العاملين بأجر فى القطاع الخاص والتغيير
العاملين بأجر فى القطاع الخاص والتغيير
سامح سعيد عبود
بلغ إجمالي قوة العمل فى مصر في أول يناير من العام الحالي ما يزيد عن20 مليونا, و بلغ عدد المشتغلين في القطاع الحكومي نحو 5 ملايين، ونسبتهم من إجمالى عدد العاملين بأجر غير معرضة للزيادة فى ضوء سياسة تقليص التعينات بالحكومة، وعدد المشتغلين في قطاع الأعمال العام يقرب من نصف مليون فرد، و هم يتقلصون باستمرار مع عمليات الخصخصة، وفي القطاع الخاص داخل المنشئات يبلغ عدد العاملين المؤمن عليهم نحو5 ملايين وفق الاحصائيات الرسمية، و نسبتهم تتزايد مع تصاعد كل من عمليات الخصخصة والاستثمار الخاص، والحقيقة أن الكثير من العمالة المنظمة فى القطاع الخاص غير مؤمن عليها، ومن ثم لا يتضح حجمها الحقيقى من الاحصائيات الرسمية، أما عدد العاملين بالقطاع الخاص خارج المنشآت أى العمالة غير المنظمة، فقد بلغوا نحو 7 ملايين وفق الاحصائيات الرسمية، ولكن يمكن أن يكون العدد أكبر بكثير فى ضوء انتشار عمالة الأطفال، واتساع حجم الاقتصاد غير الرسمى، وينقسم العاملين بأجر حسب القطاعات التى يعملون بها إلى 50% يعملون فى التجارة والخدمات، و19% يعملون قى الصناعة، و31% يعملون فى الزراعة. وهذه الاحصائيات يمكن فهمها فى سياق تطور تكوين الطبقة العاملة فى مصر والعالم ،حيث تشهد المرحلة الحالية من التطور الرأسمالى عالميا ومحليا تزايد البطالة والتهميش عموما لمعدلات عالية جدا، كما تشهد تقلص كل من العمالة المستقرة و العمالة المنظمة بالنسبة للحجم الإجمالى للعاملين بأجر، و فى نفس الوقت اتساع حجم كل من العمالة غير المستقرة و غير المنظمة، وإذا كانت الفترة السابقة فى التطور الرأسمالى شهدت سيادة وحدات عمل كثيفة العمالة فإن التطورات الحديثة، تشهد سيادة وحدات عمل قليلة العمالة. وقد ترتب على ذلك أن أصبح عدد العمال فى معظم الوحدات أقل من خمسين عاملا درءا لوجود تنظيمات نقابية. أما بقية الأعمال المساعدة للإنتاج كالخدمات الإدارية، والتسويقية، والحراسة، والنقل فيتم اللجوء إليها بنظام "المهمة"، عبر شركات أو مقاولين ، و تشهد نفس المرحلة تصاعد نسبة من يعملون من منازلهم، وإذا كانت الفترة السابقة قد شهدت تضخم حجم العمالة الصناعية إلا أن الفترة الحالية تشهد تقلصها لصالح تضخم العمالة فى الخدمات والتجارة، مع ثبات نسبى فى عمال الزراعة، ففى مصر عام 86 كان عمال كل من الصناعة والزراعة يبلغ كل منهم 30% فى حين بلغ عمال التجارة والخدمات 40%، كل هذه الظروف الموضوعية أضرت بقدرة الطبقة العاملة عامة على تنظيم نفسها فى إطار النضال الاقتصادى، واضعفت تأثيرها السياسى.فى هذا المقال سيتم التركيز على العمالة المنظمة فى القطاع الخاص، وذلك لأنهم غالبا أكثر تعليما من العاملين بالقطاع غير المنظم، حيث يتركز النشاط المنظم فى قطاع الصناعة التى تحتاج لعمالة أكثر تعلما من عمالة القطاع غير المنظم فى الزراعة والخدمات، ويلاحظ من الاحصائيات نشوء جيل جديد من العمال فى القطاع الخاص الصناعى فى المدن الجديدة (يقدر البعض عددهم بما يقرب من ربع مليون عامل) أقرب إلى العمال ذوى الياقات البيضاء، غالبا من المهندسين، وخريجي الكليات والمعاهد التكنولوجية العالية والمتوسطة، وهم فى نفس الوقت أكثر شبابا فى الغالب من العاملين بقطاع الأعمال العام والحكومة التى توقفت بهما التعينات أو تقلصت إلى حد كبير، والسمة الأخرى الأكثر أهمية التى تميزهم عن عمال الحكومة و عمال قطاع الأعمال العام أنهم أكثر بلترة فهم مجردين أكثر من الملكية الخاصة الصغيرة على عكس العمالة القديمة فى القطاع العام ذات الأصول الريفية والمرتبطة بأنماط التملك البرجوازى الصغير فى الريف والمدن، والمرتبطين بعائلاتهم الريفية الممتدة، وامتدادا لهذا فأن أصول معظم هؤلاء ترجع للمدينة و لأسر عمالية بعكس العمالة القديمة فى القطاع العام التى كانت ترجع أصول معظمهم للريف و لأسر فلاحية، و العاملين بأجر فى القطاع الخاص فى إطار علاقات العمل يخضعون لعقود عمل يمكن أن تخضع شروطها للمساومة الجماعية مع أصحاب العمل،على عكس عمال قطاع الأعمال العام والحكومة الخاضعين لقواعد قانونية فى علاقات العمل التى تمنع المساومة الجماعية بين الدولة والعاملين لديها، هذه هى الجوانب الايجابية التى يتميزون بها عن العاملين بالحكومة وقطاع الأعمال العام إلا أن الجانب السلبى يتجلى فى أن خبراتهم النضالية محدودة وهم فى الغالب الأعم غير مؤطرين نقابيا وسياسيا، حيث يقول محمد عبد العظيم قائد نقابى من مصنع السامولى بالمحلة الكبرى "أنه لا توجد لجنة نقابية لأى مصنع قطاع خاص بالمحلة سوى فى مصنع واحد فقط هو مصنع السامولى، كما أن عدد عمال القطاع الخاص أكثر من 225000 عامل فى حين أن عدد العاملين فى قطاع الأعمال العام فى المحلة يبلغ نحو 27000"، وفى ضوء البطالة المستشرية يخضع العاملين فى القطاع الخاص لظروف عمل قاسية فالمرتبات منخفضة غالبا إلا فى بعض القطاعات و الوحدات القليلة، كفروع الشركات متعدية الجنسية، إلا أنهم فى كل الأحوال يعملون عدد ساعات عمل تتجاوز العشر ساعات يوميا غالبا ، فيقول محمد مصطفى عامل بأحد مصانع الغزل بالمحلة "إننا نعمل من 8 صباحا حتى ستة مساء ونحصل على راتب يومى 8 جنية "، أما محمد على منصور بتريكو الصياد بالمحلة "فيعمل من 8 صباحا إلى 6مساءا و أجره الشهرى 140 جنية والراتب الأساسى الذى ورد بالعقد 87 جنية، و يشير إلى أن هناك مصانع أخرى تعمل من 7 صباحا إلى 7 مساءا" ويشير محمد عبد العظيم أيضا إلى "أن معظم العمال فى المحلة خارج مظلة التأمينات ولكن كلهم أجورهم الفعلية أضعاف ما هو مثبت فى التأمينات".هناك بعض التشكيلات العمالية تحاول صياغة موقف سياسى للتغيير من وجهة نظر العمال مثل اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية التى أصدر مؤتمرها الثانى (العمال والتغيير) فى 27/5 / 2005 بيانا بشأن رؤية العمال فى التغيير السياسى فى مصر، و كان أكثر البيانات جذرية التى صدرت فى مصر بهذا الخصوص حيث تضمن برنامجه مطالب الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما طرح مطالب ديمقراطية المشاركة على جدول الإصلاح السياسى و التى تتجاوز كثيرا مطالب حركات التغيير الأخرى مثل كفاية والحملة و التحالف، وقد جاء فيه" يرى العمال أن الديموقراطية لن تكون سوى ثرثرات فارغة في أروقة البرلمان، أو أداة لتسوية الخلافات بين أجنحة الطبقة الحاكمة، ما لم تقترن بتوسيع حدودها، بالنضال من أجل المطالب الاجتماعية للعمال والكادحين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من الشعب "، إلا أنه على الجانب الآخر وبعيدا عن الطابع الطليعى للبيان الذى يعبر عن عمال مؤدلجين سياسيا، فإن كل التحركات الاحتجاجية فى وحدات العمل لا علاقة لها بالسياسة بالمعنى المباشر، وإنما لها علاقة بالأجر وتكاليف المعيشة وتعامل الإدارة المهين وظروف العمل العبودية كما أن فكرة التضامن العمالى بين عمال الوحدات المختلفة مازلت ضعيفة وجنينية بسبب عدم وجود نقابات فى معظم المصانع ، كما لا يوجد وعى نقابى كافى عند الكثير من العمال، إلا أنه وحتى تكتمل الصورة لدينا يجدر بنا أن نشير أن بعض المناطق العمالية شهدت بؤر احتجاج عمالى وتجارب نضالية تؤدى لاستنتاج مختلف عما سبق مثل تجربة عمال الاسبستوس وتجربة الإدارة الذاتية فى مصنع المصابيح الكهربائية بالعاشر من رمضان ، و هذا التباين قد يعد مؤشرا إلى اختلاف أوضاع العمال فى منطقة عمالية قديمة كالمحلة، والعمال فى منطقة جديدة كمدينة العاشر من رمضان. ولعله مما يلفت نظر المراقب للحالة العمالية فى مصر هى أن هناك دائما تصور سائد إعلاميا أن سائقى الميكروباصات مجموعة من الصيع والحشاشين، ولكن كفاح رابطة سائقى الميكروباص بالأسكندرية دليل كبير على تطور فى وعى ونوعية سائقى الميكروباصات بوضعهم كمجموعة ذات مصالح موحدة.باستطلاع أراء العديد من العاملين بأجر غير المؤدلجين سياسيا أتضح لنا أن العامل العادى غير مهتم بالنظام القائم إلا فى إطار قدرة هذا النظام على توفير احتياجاته الأولية، وهو لا يهتم كثيرا بطبيعة ملكية المؤسسة التى يعمل بها سواء أكانت عامة أم خاصة، ربما لأن لديه وعى طبقى فطرى بأنه فى الحالتين مستغل، ومن هنا فإن ما يهمه بالفعل هو تحسين شروط الاستغلال مادام لا يستطيع القضاء عليه، فالعامل الذى لم تلوث عقله أفكار دولة الرعاية الأبوية، يهتم بأوضاعه المعيشية وأوضاع العمل والمكاسب التى يمكن أن تتحقق فى أى نظام، وهو ما أكده مثلا سيد عبد الرحيم الذى يعمل حاليا بمصنع قطاع خاص فى السادس من أكتوبر بعد أن ترك شركة الكراكات و هى إحدى شركات قطاع الأعمال العام "أنه يفضل العمل فى القطاع العام للإمتيازات التى كان يحصل عليها من خلاله ولكن ليس لشكل الملكية".الاستنتاج الثانى أن العاملين بأجر كأى طبقة اجتماعية أخرى تتفاوت فيما بين أفرادها درجات الفهم والثقافة، و كما تتباين نوعيات الاهتمام، فالقليل من العاملين بأجر من يهتم بالسياسة بالمعنى المباشر،شأنهم شأن سائر طبقات المجتمع، والأقل بالطبع من هو على استعداد أن يتحول اهتمامه لممارسة سياسية عمليا، و السياسة تأتى عموما فى المرتبة الثانية بعد الاهتمام بمستوى الدخل عند معظمهم، وهم موضوعيا لا يمكن أن يتحركوا من أجل مجرد تغيرات محدودة فى إطار الديمقراطية السياسية، إلا إذا ضمنت لهم تلك الديمقراطية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الحريات النقابية، وعلى رأسها حق الإضراب و المساومة الجماعية على شروط العمل، و ارتبط ذلك لديهم بتحسن مستوى المعيشة، و هذا ليس هذا مجرد كلام نظرى، فالعاملين بأجر فى إطار صراعهم الطبقى العفوى يمارسون الإضراب ويشكلون النقابات عفويا بصرف النظر عن الشرعية، و بصرف النظر عن وعيهم السياسى واهتمامهم بالسياسة، أو تبنيهم لأيديولوجيات مختلفة ، كما أنهم بالطبع مع عقود عمل تصاغ وفق المساومة الجماعية بينهم وبين أصحاب العمل لا عقود الإذعان الحالية. ومن ثم فاحتياجهم للاعتراف بتلك الحقوق قد يدفعهم للتحرك السياسى.الاستنتاج الثالث أن العاملين بأجر مع الديمقراطية السياسية بشكل عام، وهو ما عبر عنه معظم المستطلع رأيهم فقد تبين لنا أنهم مع الحريات والحقوق الإنسانية كاملة، و مع انتخاب رئيس الجمهورية، وقد اقترح أحدهم محمود الدسوقى عامل فنى بخدمات الستالايت "أن تكون فترة الرئاسة لمدة واحدة و لأقل فترة ممكنة" كما عبر محمد منصور عامل نسيج "أن الحاكم لا يجب أن يكون من الجيش لأنه سيحكم بالحديد والنار بل يجب أن يكون من عامة الشعب ليشعر بمشاعر الناس العاديين والشقيانين"، ولنا فى النهاية ملاحظة ذات صلة هى وإن كان الخبز يشكل محور الاهتمام الجوهرى لدى العمال باعتبارهم مجردين أساسا من الثروة، و خصوصا فى ضوء عدم توفره إلا إن الحرية والكرامة الإنسانية أيضا لها أهميتها لديهم حتى ولو اضطروا لقبول إهدارها إضطرارا، فالكثير من الاحتجاجات العمالية تتم بسبب سوء معاملة الإدارة للعمال، وهذا يشى فى النهاية أن فكرة المستبد العادل أخذت تتلاشى فى وعى الأجيال الشابة من العاملين بأجر.
بلغ إجمالي قوة العمل فى مصر في أول يناير من العام الحالي ما يزيد عن20 مليونا, و بلغ عدد المشتغلين في القطاع الحكومي نحو 5 ملايين، ونسبتهم من إجمالى عدد العاملين بأجر غير معرضة للزيادة فى ضوء سياسة تقليص التعينات بالحكومة، وعدد المشتغلين في قطاع الأعمال العام يقرب من نصف مليون فرد، و هم يتقلصون باستمرار مع عمليات الخصخصة، وفي القطاع الخاص داخل المنشئات يبلغ عدد العاملين المؤمن عليهم نحو5 ملايين وفق الاحصائيات الرسمية، و نسبتهم تتزايد مع تصاعد كل من عمليات الخصخصة والاستثمار الخاص، والحقيقة أن الكثير من العمالة المنظمة فى القطاع الخاص غير مؤمن عليها، ومن ثم لا يتضح حجمها الحقيقى من الاحصائيات الرسمية، أما عدد العاملين بالقطاع الخاص خارج المنشآت أى العمالة غير المنظمة، فقد بلغوا نحو 7 ملايين وفق الاحصائيات الرسمية، ولكن يمكن أن يكون العدد أكبر بكثير فى ضوء انتشار عمالة الأطفال، واتساع حجم الاقتصاد غير الرسمى، وينقسم العاملين بأجر حسب القطاعات التى يعملون بها إلى 50% يعملون فى التجارة والخدمات، و19% يعملون قى الصناعة، و31% يعملون فى الزراعة. وهذه الاحصائيات يمكن فهمها فى سياق تطور تكوين الطبقة العاملة فى مصر والعالم ،حيث تشهد المرحلة الحالية من التطور الرأسمالى عالميا ومحليا تزايد البطالة والتهميش عموما لمعدلات عالية جدا، كما تشهد تقلص كل من العمالة المستقرة و العمالة المنظمة بالنسبة للحجم الإجمالى للعاملين بأجر، و فى نفس الوقت اتساع حجم كل من العمالة غير المستقرة و غير المنظمة، وإذا كانت الفترة السابقة فى التطور الرأسمالى شهدت سيادة وحدات عمل كثيفة العمالة فإن التطورات الحديثة، تشهد سيادة وحدات عمل قليلة العمالة. وقد ترتب على ذلك أن أصبح عدد العمال فى معظم الوحدات أقل من خمسين عاملا درءا لوجود تنظيمات نقابية. أما بقية الأعمال المساعدة للإنتاج كالخدمات الإدارية، والتسويقية، والحراسة، والنقل فيتم اللجوء إليها بنظام "المهمة"، عبر شركات أو مقاولين ، و تشهد نفس المرحلة تصاعد نسبة من يعملون من منازلهم، وإذا كانت الفترة السابقة قد شهدت تضخم حجم العمالة الصناعية إلا أن الفترة الحالية تشهد تقلصها لصالح تضخم العمالة فى الخدمات والتجارة، مع ثبات نسبى فى عمال الزراعة، ففى مصر عام 86 كان عمال كل من الصناعة والزراعة يبلغ كل منهم 30% فى حين بلغ عمال التجارة والخدمات 40%، كل هذه الظروف الموضوعية أضرت بقدرة الطبقة العاملة عامة على تنظيم نفسها فى إطار النضال الاقتصادى، واضعفت تأثيرها السياسى.فى هذا المقال سيتم التركيز على العمالة المنظمة فى القطاع الخاص، وذلك لأنهم غالبا أكثر تعليما من العاملين بالقطاع غير المنظم، حيث يتركز النشاط المنظم فى قطاع الصناعة التى تحتاج لعمالة أكثر تعلما من عمالة القطاع غير المنظم فى الزراعة والخدمات، ويلاحظ من الاحصائيات نشوء جيل جديد من العمال فى القطاع الخاص الصناعى فى المدن الجديدة (يقدر البعض عددهم بما يقرب من ربع مليون عامل) أقرب إلى العمال ذوى الياقات البيضاء، غالبا من المهندسين، وخريجي الكليات والمعاهد التكنولوجية العالية والمتوسطة، وهم فى نفس الوقت أكثر شبابا فى الغالب من العاملين بقطاع الأعمال العام والحكومة التى توقفت بهما التعينات أو تقلصت إلى حد كبير، والسمة الأخرى الأكثر أهمية التى تميزهم عن عمال الحكومة و عمال قطاع الأعمال العام أنهم أكثر بلترة فهم مجردين أكثر من الملكية الخاصة الصغيرة على عكس العمالة القديمة فى القطاع العام ذات الأصول الريفية والمرتبطة بأنماط التملك البرجوازى الصغير فى الريف والمدن، والمرتبطين بعائلاتهم الريفية الممتدة، وامتدادا لهذا فأن أصول معظم هؤلاء ترجع للمدينة و لأسر عمالية بعكس العمالة القديمة فى القطاع العام التى كانت ترجع أصول معظمهم للريف و لأسر فلاحية، و العاملين بأجر فى القطاع الخاص فى إطار علاقات العمل يخضعون لعقود عمل يمكن أن تخضع شروطها للمساومة الجماعية مع أصحاب العمل،على عكس عمال قطاع الأعمال العام والحكومة الخاضعين لقواعد قانونية فى علاقات العمل التى تمنع المساومة الجماعية بين الدولة والعاملين لديها، هذه هى الجوانب الايجابية التى يتميزون بها عن العاملين بالحكومة وقطاع الأعمال العام إلا أن الجانب السلبى يتجلى فى أن خبراتهم النضالية محدودة وهم فى الغالب الأعم غير مؤطرين نقابيا وسياسيا، حيث يقول محمد عبد العظيم قائد نقابى من مصنع السامولى بالمحلة الكبرى "أنه لا توجد لجنة نقابية لأى مصنع قطاع خاص بالمحلة سوى فى مصنع واحد فقط هو مصنع السامولى، كما أن عدد عمال القطاع الخاص أكثر من 225000 عامل فى حين أن عدد العاملين فى قطاع الأعمال العام فى المحلة يبلغ نحو 27000"، وفى ضوء البطالة المستشرية يخضع العاملين فى القطاع الخاص لظروف عمل قاسية فالمرتبات منخفضة غالبا إلا فى بعض القطاعات و الوحدات القليلة، كفروع الشركات متعدية الجنسية، إلا أنهم فى كل الأحوال يعملون عدد ساعات عمل تتجاوز العشر ساعات يوميا غالبا ، فيقول محمد مصطفى عامل بأحد مصانع الغزل بالمحلة "إننا نعمل من 8 صباحا حتى ستة مساء ونحصل على راتب يومى 8 جنية "، أما محمد على منصور بتريكو الصياد بالمحلة "فيعمل من 8 صباحا إلى 6مساءا و أجره الشهرى 140 جنية والراتب الأساسى الذى ورد بالعقد 87 جنية، و يشير إلى أن هناك مصانع أخرى تعمل من 7 صباحا إلى 7 مساءا" ويشير محمد عبد العظيم أيضا إلى "أن معظم العمال فى المحلة خارج مظلة التأمينات ولكن كلهم أجورهم الفعلية أضعاف ما هو مثبت فى التأمينات".هناك بعض التشكيلات العمالية تحاول صياغة موقف سياسى للتغيير من وجهة نظر العمال مثل اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية التى أصدر مؤتمرها الثانى (العمال والتغيير) فى 27/5 / 2005 بيانا بشأن رؤية العمال فى التغيير السياسى فى مصر، و كان أكثر البيانات جذرية التى صدرت فى مصر بهذا الخصوص حيث تضمن برنامجه مطالب الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما طرح مطالب ديمقراطية المشاركة على جدول الإصلاح السياسى و التى تتجاوز كثيرا مطالب حركات التغيير الأخرى مثل كفاية والحملة و التحالف، وقد جاء فيه" يرى العمال أن الديموقراطية لن تكون سوى ثرثرات فارغة في أروقة البرلمان، أو أداة لتسوية الخلافات بين أجنحة الطبقة الحاكمة، ما لم تقترن بتوسيع حدودها، بالنضال من أجل المطالب الاجتماعية للعمال والكادحين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من الشعب "، إلا أنه على الجانب الآخر وبعيدا عن الطابع الطليعى للبيان الذى يعبر عن عمال مؤدلجين سياسيا، فإن كل التحركات الاحتجاجية فى وحدات العمل لا علاقة لها بالسياسة بالمعنى المباشر، وإنما لها علاقة بالأجر وتكاليف المعيشة وتعامل الإدارة المهين وظروف العمل العبودية كما أن فكرة التضامن العمالى بين عمال الوحدات المختلفة مازلت ضعيفة وجنينية بسبب عدم وجود نقابات فى معظم المصانع ، كما لا يوجد وعى نقابى كافى عند الكثير من العمال، إلا أنه وحتى تكتمل الصورة لدينا يجدر بنا أن نشير أن بعض المناطق العمالية شهدت بؤر احتجاج عمالى وتجارب نضالية تؤدى لاستنتاج مختلف عما سبق مثل تجربة عمال الاسبستوس وتجربة الإدارة الذاتية فى مصنع المصابيح الكهربائية بالعاشر من رمضان ، و هذا التباين قد يعد مؤشرا إلى اختلاف أوضاع العمال فى منطقة عمالية قديمة كالمحلة، والعمال فى منطقة جديدة كمدينة العاشر من رمضان. ولعله مما يلفت نظر المراقب للحالة العمالية فى مصر هى أن هناك دائما تصور سائد إعلاميا أن سائقى الميكروباصات مجموعة من الصيع والحشاشين، ولكن كفاح رابطة سائقى الميكروباص بالأسكندرية دليل كبير على تطور فى وعى ونوعية سائقى الميكروباصات بوضعهم كمجموعة ذات مصالح موحدة.باستطلاع أراء العديد من العاملين بأجر غير المؤدلجين سياسيا أتضح لنا أن العامل العادى غير مهتم بالنظام القائم إلا فى إطار قدرة هذا النظام على توفير احتياجاته الأولية، وهو لا يهتم كثيرا بطبيعة ملكية المؤسسة التى يعمل بها سواء أكانت عامة أم خاصة، ربما لأن لديه وعى طبقى فطرى بأنه فى الحالتين مستغل، ومن هنا فإن ما يهمه بالفعل هو تحسين شروط الاستغلال مادام لا يستطيع القضاء عليه، فالعامل الذى لم تلوث عقله أفكار دولة الرعاية الأبوية، يهتم بأوضاعه المعيشية وأوضاع العمل والمكاسب التى يمكن أن تتحقق فى أى نظام، وهو ما أكده مثلا سيد عبد الرحيم الذى يعمل حاليا بمصنع قطاع خاص فى السادس من أكتوبر بعد أن ترك شركة الكراكات و هى إحدى شركات قطاع الأعمال العام "أنه يفضل العمل فى القطاع العام للإمتيازات التى كان يحصل عليها من خلاله ولكن ليس لشكل الملكية".الاستنتاج الثانى أن العاملين بأجر كأى طبقة اجتماعية أخرى تتفاوت فيما بين أفرادها درجات الفهم والثقافة، و كما تتباين نوعيات الاهتمام، فالقليل من العاملين بأجر من يهتم بالسياسة بالمعنى المباشر،شأنهم شأن سائر طبقات المجتمع، والأقل بالطبع من هو على استعداد أن يتحول اهتمامه لممارسة سياسية عمليا، و السياسة تأتى عموما فى المرتبة الثانية بعد الاهتمام بمستوى الدخل عند معظمهم، وهم موضوعيا لا يمكن أن يتحركوا من أجل مجرد تغيرات محدودة فى إطار الديمقراطية السياسية، إلا إذا ضمنت لهم تلك الديمقراطية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الحريات النقابية، وعلى رأسها حق الإضراب و المساومة الجماعية على شروط العمل، و ارتبط ذلك لديهم بتحسن مستوى المعيشة، و هذا ليس هذا مجرد كلام نظرى، فالعاملين بأجر فى إطار صراعهم الطبقى العفوى يمارسون الإضراب ويشكلون النقابات عفويا بصرف النظر عن الشرعية، و بصرف النظر عن وعيهم السياسى واهتمامهم بالسياسة، أو تبنيهم لأيديولوجيات مختلفة ، كما أنهم بالطبع مع عقود عمل تصاغ وفق المساومة الجماعية بينهم وبين أصحاب العمل لا عقود الإذعان الحالية. ومن ثم فاحتياجهم للاعتراف بتلك الحقوق قد يدفعهم للتحرك السياسى.الاستنتاج الثالث أن العاملين بأجر مع الديمقراطية السياسية بشكل عام، وهو ما عبر عنه معظم المستطلع رأيهم فقد تبين لنا أنهم مع الحريات والحقوق الإنسانية كاملة، و مع انتخاب رئيس الجمهورية، وقد اقترح أحدهم محمود الدسوقى عامل فنى بخدمات الستالايت "أن تكون فترة الرئاسة لمدة واحدة و لأقل فترة ممكنة" كما عبر محمد منصور عامل نسيج "أن الحاكم لا يجب أن يكون من الجيش لأنه سيحكم بالحديد والنار بل يجب أن يكون من عامة الشعب ليشعر بمشاعر الناس العاديين والشقيانين"، ولنا فى النهاية ملاحظة ذات صلة هى وإن كان الخبز يشكل محور الاهتمام الجوهرى لدى العمال باعتبارهم مجردين أساسا من الثروة، و خصوصا فى ضوء عدم توفره إلا إن الحرية والكرامة الإنسانية أيضا لها أهميتها لديهم حتى ولو اضطروا لقبول إهدارها إضطرارا، فالكثير من الاحتجاجات العمالية تتم بسبب سوء معاملة الإدارة للعمال، وهذا يشى فى النهاية أن فكرة المستبد العادل أخذت تتلاشى فى وعى الأجيال الشابة من العاملين بأجر.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية