الثلاثاء، 6 يناير 2009

أطفال لينين على صواب

أطفال لينين على صواب
سامح سعيد عبود

يطلق البعض على المنتمين للتيارات اللاسلطوية المتأثرة بالماركسية، أنهم أطفال لينين، لأنه سفه أسلافهم التاريخيين، و وصف شيوعيتهم اليسارية بأنها لعب أطفال ، ولكن التجربة التاريخية فى هذه الحالة، أثبتت أنه أحيانا ما يكون لعب الأطفال أكثر حكمة وصوابا من عمل الراشدين.
* فى مارس 1921، طالبت المعارضة العمالية بأن يكون الإنتاج والخدمات تحت إدارة النقابات العمالية ومجالس العمال، إلا أن لينين نعت الاقتراح بأنه "انحراف نقابي فوضوي واضح وجلي" وذلك في التقرير الذي قدّمه أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي البلشفي لروسيا ، وطرح فى مقابل هذا نموذج لدولة تتجاوز مهامها السيادية التقليدية إلى إدارة مجمل شئون المجتمع فى الإنتاج والخدمات، مأخوذا ومنبهرا فى ذلك بنموذج إدارة جهاز الدولة الألمانى لمرفق البريد، و أنتهى اقتراح لينين البالغ الذى أخذ فرصته فى التطبيق إلى أن يتحول كبار العاملين فى الجهاز البيروقراطى للدولة لطبقة منفصلة عن الطبقة العاملة مثقلة بالامتيازات، و محصنة من النقد، واتاحت لها سلطاتها الكلية القدرة، أن تفسد دون حسيب، و تخرب دون رقيب، وانتهى الأمر بها أن تدمر بنفسها دولتها، و أهدت بسهولة معظم ثروات الاتحاد السوفيتى التى بنيت بكم هائل من التضحيات عبر ثمانين عاما إلى حفنة من اللصوص، دون أن يبدى العمال أى دفاع عن ما يملكوه، وما شيدوه بالدم والعرق والحرمان، لأنهم فى الحقيقة لم يشعروا يوما أنهم مالكين لكل تلك الثروة، فقد كان تخطيط الدولة العقلانى لكل من الإنتاج والاستهلاك، يعنى تكديس السلاح وغزو الفضاء، و فى نفس الوقت حرمان الناس من احتياجاتهم الاستهلاكية البسيطة،..أما ما اقترحه الأطفال، ولم يجد الفرصة للتطبيق ، فكان يعنى ببساطة أن يتحرر العمال فعليا من عبودية العمل المأجور التى استمرت لدى الدولة كما كانت لدى الرأسماليين ، كما استمر انفصالهم عن وسائل الإنتاج، وعن ما ينتجوه كما كانوا فى الوضع الذى ثاروا عليه، كان الأخذ بكلام الأطفال ، سوف يعنى عدم اتاحة الفرصة للفساد و لتنامى الثروات من الاقتصاد السرى، طالما ظل بإيدي العمال أنفسهم إدارة ما يملكوه، وما كان يمكن أن يسلب منهم ما بنوه، بمثل هذه البساطة التى حدثت، فضلا عن أنهم فى النهاية كانوا سوف ينتجون ما يحتاجونه فعلا من احتياجات استعمالية، دون هدر للإمكانيات الموارد وجهودهم الهائلة فيما لا طائل من وراءه ، وبالتالى ما كان يمكن أن يفقد البشر فرصتهم التاريخية للتحرر من القهر والاستغلال، و التى قد لا تتكرر فى المدى المنظور، نتيجة هذا الفشل المروع، برغم ما يمثله الوضع الحالى من تهديدات لاستمرار البشر أنفسهم فى الوجود، وبرغم الأزمة التى تعترى الرأسمالية مؤخرا، بسبب عزوف الناس فى نفس الوقت عن سماع من يطرحون البديل عن هذا الوضع، والذين يقترحون تجاوز الرأسمالية فورا.
* شرحت "كولنتاى" مميزات ظاهرة انتشرت عفويا مثلها مثل ظاهرة المجالس العمالية فى بدايات الثورة، و هى تحول الأعمال المنزلية من طهو وغسل ملابس و رعاية أطفال و خلافه من أعمال تخص كل أسرة على حدى، و تلقى على عاتق المرأة وحدها، إلى أنشطة جماعية يشترك في انجازها العديد من الأسر والأفراد المتعاونين، و الذين ينتجون ويستهلكون ويعيشون سويا، ومدى انعكاس ذلك على تحرر المرأة من مشاق العمل المنزلى وسلبياته، إلا أن فكرة أن ينتج ويستهلك ويعيش الناس سويا فى جماعات يربط أفرادها نشاط اقتصادى و جيرة، تحمل من الإيجابيات ما هو أكثر من ذلك ما لا يتسع المجال لذكرها فى هذا المقال القصير، ولكن الظاهرة انتهت بسحق المعارضة العمالية، و قمع عفوية تحرير الناس لأنفسهم، وتنظيم حياتهم بإرادتهم، وتمت العودة مجددا إلى نموذج الأسرة التقليدية، و استمرار التناقض بين الإنتاج الجماعى والاستهلاك الفردى ، وهذا أدى لانتعاش الفردية واستمرار الأنانية فى الناس، وتنافسهم البغيض على المناصب والمغانم، بدلا من تضامنهم و تعاونهم سويا فى مواجهة الحياة، وهذا أدى لفساد بعضهم من الذين اتيحت لهم فرص الفساد.. كما أتاح الاستهلاك الفردى، انتعاش ثقافة الاستهلاك بين الأفراد، وكانت النتيجة أن وقع الكثير من الأفراد تحت تأثير الإعلانات الاستهلاكية وأوهام التطلعات الاستهلاكية فى الغرب الرأسمالى، مما ساعد على سهولة الانهيار ، الذى ما إن تم حتى تورط الألاف فى مافيا الاتجار فى البشر سواء كمجرمين أو ضحايا.
* تم بناء الاتحاد السوفيتى على انقاض الامبراطورية الروسية التى كانت تضم أكثر من 160 مجموعة أثنية وقومية، أكبرهم الروس الذين كانوا يشكلون حوالى نصف السكان، وبعض تلك المجموعات كان لا يتجاوز أفرادها بضع آلاف، وكانت رؤى الأطفال الذين عبرت عنهم روزا لوكسمبرج أن تنتظم الأجهزة السياسية والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بشكل منفصل عن انتماءات الأفراد الأثنية والقومية مع تمتع هؤلاء كأفراد فى نفس الوقت بحقوق إنسانية متساوية ، والذين يمكن لهم كجماعات الحفاظ على تراثهم الأثنى والقومى من خلال أنشطة ثقافية وتعليمية لا غير .. ولكن البالغين بقيادة لينين قرروا أن يمنحوا تلك المجموعات كيانات سياسية وإدارية داخل الدولة فى شكل جمهوريات اتحادية وجمهوريات و أقاليم ذوات حكم ذاتى داخل الجمهوريات الاتحادية ..مكرسين هيمنة الجمهورية الروسية داخل الاتحاد على الجمهوريات الأخرى، ومن ثم استمر وضع الامبراطورية الروسية مع تغير فى الشكل، مما أعطى الفرصة لتنامى النزاعات القومية و الانفصالية بين شعوب الاتحاد، وكان نتيجة تبنى الفكر القومى والطائفى وعدم اجتزازه ، أن تفكك الاتحاد السوفيتى وتشيكوسلوفاكيا ويوجوسلافيا لكيانات قزمية بسهولة غير عادية، لا بد وأن تستمر تبعيتها للكيانات الأكبر رغم الاستقلال المزعوم ، فكثير من تلك الكيانات لا تتجاوز سكانا ومساحة المدينة التى أسكنها.. فى حين لو تم تبنى أفكار الأطفال ما كان يمكن لهذا الانهيار أن يحدث ، فثمانين عاما من العيش والعمل معا بين الأفراد دون اعتبار للاختلافات العرقية والثقافية والقومية بينهم كانت كفيلة بصهر تلك الجماعات القومية والأثنية معا مثلما أنصهر المهاجرين الآتين من شتى بقاع العام فى دول المهجر فى العالم الجديد، برغم كل اختلافاتهم التى لا تعيرها دول المهجر اهتماما كما لا تلتفت إليها المؤسسات الاقتصادية ، وتظل الظاهرة القومية متجسدة ومحصورة فى أنشطة ثقافية واجتماعية تمارسها مؤسسات المجتمع المدنى للجماعات القومية والأثنية المختلفة.
لم أهدف من هذا المقال البكاء على اللبن المسكوب ، وممارسة العادة البغيضة فى اجترار الماضى، بل أهدف لطرح رؤية مستقبلية لتجاوز الرأسمالية والوضع الحالى..لا تخشى الابتزاز باسم الواقعية ، و لا الاتهام بالتطرف والصبيانية.
http://fasail.blogspot.com
http://www.ahewar.org/m.asp?i=12

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية