السبت، 5 يوليو 2008

إطلالة على العدد السادس من مجلة أوراق اشتراكية

إطلالة على العدد السادس من مجلة أوراق اشتراكية
سامح سعيد عبود
حفل العدد السادس من مجلة أوراق اشتراكية التى يصدرها مركز الدراسات الاشتراكية بالعديد من المقالات التى يصعب رصدها بالتحليل فى سطور قليلة، ومن ثم فقد وقع اختيارى على بعض ما احتوته من عبارات يتجسد فيها منهج فى التفكير والكتابة،يبتعد كثيرا عن العلمية والموضوعية والاستقامة.
حول جمال جبر فى مقاله تحليل الحركة العمالية، مظاهرة حشدت لها المعارضة السياسية فى ميدان التحرير بالقاهرة على إثر بدء غزو العراق حضرها حوالى 20000 شخص يومى 20 و 21 مارس 2003 ، لـ " انفجار أثار انتعاشا كبيرا فى نفوس كل الحالمين بالتغيير والساعين إليه" هذا التفكير بالتمنى والمبالغة والتفاؤل غير المبرر بأن الثورة الاجتماعية على الأبواب لمجرد نشوب مظاهرة جعلته يربط المظاهرة " بانبعاث حركة الجماهير المصرية"،ويبدو أنه لم يسمع عن أحداث جنوة سبتمبر 2001 التى شارك فيها مليون شخص والتى لم يصفها أحد أنها تعبير عن وضع ثورى وشيك فى إيطاليا، ويستطرد الكاتب "أين الطبقة العاملة من الحركة؟فقد بدا واضحا غيابها كقوة اجتماعية، داخل حركة 20 مارس،وذلك بالمقارنة _ مع الفارق _ بدورها فى يناير 1977،حيث كانت فى موقع القيادة إلى جانب الطلاب"، و هو هنا لا يتوخى الدقة العلمية، و يروج لأساطير لا أساس لها من الواقع، فهو يشبه أحداث 20 و21 مارس التى هى احتجاج نخبوى بالأساس على الحرب ضد العراق ، بأحداث 18 و19 يناير 1977 التى كانت هبة عفوية احتجاجا على رفع الأسعار وقد انتهت بمجرد التراجع عن القرار الحكومى ونزول الجيش للشوارع، وهى بلا شك رغم محدوديتها حدث أضخم و أخطر بما لا يقاس من 20 مارس حيث شملت أكثر من عشر مدن بما فيها القاهرة والإسكندرية، وقد شلت فيها السلطة الحكومية تماما ،إلا أنها لم ترق بالطبع لمستوى الثورة، لأنها خلت غالبا من أى عناصر للتنظيم الجماهيرى أو الوعى السياسى والروح الثورية لدى الجماهير الغاضبة، ثم أنه يلوم الطبقة العاملة على عدم ممارسة دورها القيادى الذى نسبه لها زورا فى انتفاضة يناير، والذى افترض أنه كان يجب عليها أن تكرره فى 20 مارس، فهل كان يتوقع من الطبقة العاملة أن تنتفض غاضبة بسبب الحرب ضد العراق كما هبت النخب المعزولة عن هذه الطبقة، أليست هذه هى الطريقة التى تسقط بها النخب رغباتها و فهمها على الطبقة العاملة أو الجماهير فتفترضه لديها لمجرد توهمها أنها تجسيد للطبقة والجماهير، هى التى دفعت محرر المجلة ليكتب مقال بعنوان لم يكن أحد يتوقع جاء فيه "وبينما تضغط الجماهير المصرية على النظام لدعم الانتفاضة،أصبح النظام مجبرا على إرسال قواته لقمعها وتأمين حدود إسرائيل!!"... فهل المظاهرات القليلة التى لا يحضرها سوى بضع مئات، و نادرا بضع آلاف من النخب المسيسة والطلبة قد تشكل أى ضغط جماهيرى على الحكومة تعمل له أى حساب وهى تحدد سياستها، وليس ذلك فحسب بل افترض المحرر إن هذا الضغط استدعى منها التورط فى قمع الانتفاضة، نفس المنطق الذى أوهم جمال جبر أن حدث مثل 20 مارس قد "ألقى الذعر والهلع فى قلب الرأسمالية المصرية ونظامها الحاكم المأزومين" مما جعله يصف مثل تلك التحركات المحدودة ب"الحركة السياسية الواسعة للتضامن مع الانتفاضة ورفض الحرب على العراق" التى يتساءل عن سر عدم انخراط الطبقة العاملة فيها رغم عجز الطبقة العاملة عن ان تدافع عن مصالحها هى نفسها حاليا،فيستطرد متعجبا بـ " رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية فى مصر .." وهذه الفقرة تشى بالربط الميكانيكى فى ذهن الكاتب بين الأزمة والحركة الجماهيرية، فى حين أن الأزمة كما قد تدفع للحركة فقد تدفع للتراجع والانحطاط،وأنه ليست فقط الطبقة العاملة هى التى تعانى من ضعف حركتها بل سائر الطبقات فى المجتمع،ومن نافل القول أنه عند تفاقم البطالة والكساد يصعب على العمال فرض شروطهم فى المساومة الجماعية بعكس لحظات الرواج والتشغيل شبه الكامل،والأمر الثالث أن تصاعد الحركة السياسية لطبقة ما وصولا للثورة أو الإصلاح مرتبط بإحباط توقعاتها ، وليس نتيجة لبؤسها.
أن التغيير الاجتماعى القادم من المرجح أن يتم بقيادة شرائح معينة من الطبقة العاملة بمفهومها الواسع تستطيع أن تقود سائر شرائح الطبقة العاملة الأخرى،إلا أن هذا مشروط بطرح شعارات تحقق مصالحها المباشرة، وليس ما نفترض نحن أنه مصالحها، وهذا يفترض بدوره أن يكون البرنامج الثورى قائم على دراسة علمية للواقع، وليس ما نفضله أو نعتقد بملائمته نحن من شعارات تعجز فى النهاية أن تجمع تلك الشرائح حولها، وهذا ينقلنا لما كتبه يحى فكرى فى مقال إصلاح أم تغيير" اليسار المناضل هو البديل الذى تحتاجه الجماهير،اليسار الذى يضع على رأس مطالبه:." تأميم المصانع الكبيرة وضمان حق العمل" وأنا لا اعتقد أن العمال بحاجة لتأميم المصانع وأن يستبدلوا الرأسمالين بالبيروقراطين، فمصالحهم فى الحد الأدنى هى ضمان حقوق العمل السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وفى الحد الأقصى إداراتهم الذاتية لتلك المصانع لصالحهم، ويستطرد "ومصادرة الأرض الزراعية وتوزيعها على فقراء الفلاحين" ويبدوا أن الكاتب لا يعرف الواقع فى الريف المصرى الآن،وما يقترحه يعنى المزيد من تفتيت الأرض الزراعية مع استمرار قواعد الشريعة الإسلامية فى الميراث، و استمرار تبويرها على أيدى هؤلاء الفلاحين عندما تصبح زراعة مساحتهم القزمية غير مجزية اقتصاديا، ومن ثم يصبح من المناسب تقسيم ما يمكن إنقاذه من أرض زراعية قديمة أو مستصلحة فى تعاونيات إنتاجية زراعية لصالح العاملين فيها على أساس قواعد حق الانتفاع الجماعى غير القابل للتوريث.
ومن استلهام برنامج البلاشفة الثورى لاستلهام النموذج الفيتنامى تتوقع دينا جميل" أن المقاومة قادرة على أن تجعل النموذج الفيتنامى قابل للتكرار فى العراق" رغم الفوارق الشاسعة بين الحالتين فى كل الظروف والوجوه بما لا تصح به المقارنة أصلا ولا التمنى بالتكرار، إلا أن إسقاط الماضى على الحاضر يستمر كما كتب نور منصور فى مقال المقاومة العراقية.. الفرص والتحديات" باتت هذه المقاومة فى أعين الجماهير العربية نقطة ضوء فى مواجهة الإحباط واليأس الذى تعيشه الجماهير . وأن تقدم بديلا للتعامل مع الظلم ينسف نظريات العقلانية والواقعية المزعومة .." رحماك يا ماركس!! فالكاتب الذى لم يخرج بنفسه قوى المقاومة عن القوى القومية والدينية والطائفية التى تقترف جرائم خطف وتفجير المدنيين، ويتلخص مشروعها السياسى فى عودة الفاشية البعثية أو ما يشبهها من فاشيات دينية أو طائفية أو قومية يكتب أيضا " التحدى الذى قد تواجهه المقاومة هو تراجع حركة التضامن معها وسط الجماهير العربية بسبب دعاية الأنظمة الحاكمة،والقوى الانهزامية أصحاب المصلحة فى إبقاء الوضع الراهن..لهذا فإن تأييد المقاومة العراقية ودعمها ..سيلعب دورا فى فضح دعاية الأنظمة وحشد الجماهير العربية للتضامن مع المقاومة،بما سيؤدى إلى دعم فرص انتصارها،وهزيمة المشروع الإمبريالي فى المنطقة" فهل يطالب يسارنا المناضل بالتضامن مع الفاشية مطالبا باستعادتها لمجرد عدائها لما يسميه إمبريالية،وهل يتضامن مع السفاحين لمجرد أنهم يتحدون الاحتلال، فماذا تكون العدمية إن لم تكن تقديس الاحتجاج فى حد ذاته بصرف النظر عن من يمارسه ولماذا، و إن لم تكن الربط بين العنف والثورية، وهل يعتبر اليسار المناضل المقاومة الطبقية لليسار العراقي ضد كل من الحكومة والاحتلال والمقاومة الإرهابية والفاشية فى نفس الوقت ليست ثورية لأنها لم تتلوث بالدم البريء للمدنيين.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية