بمناسبة وفاة رفيق
بمناسبة وفاة رفيق
سامح سعيد عبود
ليس هذا المقال تأبينا أو رثاءا لوفاة الرفيق والصديق العزيز عزت عبد العظيم والذى يستحقهما بلا شك ، ولكن اتساقا مع ما دعوت إليه فى مقال سابق لتحطيم النجوم البشرية ، فينبغى على أن ألتزم التزاما صارما بالقطيعة الكاملة مع ثقافة المدح والهجاء والرثاء والغزل والفخر من أغراض الأدب العربى ما قبل العصر الحديث، التى تشكل فى الحقيقة الجزء الأعظم من ثقافاتنا وتراثنا و وعينا، والتى تكبل سلوكنا بآلاف القيود التى لا معنى لها و وتعرقل فهمنا للواقع و وتذوقنا للحياة، ومن ثم فأنى لن أحول مناسبة وفاة الرفيق والصديق العزيز عزت عبد العظيم الذى خطفه سرطان الأمعاء الشرس خطفا من بيننا هذا الشهر وهو فى الخمسين من عمره لترديد المقولات التى تعودنا ترديدها فى تلك المناسبات، فيكفيه أنه وحتى الرمق الأخير من عمره ظل يناضل لأجل ما يؤمن به ، عضوا نشطا وفعالا فى اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية والمجموعة المصرية لمناهضة العولمة ، وبالكيفية التى ظل مقتنعا بها وهى العمل والإنجاز بديلا عن الثرثرة الفارغة ، وبنفس أسلوبه الدؤوب المترفع عن الصغائر ، ولكنى وجدت وفاته المفاجأة فرصة لتناول تجربته النضالية بالنقد الموضوعى ، فتلك أفضل وسيلة لتكريم ذكراه فى تقديرى واعتبارى بدلا من ترديد كلمات عاطفية مكررة حتى ولو عبرت بصدق عن مشاعرى الشخصية تجاه الرفيق، و التى لا تهم القارىء الذى لا يعرفه .
فى الحقيقة فإن ما قد ينال الرفيق الراحل من نقد فى هذا المقال لا يتعلق بشخصه الكريم الذى أكن له كل الإعزاز والمحبة والتقدير ، ولكنه نقد لمجمل ممارسة اليسار الماركسى المصرى ،سواء أكانوا أفرادا بما فيهم كاتب هذا المقال فى مرحلة تاريخية معينة من عمره ، أو منظمات ، أو ممارسات وتجارب نضالية بما فيها تجربة الرفيق عزت عبد العظيم المميزة والتى قادها خلال ما يزيد عن خمسة عشر عاما، والتى اشتركت فيها لفترة من الزمن ، قبل انتقادي الحاد لها ومفارقتها لتجارب أخرى لم تحظ بالنجاح ، فما أنا والرفيق الراحل عزت عبد العظيم وغيرنا كثيرين سوى ضحايا توجيهات قيادات ومنظرى اليسار المصرى فى السبعينات والثمانينات ،هؤلاء الذين أهدروا طاقتنا وحماسنا وشبابنا فى تجارب وممارسات عبثية لا معنى لها ، أصابتنا بالاكتئاب وفتور الحماس وشيخوخة الروح والجسد ونحن فى منتصف العمر ، فنحن فى النهاية ضحايا الرؤى والممارسات التى أورثت اليسار الماركسى المصرى حالته المزرية الراهنة بالمقارنة باليسار فى العالم كله ،بصرف النظر عن العوامل الإضافية المعروفة التى أضعفت اليسار عالميا طوال التسعينات.
تبدأ الحكاية فى عام 1981 حيث تعرفت على أحد أعضاء حزب التجمع من قاطنى حى الهرم الذى أسكنه ، وقد أخبرنى هذا العضو بأنه يمارس نشاطا فى أحد مراكز الشباب المتطورة فى نفس الحى هو وزملاء يساريين آخرين ، وكان هذا النشاط الشبابي تمارسه أسرة شبابية مكونة من فرق مسرح وكورال وموسيقى ونشاط ثقافى و فنى فضلا عن تنظيمها للرحلات الشبابية ، وكان الرفيق عزت عبد العظيم هو رائد هذا النشاط ومؤسسه ومن هنا بداية التعرف به وبتجربته .
فى صيف 1982 تم الاجتياح الصهيونى لبيروت وتشكلت لجنة لمناصرة الشعبين الفلسطينى واللبنانى بالحى كان معظم أعضاءها هم أعضاء هذه الأسرة الشبابية بالمركز تحت قيادة الرفيق الراحل ، وطوال صيف 1982 انخرطت وأعضاء اللجنة فى جمع التبرعات و وتوزيع الملصقات والبيانات والمشاركة فى المعارض والمؤتمرات والمظاهرات حتى هدأت الأوضاع بلبنان فى الخريف من نفس العام ،واستؤنف النشاط الشبابى بالمركز وشاركت فيه لفترة موطدا علاقتى ومعرفتى بممارسيه وجمهورهم ، وفى أوائل عام 1983 تم توجيهى تنظيميا لمركز شباب آخر أقرب لمحل سكنى ،وكان هذا يستلزم مقابلة عزت عبد العظيم للاطلاع على تجربته والاستفادة منها.
لخص عزت بدايات التجربة ومبرراتها وفلسفتها بأنه وعدد من الرفاق الذين يسكنون نفس الحى ، وجدوا أنهم بتخرجهم من الجامعة ،فقدوا قدرتهم على النضال والعمل العام ، وبدلا من ممارسة حياة عادية دون نضال أو عمل عام ، فكان عليهم التوجه لهذا المركز القريب من محل سكنهم ،وكانت بداية نشاطهم فيه هى إقامة فصل للتقوية لتلاميذ الصف الثالث الإعدادى بالمركز ، والذى شكل تلاميذه فيما بعد مع مدرسيهم أسرة الأصدقاء بالمركز ، و عن سؤال لماذا لم تتوجهوا للطبقة العاملة فى حى يتواجد به العديد من مصانع القطاع العام والخاص بدلا من هذا التوجه اللاطبقى واللانضالى فى حقيقته كانت الإجابة هذا هو ما هو متاح لدينا، و أننا قد نصادف عمالا فى مثل هذا النشاط الشبابى ، و هذه هى الوسيلة التى نأمل بها التواصل مع الطبقة العاملة، هذه أيضا كانت إجابة مسئولى التنظيمى وهو يوجهنى لمركز الشباب الآخر ،وما لم استطع قوله فى ذلك الوقت هو ما قيمة العامل فى حد ذاته لو لم يطوره نضاله داخل محل العمل فى مواجهة الإدارة وأصحاب العمل .
كان النجاح الرئيسى للتجربة هو أن هذه الأسرة الشبابية شكلت طوال الثمانينات النشاط الرئيسى والأهم للماركسيين بحى الهرم ، مما جعل أعضاءها الكتلة الأكبر بينهم ، وذلك مع اشتراكهم جميعا فى الانتخابات النيابية على قائمة حزب التجمع عامى 1984و1987 ،كان هذا جزءا من تجربة الدخول شبه الجماعى للماركسيين الرافضين لحزب التجمع ثم خروج معظمهم منه بعد ذلك على مستوى مصر كلها، وفى حى الهرم بما فيهم أعضاء الأسرة الذين شاركوا فى نشاط اتحاد الشباب التقدمى فى هذه الفترة . وقد ساهم أعضاء الأسرة أيضا فى تشكيل لجنة دعم الانتفاضة الفلسطينية عام1987، والمساهمة فى التضامن مع قادة اعتصام عمال الحديد والصلب1991.
كان من إيجابيات التجربة أيضا أنها ساعدت على تكوين بعض الفنانين الملتزمين سياسيا فى مجالات الموسيقى والغناء والفنون التشكيلية ، إلى أن انفرط العقد وتم تصفية الأسرة وطرد أعضاءها من المركز الشبابى أوائل التسعينات ليخلوا حى الهرم من أى نشاط جماعى للماركسيين ، وهذا الحى لمن لا يعلم يسكنه حوالى مليون مواطن يعمل عشرات الآلاف منهم فى عشرات المصانع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة المتناثرة بالحى ، والخالية تماما من أى مناضلين يساريين ، فهو ليس حى الملاهى الليلية كما هو شائع لدى العرب غير المصريين .
كان النجاح الذى حققته الأسرة الشبابية عامل جذب العديد من ممثلى شتى الاتجاهات والمنظمات الماركسية ليس من داخل الحى فحسب ولكن من أحياء أخرى ، بعضهم انضم إليها بدعوة من بعض أعضاء الأسرة ، والآخرين تم توجهيهم تنظيميا لهذا النشاط فهبطوا عليه كما تهبط الجوارح على فرائسها.
وقد لاحظت فيما بعد أن الأسرة كفت عن تطوير أعضاءها فكريا أو فنيا منذ ذلك الحين، فلم تشهد الأجيال الجديدة من عضويتها ما شهده الجيل الأول من تطوير ، ففيما عدا هذا الجيل الذى تطور فى بدايات تشكيل الأسرة لم تطور الأسرة إلا أفراد قلائل فى السنوات التى تلت ذلك ، وفى النهاية تحولت الأسرة لمجرد طائفة معزولة ليس فحسب عن جمهور الحى بل عن جمهور المركز الذى تعمل به ، ويرجع السبب فى ذلك للسلوكيات المنفلتة وغير المسئولة لبعض أعضاءها والمتطفلين على نشاطها الذين لم يتفهموا الواقع الذي يعملون فيه ،ولم يحترموا عاداته وتقاليده وقيمه ، تلك السلوكيات التى جعلت جمهور المركز ينفر منهم و كرست عدم قدرتهم على جذب هذا الجمهور لنشاطهم ، وسهلت تصديق الدعاية المضادة لهم من عناصر الإدارة المعادية لهم بأنهم منحلين ودعاة انحلال ، مما سهل طرد الأسرة من المركز بعد ذلك لتتفكك حتى الروابط الإنسانية والاجتماعية بين من مروا بعضويتها ،والعامل الثانى الذى عجل بموت التجربة ،هو ازدهار الطموحات الفردية على حساب نشاط الأسرة كعمل جماعى . فتفرق الأعضاء السابقين بالأسرة لعدة سبل ، التحول لفنانين محترفين هذا للموهوبين منهم أو متوهمى الموهبة فى أنفسهم ، أو منكبين على الحياة العادية بعد أن طلقوا العمل العام والطموحات الفنية مكتفين بالذكريات ، أو الاستفادة من ما تعلموه من مهارات فنية فى الفن التشكيلى لعمل من أعمال التجارة فى التماثيل والمشغولات الفنية ، أو الاتجاه للعمل فى مؤسسات حقوق الإنسان كنوع من الوظيفة ذات الواجهة النضالية ، ولم يبق فى ساحة النضال السياسى المجرد عن الربح و أهواء الذات إلا بعض الأفراد القلائل للغاية منهم المؤسس عزت عبد العظيم ، وربما كان ذلك باعتباره نتاج لتجربة أخرى هى الحركة الطلابية فى الجامعة فى السبعينات ،التى كانت صراعا اجتماعيا حول قضايا الحرب والسلام وليست مجرد نشاط شبابى .
كان هذا النجاح الظاهرى فى البداية يخفى الثمار الخربة للتجربة التى أودت بها فى النهاية ، وهذا يمكن أن نفهمه حين نعرف أن الهدف من وراء مثل هذا النشاط هو نفس هدف الدعوة الإسلامية أو التبشير المسيحى ، هدفه تنمية الطائفة بضم المزيد من الأعضاء إليها بشتى وسائل الإقناع التى أهمها إطراء الذات الجماعية للطائفة ، والتشهير بالطوائف الأخرى ، ولأن هناك علاقة واضحة بين الغاية والوسيلة ، ولأن الطائفة الماركسية فى تلك التجربة تضم العديد من الطوائف الفرعية المتنافسة والمتصارعة ، فإن عملية تحويل أعضاء الأسرة لماركسيين وتجنيدهم فى المنظمات الماركسية المتصارعة أو ضمهم إلى الشلل المتنافسة داخل الأسرة ، ضمنت فى نفس الوقت إفسادهم وتخريبهم .
فإذا تصورنا إن هناك أفراد يتصارعون فيما بينهم لجذب مستهدفين لمنظماتهم أو شللهم أو داعمين ومناصرين لهم فى صراعاتهم على النفوذ ، وترجيح كفة وجهات نظرهم داخل جماعة ما ، فإن كسب أى من هؤلاء المستهدفين يتم عبر آليات التشهير و إطلاق الشائعات والأكاذيب على المتنافسين لتنفير المستهدفين منهم ، بدأ من الاتهام بالانحلال الأخلاقى إلى الانتهازية إلى المباحثية ، ومن ناحية ثانية تتم عمليات إطراء ذوات المستهدفين وتضخميها وإشباع دوافعهم النفسية المختلفة وذلك لجذبهم على نحو شخصى للفكرة أو للمنظمة أو للشلة أو الكتلة .
فدعوة هؤلاء المستهدفين للأفكار لا تتم وفق إشباع هم معرفى ذاتى للمستهدف مما يدفعه للتعمق فى المعرفة والبحث ،قد يحوله لمناضل أو لا يحوله ، وإنما يتم الاكتفاء بتلقين القشور من المعرفة وبما هو شائع لدى الناس عن الماركسية ،وبما يريد المستهدف أن يفهمه عن الماركسية لا الماركسية نفسها ليبرر له هذا الفهم المشوش سلوكه وتفكيره ، وقد لاحظت كما لاحظ غيرى أنه بالرغم من الضحالة المعرفية التى يتسم بها الكثيرين منهم فهم على استعداد دائم للإفتاء فى شتى القضايا من الفن للتاريخ ، ومن السياسة إلى الدين ، ومن العلم للأدب ، وما عليك إلا أن تصدقهم أو تتهم بالجهل ، و هم يعتمدون فى تكوينهم الثقافى أساسا على ثقافة السماع ، كلمة من هنا وكلمة من هناك حتى ولو لم يفهمونها على النحو الصحيح ، قد يسمعونها فى ندوة أو سهرة ، يتم التنوير بسماعهم لأغنية ثورية أو مشاهدتهم لمسرحية نقدية ، جلسة مقهى أو رحلة ، ذلك لأن الفن والأدب مناط اهتمامهم الرئيسى، ومصدر معرفتهم الجوهرى ،و طريقتهم فى فهم الواقع ،فالكثيرين تم تطويرهم عبر أغانى الشيخ إمام وليس عبر قراءة رأسالمال ، ومن الغريب أن يجدوا أنفسهم بهذه الرطانة المشوشة التى اكتسبوها وقد تميزوا عن العاديين فى معارفهم ، فيمتلئوا غرورا وادعاء ، وتنتفخ أوداجهم تعاليا حتى على أساتذتهم .
وتتفاقم المأساة إذا تمت العملية خلال نشاط فنى وأدبى للهواة ،إذ أن هذا النشاط هو البيئة المناسبة للتلاعب بالذوات إما بتضخميها بالإطراء والأوهام أو سحقها بالتسفيه والإهمال، وخصوصا حينما يكون عدد الصائدين قريبا من عدد السمك ، فيصبح كسب سمكة واحدة سببا لنشوب معركة شرسة بين الصائدين ، تكون ضحيتها السمكة نفسها التى مزقتها أيدى المتنافسين قبل أن يفوز بها أحدهم.
على هذه الخلفية يمكن أن نتعرف على الجو العام الذى كان سائدا فى الأسرة ، مناخ من المعارك والمؤامرات بين أعضاءها، عرقل نشاطها ونشاط أعضاءها، وكيف كان الكثير منهم يستنزفون أنفسهم ويستنزفون الآخرين فى المهاترات والتفاهات ، وكيف كان مجرد إخراج مسرحية أو الفوز فى مسابقة معلومات فى رحلة شبابية ، أو إلقاء قصيدة شعر أو خلاف فى قضية فنية أو أدبية ، مناسبة لمعركة بين الشلل المتنافسة فى الأسرة، وقد لاحظت هذا من أول لحظة مارست فيها النشاط بالأسرة ، وللأسف فقد تورطت فى مثل هذه الصغائر لأن هذه هى الطريقة المتبعة للصراع بين شتى الطوائف الفرعية الماركسية ، ومن الطريف أنى علمت بعد أكثر من ثلاثة و عشرين عاما وبطريق المصادفة البحتة أنى شخصيا كنت ضحية لعملية تشهير عبر إشاعة لا أساس لها من الصحة أثارت الضحك فى نفسى بدلا من الغضب العارم ،وذلك فحسب لأنها حكاية قديمة كان يمكن أن لا أعرفها ،كان هدف من بث الإشاعة إبعاد أحدى أكثر المناضلات والشخصيات احتراما و إخلاصا عن نشاط الأسرة لا غير ، ربما لأنها لم تكن تنتمى لنفس الطائفة الفرعية التى كان ينتمى لها.
والغريب أن التجربة التى مارستها فى مركز الشباب الآخر تم تدميرها بنفس الوسائل على نحو سريع للغاية بعد أن حققت نجاحا سريعا جدا، ذلك لأن الفاشلين من الناس والكسالى وعديمى الموهبة يفضلون جلسات النميمة واختلاق الحكايات والشائعات ، ويظلوا يلوكنها فى أفواههم تعويضا عن عجزهم عن الإنجاز والعمل ، و يفكرون و كأن العالم مبنى على المؤامرات الرخيصة وليس العمل الفعال ،أنهم يكتفون بالجلوس لنقد من ينجزون فعلا فى الواقع ،ضامنين أن أحدا لن ينتقدهم ،لأن من لا يعمل لا يخطىء.
نعم كسبت التجربة الكثير من الماركسيين للطائفة الماركسية فى مصر ، ولكنها لم تخلق مناضلين سواء كانوا ثوريين أو إصلاحيين ، و كانت هذه حدود نجاحها القصوى ، ذلك إنك لو أردت أن تخلق حركة اجتماعية حقيقية فلن يكون ذلك إلا عبر خوض صراع اجتماعى لتحقيق مطالب ما لجماعة من البشر ضد سلطة ما أو ضد جماعة أخرى من البشر، وفى خضم مثل هذا النوع من الصراعات فحسب يمكن أن يتواجد المناضلين الثوريين منهم أو الإصلاحيين ، أما إذا اردت خلق طائفة ما سواء كانت هذه الطائفة سياسية أو دينية ، وأردت تنميتها بالعضوية لتنمو نموا ذاتيا ، فعليك بآليات الدعوة الإسلامية أو التبشير المسيحى ، وذلك بأن تبدأ بنشاط ثقافى أو فنى أو خدمى يجعلك جذابا للمستهدف ضمهم للطائفة ، وتوطيد علاقتك الإنسانية بهم وإقناعهم بما تريد ،هناك أفراد سينضمون إليك من من سيستمعون إليك بعد إجراءات بناء الثقة والود التى اتبعتها ، وهناك قلة من الجمهور سيقتصرون على التعاطف معك دون التورط فى الانضمام إليك، والغالبية الساحقة ستستفيد من خدماتك ونشاطك دون أدنى أمل فى أن تعطيك أذنيها أو تتعاطف معك ، حيث أن تحقيق مصالحهم الشخصية والمباشرة هو ضالتهم التى يؤتوها حيث وجدت لديك أو لدى سواك ، وأيما كانت اللافتة التى ترفعها .
وعليك أن تفهم إن نجاحك فى ضم شخص لطائفتك أو كسب تعاطفه لا يعتمد على القناعة العقلية المجردة ،وإنما لابد من توافر العديد من الشروط الشخصية الخاصة بك والشروط الشخصية الخاصة بالمستهدف ضمه وإقناعه على حد سواء ، ومادامت تلك القناعة تقوم على الإيمان بأكثر مما تقوم على المعرفة ، فإشباع الدوافع النفسية العاطفية والغريزية لدى المستهدف تكون هى الخطوة الأهم فى تلك العملية ،وتصبح عوامل الاستلطاف الشخصى والجاذبية الشخصية ضرورية،إنك فى النهاية تبنى طائفة أوشلة أهم ما يربط بين أعضاءها الشخصانية فى العلاقة. وعليك أن تعرف أن من أعطوك آذانهم واتبعوك ،ما فعلوا ذلك إلا لدوافع مختلفة بعضها طيب ومجرد و بعضها شرير ومغرض ،بعضها إشباع لدوافع نفسية كالتميز والشهرة، وبعضها حل لمشاكل اجتماعية وشخصية ،ومن ثم فالعوامل الذاتية تكون الفيصل والحكم فى الاقتناع من عدمه.
كانت هذه هى فلسفة العمل الجماهيرى لليسار المصرى فى موجته الثالثة بعد انحصار الحركة الطلابية فى السبعينات ظنا منه أنه يمكن أن ينافس الجماعات الإسلامية بمساجدها التى تجاوزت الثمانين ألف ،أو منافسة الحزب الوطنى بكل مؤسسات الدولة ومراكز الشباب والجمعيات الأهلية ،وهو ما لم يكسب اليسار أى جماهيرية على الإطلاق برغم أن هذه الفترة قد شهدت حزبا يساريا علنيا هو حزب التجمع ،فاليسار المصرى مجرد طائفة محدودة الإمكانيات والقدرات ، ولن تتحول لحركة سياسية واجتماعية ذات ثقل إلا عبر خوضها غمار صراعات اجتماعية مطلبية فى مواجهة السلطة و رأسالمال ،فهنا وهنا فقط لا يمكنها فحسب المنافسة مع الجماعات الإسلامية أو الحزب الوطنى و إنما الانتصار المضمون عليهما.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية