السبت، 7 مارس 2009

الهوية الجماعية هى ثقافة القطيع


الهوية الجماعية هى ثقافة القطيع
سامح سعيد عبود

عندما كنت طفلا، وتأثرا بكثير من أفراد العائلة صرت مشجعا لفريق كرة القدم نادى الزمالك ، وكان فى ذلك الوقت فى الستينات أحد أكبر فريقين لكرة القدم فى مصر ، وفى أواخر سنين المراهقة سألت نفسى،لماذا أشجع فريقا لا أشاركه اللعب، ومن ثم لا أشاركه انتصاراته وهزائمه؟ ولما لم أجد إجابة مقنعة ،عزفت عن التشجيع، ثم عزفت عن الاهتمام أصلا بالموضوع، وسألت أحد معارفى من مشجعى الزمالك، لماذ تصر على تشجيع الزمالك برغم تدهور مستواه، و لا تشجع الأهلى المحافظ على مركزه المتقدم، وكانت الإجابة إنه يحب الزمالك.
برغم من أن الغالبية الساحقة من المصريين متجانسة لغويا وثقافيا ودينيا وطائفيا وعرقيا على عكس معظم الشعوب فى العالم، فسكان الدلتا يسخرون من سكان الصعيد ، و سكان الصعيد يفخرون بصلابتهم فى حين ينعتون سكان الدلتا بالرخاوة، ثم تسرى القاعدة على أبناء المحافظات ، فيتحدثون عن بخل سكان دمياط، وكرم سكان الشرقية، وفى قلب المنوفية التى يسخر من أهلها باقى المصريين لانتهازيتهم، لاحظت نفس الظاهرة بين قريتين متجاورتين، حيث يتهم سكان واحدة منهما سكان الأخرى بالبخل ، فى حين يتهم سكان الأخرى سكان الأولى بالبلاهة، وهذا هو الحال عموما بين سائر المراكز داخل المحافظات، والقرى داخل هذه المراكز، و فى كل قرية سوف نجد نفس الحالة بين عائلات نفس القرية، برغم ما قد يربط بينهم من علاقات نسب أو قرابة وربما أصل مشترك، بل وتستمر الظاهرة لتشمل فروع نفس العائلة ، حتى نصل للأسر النووية لنفس العائلة التى نراها على نفس الحال من الفخر بالأسرة، وهجاء الأسر الأخري، وهناك بالطبع أحكاما عامة من هذا النوع، يطلقها المسلمون على المسيحيين، مثلما يطلق المسيحيون أحكاما عامة على المسلمين، وينطبق هذا على ما بين السنة والشيعة، وبالرغم من أن معظم المصريين سمر البشرة فإنك سوف تجد من بينهم من يكره سود البشرة، ويصفهم بالعبيد، ويقرن بين الجمال ولون الجلد.
يفسر الكثير من الكتاب بحسهم العنصرى والاستعلائى، الهوس الدينى الذى يجتاح المجتمع المصرى منذ أربعين عاما، على أنه نتيجة غزو الإسلام النجدى الوهابى الصحراوى، وتغلبه على الإسلام المصرى السمح الزراعى، متناسين إن مصر أول بلد ظهرت فيه جماعة الأخوان المسلمين عام 1928 التى خرجت من عباءتها كل جماعات الإسلام السياسى، كما أسست فيها فى عام 1906 جمعيات أنصار السنة المحمدية المنحازة لمدرسة أهل الحديث التى خرجت منها مذاهب المالكية والشافعية والحنبلية ، قبل الحقبة النفطية، وظهور الدولة السعودية نفسها، وإن ما يسمونه بالإسلام المصرى ما هو إلا نتيجة سيادة أخذت تنحصر لمذهب الإمام أبو حنيفة الخارج من مدرسة أهل الرأى، المعروف بتساهله فى العبادات والمظاهر الشكلية،وتشدده فى المعاملات، وهو تيار الغالبية على مدى التاريخ الإسلامى لأنه كان المذهب الرسمى للخلافتين العباسية والعثمانية، وإن ما يسمى بالإسلام النجدى ما هو إلا مذهب الإمام ابن حنبل المعروف بتشدده فى العبادات والمظاهر الشكلية،وتساهله فى المعاملات، وكان تاريخيا تيار الأقلية الضئيلة، حتى جاءته الفرصة لينتشر بالتحالف مع الدولة السعودية، وما حازته من نفوذ نتيجة حقبة النفط.إلا أن هذا لا ينفى دور المثقفين المصريين من أمثال العقاد وسيد قطب ومصطفى محمود و غيرهم و هم الأقوى تأثيرا من إبن باز وغيره ، فمن هو الذى زرع المعاهد الدينية فى كل قرى و أحياء مصر، وحول الأزهر من جامعة إسلامية لجامعة شاملة، وأنشأ إذاعة القرءان الكريم ودعم الجماعات الإسلامية فى مواجهة اليسار فى السبعينات ، و ابتدع الإعجاز العلمى للقرءان والسنة فى الإعلام والجامعات، أليست الدولة المصرية نفسها.
كل تلك الأحكام العامة التى تطلقها جماعات بشرية عن نفسها وعن الجماعات الأخرى، والتى تندرج تحت الفخر بقطيعنا ، وهجاء القطعان الأخرى، أو حتى العكس، هى تفكير بدائى ومتخلف وساذج، يردده العامة، كما يرسخ هذا التفكير فى أوساط العامة النخب المثقفة التى تنتج وتعيد إنتاج أفكار هؤلاء العامة ونشرها بينهم، والعامة بكل سوقيتهم ، والنخبة بكل تقعراتها التافهة، لا يستندون على العلم الذى ينفى بحزم فكرة الهوية الجماعية سواء أكانت قائمة على أساس من الدين أو المذهب أو المنطقة الجغرافية أو الثقافة أو العرق. فداخل نفس الأسرة النووية التى يشترك أفرادها فى الصفات الوراثية والبيئة والمستوى الاقتصادى، فإنه يمكن أن تجد تنويعات سلوكية وعقلية مختلفة ومتناقضة، من بخل وكرم، من شجاعة وجبن، من طيبة وشر ، كم يمكن أن تنجب الأسرة معاقا ذهنيا و أخا له عبقريا فى نفس الوقت وهكذا.
فلماذا إذن يفكر البشر على هذا النحو؟ الإجابة هى أن معظم البشر لا يفكرون بقدر ما يسلكون ويصدرون الأحكام ويتخذون القرارات بناء على ما تمت برمجتم به فى طفولتهم. فيسمح الأهل لأنفسهم بتلقين أطفالهم عقائدهم الدينية و أفكارهم والتعصب للقطيع الذى ينتمون إليه، وعندما ينضج الأطفال يصعب عليهم التفكير فيما تم تلقينهم إياه، ويرددونه أحيانا كالببغاوات، كما إن الكثيرين لا يستطيعون دفع ثمن هذا التفكير فى تلك المعتقدات والأفكار والأحكام العامة ، فماذا لو اكتشفوا عدم صحتها ، أنهم سوف يحرمون أنفسهم من دفء القطيع الذى ينتمون إليه إلى برودة العزلة، فتخيلوا أى نوع من العزلة الاجتماعية التى يعانيها إنسان، لمجرد أنه توقف عن الاهتمام بكرة القدم أو الهوس بالدين أو الجنس.
السبب الآخر إن الناس فى الغالب تحكم عواطفها فيما يتعلق بحب القطيع الذى تنتمى إليه، وكره القطعان الأخرى، وهى التى ليس لها من أسباب منطقية غالبا، ولكنها تندفع نحوها بلا تفكير، وأحيانا تخترع لها أسبابا تبررها، سواء لنفسها أو للآخرين، عندما يواجههم أحد بلماذا تحبون وتكرهون،لماذا تعتقدون فى هذا الشىء أو لا تعتقدون، وهذه هى المهمة القذرة لمثقفى الهوية فى التاريخ الذين يقدمون تلك الإجابات للعامة.
http://www.ahewar.org/m.asp?i=12

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية