الأحد، 27 يوليو 2008

حوار الأنباء الثقافية العالمية مع سامح سعيد عبود

حوار الأنباء الثقافية العالمية مع سامح سعيد عبود
** فى البداية وطالما أن الحوار بصدد الحديث عن اليسار أن نحدد ما هو اليسار؟
لكى ندرك مدى يسارية خطاب سياسى أو يمينيته أو وسطيته، فأن تقييم ذلك يتم عبر ثلاث معايير
أولا:ـ معرفة مدى تبنى الخطاب السياسى لتحقيق حرية الفرد من حيث كونه فرد فكلما زادت درجة الحرية الفردية التى يتبناها الخطاب السياسى، كلما اقترب الخطاب السياسى من أقصى قطب اليسار، والعكس كلما قيد الخطاب السياسى هذه الحرية كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين، وليس المقصود بالحرية الفردية هى تلك الحدود من الحرية التى يتبناها الليبراليين البرجوازيين وتضعهم فى خانة الوسط، وإنما المقصود بالحرية تحرر الفرد من كل أشكال الاغتراب والتشيوء والتسلط المنفصل عنه والمتعالى عليه، كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار .
ثانيا:ـ مقدار المساواة الفعلية بين هؤلاء الأفراد من حيث كونهم أفراد فكلما كان الخطاب أكثر تحقيقا للمساواة بين البشر من حيث كونهم بشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليسار والعكس كلما كان الخطاب أقل تحقيقا للمساواة بين البشر كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين، وليس المقصود بالمساواة هو ما يقتصر عليها الليبراليين البرجوازيين ويضعهم فى خانة الوسط من مساواة قانونية وشكلية بين المواطنين تسمح لبعضهم بقهر واستغلال بعضهم وإنما المطلوب مساواتهم الفعلية فى تمتعهم بالحرية الفعلية وتحملهم للمسئولية الاجتماعية الأمر الذى لا يتحقق إلا بسيطرتهم الجماعية على قدم المساواة على كل مصادر السلطة المادية من ثروة وعنف ومعرفة، كما يتبنى ذلك اللاسلطويون وهو ما يضعهم فى قطب أقصى اليسار.
ثالثا:ـ كلما كانت العلاقات الاجتماعية التى يتبناها الخطاب السياسى أكثر تحقيقا لدرجة أعلى من التقدم الاجتماعى كلما اقترب الخطاب السياسى أكثر من قطب أقصى اليسار ،والعكس كلما كانت العلاقات الاجتماعية أقل تحقيقا لدرجة أكثر من التقدم الاجتماعى كلما اقترب أكثر من قطب أقصى اليمين .
بناء على تطبيق المعايير سالفة الذكر، فسيتضح لدينا أن ما كنا نظنه يسارا ما هو فى حقيقته إلا يمين مغلف برطانة يسارية، و العكس صحيح فما كنا نظنه يمينا قد يكون أقرب لليسارية .
**في رأيك لماذا يوجد هناك انقسام دائم بين فرق اليسار وهل هذا الانقسام له مبرراته الايديولوجيه أم انه انقسام حول خلافات ذاتية متعلقة بمعارك حول المناصب والمهام وهل يرجع ذلك لعدم وجود ديمقراطية وسط اليساريين أنفسهم ؟
لا أدرى لماذا كل هذا الحديث الممل عن انقسام فرق اليسار، وهى ظاهرة إنسانية عالمية لا تختص بها فحسب الحركات اليسارية بل كل الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية، فهناك تنوع فى منظمات اليسار التقليدى والراديكالى والإصلاحى و هناك تشرذم لمئات المنظمات أحيانا ما بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة وهامشية وسواء أكانت جماهيرية أم نخبوية ، فى بلاد تتميز بقوة كافة الحركات اليسارية بكل تنوعاتها كفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها، لكن العقلية الفاشية المتأصلة في مجتمعاتنا التى ترى فى الرأى الواحد والزعيم الواحد وانسحاق الفرد فى الجماعة الواحدة شروطا للقوة والنجاح، هى التى تعطي لهذه الظاهرة وزنا كبيرا من الاهتمام، كما لو كانت السبب الجوهرى فى ضعف اليسار فى بلادنا مبتعدة بذلك عن التفسير الصحيح لهذا الضعف، وهو ابتعاد هذا اليسار عن الصراعات الاجتماعية وعدم نجاحه فى الارتباط الجذرى بالطبقة العاملة المصرية، ومن ثم تأخذ ظاهرة الانقسام طابعها المأساوى فى بلادنا فحسب نظرا لهذا الضعف، فمن ينقسمون هنا ليسوا كمن ينقسمون هناك، فهم هنا ليسوا قوى سياسية مرتبطة بقواعد اجتماعية، و لا هم ينقسمون غالبا حول قضايا اجتماعية ملموسة وملحة، بل هم مجرد طوائف وشلل هامشية من المتعلمين تعليما حديثا والمعزولين عن التيارات الاجتماعية الفعلية فى الواقع، ولا شك أن العقلية والممارسة الدينية لدى اليساريين المتمثلة فى تقديس النصوص اليسارية وتقديس الأشخاص والرموز اليسارية، لعبت دورا فى حدوث انقسامات كوميدية فيما بينهم، وهناك طبعا انقسامات بسبب الخلافات الشخصية وانقسامات فجرتها الطموحات الذاتية والأمراض السلوكية والنفسية لبعض القادة والكوادر اليسارية، و لاشك عندى أن طبيعة العقلية والممارسة الفاشية السائدة فى أوساط اليساريين و التى لا تقبل ولا ترضى بالتنوع والتعدد فى الأفكار والرؤى حتى فى الجزئيات و الفرعيات هى سبب جوهرى من أسباب الانقسام المزمن لديهم.
** هل لليساريين دور في الشارع المصري الآن وكيف يتبدى هذا الدور ؟
طالما وجد اضطهاد وقهر واستغلال وتخلف فلابد أن يكون لليسار دورا بالانخراط فى الصراعات الاجتماعية إلى جانب المضطهدين و المقهورين والمستغلين ومن أجل التقدم الاجتماعى، واليسار لا يلعب الآن دوره الطبيعى لأسباب تتعلق بأزمته الذاتية الفكرية والتنظيمية، وأسباب أخرى تتعلق بالمزاج العام المحافظ السائد فى المجتمع، وسيادة الفردية والسلبية والقيم الاستهلاكية والغيبية، و جمود الصراعات الاجتماعية وقمعها، وعدم وجود حركات اجتماعية عمالية وغير عمالية يستند عليها اليسار فى حركته، ومن ثم سيظل اليسار محتفظا بطابعه النخبوى والهامشى، وذلك للضعف الشديد فى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، ولكونه يوجد فى مجتمع يشهد تدهورا وانحطاطا لا مثيل له منذ عدة عقود على كل الأصعدة، لا ترصده النخب فحسب بل حتى العامة من الناس، واليسار باعتباره قوة تقدم لا ينمو فى عصور الانحطاط والتدهور التى تنمو فيها الفاشية .
**يتردد أن اليساريين منعزلون عن المعارك الصغيرة بمعاركهم الخاصة ما رأيك ؟
الصحيح أنه برغم من الصعوبات الواقعية فى خوض معارك الصراع الاجتماعية، التى لا ننكرها، إلا أن اليسار عموما يهدر معظم طاقته فى معارك تافهة يستنزف بها جل طاقة كوادره وأعضائه، ويبدو أن غالبيتهم أصبحوا يفضلون جلسات النميمة و تبادل التشهير والسباب والثرثرة الفارغة والسفسطة النظرية والمهاترات التى لا معنى لها كونها رخيصة لا تتطلب منهم إلا طق الحنك، و من ثم لا يسعون جديا لخوض غمار معارك اجتماعية حقيقية يغيرون بها الواقع، و حتى دورهم كمثقفين لا يؤدوه كما ينبغى فهم فى غالبيتهم لا يقرأون جيدا ولا ينتجون إنتاجا فكريا وثقافيا يتناسب وقدراتهم الفعلية أو المفترضة سواء أكان ذلك كما أو نوعا .
**إلى أي مدى سوف تظل الحركة اليسارية في سبات عميق؟
عندما يتخلص اليسار من أزمته الفكرية، و يصوغ خطابا يساريا مختلفا فعلا عما أعتاد إعلانه سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا، وعندما تتصاعد حدة الصراعات الاجتماعية شرط ارتباطه بها سيفيق اليسار من سباته العميق.
** إلا تلاحظ عدم قدرة اليساريين في التأثير في المجتمع المصري بكل طوائفه؟
هم بلا شك يؤثرون وإن كان تأثيرا ضعيفا جدا ، ومحصورا فى بعض النخب المهتمة فأنت لن تجبر الناس فى الأوقات العادية أن يهتموا بالقضايا العامة ولن تخوض صراعاتهم بدلا منهم وتتبنى قضاياهم وتدافع عن مصالحهم بالنيابة عنهم، فضلا عن أن المزاج العام المحافظ والرجعى السائد يضع حاجزا يحول دون انتشار الخطاب اليسارى فى المجتمع .
**الكثير من المثقفين يعتبرون أن اليسار يلعب خارج الخط نظرا لوجود لاعب أساسي هو التجمع الذي شوه التجربة والحركة اليسارية 0ما رأيك ؟
أنه وفق المعايير التى تم تحديدها فى إجابة السؤال الأول فإن التجمع ليس حزبا يساريا بل هو حزبا شعبويا أقرب ما يكون للوسط ومن ثم فهو لا يعبر عن رؤى معظم اليساريين، ومن ثم فهو عاجز أن ينظم نضالاتهم المشتركة إلا أن هذا ليس سببا فى هامشية هؤلاء اليساريين و أزمتهم، فالتجمعين لن يمنعوا أحدا من العمل والنضال إلا أن من حقهم أن يمنعوا كل من لا يتفق معهم فى الرؤى من أن يستغل إمكانياتهم الذاتية المتاحة لهم لتحقيق أهدافه المتناقضة مع رؤيتهم التجمعية، وهو ما حاولته قوى كثيرة من خلال دخولها التجمع وفشلت فى تحقيق أهدافها من دخوله، لأنها لم تعرف طبيعته وتركيبته.
** هل يجوز الجمع بين الشامي والمغربي وبينهم ما صنع الحداد ما رأيك في أطروحة الجبهة مع التيارات السياسية المختلفة ( إخوان مسلمين – ناصريين – وغيرهم )؟
وفق المعايير التى تم تحديدها سابقا فإن تأمل الخطاب السياسى لكل من جماعات الإسلام السياسى معتدلين أو متطرفين، والماركسيين القوميين بفرقهم الستالينية و الماوية ومن لف لفها و القوميين من أنصار العروبة أو الفرعونية، و التجمعيين، وأنصار الوطنية الليبرالية المحافظة كالوفديين، باعتبارهم جميعا حاملى أيديولوجيات البرجوازية المحلية، سيجد أن خطاباتهم السياسية فى حقيقتها تركيبات معقدة وغير متجانسة و لا متسقة مما يصعب عملية تصنفيها، إلا أنها فى التحليل الأخير أقرب ما تكون فى كثير من عناصرها لليمين الفاشى وشبه الفاشى و الشعبوى ، ومن ثم فأنهم يجدون انسجاما فيما بينهم رغم العديد من الخلافات فيما بينهم مما يجعلهم ينادون دائما بالجبهة فيما بينهم جميعا أحيانا، وباستثناء بعضهم أحيانا، وفى اعتبارى أنه ليس فى الأمر جمعا بين الشامى و المغربى إلا ظاهريا فحسب حيث يجمعهم جذر اجتماعى مشترك و هو الدفاع عن مصالح فئات البرجوازية القومية و البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الصغيرة، وما تهدف إليه هذه الفئات من خلق الدولة القوية التى تلبى وتدافع عن مصالحهم، فى مواجهة كل من التخلف والرأسمالية العالمية.
أما اليسار اللاسلطوى والعمالى فهو يجد أقرب القوى السياسية إليه تتمثل فى الماركسيين غير الستالينيين و الاجتماعيين الديمقراطيين و الليبراليين الاجتماعيين بصرف النظر عن رؤيته لضرورة جود جبهة فيما بينهم، سواء أكانت تكتيكية أم استراتيجية من عدمه.
**هل القضية الوطنية أصبحت محور عمل اليسار في الشارع ؟
القضية الوطنية و لاحقا القومية هى محور عمل اليسار التقليدى القومى البرجوازى واهتمامه منذ موجته الثانية فى الأربعينات وحتى الآن، وهذا سر من أسرار ضعفه وعدم تجذره فى أوساط البروليتاريا، كما أن هذه المحورية التى اكسبها هذا اليسار للقضية الوطنية المصرية تصبح عند استقرار القضية الوطنية المصرية كما هو الحال الآن، قومية عربية فى مواجهة الصهيونية والإمبريالية، و عالمثالثية فى مواجهة عالمى التقدم، و جنوبية فى مواجهة الشمال، وطرفية فى مواجهة المركز، وهذه المحورية تثبت زيف يساريته، وتكرس عزلته الاجتماعية بعيدا عن الصراع الطبقى باعتباره الصراع الاجتماعى الجوهرى، و الذى يتم طمسه وتشويهه بصراعات الهوية القومية والثقافية وغيرها التى تعبر عن مصالح برجوازية وبيروقراطية محلية فى مواجهة برجوازيات أخرى لا مصالح البروليتاريا.
** أين الطبقة العاملة من برنامج اليسار ؟
ضعيفة التواجد سواء على ساحة الاهتمام بالتواصل معها على مستوى الممارسة، أو التعبير عن مصالحها وقضاياها الفعلية، وهى ليست ممثلة بقوة وفعالية فى تنظيمات ومجموعات اليسار المختلفة الموجودة بالساحة الآن.
**هل مواقع الانترنت أو الجمعيات الثقافية والاجتماعية هي جسر الوصول للطبقات الفقيرة أم هي فذلكة مثقفين ؟
هى وسائل جيدة ومطلوبة وضرورية لنشر الأفكار والتنسيق بين المناضلين والتواصل فيما بينهم، ولكنها بالطبع ليست كافية وحدها فى مجتمعات فقيرة تنتشر فيها الأمية بشتى أنواعها، لكن لاحظ أن الانترنت فى سبيلها لتصبح الوسيلة الإعلامية و الثقافية الأكثر ديمقراطية وشعبية وانتشارا خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك مع تحقق بعض التطور التكنولوجى، والمزيد من تعريبها وتسهيل التعامل معها، وهى وليست وسيلة للمثقفين الآن فحسب بل لقطاعات واسعة من الجماهير أيضا حتى ولو استخدمتها غالبية تلك الجماهير فى الكلام الفارغ، فهم يمكن أن ينجذبوا لما هو أكثر جدية، مثلها مثل الوسائل المطبوعة سواء بسواء.
**بعد 83 عاما من النضال الشيوعي هل آن الأوان لصياغة نظرية جديدة لفكر شيوعي مصري خالص أم أن حالة الاستغراب والرحيل داخل دائرة الغرب أبعدت المثقف الماركسي عن جذوره المصرية ؟
الشيوعية أيديولوجية إنسانية تستند على تحقيق مصالح البروليتاريا باعتبارها طبقة عالمية، فى مواجهة البرجوازية باعتبارها أيضا طبقة عالمية، وهى أيديولوجية أممية بطبيعتها لا علاقة لها بالخصوصية أو الهوية الجماعية القائمة على القومية واللغة والثقافة والدين والطائفة والجنس والعرق واللون، والشيوعية لا علاقة لها بعقليات القطيع القبلية والعنصرية السائدة فى أوساط اليسار التقليدى، لاحظ أن الثورية الحقيقية لا تكمن إطلاقا فى تذيل تخلف الغالبية وجهلها وعنصريتها، بل إجلاء الطابع الإنسانى والتقدمى الكامن فيها، بطرحه بقوة وإصرار كبديل يحقق مصالحها الحقيقية لا ما توهمها به البرجوازية من مصالح.
أن البديل الوحيد المقبول هو الطرح الثورى لأممية إنسانية جديدة كمفهوم مناقض للهيمنة الرأسمالية العالمية، والذى يستوعب كل البشر بصفتهم البشرية وفقط فى حضارة عالمية جديدة أكثر عقلانية وحرية وعدالة اجتماعية وكفاءة اقتصادية، والتى تكفل لهم كل الحقوق الإنسانية باعتبارهم بشر بصرف النظر عن كل ما يميز بعضهم عن غيرهم من البشر. فقد آن الأوان أن يدفن البشر الدولة القومية والدينية كما دفنوا فيما مضى وكشرط لبنائهم حضارات أكثر تقدما العشائرية والقبلية والطائفية والإقليمية.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية