الهوس الجنسى فى زمن الانحطاط
الهوس الجنسى فى زمن الانحطاط
سامح سعيد عبود
* الجنس احتياج طبيعى لدى البشر إلا أنه لا يمكن أن يكون فى قوة الاحتياج للطعام والهواء والشراب و الإخراج والنوم، والذى يعنى امتناع الإنسان عن إشباع أى احتياج منهم لفترة محدودة موته ، أما الجنس فلن يموت من لا يمارسه مهما طال زمن عدم ممارسته، وبسبب عدم ارتباط الممارسة الجنسية بحياة وموت الأفراد ، فقد سهل على مؤسسات السلطة بالمجتمع أن تضع القيود على الإشباع الجنسى لدى الأفراد، وهو ما اضفى على المتعة الجنسية أساطير لا حد لها مع زيادة الحرمان منها بواسطة السلطات الاجتماعية ، و الإلحاح عليها فى نفس الوقت من قبل منتجى الثقافة و الدين والفن والأدب مما خلق لدى غالبية الأفراد هوس بالجنس، ولا شك أن الهالة الأسطورية المحاطة بالجنس والمسببة للهوس به تختفى عند توفر فرص الإشباع واختفاء الإلحاح عليه فتستعيد الغريزة الجنسية طبيعتها لدى هؤلاء الأفراد.
* لأنى أتوقع أن الأسوء لم يأتى بعد، فلم أندهش حينما علمت بحادث الانتهاك الجنسى الجماعى الذى حدث بوسط القاهرة أول و ثانى أيام العيد، ذلك لأنى أرى أن المجتمع المصرى ينحدر إلى هاوية سحيقة من الانحطاط والانفلات الأمنى، فبفضل تلك النخبة المملوكية الحاكمة منذ ما يزيد عن نصف قرن ها قد رجعنا بقوة إلى عهود أسلافهم من المماليك ما قبل الحملة الفرنسية، حيث اتضح أن كل محاولات التحديث والنهضة التى تعثرت طوال قرنين من الزمان، لم تستطع سوى طلاء التخلف بسطح من التقدم، وأن الطلاء آخذ فى السقوط منذ زمن، و لا شك إن هذا الانحدار الذى امتد طويلا هو مسئولية هؤلاء الحكام بالدرجة الأولى طالما ظلوا يحتكرون أدوار البطولة و لا يتركون لغيرهم سوى أدوار الكومبارس ، برغم أنى لا أعفى بقية النخب من المسئولية كما لا اعفى جماهير العامة من المسئولية كذلك، ولكنى اتحدث عن المتهم الرئيسى لا المتهمين الثانويين، اتحدث عن المخرج لا الممثلين وعمال الإضاءة والديكور، ولعل أحد مظاهر هذا الانحطاط وهو ما أريد التركيز عليه فى هذا المقال هو الهوس الجنسى الذى يطول الغالبية من الناس فى بلادنا والذى هو صناعة مؤسسات اجتماعية حكومية و غير حكومية، لا طبيعة فى الأفراد الذين أصابهم السعار الجنسى بسبب ممارسات تلك النخب. بما فيهم هؤلاء الأفراد من ذكور الحرافيش الذين تنتهك أجسادهم و حريتهم وكرامتهم كل لحظة من قبل نخب المماليك والفتوات فلم يملكوا إلا انتهاك أجساد و كرامة وحرية أضعفهم من النساء. فمن صنع هؤلاء الوحوش، و من أبقى على نموهم النفسى والعقلى وتفكيرهم فى حدود الغرائز الحيوانية واشباعها عن أى طريق،من أصاب هؤلاء و أمثالهم بالعته لكى يعرضوا حياتهم للخطر وحريتهم للتقييد لمجرد متعة لن تتجاوز فى أفضل الأحوال دقائق معدودة، أليست تلك النخب نفسها بنظم تعليمها وإعلامها وأجهزتها الثقافية .
* لو حللنا مضمون الأعمال الأدبية والفنية، وهى فى النهاية التى تشكل ثقافة الناس وقيمهم ووجدانهم لوجدنا أن هذا المضمون يدور فى الغالب الأعم حول الجنس بدءا من التعبيرات الإباحية الفجة والمبتذلة الشائعة للغاية فى الفن الشعبى وحتى التعبيرات المغلفة بالرومانسية والايحاء والغموض حتى يمكن أن تقبلها الطبقات الوسطى والعليا المنافقة، والدوران حول الجنس فى تلك الأعمال يجعلك تظن أن حياة الناس ما تدور سوى حول الجنس، وأنهم لا يدخلون سوى فى علاقات جنسية، و لا يفكرون سوى فى إشباع رغبتهم فيه، ويجعلك تتخيل أن حياتهم تخلوا من العمل وتحصيل العلم والبحث عن وسائل العيش، و أنه ليس لديهم علاقات إنسانية أخرى فى العمل والجيرة والدراسة وغيرها، ولاشك إن هذا الالحاح على الجنس يزيد من رغبات الناس الجنسية لحد الهوس حتى مع الإشباع الطبيعى لها. ويصبح شعور المحروم من الجنس هو أنه محروم من الحياة نفسها، و أن مجرد كلمة أو صورة أو نظرة أو لمسة قد تشعره أنه مازال على قيد الحياة.
* بعيدا عن التفسير المادى للتاريخ فقد ابتكرت نخبنا المثقفة التفسير الجنسى للتاريخ وهو التفسير الأكثر قوة فى الثقافة الشعبية والأعلى صوتا لدى النخب،عشرات الأفلام السينمائية التى فسرت وتناولت التاريخ من خلال تاريخ الراقصات والعوالم و العاهرات وعشيقات الحكام، و هناك ما لا حصر له من الأعمال المقروءة والمرئية والمسموعة لدينا مازالت تلوك اسطوانتها المشروخة منذ أكثر من قرن ونصف عن قرب انهيار الحضارة الغربية ، لسبب وحيد يراه هؤلاء هو الحرية الجنسية، برغم أن تلك الحرية لا تحول إطلاقا دون التقدم المضطرد لتلك الحضارة، لأنها ببساطة لا تشكل جوهر حياة صناعها، و برغم أن الحرية الجنسية مداها يتسع بقوة منذ بدء ترديد هذا التفسير الذى رسخ التخلف لدينا، والذى حال بين الكثير من الناس و بين فهم كيف تتطور وتتقدم المجتمعات، وكيف تركد وتتأخر .وكيف تنهزم وكيف تحقق الانتصارات.
* من ذلك أن أبرز الانتقادات التى وجهتها النخب المعارضة للملك فاروق أنه كان متعدد العلاقات الجنسية ، و إن نخبة الانقلاب عليه كان من مصلحتها كى تبقى فى الحكم بعد هزيمتها فى 67 الترويج شعبيا لأسطورة أن سبب النكسة هو أن المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المهزوم كان متعدد العلاقات الجنسية، برغم أن قائد الجيش المنتصر موشى ديان لم يكن سوى زير نساء من الطراز الأول ، و كان على التيار الدينى المعارض للنظام أن يفسر نفس الهزيمة بابتعاد المجتمع عن السلوكيات المحافظة وتحرر نسائه و رجاله، وتقليدهم للقيم الغربية المنحلة، لا حديث فى كل هذه الأحوال عن الظروف الاقتصادية باعتبارها محركة التاريخ، و لا عن الصراعات الاجتماعية فى المجتمع حول الثروة والنفوذ والمعرفة، و لا عن العلم والعمل باعتبارهما أساس التقدم البشرى و أساس تحقيق أى انتصار لفرد أو جماعة بشرية.
* يستند الخطاب الدينى المحافظ على الهوس الجنسى الذى يفترض أن عقل البشر يتواجد ما بين الفخذين، فجوهر البرنامج السياسى لدى الخطاب الدينى المحافظ يدور حول وضع القيود على الممارسة الجنسية ، وتطبيق الحدود المرتبطة بالزنا والقذف ، و منع اختلاط الجنسين فى الشوارع والأماكن العامة وغير ذلك ، والزام الرجال والنساء بالمظاهر المحتشمة ، و لا حديث هنا على البطالة والتنمية و الديمقراطية وغيرها من القضايا، وهو خطاب يكتسب شعبيته الطاغية بسبب رؤية سائدة فى كل طبقات وشرائح المجتمع وليس فقط لدى الطبقات الدنيا، رؤية ذكورية متخلفة للمرأة ساعدت فى إبقاءها بل وتعميقها كل مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة والدين، فالمرأة وفقا لتلك الرؤية هى مجرد وسيلة لمتعة الرجل، هى كائن لا حق له فى الحرية والكرامة و الشعور و الاختيار، وعلى الرجل وفق هذه الرؤية الشائعة، وحتى يثبت لنفسه وللناس فحولته أن يحاول أن يفترس كل ما يمكن أن يطول من النساء ، و قد يقتصر على التحرش الذى هو مجرد الدعوة اللفظية لممارسة الجنس، أو أن يمارس الانتهاك الذى هو تجاوز الدعوة بلسانه للدعوة بجسده، أو أن ينال فريسته بخداعها باسم الحب و وعد الزواج أو اغتصابها ،أو شراء جسدها مقابل المال والمنافع المختلفة ، أو قهرها بما يملك عليها من سلطة. و لأن الرجال ليسوا فى قدراتهم سواء، فأنهم يحصلون على فرائسهم وفق قدراتهم المختلفة.
* برغم من وضعية المرأة كفريسة وفق هذه الرؤية إلا أنها مسئولة تماما على وضعيتها كفريسة أمام نفسها وأمام المجتمع، أما الوحوش فهم الضحايا المساكين لإغواء الفرائس المتوحشات، فالمرأة هى السبب بسبب خروجها من المنزل واختلاطها بالرجال وتواجدها فى بعض الأماكن النائية مثل ميدان عبد المنعم رياض بالقاهرة، و أنهن السبب بتأخرهن ليلا فى الشوارع حتى اللواتى تضطرهن أعمالهن لذلك كالممرضات، و بسبب ما يرتدين من ملابس تثير الرجال الذين لا يمكنهم التحكم فى شهواتهم، فمازالت فتاة المعادى الشهيرة ملامة فى نظر المجتمع على اغتصابها الجماعى، بسبب تواجدها ليلا مع شاب آخر برضاها، و وفقا لذلك فإن من تعرضن للانتهاك فى العيد مسئولات لأنهن مارسن حقهن فى الخروج فى العيد، وكانت بعضهن ترتدين ملابس غير محتشمة برغم أن الانتهاك طال المحجبات و المنتقبات منهن.
* هذا المنطق الذكورى يتجاهل أن الرجل يثير المرأة بدوره،و أن المرأة لديها نفس الغريزة والرغبة التى لدى الرجل، وأن الرجال المثليين يثارون بسبب الرجال وليس بسبب النساء، و أن النساء المثليات يثرن بسبب النساء وليس بسبب الرجال، ويتجاهل هذا المنطق المعوج أن الأطفال ليسوا بعيدين عن التحرش والانتهاك الجنسى والاغتصاب من بعض الرجال أو النساء على ندرتهم، وأنه وفق تلك الرؤية المتخلفة فإنه يتم إعطاء الطرف الأقوى الحق فى التحرش بالطرف الأضعف وانتهاك جسده واغتصابه، ويتم التماس العذر له وتبرير ما يفعل، بالقاء اللوم على الضحية فى مجتمع لا يعبد سوى القوة و لا يخاف إلا منها.
* اعتقد أن الحل المنطقى وفق هذه الرؤية التى تعتبر أن الإثارة الجنسية لا يمكن مقاومتها ولا يمكن التحكم فيها أو تجاوزها، ولكى نحمى المجتمع و أفراده من الانفلات الجنسى والجرائم الجنسية فأننا يجب أن نعزل كل أفراد المجتمع عن بعضهم البعض فى جزر منعزلة، أو أن يتنقب الجميع رجالا ونساءا وأطفالا عندما يلتقون ثنائيا أو فى مجموعات فى منازلهم أو فى الشوارع أو فى الأماكن العامة، حتى ولو كانوا من المحارم، ذلك لأن الإسلاميين غافلين أو متسامحين أو متحررين بهذا الخصوص بعد ثبوت أن التحرش والانتهاك والاغتصاب يدور بين المحارم أيضا مثلما يدور بين غير المحارم، و أنه ربما يكون أكثر شيوعا مما نتصور، ومن ثم فعلى الأطفال أن ينتقبوا أمام الأباء والأمهات و الأخوة والأخوات بمجرد قدرتهم على الاستغناء عن البامبرز، و قدرتهم على إطعام أنفسهم وتنظيف أجسادهم، دون انتظار إلزامهم بذلك عند البلوغ الذى هو تهاون فى حق العفة والفضيلة، و لأن ملامح الوجه وتعبيراته ، ونظرات العيون ونداءتها ، ودرجة الصوت وتلاوينه، ربما تكون أكثر إثارة للشهوات من رؤية الأعضاء التناسلية نفسها، فإن النقاب ألزم ، ولغة الإشارات فيما بين الناس أوجب، سواء بين جميع أفراد الأسرة أو بين جميع البشر. وأخذا بالأحوط، يجب منع الصور أو الرسوم والمجسمات مراعاه لمرضى الصنمية ،و ربما نضطر إلى إلزام الحيوانات بالنقاب مراعاه لعشاق الحيوانات، أترون ما هو أسخف من ذلك ولكن هذا ما يمكن أن نصل إليه لو مددنا هذا المنطق المعوج الشائع على استقامته.
* و لأن الثقافة الشائعة تحول العلاقة بين الرجل والمرأة لوحش وفريسة، فإن الرجال الذين لديهم تلك الثقافة يعتبرون أن كل ما يصدر عن المرأة من قول أو فعل هو نداء بالجنس حتى لو صدر تلقائيا منها، وانها دعوة مفتوحة له ليحاول معها حتى ولو تمنعت، فالشائع عنهن أنهن يتمنعن وهن الراغبات،وهن عاهرات فى رأى هؤلاء إلا أن يثبتن العكس، و لأن المرأة يتعمق لديها شعور أنها فريسة محتملة لكل رجل فإن معظم النساء يعتبرن أن كل ما يصدر عن الرجل من قول أو فعل هو نداء بالجنس حتى لو صدر تلقائيا، و هى إما أن تستخدم أنوثتها للحصول على ما تريد من الرجل، أو أن تحمى نفسها بالانسحاب والانعزال عن المجتمع وارتداء الحجاب والنقاب وبأن تتطرف فى المظاهر الدينية و بأن تتحاشى الاختلاط بالرجال والتحدث معهم .والمرأة وفق هذه الرؤية ليست إنسانا بل هى مجرد قطعة من اللحم إما أن تترك مكشوفة لينال منها كل من يمر بها من القطط،أو توضع فى ثلاجة النقاب والحجاب بعيدا عن عيون القطط، وهذا هو ما صرح به مفتى المسلمين فى استراليا ونيوزيلاند مؤخرا.
* هذا المفتى لخص تماما تلك الثقافة المشتركة بينه وبين من انتهكوا أجساد النساء فى العيد ، فهم لا يعترفون أن التحضر والرقى والتقدم يفترض أن ما يفصلنا عن الحيوانات ويجعلنا بشر جديرين بالحرية والاحترام والكرامة هو اعتبار أن ما يصدر من إثارة جنسية من أى إنسان لا يعطى أى حق لأى إنسان آخر فى أن يتحرش به أو أن ينتهك جسده أو أن يمارس معه الجنس إلا برضاه، فحتى من يبعن جسدهن لا يحق لأحد أن يتحرش بهن أو أن ينتهك عرضهن أو أن يمارس معهن الجنس دون رضائهن الحر. حتى زوجة الرجل لا يحق له ممارسة الجنس معها إلا برضاها، و هو عكس تلك الثقافة الشائعة التى توجب على المرأة أن تسلم نفسها لزوجها حتى ولو لم تكن ترغب. وأن كل علاقة جنسية قائمة على قهر طرف لطرف آخر و إجباره هى علاقة لا تليق سوى بالهمج، وكل علاقة جنسية تقوم على حصول طرف على منافع غير المتعة الجنسية من الطرف الآخر هى دعارة حتى ولو سترها غطاء من الشرعية القانونية أو الدينية،ولكن أين مجتمعاتنا من ذلك.
* الجنس احتياج طبيعى لدى البشر إلا أنه لا يمكن أن يكون فى قوة الاحتياج للطعام والهواء والشراب و الإخراج والنوم، والذى يعنى امتناع الإنسان عن إشباع أى احتياج منهم لفترة محدودة موته ، أما الجنس فلن يموت من لا يمارسه مهما طال زمن عدم ممارسته، وبسبب عدم ارتباط الممارسة الجنسية بحياة وموت الأفراد ، فقد سهل على مؤسسات السلطة بالمجتمع أن تضع القيود على الإشباع الجنسى لدى الأفراد، وهو ما اضفى على المتعة الجنسية أساطير لا حد لها مع زيادة الحرمان منها بواسطة السلطات الاجتماعية ، و الإلحاح عليها فى نفس الوقت من قبل منتجى الثقافة و الدين والفن والأدب مما خلق لدى غالبية الأفراد هوس بالجنس، ولا شك أن الهالة الأسطورية المحاطة بالجنس والمسببة للهوس به تختفى عند توفر فرص الإشباع واختفاء الإلحاح عليه فتستعيد الغريزة الجنسية طبيعتها لدى هؤلاء الأفراد.
* لأنى أتوقع أن الأسوء لم يأتى بعد، فلم أندهش حينما علمت بحادث الانتهاك الجنسى الجماعى الذى حدث بوسط القاهرة أول و ثانى أيام العيد، ذلك لأنى أرى أن المجتمع المصرى ينحدر إلى هاوية سحيقة من الانحطاط والانفلات الأمنى، فبفضل تلك النخبة المملوكية الحاكمة منذ ما يزيد عن نصف قرن ها قد رجعنا بقوة إلى عهود أسلافهم من المماليك ما قبل الحملة الفرنسية، حيث اتضح أن كل محاولات التحديث والنهضة التى تعثرت طوال قرنين من الزمان، لم تستطع سوى طلاء التخلف بسطح من التقدم، وأن الطلاء آخذ فى السقوط منذ زمن، و لا شك إن هذا الانحدار الذى امتد طويلا هو مسئولية هؤلاء الحكام بالدرجة الأولى طالما ظلوا يحتكرون أدوار البطولة و لا يتركون لغيرهم سوى أدوار الكومبارس ، برغم أنى لا أعفى بقية النخب من المسئولية كما لا اعفى جماهير العامة من المسئولية كذلك، ولكنى اتحدث عن المتهم الرئيسى لا المتهمين الثانويين، اتحدث عن المخرج لا الممثلين وعمال الإضاءة والديكور، ولعل أحد مظاهر هذا الانحطاط وهو ما أريد التركيز عليه فى هذا المقال هو الهوس الجنسى الذى يطول الغالبية من الناس فى بلادنا والذى هو صناعة مؤسسات اجتماعية حكومية و غير حكومية، لا طبيعة فى الأفراد الذين أصابهم السعار الجنسى بسبب ممارسات تلك النخب. بما فيهم هؤلاء الأفراد من ذكور الحرافيش الذين تنتهك أجسادهم و حريتهم وكرامتهم كل لحظة من قبل نخب المماليك والفتوات فلم يملكوا إلا انتهاك أجساد و كرامة وحرية أضعفهم من النساء. فمن صنع هؤلاء الوحوش، و من أبقى على نموهم النفسى والعقلى وتفكيرهم فى حدود الغرائز الحيوانية واشباعها عن أى طريق،من أصاب هؤلاء و أمثالهم بالعته لكى يعرضوا حياتهم للخطر وحريتهم للتقييد لمجرد متعة لن تتجاوز فى أفضل الأحوال دقائق معدودة، أليست تلك النخب نفسها بنظم تعليمها وإعلامها وأجهزتها الثقافية .
* لو حللنا مضمون الأعمال الأدبية والفنية، وهى فى النهاية التى تشكل ثقافة الناس وقيمهم ووجدانهم لوجدنا أن هذا المضمون يدور فى الغالب الأعم حول الجنس بدءا من التعبيرات الإباحية الفجة والمبتذلة الشائعة للغاية فى الفن الشعبى وحتى التعبيرات المغلفة بالرومانسية والايحاء والغموض حتى يمكن أن تقبلها الطبقات الوسطى والعليا المنافقة، والدوران حول الجنس فى تلك الأعمال يجعلك تظن أن حياة الناس ما تدور سوى حول الجنس، وأنهم لا يدخلون سوى فى علاقات جنسية، و لا يفكرون سوى فى إشباع رغبتهم فيه، ويجعلك تتخيل أن حياتهم تخلوا من العمل وتحصيل العلم والبحث عن وسائل العيش، و أنه ليس لديهم علاقات إنسانية أخرى فى العمل والجيرة والدراسة وغيرها، ولاشك إن هذا الالحاح على الجنس يزيد من رغبات الناس الجنسية لحد الهوس حتى مع الإشباع الطبيعى لها. ويصبح شعور المحروم من الجنس هو أنه محروم من الحياة نفسها، و أن مجرد كلمة أو صورة أو نظرة أو لمسة قد تشعره أنه مازال على قيد الحياة.
* بعيدا عن التفسير المادى للتاريخ فقد ابتكرت نخبنا المثقفة التفسير الجنسى للتاريخ وهو التفسير الأكثر قوة فى الثقافة الشعبية والأعلى صوتا لدى النخب،عشرات الأفلام السينمائية التى فسرت وتناولت التاريخ من خلال تاريخ الراقصات والعوالم و العاهرات وعشيقات الحكام، و هناك ما لا حصر له من الأعمال المقروءة والمرئية والمسموعة لدينا مازالت تلوك اسطوانتها المشروخة منذ أكثر من قرن ونصف عن قرب انهيار الحضارة الغربية ، لسبب وحيد يراه هؤلاء هو الحرية الجنسية، برغم أن تلك الحرية لا تحول إطلاقا دون التقدم المضطرد لتلك الحضارة، لأنها ببساطة لا تشكل جوهر حياة صناعها، و برغم أن الحرية الجنسية مداها يتسع بقوة منذ بدء ترديد هذا التفسير الذى رسخ التخلف لدينا، والذى حال بين الكثير من الناس و بين فهم كيف تتطور وتتقدم المجتمعات، وكيف تركد وتتأخر .وكيف تنهزم وكيف تحقق الانتصارات.
* من ذلك أن أبرز الانتقادات التى وجهتها النخب المعارضة للملك فاروق أنه كان متعدد العلاقات الجنسية ، و إن نخبة الانقلاب عليه كان من مصلحتها كى تبقى فى الحكم بعد هزيمتها فى 67 الترويج شعبيا لأسطورة أن سبب النكسة هو أن المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المهزوم كان متعدد العلاقات الجنسية، برغم أن قائد الجيش المنتصر موشى ديان لم يكن سوى زير نساء من الطراز الأول ، و كان على التيار الدينى المعارض للنظام أن يفسر نفس الهزيمة بابتعاد المجتمع عن السلوكيات المحافظة وتحرر نسائه و رجاله، وتقليدهم للقيم الغربية المنحلة، لا حديث فى كل هذه الأحوال عن الظروف الاقتصادية باعتبارها محركة التاريخ، و لا عن الصراعات الاجتماعية فى المجتمع حول الثروة والنفوذ والمعرفة، و لا عن العلم والعمل باعتبارهما أساس التقدم البشرى و أساس تحقيق أى انتصار لفرد أو جماعة بشرية.
* يستند الخطاب الدينى المحافظ على الهوس الجنسى الذى يفترض أن عقل البشر يتواجد ما بين الفخذين، فجوهر البرنامج السياسى لدى الخطاب الدينى المحافظ يدور حول وضع القيود على الممارسة الجنسية ، وتطبيق الحدود المرتبطة بالزنا والقذف ، و منع اختلاط الجنسين فى الشوارع والأماكن العامة وغير ذلك ، والزام الرجال والنساء بالمظاهر المحتشمة ، و لا حديث هنا على البطالة والتنمية و الديمقراطية وغيرها من القضايا، وهو خطاب يكتسب شعبيته الطاغية بسبب رؤية سائدة فى كل طبقات وشرائح المجتمع وليس فقط لدى الطبقات الدنيا، رؤية ذكورية متخلفة للمرأة ساعدت فى إبقاءها بل وتعميقها كل مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة والدين، فالمرأة وفقا لتلك الرؤية هى مجرد وسيلة لمتعة الرجل، هى كائن لا حق له فى الحرية والكرامة و الشعور و الاختيار، وعلى الرجل وفق هذه الرؤية الشائعة، وحتى يثبت لنفسه وللناس فحولته أن يحاول أن يفترس كل ما يمكن أن يطول من النساء ، و قد يقتصر على التحرش الذى هو مجرد الدعوة اللفظية لممارسة الجنس، أو أن يمارس الانتهاك الذى هو تجاوز الدعوة بلسانه للدعوة بجسده، أو أن ينال فريسته بخداعها باسم الحب و وعد الزواج أو اغتصابها ،أو شراء جسدها مقابل المال والمنافع المختلفة ، أو قهرها بما يملك عليها من سلطة. و لأن الرجال ليسوا فى قدراتهم سواء، فأنهم يحصلون على فرائسهم وفق قدراتهم المختلفة.
* برغم من وضعية المرأة كفريسة وفق هذه الرؤية إلا أنها مسئولة تماما على وضعيتها كفريسة أمام نفسها وأمام المجتمع، أما الوحوش فهم الضحايا المساكين لإغواء الفرائس المتوحشات، فالمرأة هى السبب بسبب خروجها من المنزل واختلاطها بالرجال وتواجدها فى بعض الأماكن النائية مثل ميدان عبد المنعم رياض بالقاهرة، و أنهن السبب بتأخرهن ليلا فى الشوارع حتى اللواتى تضطرهن أعمالهن لذلك كالممرضات، و بسبب ما يرتدين من ملابس تثير الرجال الذين لا يمكنهم التحكم فى شهواتهم، فمازالت فتاة المعادى الشهيرة ملامة فى نظر المجتمع على اغتصابها الجماعى، بسبب تواجدها ليلا مع شاب آخر برضاها، و وفقا لذلك فإن من تعرضن للانتهاك فى العيد مسئولات لأنهن مارسن حقهن فى الخروج فى العيد، وكانت بعضهن ترتدين ملابس غير محتشمة برغم أن الانتهاك طال المحجبات و المنتقبات منهن.
* هذا المنطق الذكورى يتجاهل أن الرجل يثير المرأة بدوره،و أن المرأة لديها نفس الغريزة والرغبة التى لدى الرجل، وأن الرجال المثليين يثارون بسبب الرجال وليس بسبب النساء، و أن النساء المثليات يثرن بسبب النساء وليس بسبب الرجال، ويتجاهل هذا المنطق المعوج أن الأطفال ليسوا بعيدين عن التحرش والانتهاك الجنسى والاغتصاب من بعض الرجال أو النساء على ندرتهم، وأنه وفق تلك الرؤية المتخلفة فإنه يتم إعطاء الطرف الأقوى الحق فى التحرش بالطرف الأضعف وانتهاك جسده واغتصابه، ويتم التماس العذر له وتبرير ما يفعل، بالقاء اللوم على الضحية فى مجتمع لا يعبد سوى القوة و لا يخاف إلا منها.
* اعتقد أن الحل المنطقى وفق هذه الرؤية التى تعتبر أن الإثارة الجنسية لا يمكن مقاومتها ولا يمكن التحكم فيها أو تجاوزها، ولكى نحمى المجتمع و أفراده من الانفلات الجنسى والجرائم الجنسية فأننا يجب أن نعزل كل أفراد المجتمع عن بعضهم البعض فى جزر منعزلة، أو أن يتنقب الجميع رجالا ونساءا وأطفالا عندما يلتقون ثنائيا أو فى مجموعات فى منازلهم أو فى الشوارع أو فى الأماكن العامة، حتى ولو كانوا من المحارم، ذلك لأن الإسلاميين غافلين أو متسامحين أو متحررين بهذا الخصوص بعد ثبوت أن التحرش والانتهاك والاغتصاب يدور بين المحارم أيضا مثلما يدور بين غير المحارم، و أنه ربما يكون أكثر شيوعا مما نتصور، ومن ثم فعلى الأطفال أن ينتقبوا أمام الأباء والأمهات و الأخوة والأخوات بمجرد قدرتهم على الاستغناء عن البامبرز، و قدرتهم على إطعام أنفسهم وتنظيف أجسادهم، دون انتظار إلزامهم بذلك عند البلوغ الذى هو تهاون فى حق العفة والفضيلة، و لأن ملامح الوجه وتعبيراته ، ونظرات العيون ونداءتها ، ودرجة الصوت وتلاوينه، ربما تكون أكثر إثارة للشهوات من رؤية الأعضاء التناسلية نفسها، فإن النقاب ألزم ، ولغة الإشارات فيما بين الناس أوجب، سواء بين جميع أفراد الأسرة أو بين جميع البشر. وأخذا بالأحوط، يجب منع الصور أو الرسوم والمجسمات مراعاه لمرضى الصنمية ،و ربما نضطر إلى إلزام الحيوانات بالنقاب مراعاه لعشاق الحيوانات، أترون ما هو أسخف من ذلك ولكن هذا ما يمكن أن نصل إليه لو مددنا هذا المنطق المعوج الشائع على استقامته.
* و لأن الثقافة الشائعة تحول العلاقة بين الرجل والمرأة لوحش وفريسة، فإن الرجال الذين لديهم تلك الثقافة يعتبرون أن كل ما يصدر عن المرأة من قول أو فعل هو نداء بالجنس حتى لو صدر تلقائيا منها، وانها دعوة مفتوحة له ليحاول معها حتى ولو تمنعت، فالشائع عنهن أنهن يتمنعن وهن الراغبات،وهن عاهرات فى رأى هؤلاء إلا أن يثبتن العكس، و لأن المرأة يتعمق لديها شعور أنها فريسة محتملة لكل رجل فإن معظم النساء يعتبرن أن كل ما يصدر عن الرجل من قول أو فعل هو نداء بالجنس حتى لو صدر تلقائيا، و هى إما أن تستخدم أنوثتها للحصول على ما تريد من الرجل، أو أن تحمى نفسها بالانسحاب والانعزال عن المجتمع وارتداء الحجاب والنقاب وبأن تتطرف فى المظاهر الدينية و بأن تتحاشى الاختلاط بالرجال والتحدث معهم .والمرأة وفق هذه الرؤية ليست إنسانا بل هى مجرد قطعة من اللحم إما أن تترك مكشوفة لينال منها كل من يمر بها من القطط،أو توضع فى ثلاجة النقاب والحجاب بعيدا عن عيون القطط، وهذا هو ما صرح به مفتى المسلمين فى استراليا ونيوزيلاند مؤخرا.
* هذا المفتى لخص تماما تلك الثقافة المشتركة بينه وبين من انتهكوا أجساد النساء فى العيد ، فهم لا يعترفون أن التحضر والرقى والتقدم يفترض أن ما يفصلنا عن الحيوانات ويجعلنا بشر جديرين بالحرية والاحترام والكرامة هو اعتبار أن ما يصدر من إثارة جنسية من أى إنسان لا يعطى أى حق لأى إنسان آخر فى أن يتحرش به أو أن ينتهك جسده أو أن يمارس معه الجنس إلا برضاه، فحتى من يبعن جسدهن لا يحق لأحد أن يتحرش بهن أو أن ينتهك عرضهن أو أن يمارس معهن الجنس دون رضائهن الحر. حتى زوجة الرجل لا يحق له ممارسة الجنس معها إلا برضاها، و هو عكس تلك الثقافة الشائعة التى توجب على المرأة أن تسلم نفسها لزوجها حتى ولو لم تكن ترغب. وأن كل علاقة جنسية قائمة على قهر طرف لطرف آخر و إجباره هى علاقة لا تليق سوى بالهمج، وكل علاقة جنسية تقوم على حصول طرف على منافع غير المتعة الجنسية من الطرف الآخر هى دعارة حتى ولو سترها غطاء من الشرعية القانونية أو الدينية،ولكن أين مجتمعاتنا من ذلك.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية