ما قد يحدث من انتفاضة وما قد يعقبها من كارثة
ما قد يحدث من انتفاضة وما قد يعقبها من كارثة
سامح سعيد عبود
تتردد فى الكثير من المجالس و وتتناثر عبر العديد من المناقشات ،تنبؤات بأن الشعب المصرى على وشك الانفجار فى وجه النظام الحاكم ،و يتردد ذلك سواء على لسان المسيسين أو على لسان غير المسيسين ، والأمر ليس مجرد تمنيات الساخطين على النظام فقط أو تنبؤات المتفائلين الذين لا يفكرون سوى بالتمنى فحسب ، فبعيدا عن هؤلاء الذين يحددون موعد الانفجار القادم أنه بعد شهور قليلة، وأنه سيأتى بما ينشدون ويرضون من التغيير الاجتماعى ، فإن الواقع المصرى يذخر وبقوة بأسباب للانفجار الشعبى العارم ، إلا أن انتفاضته التى يترقبها ويؤكد قدومها البعض ليست حدثا حتمي الوقوع بالطبع ،أنها موضوعيا مجرد احتمال من بين العديد من الاحتمالات ليس أقواها بلا شك إذ يتساوى مع احتمال استمرار الانحطاط وتدهور الأوضاع ، ورغم ذلك فأن مؤشرات موضوعية تؤكد أن هذه الانتفاضة ستكون عفوية تماما وقابلة للقمع بسهولة والارتداد لوضع أكثر سوءا وذلك هو المقصود بالكارثة أو قد تكون مبرر لإحداث إصلاحات محدودة فى النظام الرأسمالى القائم هذا لو تمسكنا بقدر من التفاؤل ،أما أن تتحول حركة التمرد العفوى لثورة تحرر اجتماعى فهذا احتمال ضعيف للغاية بكل المعايير ، و الذى سيكون حدوثه معجزة هذا لو شاءت له الظروف أن يحدث.
نعم يتزايد الغضب والسخط على النظام بين معظم فئات وطبقات المجتمع لأسباب تتنوع بتنوع المواقع الطبقية للساخطين أو الوعى السائد بينهم الذى لا يرتبط بالضرورة بتلك المواقع الطبقية، فلا توجد علاقة تلازم بالضرورة بين الوضع الطبقى والوعى الطبقى وبمعنى آخر لا ارتباط بين المصلحة الفعلية و الوعى بتلك المصلحة ، مما يطرح تنوعات متناقضة للتغيرات التى تطلبها تلك الفئات والطبقات والتى تعبر عنها النخب السياسية المختلفة.
لا يدافع عن هذا النظام الآن إلا المستفيدين من وجوده
1ـ الرأسمالية البيروقراطية من كبار رجال الإدارة وكبار رجال الدولة و الذين يحوزون على نسبة هائلة من عائد العمل (الأجور) التى بلغت 30% من إجمالى الناتج المحلى فى مقابل عوائد التملك (الربح والريع والفائدة) التى بلغت70% حسب إحصائية عام 1995، فأحدهم كان يحصل بمفرده على ربع مليون جنيه شهريا بشكل رسمى وبالرغم من ذلك لم يمنعه ذلك من الفساد ، فضلا عن ما تنهبه تلك البيروقراطية من عوائد التملك عبر شتى أشكال الفساد الذى لا يشمله الوعاء الضريبى كالرشاوى والعمولات غير المشروعة وغيرها.
2ـ رأسماليو الدولة وهم قلة من الرأسماليين الذين يحوزون على نصيب الأسد من عوائد التملك بسبب ارتباطهم بعلاقات شخصية مع كبار رجال الدولة والإدارة أو لكونهم من كبار رجال الدولة والإدارة حاليا أو سابقا ، فضلا عن تهربهم الضريبى الكامل وتهربهم الجمركى وتهربهم من سداد ديونهم للبنوك العامة.
أما الساخطون فهم ينقسمون لمعسكرات متصارعة بتناقض مصالحهم الطبقية ، بعض هذه المعسكرات ثورى ،وبعضها إصلاحي فى إطار نفس النظام الاجتماعى وهى كالتالى:
1ـ الرأسماليون المتضررون من فساد وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة والعاجزون عن الارتباط به لسبب أو لآخر وتتضاءل بسبب ذلك أنصبتهم من كعكة عوائد التملك بتضاؤل أنصبتهم من الملكية و بتباعد المسافة بينهم وبين دوائر اتخاذ القرار فى الدولة ،وبتزايد ضغط الفساد الحكومى على كاهلهم، ولا شك أن قسما منهم متضررون أيضا من المنافسة الأجنبية ومزاحمة الرأسمال الأجنبى لهم فى سوقهم المحلى، إلا أن الغالبية الساحقة من الرأسماليين يتهربون من الجزء الأعظم من التزاماتهم الضريبية للدولة ، و التزاماتهم التأمينية لصناديق التأمينات.
وتتلخص مصالح المتضررون من فساد وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة فى القضاء على الفساد الحكومى والتحرر من التسلط البيروقراطى ، وهذا يستدعى توفير درجة عالية من الليبرالية الاقتصادية التى لا يسمح بها النظام السياسى الحالى ،ودرجة محدودة من الليبرالية السياسية التى تسمح بتداول السلطة بين الأحزاب البورجوازية مما يتيح إمكانية المراقبة الشعبية على جهاز الدولة ، ومن ثم تقليص حجم الفساد لأقصى حد ممكن ،مما يضمن عدالة المنافسة بين الرأسماليين .
و يلتقى هؤلاء مع مصالح الرأسمالية العالمية التى تحجم عن الاستثمار الحقيقى فى بلد كمصر بسبب استشراء الفساد الحكومى وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة، ومن ثم فالإصلاحات من هذا النوع هى المطلوبة الآن، فالدوائر الرأسمالية فى العالم لا يعنيها بالطبع إقامة ديمقراطية حقيقية إن لم تقاومها بالفعل ، فهى تتبنى ديمقراطيات بورجوازية زائفة و تسعى لبناء ديمقراطيات بورجوازية زائفة باعتبارها الشكل الأفضل لإدارة صراعاتهم الداخلية ، وهى قد تغض الطرف أحيانا عن ديكتاتوريات صريحة شرط عدم إعاقتها أو عرقلتها لتدفق الاستثمارات ، وما نماذج مثل تسلط المؤسسة العسكرية على المؤسسة البرلمانية كما فى باكستان أو تركيا أو الديمقراطية الطائفية فى لبنان أو النموذج الطائفى كما يمثله مجلس الحكم الانتقالى فى العراق بمرفوضة من تلك الدوائر إن لم تكن صناعتها ، فما لم تعد تقبله دوائر الرأسمالية العالمية فقط هو تلك الأنظمة البيروقراطية الاستبدادية الفاسدة كما فى مصر والسعودية وليبيا والعراق وسوريا وإيران، لأن البيروقراطية الفاسدة والمتسلطة تعيق اندماج الاقتصاد المحلى فى السوق العالمى و تعرقل تدفق الاستثمارات إليه ، وبالطبع فأن هذه الدوائر الحاكمة فى الدول الرأسمالية الكبرى حين تعلن دفاعها عن حقوق الإنسان والديمقراطية فليس هذا من أجل تحرر هذه الشعوب الخاضعة لتلك الأنظمة، وإنما من أجل مصالح الشركات المتعدية الجنسية فى أن تمد إمبراطورياتها لتلك الدول .
أما الرأسماليون المتضررون من المنافسة الأجنبية فى السوق المحلى فتتلخص مصالحهم بالإضافة إلى ما سبق فى حمايتهم من المنافسة الأجنبية وذلك بالمحافظة على أوضاعهم الاحتكارية فى السوق المحلى ، و هذا يعنى عدم تحسين جودة المنتج المحلى مع ارتفاع أسعاره ، مما يتناقض مع مصلحة المستهلك ، إلا أن هؤلاء الرأسماليون لا يمانعون وفق منطق تحقيق أقصى ربح فى تدفق الاستثمارات الأجنبية لو شاركتهم أعمالهم على عكس ما يروج القوميون المدافعون عنهم بحجة كونهم رأسماليون وطنيون بحاجة لحماية الدولة .
2ـ البورجوازيين الصغار من الفلاحين وتجار التجزئة والحرفيين والمهنيين وهم لا يستطيعون ممارسة نفس درجة التهرب الضريبى والتهرب من الالتزامات الأخرى كالرأسماليين ،وتتفاوت أسباب سخطهم على النظام والتى تتلخص فى ضغط الفساد الحكومى عليهم و الذى يقتسم معهم ما يحوزونه من نصيب متضائل للغاية من عائد عملهم وعائد ملكياتهم الصغيرة ، والقهر البوليسى والتحكم البيروقراطى المسلطان على رقابهم، و اللذان يهددان استقرار أوضاعهم ومشاريعهم باستمرار ، فضلا عن ضيق السوق لازدحامه بالعرض من قوة عملهم وإنتاجهم مع قلة الطلب علي قوة عملهم وإنتاجهم ، والارتفاع المتواصل للأسعار مع انخفاض معدلات ما يحصلون عليه من أرباح وأجور ،وتتلخص مصالحهم فى التحرر من التحكم البيروقراطى والقهر البوليسى والتخلص من الفساد الحكومى، و كفالة حمايتهم من كل من المنافسة الأجنبية و ومنافسة واستغلال الرأسمالية المحلية كل وفق المجال الذى يعمل فيه، وتخفيف الضغط البيروقراطى والرأسمالى على كاهلهم مما يزيد من أنصبتهم فى عائدى التملك والعمل.
3ـ (البروليتاريا بالمعنى الواسع ) من العاملين بأجر سواء أكانوا ذهنيين أو يدويين ولا يملكون سلطة اتخاذ القرار ،هم غالبية السكان و يحوز هؤلاء على نسبة تتضاءل باستمرار من إجمالى الناتج المحلى ، وهم الذين يدفعون من منبع أجورهم التزاماتهم الضريبية فهم الممولون الرئيسيين للوعاء الضريبى و المدخرون الأساسيين فى صناديق التأمينات فى مصر ، و فيما عدا قلة ضئيلة منهم تعمل فى بعض القطاعات الإنتاجية والخدمية والسيادية وتحصل بسبب ذلك على أجور مرتفعة جدا بالنسبة لباقى الغالبية من العاملين بأجر ، فأنهم عموما يحصلون على أجور متدنية للغاية ، ويخضع العاملين بأجر لعلاقة إذعان تجعل الدولة أو أصحاب العمل وحدهم هم الذين يحددون الأجور التى يحصل عليها هؤلاء العاملين ، ولو علمنا أن الفارق بين عوائد التملك وعوائد العمل من إجمالى الناتج المحلى تتسع بمعدلات مرتفعة لصالح زيادة عائدات التملك برغم ضيق قاعدة الملكية الخاصة فى مصر ، فإن نصيب هؤلاء من الثروة القومية يتضاءل باستمرار مما يعنى إفقارهم المتزايد حتى وصل من يعيش تحت خط الفقر إلى 40% أى حوالى 30 مليون مواطن ،و أضيف لأسباب سخطهم العام ارتفاع الأسعار بعد تخفيض قيمة الجنية.
المصالح الأولية للعاملين بأجر فى ظل المجتمع الرأسمالى تتلخص فى كفالة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وزيادة ما يمكن أن يحصلوا عليه من إجمالى الناتج المحلى من خلال زيادة حصة عائد العمل بالنسبة لعوائد التملك ، وهذا مشروط بتوافر درجة عالية من الديمقراطية السياسية والحقوق و الحريات النقابية التى تتيح للبروليتاريا أدوات المساومة الجماعية مع الدولة ورأسالمال بما يعنى الإمكانية المستمرة لتحسين ظروف حياتهم وعملهم، أما المصالح النهائية للبروليتاريا فتعنى تحررها من عبودية العمل المأجور سواء للرأسمال أو للدولة ، وذلك بسيطرتها وإدارتها لوسائل الإنتاج والخدمات وشتى شئون المجتمع لصالحها من خلال المجالس العمالية فى مواقع العمل والمناطق السكنية و اتحادات تلك المجالس من أسفل لأعلى.
إلا أن جزءا لا يستهان به من هؤلاء البروليتاريين منخرطون فى الاقتصاد السرى فهم إما يشاركون فى الفساد الحكومى حسب مواقعهم الوظيفية فى المؤسسات الحكومية ، أو يمارسون أعمال التجارة أو السمسرة أو يمتهنون مهنا وحرفا أخرى بجانب عملهم المأجور الأصلى ، أو يمارسون أنشطة غير مشروعة ،أو يشاركون فى الاستحواز على جزء من عوائد التملك عبر تملكهم لبعض الملكيات الصغيرة أى أنهم مزدوجى الوضع الطبقى.
فضلا عن ما سبق فإن الجزء الأكبر والمتزايد من البروليتاريا فى مصر ينتمى فى حقيقته للبروليتاريا الرثة عمال اليومية والعمالة الموسمية والمتعطلون عن العمل والمهمشون والباعة الجائلين والعمالة غير الماهرة والعمالة المعاونة وغيرهم فضلا عن أن قسما ضخما أيضا منهم موظفون حكوميون .
بلغ إجمالي قوة العمل في أول يناير من العام الحالي نحو20 مليونا، وأن جملة عدد المشتغلين بلغت نحو 18 مليونا في يناير2003، وان إجمالي أعداد العاطلين عن العمل( البطالة) يبلغ نحو 2مليون , و أن عدد المشتغلين في القطاع الحكومي يبلغ (25% من إجمالي عدد المشتغلين في يناير2003) وعدد المشتغلين في قطاع الأعمال العام نحو مليون فرد وفي القطاع الخاص داخل المنشآت نحو5 ملايين وعدد العاملين بالقطاع الخاص خارج المنشآت نحو7 ملايين، والعاملين في الخارج حوالى 2مليون ( هجرة مؤقتة)
هذا عن السخط بسبب إهدار المصالح الطبقية الأولية والنهائية لشتى الطبقات فى المجتمع ،أما عن رؤى التغيير السائدة بسبب الوعى السائد فهى أساس الكارثة المحتملة إن حدثت انتفاضة ما ، و ذلك لأن الغالبية الساحقة من الأفراد الذين يشكلون الطبقات فى مصر لا يملكون وعيا طبقيا متكاملا ولا ينتظمون وفق انتماءهم الطبقى فى منظمات سياسية أو نقابية تدافع عن مصالحهم ، ومن ثم لا يتخذون مواقف سياسية أو نقابية وفق هذا الانتماء ، فالوعى السائد لدى غير المسيسين وغير المؤدلجين هو وعى الحل الفردى لتحقيق المصلحة الفردية ،وعى انتظار المستبد العادل وتقديسه لو جاء لهم ببعض التحسين فى أوضاعهم ،وعى تقديس الشرعية سواء أكانت شرعية الدولة أو شرعية الدين ،وعى عنصرى قائم على تقديس الهوية الجماعية الدين،الطائفة،القومية،الإقليم،الوطن،القبيلة ،علاقة القرابة العائلية. وعى متخلف غير قائم على قيم الحداثة من الحرية الفردية والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية.وعى استهلاكى منحط ، وعىغير أخلاقى و لا إنسانى ، وعى شديد المحافظة حريص على ما هو سائد من عادات وتقاليد وقيم وثقافة ،وعى ظلامى غارق فى التدين الشكلى والخرافات والغيبيات .
إلا أن هذا الوعى السائد برغم كل ما سبق يتميز بأنه سطحى يسهل تغييره لوعى جماعى و ثورى وإنسانى وطبقى و حداثى ومستنير عند احتدام الصراع الاجتماعى فى أى مجتمع ،فالوعى السائد الواضح للعيان فى لحظات الاستقرار فى المجتمع ،قائم على أساس البرمجة الإعلامية والثقافية واالتعليمية التى تقوم بها الطبقات الحاكمة لتأبيد الوضع القائم ، إلا أنه مهما بلغت تلك البرمجة من قوة فأنها لن تغير من جوهرية الوعى بالمصالح الطبقية لنفس هؤلاء الأفراد التى تظهر للعيان عند احتدام الصراعات الاجتماعية.
فى نفس الوقت ونظرا لضعف الوعى الطبقى مقابل قوة الوعى السائد ، فأنه يسهل على الغوغائيين من الشعبويين والفاشيين أن يحصدوا نتائج السخط الاجتماعى لصالحهم وهنا مكمن الخطورة على تطور أى حالة تمرد شعبى.
نظرا للقبضة الحديدية للجهاز البيروقراطى للدولة على عنق ما يسمى تجاوزا المجتمع المدنى المصرى فأن الطبقات فى مصر تفتقد للأحزاب السياسية الحقيقية التى هى مجرد صحف قائمة هذا للعلنى منها، أو مجرد حلقات وشلل محدودة العدد وضعيفة التأثير هذا لغير العلنى منها فيما عدا الأخوان المسلمين ،كما أن النقابات بمصر المهنية منها والعمالية هى مجرد هيئات للخدمات يصعب عليها الدفاع عن مصالح أعضائها كما يصعب عليها تنظيم هؤلاء الأعضاء للدفاع عن هذه المصالح فى نفس الوقت،والجمعيات الأهلية والجمعيات التعاونية هى امتدادات للجهاز البيروقراطى للدولة فى حقيقتها .ومن ثم فإن الطبقات الاجتماعية الساخطة لن تستطيع أن تفرض مطالبها للتغيير إلا إذا وجدت الطريق نحو تنظيمات سياسية ونقابية وأهلية تعبر عن مصالحها،وطالما أن هذا غير متوفر الآن على أى نحو فأنه يشكل أحد أسباب ضعف الطبقات الساخطة فى مصر فى أن تفرض برامجها للتغيير ،و هذا سبب من أسباب عدم قدرة أى حركة تمرد عفوى للتحول لحركة تغيير اجتماعى.
يمكنا أن نتخلى عن شرط وجود التنظيمات الطبقية السابقة على الانتفاضة الشعبية باعتباره مجرد عامل قليل الأهمية فى نجاح أى انتفاضة ، و ذلك بشرط توافر خطابات سياسية تتبناها بقوة القيادات الاجتماعية التى قد تظهر تلقائيا أثناء الانتفاضة ، والنخب السياسية التى تعبر عن مصالح الطبقات المنتفضة، مما يساعد على تنظيم الطبقات الثائرة أثناء الانتفاضة من أجل تحقيق أهدافها ،و فى الحقيقة فأن نوعية الخطابات السياسية التى تحملها النخب السياسية السائدة والقيادات الاجتماعية المحتمل ظهورها فى مصر الآن هى السبب الجوهرى فى ترجيح قوة احتمال حدوث الكارثة التى قد تعقب الانتفاضة الجماهيرية المحتملة من قمع دموى عنيف أو الارتداد لوضع أكثر سوءا .
يمكن أن نقسم الخطابات السياسية المنتشرة فى الساحة السياسية كما يلى:
أولا وفق مصداقية الخطابات
خطابات شعبوية شبه فاشية تخفى حقيقة المصالح الطبقية التى تدافع عنها باستنادها على الدفاع عن هوية جماعية ما وتمثيلها كالدين والطائفة والقومية والوطن والشعب والأمة وغيرها من المطلقات ،وطمس و من ثم كبت وتشويه الصراعات الاجتماعية باسم صراعات الهويات الجماعية لصالح الأطراف القائمة بالاضطهاد والاستغلال فى الصراع الاجتماعى، ومن ثم دفاعها الحار عن الخصوصية والتراث والأصالة ، ويحمل هذه الخطابات كل التيارات الإسلامية معتدليها ومتطرفيها والتيارات القومية العربية و المصرية بيمينها ويسارها وتيار الشيوعيون القوميون هؤلاء الذين ابتذلوا الشيوعية بلاعقلانيتهم واستبداديتهم وشموليتهم وشعبويتهم وقوميتهم وتذيلهم للبورجوازية ،وهم الأسوء من بين كل الشعبويين و أشباه الفاشيين لأنهم الأكثر دجلا إذ يدعون بصفاقة يحسدون عليها أنهم المتحدثون باسم الطبقة العاملة وممثليها الشرعيين ، ليقدموها ضحية طيعة ومخدرة ومضللة على مذبح بيروقراطية ورأسمالية الدولة والرأسمالية المحلية.
خطابات طبقية لا تخفى حقيقة المصالح الطبقية التى تدافع عنها باستنادها على الدفاع عن طبقات ومصالح اجتماعية وتمثيلها بوضوح وصدق وبلا دجل ، ويحمل هذه الخطابات على تنوعها اللاسلطويون و الشيوعيون الأمميون الذين استعادوا للشيوعية أصولها العلمية والتحررية والعمالية والإنسانية والأممية سواء أكانوا ثوريين جذريين أو إصلاحيين و الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين سواء أقتربوا فى مواقفهم من اليسار الإصلاحى أو اقتربوا من اليمين المحافظ .
لاشك أن أى مراقب يلاحظ أن الخطابات الشعبوية والفاشية هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها ،و أن الخطاب الشعبوى الأكثر قوة وتأثيرا ونفوذا هو الخطاب الإسلامى المعتدل الذى يمثله الأخوان المسلمون.
ربما لا يمكنا أن نعرف مدى قوة نفوذ الخطابات الطبقية جماهيريا لأنها الأخفض صوتا،وقد تبدوا هامشية فحسب لأنها الأقل صخبا،ربما تستطيع مع احتدام الصراع الاجتماعى أن ترفع صوتها لتجتذب جمهورها بعيدا عن الشعبويين والفاشيين ،وهذا ما يعطى بعض الأمل فى التغيير للأفضل
ثانيا وفق انتماءها الطبقى والاجتماعى وتنقسم إلى
خطابات رأسمالية وهى إما تنطلق من الدفاع عن الوضع القائم وهذا ما يتبناه المحافظون أو بإصلاح الوضع القائم بالمزيد من الليبرالية الاقتصادية بدرجات متفاوتة من التقييد حسب مصالح الشرائح المختلفة للرأسماليين ،وبدرجات من الليبرالية السياسية والديمقراطية البورجوازية بنماذجها المختلفة وهذا ما يتبناه الليبراليون ، فضلا عن الأشكال الفاشية والشعبوية من الخطاب الرأسمالى كما تمثله الفاشية والشعبوية القومية والدينية دفاعا عن مصالح كل من بيروقراطية ورأسمالية الدولة والرأسمالية المحلية والخطابات الرأسمالية عموما هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
خطابات بورجوازية صغيرة تنطلق من حماية البورجوازيين الصغار من الاستغلال والتحكم والسيطرة التى يمارسها الجهاز البيروقراطى عليهم واستغلال الرأسمالية المحلية لهم وحمايتهم من منافسة السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية لهم ، وهو ما يتبناه كل من اليسار الليبرالى واليسار القومى عموما وهى ضعيفة الانتشار والنفوذ وضعيفة من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
خطابات بروليتارية وهى إما تنطلق من مواقف إصلاحية لتحقيق مصالح البروليتاريا الأولية من داخل نمط الإنتاج الرأسمالى القائم بكفالة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبروليتاريا وهو ما يتبناه بدرجات متفاوتة الاشتراكيون الديمقراطيون واليسار الإصلاحى ،أو تنطلق من مواقف راديكالية ثورية لتحقيق المصالح النهائية للبروليتاريا وهو ما يتبناه اليسار اللاسلطوى والعمالى والراديكالى وعموما هى الأقل انتشارا ونفوذا والأضعف من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
ثالثا وفق موقفها من أسلوب التغيير المرتقب
خطابات إصلاحية تراهن على إمكانية إحداث إصلاحات تدريجية من داخل الوضع الراهن لتغييره للأفضل هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى
خطابات ثورية تراهن على إمكانية التغيير الثورى الفورى وهى الأقل انتشارا ونفوذا والأضعف من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى
رابعا وفق موقعها من قطبى اليسار واليمين
لكى ندرك مدى يسارية خطاب سياسى أو يمينيته أو وسطيته ،فأن تقييم ذلك يتم عبر ثلاث معايير
أولا:ـ معرفة مدى تبنية لحرية الفرد من حيث كونه فرد فكلما زادت درجة الحرية الفردية كلما اقترب الخطاب من أقصى قطب اليسار والعكس فكلما قيد هذه الحرية كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين ،وليس المقصود بالحرية الفردية هى تلك الحدود من الحرية التى يتبناها الليبراليين البرجوازيين وتضعهم فى خانة الوسط وإنما المقصود بالحرية تحرر الفرد من كل أشكال الاغتراب والتشيوء والتسلط المنفصل عنه والمتعالى عليه ، كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار .
ثانيا:ـ مقدار المساواة الفعلية بين هؤلاء الأفراد من حيث كونهم أفراد فكلما كان الخطاب أكثر تحقيقا للمساواة بين البشر من حيث كونهم بشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليسار والعكس كلما كان الخطاب أقل تحقيقا للمساواة بين البشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين ،وليس المقصود بالمساواة هو ما يقتصر عليها الليبراليين البرجوازيين ويضعهم فى خانة الوسط من مساواة قانونية وشكلية بين المواطنين تسمح لبعضهم بقهر واستغلال بعضهم وإنما المطلوب مساواتهم الفعلية فى تمتعهم بالحرية الفعلية وتحملهم للمسئولية كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار.
ثالثا:ـ كلما كانت العلاقات الاجتماعية التى يتبناها الخطاب السياسى أكثر تحقيقا لدرجة أعلى من التقدم الاجتماعى كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليسار ،والعكس كلما كانت العلاقات الاجتماعية أقل تحقيقا لدرجة أقل من التقدم الاجتماعى كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين .
هذا عن الخطابات السياسية المنتشرة وما يمكن أن تعكسه من مطالب عند نشوب الانتفاضة المحتملة و ما يمكن أن تخلقه من تطورات ،تتوقف على توازنات القوى الاجتماعية وما تملكه أطراف الصراع من أسلحة.
فالدولة المصرية تملك الكثير جدا لقمع الانتفاضة الشعبية المحتملة على نحو دموى ،إذ تملك فضلا عن الجيش قوات الأمن المركزى و هى بمثابة جيش آخر موازى يبلغ عدد أفراده 400 ألف فرد شرطى مجهزون ومدربون فقط لقمع أى احتجاجات شعبية وعلى الطرف الآخر فالجماهير التى تفتقد أصلا للقدرة على الانتفاضة المسلحة تفتقد أيضا كل مؤهلات ممارسة العصيان المدنى والتى يمكن أن تشل آلة القمع الدموى للدولة سواء أكان هذا خبرات و قيادات ومنظمات و رؤى سياسية واضحة ودرجة عالية على التصميم ،فما سيحدث من احتجاح يمكن تحويله لأحداث شغب وعنف غوغائية مما سوف يعطى الدولة مبررها لاستخدام ألة العنف لكى تستمر الأوضاع كما هى ويرتد المنتفضون مرة أخرى للسلبية واليأس وهذا يعنى المزيد من الانحطاط والتدهور الذى نعانيه على مدى نصف القرن الماضى فى كل المجالات.
وقد يحدث ما هو أسوء من استمرار الوضع الراهن وهو أن تتولى السلطة ديكتاتورية عسكرية صريحة أو تقفز قوى الفاشية الدينية أو القومية للسلطة لتستمر طاحونة العبودية والقهر وعدم المساواة والاستغلال الوحشى والتخلف الاقتصادى والاجتماعى والثقافى على كافة الأصعدة ، وتلك هى الكارثة بعينها ولكن ربما يكون هذا الاحتمال مستبعد بعض الشىء نظرا للتوازنات الدولية الحالية وذبول تأثير الخطاب الإسلامى /القومى بعد أحداث حرب الخليج رغم صوته العالى و أرجوا أن لا أكون مفكرا بالتمنى بشأن هذا الاحتمال.
هناك احتمال أفضل بالطبع هو تسليم النظام بمطالب الليبراليين والتحول لنظام أكثر ليبرالية وديمقراطية وأقل فسادا مع إحداث بعض الإصلاحات اجتماعية التى يمكن أن تمتص غضب كل من البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة وتحقق بعض مطالبهما.
ولكن هذا متوقف على مدى قوة ضغط الانتفاضة على النظام حينما لا تتوقف عند أول بادرة وأن تستمر لبعض الوقت شرط أن تشمل غالبية السكان و أن تتكون منظمات سياسية ونقابية وأهلية وتعاونية فى أتون الانتفاضة وهذه احتمالات كلها فى باطن الغيب تتوقف إلى حد كبير على ممارسات النخب السياسية ومدى قدرتها على حشد الجماهير بخطابها السياسى ومدى تبنى القيادات التلقائية التى تتكون عبر الانتفاضة لهذه الخطابات،وهذا يتوقف على مدى قدرة هذا الخطابات على تلبية احتياجات الناس وتحقيق مصالحهم.
تتردد فى الكثير من المجالس و وتتناثر عبر العديد من المناقشات ،تنبؤات بأن الشعب المصرى على وشك الانفجار فى وجه النظام الحاكم ،و يتردد ذلك سواء على لسان المسيسين أو على لسان غير المسيسين ، والأمر ليس مجرد تمنيات الساخطين على النظام فقط أو تنبؤات المتفائلين الذين لا يفكرون سوى بالتمنى فحسب ، فبعيدا عن هؤلاء الذين يحددون موعد الانفجار القادم أنه بعد شهور قليلة، وأنه سيأتى بما ينشدون ويرضون من التغيير الاجتماعى ، فإن الواقع المصرى يذخر وبقوة بأسباب للانفجار الشعبى العارم ، إلا أن انتفاضته التى يترقبها ويؤكد قدومها البعض ليست حدثا حتمي الوقوع بالطبع ،أنها موضوعيا مجرد احتمال من بين العديد من الاحتمالات ليس أقواها بلا شك إذ يتساوى مع احتمال استمرار الانحطاط وتدهور الأوضاع ، ورغم ذلك فأن مؤشرات موضوعية تؤكد أن هذه الانتفاضة ستكون عفوية تماما وقابلة للقمع بسهولة والارتداد لوضع أكثر سوءا وذلك هو المقصود بالكارثة أو قد تكون مبرر لإحداث إصلاحات محدودة فى النظام الرأسمالى القائم هذا لو تمسكنا بقدر من التفاؤل ،أما أن تتحول حركة التمرد العفوى لثورة تحرر اجتماعى فهذا احتمال ضعيف للغاية بكل المعايير ، و الذى سيكون حدوثه معجزة هذا لو شاءت له الظروف أن يحدث.
نعم يتزايد الغضب والسخط على النظام بين معظم فئات وطبقات المجتمع لأسباب تتنوع بتنوع المواقع الطبقية للساخطين أو الوعى السائد بينهم الذى لا يرتبط بالضرورة بتلك المواقع الطبقية، فلا توجد علاقة تلازم بالضرورة بين الوضع الطبقى والوعى الطبقى وبمعنى آخر لا ارتباط بين المصلحة الفعلية و الوعى بتلك المصلحة ، مما يطرح تنوعات متناقضة للتغيرات التى تطلبها تلك الفئات والطبقات والتى تعبر عنها النخب السياسية المختلفة.
لا يدافع عن هذا النظام الآن إلا المستفيدين من وجوده
1ـ الرأسمالية البيروقراطية من كبار رجال الإدارة وكبار رجال الدولة و الذين يحوزون على نسبة هائلة من عائد العمل (الأجور) التى بلغت 30% من إجمالى الناتج المحلى فى مقابل عوائد التملك (الربح والريع والفائدة) التى بلغت70% حسب إحصائية عام 1995، فأحدهم كان يحصل بمفرده على ربع مليون جنيه شهريا بشكل رسمى وبالرغم من ذلك لم يمنعه ذلك من الفساد ، فضلا عن ما تنهبه تلك البيروقراطية من عوائد التملك عبر شتى أشكال الفساد الذى لا يشمله الوعاء الضريبى كالرشاوى والعمولات غير المشروعة وغيرها.
2ـ رأسماليو الدولة وهم قلة من الرأسماليين الذين يحوزون على نصيب الأسد من عوائد التملك بسبب ارتباطهم بعلاقات شخصية مع كبار رجال الدولة والإدارة أو لكونهم من كبار رجال الدولة والإدارة حاليا أو سابقا ، فضلا عن تهربهم الضريبى الكامل وتهربهم الجمركى وتهربهم من سداد ديونهم للبنوك العامة.
أما الساخطون فهم ينقسمون لمعسكرات متصارعة بتناقض مصالحهم الطبقية ، بعض هذه المعسكرات ثورى ،وبعضها إصلاحي فى إطار نفس النظام الاجتماعى وهى كالتالى:
1ـ الرأسماليون المتضررون من فساد وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة والعاجزون عن الارتباط به لسبب أو لآخر وتتضاءل بسبب ذلك أنصبتهم من كعكة عوائد التملك بتضاؤل أنصبتهم من الملكية و بتباعد المسافة بينهم وبين دوائر اتخاذ القرار فى الدولة ،وبتزايد ضغط الفساد الحكومى على كاهلهم، ولا شك أن قسما منهم متضررون أيضا من المنافسة الأجنبية ومزاحمة الرأسمال الأجنبى لهم فى سوقهم المحلى، إلا أن الغالبية الساحقة من الرأسماليين يتهربون من الجزء الأعظم من التزاماتهم الضريبية للدولة ، و التزاماتهم التأمينية لصناديق التأمينات.
وتتلخص مصالح المتضررون من فساد وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة فى القضاء على الفساد الحكومى والتحرر من التسلط البيروقراطى ، وهذا يستدعى توفير درجة عالية من الليبرالية الاقتصادية التى لا يسمح بها النظام السياسى الحالى ،ودرجة محدودة من الليبرالية السياسية التى تسمح بتداول السلطة بين الأحزاب البورجوازية مما يتيح إمكانية المراقبة الشعبية على جهاز الدولة ، ومن ثم تقليص حجم الفساد لأقصى حد ممكن ،مما يضمن عدالة المنافسة بين الرأسماليين .
و يلتقى هؤلاء مع مصالح الرأسمالية العالمية التى تحجم عن الاستثمار الحقيقى فى بلد كمصر بسبب استشراء الفساد الحكومى وتسلط بيروقراطية جهاز الدولة، ومن ثم فالإصلاحات من هذا النوع هى المطلوبة الآن، فالدوائر الرأسمالية فى العالم لا يعنيها بالطبع إقامة ديمقراطية حقيقية إن لم تقاومها بالفعل ، فهى تتبنى ديمقراطيات بورجوازية زائفة و تسعى لبناء ديمقراطيات بورجوازية زائفة باعتبارها الشكل الأفضل لإدارة صراعاتهم الداخلية ، وهى قد تغض الطرف أحيانا عن ديكتاتوريات صريحة شرط عدم إعاقتها أو عرقلتها لتدفق الاستثمارات ، وما نماذج مثل تسلط المؤسسة العسكرية على المؤسسة البرلمانية كما فى باكستان أو تركيا أو الديمقراطية الطائفية فى لبنان أو النموذج الطائفى كما يمثله مجلس الحكم الانتقالى فى العراق بمرفوضة من تلك الدوائر إن لم تكن صناعتها ، فما لم تعد تقبله دوائر الرأسمالية العالمية فقط هو تلك الأنظمة البيروقراطية الاستبدادية الفاسدة كما فى مصر والسعودية وليبيا والعراق وسوريا وإيران، لأن البيروقراطية الفاسدة والمتسلطة تعيق اندماج الاقتصاد المحلى فى السوق العالمى و تعرقل تدفق الاستثمارات إليه ، وبالطبع فأن هذه الدوائر الحاكمة فى الدول الرأسمالية الكبرى حين تعلن دفاعها عن حقوق الإنسان والديمقراطية فليس هذا من أجل تحرر هذه الشعوب الخاضعة لتلك الأنظمة، وإنما من أجل مصالح الشركات المتعدية الجنسية فى أن تمد إمبراطورياتها لتلك الدول .
أما الرأسماليون المتضررون من المنافسة الأجنبية فى السوق المحلى فتتلخص مصالحهم بالإضافة إلى ما سبق فى حمايتهم من المنافسة الأجنبية وذلك بالمحافظة على أوضاعهم الاحتكارية فى السوق المحلى ، و هذا يعنى عدم تحسين جودة المنتج المحلى مع ارتفاع أسعاره ، مما يتناقض مع مصلحة المستهلك ، إلا أن هؤلاء الرأسماليون لا يمانعون وفق منطق تحقيق أقصى ربح فى تدفق الاستثمارات الأجنبية لو شاركتهم أعمالهم على عكس ما يروج القوميون المدافعون عنهم بحجة كونهم رأسماليون وطنيون بحاجة لحماية الدولة .
2ـ البورجوازيين الصغار من الفلاحين وتجار التجزئة والحرفيين والمهنيين وهم لا يستطيعون ممارسة نفس درجة التهرب الضريبى والتهرب من الالتزامات الأخرى كالرأسماليين ،وتتفاوت أسباب سخطهم على النظام والتى تتلخص فى ضغط الفساد الحكومى عليهم و الذى يقتسم معهم ما يحوزونه من نصيب متضائل للغاية من عائد عملهم وعائد ملكياتهم الصغيرة ، والقهر البوليسى والتحكم البيروقراطى المسلطان على رقابهم، و اللذان يهددان استقرار أوضاعهم ومشاريعهم باستمرار ، فضلا عن ضيق السوق لازدحامه بالعرض من قوة عملهم وإنتاجهم مع قلة الطلب علي قوة عملهم وإنتاجهم ، والارتفاع المتواصل للأسعار مع انخفاض معدلات ما يحصلون عليه من أرباح وأجور ،وتتلخص مصالحهم فى التحرر من التحكم البيروقراطى والقهر البوليسى والتخلص من الفساد الحكومى، و كفالة حمايتهم من كل من المنافسة الأجنبية و ومنافسة واستغلال الرأسمالية المحلية كل وفق المجال الذى يعمل فيه، وتخفيف الضغط البيروقراطى والرأسمالى على كاهلهم مما يزيد من أنصبتهم فى عائدى التملك والعمل.
3ـ (البروليتاريا بالمعنى الواسع ) من العاملين بأجر سواء أكانوا ذهنيين أو يدويين ولا يملكون سلطة اتخاذ القرار ،هم غالبية السكان و يحوز هؤلاء على نسبة تتضاءل باستمرار من إجمالى الناتج المحلى ، وهم الذين يدفعون من منبع أجورهم التزاماتهم الضريبية فهم الممولون الرئيسيين للوعاء الضريبى و المدخرون الأساسيين فى صناديق التأمينات فى مصر ، و فيما عدا قلة ضئيلة منهم تعمل فى بعض القطاعات الإنتاجية والخدمية والسيادية وتحصل بسبب ذلك على أجور مرتفعة جدا بالنسبة لباقى الغالبية من العاملين بأجر ، فأنهم عموما يحصلون على أجور متدنية للغاية ، ويخضع العاملين بأجر لعلاقة إذعان تجعل الدولة أو أصحاب العمل وحدهم هم الذين يحددون الأجور التى يحصل عليها هؤلاء العاملين ، ولو علمنا أن الفارق بين عوائد التملك وعوائد العمل من إجمالى الناتج المحلى تتسع بمعدلات مرتفعة لصالح زيادة عائدات التملك برغم ضيق قاعدة الملكية الخاصة فى مصر ، فإن نصيب هؤلاء من الثروة القومية يتضاءل باستمرار مما يعنى إفقارهم المتزايد حتى وصل من يعيش تحت خط الفقر إلى 40% أى حوالى 30 مليون مواطن ،و أضيف لأسباب سخطهم العام ارتفاع الأسعار بعد تخفيض قيمة الجنية.
المصالح الأولية للعاملين بأجر فى ظل المجتمع الرأسمالى تتلخص فى كفالة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وزيادة ما يمكن أن يحصلوا عليه من إجمالى الناتج المحلى من خلال زيادة حصة عائد العمل بالنسبة لعوائد التملك ، وهذا مشروط بتوافر درجة عالية من الديمقراطية السياسية والحقوق و الحريات النقابية التى تتيح للبروليتاريا أدوات المساومة الجماعية مع الدولة ورأسالمال بما يعنى الإمكانية المستمرة لتحسين ظروف حياتهم وعملهم، أما المصالح النهائية للبروليتاريا فتعنى تحررها من عبودية العمل المأجور سواء للرأسمال أو للدولة ، وذلك بسيطرتها وإدارتها لوسائل الإنتاج والخدمات وشتى شئون المجتمع لصالحها من خلال المجالس العمالية فى مواقع العمل والمناطق السكنية و اتحادات تلك المجالس من أسفل لأعلى.
إلا أن جزءا لا يستهان به من هؤلاء البروليتاريين منخرطون فى الاقتصاد السرى فهم إما يشاركون فى الفساد الحكومى حسب مواقعهم الوظيفية فى المؤسسات الحكومية ، أو يمارسون أعمال التجارة أو السمسرة أو يمتهنون مهنا وحرفا أخرى بجانب عملهم المأجور الأصلى ، أو يمارسون أنشطة غير مشروعة ،أو يشاركون فى الاستحواز على جزء من عوائد التملك عبر تملكهم لبعض الملكيات الصغيرة أى أنهم مزدوجى الوضع الطبقى.
فضلا عن ما سبق فإن الجزء الأكبر والمتزايد من البروليتاريا فى مصر ينتمى فى حقيقته للبروليتاريا الرثة عمال اليومية والعمالة الموسمية والمتعطلون عن العمل والمهمشون والباعة الجائلين والعمالة غير الماهرة والعمالة المعاونة وغيرهم فضلا عن أن قسما ضخما أيضا منهم موظفون حكوميون .
بلغ إجمالي قوة العمل في أول يناير من العام الحالي نحو20 مليونا، وأن جملة عدد المشتغلين بلغت نحو 18 مليونا في يناير2003، وان إجمالي أعداد العاطلين عن العمل( البطالة) يبلغ نحو 2مليون , و أن عدد المشتغلين في القطاع الحكومي يبلغ (25% من إجمالي عدد المشتغلين في يناير2003) وعدد المشتغلين في قطاع الأعمال العام نحو مليون فرد وفي القطاع الخاص داخل المنشآت نحو5 ملايين وعدد العاملين بالقطاع الخاص خارج المنشآت نحو7 ملايين، والعاملين في الخارج حوالى 2مليون ( هجرة مؤقتة)
هذا عن السخط بسبب إهدار المصالح الطبقية الأولية والنهائية لشتى الطبقات فى المجتمع ،أما عن رؤى التغيير السائدة بسبب الوعى السائد فهى أساس الكارثة المحتملة إن حدثت انتفاضة ما ، و ذلك لأن الغالبية الساحقة من الأفراد الذين يشكلون الطبقات فى مصر لا يملكون وعيا طبقيا متكاملا ولا ينتظمون وفق انتماءهم الطبقى فى منظمات سياسية أو نقابية تدافع عن مصالحهم ، ومن ثم لا يتخذون مواقف سياسية أو نقابية وفق هذا الانتماء ، فالوعى السائد لدى غير المسيسين وغير المؤدلجين هو وعى الحل الفردى لتحقيق المصلحة الفردية ،وعى انتظار المستبد العادل وتقديسه لو جاء لهم ببعض التحسين فى أوضاعهم ،وعى تقديس الشرعية سواء أكانت شرعية الدولة أو شرعية الدين ،وعى عنصرى قائم على تقديس الهوية الجماعية الدين،الطائفة،القومية،الإقليم،الوطن،القبيلة ،علاقة القرابة العائلية. وعى متخلف غير قائم على قيم الحداثة من الحرية الفردية والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية.وعى استهلاكى منحط ، وعىغير أخلاقى و لا إنسانى ، وعى شديد المحافظة حريص على ما هو سائد من عادات وتقاليد وقيم وثقافة ،وعى ظلامى غارق فى التدين الشكلى والخرافات والغيبيات .
إلا أن هذا الوعى السائد برغم كل ما سبق يتميز بأنه سطحى يسهل تغييره لوعى جماعى و ثورى وإنسانى وطبقى و حداثى ومستنير عند احتدام الصراع الاجتماعى فى أى مجتمع ،فالوعى السائد الواضح للعيان فى لحظات الاستقرار فى المجتمع ،قائم على أساس البرمجة الإعلامية والثقافية واالتعليمية التى تقوم بها الطبقات الحاكمة لتأبيد الوضع القائم ، إلا أنه مهما بلغت تلك البرمجة من قوة فأنها لن تغير من جوهرية الوعى بالمصالح الطبقية لنفس هؤلاء الأفراد التى تظهر للعيان عند احتدام الصراعات الاجتماعية.
فى نفس الوقت ونظرا لضعف الوعى الطبقى مقابل قوة الوعى السائد ، فأنه يسهل على الغوغائيين من الشعبويين والفاشيين أن يحصدوا نتائج السخط الاجتماعى لصالحهم وهنا مكمن الخطورة على تطور أى حالة تمرد شعبى.
نظرا للقبضة الحديدية للجهاز البيروقراطى للدولة على عنق ما يسمى تجاوزا المجتمع المدنى المصرى فأن الطبقات فى مصر تفتقد للأحزاب السياسية الحقيقية التى هى مجرد صحف قائمة هذا للعلنى منها، أو مجرد حلقات وشلل محدودة العدد وضعيفة التأثير هذا لغير العلنى منها فيما عدا الأخوان المسلمين ،كما أن النقابات بمصر المهنية منها والعمالية هى مجرد هيئات للخدمات يصعب عليها الدفاع عن مصالح أعضائها كما يصعب عليها تنظيم هؤلاء الأعضاء للدفاع عن هذه المصالح فى نفس الوقت،والجمعيات الأهلية والجمعيات التعاونية هى امتدادات للجهاز البيروقراطى للدولة فى حقيقتها .ومن ثم فإن الطبقات الاجتماعية الساخطة لن تستطيع أن تفرض مطالبها للتغيير إلا إذا وجدت الطريق نحو تنظيمات سياسية ونقابية وأهلية تعبر عن مصالحها،وطالما أن هذا غير متوفر الآن على أى نحو فأنه يشكل أحد أسباب ضعف الطبقات الساخطة فى مصر فى أن تفرض برامجها للتغيير ،و هذا سبب من أسباب عدم قدرة أى حركة تمرد عفوى للتحول لحركة تغيير اجتماعى.
يمكنا أن نتخلى عن شرط وجود التنظيمات الطبقية السابقة على الانتفاضة الشعبية باعتباره مجرد عامل قليل الأهمية فى نجاح أى انتفاضة ، و ذلك بشرط توافر خطابات سياسية تتبناها بقوة القيادات الاجتماعية التى قد تظهر تلقائيا أثناء الانتفاضة ، والنخب السياسية التى تعبر عن مصالح الطبقات المنتفضة، مما يساعد على تنظيم الطبقات الثائرة أثناء الانتفاضة من أجل تحقيق أهدافها ،و فى الحقيقة فأن نوعية الخطابات السياسية التى تحملها النخب السياسية السائدة والقيادات الاجتماعية المحتمل ظهورها فى مصر الآن هى السبب الجوهرى فى ترجيح قوة احتمال حدوث الكارثة التى قد تعقب الانتفاضة الجماهيرية المحتملة من قمع دموى عنيف أو الارتداد لوضع أكثر سوءا .
يمكن أن نقسم الخطابات السياسية المنتشرة فى الساحة السياسية كما يلى:
أولا وفق مصداقية الخطابات
خطابات شعبوية شبه فاشية تخفى حقيقة المصالح الطبقية التى تدافع عنها باستنادها على الدفاع عن هوية جماعية ما وتمثيلها كالدين والطائفة والقومية والوطن والشعب والأمة وغيرها من المطلقات ،وطمس و من ثم كبت وتشويه الصراعات الاجتماعية باسم صراعات الهويات الجماعية لصالح الأطراف القائمة بالاضطهاد والاستغلال فى الصراع الاجتماعى، ومن ثم دفاعها الحار عن الخصوصية والتراث والأصالة ، ويحمل هذه الخطابات كل التيارات الإسلامية معتدليها ومتطرفيها والتيارات القومية العربية و المصرية بيمينها ويسارها وتيار الشيوعيون القوميون هؤلاء الذين ابتذلوا الشيوعية بلاعقلانيتهم واستبداديتهم وشموليتهم وشعبويتهم وقوميتهم وتذيلهم للبورجوازية ،وهم الأسوء من بين كل الشعبويين و أشباه الفاشيين لأنهم الأكثر دجلا إذ يدعون بصفاقة يحسدون عليها أنهم المتحدثون باسم الطبقة العاملة وممثليها الشرعيين ، ليقدموها ضحية طيعة ومخدرة ومضللة على مذبح بيروقراطية ورأسمالية الدولة والرأسمالية المحلية.
خطابات طبقية لا تخفى حقيقة المصالح الطبقية التى تدافع عنها باستنادها على الدفاع عن طبقات ومصالح اجتماعية وتمثيلها بوضوح وصدق وبلا دجل ، ويحمل هذه الخطابات على تنوعها اللاسلطويون و الشيوعيون الأمميون الذين استعادوا للشيوعية أصولها العلمية والتحررية والعمالية والإنسانية والأممية سواء أكانوا ثوريين جذريين أو إصلاحيين و الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين سواء أقتربوا فى مواقفهم من اليسار الإصلاحى أو اقتربوا من اليمين المحافظ .
لاشك أن أى مراقب يلاحظ أن الخطابات الشعبوية والفاشية هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها ،و أن الخطاب الشعبوى الأكثر قوة وتأثيرا ونفوذا هو الخطاب الإسلامى المعتدل الذى يمثله الأخوان المسلمون.
ربما لا يمكنا أن نعرف مدى قوة نفوذ الخطابات الطبقية جماهيريا لأنها الأخفض صوتا،وقد تبدوا هامشية فحسب لأنها الأقل صخبا،ربما تستطيع مع احتدام الصراع الاجتماعى أن ترفع صوتها لتجتذب جمهورها بعيدا عن الشعبويين والفاشيين ،وهذا ما يعطى بعض الأمل فى التغيير للأفضل
ثانيا وفق انتماءها الطبقى والاجتماعى وتنقسم إلى
خطابات رأسمالية وهى إما تنطلق من الدفاع عن الوضع القائم وهذا ما يتبناه المحافظون أو بإصلاح الوضع القائم بالمزيد من الليبرالية الاقتصادية بدرجات متفاوتة من التقييد حسب مصالح الشرائح المختلفة للرأسماليين ،وبدرجات من الليبرالية السياسية والديمقراطية البورجوازية بنماذجها المختلفة وهذا ما يتبناه الليبراليون ، فضلا عن الأشكال الفاشية والشعبوية من الخطاب الرأسمالى كما تمثله الفاشية والشعبوية القومية والدينية دفاعا عن مصالح كل من بيروقراطية ورأسمالية الدولة والرأسمالية المحلية والخطابات الرأسمالية عموما هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
خطابات بورجوازية صغيرة تنطلق من حماية البورجوازيين الصغار من الاستغلال والتحكم والسيطرة التى يمارسها الجهاز البيروقراطى عليهم واستغلال الرأسمالية المحلية لهم وحمايتهم من منافسة السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية لهم ، وهو ما يتبناه كل من اليسار الليبرالى واليسار القومى عموما وهى ضعيفة الانتشار والنفوذ وضعيفة من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
خطابات بروليتارية وهى إما تنطلق من مواقف إصلاحية لتحقيق مصالح البروليتاريا الأولية من داخل نمط الإنتاج الرأسمالى القائم بكفالة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبروليتاريا وهو ما يتبناه بدرجات متفاوتة الاشتراكيون الديمقراطيون واليسار الإصلاحى ،أو تنطلق من مواقف راديكالية ثورية لتحقيق المصالح النهائية للبروليتاريا وهو ما يتبناه اليسار اللاسلطوى والعمالى والراديكالى وعموما هى الأقل انتشارا ونفوذا والأضعف من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى.
ثالثا وفق موقفها من أسلوب التغيير المرتقب
خطابات إصلاحية تراهن على إمكانية إحداث إصلاحات تدريجية من داخل الوضع الراهن لتغييره للأفضل هى الأكثر انتشارا ونفوذا والأقوى من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى
خطابات ثورية تراهن على إمكانية التغيير الثورى الفورى وهى الأقل انتشارا ونفوذا والأضعف من حيث إمكانيات نشر خطابها السياسى
رابعا وفق موقعها من قطبى اليسار واليمين
لكى ندرك مدى يسارية خطاب سياسى أو يمينيته أو وسطيته ،فأن تقييم ذلك يتم عبر ثلاث معايير
أولا:ـ معرفة مدى تبنية لحرية الفرد من حيث كونه فرد فكلما زادت درجة الحرية الفردية كلما اقترب الخطاب من أقصى قطب اليسار والعكس فكلما قيد هذه الحرية كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين ،وليس المقصود بالحرية الفردية هى تلك الحدود من الحرية التى يتبناها الليبراليين البرجوازيين وتضعهم فى خانة الوسط وإنما المقصود بالحرية تحرر الفرد من كل أشكال الاغتراب والتشيوء والتسلط المنفصل عنه والمتعالى عليه ، كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار .
ثانيا:ـ مقدار المساواة الفعلية بين هؤلاء الأفراد من حيث كونهم أفراد فكلما كان الخطاب أكثر تحقيقا للمساواة بين البشر من حيث كونهم بشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليسار والعكس كلما كان الخطاب أقل تحقيقا للمساواة بين البشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين ،وليس المقصود بالمساواة هو ما يقتصر عليها الليبراليين البرجوازيين ويضعهم فى خانة الوسط من مساواة قانونية وشكلية بين المواطنين تسمح لبعضهم بقهر واستغلال بعضهم وإنما المطلوب مساواتهم الفعلية فى تمتعهم بالحرية الفعلية وتحملهم للمسئولية كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار.
ثالثا:ـ كلما كانت العلاقات الاجتماعية التى يتبناها الخطاب السياسى أكثر تحقيقا لدرجة أعلى من التقدم الاجتماعى كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليسار ،والعكس كلما كانت العلاقات الاجتماعية أقل تحقيقا لدرجة أقل من التقدم الاجتماعى كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين .
هذا عن الخطابات السياسية المنتشرة وما يمكن أن تعكسه من مطالب عند نشوب الانتفاضة المحتملة و ما يمكن أن تخلقه من تطورات ،تتوقف على توازنات القوى الاجتماعية وما تملكه أطراف الصراع من أسلحة.
فالدولة المصرية تملك الكثير جدا لقمع الانتفاضة الشعبية المحتملة على نحو دموى ،إذ تملك فضلا عن الجيش قوات الأمن المركزى و هى بمثابة جيش آخر موازى يبلغ عدد أفراده 400 ألف فرد شرطى مجهزون ومدربون فقط لقمع أى احتجاجات شعبية وعلى الطرف الآخر فالجماهير التى تفتقد أصلا للقدرة على الانتفاضة المسلحة تفتقد أيضا كل مؤهلات ممارسة العصيان المدنى والتى يمكن أن تشل آلة القمع الدموى للدولة سواء أكان هذا خبرات و قيادات ومنظمات و رؤى سياسية واضحة ودرجة عالية على التصميم ،فما سيحدث من احتجاح يمكن تحويله لأحداث شغب وعنف غوغائية مما سوف يعطى الدولة مبررها لاستخدام ألة العنف لكى تستمر الأوضاع كما هى ويرتد المنتفضون مرة أخرى للسلبية واليأس وهذا يعنى المزيد من الانحطاط والتدهور الذى نعانيه على مدى نصف القرن الماضى فى كل المجالات.
وقد يحدث ما هو أسوء من استمرار الوضع الراهن وهو أن تتولى السلطة ديكتاتورية عسكرية صريحة أو تقفز قوى الفاشية الدينية أو القومية للسلطة لتستمر طاحونة العبودية والقهر وعدم المساواة والاستغلال الوحشى والتخلف الاقتصادى والاجتماعى والثقافى على كافة الأصعدة ، وتلك هى الكارثة بعينها ولكن ربما يكون هذا الاحتمال مستبعد بعض الشىء نظرا للتوازنات الدولية الحالية وذبول تأثير الخطاب الإسلامى /القومى بعد أحداث حرب الخليج رغم صوته العالى و أرجوا أن لا أكون مفكرا بالتمنى بشأن هذا الاحتمال.
هناك احتمال أفضل بالطبع هو تسليم النظام بمطالب الليبراليين والتحول لنظام أكثر ليبرالية وديمقراطية وأقل فسادا مع إحداث بعض الإصلاحات اجتماعية التى يمكن أن تمتص غضب كل من البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة وتحقق بعض مطالبهما.
ولكن هذا متوقف على مدى قوة ضغط الانتفاضة على النظام حينما لا تتوقف عند أول بادرة وأن تستمر لبعض الوقت شرط أن تشمل غالبية السكان و أن تتكون منظمات سياسية ونقابية وأهلية وتعاونية فى أتون الانتفاضة وهذه احتمالات كلها فى باطن الغيب تتوقف إلى حد كبير على ممارسات النخب السياسية ومدى قدرتها على حشد الجماهير بخطابها السياسى ومدى تبنى القيادات التلقائية التى تتكون عبر الانتفاضة لهذه الخطابات،وهذا يتوقف على مدى قدرة هذا الخطابات على تلبية احتياجات الناس وتحقيق مصالحهم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية