ورقة حول الديمقراطية
ورقة حول الديمقراطية
سامح سعيد عبود
مفاهيم نظرية
* نستطيع القول أن الديمقراطية هى شكل لتنظيم العلاقات الاجتماعية يتاح لمن يدخلون فيها قدر ما من الحرية فى ممارسة هذه العلاقة على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى الداخلة فى تلك العلاقة ، ولأن الحرية الفردية والمساواة بين البشر مفاهيم نسبية بطبيعتها فقد يتسع أو يضيق مقدار ما يتمتع به الأفراد الداخلون فى علاقة اجتماعية محددة من حرية فردية أو مساواة فيما بينهم ،وهو ما يخلق هذا التنوع الهائل فى مفاهيم الديمقراطية ، وهى وإن كانت قد أصبحت مطلبا ملحا لتنظيم السلطات الاجتماعية العامة التى تشكل الدولة ، فهى مطلب يكتنفه الغموض و الالتباس والاختلاف لدى شتى المطالبين به ، و هو ما يستوجب منا كشف هذا الغموض والالتباس والاختلاف.
* الديمقراطية بداية وثيقة الصلة بعلاقتين ، أولا علاقات السلطة فى المجتمع بين الممارسين للسلطة و الخاضعين لتلك السلطة، وثانيا العلاقة بين الحرية الفردية للأفراد الذين يدخلون فى تلك العلاقة الاجتماعية ، و بين تلك السلطة التى يخضعون لها طوعا أو قهرا بسبب دخولهم تلك العلاقة .
* السلطة فيما بين البشر تقوم على أسس مادية، منفصلة عن كل من إرادة و وعى الممارسين للسلطة أو الخاضعين لتلك السلطة، فالاستبداد ليس قيمة سلوكية أخلاقية ترجع لسوء أو حسن سلوك من يمارسها، ربما تتدخل الأخلاق فحسب فى مدى سوء أو حسن استخدام السلطة، وإنما ترجع السلطة بصرف النظر عن حسن ممارستها أو سوءها، للسيطرة على مصادر السلطة المادية و احتكارها من الطرف الممارس للسلطة، وحرمان الخاضع لها من تلك المصادر .
* مصادر السلطة المادية التى تعطى لمن يحوزها السلطة على من لا يتمتع بحيازة هذه المصادر حينما يدخل الطرفان سويا فى علاقة اجتماعية ما ، هى ثلاث مصادر أساسية أولا السيطرة على الثروة المادية سواء عن طريق الملكية أو النفوذ أو الإدارة ، وثانيا حيازة وسائل العنف سواء أكان ماديا أم معنويا، وثالثا السيطرة على المعرفة سواء أكانت عن طريق إنتاجها أو حيازتها أو تداولها أو احتكار تمثيلها كما فى المؤسسات الإعلامية والدينية والسياسية والتعليمية .
* ستظل الحرية الفردية مقيدة ومحدودة طالما ظل المجتمع منقسما جوهريا بين طرفين ،الطرف الأول يمارس السلطة على الطرف الآخر بسبب حيازته لأحد مصادر السلطة المادية أو سيطرته عليها ، والطرف الآخر يخضع لهذه السلطة بسبب من حرمانه من حيازة مصادر السلطة والسيطرة عليها .
* فى داخل كل علاقة اجتماعية بدءا من علاقات الأسرة و وعلاقات العمل والدراسة والجيرة و انتهاء بعلاقة الفرد والجماعات المختلفة بالدولة ، يختلف مركز الفرد أو الجماعة من علاقة لأخرى وفق الموقع الذى يتم اتخاذه أى منهم فى علاقات السلطة ، فقد يكون الفرد أو الجماعة فى أحد تلك العلاقات يملك قدر من السلطة على الطرف الآخر الداخل معه فى العلاقة بسبب سيطرته على أحد مصادرها ، إلا أنه فى إطار علاقة أخرى نراه يخضع لسلطة أخرى لحرمانه من أحد مصادر السلطة فى تلك العلاقة .
* يتكون المجتمع من شبكات من العلاقات الاجتماعية اللانهائية التى تشكل المجتمع فى النهاية ، وهذا التنوع فى علاقات السلطة فى تلك العلاقات يخلق العديد من أشكال الصراع الاجتماعى سواء الفردي أو الجماعى على كل المستويات والعلاقات الاجتماعية ، فى علاقات العمل و فى الأسرة و غير ذلك من العلاقات تدور صراعات أسرية وعائلية وإقليمية ودينية وإثنية وثقافية وقومية ونقابية وطبقية وعرقية وجنسية واقتصادية وسياسية ، تدور كلها حول السلطة ومصادرها ، تكون فى النهاية شبكة صراعات اجتماعية تتنوع بتنوع العلاقات الاجتماعية المختلفة .
* أما عن العلاقة بين الحرية و السلطة ، فإنه إذا كانت الحرية هي التحديد الذاتي للأفعال بما تعنيه من حرية الإرادة في تقرير هذا الفعل أو ذاك ، فإن السلطة هي تحديد خارجي للأفعال بما تعنيه من تقييد الإرادة في تحديد الأفعال ، وذلك بإرادة من يمارسون السلطة ، و لأن السلطة هى ضرورة فى أى علاقة اجتماعية، فإن هناك نوعان من السلطة ، سلطة منفصلة ومتعالية عن الأفراد الخاضعين لها ، وسلطة متصلة وممتزجة مع إرادة الأفراد الخاضعين لها ،فى الأولى يفرض الطرف الحائز على السلطة إرادته على الطرف المحروم منها وتنفصل فيه الحرية عن السلطة ، وفى الثانية يخضع الداخلون فى العلاقة الاجتماعية لإرادتهم الحرة الجماعية المشتركة ، وهذا النوع من التنظيم الاجتماعى الناتج عن توافق الإرادات الفردية الحرة للداخلين فيه تتوحد فيه السلطة مع الحرية.
* ترتبط الحرية الفردية ارتباطا وثيقا بالمسئولية الاجتماعية ، فالقصر هم الذين يتحمل مسئوليتهم الأوصياء مقابل ما سلبوه من حريتهم ، ومن ثم يصبح تحمل المسئولية الاجتماعية الناتجة عن الحرية الفردية ، و تحرر البشر من الوصاية السلطوية من أى نوع ، أقوى رادع للسلوك الإنساني فى تعامله مع الآخرين . فالفضائل الإنسانية هى ضرورة اجتماعية للإبقاء على التماسك الاجتماعى لا تحتاج لكل تلك السلطات القمعية المختلفة للحفاظ عليها كما يزعم السلطويين الداعين للحد من الحرية الفردية باسم التماسك الاجتماعى ، وفى الحقيقة أن هذه السلطات المنفصلة عن البشر والمتعالية عليهم تحديدا هى السبب فى كل تلك الرذائل الإنسانية بما تمارسه من قهر يولد الكذب والنفاق و العنف والسلبية والجبن ..الخ ، و استغلال يولد النهب والسرقة والاحتيال ..الخ .
* مما لاشك فيه أن كل منا يستطيع أن ينظم الكثير من الرؤى الديمقراطية من أدناها حتى أكثرها تحقيقا للحرية الفردية والمساواة بين البشر ،إلا أنه دون دراسة لمعوقات تحقيق تلك الرؤى فى الواقع الاجتماعى الملموس سيجعلها مجرد يوتوبيا جميلة بلا معنى ، محض شعارات فارغة من مضمونها الحقيقى عند التطبيق ، ليس بسبب خيانة القائمين على تطبيقها، ولكن بسبب عدم مراعاتهم لمعوقات تحققها فى الواقع ، كما أن فرض الرؤى النظرية على الواقع الاجتماعى الذى لا يتواءم معها يعنى فرضها عبر الاستبداد حتى ولو كانت أكثر الرؤى تحررا و مساواتية . ومن ثم فإن نموذج الديمقراطية المطلوب لابد أن يتضمن حلولا عملية لمعوقات تحققه فى الواقع ، فالمطلوب ليس الرضوخ لتخلف الواقع الاجتماعى، ولكن المطلوب تحديدا مواجهة هذا التخلف ، وهذه نظرية مختلفة تماما عن نظرية المراحل الشهيرة، التى تفترض أنه نظرا لتخلف الواقع الاجتماعى فعلى رؤانا أن تتدنى لتلائمه ، متناسين حقيقة أن البشر بكل تخلفهم أو رقيهم هم أبناء البنية الاجتماعية التى يشكلونها بعلاقاتهم المختلفة، والتى يدخلونها رغما عن إرادتهم، وبقوانينها التى لا دخل لهم فيها، ومن ثم فلن يتخلص البشر من تخلفهم إلا ببنية اجتماعية مختلفة ،وليس بالحفاظ على هذه البنية المتخلفة
* عندما كانت وسائل العنف أو المعرفة هى سبب السيطرة على وسائل الإنتاج كان شكل ممارسة السلطة يميل للاستبداد والديكتاتورية كما فى المجتمعات الإقطاعية والبيروقراطية بأنواعها ، حيث كان من يسيطرون على وسائل العنف من العسكريين أو المعرفة من الكهنة أو الحقيقة والمبدأ و الجماهير من السياسيين والبيروقراطيين، يسيطرون على الإنتاج و وسائله و يستولون على فائضه بحكم هذه السيطرة العسكرية أو بحكم المعرفة الدينية أو ادعاء تمثيل مصالح الجماهير والحقيقة والمبدأ ، إلا أنه عندما كانت السيطرة على وسائل الإنتاج تضمن السيطرة على وسائل العنف و المعرفة ، كان من يسيطرون على هذه الوسائل يمارسون تسلطهم عبر أشكال متفاوتة الدرجة من الديمقراطية كانت فى المحل الأول الطريقة المثلى لحسم التنافس فيما بينهم على السلطة بدلا من استخدام العنف المسلح والمؤامرات وسائر ما يمارسه الإقطاعيون والكهنة والعسكر و السياسيين والبيروقراطيين فيما بينهم حسما لنفس التنافس على السلطة .
معوقات الديمقراطية
* بعد مرحلة الحداثة التى شهدتها مصر خلال الربع الثانى من القرن العشرين تتويجا لجهود ما يزيد عن القرن من التقدم نحو التحديث ،انتقلت مصر من تلك المرحلة المتقدمة فى التطور الاجتماعى إلى نظام ارتد بها لما قبل الحداثة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا ، وذلك بانتقال قطب السلطة الاجتماعية من ملاك الثروة كما فى الرأسمالية التقليدية ، إلى رجال العنف المسلح من العسكر وكانوا رجال الجيش فى المرحلة الأولى لهذا النظام ، ثم رجال الأمن بالدرجة الأولى فى مرحلة تالية ، كما فى كل النظم ما قبل الرأسمالية فى التاريخ المكتوب و الأنظمة البيروقراطية فى العصر الحديث ، وهى أنظمة شبيهه إلى حد كبير بنظام المماليك السابق للحملة الفرنسية على مصر، فالوسيلة الأساسية للاستحواز على الفائض الاجتماعى فى مجتمع كمصر ليست هى انتزاع فائض القيمة من قوة العمل كما فى الرأسمالية التقليدية ، بل فى انتزاع هذا الفائض عبر الفساد واستغلال النفوذ والبلطجة الغير مباشرة والمباشرة ،التى تمارسها البيروقراطية العسكرية والمدنية و النخبة السياسية و المسيطرين على وسائل الإعلام والثقافة ومؤسسات الدين ، وشبكات أخرى من أعمال الاقتصاد السرى وتشكيلات ثالثة من عصابات الجريمة المنظمة وغيرها ، فضلا عن الكثير من أعمال النصب والفهلوة والبلطجة التى تمارسها قطاعات وشرائح واسعة تتغلغل فى كل الطبقات والشرائح الاجتماعية والمهن والحرف بلا استثناء ، أما الرأسماليون فيتقاسمون الفائض الاجتماعى الذى ينزعوه من قوة العمل مع كل هؤلاء ، والناجحون منهم هم المرتبطين فقط بالجهازين البيروقراطى والسياسى للدولة بالأساس،على عكس الواقع فى المجتمعات الرأسمالية التقليدية حيث يسيطر أمثالهم على هاذين الجهازين بسيطرتهم على وسائل الإنتاج ، وهو وضع يعيق عمليات التراكـم والاستثمار والنمو ،مثلما كان الوضع فى عصور ما قبل الرأسمالية فى مصر .
* نحن بإزاء مجتمع تحول أفراده فى غالبيتهم لبروليتاريا رثة من المتعطلين عن العمل وعمال المياومة والباعة المتجولين فضلا عن الخارجين عن القانون والذين لا يخلقون أى قيمة مضافة، فى حين أن من يخلق القيمة المضافة قطاع ضئيل من العمالة اليدوية والذهنية ، مما يعد نكسة حقيقية لكل جهود التحديث والنهضة التى بدأت بعد الحملة الفرنسية ، وفى القمة من هذا المجتمع قلة ضئيلة تتمركز فى يديها السلطة ومصادرها المادية ، وفى المنتصف طبقات وسطى وعاملة تتزايد معدلات بلترتها وبؤسها وتدهورها ، و لن نحيط بأبعاد تلك النكسة إلا حين نعرف مدى التدهور الذى أصاب المجتمع المصرى من جراء هذا النظام على كافة الأصعدة والمستويات ، و الذى حزت حزوه بلدانا كثيرة فى المنطقة أصبحت نماذج للتدهور والتخلف .
* فمصر التى كان يبلغ إجمالى الإنتاج القومى لها فى العشرينات ثلاث أضعاف الإنتاج القومى لكل البلدان العربية تتبوء مكانة وسطى الآن وسط هذه البلدان ، والأردن التى كانت مجرد قطعة من الصحراء تطل على ميناء وحيد ونهر صغير و بلا بترول كبلدان الخليج ، فوجئت شخصيا أن يبلغ إنتاجها القومى أكثر من بلد كسوريا بكل مواردها الطبيعية والبشرية الغنية على العكس من الأردن .
* يخيل لمن يتأمل الأوضاع فى مصر أنه يشهد عرض مسرحى هزلى ،فالطلاب يذهبون للتعلم ولكنهم لا يتعلمون بقدر ما يمثلوا أنهم يتعلمون، وكذلك المدرسون الذين يمثلون أنهم يعلمون الطلاب ، وغالبية المواطنين يذهبون لأعمالهم ولا يعملون بقدر ما يمثلوا أنهم يعملون ، وإن عملوا فإن ما يعملوه هو مجرد حرث فى البحر بلا قيمة ، وكذلك يمثل الناخبون والمرشحون أنهم يمارسون الديمقراطية، ولكنهم يمثلونها ،هذه المسرحية الهزلية بكل مشاهدها السخيفة تخفى ببريقها الحداثى عفونة التخلف الذى نحن فيه .
* كان من طبيعة المجتمع الذى أنشئه العسكر أن يضخم من الجهاز البيروقراطى للدولة حتى سيطر هذا الجهاز على كل مظاهر الحياة فى المجتمع ، من الإنتاج والخدمات وحتى مؤسسات المجتمع المدنى المختلفة، إلى مؤسسات الإعلام والدين والتعليم ، تاركا فقط الأسرة والعائلة والعشيرة خارج سيطرته المباشرة ، مما أرتد بالواقع الاجتماعى فى مصر سنوات طويلة للوراء ، ونكس بهذا المجتمع لمراحل تم تجاوزها عبر مراحل التحديث ،فعلاقة الفرد بالمؤسسات المدنية الحديثة من نقابة وحزب ومؤسسة رأسمالية وتعاونية قائمة على تحقيق مصلحته الفردية لا مصلحة المؤسسة .
* بلغ عدد موظفى الجهاز البيروقراطى للدولة 6 مليون موظف ،وهو مع كل جبروته الهائل وسلطاته الأخطبوطية التى تمتد لكل ركن فى المجتمع فهو مرتع للفساد والتسيب والإهمال وإهدار الثروات ، و يتبوء على قمة الهرم منذ الخمسينات مجموعات تتركز فى يدها السلطة والنفوذ فى نظام شديد المركزية لا يترك لمن هم فى الدرجات السفلى والوسطى من الهرم البيروقراطى إلا فتات النفوذ والسلطة، وقد تداولت هذه المجموعات السلطة بوفاة السلف وتوريثه السلطة للخلف،الذى يأتى للسلطة بمجموعته الخاصة من خدادشيته ، وقد غيرت تلك المجموعات المملوكية شكليا فى طريقة ممارستها للسلطة ، إذا طبع كل رئيس جمهورية شكل ممارسة السلطة بطابعه الشخصى، فضلا بالطبع عن الظروف الإقليمية والدولية ،إلا أن هذه الممارسة لا تختلف من حيث الجوهر عن بعضها كثيرا ،حيث الانفراد بكل السلطات و حيث يتحدد كل ما فى الدولة والمجتمع بإرادة السيد الرئيس .
* بعد تأميم المجتمع المدنى وابتلاع الجهاز البيروقراطى لكل الأنشطة الاجتماعية المدنية والإنتاجية والخدمية ، ، تم تحويل أفراد هذا المجتمع المصرى لجزر معزولة عن بعضها ، يتكلس كل فرد منهم حول ذاته غير عابئ بالآخرين سواء أكانوا زملاءه فى العمل أو جيرانه فى السكن ، الذين يشاركونه نفس المصالح والمشاكل ، مفضلا الحل الفردى لمشاكله عن الحل الجماعى لها ، وقد أرتد وعي غالبيتهم الساحقة لما قبل الحداثة التى اجترحتها الرأسمالية ، إذ يفتقدون الوعى الاجتماعى بانتماءاتهم الطبقية ، وعاجزون من ثم عن ربط هذا الانتماء بمواقفهم السياسية. ومن ثم تحولت الانتماءات العائلية والعشائرية والإقليمية والدينية والطائفية لتكون دليلا للمواقف السياسية فى العملية الانتخابية لا البرامج السياسية ولا المصالح الطبقية والفئوية فى الغالب الأعم .
* هناك من الجذور الاجتماعية والثقافية العميقة فى نسيج المجتمع المصرى ما يتنافى والديمقراطية . فنحن لا نعرف الديمقراطية فى الأسرة والمدرسة والعمل والثقافة ولا يمكن أن تستثنى الحياة السياسية بالتبعية . فالعقل السائد عقل نقلى محافظ يقدس الموروث الثقافى ، من ثم نافى للآخر والمبدع متهما إياه بالخيانة أو الكفر أو الجهل طالما يخالفه الرأى . وينتج عن ذلك جمود فكرى لا يعرف التطور إلا بشق الأنفس ، والعقل السائد لا يعرف الموضوعية فى حكمه على الأشياء والأفكار ولا يحترم العلم منهجا و حقائقا وسلوكا حتى لدى أشد من يرفعون رايته خفاقة بل وفى مراكز البحث العلمى نفسه ، فنحن نغلب العواطف والمشاعر على كل ما سواها ولا نعرف سوى لغة الشعر ، و لا نطرب سوى للخطابة الجوفاء ، ومن ثم لا نعرف سوى التعصب الأعمى والانفعال حبا وكرها ، والعنف الذى ليس من الضرورى أن يكون دمويا على الإطلاق . فمجرد نفى حق الآخر فى الوجود والتعبير هو شكل من أشكال العنف . ومجرد كيل الاتهامات لكل من يخالفنا الرأى هو نوع من أنواع العنف . إن هذا العقل بكل سماته المذكورة وغير المذكورة السائد بين شتى فئات المجتمع يخلق مناخا لاعقلاني فى كل مجالات الحياة ، يعلو فيه الصراخ الخطابى والهلوسة الفكرية والعنف ، فلا مكان فيه للحقيقة والحكمة والحوار الموضوعى ، فالفكر لدينا مخلوطا بالشعر والخطابة ومن ثم يغلب أسلوبهما بما فيهما من تصوير أدبى وفنى على موضوعية الفكر ودقته .
البرنامج الديمقراطى بين الحدين الأدنى والأقصى
* يكتفى بعض المطالبون بالديمقراطية بحد أدنى من الديمقراطية الذى يتمثل فى نظرهم فى انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح ، وترتفع مجموعات أخرى بسقف التطلعات الديمقراطية لدرجات مختلفة تصل عند البعض للحد الأقصى من الديمقراطية ، وقد يخيل للبعض إننا كلما هبطنا بسقف المطالب كلما كنا أكثر واقعية وعملية ، وكلما ارتفعنا بسقف المطالب كلما كنا بعيدين عن الواقعية والعملية ،وعلى العموم فتحقيق أى درجة من المطالب الاجتماعية مرهون بتوازنات القوى الاجتماعية ، بين المطالبين بالتغيير والمحافظين على الوضع الراهن، وليس فقط بإرادة الناشطين سياسيا ، فالتغيير الاجتماعى لابد وأن يستند لقوى اجتماعية تتوحد مصالحها بهذا التغيير، إلا أن أى مطالب واقعية وعملية لابد وأن تتضمن مواجهة معوقات الديمقراطية فى المجتمع بالقضاء عليها وليس بالتعايش معها ،بوقف تأثيرها المدمر لا بتركها تنخر فى عظام النظام المنشود .
* بناء على ما سبق فإن برنامجا يواجه معوقات الديمقراطية فى المجتمع يكون البرنامج الأكثر واقعية وعملية ومن ثم يجب أن يتضمن البرنامج أن تكون السلطات الاجتماعية العامة منفصلة ومستقلة تماما عن كل من الدين والطائفة والقومية والعنصر والثقافة واللون والجنس والعرق والنوع واللغة والأصل الاجتماعى .و أن يقوم تنظيم السلطات الاجتماعية على مبدأ السلطة الشعبية التى يشارك فيها كل المواطنين البالغين العاقلين على قدم المساواة و أن تمارس السلطة الشعبية من خلال ما يلى من أشكال .
الأولى الديمقراطية المباشرة التى تتيح لكل المواطنين حقوق المشاركة المباشرة فى السلطة تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا بشكل مباشر كلما تيسر ذلك فى الوحدات المحلية الأساسية.
الثانية الديمقراطية شبه المباشرة التى تتيح لكل المواطنين حقوق المشاركة الفعالة فى السلطة عندما تتعذر الديمقراطية المباشرة فى الوحدات المحلية الأعلى. وذلك بضمان تمتع المواطنين بالحقوق التالية: الاستفتاء الشعبى على القوانين و الاقتراح الشعبى بالقوانين و تكليف النائب ومحاسبته ومراقبته وإقالته و التحقيق الشعبى معه.
والثالثة الديمقراطية التمثيلية فى الوحدات المحلية الأعلى من الوحدات المحلية الأساسية ، من خلال مجالس نيابية يكون أعضاءها خاضعين فى ممارسة نشاطهم النيابى لسلطة ناخبيهم ، و ذلك عندما تتعذر كلا من الديمقراطية المباشرة و شبه المباشرة .و يتولى المجلس انتخاب المسئولين التنفيذيين و الإداريين وتفويض المختصين و يقوم بتكليفهم عبر القرارات الملزمة و الاقتراحات النيابية و محاسبة و مراقبة من انتخبوهم من عبر الاستجوابات و وطلبات الإحاطة. والتصديق على كل القرارت التنفيذية و الإدارية ، وإقالة من انتخبتهم وممارسة التحقيق النيابى مع من انتخبوهم والبت بالرأى فى شأن بقاءهم فى مناصبهم ووظائفهم من عدمه.
تطبيق اللامركزية الإدارية فى كل الوحدات المحلية على كافة المستويات ، بحيث تتولى المجالس المحلية كل مسئوليات التشريع والتنفيذ و الأشراف والمراقبة وتنظيم حقوق الانتفاع فيما يتعلق بالأنشطة الخدمية والإنتاجية فى حدودها الإقليمية والجغرافية .
و ضع ظوابط الانتخاب و الترشيح لعضوية المجالس النيابية والتنفيذية ومنها توحيد ميزانية الحملة الانتخابية لكل المرشحين و ضمان شفافية مواردها ومصروفاتها و ظبط طرق إنفاقها و توجيهها بهدف شرح البرنامج الانتخابى لكل مرشح على قدم المساواة مع باقى المرشحين لكل أعضاء المجمع الانتخابى ، و أن تتم كل وقائع العملية الانتخابية بإشراف الهيئة الشعبية المستقلة للإشراف على الممارسة السياسية .و إلغاء نظام الجداول الانتخابية وذلك بأن تتم مباشرة كل الحقوق السياسية من خلال بطاقة الهوية المثبت فيها الموطن الانتخابى والسن والمهنة والحالة الجنائية والوضع القانونى . والتى تثبت عضوية الناخب بالمجمع الانتخابى و الإشراف الكامل على مباشرة كل الحقوق السياسية من قبل هيئة شعبية مستقلة تماما فى تكوينها و تمويلها و نشاطها عن الأجهزة التنفيذية و الإدارية مكونة من القضاء و ممثلى منظمات حقوق الإنسان و ممثلى منظمات المجتمع المدنى المختلفة و ممثلى الأحزاب السياسية و الشخصيات المدنية العامة.
يتم اختيار القضاء بكافة درجاته وأعضاء النيابة العامة بكافة درجاتها من الحاصلين على شهادات دراسية قانونية عليا باعتبارهم مختصين بتطبيق القانون على المنازعات ، من خلال مجلس مشترك من المجلس النيابى والمسئولين التنفيذيين بالإضافة لأعضاء الهيئة القضائية فى المستوى الذى يمثله المجلس ، و أن يتم اختيارهم من بين قائمة تضم كل الحاصلين على شهادات دراسية قانونية عليا و الهيئة القضائية بكاملها مستقلة عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية الممنوع على أعضاءها تولى أي مهام أو مسئوليات قضائية و استقلال الهيئة القضائية الكامل بوضع موازنتها ولوائح عملها.
ضمان حق كل المواطنين فى تنظيم أنفسهم فى شتى الجماعات المدنية التى تلبى احتياجاتهم المشتركة ، وتنظم انشطتهم المدنية المختلفة ، وتدافع عن حقوقهم المشتركة ،والمقصود بالجماعات المدنية كل التجمعات المستقلة عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، التى تشمل الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والنقابات المهنية والجماعات الثقافية والجماعات الدينية والعقائدية والجماعات القومية. و ضمان حرية واستقلال عمل الجماعات المدنية وتعدديتها و استقلاليتها دون أى قيود على ممارسة هذا الحق سوى ما ينص عليه إطار الأحكام العامة للقانون التى تحظر كل انتهاك للنظام العام والسكينة العامة والصحة العامة و الأمن العام، مما يكون ضروريا فى مجتمع تحررى من أجل حماية حقوق الآخرين و حرياتهم من الانتهاك والتضرر والاعتداء.
كفالة كل حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية غير منقوصة لكل المواطنين على قدم المساواة غير مقيدة إلا مما يكون ضروريا فى مجتمع تحررى من أجل حماية حقوق الآخرين و حرياتهم .
المقرطة الشاملة والجذرية لكل العلاقات الاجتماعية فى المجتمع ، وذلك يتطلب تقليص دور الجهاز البيروقراطى للدولة لأقصى درجة ممكنة ، وذلك بتعميم المبادىء التعاونية من ديمقراطية الإدارة والفائدة المحدودة على رأسالمال والعائد على الإنتاج والخدمات وباب العضوية المفتوح فى شتى وسائل الإنتاج والخدمات والإعلام والتعليم والبحث العلمى ، والمقرطة الجذرية للعلاقات الأسرية بتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى إطار هذه العلاقة .هذه الحدود القصوى للبرنامج الديمقراطى .
القوى الاجتماعية المرشحة لقيادة التغيير
* لا أفضل تحديد القوى الاجتماعية المرشحة لقيادة التغيير نحو الديمقراطية والتقدم والحداثة على نحو تنبؤى ، ولكن لا بد من ربط مصالح هذه القوى الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة بالتغيير المنشود وهو ما تلبيه الفكرة الخاصة بتعميم المبادىء التعاونية ، واعتقد أن القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة فى مثل هذا النوع من التغيير والقادرة على إنجازه و القادرة على أن تقود قاطرة هذا الإنجاز هى ما يطلق عليها البروليتاريا الذهنية الحديثة من مهنيين وفنيين وعلماء وباحثين ، وتبرير ذلك كونهم الأكثر ارتباطا بوسائل الإنتاج الأكثر تطورا ومن ثم الأكثر قدرة على السيطرة على الإنتاج والتأثير فى المجتمع ، والأكثر قدرة على التحرر من أثر الميديا الحديثة فى غسيل العقول ، والأكثر قدرة على إدراك الأخطار التى تتهدد المجتمع بسبب استمرار الوضع الراهن ، والأكثر قدرة على الانتظام عبر وسائل الاتصال الحديثة . وهؤلاء لن يجذبهم اليسار التقليدى ببرنامجه الشمولى البيروقراطى الذى يطرح علاقات إنتاج أكثر تخلفا من علاقات الإنتاج الرأسمالية هى علاقات الإنتاج البيروقراطية التى تعنى العبودية المععمة لقوى العمل المأجورة للدولة التى تسيطر عليها البيروقراطية ، و إنما سيجذبهم برنامج اليسار اللاسلطوى الذى يقوم على أساس علاقات إنتاج أكثر تقدما والقائمة على التعاون الطوعى بين منتجين أحرار ينتفعون جماعيا بالملكية الاجتماعية لكل مصادر السلطة المادية
مفاهيم نظرية
* نستطيع القول أن الديمقراطية هى شكل لتنظيم العلاقات الاجتماعية يتاح لمن يدخلون فيها قدر ما من الحرية فى ممارسة هذه العلاقة على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى الداخلة فى تلك العلاقة ، ولأن الحرية الفردية والمساواة بين البشر مفاهيم نسبية بطبيعتها فقد يتسع أو يضيق مقدار ما يتمتع به الأفراد الداخلون فى علاقة اجتماعية محددة من حرية فردية أو مساواة فيما بينهم ،وهو ما يخلق هذا التنوع الهائل فى مفاهيم الديمقراطية ، وهى وإن كانت قد أصبحت مطلبا ملحا لتنظيم السلطات الاجتماعية العامة التى تشكل الدولة ، فهى مطلب يكتنفه الغموض و الالتباس والاختلاف لدى شتى المطالبين به ، و هو ما يستوجب منا كشف هذا الغموض والالتباس والاختلاف.
* الديمقراطية بداية وثيقة الصلة بعلاقتين ، أولا علاقات السلطة فى المجتمع بين الممارسين للسلطة و الخاضعين لتلك السلطة، وثانيا العلاقة بين الحرية الفردية للأفراد الذين يدخلون فى تلك العلاقة الاجتماعية ، و بين تلك السلطة التى يخضعون لها طوعا أو قهرا بسبب دخولهم تلك العلاقة .
* السلطة فيما بين البشر تقوم على أسس مادية، منفصلة عن كل من إرادة و وعى الممارسين للسلطة أو الخاضعين لتلك السلطة، فالاستبداد ليس قيمة سلوكية أخلاقية ترجع لسوء أو حسن سلوك من يمارسها، ربما تتدخل الأخلاق فحسب فى مدى سوء أو حسن استخدام السلطة، وإنما ترجع السلطة بصرف النظر عن حسن ممارستها أو سوءها، للسيطرة على مصادر السلطة المادية و احتكارها من الطرف الممارس للسلطة، وحرمان الخاضع لها من تلك المصادر .
* مصادر السلطة المادية التى تعطى لمن يحوزها السلطة على من لا يتمتع بحيازة هذه المصادر حينما يدخل الطرفان سويا فى علاقة اجتماعية ما ، هى ثلاث مصادر أساسية أولا السيطرة على الثروة المادية سواء عن طريق الملكية أو النفوذ أو الإدارة ، وثانيا حيازة وسائل العنف سواء أكان ماديا أم معنويا، وثالثا السيطرة على المعرفة سواء أكانت عن طريق إنتاجها أو حيازتها أو تداولها أو احتكار تمثيلها كما فى المؤسسات الإعلامية والدينية والسياسية والتعليمية .
* ستظل الحرية الفردية مقيدة ومحدودة طالما ظل المجتمع منقسما جوهريا بين طرفين ،الطرف الأول يمارس السلطة على الطرف الآخر بسبب حيازته لأحد مصادر السلطة المادية أو سيطرته عليها ، والطرف الآخر يخضع لهذه السلطة بسبب من حرمانه من حيازة مصادر السلطة والسيطرة عليها .
* فى داخل كل علاقة اجتماعية بدءا من علاقات الأسرة و وعلاقات العمل والدراسة والجيرة و انتهاء بعلاقة الفرد والجماعات المختلفة بالدولة ، يختلف مركز الفرد أو الجماعة من علاقة لأخرى وفق الموقع الذى يتم اتخاذه أى منهم فى علاقات السلطة ، فقد يكون الفرد أو الجماعة فى أحد تلك العلاقات يملك قدر من السلطة على الطرف الآخر الداخل معه فى العلاقة بسبب سيطرته على أحد مصادرها ، إلا أنه فى إطار علاقة أخرى نراه يخضع لسلطة أخرى لحرمانه من أحد مصادر السلطة فى تلك العلاقة .
* يتكون المجتمع من شبكات من العلاقات الاجتماعية اللانهائية التى تشكل المجتمع فى النهاية ، وهذا التنوع فى علاقات السلطة فى تلك العلاقات يخلق العديد من أشكال الصراع الاجتماعى سواء الفردي أو الجماعى على كل المستويات والعلاقات الاجتماعية ، فى علاقات العمل و فى الأسرة و غير ذلك من العلاقات تدور صراعات أسرية وعائلية وإقليمية ودينية وإثنية وثقافية وقومية ونقابية وطبقية وعرقية وجنسية واقتصادية وسياسية ، تدور كلها حول السلطة ومصادرها ، تكون فى النهاية شبكة صراعات اجتماعية تتنوع بتنوع العلاقات الاجتماعية المختلفة .
* أما عن العلاقة بين الحرية و السلطة ، فإنه إذا كانت الحرية هي التحديد الذاتي للأفعال بما تعنيه من حرية الإرادة في تقرير هذا الفعل أو ذاك ، فإن السلطة هي تحديد خارجي للأفعال بما تعنيه من تقييد الإرادة في تحديد الأفعال ، وذلك بإرادة من يمارسون السلطة ، و لأن السلطة هى ضرورة فى أى علاقة اجتماعية، فإن هناك نوعان من السلطة ، سلطة منفصلة ومتعالية عن الأفراد الخاضعين لها ، وسلطة متصلة وممتزجة مع إرادة الأفراد الخاضعين لها ،فى الأولى يفرض الطرف الحائز على السلطة إرادته على الطرف المحروم منها وتنفصل فيه الحرية عن السلطة ، وفى الثانية يخضع الداخلون فى العلاقة الاجتماعية لإرادتهم الحرة الجماعية المشتركة ، وهذا النوع من التنظيم الاجتماعى الناتج عن توافق الإرادات الفردية الحرة للداخلين فيه تتوحد فيه السلطة مع الحرية.
* ترتبط الحرية الفردية ارتباطا وثيقا بالمسئولية الاجتماعية ، فالقصر هم الذين يتحمل مسئوليتهم الأوصياء مقابل ما سلبوه من حريتهم ، ومن ثم يصبح تحمل المسئولية الاجتماعية الناتجة عن الحرية الفردية ، و تحرر البشر من الوصاية السلطوية من أى نوع ، أقوى رادع للسلوك الإنساني فى تعامله مع الآخرين . فالفضائل الإنسانية هى ضرورة اجتماعية للإبقاء على التماسك الاجتماعى لا تحتاج لكل تلك السلطات القمعية المختلفة للحفاظ عليها كما يزعم السلطويين الداعين للحد من الحرية الفردية باسم التماسك الاجتماعى ، وفى الحقيقة أن هذه السلطات المنفصلة عن البشر والمتعالية عليهم تحديدا هى السبب فى كل تلك الرذائل الإنسانية بما تمارسه من قهر يولد الكذب والنفاق و العنف والسلبية والجبن ..الخ ، و استغلال يولد النهب والسرقة والاحتيال ..الخ .
* مما لاشك فيه أن كل منا يستطيع أن ينظم الكثير من الرؤى الديمقراطية من أدناها حتى أكثرها تحقيقا للحرية الفردية والمساواة بين البشر ،إلا أنه دون دراسة لمعوقات تحقيق تلك الرؤى فى الواقع الاجتماعى الملموس سيجعلها مجرد يوتوبيا جميلة بلا معنى ، محض شعارات فارغة من مضمونها الحقيقى عند التطبيق ، ليس بسبب خيانة القائمين على تطبيقها، ولكن بسبب عدم مراعاتهم لمعوقات تحققها فى الواقع ، كما أن فرض الرؤى النظرية على الواقع الاجتماعى الذى لا يتواءم معها يعنى فرضها عبر الاستبداد حتى ولو كانت أكثر الرؤى تحررا و مساواتية . ومن ثم فإن نموذج الديمقراطية المطلوب لابد أن يتضمن حلولا عملية لمعوقات تحققه فى الواقع ، فالمطلوب ليس الرضوخ لتخلف الواقع الاجتماعى، ولكن المطلوب تحديدا مواجهة هذا التخلف ، وهذه نظرية مختلفة تماما عن نظرية المراحل الشهيرة، التى تفترض أنه نظرا لتخلف الواقع الاجتماعى فعلى رؤانا أن تتدنى لتلائمه ، متناسين حقيقة أن البشر بكل تخلفهم أو رقيهم هم أبناء البنية الاجتماعية التى يشكلونها بعلاقاتهم المختلفة، والتى يدخلونها رغما عن إرادتهم، وبقوانينها التى لا دخل لهم فيها، ومن ثم فلن يتخلص البشر من تخلفهم إلا ببنية اجتماعية مختلفة ،وليس بالحفاظ على هذه البنية المتخلفة
* عندما كانت وسائل العنف أو المعرفة هى سبب السيطرة على وسائل الإنتاج كان شكل ممارسة السلطة يميل للاستبداد والديكتاتورية كما فى المجتمعات الإقطاعية والبيروقراطية بأنواعها ، حيث كان من يسيطرون على وسائل العنف من العسكريين أو المعرفة من الكهنة أو الحقيقة والمبدأ و الجماهير من السياسيين والبيروقراطيين، يسيطرون على الإنتاج و وسائله و يستولون على فائضه بحكم هذه السيطرة العسكرية أو بحكم المعرفة الدينية أو ادعاء تمثيل مصالح الجماهير والحقيقة والمبدأ ، إلا أنه عندما كانت السيطرة على وسائل الإنتاج تضمن السيطرة على وسائل العنف و المعرفة ، كان من يسيطرون على هذه الوسائل يمارسون تسلطهم عبر أشكال متفاوتة الدرجة من الديمقراطية كانت فى المحل الأول الطريقة المثلى لحسم التنافس فيما بينهم على السلطة بدلا من استخدام العنف المسلح والمؤامرات وسائر ما يمارسه الإقطاعيون والكهنة والعسكر و السياسيين والبيروقراطيين فيما بينهم حسما لنفس التنافس على السلطة .
معوقات الديمقراطية
* بعد مرحلة الحداثة التى شهدتها مصر خلال الربع الثانى من القرن العشرين تتويجا لجهود ما يزيد عن القرن من التقدم نحو التحديث ،انتقلت مصر من تلك المرحلة المتقدمة فى التطور الاجتماعى إلى نظام ارتد بها لما قبل الحداثة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا ، وذلك بانتقال قطب السلطة الاجتماعية من ملاك الثروة كما فى الرأسمالية التقليدية ، إلى رجال العنف المسلح من العسكر وكانوا رجال الجيش فى المرحلة الأولى لهذا النظام ، ثم رجال الأمن بالدرجة الأولى فى مرحلة تالية ، كما فى كل النظم ما قبل الرأسمالية فى التاريخ المكتوب و الأنظمة البيروقراطية فى العصر الحديث ، وهى أنظمة شبيهه إلى حد كبير بنظام المماليك السابق للحملة الفرنسية على مصر، فالوسيلة الأساسية للاستحواز على الفائض الاجتماعى فى مجتمع كمصر ليست هى انتزاع فائض القيمة من قوة العمل كما فى الرأسمالية التقليدية ، بل فى انتزاع هذا الفائض عبر الفساد واستغلال النفوذ والبلطجة الغير مباشرة والمباشرة ،التى تمارسها البيروقراطية العسكرية والمدنية و النخبة السياسية و المسيطرين على وسائل الإعلام والثقافة ومؤسسات الدين ، وشبكات أخرى من أعمال الاقتصاد السرى وتشكيلات ثالثة من عصابات الجريمة المنظمة وغيرها ، فضلا عن الكثير من أعمال النصب والفهلوة والبلطجة التى تمارسها قطاعات وشرائح واسعة تتغلغل فى كل الطبقات والشرائح الاجتماعية والمهن والحرف بلا استثناء ، أما الرأسماليون فيتقاسمون الفائض الاجتماعى الذى ينزعوه من قوة العمل مع كل هؤلاء ، والناجحون منهم هم المرتبطين فقط بالجهازين البيروقراطى والسياسى للدولة بالأساس،على عكس الواقع فى المجتمعات الرأسمالية التقليدية حيث يسيطر أمثالهم على هاذين الجهازين بسيطرتهم على وسائل الإنتاج ، وهو وضع يعيق عمليات التراكـم والاستثمار والنمو ،مثلما كان الوضع فى عصور ما قبل الرأسمالية فى مصر .
* نحن بإزاء مجتمع تحول أفراده فى غالبيتهم لبروليتاريا رثة من المتعطلين عن العمل وعمال المياومة والباعة المتجولين فضلا عن الخارجين عن القانون والذين لا يخلقون أى قيمة مضافة، فى حين أن من يخلق القيمة المضافة قطاع ضئيل من العمالة اليدوية والذهنية ، مما يعد نكسة حقيقية لكل جهود التحديث والنهضة التى بدأت بعد الحملة الفرنسية ، وفى القمة من هذا المجتمع قلة ضئيلة تتمركز فى يديها السلطة ومصادرها المادية ، وفى المنتصف طبقات وسطى وعاملة تتزايد معدلات بلترتها وبؤسها وتدهورها ، و لن نحيط بأبعاد تلك النكسة إلا حين نعرف مدى التدهور الذى أصاب المجتمع المصرى من جراء هذا النظام على كافة الأصعدة والمستويات ، و الذى حزت حزوه بلدانا كثيرة فى المنطقة أصبحت نماذج للتدهور والتخلف .
* فمصر التى كان يبلغ إجمالى الإنتاج القومى لها فى العشرينات ثلاث أضعاف الإنتاج القومى لكل البلدان العربية تتبوء مكانة وسطى الآن وسط هذه البلدان ، والأردن التى كانت مجرد قطعة من الصحراء تطل على ميناء وحيد ونهر صغير و بلا بترول كبلدان الخليج ، فوجئت شخصيا أن يبلغ إنتاجها القومى أكثر من بلد كسوريا بكل مواردها الطبيعية والبشرية الغنية على العكس من الأردن .
* يخيل لمن يتأمل الأوضاع فى مصر أنه يشهد عرض مسرحى هزلى ،فالطلاب يذهبون للتعلم ولكنهم لا يتعلمون بقدر ما يمثلوا أنهم يتعلمون، وكذلك المدرسون الذين يمثلون أنهم يعلمون الطلاب ، وغالبية المواطنين يذهبون لأعمالهم ولا يعملون بقدر ما يمثلوا أنهم يعملون ، وإن عملوا فإن ما يعملوه هو مجرد حرث فى البحر بلا قيمة ، وكذلك يمثل الناخبون والمرشحون أنهم يمارسون الديمقراطية، ولكنهم يمثلونها ،هذه المسرحية الهزلية بكل مشاهدها السخيفة تخفى ببريقها الحداثى عفونة التخلف الذى نحن فيه .
* كان من طبيعة المجتمع الذى أنشئه العسكر أن يضخم من الجهاز البيروقراطى للدولة حتى سيطر هذا الجهاز على كل مظاهر الحياة فى المجتمع ، من الإنتاج والخدمات وحتى مؤسسات المجتمع المدنى المختلفة، إلى مؤسسات الإعلام والدين والتعليم ، تاركا فقط الأسرة والعائلة والعشيرة خارج سيطرته المباشرة ، مما أرتد بالواقع الاجتماعى فى مصر سنوات طويلة للوراء ، ونكس بهذا المجتمع لمراحل تم تجاوزها عبر مراحل التحديث ،فعلاقة الفرد بالمؤسسات المدنية الحديثة من نقابة وحزب ومؤسسة رأسمالية وتعاونية قائمة على تحقيق مصلحته الفردية لا مصلحة المؤسسة .
* بلغ عدد موظفى الجهاز البيروقراطى للدولة 6 مليون موظف ،وهو مع كل جبروته الهائل وسلطاته الأخطبوطية التى تمتد لكل ركن فى المجتمع فهو مرتع للفساد والتسيب والإهمال وإهدار الثروات ، و يتبوء على قمة الهرم منذ الخمسينات مجموعات تتركز فى يدها السلطة والنفوذ فى نظام شديد المركزية لا يترك لمن هم فى الدرجات السفلى والوسطى من الهرم البيروقراطى إلا فتات النفوذ والسلطة، وقد تداولت هذه المجموعات السلطة بوفاة السلف وتوريثه السلطة للخلف،الذى يأتى للسلطة بمجموعته الخاصة من خدادشيته ، وقد غيرت تلك المجموعات المملوكية شكليا فى طريقة ممارستها للسلطة ، إذا طبع كل رئيس جمهورية شكل ممارسة السلطة بطابعه الشخصى، فضلا بالطبع عن الظروف الإقليمية والدولية ،إلا أن هذه الممارسة لا تختلف من حيث الجوهر عن بعضها كثيرا ،حيث الانفراد بكل السلطات و حيث يتحدد كل ما فى الدولة والمجتمع بإرادة السيد الرئيس .
* بعد تأميم المجتمع المدنى وابتلاع الجهاز البيروقراطى لكل الأنشطة الاجتماعية المدنية والإنتاجية والخدمية ، ، تم تحويل أفراد هذا المجتمع المصرى لجزر معزولة عن بعضها ، يتكلس كل فرد منهم حول ذاته غير عابئ بالآخرين سواء أكانوا زملاءه فى العمل أو جيرانه فى السكن ، الذين يشاركونه نفس المصالح والمشاكل ، مفضلا الحل الفردى لمشاكله عن الحل الجماعى لها ، وقد أرتد وعي غالبيتهم الساحقة لما قبل الحداثة التى اجترحتها الرأسمالية ، إذ يفتقدون الوعى الاجتماعى بانتماءاتهم الطبقية ، وعاجزون من ثم عن ربط هذا الانتماء بمواقفهم السياسية. ومن ثم تحولت الانتماءات العائلية والعشائرية والإقليمية والدينية والطائفية لتكون دليلا للمواقف السياسية فى العملية الانتخابية لا البرامج السياسية ولا المصالح الطبقية والفئوية فى الغالب الأعم .
* هناك من الجذور الاجتماعية والثقافية العميقة فى نسيج المجتمع المصرى ما يتنافى والديمقراطية . فنحن لا نعرف الديمقراطية فى الأسرة والمدرسة والعمل والثقافة ولا يمكن أن تستثنى الحياة السياسية بالتبعية . فالعقل السائد عقل نقلى محافظ يقدس الموروث الثقافى ، من ثم نافى للآخر والمبدع متهما إياه بالخيانة أو الكفر أو الجهل طالما يخالفه الرأى . وينتج عن ذلك جمود فكرى لا يعرف التطور إلا بشق الأنفس ، والعقل السائد لا يعرف الموضوعية فى حكمه على الأشياء والأفكار ولا يحترم العلم منهجا و حقائقا وسلوكا حتى لدى أشد من يرفعون رايته خفاقة بل وفى مراكز البحث العلمى نفسه ، فنحن نغلب العواطف والمشاعر على كل ما سواها ولا نعرف سوى لغة الشعر ، و لا نطرب سوى للخطابة الجوفاء ، ومن ثم لا نعرف سوى التعصب الأعمى والانفعال حبا وكرها ، والعنف الذى ليس من الضرورى أن يكون دمويا على الإطلاق . فمجرد نفى حق الآخر فى الوجود والتعبير هو شكل من أشكال العنف . ومجرد كيل الاتهامات لكل من يخالفنا الرأى هو نوع من أنواع العنف . إن هذا العقل بكل سماته المذكورة وغير المذكورة السائد بين شتى فئات المجتمع يخلق مناخا لاعقلاني فى كل مجالات الحياة ، يعلو فيه الصراخ الخطابى والهلوسة الفكرية والعنف ، فلا مكان فيه للحقيقة والحكمة والحوار الموضوعى ، فالفكر لدينا مخلوطا بالشعر والخطابة ومن ثم يغلب أسلوبهما بما فيهما من تصوير أدبى وفنى على موضوعية الفكر ودقته .
البرنامج الديمقراطى بين الحدين الأدنى والأقصى
* يكتفى بعض المطالبون بالديمقراطية بحد أدنى من الديمقراطية الذى يتمثل فى نظرهم فى انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح ، وترتفع مجموعات أخرى بسقف التطلعات الديمقراطية لدرجات مختلفة تصل عند البعض للحد الأقصى من الديمقراطية ، وقد يخيل للبعض إننا كلما هبطنا بسقف المطالب كلما كنا أكثر واقعية وعملية ، وكلما ارتفعنا بسقف المطالب كلما كنا بعيدين عن الواقعية والعملية ،وعلى العموم فتحقيق أى درجة من المطالب الاجتماعية مرهون بتوازنات القوى الاجتماعية ، بين المطالبين بالتغيير والمحافظين على الوضع الراهن، وليس فقط بإرادة الناشطين سياسيا ، فالتغيير الاجتماعى لابد وأن يستند لقوى اجتماعية تتوحد مصالحها بهذا التغيير، إلا أن أى مطالب واقعية وعملية لابد وأن تتضمن مواجهة معوقات الديمقراطية فى المجتمع بالقضاء عليها وليس بالتعايش معها ،بوقف تأثيرها المدمر لا بتركها تنخر فى عظام النظام المنشود .
* بناء على ما سبق فإن برنامجا يواجه معوقات الديمقراطية فى المجتمع يكون البرنامج الأكثر واقعية وعملية ومن ثم يجب أن يتضمن البرنامج أن تكون السلطات الاجتماعية العامة منفصلة ومستقلة تماما عن كل من الدين والطائفة والقومية والعنصر والثقافة واللون والجنس والعرق والنوع واللغة والأصل الاجتماعى .و أن يقوم تنظيم السلطات الاجتماعية على مبدأ السلطة الشعبية التى يشارك فيها كل المواطنين البالغين العاقلين على قدم المساواة و أن تمارس السلطة الشعبية من خلال ما يلى من أشكال .
الأولى الديمقراطية المباشرة التى تتيح لكل المواطنين حقوق المشاركة المباشرة فى السلطة تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا بشكل مباشر كلما تيسر ذلك فى الوحدات المحلية الأساسية.
الثانية الديمقراطية شبه المباشرة التى تتيح لكل المواطنين حقوق المشاركة الفعالة فى السلطة عندما تتعذر الديمقراطية المباشرة فى الوحدات المحلية الأعلى. وذلك بضمان تمتع المواطنين بالحقوق التالية: الاستفتاء الشعبى على القوانين و الاقتراح الشعبى بالقوانين و تكليف النائب ومحاسبته ومراقبته وإقالته و التحقيق الشعبى معه.
والثالثة الديمقراطية التمثيلية فى الوحدات المحلية الأعلى من الوحدات المحلية الأساسية ، من خلال مجالس نيابية يكون أعضاءها خاضعين فى ممارسة نشاطهم النيابى لسلطة ناخبيهم ، و ذلك عندما تتعذر كلا من الديمقراطية المباشرة و شبه المباشرة .و يتولى المجلس انتخاب المسئولين التنفيذيين و الإداريين وتفويض المختصين و يقوم بتكليفهم عبر القرارات الملزمة و الاقتراحات النيابية و محاسبة و مراقبة من انتخبوهم من عبر الاستجوابات و وطلبات الإحاطة. والتصديق على كل القرارت التنفيذية و الإدارية ، وإقالة من انتخبتهم وممارسة التحقيق النيابى مع من انتخبوهم والبت بالرأى فى شأن بقاءهم فى مناصبهم ووظائفهم من عدمه.
تطبيق اللامركزية الإدارية فى كل الوحدات المحلية على كافة المستويات ، بحيث تتولى المجالس المحلية كل مسئوليات التشريع والتنفيذ و الأشراف والمراقبة وتنظيم حقوق الانتفاع فيما يتعلق بالأنشطة الخدمية والإنتاجية فى حدودها الإقليمية والجغرافية .
و ضع ظوابط الانتخاب و الترشيح لعضوية المجالس النيابية والتنفيذية ومنها توحيد ميزانية الحملة الانتخابية لكل المرشحين و ضمان شفافية مواردها ومصروفاتها و ظبط طرق إنفاقها و توجيهها بهدف شرح البرنامج الانتخابى لكل مرشح على قدم المساواة مع باقى المرشحين لكل أعضاء المجمع الانتخابى ، و أن تتم كل وقائع العملية الانتخابية بإشراف الهيئة الشعبية المستقلة للإشراف على الممارسة السياسية .و إلغاء نظام الجداول الانتخابية وذلك بأن تتم مباشرة كل الحقوق السياسية من خلال بطاقة الهوية المثبت فيها الموطن الانتخابى والسن والمهنة والحالة الجنائية والوضع القانونى . والتى تثبت عضوية الناخب بالمجمع الانتخابى و الإشراف الكامل على مباشرة كل الحقوق السياسية من قبل هيئة شعبية مستقلة تماما فى تكوينها و تمويلها و نشاطها عن الأجهزة التنفيذية و الإدارية مكونة من القضاء و ممثلى منظمات حقوق الإنسان و ممثلى منظمات المجتمع المدنى المختلفة و ممثلى الأحزاب السياسية و الشخصيات المدنية العامة.
يتم اختيار القضاء بكافة درجاته وأعضاء النيابة العامة بكافة درجاتها من الحاصلين على شهادات دراسية قانونية عليا باعتبارهم مختصين بتطبيق القانون على المنازعات ، من خلال مجلس مشترك من المجلس النيابى والمسئولين التنفيذيين بالإضافة لأعضاء الهيئة القضائية فى المستوى الذى يمثله المجلس ، و أن يتم اختيارهم من بين قائمة تضم كل الحاصلين على شهادات دراسية قانونية عليا و الهيئة القضائية بكاملها مستقلة عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية الممنوع على أعضاءها تولى أي مهام أو مسئوليات قضائية و استقلال الهيئة القضائية الكامل بوضع موازنتها ولوائح عملها.
ضمان حق كل المواطنين فى تنظيم أنفسهم فى شتى الجماعات المدنية التى تلبى احتياجاتهم المشتركة ، وتنظم انشطتهم المدنية المختلفة ، وتدافع عن حقوقهم المشتركة ،والمقصود بالجماعات المدنية كل التجمعات المستقلة عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، التى تشمل الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والنقابات المهنية والجماعات الثقافية والجماعات الدينية والعقائدية والجماعات القومية. و ضمان حرية واستقلال عمل الجماعات المدنية وتعدديتها و استقلاليتها دون أى قيود على ممارسة هذا الحق سوى ما ينص عليه إطار الأحكام العامة للقانون التى تحظر كل انتهاك للنظام العام والسكينة العامة والصحة العامة و الأمن العام، مما يكون ضروريا فى مجتمع تحررى من أجل حماية حقوق الآخرين و حرياتهم من الانتهاك والتضرر والاعتداء.
كفالة كل حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية غير منقوصة لكل المواطنين على قدم المساواة غير مقيدة إلا مما يكون ضروريا فى مجتمع تحررى من أجل حماية حقوق الآخرين و حرياتهم .
المقرطة الشاملة والجذرية لكل العلاقات الاجتماعية فى المجتمع ، وذلك يتطلب تقليص دور الجهاز البيروقراطى للدولة لأقصى درجة ممكنة ، وذلك بتعميم المبادىء التعاونية من ديمقراطية الإدارة والفائدة المحدودة على رأسالمال والعائد على الإنتاج والخدمات وباب العضوية المفتوح فى شتى وسائل الإنتاج والخدمات والإعلام والتعليم والبحث العلمى ، والمقرطة الجذرية للعلاقات الأسرية بتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى إطار هذه العلاقة .هذه الحدود القصوى للبرنامج الديمقراطى .
القوى الاجتماعية المرشحة لقيادة التغيير
* لا أفضل تحديد القوى الاجتماعية المرشحة لقيادة التغيير نحو الديمقراطية والتقدم والحداثة على نحو تنبؤى ، ولكن لا بد من ربط مصالح هذه القوى الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة بالتغيير المنشود وهو ما تلبيه الفكرة الخاصة بتعميم المبادىء التعاونية ، واعتقد أن القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة فى مثل هذا النوع من التغيير والقادرة على إنجازه و القادرة على أن تقود قاطرة هذا الإنجاز هى ما يطلق عليها البروليتاريا الذهنية الحديثة من مهنيين وفنيين وعلماء وباحثين ، وتبرير ذلك كونهم الأكثر ارتباطا بوسائل الإنتاج الأكثر تطورا ومن ثم الأكثر قدرة على السيطرة على الإنتاج والتأثير فى المجتمع ، والأكثر قدرة على التحرر من أثر الميديا الحديثة فى غسيل العقول ، والأكثر قدرة على إدراك الأخطار التى تتهدد المجتمع بسبب استمرار الوضع الراهن ، والأكثر قدرة على الانتظام عبر وسائل الاتصال الحديثة . وهؤلاء لن يجذبهم اليسار التقليدى ببرنامجه الشمولى البيروقراطى الذى يطرح علاقات إنتاج أكثر تخلفا من علاقات الإنتاج الرأسمالية هى علاقات الإنتاج البيروقراطية التى تعنى العبودية المععمة لقوى العمل المأجورة للدولة التى تسيطر عليها البيروقراطية ، و إنما سيجذبهم برنامج اليسار اللاسلطوى الذى يقوم على أساس علاقات إنتاج أكثر تقدما والقائمة على التعاون الطوعى بين منتجين أحرار ينتفعون جماعيا بالملكية الاجتماعية لكل مصادر السلطة المادية
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية