الاستثمار فى الدين والغيبيات
الاستثمار فى الدين والغيبيات
سامح سعيد عبود
تنهمر علينا من كل حدب وصوب، و فى صخب لا حد له الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات والمحاضرات والندوات، حول تفسير ظاهرة تصاعد التطرف الدينى و الهوس بالغيبيات عبر العالم، سواء أكان هذا أساسا لحركات سياسية أو محض حركات دينية، وسواء أكانت هذه الديانات إبراهيمية كالإسلام أو دراهمية كالبوذية أو صينية كالكونفوشية أو من الأديان الجديدة كالعلموية، وغيرها من المعتقدات والممارسات الغيبية المختلفة بشكل عام.
و يرى الكثيرون أن هناك أهمية للتصدى لهذه الظاهرة لما تشكله من خطورة على التطور الإنسانى، و لما سوف تسفر عنه مع تصاعدها من انفجار صراعات دينية وطائفية وعقائدية عبر العالم سوف تغرق الكوكب بأسره فى بحور من الدم ، وهو ما نلمسه فعلا فيما يعتبر نوعا من المناوشات التى تسبق الحرب، بدءا من الاحتقان الطائفى بين المسلمين والأقباط فى مصر، و العنف الدموى بين السنة والشيعة فى العراق، و بين المسلمين والهندوس فى الهند، و الحرب الأهلية بين المسيحيين والمسلمين فى البلقان ولبنان.
وهذه الظاهرة لا يمكن القضاء عليها، وحصرها بكتابات التنوير التى لا يقرأها غالبية المخاطبين بها، والتى تظل محصورة دائما فى دوائر ضيقة بعيدا عن الجمهور الواسع، على رغم من كل غزارة هذه الكتابات، و تنوعها ما بين شديدة العمق والموضوعية، و بالغة التفاهة و الذاتية ، لأن هناك العديد من الأسباب التى تفسر تلك الظاهرة، بعيدا عن العلم والجهل.
إلا أن السبب الذى يعنينا هنا فهو أن وراء هذه الظاهرة وتصاعدها، شرائح اجتماعية واسعة فى كل مجتمع تلبى احتياجاتها المادية من طعام وشراب، وغير المادية من مكانة ونفوذ، عبر الاستثمار بالدين والغيبيات، و لاشك أنه من مصلحتها المؤكدة، تنامى الظاهرة وتصاعدها، حفاظا على مصادر دخلها، وسوف تقاوم ما وسعها الجهد كل تلك المحاولات التنويرية التى تسعى للتخفيف من تلك الظاهرة التى صنعت مكانتها الاجتماعية ونفوذها على الناس، ووفرت لها سبل الحياة ومتعها، وهى على استعداد أن تدافع بشراسة سفسطائية عن معتقداتها حتى ولو كانت من شبيه الدائرة مربعة الأضلاع، مادام ذلك يحقق مصالحها. وسوف تجد دائما من البشر من ذوى الاحتياجات النفسية الخاصة، ما يستهلكون كل ما يبيعونه لهم من بضائع حتى ولو كانت من نوع أن الإيمان بأن الدائرة مربعة الأضلاع يدخلك الجنة أو يصل بك للنيرفانا.
أما هؤلاء التنويريون الذين يظنون أن الثورة الفرنسية هى نتاج عصر الاستنارة، وأن كتابات فولتير ومونتسيكيو وروسو هى التى جعلت الفرنسيون يدكون الباستيل فهم لا شك واهمون،لأن هؤلاء لم تقرأ لهم سوى النخبة المثقفة المتعلمة، ولم يتأثر بهم سوى بعض أفراد وجماعات هذه النخبة، أما ما أثار جماهير الفرنسيين فكان هناك فى أمعاء الجوعى منهم لا فى عقول المستنيرين.... ومن هنا فعلينا أن نعرف الجذور الاقتصادية لما نحن بصدده من ظواهر اجتماعية لنعرف كيف نتعامل معها، أما أن نظل نصارع طواحين الهواء فهو ترف لا يليق بمن يرغبون فعلا فى تغيير العالم وانقاذه من الهاوية التى ينجرف إليها.
لدينا فى مصر على سبيل المثال ملايين المواطنين الذين يتربحون من انتشار ظاهرة التطرف الدينى والهوس بالغيبيات فى مصر بدأ من المتسولين الذين يبيعون الأدعية والأذكار والأحاديث فى الجانب المسلم، ومثيلاتها فى الجانب المسيحى، مقابل ما يمنحه لهم المتصدقين، والدجالين بشتى أنواعهم من السحرة والعرافيين والمنجمين والمعالجين الروحانيين الذى يقال أن عددهم بمصر تجاوز عشرات الألوف، ومرورا بالباعة الجائلين الذين يبيعون الكتب والأقراص المدمجة الدينية، فضلا عن شتى الأغراض الدينية كالمسواك والروائح الإسلامية وغيرها هذا فى جانب المسلمين، و الصلبان والأيقونات وغيرها هذا فى جانب المسيحيين، ولا شك أن هؤلاء يبيعون منتجات شارك فى إنتاجها آلاف أخرى يعملون فى المطابع والورش الصغيرة، ثم نأتى للمتاجر والمدارس ودور النشر والجمعيات الدينية التى تبيع أو توفر بضائع وخدمات إسلامية ومسيحية، وهناك الملايين الذين يعيشون على صناديق النذور والتبرعات والصدقات غير ما تقدمه دور العبادة والجمعيات الدينية من معونات وخدمات، قبل أن نمر على ما يزيد عن مئة ألف مسجد وزاوية، يعمل بهم مئات الألوف من الأئمة والمؤذنين والخدم، وألوف من الكنائس التى يعمل بها عشرات الألوف من رجال الأكليروس و غيرهم، و على رأس هؤلاء كبار رجال الدين وعلمائه ودعاته، و أصحاب الفضائيات من إقرأ إلى الحياة، والصحف الدينية من وطنى إلى عقيدتى، والجامعات الدينية كالأزهر وسائر المؤسسات الدينية المختلفة ومن يسيطرون عليها ويعملون بها، فهذا النشاط الاقتصادى الضخم يعمل فيه مئات الألوف من الرأسماليين و البيروقراطيين و العاملين بأجر، و هم يعولون بدورهم الملايين من الأفراد.
هناك أكثر من مليون مصرى مسلم من بين عشرة مليون مسلم يتوجهون سنويا لأداء مناسك الحج والعمرة ، حتى ولو كان بعضهم كان قد كرر ذلك الفعل قبل ذلك عشرات المرات، رغم أن العمرة سنة ليست واجبة ، والحج فرض مطلوب مرة واحدة فى العمر ، و هؤلاء مصدر المليارات من الدولارات التى تصب فى جيوب أصحاب جمعيات الحج والعمرة ، و أصحاب شركات السياحة و النقل البرى والبحرى والجوى ، وأصحاب الفنادق والمتاجر السعوديين، و برغم أن من يزورون السعودية سنويا لأداء مناسك الحج والعمرة يصبون فى الاقتصاد السعودى المليارات من الدولارات على حساب خسارة الاقتصاد فى بلادهم، فهذا ليس السبب الوحيد الذى أنفقت من أجله المملكة السعودية أكثر من ثمانين مليار دولار أمريكى على الدعوة الإسلامية عبر العالم حتى الآن منذ ظهور النفط بها، فهناك من تلك النفقات ما هو متعلق بزيادة النفوذ السعودى إقليميا وعالميا، إلا أن الجانب الأخطر و الأهم من هذا الانفاق كان جزءا من استرتيجية الرأسمالية العالمية فى حربها الباردة مع البيروقراطية السوفيتية وحلفائها الذين ربطوا أنفسهم بالإلحاد فخسرو الملايين من بسطاء البشر.
إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنته بنهاية الحرب الباردة وانهيار البيروقراطية السوفيتية وحلفاءها، فمازال التطرف الدينى و الهوس بالغيبيات مطلوبا لدى صناع تلك الاسترتيجية ومنفذيها لأسباب عدة.
لأنه وسيلة فعالة لتفتيت طبقات العاملين بأجر والمهمشين والمنتجين الفرديين على أسس دينية وطائفية منعا لتوحدهم فى مواجهة الرأسمالية والبيروقراطية فى العالم اللتان تقهران وتستغلان تلك الطبقات.
لأنه يشغلهم عن الصراع الحقيقى بينهم وبين الرأسماليين والبيروقراطيين، بصراعات أخرى لن تحقق مصالحهم فى التحرر و لن يكونوا سوى وقودها وضحاياها، ليستفيد فقط الرأسماليين والبيروقراطيين وأمراء الحرب والسياسة.
لأن الرأسمالية فى العالم فى مسيس الحاجة لإشعال الحروب والصراعات الدينية والطائفية، لترويج السلاح وللتخلص من فائض السكان الذى لا تحتاجه فى تلك الحروب.
لأنه يخدر المقهورين والمستغلين و يجعلهم أكثر انصياعا لمن يقهرونهم ويستغلونهم.
مع ملاحظة أن ما يسمى الحرب ضد الإرهاب يشكل جزءا من تلك الاستراتيجية، يعمل فيها بوش وبن لادن كرفاق سلاح كما كانوا فى السابق عندما حاربوا السوفيت وحلفائهم فى أفغانستان، و يلعب كل منهما دوره المرسوم فى تلك الاسترتيجية، من موقعين متناقضين ظاهريا، وذلك للمراقب الساذج، والذى لا يرى أنهما يصبان معا فى اتجاه تحقيق نفس الهدف
ظاهرة تصاعد التطرف الدينى والهوس بالغيبيات التى ظهرت فى النصف الأخير من القرن العشرين، تضرب بجذورها إذن فى الاقتصاد،لا فى الوعى الاجتماعى، و هى تعبر عن مصالح منتجين و باعة لسلع وخدمات، يخلقون لدى جمهورهم من المستهلكين احتياجات غير حقيقية لسلعهم وخدماتهم حتى يستمر اقتصادهم فى الانتعاش، ومن ثم فهم حريصين على الابقاء على الزبائن الذين يستهلكون بضائعهم وخدماتهم، وتوسيع أسواقهم، والقضاء على منافسيهم كلما أمكن، و هى ظاهرة لصيقة بكل المجتمعات البشرية، تضيق أحيانا حتى تصبح هامشية جدا كما هو الآن فى مجتمعات كالسويد وألمانيا، أو تتسع جدا حتى تكاد تبلع المجتمع بأسره كما هو حادث لدينا فى الشرق الأوسط والعالم العربى ، فدائما ما كان المجتمع يخلق فائضا من الأفراد الذين يعيشون عالة على المنتجين الفعليين للثروة، وكان هؤلاء ينتزعون الفائض من الإنتاج الاجتماعى بطرق مختلفة ، وأحد هذه الطرق هو استثمار الدين بدءا من السحر والطوطمية إلى الأديان الأكثر تطورا.
إلا أن الجديد فى المسألة، أن نمط الإنتاج السائد فى العالم أصبح يخلق فائضا هائلا من السكان، طردته التكنولوجيا من المصانع والمزارع والمعامل، فلم يجد بعضهم لأنفسهم فرصا للكسب سوى بالاستثمار فى الدين والمعتقدات الغيبية، بشتى الطرق، التى ذكرنا بعضها ولم نحصرها حرصا على الاختصار، والتى لا تحقق لهم فقط احتياجاتهم المعيشية على حساب منتجى الثروة، بل أنها تحقق لهم مكانة اجتماعية ونفوذ لن توفره لهم مهن أخرى.
وإذا كانت جذور الظاهرة مغروسة بعمق فى الاقتصاد فإن القضاء عليها ومحاصرتها لن يكون إلا من تلك الجذور، لا العبث مع الثمار.
تنهمر علينا من كل حدب وصوب، و فى صخب لا حد له الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات والمحاضرات والندوات، حول تفسير ظاهرة تصاعد التطرف الدينى و الهوس بالغيبيات عبر العالم، سواء أكان هذا أساسا لحركات سياسية أو محض حركات دينية، وسواء أكانت هذه الديانات إبراهيمية كالإسلام أو دراهمية كالبوذية أو صينية كالكونفوشية أو من الأديان الجديدة كالعلموية، وغيرها من المعتقدات والممارسات الغيبية المختلفة بشكل عام.
و يرى الكثيرون أن هناك أهمية للتصدى لهذه الظاهرة لما تشكله من خطورة على التطور الإنسانى، و لما سوف تسفر عنه مع تصاعدها من انفجار صراعات دينية وطائفية وعقائدية عبر العالم سوف تغرق الكوكب بأسره فى بحور من الدم ، وهو ما نلمسه فعلا فيما يعتبر نوعا من المناوشات التى تسبق الحرب، بدءا من الاحتقان الطائفى بين المسلمين والأقباط فى مصر، و العنف الدموى بين السنة والشيعة فى العراق، و بين المسلمين والهندوس فى الهند، و الحرب الأهلية بين المسيحيين والمسلمين فى البلقان ولبنان.
وهذه الظاهرة لا يمكن القضاء عليها، وحصرها بكتابات التنوير التى لا يقرأها غالبية المخاطبين بها، والتى تظل محصورة دائما فى دوائر ضيقة بعيدا عن الجمهور الواسع، على رغم من كل غزارة هذه الكتابات، و تنوعها ما بين شديدة العمق والموضوعية، و بالغة التفاهة و الذاتية ، لأن هناك العديد من الأسباب التى تفسر تلك الظاهرة، بعيدا عن العلم والجهل.
إلا أن السبب الذى يعنينا هنا فهو أن وراء هذه الظاهرة وتصاعدها، شرائح اجتماعية واسعة فى كل مجتمع تلبى احتياجاتها المادية من طعام وشراب، وغير المادية من مكانة ونفوذ، عبر الاستثمار بالدين والغيبيات، و لاشك أنه من مصلحتها المؤكدة، تنامى الظاهرة وتصاعدها، حفاظا على مصادر دخلها، وسوف تقاوم ما وسعها الجهد كل تلك المحاولات التنويرية التى تسعى للتخفيف من تلك الظاهرة التى صنعت مكانتها الاجتماعية ونفوذها على الناس، ووفرت لها سبل الحياة ومتعها، وهى على استعداد أن تدافع بشراسة سفسطائية عن معتقداتها حتى ولو كانت من شبيه الدائرة مربعة الأضلاع، مادام ذلك يحقق مصالحها. وسوف تجد دائما من البشر من ذوى الاحتياجات النفسية الخاصة، ما يستهلكون كل ما يبيعونه لهم من بضائع حتى ولو كانت من نوع أن الإيمان بأن الدائرة مربعة الأضلاع يدخلك الجنة أو يصل بك للنيرفانا.
أما هؤلاء التنويريون الذين يظنون أن الثورة الفرنسية هى نتاج عصر الاستنارة، وأن كتابات فولتير ومونتسيكيو وروسو هى التى جعلت الفرنسيون يدكون الباستيل فهم لا شك واهمون،لأن هؤلاء لم تقرأ لهم سوى النخبة المثقفة المتعلمة، ولم يتأثر بهم سوى بعض أفراد وجماعات هذه النخبة، أما ما أثار جماهير الفرنسيين فكان هناك فى أمعاء الجوعى منهم لا فى عقول المستنيرين.... ومن هنا فعلينا أن نعرف الجذور الاقتصادية لما نحن بصدده من ظواهر اجتماعية لنعرف كيف نتعامل معها، أما أن نظل نصارع طواحين الهواء فهو ترف لا يليق بمن يرغبون فعلا فى تغيير العالم وانقاذه من الهاوية التى ينجرف إليها.
لدينا فى مصر على سبيل المثال ملايين المواطنين الذين يتربحون من انتشار ظاهرة التطرف الدينى والهوس بالغيبيات فى مصر بدأ من المتسولين الذين يبيعون الأدعية والأذكار والأحاديث فى الجانب المسلم، ومثيلاتها فى الجانب المسيحى، مقابل ما يمنحه لهم المتصدقين، والدجالين بشتى أنواعهم من السحرة والعرافيين والمنجمين والمعالجين الروحانيين الذى يقال أن عددهم بمصر تجاوز عشرات الألوف، ومرورا بالباعة الجائلين الذين يبيعون الكتب والأقراص المدمجة الدينية، فضلا عن شتى الأغراض الدينية كالمسواك والروائح الإسلامية وغيرها هذا فى جانب المسلمين، و الصلبان والأيقونات وغيرها هذا فى جانب المسيحيين، ولا شك أن هؤلاء يبيعون منتجات شارك فى إنتاجها آلاف أخرى يعملون فى المطابع والورش الصغيرة، ثم نأتى للمتاجر والمدارس ودور النشر والجمعيات الدينية التى تبيع أو توفر بضائع وخدمات إسلامية ومسيحية، وهناك الملايين الذين يعيشون على صناديق النذور والتبرعات والصدقات غير ما تقدمه دور العبادة والجمعيات الدينية من معونات وخدمات، قبل أن نمر على ما يزيد عن مئة ألف مسجد وزاوية، يعمل بهم مئات الألوف من الأئمة والمؤذنين والخدم، وألوف من الكنائس التى يعمل بها عشرات الألوف من رجال الأكليروس و غيرهم، و على رأس هؤلاء كبار رجال الدين وعلمائه ودعاته، و أصحاب الفضائيات من إقرأ إلى الحياة، والصحف الدينية من وطنى إلى عقيدتى، والجامعات الدينية كالأزهر وسائر المؤسسات الدينية المختلفة ومن يسيطرون عليها ويعملون بها، فهذا النشاط الاقتصادى الضخم يعمل فيه مئات الألوف من الرأسماليين و البيروقراطيين و العاملين بأجر، و هم يعولون بدورهم الملايين من الأفراد.
هناك أكثر من مليون مصرى مسلم من بين عشرة مليون مسلم يتوجهون سنويا لأداء مناسك الحج والعمرة ، حتى ولو كان بعضهم كان قد كرر ذلك الفعل قبل ذلك عشرات المرات، رغم أن العمرة سنة ليست واجبة ، والحج فرض مطلوب مرة واحدة فى العمر ، و هؤلاء مصدر المليارات من الدولارات التى تصب فى جيوب أصحاب جمعيات الحج والعمرة ، و أصحاب شركات السياحة و النقل البرى والبحرى والجوى ، وأصحاب الفنادق والمتاجر السعوديين، و برغم أن من يزورون السعودية سنويا لأداء مناسك الحج والعمرة يصبون فى الاقتصاد السعودى المليارات من الدولارات على حساب خسارة الاقتصاد فى بلادهم، فهذا ليس السبب الوحيد الذى أنفقت من أجله المملكة السعودية أكثر من ثمانين مليار دولار أمريكى على الدعوة الإسلامية عبر العالم حتى الآن منذ ظهور النفط بها، فهناك من تلك النفقات ما هو متعلق بزيادة النفوذ السعودى إقليميا وعالميا، إلا أن الجانب الأخطر و الأهم من هذا الانفاق كان جزءا من استرتيجية الرأسمالية العالمية فى حربها الباردة مع البيروقراطية السوفيتية وحلفائها الذين ربطوا أنفسهم بالإلحاد فخسرو الملايين من بسطاء البشر.
إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنته بنهاية الحرب الباردة وانهيار البيروقراطية السوفيتية وحلفاءها، فمازال التطرف الدينى و الهوس بالغيبيات مطلوبا لدى صناع تلك الاسترتيجية ومنفذيها لأسباب عدة.
لأنه وسيلة فعالة لتفتيت طبقات العاملين بأجر والمهمشين والمنتجين الفرديين على أسس دينية وطائفية منعا لتوحدهم فى مواجهة الرأسمالية والبيروقراطية فى العالم اللتان تقهران وتستغلان تلك الطبقات.
لأنه يشغلهم عن الصراع الحقيقى بينهم وبين الرأسماليين والبيروقراطيين، بصراعات أخرى لن تحقق مصالحهم فى التحرر و لن يكونوا سوى وقودها وضحاياها، ليستفيد فقط الرأسماليين والبيروقراطيين وأمراء الحرب والسياسة.
لأن الرأسمالية فى العالم فى مسيس الحاجة لإشعال الحروب والصراعات الدينية والطائفية، لترويج السلاح وللتخلص من فائض السكان الذى لا تحتاجه فى تلك الحروب.
لأنه يخدر المقهورين والمستغلين و يجعلهم أكثر انصياعا لمن يقهرونهم ويستغلونهم.
مع ملاحظة أن ما يسمى الحرب ضد الإرهاب يشكل جزءا من تلك الاستراتيجية، يعمل فيها بوش وبن لادن كرفاق سلاح كما كانوا فى السابق عندما حاربوا السوفيت وحلفائهم فى أفغانستان، و يلعب كل منهما دوره المرسوم فى تلك الاسترتيجية، من موقعين متناقضين ظاهريا، وذلك للمراقب الساذج، والذى لا يرى أنهما يصبان معا فى اتجاه تحقيق نفس الهدف
ظاهرة تصاعد التطرف الدينى والهوس بالغيبيات التى ظهرت فى النصف الأخير من القرن العشرين، تضرب بجذورها إذن فى الاقتصاد،لا فى الوعى الاجتماعى، و هى تعبر عن مصالح منتجين و باعة لسلع وخدمات، يخلقون لدى جمهورهم من المستهلكين احتياجات غير حقيقية لسلعهم وخدماتهم حتى يستمر اقتصادهم فى الانتعاش، ومن ثم فهم حريصين على الابقاء على الزبائن الذين يستهلكون بضائعهم وخدماتهم، وتوسيع أسواقهم، والقضاء على منافسيهم كلما أمكن، و هى ظاهرة لصيقة بكل المجتمعات البشرية، تضيق أحيانا حتى تصبح هامشية جدا كما هو الآن فى مجتمعات كالسويد وألمانيا، أو تتسع جدا حتى تكاد تبلع المجتمع بأسره كما هو حادث لدينا فى الشرق الأوسط والعالم العربى ، فدائما ما كان المجتمع يخلق فائضا من الأفراد الذين يعيشون عالة على المنتجين الفعليين للثروة، وكان هؤلاء ينتزعون الفائض من الإنتاج الاجتماعى بطرق مختلفة ، وأحد هذه الطرق هو استثمار الدين بدءا من السحر والطوطمية إلى الأديان الأكثر تطورا.
إلا أن الجديد فى المسألة، أن نمط الإنتاج السائد فى العالم أصبح يخلق فائضا هائلا من السكان، طردته التكنولوجيا من المصانع والمزارع والمعامل، فلم يجد بعضهم لأنفسهم فرصا للكسب سوى بالاستثمار فى الدين والمعتقدات الغيبية، بشتى الطرق، التى ذكرنا بعضها ولم نحصرها حرصا على الاختصار، والتى لا تحقق لهم فقط احتياجاتهم المعيشية على حساب منتجى الثروة، بل أنها تحقق لهم مكانة اجتماعية ونفوذ لن توفره لهم مهن أخرى.
وإذا كانت جذور الظاهرة مغروسة بعمق فى الاقتصاد فإن القضاء عليها ومحاصرتها لن يكون إلا من تلك الجذور، لا العبث مع الثمار.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية