السبت، 5 يوليو 2008

الاستقامة الفكرية والأخلاقية المفقودة

الاستقامة الفكرية والأخلاقية المفقودة
سامح سعيد عبود
شاهدت فى إحدى الأمسيات فيلما أمريكيا تناول ما لاقاه طفل من قاع المجتمع الأمريكى، من شتى صنوف القهر والحرمان والمهانة والاستغلال، سواء فى داخل أسرته التى يعانى كل أفرادها من نفس الظروف، أو المدرسة و التى تكتشف عبر الفيلم إنها المكان المعد لترويض الطلاب وتجهيلهم وإفسادهم، أو المطعم الذى كان يعمل به ليلا ليساعد أسرته، تلك الظروف التى وضعت هذا الصبى فى النهاية على أول طريق الجريمة والانحراف،و قد قطع تواصلى مع الفيلم فاصل من نشرة الأخبار التى بثت العديد من صور العنف الدموى ضد الفلسطينيين والعراقيين، إلا أن أحداهن تحديدا قد جعلتنى أصرخ بصوت مرتفع، وكانت لأحد ضحايا جماعات ما تسمى بالمقاومة العراقية ، وقد عصب فيها المختطفين عين الضحية، واضعين السيف خلف رأسه استعدادا لذبحه.
وفى الصباح ،أخذت أتصفح الصحف والمواقع العربية عبر الانترنت،فوجدت سيلا من المواضيع التى لا تقل إثارة للغضب والأسى والغثيان عما شاهدته بالأمس،فأحدهم كتب مقالا معنونا ب" صدام حسين صوت الشهيد الحى"،وضع فيه صدام حسين فى مصاف شهداء المثل الإنسانية العليا العظام ، برغم أن صدام حسين أحد أسوء رموز التخلف والانحطاط والتوحش على مدى التاريخ الإنساني كله، ثم توالت أنباء هؤلاء المحامين الذين تقاطروا للدفاع عن هذا السفاح دون أن يشعر أيا منهم بالخجل ، ثم صور الذين كانوا يهتفون بتحية صدام فى الفلوجة ، و ما أتى من بعض الفلسطينيين الذين تورطوا أحيانا فى الانحياز الأعمى لصف أعداء الإنسانية من أمثال صدام معتقدين أنهم ربما ساعدوهم فى حل قضيتهم التى لاشك فى عدالتها،مما أفقدهم دائما البوصلة الصحيحة للحصول على حقوقهم السليبة،وهذا الصهيونى الذى كتب بمنطق معوج مطالبا الفلسطينيين بالتخلى عن حقهم المشروع فى العودة من أجل إحلال السلام فى المنطقة ،فى حين يدافع عن حق اليهود فى استيطان فلسطين.لأنه فى النهاية يؤمن بأن اليهود هم شعب اللة المختار الذين يحق لهم ما لا يحق للآخرين ، إلا أنه يغلف عنصريته بيسارية زائفة وسلامية مضللة وعلمانية خادعة.
كل هذه النماذج البشرية التى أوردتها عفو الخاطر، يضمها عامل مشترك هو أنها تعكس بلا شك عدم الاستقامة الفكرية والأخلاقية المستشرية بعمق ليس لدى هؤلاء فقط، ولكن لدى الغالبية من سكان العالم، وهى تنطلق من عقلية تسمى عقلية القطيع،إلا أننا يجب أن نفرق بين الناس على مستوى مدى تحملهم المسئولية عن هذا الانحطاط الذى تنتجه هذه العقلية.
ذلك أننا يجب أن نلتمس العذر لبعض المندفعين وراء غرائزهم وعواطفهم اللحظية، بسبب انشغالهم المستمر بالبحث عن لقمة العيش الذى لا يعطى لهم أى فرصة للتفكير الموضوعى والبحث العلمى عن الحقيقة ، والخاضعين منذ نعومة أظافرهم قهريا للبرمجة والتوجيه من قبل أجهزة التعليم والدين والإعلام و الثقافة، تلك الأجهزة التى تحرص على أن لا تنمى فى عقولهم سوى شبقية الغرائز و هوس عواطف الانتماء العمياء للقطيع مما يسهل انقيادهم فى نهاية الأمر وراء قادة القطيع، سواء أكان هذا القطيع فريقا لكرة القدم أو حزبا سياسيا، وطن أو قبيلة أو قومية، طائفة أو دين أو مذهب ، ثقافة أو عرق، ومن ثم يتعاظم لديهم العداء العنصرى لكل من ينتمى للقطعان الأخرى سواء كان هذا على نحو معتدل أو على نحو متطرف،مستتر أو علنى، إلا أننا نجد فى نفس الوقت أن تلك الأجهزة المسئولة عن تشكيل الوعى تحرص فى معظم ما تقدمه على إصابة كل من الضمير والمثل الإنسانية العليا و القدرة على التفكير العلمى والموضوعى التى ينفرد بهم البشر عن سائر الأحياء ،بالضمور وصولا بهم للتبلد و العته.

أما هؤلاء الذين يملكون من الوقت والقدرة أن يتعلموا و يتأملوا و يبحثوا ويحكموا على الواقع بقدرتهم على التفكير الموضوعى و البحث العلمى ،وأن يحافظوا على ضميرهم حيا نقيا، وعلى حسهم الإنسانى مرهفا، فلا عذر لهم بالطبع، و أما القائمين على إنتاج المواد العلمية والفكرية الإعلامية والفنية والثقافية وتوزيعها وتبادلها،وإعداد المناهج الدراسية وتدريسها، و سائر القائمين على توجيه مستهلكى بضائعهم الفكرية،عبر كل تلك الأجهزة فلا عذر لهم بالتأكيد، فالأشرف لهم أن يمتهنوا أى عمل يدوى بسيط أو ينتحروا بدلا من الاشتراك فى هذا الدجل الذى أورث تلك الغالبية عدم الاستقامة الفكرية والأخلاقية ،وأنتج فى عقولها نفسية القطيع.

يحاول البعض دائما التفرقة بين الفكر وما يرتكب تحت راية هذا الفكر من جرائم ،إلا أننا لا يمكن أن نفصل جرائم البعثيين عن كتابات ميشيل عفلق، ولا أن نعزل جرائم النازيين عن فلسفة نيتشة ،و لا جرائم الجماعات الإسلامية عن أعمال سيد قطب الفكرية ،و لا جرائم الصهاينة عن كتابات هرتزل ، ذلك أن الإنتاج العلمى والفكرى والأدبى والفنى و الإعلامى ، قد يرتقى بالبشر أو ينحط بهم.

و لاشك أن كل مظاهر الانحطاط والتخلف والتوحش التى تصدمنا يوميا، و فى كل لحظة وفى كل مكان ، هى المحصلة النهائية لإنتاج كل تلك الأجهزة الجبارة التى تشكل الوعى السائد لدى أفراد المجتمع، فضلا بالطبع عن السبب الأساسى و الجوهرى الكامن وراء هذا الانحطاط، وهى الظروف الاجتماعية الاقتصادية والسياسية التى يعيشها هؤلاء البشر.

إن مؤسسات التعليم العام من مدارس وجامعات لا تهدف سوى لتكوين المواطن الصالح لخدمة الدولة والطبقات المالكة والحاكمة، و ما تعبر عنه هذه الدولة من مصالح الطبقات المالكة والحاكمة ،و مؤسسات التعليم الرسمية لا تهدف إطلاقا لخلق الإنسان الحر والصالح للتعاون الحر مع الآخرين من أجل تحقيق مصالحهم المشتركة،بل تخريب هذا الإنسان، فالمواطن الصالح فى نظر الدولة هو الذى لا يستطيع أن يفكر ويسلك فى الحياة سوى بعقلية القطيع شرط أن يكون هذا القطيع تحديدا هو الذى تمثله الدولة،و فشلها فى خلق هذا المواطن الصالح الذى يحدث فى القليل من الحالات هو تجسيد لفشل مؤسسة التعليم الرسمى فى ترويض هؤلاء.

فالتاريخ الذى يدرس فى مدارسنا ما هو إلا تاريخ موجه يرصد توالى الحكام ومؤامرتهم وحروبهم ، فضلا عن الأساطير المبالغ فيها عن الأمجاد القومية التاريخية، معزولة عن الفهم العلمى للتطور الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والثقافى للبشر، و هو فى النهاية تاريخ زائف وضعه إما مؤرخو البلاط ليرضوا أهواء الحكام أو مؤرخوا المنتصرين فى الصراعات على السلطة، وبهذه الطريقة فى دراسة التاريخ يتم وضع الأسس الفكرية للعنصرية ، وأوهام التفوق القومى والعرقى والثقافى، وأحلام العودة للماضى المجيد، وعبادة الأبطال،وتمجيد العنف والحرب. فى حين يتم تجاهل التاريخ الحقيقى لغالبية البشر وحياتهم بعيدا عن قصور الحكام وأساطير البطولة والأمجاد الزائفة.

فنحن تعلمنا أن نزهوا بلا مبرر بالأهرام وأعمدة الكرنك و أمجاد الفراعنة ، وتناسي الغالبية الساحقة من المصريين القدماء الذين بنوا تلك الصروح، وكيف كانوا يعيشون فى أكواخ الطين، و لا يأكلون سوى الخبز والبصل، مرتدين بالكاد ما يستر عوراتهم، تعلمنا أن نتفاخر بغزو العرب لمساحات شاسعة من العالم تحت راية القرءان،فارضين الجزية والخراج على أهل البلاد المفتوحة،وتناسى أن جحافل الأغريق اجتاحت مساحات أكبر من هذا العالم تحت قيادة الأسكندر الأكبر الذى تقاسم حكمها قواده الكبار من بعده ، وفى سنوات أقل بكثير من سنوات الفتح الإسلامى، وكان الغزو أيضا تحت راية توحيد العالم و نشر الحضارة اليونانية، تعلمنا فى نفس الوقت التباكى على خروج العرب الفاتحين من الأندلس بعد قرون من استيطانهم لها،و فى نفس الوقت إدانة احتلال الصليبين للشام واستيطانه.

لا شك أن الداعى للفخر باحتلال بلاد الغير واستيطانها، وفرض الحكم والجزية والخراج على المهزومين، والتباكى عندما يتحرر أهالي الشعوب المفتوحة من احتلالنا واستيطاننا لبلادهم، ما هو إلا الازدواجية النابعة من الرؤية العنصرية نحو قطيعنا الذى نعتبره الأعلى والأفضل من القطعان الأخرى، ومن ثم الذى يحق له أن يفعل بهم ما لا يحق لهم أن يفعلوا بنا، فلقطيعنا الحق فى أن يغزوهم وينهبهم ويفرض حكمه عليهم ويسترقهم، ونعتبر هذا فتحا وتحريرا لهم، و من ثم ندين وصف الاستعمار الأوربى الحديث احتلاله للعالم بأنه رسالة لتمدين العالم المتخلف والارتقاء به،متناسين إن ما فعلوه هم خلال القرون الخمسة الماضية كان يمكن أن نفعله بهم لو كنا نحن الأقوى ، إلا أننا تعلمنا أن نعتبر فعلتهم عدوانا واستعبادا واستغلالا،أما ما كان يمكن أن نفعله نحن فهو رسالتنا الحضارية الخالدة فى العالم ، فى النهاية فقد تعلمنا أن نكيل بمكيالين و نشكوا أن كال الآخرين بمكيالين. تعلمنا أن نكون عنصرين ونشكو من عنصرية الآخرين، وفى كل الأحوال غير مدركين مدى عدم الاستقامة الأخلاقية والفكرية وراء هذا السلوك والتفكير

لم يدرس الطلاب الثورة الاجتماعية التى أعقبت عصر بناة الأهرام،ولا ثورة الزنج جنوب العراق، و لا الثورة البشمورية ضد الحكم العباسى فى مصر، ليعرفوا تفاصيل الاستغلال الاقتصادى والظلم الاجتماعى والقهر السياسى فى ظل تطبيق الشريعة الإسلامية وفى ظل الخلافة الإسلامية،و بسبب هذه الدارسة المختلة للتاريخ ، تخيل تيار الفرعونية أن العودة لثقافة مصر الفرعونية هو الحل،وتخيل الإسلاميين أن عودة الخلافة والشريعة الإسلاميتين هو الحل.أما الأفدح فى الأيديولوجيات المماثلة المستندة على عقلية القطيع فهى الأيديولوجية الصهيونية التى بنيت على أساطير قبلية ودينية نفتها كل الدراسات العلمية الجادة فى مجالات التاريخ و الآثار،ومع ذلك فقد تبناها يهود علمانيين وما زالوا يدافعون عنها.

أن ما تقدمه الأجهزة الإعلامية والثقافية من مواد توغل فى العنف، المقصود منها إصابة ذلك القسم من المخ البشرى المسئول عن المشاعر المرهفة بالتبلد ، فكثرة مشاهد الدماء والقتلى والتخريب سواء فى الواقع أو فى التمثيل الدرامى أو فى الرياضيات العنيفة، تجعلنا نعتاد عليها تدريجيا ولا نستنكرها، ثم نسعى لمشاهدتها لذاتها بعد إدمانها،و محاولة تقليدها فى الواقع كلما تيسر لنا ذلك، حيث أن الدوام على مشاهدتها ينشط تلك الأجزاء من المخ المسئولة عن السلوك الوحشى لدى الإنسان الذى هذبته الحضارة، ومن ثم يستشرى العنف غير المبرر واللاعقلانى فى الواقع الاجتماعى، فنسمع عن أطفال وصبية يقتحمون مدارسهم بالأسلحة النارية مرتكبين المذابح ضد زملائهم ومدرسيهم ،ولا نعدم من يدافع عن من يخطفون مدنيين لا حول لهم ولا قوة ليذبحوهم كالخراف دون ذنب أو جريمة ، أو يفجرون أنفسهم فى أوساط هؤلاء المدنيين،تحت راية مقاومة المحتل. وبسبب هذا الهوس المرضى بإراقة الدماء والتخريب الذى تغرسه تلك الأجهزة، نجد هؤلاء يتعالون على من تحرم ثقافتهم ومعتقداتهم إيذاء أى كائن حى حتى ولو كان عدوا أو وحشا مفترسا دون أن يروا الدرك الذى انحطوا هم أنفسهم إليه.

فى القطيع لا أهمية للفرد العادى المنتمى للقطيع سوى أن يكون أداة طيعة لقادة القطيع،أما حرية وحقوق ذلك الفرد الإنسانية، مثل حقه فى الحفاظ على هويته الفردية باعتباره فرد فلا أهمية لها، فعليه أن يتنازل عنها من أجل الحفاظ على هوية القطيع، و لأن هوية القطيع مفترضة و مصطنعة دائما، فهى تتجسد واقعيا فى فرد أو جماعة من الأفراد الحقيقيين فى القطيع، يشكلون قادة هذا القطيع ورعاته، ومن ثم فحق هذا الفرد العادى فى السيطرة على نصيبه من ثروة ما يسمونه قطيعه، حقه فى المشاركة فى تقرير شئون هذا القطيع، حقه فى تقرير مصيره الشخصى ، حقه فى اختيار نمط حياته وثقافته، قد استحوذ عليها قادة القطيع ورعاته باسم هذا القطيع فهم أبطاله ونجومه، الذين يستمدون شرعيتهم فى السلطة على هؤلاء الأفراد المجردين من السلطة ، من امتلاكهم لوسائل الثروة و العنف والمعرفة دون غيرهم .

ومن ثم يتغاضى الصداميون عن كل من حرية وكرامة المواطن العراقى المحروم من السلطة، و التى انتهكت بابشع الوسائل عبر 40 عاما لمجرد أن صدام حسين ألقى بصاروخ على إسرائيل، أو هددها، أو دعم بعض الفلسطينيين الانتهازيين أو المخدوعين، أو لأنه الوحيد من بين حكام العرب من قال لأمريكا لا، و ما كان ذلك إلا لصالح استمراره فى السلطة لا غير ، وغيرها من الدعائيات الصبيانية التى كان يستهدف بها عقول السذج، والمنسحقون نفسيا والمدمنون للقهر والعذاب، و يتغاضى هؤلاء الصداميون عن كيف أن تلك العصابة الصدامية التى قدمت للسلطة فى العراق من قاع المجتمع العراقى قد نهبت مئات المليارات من أموال العراقيين، وبددت جل ثرواتهم من أجل اشباع نزواتهم ، و أطعمتهم بدلا منها شعارات وأغانى وأوهام، وذلك منذ فرضوا حكمهم الديكتاتورى بالعنف والقهر والتضليل على هذا الشعب ، ولم يتساءل هؤلاء الصداميون عن مصدر كل تلك القصور والمليارات التى يملكها صدام وعصابته، ولم يحركهم أن هذه العصابة قد عاملت المواطن العراقى بأسوأ مما تعامل الحيوانات عبر كل تلك السنوات، فالصداميون يؤمنون بأنهم طالما عجز البعض عن احتلال موقع القائد و الراعى فى القطيع ،فعليهم الاستماتة فى الحفاظ على موقع الخراف، وأنه لا أهمية للحرية والكرامة للخراف طالما سمح لهم الراعى بالقليل من العشب والماء والاستظلال بعصاه،وأما يقصدونه من حرية فهو ليس حرية الفرد والمواطن والإنسان إنما حرية رعاة القطيع فى نهب واسترقاق و إذلال خرافه باسم حرية هذا القطيع.

الصداميون من أصحاب عقلية القطيع يتعاطفون مع صدام حسين ونظامه ويدافعون باستماتة عنه لمجرد أنه سقط بفضل غزو قوات التحالف للعراق، ولأنه تحدى تلك القوات وقاومها كما يزعمون، غاضين النظر عن حقيقة الصراع بين الطرفين، باعتباره صراع على استحواذ كلا منهما بمفرده نظرا لجشع كل طرف على فريسة واحدة وقهرها، و هى العراقيين المحرومين من السلطة وثروات بلادهم ،بدلا من تقاسم الفريسة فيما بينهما، ذلك لأن منطق القطيع العنصرى يفترض أن حقوق وحريات وثروات العراقيين حلال أن ينتهكها وينهبها صدام وعصابته لأنهم عراقيين مثلهم، فى حين أنها حرام على الأمريكان وحلفاءهم لمجرد أنهم غير عراقيين. فهناك حديث نبوى يقول "أنت ومالك لأبيك" ،إلا أنهم يفهمونه ب "أنت ومالك لحاكمك وراعيك بدلا من أبيك"،وحرية الحاكم أن يفعل ما يشاء بممتلكاته من المحكومين وثرواتهم مكفولة باسم قوانين وأعراف القطيع ،فمن تحكم فى ماله ما ظلم.

عقلية القطيع تأتى من ذلك القسم من المخ المسئول عن العواطف غير المبررة،التى تجعلنا نبلع الأخطاء لرعاة القطيع و قادته ونبررها، كما نتعامى عن عيوب المحبوب،وهو قسم تؤثر فيه لغة الشعر والخطابة والخيال والفن، و لا يفهم لغة العلم الموضوعية، و من ثم يصبح جميل الكلام لدي تلك العقلية بديلا عن الواقع المر، ومن ثم نجد تلك العقلية تنبهر بالطنطنة الفارغة لأمثال بن لادن والزرقاوى و عنتريات الأبواق الصدامية، ولا تستجيب لحقائق الواقع، و لا تفهم لغة المنطق العلمى، ومخاطبة هذا القسم من المخ وتنشيطه هو ما يستخدمه كل الطغاة والرعاة والدجالون فى التحكم فى قطعانهم، فى حين يسعون لتعطيل الأقسام الأخرى المسئولة عن التفكير الموضوعى، فصدام حسين بطل فى عين تلك العقليات لأنه بلا أدنى إحساس بالخجل من جرائمه تبجح و تحدى قاضى التحقيق، فهذا هو ما يرضى هذا القسم من المخ القادر عن التعامى عن كل عيوب المحبوب،أما القسم الأعلى والأكثر تطورا والمسئول عن الضمير والتفكير العلمى، فما كان يرضيه فى تلك الحالة سوى سلوك آخر هو إعلان هذا السفاح عن ندمه على جرائمه واعتذاره للشعب العراقى ولكل ضحاياه.إلا أن هذا قسم معطل للأسف لدى خراف القطيع.
إننا لن نستعيد الاستقامة الفكرية والأخلاقية ،ولن نتخلص من هذا الانحطاط،إلا إذا استعدنا الحياة لضمائرنا، و نفضنا عن قدرتنا على التفكير العلمى و الموضوعى الكسل ،وتمسكنا بالمثل الإنسانية العليا،وهذا مشروط بالتخلص من نفسية وعقلية القطيع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية