسى واجتماعى ؛ إذ يمكنك أن تكون متدينا وعلمانيا فى نفس الوقت، فى حين أن الإلحاد موقف عقائدى، فهناك إذن فرق واضح بينهما، وبرغم ذلك تأتى له أن يقول فى معرض دفاعه عن العلمانية – وهى بالتحديد الدقيق اعتبار الاعتقاد الدينى مسألة شخصية تخص كل فرد، وبالتالى فصل الدين عن كل من الدولة والتعليم العام – بأنها فى جوهرها "التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين"،و هذا نوع من الدفاع الواهن ضد حملة الحركة الإسلامية على العلمانية فى مصر، وهذا النوع من الدفاع يأتى دائما بآثار عكسية، حيث يخالف قاعدة النصر الأساسية "الهجوم خير وسيلة للدفاع".
وهو ما كرره فى فقرة أخرى من الكتاب فى معرض تعليقه على معركة كتاب "فى الشعر الجاهلى" : "لم تكن المعركة إذن معركة قراءة النصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنسانى التاريخى(20). فكيف يمكن التوفيق بين الطريقة النقدية- التى لا تعرف بطبيعتها، المقدسات الثابتة، ولذلك تعرف بدورها التاريخية - وبين النصوص المقدسة الثابتة بحكم قداستها عبر الزمان، وهو الأمر الذى لا يمكن أن يتم إلا عبر التوفيق أو التلفيق ؟ وهو الأمر الذى دفعه ليكتب “الأصل والبدء هى سلطة العقل، السلطة التى يتأسس عليها الوحى ذاته)"(21). وهو فى هذا يفترض أمرين خاطئين، حيث يتعامل مع العقل على اعتبار أنه شئ واحد، ذو صفات ثابتة، يؤدى استخدامه لنفس النتائج، على الرغم من أن كلا من العلم والأسطورة هما وليدا العقل البشرى على السواء، وأن كلا من الشك والإيمان يتأسسان على نفس العقل كذلك، إلا إنهما بوصفهما نتيجتين متناقضتين، وليدتا منهجين مختلفين فى استخدام نفس العقل، والأمر الثانى هو افتراض أن الوحى المقدس الذى يفترض فى متلقيه التسليم المطلق به، أو رفضه على الإطلاق، وفقا للإيمان أو الكفر فحسب، يتأسس على سلطة هذا العقل الذى يؤدى استخدامه بطرق مختلفة لنتائج مختلفة، فالعقل النقلى سينتهى إلى الإيمان المطلق بالنص، أيا كانت مشكلاته وتناقضاته وأخطاءه، والعقل النقدى سيتعامل مع النص بمعيار موضوعى، من حيث هو ظاهرة موضوعية وتاريخية أنتجت فى ظروف اجتماعية معينة.
ويعلل د. محمد جابر الأنصارى سيطرة التوفيقية على فكر التنوير العربى كما يلى : "ونلاحظ أن التوفيقية - كشأنها تاريخيا - ظهرت فى البيئات الأكثر احتكاكا بالحضارة والأكثر انفتاحا على المؤثرات التاريخية كما أنها قبلت بالتعايش مع الحكم الأوروبى و مؤثراته الحتمية وبعض تشريعه - بخلاف السلفية- جاهدة قدر الإمكان لصياغة تلك المؤثرات إسلاميا وإلباسها بالمصطلح الإسلامى(22). فيقال مثلا إن الإسلام سبق الإنسانية فى الاعتراف بحقوق الإنسان بأربعة عشر قرنا من الزمان، والحال أن هناك فرقا واضحا بينهما. . ففى حين ان حرية العقيدة التى تنص عليها إعلانات حقوق الإنسان تعنى إعطاء الحرية لكل إنسان فى أن يعتقد أى عقيدة يشاء، وأن يدافع عنها، ويدعو لها، وأن يسلك بما تمليه عليه عقيدته فى حدود الحريات العامة، وأن لا يضطهد أو يحرم من أى من حقوقه كإنسان ومواطن بسبب عقيدته.. نجد أن حرية العقيدة فى الفقه السائد تتضمن أن يكون غير المسلمين مخيرين دائما بين ثلاثة، الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، ولا يسمح بأى حريات فى الاعتقاد والعبادة إلا لأصحاب الأديان السماوية، الذين يسددون الجزية ولا يتولون المناصب العامة ولا يجندون فى الجيش، وإذا اعتنق أحد الإسلام، أو ولد لأب مسلم فلا يسمح له باعتناق أى عقيدة أخرى، وإلا طبق عليه حد الردة، وهو : الإعدام.
وهكذا نرى أن التوفيقية لم تخلف لنا نظريات أًصيلة، فالمحاولة التوفيقية فى بلورة نظام سياسى أو اقتصادى إسلامى هى فى حقيقتها استخدام لجوهر المقولات النظرية التى ظهرت فى الغرب نتيجة تحوله من الإقطاع إلى الرأسمالية، وصياغتها فى مقولات إسلامية تراثية فتصبح الديمقراطية تحت "مسمى" الشورى، والاستعمار يصبح فى القاموس معناه "الاستكبار"، والإمبريالية تعنى "الصليبية" وهكذا.. كل ذلك فى نسق حديث : أى أنه تحديث من الخارج للفقه المنقول بمستورد منقول أيضا، وهكذا تبدو المحاولات على هذا الجانب الفكرى هى القطب المواجه لمحاولة أخرى من جانب حركة التنوير التى تحاول علمنة الدين، بمعنى تحويلة لمجرد عقيدة شخصية يتمسك بها المؤمن، وبين هذين القطبين تتراص التوفيقات فى معظم الإنتاج الفكرى العربى.
نتيجة :
قد يشترك كل من الفكر الدينى والفكر العلمى فى كل من النقل والنقد، إلا إن الفوارق تظل واضحة بينهما فى كلتا الحالتين، وهو ما يميز بينهما فى هذا الخصوص : ففى كل علم يوجد دائما تراث منقول، ربما أتى بعضه من خلال عملية نقد لتراث أسبق، وكذلك الدين نفسه الذى قد يكون له تاريخ نقدى متطور، وإن كان هذا النقد يختلف عن النقد العلمى، كما يختلف النقل العلمى عن النقل الدينى. فالنص القرآنى مثلا قد عاب على الناس اتباع آبائهم حتى ولو كانوا لا يعقلون، إلا أنه يلزمهم بالخضوع الكامل له.
أما المنقول العلمى فقد أثبت مصداقيته من خلال التجربة والبرهان والتحليل وسائر المناهج العلمية فى البحث، وهو معرض دائما للنقد والدحض والتفنيد، لو ثبت من خلال نفس هذه المناهج خطأه وهذه الخاصية بالتحديد هى التى تميزه عن كافة أشكال الوعى الاجتماعى، بخلاف المنقول الدينى الذى يكتسب شرعيته من خلال الإيمان المسبق بمصدر النقل، وطالما ظل هذا الإيمان فإنه يكتسب حصانة ضد أى نقد أو دحض أو تفنيد، وفى غياب شرط الإيمان تسقط حصانة النص من النقد والدحض والتفنيد وهو ما يميز أى دين.
إن عقلية الإسلام السياسى، فى هذا الظرف التاريخى هى عقلية نقلية نصية من أحد جوانبها، رغم أنها ليست مجرد إحياء أعمى للماضى، و لكنها تنطوى بشكل ما على تفسير جديد للإسلام يتفق مع ظاهرة الدولة البرجوازية الحديثة : فلم تؤد الثورة الإيرانية إلى العودة إلى النظام الاجتماعى الاقتصادى السابق للرأسمالية، كما ان الدستور الإيرانى شبيه إلى حد كبير بالدستور الفرنسى، حيث البرلمان واقتسام السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء المسئول أمام البرلمان والمرشد الأعلى للثورة.
صحيح أن الاستراتيجية السياسية للإسلام السياسى تتضمن أيديولوجيا فكرة عبادة النص، ولكن واقع الأمر أن أى تحليل علمى للظاهرة النصية فى الإسلام السياسى سوف تكشف عن أنهم لا ينصاعون لكل نص ، بل لنصوص مختارة ، ولا يؤولون النص أى تأويل ،ولكن تأويلا بعينه ..كل حسب ما يؤدى إليه النص أو تأويله من خدمة للشرائح والطبقات الاجتماعية التى تعبر عنها جماعات الإسلام السياسى المختلفة ،حيث نجد بعض هذه الجماعات تتمسك بنصوص أو تأويلات لنصوص تسمح بالملكية الخاصة وحرية الاستثمار الرأسمالى بلاحدود،(كالأخوان المسلمون) وبعضها يتمسك بنصوص أو تأويلات لنصوص تقيد وأحيانا تمنع الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وحرية الاستثمار (كمجاهدى خلق فى إيران)، وبعضها يطرح نظاما سياسيا بلا برلمانات ولا حياة نيابية كالجماعة الإسلامية- وكما صنعت حركة طالبان فى أفغانستان حيث طبقت نظاما سياسيا مشابها لنظم القرون الوسطى الإسلامية - وبعضها يطرح نظاما ديمقراطيا محافظا محدودا بولاية الفقيه، كالنظام الإسلامى الإيرانى... وهكذا .
النقل واليقين00النقد و الشك
تتسم الطريقة النقلية، بالقدرة المفرطة وغير المنطقية على اليقين بقضايا لا يمكن التيقن منها وفق آليات الضبط العلمى فى للوصول لليقين ،وهى الآليات التى حددها المجتمع العلمى عبر مئات السنين ،وتحققت بسببها الثورة العلمية والحضارية التى شهدتها الإنسانية فى العصر الحديث، والتى تتحدد فى عدة مناهج للبحث العلمى بهدف الوصول للحقيقة المنزهة عن الغرض والقابلة للدحض باستمرار عبر البحث العلمى..
أما لدى الطريقة النقلية،فأن مصدر اليقين يصبح هو مجرد الثقة الشخصية فى مصدر المنقول ،و أحيانا أخرى مجرد الرغبة فى اليقين لا أكثر من أجل الراحة النفسية أو العقلية ،أو أحيانا الرضوخ للمؤثرات الاجتماعية المحيطة فى الأسرة أو المدرسة أو أجهزة الأعلام،أو أخيرا عدم القدرة على تحمل تبعات الاختلاف مع الرأي السائد اجتماعيا . فالخبر لدي العقلية النقلية قابل للصدق غالبا وليس قابل للصدق والكذب، وعلى ما يبدو فأن غالبية البشر قابلين للإيحاء والتصديق والثقة فى المنقول إليهم، وإنهم غالبا لا يتصورون إمكانية الكذب والتضليل والخداع فى ممارستهم اليومية سواء من الغير أو من أنفسهم، وأن كانوا يتصورونها عقليا.وهو الأمر الذى يستغله الدجالون من كل شاكلة ولون .
تتسم الطريقة النقدية بالقدرة على الشك فيما ينقل إليها، واليقين فقط بما يمكن التيقن منه ، وفق آليات الضبط العلمى ،فيصبح مصدر كل من الشك واليقين، هو الممارسة العملية ،هو التجربة الواقعية ، وليس المنقول والمنصوص عليه ،وليس الثقة الشخصية والرغبة فى اليقين واستسهاله،ولا الرضوخ للمؤثرات الاجتماعية ، بل امتلاك شجاعة التمرد والشك ،وليصبح كل منقول قابل للصدق والكذب مهما كان مصدره.
ومسألة التخلص من التراث المنقول مهما بلغت سخافته ولا عقلانيته تبدو فى غاية الصعوبة بالنسبة لغالبية البشر، فهناك من الظروف الاجتماعية، والدوافع النفسية، والملكات العقلية، ما يحول دون الشك والنقد والتمرد أحيانا، أو يؤدى إليهم أحيانا أخرى.
أن عقولنا أشبه بأجهزة كومبيوتر قابلة للبرمجة وتلقى المعلومات.إلا أنها تختلف عن أجهزة الكومبيوتر فى أن لديها قدرة محدودة على التحكم فيما تتلقاه بالنقد والشك والتمرد.وبما لديها من إرادة الاعتقاد.ذلك لأنها غير مسلحة فى الغالب بآليات الضبط العلمى لتحديد ما يمكن اليقين به أو الشك فيه.

المصادر
(1)د. جيهان رشتى-الأسس العلمية لنظريات الإعلام –ط2-القاهرة-دار الفكر العربى1987-ص500.
(2) يرفند إبراهيمان وآخرون : " إيران 1900 - 1980" مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الأولى، إبريل 1980، بيروت، صـ40
(3) المصدر نفسه : صـ41.
(4) شريف يونس، سيد قطب، دار طيبة، 1995، ص284.
(5) محمد السعيد إدريس ،حزب الوفد والطبقة العاملة المصرية 1924-1952-دار الثقافة الجديدة-ط1-1989-القاهرة-ص4.
(6) شهدى عطية الشافعى-تاريخ الحركة الوطنية المصرية1882-1956-دار شهدى-الطبعة الأولى-ص251 و ما بعدها.
(7) جمال عبد الناصر-شروق مبدأ الناصرية-دار البيان للطباعة والنشر-ص134
(8) سيد زهران-الناصرية-الأيديولوجية والمجتمع-مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر-ط1-أكتوبر1989ص38
(9) أحمد طاهر اليسار العربى وقضايا المستقبل –مركز البحوث العربية –مكتبة مدبولى –1998-ط1-ص304
(10) الكسى جيلوخوفتسيف-الثورة الثقافية عن قرب –مذكرات شاهد عيان-دار التقدم-موسكو-1985-ص162
(11) جون مولينو-ما هو التراث الماركسى الحقيقى-ص41
(12) بوناماريوف وآخرين-موجز تاريخ الحزب الشيوعى السوفيتى –دار التقدم –موسكو –1970-ص261
(13) محمد أبو زهرة، ابن تيميه، حياته وعصره، آرأوه وفقهه، صـ 211.
(14) سيد قطب، معالم على الطريق، صـ8.
(15) د. عبد الهادى النجار: "الإسلام والاقتصاد" سلسلة عالم المعرفة، العدد 63، مارس 1983، صـ23.
(16) د. عبد الحميد الغزالى: "مقدمة فى الاقتصاديات الكلية – النقود والبنوك"، دار النهضة العربية، صـ 374 القاهرة، 1985.
(17) د.ميلاد حنا-من ثقافة التلقين والنص إلى ثقافة الحوار والإبداع "مؤتمر مستقبل الثقافة العربية "11-14 مايو 1997.
(18) نصر حامد أبو زيد-نقد الخطاب الدينى –دار سيناء –ط1-القاهرة-ص9.
(19) المصدر نفسه-ص8.
(20) المصدر نفسه-ص10
(21) د.محمد جابر الأنصارى-تحولات الفكر والسياسة فى الشرق العربى-1930-1970-سلسة عالم المعرفة-الكويت-العدد35-نوفمبر1980-ص9.
صـ9.






د
النقدية والنقلية

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية