الخميس، 17 يوليو 2008

حول ملتقى اليسار المصرى

حول ملتقى اليسار المصرى
سامح سعيد عبود
نشرت جريدة الشرق الأوسط يوم 14/8 خبرا مفاده أن القوى اليسارية المصرية بدأت التجهيز لتنظيم ملتقى اليسار للحوار الوطني في أول شهر أكتوبر المقبل بهدف توحيد التيارات اليسارية. والفكرة كما أوردها الخبر جيدة بشكل عام إلا أن لدى ملاحظات حول مدى جدية الفكرة وإمكانية نجاحها بناء على تفاصيل ذلك الخبر.
أعتقد أن من علامات الجدية ونحن نحاول أن نغير الواقع، أن ننحى الخلافات التاريخية جانبا فكل ما حدث فى الماضى لا يمكن استرجاعه مرة أخرى لإصلاحه، أما ما نملك التأثير عليه فعليا فهو الحاضر والمستقبل، و من ثم فلنترك الخلافات التاريخية التى مازالت تقسم اليسار فى العالم لأقسامه الرئيسية حتى الآن.
فقد قدر علينا أن نأتى فى لحظة تاريخية تتراكم فيها ظروف غاية فى الصعوبة أقل ما تدفع إليه هو اليأس والإحباط أو التكيف مع الواقع العفن التى أغرقتنا فيه الرأسمالية عالميا ومحليا ،إلا أنه وبالرغم من ذلك فلا خيار أمامنا إلا المقاومة، فالمعنى الوحيد للاستسلام هو مساعدة المستفيدين من الوضع القائم فى الاستمرار فى القهر والاستغلال والظلم. فالرأسمالية عالميا تدفع الكوكب كله إلى الانتحار، والبشرية بأسرها للاندثار، والرأسمالية مصريا تدفع المجتمع المصرى لتدهور وانحطاط مروع نلمسه جميعا، والغريب حقا هو تلك اللامبالاة التى يواجه بها البشر عموما والمصريون خصوصا مصيرهم وهم ينجرفون مسرعين إلى حافة النهاية البربرية، وإذا كان هذا مفهوما من الذين لا يدركون ما هم إليه منقلبين ،فالمأساة هى فيمن يدركون ولا يفعلون شيئا فى مواجهته . أو ينخرطون فى نضالات و أنشطة لا تصلح لمواجهته.
الحقيقة أن كل النظريات قد قيلت من قبل والموجود منها هى مجرد تنويعات على أفكار قد سبق و قتلت بحثا ، فضلا أنه لا وقت لدينا لترف التنظير والمهاترات البيزنطية حول قضايا ميتة إلا فى عقول المهتمين بها فى حين ينجرف الواقع من حولنا غير عابىء بما يدور فى المقاهى وقاعات البحث ، فمجموعات هذا التيار الواسع قد تتفق على أسس عامة وتختلف فى تفصيلات تتناحر حولها ، و لا تترك للممارسة العملية فرصة إثبات أي منها الصحيح ، ومن ثم فلنتحدث إذن عن المبادىء والأهداف والمفاهيم التى يجب أن تحكم حركة اليسار الآن، فلنتحدث عن تفاصيل البديل اليسارى الذى يجب أن نطرحه على الناس لتغيير هذا الواقع، وعن رؤيتنا لكيفية تحقيقه، وهى قضايا الخلاف الجديرة بالمناقشة والحوار، و هى تقسم بالفعل كل من يزعمون الانتماء لمعسكر اليسار لمعسكرات متناقضة بل ومتصارعة فى حقيقتها، ومن ثم سيصعب علي ممثلى تلك الاتجاهات أن يعملوا سويا لتغيير الواقع لاختلاف رؤاهم حول هذا البديل تحديدا، ومن ثم فمن الأفضل أن تتضح لنا تلك الخلافات من البداية بدلا من إضاعة الوقت فى مناقشة قضايا لن يحسمها مجرد الحوار.
أن المشكلة الجوهرية فى مثل هذا النوع من الحوار،أن معظم اليساريين توقفوا منذ زمن طويل عن القراءة، و تيبست عقولهم على معلوماتهم ومفاهيمهم القديمة التى تجاوزها الزمن، أو استسهلوا الارتداد عنها لمفاهيم قديمة أيضا بدورها دون دراسة كافية للواقع الجديد ، و دون أن يبرهنوا على استمرار صلاحيتها فى ظل الأوضاع الجديدة ، فهم عاجزين عن رؤية الواقع الحالى بسبب أن عقولهم ثبتت على صورة واقع لم يعد موجودا، و تكلست على نظريات أصبحت لا تستجيب لمعضلات الواقع الجديد.
فمازال جزءا هاما من اليسار المصري مستمرا فى نفس الأخطاء القديمة التى أضرت بالحركة اليسارية،و ليس لديه أدنى استعداد لمناقشة جدية لأفكاره ومراجعة تلك الأخطاء، و هو فى معظمه يتعمد عدم مناقشة النقد الموضوعى لحركة اليسار المصرى والعالمى باعتبار أن أى نقد هو ردة دينية تستوجب من المؤمنين الرفض إن لم نقل محاربة من يقترفها، فمازال الكثيرون منهم على سبيل المثال مصرين على الخلط بين أفكار الهوية الجماعية كالقومية والوطنية و بين أفكار الأممية البروليتارية ،ومازال خطابهم أسير المفاهيم الشعبوية كالوطن والشعب والقومية وغيرها مبتعدين عن مفاهيم الصراع الطبقى باعتباره أهم صراع اجتماعى، و مازال خطابهم النظرى مهووسا بالتحرر الوطنى والنهضة القومية، وليس بالتحرر الطبقى و الإنساني ،و مازالوا أسرى النظرة الاقتصادية للتقدم دون القدرة على تخطيها لمفهوم أشمل للتقدم يشمل نوعية الحياة الإنسانية، والكثيرون من اليساريين قد استسهلوا تبنى مواقف الاشتراكية الديمقراطية بالنظر للنتائج الباهرة التى تحققت على يديها فى غرب أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية بالقياس للفشل المروع للستالينية فى شرق أوروبا، فى نفس اللحظة التاريخية التى تواجه فيه الاشتراكية الديمقراطية أسوء أزماتها و أشد لحظات تراجعها عالميا بانتهاء عهد دولة الرفاهية.
نعود مرة أخرى للخبر حيث قال عبد الغفار شكر الذى وصفته الجريدة بالمسئول التنسيقي للمبادرة لـ الشرق الأوسط "إن هذه الفكرة كانت دائماً تراود اليساريين المصريين بأقسامهم المختلفة والمتمثلين في أصحاب التيارين الناصري والشيوعي بروافدهما"... وأكد "إنها لا تقوم على أي أساس أيديولوجي سياسي ولكنها تجتذب كل من يؤمن بفكرة الاشتراكية والتحول الديمقراطي السلمي للمجتمع والدولة والانحياز للكادحين من أبناء الشعب المصري".
ولى أربع ملاحظات رئيسية على ما ورد فى هاتين الفقرتين.
* يرى قسم متزايد النمو من اليسار المصرى أن القوى الناصرية قوى غير يسارية فى الأصل، و هى قوى تدور ما بين الفاشية و الشعبوية، شأنها شأن أى حركة سياسية تقوم على أساس الهوية الجماعية قومية كانت أو دينية، و ترى تلك الأقسام المتزايدة أن التجربة الناصرية التاريخية عموما تجربة فاشية لا علاقة لها بالمساواة ولا بالحرية و لا بالتقدم التى هى أهداف اليسار فى النهاية، و يرى هؤلاء أنه آن الأوان لفك الارتباط القسرى بين اليسار و القوى القومية والوطنية والشعبوية التى أضرت باليسار المصرى و العربى أيما ضرر، و الخلافات بين فصائل اليسار فى هذا الخصوص ليست مجرد خلافات نظرية أو تاريخية يمكن التغاضى عنها،أنها خلافات متعلقة بالمبادىء والأهداف والمفاهيم والممارسة العملية ،التى تراها أقسام اليسار المختلفة.فهناك من المحسوبين على اليسار من يريد استعادة تلك التجربة من الماضى لتتحقق فى الحاضر والمستقبل وهو ما يرفضه يساريون آخرين بقوة، و بلا شك أنهم سيقاوموها لو شاءت لها الأقدار أن تتكرر.
* لا أعتقد أن هناك كلمة تم ابتذالها كما ابتذلت كلمة الاشتراكية التى فقدت أى معنى لها من فرط استخدامها لوصف أنظمة متناقضة حيث يحتاج الأمر دائما لمذكرة تفسيرية تشرح المقصود منها،كما فقدت أى جاذبية من فرط من أدعوها لأنفسهم وارتكبوا باسمها أفظع الجرائم التى تناقضت مع كونها و فى أصلها أنبل الأهداف البشرية المتمثلة فى الحرية والمساواة والتقدم، إلا أن لدينا عموما ثلاث رؤى أساسية مختلفة تماما لمفهوم الاشتراكية، تقسم اليسار عالميا ومصريا لثلاث معسكرات متعارضة لا مجال لتعاونها على مستوى أى تغيير مطروح على جدول الأعمال سواء أكان ثوريا أو إصلاحيا، حيث لا يصح أن نقسم اليسار على أساس الاتجاهات الثورية والإصلاحية فقط .
فاللحظة الثورية فى أى مجتمع لا تحكمها الإرادة البشرية فقط وإنما ظروف موضوعية مستقلة عن أى إرادة، وهى تجبر الجميع الإصلاحيين و الثوريين لاتخاذ موقف ما منها ، مع الثورة أو مع الثورة المضادة ، أما فى الظروف العادية فلا يملك الجذريون وغير الجذريون إلا النضال الإصلاحي القائم على توازنات القوى فى المجتمع، لكن يبقى الخلاف قائما فى إطار اختيار أى نوع من الإصلاح نريده، ، ومن هنا تختلف مواقف اليساريين سواء على مستوى التكتيك أو الاستراتيجية ،ومن ثم فيجب أن يحدد المتحاورون فى هذا الملتقى من البداية إلى أي من هذه المفاهيم المتناقضة للاشتراكية ينتمون.
الاشتراكية اللاسلطوية و تقوم على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وتنظيم كل من عمليات الإنتاج والخدمات والاستهلاك والائتمان على أساس تشاركيات تعاونية مدارة ذاتيا وديمقراطيا من قبل أعضائها، وهذه التشاركيات التعاونية تتحد وتنسق وتخطط فيما بينها طوعيا من أسفل لأعلى من خلال مجالس منتخبة ديمقراطيا خاضعة لرقابة ناخبيها، وسواء فى إطار الحل الثورى الجذرى أو فى إطار الإصلاح من داخل النظام القائم، فهذا النوع من الاشتراكية ضد ملكية الدولة وتدخلها فى الإنتاج والخدمات، ومن ثم فهو ضد القطاع العام ومع تصفيته، و هو مع تقوية المجتمع المدنى واستقلاليته وحريته فى مواجهة الدولة، و مع تقليص الجهاز البيروقراطى لأقصى حد ممكن، وهو مع إضعاف الدولة وتقليص دورها، وهو مع اللامركزية الإدارية وضد المركزية الإدارية،ومع تشجيع التعاونيات واستقلاليتها وحريتها فى مواجهة كل من الدولة والرأسمالية، أن الاشتراكيين اللاسلطويين يتبنون نوعا من الإصلاح القتالى فى مواجهة كل من الدولة و رأسالمال يعتمد على برنامج ديمقراطى أكثر جذرية، طالما كان الحل الثورى الجذرى غير مطروح على جدول الأعمال مجتمعيا،وهو إصلاح يهدف لإضعاف الرأسمالية والبيروقراطية تدريجيا، حتى يمكن القضاء عليهما فى اللحظة الثورية . أما فى حالة إمكانية طرح الحل الثورى الجذرى إذا توافرت الظروف لذلك، فهم مع أن تكون السلطات الاجتماعية منظمة على أساس المجالس العمالية أو الكوميونات فى وحدات الإنتاج والخدمات وفى المناطق السكنية، و المنتخب أعضاءها على أسس تفويضية من ناخبيهم القادرين على تكليفهم وإنهاء تفويضهم ،و تتحد المجالس العمالية من أسفل لأعلى مع الحفاظ على حقها فى الانفصال، و هم مع التشريك التعاونى فى كل مجالات الإنتاج والخدمات والاستهلاك والائتمان،وإنهاء علاقة العمل المأجور باعتبارها جوهر التحرير الفعلى للبروليتاريا.
الاشتراكية السلطوية و تقوم على الملكية الاجتماعية الشكلية لوسائل الإنتاج ، وتنظيم كل من عمليات الإنتاج والخدمات والاستهلاك والائتمان بواسطة جهاز الدولة البيروقراطى المركزى كما هو الحال فى كل الدول التى دعيت بالاشتراكية، وسواء فى إطار الحل الثورى النهائى أو فى إطار الإصلاح التدريجى من داخل النظام القائم، فالاشتراكيون السلطويون مع ملكية الدولة وتدخلها فى الإنتاج والخدمات، ومع القطاع العام وتوسيعه وضد خصخصته،ومع التأميم الفعلى للمجتمع المدنى وإضعافه لصالح تقوية الدولة وبيروقراطيتها،ومن ثم فأصحاب هذا الاتجاه يتبنون نوعا من الإصلاح يقوى من دور الدولة وتدخلها فى كل شئون المجتمع طالما كان الحل الثورى غير مطروح مجتمعيا، أما فى حالة إمكانية طرح الحل الثورى الجذرى فهم مع أن تكون كل السلطات فى يد جهاز الدولة الشديد المركزية،أنهم مع تحويل المجتمع لمؤسسة احتكارية واحدة ضخمة تديرها بيروقراطية الدولة لصالح استمرار سلطتها، و هم إذن مع استمرار علاقة العمل المأجور مما يعنى استمرار عبودية البروليتاريا المأجورة لا تحررها الفعلى.
الاشتراكية الديمقراطية و هى تسعى لتغيير تدريجى و إصلاحى من داخل المجتمع الرأسمالى دون المساس بجوهره وعبر آليات الديمقراطية التمثيلية ،من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الحقوق الإنسانية للطبقات العاملة والوسطى ،وذلك بتقوية دور الدولة وتدخلها المباشر بالتأميم، أو غير المباشر بالسياسات المالية فى عمليات الإنتاج والخدمات ،ونجاح ذلك اللون من الاشتراكية مرتبط واقعيا بظروف تاريخية معينة فى دول المركز المتقدمة، أولها درجة متطورة من الديمقراطية التمثيلية والليبرالية السياسية سمحت للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية بالوصول للسلطة، و ثانيها رواج رأسمالى سببته أوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية ونهب المستعمرات و فوائض الأرباح الاحتكارية، و ثالثها الرعب من الثورة البروليتارية وظروف الحرب الباردة ، و رابعها توافر إمكانية تطبيق الحل الكينزى لأزمات الكساد الدورية.وهى كلها عوامل لا تتوافر لدينا لنجاح مثل هذا النموذج بداية رغم تمسك الكثير من اليساريين به الآن بعد أن فقد النموذج الثورى جاذبيته بالنسبة لقطاع واسع منهم، أو لعدم توافر الظروف الذاتية والموضوعية لتحققه عمليا بالنسبة لآخرين.
إلا أن الاشتراكية الديمقراطية مع تقوية الدولة وجهازها البيروقراطى ، و مع استمرار عبودية العمل المأجور واستمرار نمط الإنتاج الرأسمالى لا إلغائه ،وأخيرا فإن الجذور النظرية لهذا النمط وعدت بالوصول للاشتراكية فى نهاية المطاف عبر سلسلة طويلة من التطورات التدريجية من داخل المجتمع الرأسمالى، إلا أن الممارسة العملية شهدت بأن كل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية تخلت عن هذا الهدف النهائى مكتفية بالإصلاح مع الحفاظ على جوهر الرأسمالية فى نفس الوقت،و تماهت برامجها مع الأحزاب الليبرالية مؤخرا بعد أن انتهت كل عوامل ازدهارها التاريخى.
* فيما يتعلق بالتحول الديمقراطى السلمى للمجتمع والدولة فلم أفهم ما المقصود من تلك العبارة الغامضة، فهل المقصود المراهنة على الحصول على الغالبية فى مقاعد البرلمان،وإحداث تغييرات جذرية فى الدولة والمجتمع بناء على تلك الغالبية بواسطة نفس جهاز الدولة البرجوازى ،كما وسبق أن وعدت و أخلفت وعدها الاشتراكية الديمقراطية، أم أن المقصود هو الانحياز لأشكال الثورة السلمية واللاعنفية كالعصيان المدنى و الإضراب العام، و رفض العنف المتعالى والمنفصل عن الجماهير، وهما خياران و موقفان أصبح يتبناهما السواد الأكبر من اليسار عالميا الآن ، سواء الجذري منه أو التقليدي ،إلا أنهما فى نفس الوقت مفهومان مختلفان ومتناقضان تماما كما نرى لفكرة التحول السلمى والديمقراطى
فالأول خيار إصلاحى يشترط ديمقراطية تمثيلية حقيقية ودرجة عالية من الليبرالية السياسية غير متوافرة أصلا فى نظامنا السياسى، فضلا عن أن الديمقراطية التمثيلية فقدت مصداقيتها عالميا، إلا أن بعض اليساريين لدينا مازال منبهرا بها باعتبارها الشكل الأمثل للنظام السياسى مهملين النقد الماركسى و اللاسلطوى الموضوعى لتلك الديمقراطية منذ قرن ونصف، متغاضين عن إمكانية طرح برامج ديمقراطية أكثر جذرية و مصداقية فى إطار نفس المجتمع الرأسمالى.
والثانى خيار ثورى حتى ولو يكن عنيفا إلا أن الكثير من شروط تحققه غير متوافرة أيضا لدينا، فمازال الطريق طويل من أجل بناء أسسه المادية والفكرية، ومن ثم فعلى أنصار كلا الخيارين أن يناضلوا من أجل تحقيق شروط نجاح خياراتهم المختلفة، وهذا سينعكس بالضرورة فى اختلاف طرق ممارستهم العملية.
تبقى الإشارة إلى أن القضاء على كل من الرأسمالية والبيروقراطية نهائيا وبناء مجتمع اشتراكى، يعنى إلحاق الضرر بمصالح طبقات لن تستسلم بسهولة لانتزاع ملكيتها و سلطتها،و قد تمارس العنف المضاد فى مواجهة تلك التحولات، فهل ستحمى الأوضاع الاشتراكية الجديدة بالدولة الديمقراطية التمثيلية حيث يتم تداول السلطة فيها سلميا وعبر صناديق الانتخاب كما تبشر الاشتراكية الديمقراطية ،أم بدولة بوليسية مركزية على الطراز الستالينى كما فى الاشتراكية السلطوية، أم من خلال أعضاء التشاركيات والكوميونات و اتحاداتها الذين سيتولون بأنفسهم الدفاع الذاتى عن تشاركيتهم و كوميوناتهم و اتحاداتهم المختلفة على نحو ما يرى اللاسلطويين، وهذه نقطة خلافية هامة بين الرؤى الاشتراكية سالفة الذكر.
لاشك أن عبارة الانحياز للكادحين من أبناء الشعب المصري عبارة خطابية غير دقيقة،فمن هم الكادحين فى شبكات العلاقات الاجتماعية المختلفة، التى تكون المجتمع المصرى فى النهاية إذا أن الكدح لغويا هو بذل الجهد والعمل؟، ومن ثم فالكادحين وفق ذلك هم كل السكان فيما عدا الأطفال والمتقاعدين عن العمل فضلا عن المتعطلين عن العمل اضطراريا وهى فئات لابد لكل يسارى حقيقى أن ينحاز لها،أما الأدق فهو أن نقول الانحياز فى كل الصراعات الاجتماعية القائمة بالفعل ، للأطراف المحرومة من السلطة ومصادرها المادية فى صراعها الاجتماعى من أجل تحررها من القهر والاستغلال والاضطهاد الواقع عليها بسبب هذا الحرمان، ومن ثم الانحياز للبروليتاريا فى صراعها السياسى ضد السلطة أو فى صراعها النقابى ضد أصحاب العمل، و من أجل تحررها من عبودية العمل المأجور، الانحياز لصالح المرأة فى مواجهة القهر الذكورى لها .الانحياز للمجموعات القومية والعرقية والثقافية والدينية فى مواجهة الاضطهاد العنصرى الذى تتعرض له.الانحياز لحرية الإنسان الفرد وحقوقه ،والانحياز للمساواة الفعلية بين كل البشر، الانحياز لكل المحرومين من أى من الحقوق الإنسانية السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ترتبط تلك الملاحظة بنقد الخطاب اليسارى السائد الحافل بالإنشائية والخطابية والشعارات غير المؤسسة على أساس من الدراسة العلمية للواقع، والحافل أيضا بالتعبيرات الغامضة كالرأسمالية الوطنية والرأسمالية التابعة شأنه شأن أى خطاب شعبوى أو فاشى،و ومن ثم فإذا أراد اليسار تجاوز وضعه الحالى فعليه أن يعيد صياغة خطاب ورؤية جديدة تعتمد العملية فى الممارسة والوضوح فى التعبير الطبقى ،و مؤسسة على دراسة علمية للواقع والإمكانيات الفعلية لتغييره ،خطاب يستند على رؤية بروليتارية واضحة غير مشوشة أو مخلوطة برؤى أخرى برجوازية بطبيعتها قومية أو وطنية أو دينية ،وعلى اليسار أن يركز جهوده فى توجيه هذا الخطاب إلى تلك البروليتاريا التى تشكل الغالبية الساحقة من السكان باعتبارها تضم كل العاملين بأجر و الذين لا يملكون فى نفس الوقت سلطة اتخاذ القرار ،هذا إذا شاء أن يكون اليسار قطبا اجتماعيا وسياسيا فعلا.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية