النظريات الماركسية ليست كقوانين نيوتن
النظريات الماركسية ليست كقوانين نيوتن
سامح سعيد عبود
ربما تكون النظريات الماركسية هى الأكثر اقترابا من الحقيقة الاجتماعية من بين الكثير من النظريات الاجتماعية، لكنها لن تبلغ هى أو سواها ، ما اقتربت به قوانين نيوتن الشهيرة فى الفيزياء من حقائق الحركة الميكانيكية، و برغم أن لهذه القوانين حتميتها ويقينيتها و دقتها عند مستوى السرعات البطيئة للأجسام، إلا إنها تفقد الحتمية واليقينية والدقة عند حركة الأجسام بسرعات تقترب من سرعة الضوء. التى تفسرها نظرية النسبية العامة والخاصة.
وبناء على ذلك فإن التعامل مع قوانين التطور الاجتماعى الماركسية كما لو كانت قوانين نيوتن هو من قبيل تحويل الماركسية لدين يقوم على الإيمان وعدم قابليته للدحض، أكثر مما يقوم على المعرفة وقابليته للدحض كما ينبغى لكل علم أن يكون.
الحقيقة أنه لا توجد علاقة مؤكدة وحتمية ودقيقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، والدليل على ذلك هو أن علاقات عبودية وشبه عبودية مازالت قائمة فى شتى بقاع العالم حتى الآن برغم التطور المذهل فى قوى الإنتاج، حيث تسجل منظمة مكافحة العبودية أن هناك أكثر من 30 مليون عبد فى العالم، يتركزون فى بعض بلاد الجنوب، ورغم أن القوانين والمواثيق الدولية تجرم العمل الجبرى والمجانى، فإنه ظاهرة واسعة الانتشار عبر العالم سواء فى مركزه المتقدم أو فى أطرافه المتخلفة، وهو ما تسجله الكثير من المنظمات الدولية بما فيها منظمة العمل الدولية، وأن بلدا مثل الولايات المتحدة لم تقض على العبودية حتى أواخر القرن التاسع عشر ، فى زراعة القطن و التبغ بولايات الجنوب والتى كانت تستخدم أرقى ما عرفته البشرية من وسائل إنتاج زراعية ، لا تختلف عن ما كانت تستخدمه المزارع الرأسمالية أو التعاونية فى ذلك الوقت.
الغريب أنه بالرغم من أن ما تم ذكره حقيقة شائعة، فقد تبنى ومازال يتبنى الملايين من البشر ذلك الربط الحتمى بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، كما لو كان أحد قوانين نيوتن ، ويبررون بناء على ذلك الإيمان الغيبى، فشل الثورات العمالية فى الأجزاء الأكثر تخلفا فى العالم، وتبنيهم الرؤية الإصلاحية والليبرالية بناء على ذلك ، و استبعادهم لإمكانية تجاوز الرأسمالية الآن، وهو ما استبعده أنا أيضا باعتباره احتمال ضعيف، لا على سبيل اليقين، وهو استبعاد ليس لهذا السبب تحديدا،بل نظرا للضعف المزرى للقوى الاجتماعية القادرة على انجاز هذا التجاوز، وفى نفس الوقت المستوى الهائل من القوة والامكانيات التى تملكها القوى صاحبة المصلحة فى استمرار الوضع على ما هو عليه، فالأمر هو أمر توازنات قوى طبقية.
أن من يستبعدون طرح تجاوز الرأسمالية الآن بناء على مسألة تخلف قوى الإنتاج يتغافلون عمدا عن حقيقة موضوعية أخرى، هى أن البشرية وصلت إلى مستوى من التقدم العلمى والتكنولوجى، ما يتيح لها وفرة حقيقية تقضى على الندرة فى العالم، لو تم تنظيم الإنتاج لإشباع الاحتياجات الاستعمالية الفعلية للبشر، بدلا من استنزافهم فى صناعة السلاح وغيرها من الأنشطة الضارة بالبشر، ويتيح هذا التقدم الموقوف حصرا لرفاهية النخب الحاكمة، القضاء على انقسام البشر لمن يعملون معظم ساعات اليوم وطوال عمرهم، وبين من لا يعملون أو يعملون أعمال تافهة يمكن الاستغناء عنها، ولكن ما يخلق الندرة و البطالة مقنعة وغير مقنعة، ومن ثم الجوع فى العالم هو أن الإنتاج من أجل التبادل والربح الرأسمالى يهدر تلك الإمكانية لصالح قلة تتركز فى يديها الثروة والسلطة.
وما ينفى العلاقة الحتمية بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج هو أن مصنع يعمل بنفس النوعية من الماكينات، وبنفس العدد من العاملين، يمكن أن يملكه شخص، يملك فى نفس الوقت العاملين فيه وهذه علاقة إنتاج عبودية ، أو أن يجبرهم على العمل لصالحه جبرا أو مجانا ، وهذه علاقة إنتاج إقطاعية، أو مقابل أجر فى علاقة تفاوضية بين الطرفين، وهذه علاقة إنتاج رأسمالية، كما يمكن لهذا المصنع أن تملكه الدولة وتقوم بتشغيل العاملين فيه مقابل أجر وفق علاقة إذعان، يخضعون فيها لشروط العمل التى تحددها الدولة، وهذه علاقة إنتاج بيروقراطية، كما يمكن أن يملك هذا المصنع العاملين فيه، وأن يديروه لصالحهم وهذه علاقة إنتاج تعاونية. ويمكن أن يملك المجتمع المصنع وأن يديره العاملون فيه لصالح المجتمع، و هذه علاقة إنتاج اشتراكية، وكل هذا وارد الحدوث ليس فقط على مستوى صناعة السلع بل وفى الزراعة وتقديم الخدمات، الفرق الوحيد بين هذه الحالات سوف يكون فى مستوى إنتاجية هذا المنشئات، حيث سوف تتناسب طرديا مع درجة الحرية لدى العاملين بالمنشأة، فتزداد كلما زادت درجة الحرية، و تقل كلما قلت درجة الحرية. وهذا قانون أكثر حتمية ويقينية ودقة من قانون الربط الميكانيكى بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، وهو ما يمكن التأكد منه بالتجربة والممارسة وليس فقط من الاستنتاج النظرى، الذى اكتفى بتبنيه البعض.
ذلك أن المجتمعات البشرية وعبر تطورها وبرغم وجود نفس المستوى من وسائل الإنتاج، عرفت العديد من علاقات الإنتاج المتجاورة، قد يكون بعضها سائد ومتحكم فى غيره من العلاقات ، وبعضها هامشى ومحكوم بغيره من العلاقات، وهذه العلاقات الإنتاجية المتجاورة، تكتسب وضع السيادة أو وضع الهامشية، بسبب عدة عوامل متفاعلة فى البنية الاجتماعية بمجملها، لا عامل مستوى وسائل الإنتاج فقط كما تتمسك بذلك الرؤى الماركسية الأحادية الجانب.فقد توزعت قوى العمل فى كل مجتمع طبقى عرفه التاريخ المكتوب بين العبيد والأقنان والعمال المأجورين والمنتجين الأحرار، كما كان القطب المواجه لهم يتوزع هو أيضا بين ملاك عبيد واقطاعيين و رأسماليين وبيروقراطيين ، والفرق كان يكمن فى النسبة التى يمتلها كل منهما فى المجتمع ، ومدى أهميته وموقعه من التحكم والهامشية.
فوفقا للتطور الاجتماعى الحالى يمكن لنا أن نلاحظ وجود أنماط إنتاج متعددة ومتجاورة ، بيروقراطية ورأسمالية وسلعية بسيطة و عائلية وفردية وتعاونية، فضلا عن أنماط العمل الجبرى الشائعة فى الاقتصاد السرى، وهذا يقسم المجتمع لطبقات وشرائح اجتماعية عديدة لكل منها رؤاها ومصالحها، ويفاقم من هذا التنوع إنقسام الاقتصاد إلى رمزى وحقيقى من ناحية ، و إلى رسمى وسرى من ناحية أخرى، ومن ثم فإن النظرة التبسيطية التى تقسم المجتمع لبرجوازية وبروليتاريا فقط تتغافل عن التنوع المذهل فى تركيب المجتمع الطبقى. و هى نظرة ناتجة عن رؤية التاريخ باعتباره انتقال من نمط إنتاج معين لنمط إنتاج آخر، بسبب التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وليس باعتباره تحول نمط إنتاج من السيادة إلى الهامشية أو العكس، أو نشوء نمط إنتاج أو فناءه فى لحظة تاريخية معينة.
http://www.ahewar.org/m.asp?i=12
سامح سعيد عبود
ربما تكون النظريات الماركسية هى الأكثر اقترابا من الحقيقة الاجتماعية من بين الكثير من النظريات الاجتماعية، لكنها لن تبلغ هى أو سواها ، ما اقتربت به قوانين نيوتن الشهيرة فى الفيزياء من حقائق الحركة الميكانيكية، و برغم أن لهذه القوانين حتميتها ويقينيتها و دقتها عند مستوى السرعات البطيئة للأجسام، إلا إنها تفقد الحتمية واليقينية والدقة عند حركة الأجسام بسرعات تقترب من سرعة الضوء. التى تفسرها نظرية النسبية العامة والخاصة.
وبناء على ذلك فإن التعامل مع قوانين التطور الاجتماعى الماركسية كما لو كانت قوانين نيوتن هو من قبيل تحويل الماركسية لدين يقوم على الإيمان وعدم قابليته للدحض، أكثر مما يقوم على المعرفة وقابليته للدحض كما ينبغى لكل علم أن يكون.
الحقيقة أنه لا توجد علاقة مؤكدة وحتمية ودقيقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، والدليل على ذلك هو أن علاقات عبودية وشبه عبودية مازالت قائمة فى شتى بقاع العالم حتى الآن برغم التطور المذهل فى قوى الإنتاج، حيث تسجل منظمة مكافحة العبودية أن هناك أكثر من 30 مليون عبد فى العالم، يتركزون فى بعض بلاد الجنوب، ورغم أن القوانين والمواثيق الدولية تجرم العمل الجبرى والمجانى، فإنه ظاهرة واسعة الانتشار عبر العالم سواء فى مركزه المتقدم أو فى أطرافه المتخلفة، وهو ما تسجله الكثير من المنظمات الدولية بما فيها منظمة العمل الدولية، وأن بلدا مثل الولايات المتحدة لم تقض على العبودية حتى أواخر القرن التاسع عشر ، فى زراعة القطن و التبغ بولايات الجنوب والتى كانت تستخدم أرقى ما عرفته البشرية من وسائل إنتاج زراعية ، لا تختلف عن ما كانت تستخدمه المزارع الرأسمالية أو التعاونية فى ذلك الوقت.
الغريب أنه بالرغم من أن ما تم ذكره حقيقة شائعة، فقد تبنى ومازال يتبنى الملايين من البشر ذلك الربط الحتمى بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، كما لو كان أحد قوانين نيوتن ، ويبررون بناء على ذلك الإيمان الغيبى، فشل الثورات العمالية فى الأجزاء الأكثر تخلفا فى العالم، وتبنيهم الرؤية الإصلاحية والليبرالية بناء على ذلك ، و استبعادهم لإمكانية تجاوز الرأسمالية الآن، وهو ما استبعده أنا أيضا باعتباره احتمال ضعيف، لا على سبيل اليقين، وهو استبعاد ليس لهذا السبب تحديدا،بل نظرا للضعف المزرى للقوى الاجتماعية القادرة على انجاز هذا التجاوز، وفى نفس الوقت المستوى الهائل من القوة والامكانيات التى تملكها القوى صاحبة المصلحة فى استمرار الوضع على ما هو عليه، فالأمر هو أمر توازنات قوى طبقية.
أن من يستبعدون طرح تجاوز الرأسمالية الآن بناء على مسألة تخلف قوى الإنتاج يتغافلون عمدا عن حقيقة موضوعية أخرى، هى أن البشرية وصلت إلى مستوى من التقدم العلمى والتكنولوجى، ما يتيح لها وفرة حقيقية تقضى على الندرة فى العالم، لو تم تنظيم الإنتاج لإشباع الاحتياجات الاستعمالية الفعلية للبشر، بدلا من استنزافهم فى صناعة السلاح وغيرها من الأنشطة الضارة بالبشر، ويتيح هذا التقدم الموقوف حصرا لرفاهية النخب الحاكمة، القضاء على انقسام البشر لمن يعملون معظم ساعات اليوم وطوال عمرهم، وبين من لا يعملون أو يعملون أعمال تافهة يمكن الاستغناء عنها، ولكن ما يخلق الندرة و البطالة مقنعة وغير مقنعة، ومن ثم الجوع فى العالم هو أن الإنتاج من أجل التبادل والربح الرأسمالى يهدر تلك الإمكانية لصالح قلة تتركز فى يديها الثروة والسلطة.
وما ينفى العلاقة الحتمية بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج هو أن مصنع يعمل بنفس النوعية من الماكينات، وبنفس العدد من العاملين، يمكن أن يملكه شخص، يملك فى نفس الوقت العاملين فيه وهذه علاقة إنتاج عبودية ، أو أن يجبرهم على العمل لصالحه جبرا أو مجانا ، وهذه علاقة إنتاج إقطاعية، أو مقابل أجر فى علاقة تفاوضية بين الطرفين، وهذه علاقة إنتاج رأسمالية، كما يمكن لهذا المصنع أن تملكه الدولة وتقوم بتشغيل العاملين فيه مقابل أجر وفق علاقة إذعان، يخضعون فيها لشروط العمل التى تحددها الدولة، وهذه علاقة إنتاج بيروقراطية، كما يمكن أن يملك هذا المصنع العاملين فيه، وأن يديروه لصالحهم وهذه علاقة إنتاج تعاونية. ويمكن أن يملك المجتمع المصنع وأن يديره العاملون فيه لصالح المجتمع، و هذه علاقة إنتاج اشتراكية، وكل هذا وارد الحدوث ليس فقط على مستوى صناعة السلع بل وفى الزراعة وتقديم الخدمات، الفرق الوحيد بين هذه الحالات سوف يكون فى مستوى إنتاجية هذا المنشئات، حيث سوف تتناسب طرديا مع درجة الحرية لدى العاملين بالمنشأة، فتزداد كلما زادت درجة الحرية، و تقل كلما قلت درجة الحرية. وهذا قانون أكثر حتمية ويقينية ودقة من قانون الربط الميكانيكى بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، وهو ما يمكن التأكد منه بالتجربة والممارسة وليس فقط من الاستنتاج النظرى، الذى اكتفى بتبنيه البعض.
ذلك أن المجتمعات البشرية وعبر تطورها وبرغم وجود نفس المستوى من وسائل الإنتاج، عرفت العديد من علاقات الإنتاج المتجاورة، قد يكون بعضها سائد ومتحكم فى غيره من العلاقات ، وبعضها هامشى ومحكوم بغيره من العلاقات، وهذه العلاقات الإنتاجية المتجاورة، تكتسب وضع السيادة أو وضع الهامشية، بسبب عدة عوامل متفاعلة فى البنية الاجتماعية بمجملها، لا عامل مستوى وسائل الإنتاج فقط كما تتمسك بذلك الرؤى الماركسية الأحادية الجانب.فقد توزعت قوى العمل فى كل مجتمع طبقى عرفه التاريخ المكتوب بين العبيد والأقنان والعمال المأجورين والمنتجين الأحرار، كما كان القطب المواجه لهم يتوزع هو أيضا بين ملاك عبيد واقطاعيين و رأسماليين وبيروقراطيين ، والفرق كان يكمن فى النسبة التى يمتلها كل منهما فى المجتمع ، ومدى أهميته وموقعه من التحكم والهامشية.
فوفقا للتطور الاجتماعى الحالى يمكن لنا أن نلاحظ وجود أنماط إنتاج متعددة ومتجاورة ، بيروقراطية ورأسمالية وسلعية بسيطة و عائلية وفردية وتعاونية، فضلا عن أنماط العمل الجبرى الشائعة فى الاقتصاد السرى، وهذا يقسم المجتمع لطبقات وشرائح اجتماعية عديدة لكل منها رؤاها ومصالحها، ويفاقم من هذا التنوع إنقسام الاقتصاد إلى رمزى وحقيقى من ناحية ، و إلى رسمى وسرى من ناحية أخرى، ومن ثم فإن النظرة التبسيطية التى تقسم المجتمع لبرجوازية وبروليتاريا فقط تتغافل عن التنوع المذهل فى تركيب المجتمع الطبقى. و هى نظرة ناتجة عن رؤية التاريخ باعتباره انتقال من نمط إنتاج معين لنمط إنتاج آخر، بسبب التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وليس باعتباره تحول نمط إنتاج من السيادة إلى الهامشية أو العكس، أو نشوء نمط إنتاج أو فناءه فى لحظة تاريخية معينة.
http://www.ahewar.org/m.asp?i=12
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية