الأحد، 22 يونيو 2008

لماذا مالكولم إكس؟ وليس مارتن لوثر كنج!

لماذا مالكولم إكس؟ وليس مارتن لوثر كنج!
سامح سعيد عبود

لم أكن أعرف الكثير عن مالكولم إكس حتى شاهدت فيلما يحكى قصة حياته،مما دفعنى للبحث عن المزيد من المعلومات عنه،وخصوصا أنى لاحظت أنه أصبح إيقونة قطاعات من اليسار الجذرى فى العالم، ومنها منظمة الفهود السود الأمريكية، كما ورد عنه فى موسوعة الانكارتا، حتى أن موقع أرشيف الماركسيين على الأنترنت يضع له أرشيفا فرعيا باعتباره أحد الشخصيات السياسية لحركة تحرر الأمريكيين الأفارقة ذات العلاقة بالتراث الماركسى، وفى نفس الوقت تجاهل نفس الموقع شخص آخر معاصر له هو مارتن لوثر كنج الذى يعتبر القيادة الأهم والأبرز لتلك الحركة، وليس ذلك فحسب بل أننا نجد تمجيدا لمالكولم إكس بين صفوف اليسار العربى ، مع وجود نفس التجاهل لمارتن لوثر كنج، وعند المقارنة بين الشخصيتين سوف يشى لنا الاهتمام بالأول وتمجيده، وتجاهل الثانى، بالآلية التى يفكر بها بعض اليساريين العرب ،وتعرى لنا حقيقتهم.
مالكولكم إكس ولد عام 1925 ، أبيه قس أمريكى أفريقى احد أعضاء جماعة قومية كانت تدعو لعودة الأمريكيين الأفارقة لأفريقيا ،احرق بيته ، وهدد، وفي النهايه قتل دهساً من العنصريين البيض
خرج مالكولم من المدرسة في سنّ الخامسة عشر،ليصبح ذو علاقة بعالم الجريمة فى بوسطن (حتى 1942). حيث ادين بالسرقة في سن العشرين، وبقى في السجن حتى عمر سبعة وعشرون .أثناء سجنه إنضمّ إلى جماعة أمّة الإسلام ، وهى جماعة تخلط بين بعض التعاليم والعقائد الإسلامية والعديد من الخرافات والممارسات التى لا علاقة لها بالإسلام، و التى تؤسس لعنصرية زنجية مضادة لعنصرية البيض، وتسعى لهدف سياسى هو انفصال الأمريكيين الأفارقة بوطن قومى لهم فى الولايات المتحدة الأمريكية،على طراز الحركة الصهيونية فى مواجهة معاداة السامية الأوربية. و فى سجنه درس مالكولم إكس تعليمات أليجه محمد مؤسس الجماعة. وبعد إطلاق سراحه في 1952، ذهب إلي ديترويت ، و إنضمّ إلى النشاطات اليومية لجماعة أمة الإسلام، وبناء على أوامر من قبل أليجه محمد قام ببناء فروع للجماعة في كافة أنحاء امريكا ، مما جعله شخصية عامة مهمة. وقد قوبل بالمحطات التلفزيونية الرئيسية في البلاد وبالمجلات، وتكلّم في كافة أنحاء البلاد في الجامعات المختلفة والمنتديات الأخرى، فلم يكد يمر يوما مالم يلقي فيه خطابا او يلتقي برجالات الاعلام والصحافيين، وكان فى هذه الفترة يصف البيض بالشياطين، ويدعو للعنف المسلح ضدهم، ويسخر من حركة العصيان المدنى بقيادة مارتن لوثر كنج. و قد أثبت قدرات عالية على التحريض والتنظيم. و لكن لم يثبت أبدا أنه مفكر أو منظر ذو قيمة.
وفي عام 1959 سافر مالكولم إكس إلى السودان ونيجيريا، والتقي عبدالناصر في مصر، وبعد عودته لامريكا اتصل بفيدل كاسترو.
في مارس 1964 فضح مالكولم إكس أليجه محمد ، وممارساته غير الشريفة، وبالتالي استعدى عليه كثير من أصدقائه من أعضاء أمة الإسلام من أمثال محمد علي كلاى ، بعد ذلك ترك مالكولم جماعة أمّة الإسلام بهدف تأسيس منظمه خاصه به باسم مسجد نيويورك. وذهب للحج وزيارة العديد من البلاد الإسلامية، ومقابلة العديد من رجال الدين الإسلامى فى عام 1964، ليتحول بعد ذلك إلى الإسلام السنى، ويصبح داعية له وسط الأمريكيين الأفارقة، وليتخلى بناء على إسلامه السنى عن عنصريته السابقة، وأخذ فى الشهور الأخيرة من حياته يقترب أكثر من حركة الحقوق المدنية، داعيا لتأسيس اتحاد الأمريكيين الأفارقة، وبالتالى اصبح غير مرغوبا فيه لا من قبل الحكومه الفيدراليه ولا من جماعة أمة الاسلام ، الى ان جاء يوم 12 فبراير 1965، و كان على اهبه الاستعداد لإلقاء خطاب في مسرح بنيويورك ، حين ذاك أصيب من قبل ثلاثة رجال سود بعدة طلقات ناريه صرعته طريحا على خشبة المسرح، وأشارت أصابع الاتهام لإليجا محمد وجماعته.
ولد مارتن لوثر كنج يوم 15 يناير 1929 إبنا لقس، ودخل كينج المدارس العامة في سنة 1935، ثم التحق بمدرسة "بوكر واشنطن"، وكان تفوقه على أقرانه سببا لالتحاقه بالجامعة في آخر عام 1942، حيث درس بكلية مورهاوس وفي سنة 1947 تم تعيينه كمساعد في كنيسة أبيه، في سبتمبر سنة 1954 قدم مارتن وزوجته إلى مدينة مونتجمري التي كانت ميدانا لنضال مارتن.
كانت الأوضاع التى يعانيها الأمريكيين الأفارقة هناك تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا مارتن لوثر كينج الذى اختط للمقاومة طريقا آخر غير الدم. فنادى بمقاومة تعتمد مبدأ "اللا عنف" أو "المقاومة السلمية".وكانت حملته إيذانا ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكيين الأفارقة.
وبعد تولي "كيندي" منصب الرئاسة ضاعف كينج جهوده المتواصلة لإقحام الحكومة الاتحادية في الأزمة العنصرية المتفاقمة، إلا أن كيندي استطاع أن يتفادى هجمات كينج الذي كان لا يتوقف عن وصف الحكومة بالعجز عن حسم الأمور الحيوية. ، وحرر كنج خطابا أصبح فيما بعد من المراجع الهامة لحركة الحقوق المدنية، وقد أوضح فيه فلسفته التي تقوم على النضال في إطار من عدم العنف. و واصل قيادته لحركة العصيان المدنى المطالبة بالحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة التى لم تقتصر عضويتها عليهم بل ضمت الكثير من البيض والأقليات الأخرى، ثم حصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة ولم يتوقف مارتن لوثر عن مناقشة قضايا الفقر للزنوج، وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل بين كافة المواطنين، وكان هذا هو الأفق اليسارى لحركة الحقوق المدنية تحت قيادته، وفي 14 فبراير 1968 اغتيل مارتن لوثر كينج ببندقية أحد العنصريين البيض ويدعى (جيمس إرل راي) وكان قبل موته يتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب (جامعي النفايات) الذي كاد يتفجر في مائة مدينة أمريكية. وقد حكم على القاتل بالسجن 99 عاما، غير أن التحقيقات أشارت إلى احتمال كون الاغتيال كان مدبرا، وأن جيمس كان مجرد أداة! وقد حققت حركة الحقوق المدنية انتصارها بفضل أفكار مارتن لوثر كينج القائمة على اللاعنف. وليس بالعنف المسلح الذى بشر به مالكولم إكس، ومارسته فعليا منظمة الفهود السود اليسارية.
بعد أن عرفنا ملامح الشخصيتين باختصار شديد، يمكنا أن نرصد الملامح المتشابهة بينهما، من حيث قتلهما وخلفيتهما الدينية،إلا أن الفروق بينهما كبيرة، فالأول كان فيما عدا الشهور العشر الأخيرة قبل مصرعه، عنصريا حتى النخاع، وداعيا للعنف ومبررا له، وكان مجرد بوق جذاب ومنظم فعال لحركة دينية مشبوهة كانت تهدف لانقسام المضطهدين من الأمريكيين الأفارقة فى مواجهة مضطهديهم على أساس دينى عنصرى، وكانت تهدف لانقسام الطبقة العاملة الأمريكية بكل ألوانها العرقية على أساس عرقى فى مواجهة مستغليها...أما الثانى وبرغم أنه رجل دين، فلم يؤسس حركته على أساس دينى، وحركته وحدت الأمريكيين الأفارقة ومناصريهم وحلفائهم فى مواجهة مضطهديهم العنصريين،حتى نجحوا فى تحقيق المساواة المدنية والسياسية، مستندين على رؤية إنسانية تليق حقا بقيم اليسار على عكس الرؤية الدموية والعنصرية للأول برغم توبته عنها قبل مصرعه.
يتعاطف اليساريون من الصنف الشعبوى مع الدمويين، وكل من يرفع رايات الهويات العرقية والقومية والدينية، ويعتبرهم دون سواهم أبطالا ورموزا ومناضلين من أجل الحرية والمساواة،وينظرون بعين الشك وعدم التقدير لأنصار اللاعنف ومن ينطلقون من رؤى طبقية وإنسانية، فى هذا إجابة للسؤال المعنون به المقال.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية